laith43d
08-25-2010, 08:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما نقرأ أو نسمع عن منظومة أخلاقية في عرف الملحدين، أي أنهم يدعون امتلاكهم لمنظومة أخلاقية يستدلون عليها بعقولهم المجردة، ودائما تطرح من طرفهم هم، ولكن ارتأيت أن أضع مقالا لقراءة هذه المنظومة من منظور الطرف المقابل، أي من منظور المؤمن. وهذا لكي نجيب عن السؤال التالي: هل للملحد منظومة قيم وأخلاق وراء ما استقاه من التراث الديني؟
قبل أن نبدأ أود أن أعرض لهذه المنظومة من وجهة نظر الملحدين، خير مكان وجدت فيه من يعرض لأخلاق الملحد وأهدافه في الحياة هو جاد في مدونته:
"الملحد إنسان يخاف جداً على حياته من أن يخسرها لأن الموت هو النهاية، وإن الحياة هي الشيء الوحيد الذي لديه، فإنه سيحافظ عليها جيداً ويحرض على أن يعيشها على أفضل وجه. فإذا قتل أو سرق فإنه سيدخل السجن وسيضيع عمره مسجون، ولذلك سيتجنب القتل والسرقة. الملحد لن يكذب لكي لا يخسر ثقة الناس به، لأن الحياة ستكون صعبة جداً عندما يعيش منعزل عن الجميع. الملحد والملحدة ليس لديهم أي مانع من ممارسة الجنس برضى الطرفين لأنه لا يضر أحداً، فما علاقة الناس الآخرون بك عندما يكون السكس برضى الطرفين؟ الملحد ليس عنده أي مانع من شرب الكحول (الخمر) بإعتدال لكي لا يفعل شيء يخسره حياته. الملحد شخص مخلص لمعتقداته بشكل كبير، فترى أغلب الملحدين يبحثون ويطالعون ويكتبون المقالات ويناقشون محاولين توعية الناس من خرافات وأوهام الأديان علماً بأن الملحد ليس له رب لكي يكافأه، بل يأمل بأن يرى الخير والسلام يغمر العالم كله في الأجيال التي بعده.
كخلاصة على ما سبق، فإن الإنسان الملحد لديه أخلاق عالية جداً أكثر من الشخص المؤمن والمتدين. أهداف الملحدين عديدة ولكن جميع هذه الأهداف هي إيجابية تصب في نفس الموضوع وهو عيش الحياة بأفضل وجه لأنه لا يملك غيرها، مع المحاولة على مساعدة الآخرين للتحرر من وهم الأديان، ومحاولة أن يكون إنسان جيد بأخلاق عالية ليتذكره الناس بالحسن بعد أن يموت."
يمكننا تلخيص أخلاق الملحد وأهدافه في الحياة بالنقاط التالية:
1. الملحد يخاف جدا على حياته، لأنها كل ما يملك، بالتالي فإنه لا يقدم على عمل يخرب حياته في النتيجة.
2. الغرائز هي أمر طبيعي عند الملحد، ولا يوجد مبرر لتقنينها (أي تحديدها بقوانين).
3. الملحد شخص مخلص لمعتقداته! فهو يأمل أن يرى (لا أدري متى سيرى إن كان الموت هو النهاية) الخير والسلام يغمر العالم في الأجيال اللاحقة، بالرغم من أنه لا يأمل المكافأة.
4. أخلاق الملحد عالية جدا أكثر من أي أحد!!
5. أسمى أهدافه في الحياة، هو عيش الحياة بأفضل وجه لأنه لا يملك غيرها (رؤية شاب متفائل جدا).
6. يحاول أن يتذكره الناس بالخير بعد وفاته.
للوهلة الأولى نرى المدعى جميلا، ولكن عندما نلخص في صيغة نقاط، نجد الضعف واضحا في حياة الملحد بصورة عامة، فهو يخلط خلطا عجيبا بين الأمور، ويأخذ ماهو هدف ليس بهدف وما هو وسيلة ليس بوسيلة وهكذا.
يمكننا أن نرى أوجها مشتركة بين المؤمن والملحد، فالنقطة الخامسة يدعيها الملحد بدون أي دليل، وأنا أدعي العكس فما هو المرجح لأحد الإدعائين؟ أما بالنسبة للإخلاص، فلا مشكلة عندنا بوجود الإخلاص عند المؤمنين أيضا، ولكن المشكلة في تشخيص المصاديق.
إن ما نراه واضحا في هذا الطرح لأخلاق الملحد، هو طرح لمدينة فاضلة حديثة، وهذا ما عابوه سابقا على الفارابي ومن قبله أفلاطون، حيث إنهم طرحوا نظرية المدينة الفاضلة بعيدا عن دراسة الطبيعة البشرية، ولهذا تصوروا بأن الإنسان يستطيع أن يصير عقلا مجردا عن شهواته ونوازعه الذاتية، وهنا نرى بأن جاد يطرح المسألة بنفس الصورة، فهو يبتعد عن الطبيعة البشرية ونوازعها الذاتية ويهيم في عالم الخيال لصنع مدينة فاضلة!!
سوف نذكر كثيرا كلمة أخلاق، وحتى لا يحصل لبس، فنحن لا نعني بالأخلاق السلوك الحسن والسيرة الطيبة، فإن هذا ما نعرّفه بالسير والسلوك أو حسن المعاشرة، أما الأخلاق فهي الملكات الفاضلة في النفس الإنسانية، من قبيل الكرم والجود والشجاعة وما شابه، أو بالتحديد ما قصده الرسول الكريم بقوله: "إنما بعثت لأمم مكارم الأخلاق"، ولنعرض لبعض الإشكالات ونحاول علاجها:
أولا: الملحد كغير الملحد، يخاف على حياته لأنه لا يملك غيرها.
بالتأكيد سوف يحتج الملحد بأن المؤمن لما كان يروم جزاء الآخرة الذي بطبيعته بعد الموت سوف لن يخاف على حياته، كلا، هذا ينم عن فهم مغلوط للحياة في مفهوم المؤمن، فالدنيا في عرف المؤمن مزرعة الآخرة، وآخرة المؤمن جيدة بقدر ما كان عمله خيرا في هذه الحياة. نعم المؤمن إن وجد أن هناك هدفا أسمى وأبعد من مجرد مصلحته الشخصية، فهو مستعد للتضحية بحياته في سبيلها، بينما الملحد لا يملك مثل هذه الروحية.
يبقى عندنا مسألة من أهم المسائل، وهي الفكر الشاذ الذي ابتلي به العالم أجمع، فهناك من هو مستعد للموت أو الانتحار في سبيل هدف قد يظن أنه عمل صالح وهو ليس كذلك، من قبيل من فجر نفسه في 11 سبتمبر، أو في العراق.
المشكلة بأن هذا الفكر ابتلي به الملحد قبل المؤمن، ولكن القراءة الناقصة للتاريخ هي ما يجعل الناس ينسون أو يتناسون الحقائق أثناء هجومهم على المؤمنين، فالياباني الذي كان يركب التوربين (عندما كان التوربين موجها بواسطة إنسان)، ويتم غلق الباب عليه وينطلق لتفجير سفينة من سفن الحلفاء ويفجر نفسه في نفس الوقت، هذا كان ملحدا ولكن لديه ولاء منقطع النظير لبلده، ومعتقد بأنه يقوم بعمل خير، تماما كالملحد الذي يريد أن يرى الخير في الأجيال اللاحقة! حيث إن هذا الياباني شخّص الخير في عمله هذا، وهنا نواجه مشكلة في تشخيص المصداق وليس المفهوم.
أو الطيار الياباني الذي كان يفجر نفسه في البارجة الأمريكية، كان أيضا انتحاريا يروم الخير، أو الشيوعي الذي كان يلبس حزاما ناسفا أو يقود سيارة مفخخة لكي يقتل الجنود الألمان، أو عنصرا من طالبان يفجر نفسه بسيارة مفخخة!، كلهم يريدون الخير للجماعات التي ينتمون إليها، وبالتالي نعرف بأن المشكلة هي في تشخيص المصداق، فالمفهوم ثابت عند الجميع وهو جلب الخير لمجتمعاتهم.
كلهم على حد سواء، كلهم يحملون أيديولوجيا يعتقدون بصحتها، فليست المسألة مختصة بالمؤمن. إن التصديق بحقيقة ما، عندما يتحول إلى تعصب لها، يتيح للفرد أن يقوم بأعمال غير متوقعة وغير معتادة كأن يفجر نفسه، فهو يضحي بحياته في سبيل هذه الفكرة التي يعتقد بصحتها.
إذن، فنحن نحتاج إلى مبادئ لتشخيص المصاديق وهذا لا يعني بأننا لا نحتاج لتشخيص المفاهيم أيضا، بل نحن نحتاج إلى ذلك أيضا. فإذا عرف السبب بطل العجب، وهكذا نعرف بأن الذي يقوم بعمل نراه إجراميا، قد يظن هو بأنه يقوم بأفضل الأعمال على الإطلاق. والآن نسأل: هل يملك الملحد منظومة لتعيين المفاهيم الأخلاقية أو مصاديق هذه المفاهيم؟ جوابي كلا، وأنتظر الردود.
ثانيا: ليس هناك قيم تمنع الملحد من القيام بأعمال خاطئة إن أمن العقاب.
نعم، لقد وجدت بعض الملحدين يحتجون بأنهم يخافون القيام بجرائم قتل لأنهم يخافون أن يخسروا حياتهم! ولكن نسوا أو تناسوا بأن هذا ليس رادعا عن القيام بنفس الفعل، بل الرادع هو خوف من العقاب. وهناك فرق كبير بين الأمرين، فالملحد إن أمن العقاب لا يتورع من القيام بالجريمة، ولكن المؤمن لديه رادع إضافي، فالإنسان بدون قيم أخلاقية لن يستطيع أن يخلق لنفسه بيئة تصلح للعيش المشترك.
ولكن قد يقول الملحد بأنهم بعقولهم المجردة استطاعوا الاستدلال على القيم الأخلاقية!! ويأتي السؤال: هل القيم الأخلاقية قيم يمكن الاستدلال عليها عقليا، أو تجريبيا، أو بأي طريقة ما؟
كلا، والسبب هو أن القيم المادية للملحد تجعل تغليب مصالحه الشخصية فوق كل شيء، وبالتالي فإنه لا يملك رادعا مسبقا لعمل أي شيء للحفاظ على مصلحته.
الإنسان بمعزل عن أي قيم أخلاقية عليا، لا يستطيع أن يعين لنفسه الطريق السليم، فهو بقصر نظره لا يستطيع أن يشخص الأهداف والمصالح بعيدة المدى، والدليل هو ما للرأسمالية من مآسي بسبب منهجها المادي البحت. وقد تكلمت عن مآسي المادية الرأسمالية في مقالات سابقة.
بل لعل من أوضح مصاديق سوء تشخيص المصاديق ما قام به هتلر، فهو كان معتمدا على نظرية دارون عندما قام بمحاولة تحسين النسل، فقام بإعدام ما يقارب الـ 60 إلى 70 معاقا في كل يوم، كل ذلك حتى ينقي المجتمع الألماني من العاهات والعيوم الجسدية، هل ترون قيمة أخلاقية في هذا الفعل. عندما عرف هتلر بأن إنسانية الإنسان لا قيمة لها وراء هذا الجسد المادي، وكان لديه المبرر العلمي المتمثل بنظرية دارون الشنيعة، قام بما قام به معتقدا بأنه يفعل الصواب. فنحن لا ننتظر التاريخ ليثبت لنا أن فكرة قد استدللنا عليها صحيحة أم خاطئة، فلعل هذه الفكرة لكي نستدل عليها نخسر 70 مليون إنسان كما حدث في الحرب العالمية الثانية ثم نكتشف بأنها خاطئة، وكلن بعد فوات الأوان. للإطلاع أكثر يرجى مراجعة كتاب: من دارون حتى هتلر، لمؤلفه: رتشارد ولكارت.
لعل القارئ يظن أن هذا الفكر قد انمحى مع التاريخ، وأؤكد له أن الأمر ليس كذلك، فلا تزال في الولايات المتحدة حركة اليوجينكس، وهي حركة تهدف إلى تنقية النسل البشري من كل ما بشأنه إعاقة تحسن النسل، فقد قامت قبل هتلر بحوالي العشرين سنة، أي في عام 1920، قامت بتعقيم (أي إصابة الشخص بالعقم قسرا بعملية جراحية أو ما شابه) ما يزيد عن 50،000 شخص، بداعي أنهم لا يملكون درجة عالية من الذكاء، لكي يمنعونهم من إنجاب أناس أيضا لا يملكون درجة عالية من الذكاء.
لا تزال هذه الحركة نشطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تعنى بتحديد النسل، وبالتأكيد جميعنا سمعنا بتحديد النسل والحركاء التي تؤيدها. بإمكان القارئ الكريم مراجعة هذا المقال عن اليوجينكس.
ثالثا: ليس هناك قانون يحكم الغرائز إلا ما يقره القانون المدني!
نستطيع عن نستخلص ذلك من قوله: "الملحد والملحدة ليس لديهم أي مانع من ممارسة الجنس برضى الطرفين لأنه لا يضر أحداً، فما علاقة الناس الآخرون* بك عندما يكون السكس برضى الطرفين؟" هذا مجرد نموذج نستطيع أن نأخذ منه مفهومنا المذكور.
إذن نرى بأن الملحد ليس لديه مانع إذا مارس الجنس برضى الطرف المقابل، ولا الملحدة لديها مانع من ذلك مادام لا يوجد ضرر يلحق بأحد الطرفين أو كليهما، وما دام العمل يسمح به القانون المدني!
إذن نقع في نفس المشكلة السابقة، وهي عدم وجود إشكال حقيقي بالنسبة للمفهوم وهو مفهوم الحرية أو ممارسة الجنس، بل الإشكال في تشخيص المصداق، هل الجنس نمارسه تحت الزواج أم لا؟، حيث إن المجتمع لا يستطيع تشخيص الأهداف بعيدة المدى دائما، ولهذا من التبعات لذلك هي وضع قوانين تبيح زواج المثليين، وزواج المحارم لا يوجد قانون يمنعه، فما المانع من ذلك؟
بالنسبة لزواج المثليين هو أمر شاذ عن الطبيعة البشرية، ولا يرقى لأن يكون فعلا حيوانيا، ولكن أنظر كيف أصبح هناك قانون يبيحه في بعض الدول، عموما، الإشكال الحقيقي في زواج المحارم، ما هو الرادع لأن يتزوج الملحد من أخته أو أمه فيصبح زواجا رجعيا كما في الكلاب؟ أو مثلا أن يتزوج من ابنته إن كان العمل بتراضي الطرفين؟
أريد أن أعطي شاهدا على ذلك، قبل مدة قرأت خبرا عن شخص تزوج من جدته في الهند!! نعم وهذا يدين بالهندوسية التي لا تحتوي على مثل هذه القوانين، فما بالك بالملحد الذي لا يخضع لأي قانون إلا القانون المدني؟
هل يرضى الملحد أن يتزوج ابنه من ابنته مثلا؟ هل يرى الأمر طبيعيا؟ أحب أن أسمع إجابة عن هذه التساؤلات من الملحدين أنفسهم.
ليس الإشكال في حرية ممارسة الجنس بصورة مباشرة، فهناك قوانين وضعت لتحديد ذلك، وهي كثيرة وبإمكاننا أن نرى أنها تتيح مجالا للحرية كبير جدا، ولكن المشكلة في الممارسات الشاذة التي تنتج من هذه الحرية، جاد يرى الجانب الإيجابي وهو الحرية! وغض النظر عن الجانب السلبي وهو الأخطر.
أما التبعات البعيدة المدى، يرجى مراجعة المقالات التي تكلمت فيها عن مآسي المادية الرأسمالية.
رابعا: إخلاص الملحد وأخلاقه لا مثل لها أبدا!
حقيقة أعجب لمثل هذا الإدعاء، وهذه المسألة قلتها سابقا وسأكررها مرة أخرى، إن مثل هذا الإدعاء هو كادعاء الأطفال: "بابا أقوى واحد في الدنيا!"، إن من يدعي مثل هذا الأمر هو ينفي عن نفسه صفة العلمية بشكل كبير، فهو أخذ مثالا أو مثالين وعممهما على جميع البشرية! وهي هناك إسفاف أكبر من ذلك؟
بالنسبة للإخلاص، فنحن قد لا نجد إخلاصا كإخلاص الشخص الذي يضحي بحياته في سبيل معتقده، وهذا ما لمسناه في الملحد الياباني والمؤمن.
المشكلة ليست في المفهوم، وهو الإخلاص، بل في المصداق الذي نبحث عنه، فليس السؤال: أنكون مخلصين أم لا نكون؟ بل السؤال: لأي شيء نكون مخلصين؟.. يقول الدكتور علي الوردي رحمه الله بهذا الصدد: "قد يصح القول بأن كل ثقافة بشرية تتخذ لنفسها نظاما في الأخلاق خاصا بها، وهي تنظر إلى أخلاق الآخرين بشيء من الريبة والإحتقار".
وبالتالي فإن في كل جهة يوجد مخلصون، ويبقى عندنا السؤال الثاني، وهو: لأي شيء نكون مخلصين؟، الملحد يدعي بأن العالم إن تخلص من جميع الأديان سادته السعادة الراحة والوئام والهدوء، ولكنه نسي بأن إقناع الإنسان أمر صعب، فما المبرر له لكي لا يعتدي على حريات الآخرين بل وإعدامهم إن اقتضى الأمر ذلك، ولا أتكلم هنا عن الناس العاديين بل أتكلم عن القادة كهتلر.
مع كل القيم الأخلاقية الحاضرة في المجتمعات، أنت تجد بمجرد غياب السلطة والخوف الناس تتحول إلى وحوش إلا من رحم ربي. ففي نيويورك، انقطعت الكهرباء لمدة 6 ساعات، سادت خلالها الفوضى وبات الناس ينامون في مراكز الشرطة لشدة سطوة العصابات على الشارع، إن هذا هو عينه ما يحدث في الكثير من البلدان حال غياب السلطة، إن هذه طبيعة بشرية باختلاف الأديان، أو حتى بوجودها أو بعدهم وجودها، فحينما نريد أن نرى هل سيعيش العالم في وئام، لابد أن نرى كيف نسيطر على هذه الطبيعة البشرية، فإن أطلقنا لها العنان كما يريد الملحد، وجدنا أنفسنا في غابة يأكل فيها القوي الضعيف، لا كما صورها جاد، مدينة فاضلة!!
لا يستطيع الملحد إلغاء مبدئين يحكمان كثيرا الطبيعة البشرية، وهما مبدآ العقاب والمثوبة، فإن الإنسان إن أمن العقاب اساء الأدب، وإن لم يرج المثوبة لم يخلص ولم يعمل. وإن ما يضنه جاد عملا بلا رجاء مثوبة من محاولات الملحدين نشر فكرهم بين الناس وإيصالهم لبر الأمان! فإنه أيضا يرجو مثوبة، فلو لم يكن الملحد ينتظر لنفسه شهرة ولا إطراء لما واصل عمله، وأعطيه مثالا واضحا، حين أراد هو أن يترك الكتابة، لولا إصرار بعض المتابعين له والمريدين لما عاد للكتابة مرة أخرى، أوليس هذا دافع للعمل؟ غاية ما بالأمر، الأديان تأتي بصيغ متعددة لمعرفتها بالطبيعة البشرية أكثر من غيرها، فهي تأتي بمبدأ الثواب الدنيوي أو بالثواب الأخروي، أو بكليهما كما في الإسلام.
خامسا: أهداف الملحد في الحياة.
سوف أنقل كلاما للدكتور ويل برفاين، أستاذ التاريخ البايولوجي، جامعة كورنيل في الولايات المتحدة، وهو أحد أشد الملحدين تعصبا بعد داوكنز، يقول: "لا يوجد إله، لا يوجد حياة بعد الموت، لا أساس للأخلاق، لا معنى عميق للحياة، ولا حرية حقيقة لإرادة الإنسان".
وهو قد لخص هدف الملحد في الحياة بهذا التسلسل اللطيف، فبما إنه لا إله، فلا حياة بعد الموت، وبالتالي فلا معنى للأخلاق، حيث لا يوجد أساس قوي للأخلاق، بل كل هذه المفاهيم التي نسميها أخلاق ما هي إلا هراء اخترعه الإنسان كما اخترع الأديان في نظره، وبالتالي فلا معنى عميق لحياة الإنسان، ولا هدف سامي في حياة الإنسان بل هو يعيش كالحيوان ليس أكثر من أكل وشرب ومتعة، وبالتالي فإن الإنسان يفقد حريته الحقيقية.
قال ذلك الدكتور هذا الكلام لأنه أصيب بورم خبيث في دماغه، ومع كل هذا التعصب للإلحاد أفصح عن حقيقة ما يكنه في ذهنه، وبالتالي فإنه يرى بأن حياة الإنسان إن انقطع منها الأمل فإنها تفقد المعنى، ولذلك كان عازما على الإنتحار قبل أن يجد نفسه مشلولا طريح الفراش!!
بالفعل، أنا أرى هذا الواقع المرير في حياة الملحد أمامي، حيث إنه إن فقد المعنى الحقيقي لحياته، وأصبح يشعر بأنه عالة على المجتمع، ووجد أبناءه لا يهتمون به، فما الداعي أصلا للاهتمام به، وهو كهل لا قيمة له، فإنه يجد نفسه خاويا، بلا أي قيمة عميقة، ويجد الإنتحار الملجأ الأفضل. يرجى مراجعة هذه الصفحة التي تتكلم عن نسب الإنتحار في العالم، لنجد اليابان في المركز الرابع، ويأتي السؤال، لماذا نسب الإنتحار عالية جدا في اليابان مع كل هذه الحياة المادية العظيمة، بل أنا أرى اليابان من أكثر الدول تقدما من حيث القوانين الإجتماعية أيضا، فما سبب نسب الإنتحار العالية؟ أترك الإجابة لفهم القارئ الكريم.
خلاصة
المشكلة الأساسية عند الإنسانية لا تتمثل في المفهوم، بل تتمثل في المصاديق، فنحن رأينا سابقا بأن الإنسان يعجز في أكثر الأحيان عن تشخيص المصداق الصحيح، فالشجاعة مفهوم يشخص الإنسان بأنه حسن، ولكن ما هي موارد الشجاعة وما هي موارد الإجرام؟ لن يستطيع الإنسان تشخيص مثل هذه المصاديق، لذلك فهو يحتاج لمن يشخصها له.
إن الدين هو الوحيد الذي وضع منظومة للأخلاق على مر التأريخ، لعل هناك من يحلو له انتقاد الدين وطريقة تعامله مع الأمور، ولكنه يجهل الدوافع لإيجاد نتائج بعيدة المدى، فنحن عرفنا من خلال استقراء التاريخ، بأن الحركات الاجتماعية المادية أدت بها ماديتها إلى نتائج بعيدة المدى وخيمة، وأدت في النهاية إلى دمار لحق بالبشرية.
فلما وجدنا أنفسنا في حيرة لا نستطيع إيجاد المصداق الصحيح، ولا تشخيص المعنى الصحيح للمفهوم الأخلاقي، فإننا نشعر بصورة طبيعية بأننا مرتبطون بقوة عاقلة حكيمة هي التي تمدنا بهذه القيم، وهذا الحاصل فعلا في الأديان. فحتى الأخلاق التي يتكلم عنها الملحد ويدعي بصورة عمياء أنه يمتلكها، ما هي إلا تراث تحصل عنده من تربيته التي تنسجم وروح الأخلاق الدينية لأهله، وإن كان من نسل ملحد، فالمجتمعات لا تزال تحمل الصبغة الأخلاقية الدينية كميراث ديني، حتى وإن لم تكن تعترف بالدين نفسه! فبالتالي فإنه يأخذ كما أهله تراثة الأخلاقي من هذا المجتمع، إلا إن عاش في مجتمع ملحد معزول في الغابة!!
يتحصل عندنا، أن الملحد لا يملك لنفسه أي منظومة مسبقة من الأخلاق إلا ما أخذه من مجتمعه الذي يرى صحة وعدم صحة القيمة الخلقية من خلال رؤيته الدينيه، فأعود لإجابة السؤال الذي طرحته في البداية: هل للملحد منظومة قيم وأخلاق وراء ما استقاه من التراث الديني؟ والجواب بصورة واضحة كلا، إذن فالملحد المجرد عن كل قيمة أخلاقية، سوف يعجز عن إيجادها، وبالتالي فإنه يتحول إلى وحش مفترس من وحوش الأدغال!! كما كان جده القرد الأعلى Ape!!
