المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قوله تعالى " إلا إبليس أبى واستكبر "



ماكـولا
08-25-2010, 02:36 AM
قال القاسمي في محاسن التأويل ".

القول في تأويل قوله تعالى { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }

{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } لما أنبأهم بأسماء ، وعلمهم ما لا يعلموا أمرهم بالسجود له ، على وجه التحية والتكرمة تعظيما له ، واعترافا بفضله ، واعتذارا عما قالوا فيه . وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم عليه السلام : { فسجدوا إلا إبليس أبى } أي : امتنع عن السجود : { واستكبر } أي : تكبر ، وقال : أنا خير منه ، فالسين للمبالغة : { وكان } في سابق علم الله ، أو صار : { من الكافرين } .

تنبيهات :


الأول : للناس في هذا السجود أقوال : أحدها أنه تكريم لآدم ، وطاعة لله ، ولم يكن عبادة لآدم . وقيل : السجود لله ، وآدم قبلة ، أو السجود لآدم تحية ، أو السجود لآدم عبادة بأمر الله ، وفرضه عليهم . ذكر ابن الأنباري عن الفراء ، وجماعة من الأئمة : أن سجود الملائكة لآدم ، كان تحية ، ولم يكن عبادة ، وكان سجود تعظيم وتسليم وتحيه ، لا سجود صلاة وعبادة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال أهل العلم : السجود كان لآدم بأمر الله وفرضه وعلى هذا إجماع كل من يسمع قوله فإن الله تعالى قال : { اسجدوا لآدم } ولم يقل : إلى آدم
وكل حرف له معنى ، وفرق بين : سجدت له ، وبين : سجدت إليه قال تعالى : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن } [ فصلت : 37 ] : { ولله يسجد من في السماوات والأرض } [ الرعد : 15 ]

أجمع المسلمون على أن السجود للأحجار ، والأشجار ، والدواب محرم ، وأما الكعبة ، فيقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ، ثم صلى إلى الكعبة ، ولا يقال صلى لبيت المقدس ، ولا للكعبة والصواب أن الخضوع بالقلوب ، والاعتراف بالعبودية ، لا يصلى على الإطلاق إلا لله سبحانه .

وإما السجود فشريعة من الشرائع يتبع الأمر فلو أمرنا سبحانه أن نسجد لأحد من خلقه ، لسجدنا طاعة واتباعا لأمره فسجود الملائكة لآدم عبادة لله ، وطاعة ، وقربة يتقربون بها إليه وهو لآدم تشريف وتعظيم وتكريم وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام ولم يأت أن آدم سجد للملائكة بل لم يؤمر بالسجود إلا لله رب العلمين وبالجملة ، أهل السنة قالوا : إنه سجود تعظيم وتكريم وتحية له .

وقالت المعتزلة : كان آدم كالقبلة يسجد إليه ، ولم يسجدوا له قالوا ذلك هربا من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ؛ فإن أهل السنة قالوا : إبليس من الملائكة ، وصالح البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم خالفت المعتزلة في ذلك وقالت : الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة ، ويبطله ما حكى الله سبحانه عن إبليس : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } [ الإسراء : 62 ] .


الثاني : اختلفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود ، فقيل : هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض

قال تقي الدين بن تيمية : هذا القول ليس من أقوال المسلمين واليهود النصارى وقيل : هم جميع الملائكة ، حتى جبريل وميكائيل وهذا قول العامة من أهل العلم بالكتاب والسنة
قال ابن تيمية : ومن قال خلافه فقد رد القرآن بالكذب والبهتان ، لأنه سبحانه قال : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } [ الحجر : 30 ] ، وهذا تأكيد للعموم .


الثالث : للعلماء في إبليس ، هل كان من الملائكة أم لا ؟

قولان :

أحدهما أنه كان من الملائكة قاله ابن عباس ، وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، واختاره الشيخ موفق الدين ، والشيخ أبو الحسن الأشعري ، وأئمة المالكية ، وابن جرير الطبري قال البغوي : هذا قول أكثر المفسرين ، لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم قال تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس } فلولا أنه من الملائكة ، لما توجه الأمر إليه بالسجود ، ولو لم يتوجه الأمر إليه بالسجود لم سكن عاصيا ، ولما استحق الخزي والنكال .


والقول الثاني : أنه كان من الجن ، ولم يكن من الملائكة قاله ابن عباس ، في رواية ، والحسن وقتادة ، واختاره الزمخشري ، وأبو البقاء العكبري ، والكواشي في تفسيره . لقوله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } [ الكهف : 50 ] ، فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس ، ولأنه خلق من نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ، ولا ذرية للملائكة .


قال في الكشاف : إنما تناوله الأمر ، وهو للملائكة خاصة ، لأن إبليس كان في صحبتهم ، وكان يعبد الله عبادتهم ، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع .

والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء ، وصححه البغوي وأجابوا عن قوله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن } أي : من الملائكة الذين هم خزنة الجنة .


قال ابن القيم : الصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في الحقيقة قول وحد فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته ، وليس منهم بمادته وأصله ؛ كان أصله من نار ، وأصل الملائكة من نور فالنافي كونه من الملائكة ، والمثبت ، لم يتواردا على محل واحد

وكذلك قال الشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في الفتاوي المصرية : وقيل إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار ، سموا : جنا ؛ لاستتارهم عن الأعين ، فإبليس كان منهم . والدليل على ذلك قوله تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } [ الصافات : 158 ] ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية .


سئل الشعبي : هل لإبليس زوجة ؟ قال : ذلك عرس لم أشهده ! قال : ثم قرأت هذه الآية ، فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة . فقلت : نعم . وقال قوم : ليس له ذرية ولا أولاد ، وذريته أعوانه من الشياطين .

الرابع : في قوله تعالى : { وكان من الكافرين }

قولان : أحدهما أنه وقت العبادة كان منافقا

والثاني أنه كان مؤمنا ثم كفر ، وهذا قول الأكثرين . فقيل في معنى الآية : { وكان من الكافرين } في علم الله ، أي : كان عالما في الأزل أنه سيكفر .

والذي عليه الأكثرون أن إبليس أول كافر بالله أو يقال : معنى الآية أنه صار من الذين وافقوه في الكفر بعد ذلك .

واختلف الناس بأي سبب كفر إبليس ، لعنه لله .
فقالت الخوارج : إنما كفر بمعصية الله ، وكل معصية كفر وهذا قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .

وقال آخرون : كفر بترك السجود لآدم ومخالفته أمر الله . وقال آخرون : كفر لأنه خالف الأمر الشفاهي من الله ، فإن الله خاطب الملائكة وأمرهم بالسجود . ومخالفة الأمر الشفاهي أشد قبحا .

وقال جمهور الناس : كفر إبليس لأنه أبى السجود واستكبر وعاند وطعن ، واعتقد أنه محق في تمرده ، واستدل بـ : { أنا خير منه } [ الأعراف : 12 ] كما يأتي فكأنه ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته وهذا الكبر عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " كذا في " كتاب الاستعاذة " للإمام ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى