المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خاطرة موضوعية



ابوالمنذر
08-14-2005, 02:52 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صصص وعلى آله وصحبه .........أما بعد

مسئلة فى كتب التوحيد ، عند الحديث على مفهوم الربوبية وهى قول علمائنا - رحم الله الاموات - وحفظ الاحياءالا وهى :


إقرار مشركى العرب بتوحيد الربوبية

وقد كرر علمائنا - رحم الله الاموات - وحفظ الاحياء ، هذه المقولة كثيرًا ونقلزا عن شيخ الاسلام رحمه الله من مواضع كثيرة فى مجموع الفتاوى ومنها:
قوله :( و يعلم أن الله تعالى يحب أن يعبد و حده لا شريك له و يبغض من يجعل له أندادا يحبونهم كحب الله و إن كانوا مقرين بتوحيد الربوبية كمشركي العرب و غيرهم )

وقوله الامام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :( نقول قال الشيخ تقي الدين وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر ومن أهل العبادة حتى قلبوا حقيقته فطائفة ظنت أن التوحيد هو نفي الصفات وطائفة ظنوا أنه الإقرار بتوحيد الربوبية ومنهم من أطال في تقرير هذا الموضع وظن أنه بذلك قرر الوحدانية وأن الألوهية هي القدرة على الاختراع ونحو ذلك ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد قال الله تعالى قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون الآيات )وكذلك نقل غيرهم ففى تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ، وفتح المجيد تقربيا نفس النقول:
( التوحيد نوعان توحيد في المعرفة والاثبات وهو توحيد الربوبية والاسماء والصفات وتوحيد في الطلب والقصد وهو توحيد الالهية والعبادة ذكره شيخ الاسلام وابن القيم وذكر معناه غيرهما النوع الأول توحيد الربوبية والملك وهو الاقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار الذي له الامر كله وبيده الخير كله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الايمان بالقدر وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الاسلام بل لا بد ان يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الآلهية لان الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا التوحيد لله وحده قال تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون وقال تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وقال و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله وقال تعالى أمن يجيب المضطر اذا دعاه الآية فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا بذلك مسلمين بل قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون قال مجاهد في الآية إيمانهم بالله قولهم إن الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وعن ابن عباس وعطاء والضحاك نحو ذلك فتبين أن الكفار يعرفون الله ويعرفون ربوبيته وملكه وقهره وكانوا مع ذلك يعبدونه ويخلصون له أنواعا من العبادات كالحج والصدقة والذبح والنذر والدعاء وقت الاضطرار )

ونقل غيرهم رحمهم الله غير ذلك، بل نكاد نرى تؤاطأ من اهل العلم قاطبة على هذا المفهوم.

ولكن ...............

صرف العبادة لاى أحد تكون على رجاء النفع أو دفع الضر ، ونحن نعلم أن جلب النفع ودفع الضر أليق بفهموم الربوبية الذي يترتب عليه الألوهية وهو العبادة.

لتوضيح ذلك نقول :
إن كل رسول عليه الصلاة والسلام جاء إلى قومه ، بكلمة التوحيد ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25) والتي مفادها توجيه العبادة له وحده ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف: من الآية73) .
ولكن توحيد الألوهية مرتكزٌ على توحيد الربوبية، كأنها نتيجة حتمية له ، فمن أقرار بربوبية الله الكاملة ، ألزامه ذلك الإقرار بالألوهية ، وهذا في القران كثيرة .
وعندما يكون هناك غبش ، أو عدم إقرار كاملة بربوبية الله عز وجل تكون نتيجة حتمية بنقصان الإقرار بالألوهية .
وهذا الأمر واضح تمام الوضوح كضوء الشمس ومصدقًا لهذا :
قصة نوح عليه السلام مع قومه :
( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23)
جاء في التفسير : ( تفسير ابن كثير / تفسير سورة نوح عليه السلام ) وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.
قال البخاري : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِى كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِى الْعَرَبِ بَعْدُ ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِى غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ ، لآلِ ذِى الْكَلاَعِ . أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِى كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَاباً ، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ .
وكذا روي عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق نحو هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس "ولا يغوث ويعوق ونسراً" قال: كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم, فلما ماتواقال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم, فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.

فهنا احتمالان :
الاول : طلب شفاعتهم عند الله عز وجل كما قال مشركي العرب ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)(يونس: من الآية18) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر: من الآية3)
الثاني : طلب المعونة والمدد بالمطر بالنصر وسائر ذلك ، كما قال الله عز وجل مبكتاً الكفار ( فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (الاحقاف:28) أي فهل نصروهم عند احتياجهم إليهم. "بل ضلوا عنهم" أي بل ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم "وذلك إفكهم" أي: كذبهم "وما كانوا يفترون" أي وافتراؤهم في اتخاذهم إياهم آلهة وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها واعتمادهم عليها, والله أعلم.

ونحن نعلم أن طلب الشفاعة نوع من النفع وكذا معاني النصر والمدد من النفع وهذا أليق بمفهوم الربوبية ، لذا شركهم في الربوبية أدى إلى الشرك في الألوهية .

مناظرة إبراهيم عليه السلام لقومه وعلى رأسهم ملكهم :

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258)
الذى يظن في نفسه أنه رب ( أي له من أفعال الربوبية كالإحياء والإماتة ) ، فما بالك بظنه وظن قومه في آلالهتهم ؟
وكذلك في مناظرته الكبرى مع قومه في سورة الأنعام من قوله تعالى ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75) إلى قوله تعالى ()وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (الأنعام:80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنعام:81)
قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى :
80- قوله عز وجل " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان "، ولما رجع إبراهيم عليه السلام إلى أبيه، وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحين، وضمه آزر إلى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها إبراهيم ليبيعها، فيذهب بها [إبراهيم عليه السلام] وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه، فلا يشتريها أحد، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر [فضرب] فيه رؤوسها، وقال: اشربي، استهزاءً بقومه، وبما هم فيه من الضلال، حتى فشا استهزاؤه بها في قومه [وأهل] قريته، فحاجه أي خاصمه وجادله قومه في دينه، " قال: أتحاجوني في الله "، قرأ أهل المدينة وابن عامر بتخفيف النون، وقرأ الآخرون بتشديدها إدغاماً لاحدى النونين في الأخرى، ومن خفف حذف إحدى النونين تخفيفاً يقول: أتجادلونني في توحيد الله، وقد هداني للتوحيد والحق ؟ " ولا أخاف ما تشركون به" وذلك أنهم قالوا له : إحذر الأصنام فإنا نخاف أن تمسك بسوء من خبل أوجنون لعيبك إياها ، فقال لهم: ولا أخاف ما تشركون به، " إلا أن يشاء ربي شيئاً "، وليس هذا باستثناء عن الأول بل هو استثناء منقطع، معناه لكن إن يشأ ربي شيئاً سوءً، فيكون ما شاء، " وسع ربي كل شيء علماً "، أي: أحاط علمه بكل شيء، " أفلا تتذكرون " .
81- " وكيف أخاف ما أشركتم "، يعني الأصنام، وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع، " ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً "، حجة وبرهاناً، وهو القاهر القادر على كل شيء، " فأي الفريقين أحق "، أولى، " بالأمن"، أنا وأهل ديني أم أنتم ؟ " إن كنتم تعلمون ". ا.هـ
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:
يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم, حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد وناظروه بشبه من القول, أنه قال "أتحاجوني في الله وقد هدان" أي تجادلونني في أمر الله, وأنه لا إله إلا هو, وقد بصرني وهداني إلى الحق, وأنا على بينة منه, فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة, وقوله "ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً" أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه, أن هذه الالهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئاً, وأنا لا أخافها ولا أباليها, فإن كان لها كيد فكيدوني بها, ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى: "إلا أن يشاء ربي شيئاً" استثناء منقطع, أي لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل "وسع ربي كل شيء علماً" أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا يخفى عليه خافية "أفلا تتذكرون" أي فيما بينته لكم أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها .ا.هـ

يوسف عليه السلام :
( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف:39)
كان لدى المصريين القدماء أرباب شتى رب لإحياء والإماتة ، ورب للإخصاب والإنبات ،ورب للنيل (وقصة العذراء القربان التى كان يقدمونها دليل على ذلك ، وقصة إبطال عمرو بن العاص رضي الله عنه لهذا الأمر ، والبطاقة التي إرسالها عمر رضي الله عنه ( قصة نيل مصر روينا من طريق ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما افتتحت مصر آتى اهلها عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم فقالوا أيها المير لنيلنا هذا سنة لايجري إلا بها قال وما ذلك قالوا إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من ابويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو إن هذا مما لايكون في الإسلام إن الاسلام يهدم ماقبله قال فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لايجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء فكتب عمرو إلى عمر ابن الخطاب بذلك فكتب إليه إنك قد أصبت بالذي فعلت وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فاذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد فان كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلاحاجة لنا فيك وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك قال فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم (البداية والنهايةم7/صـ100)

هود عليه السلام:
( إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (هود:54)
قال الإمام البغوي رحمه الله :
54-"إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا" أي: أصابك "بسوء" يعني: لست تتعاطى ما نتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا، اعتراك، أي: أصابك بسوء بخبل وجنون، وذلك أنك سببت آلهتنا فانتقموا منك بالتخبيل لا نحمل أمرك إلا على هذا، "قال"، لهم هود، "إني أشهد الله"، على نفسي، "واشهدوا"، يا قوم "أني بريء مما تشركون".أ.هـ
قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
يخبر تعالى أنهم قالوا لنبيهم "ما جئتنا ببينة" أي بحجة وبرهان على ما تدعيه "وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك" أي بمجرد قولك اتركوهم نتركهم "وما نحن لك بمؤمنين" بمصدقين "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" يقولون: ما نظن إلا أن بعض الالهة أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها " قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه " يقول: إني بريء من جميع الأنداد والأصنام "فكيدوني جميعاً" أي أنتم وآلهتكم إن كانت حقاً "ثم لا تنظرون" أي طرفة عين .ا.هـ

محمد صلى الله عليه وسلم وقومه :
قال عز وجل :
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:36)
قال الإمام البغوي :
36. قوله عز وجل: " أليس الله بكاف عبده "؟ يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو جعفر و حمزة و الكسائي : (( عباده )) بالجمع يعني: الأنبياء عليهم السلام، قصدهم قومهم بالسوء كما قال: " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " (غافر-5)، افكفاهم الله شر من عاداهم، " ويخوفونك بالذين من دونه "، وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة الأوثان. وقالوا: لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون، " ومن يضلل الله فما له من هاد ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
يقول تعالى: "أليس الله بكاف عبده" وقرأ بعضهم "عباده" يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه ، ويخوفونك بالذين من دونه" يعني المشركين يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دون الله جهلاً منهم وضلالاً ولهذا قال عز وجل: "ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ؟" أي منيع الجناب لا يضام من استند إلى جنابه ولجأ إلى بابه فإنه العزيز الذي لا أعز منه ولا أشد انتقاماً منه ممن كفر به وأشرك وعاند رسوله صلى الله عليه وسلم, وقوله تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" يعني المشركين كانوا يعترفون بأن الله عز وجل هو الخالق للأشياء كلها ومع هذا يعبدون معه غيره مما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ولهذا قال تبارك تعالى: "قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ؟ أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ؟" أي لا تستطيع شيئاً من الأمر. ا.هـ بتصريف

ومن السنة:
*) أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ » . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِىُّ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ . وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ . الترمذي وأحمد .
قال في فتح المجيد : (وينوطون بها أسلحتهم ) أي : يعلقونها عليها للبركة .

زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى مُؤْمِنٌ بِى وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِى وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِى وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ » . متفق عليه
قال أيضا: قوله (مؤمن بى وكافر) إذا اعتقد أن للنوء تأثيرًا في إنزال المطر فهذا كفر ، لإنه أشرك في الربوبية والمشرك كافر )

قلت : في هذه النقول كفاية لتوضيح ما ذكرناه .

الخلاصة
1- المشركون كان يعتقدون أن الأمور العلوية كالخلق والتدبير والإحياء والإماتة ، كلها ثابتة لله عز وجل .
2- وكانوا يعتقدون أن الله عز وجل إما أناب هذه الأصنام ، أو وكلهم عنه في تدبير شئون الخلق ، أو أن لها جاه ومكانة عنده ، لذا فهم مسموعي الكلمة عنده ، و شفاعتهم ترتجى وهي مقبولة لديه لقربهم منه ، بل النفع والضر بأيديهم ( وهذا هو اعتقاد كثير من طوائف الصوفية من القبوريين في أوليائهم المزعومة بل قالوا : أن الله أوكل لهؤلاء من الأقطاب والأوتاد شئون خلقه وتدبير الكون ، حتى قال قائلهم: ( عبد القادر يا جيلاني *** يا مصرف الأكوان ) )
3- فكان نتيجة ذلك أن صرفوا لهذه الآلهة المزعومة العبادة من دعاء وذبح و.............و..........................و........ .........وغيرها، وكأن عدم وضوح مفهوم الربوبية في تصوراتهم ( لأنهم تصور النفع والضر بيد غير الله عز وجل ) ، أدى إلى شركهم في الربوبية ، فكانت هذه هي المدخلات في التصور ، فكانت المخرجات من نفس الأرض النكدية شرك في العبادة ، لأنه عبد من تصور أنه يملك له نفعًا أو ضرًا بسبب تصوره الفاسد ، لذا كان العرض القرآني فذًا في معالجة هذه القضية وهو عرض القضايا الكبرى من مسائل الربوبية حتى يفطنوا أن الذى بيده ملكوت السموات والأرض ، وله كل شئ من أحوالهم فلما يلتمسونها عند غيره ( قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ(85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (86) )سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:88) ..........وغيرها كثير . ، أو عرض عجز آلهتهم المزعومة حتى يعلموا انهم لايملكون لأنفسهم نفعًا أو ضرًا فأصعب منه أن يملكون لكم أيها البُهلاء الأغبياء ،كقوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) وقوله ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) (الفرقان:3) ......... وغيرها كثير.
والله أعلى وأعلم