تحياتي
ليث
المصدر: مدونتي
http://allah-materialism.blogspot.com
كثيرا ما نقرأ أو نسمع عن منظومة أخلاقية في عرف الملحدين، أي أنهم يدعون امتلاكهم لمنظومة أخلاقية يستدلون عليها بعقولهم المجردة، ودائما تطرح من طرفهم هم، ولكن ارتأيت أن أضع مقالا لقراءة هذه المنظومة من منظور الطرف المقابل، أي من منظور المؤمن. وهذا لكي نجيب عن السؤال التالي: هل للملحد منظومة قيم وأخلاق وراء ما استقاه من التراث الديني؟
قبل أن نبدأ أود أن أعرض لهذه المنظومة من وجهة نظر الملحدين، خير مكان وجدت فيه من يعرض لأخلاق الملحد وأهدافه في الحياة هو جاد في مدونته:
"الملحد إنسان يخاف جداً على حياته من أن يخسرها لأن الموت هو النهاية، وإن الحياة هي الشيء الوحيد الذي لديه، فإنه سيحافظ عليها جيداً ويحرض على أن يعيشها على أفضل وجه. فإذا قتل أو سرق فإنه سيدخل السجن وسيضيع عمره مسجون، ولذلك سيتجنب القتل والسرقة. الملحد لن يكذب لكي لا يخسر ثقة الناس به، لأن الحياة ستكون صعبة جداً عندما يعيش منعزل عن الجميع. الملحد والملحدة ليس لديهم أي مانع من ممارسة الجنس برضى الطرفين لأنه لا يضر أحداً، فما علاقة الناس الآخرون بك عندما يكون السكس برضى الطرفين؟ الملحد ليس عنده أي مانع من شرب الكحول (الخمر) بإعتدال لكي لا يفعل شيء يخسره حياته. الملحد شخص مخلص لمعتقداته بشكل كبير، فترى أغلب الملحدين يبحثون ويطالعون ويكتبون المقالات ويناقشون محاولين توعية الناس من خرافات وأوهام الأديان علماً بأن الملحد ليس له رب لكي يكافأه، بل يأمل بأن يرى الخير والسلام يغمر العالم كله في الأجيال التي بعده.
كخلاصة على ما سبق، فإن الإنسان الملحد لديه أخلاق عالية جداً أكثر من الشخص المؤمن والمتدين. أهداف الملحدين عديدة ولكن جميع هذه الأهداف هي إيجابية تصب في نفس الموضوع وهو عيش الحياة بأفضل وجه لأنه لا يملك غيرها، مع المحاولة على مساعدة الآخرين للتحرر من وهم الأديان، ومحاولة أن يكون إنسان جيد بأخلاق عالية ليتذكره الناس بالحسن بعد أن يموت."
يمكننا تلخيص أخلاق الملحد وأهدافه في الحياة بالنقاط التالية:
1. الملحد يخاف جدا على حياته، لأنها كل ما يملك، بالتالي فإنه لا يقدم على عمل يخرب حياته في النتيجة.
2. الغرائز هي أمر طبيعي عند الملحد، ولا يوجد مبرر لتقنينها (أي تحديدها بقوانين).
3. الملحد شخص مخلص لمعتقداته! فهو يأمل أن يرى (لا أدري متى سيرى إن كان الموت هو النهاية) الخير والسلام يغمر العالم في الأجيال اللاحقة، بالرغم من أنه لا يأمل المكافأة.
4. أخلاق الملحد عالية جدا أكثر من أي أحد!!
5. أسمى أهدافه في الحياة، هو عيش الحياة بأفضل وجه لأنه لا يملك غيرها (رؤية شاب متفائل جدا).
6. يحاول أن يتذكره الناس بالخير بعد وفاته.
للوهلة الأولى نرى المدعى جميلا، ولكن عندما نلخص في صيغة نقاط، نجد الضعف واضحا في حياة الملحد بصورة عامة، فهو يخلط خلطا عجيبا بين الأمور، ويأخذ ماهو هدف ليس بهدف وما هو وسيلة ليس بوسيلة وهكذا.
يمكننا أن نرى أوجها مشتركة بين المؤمن والملحد، فالنقطة الخامسة يدعيها الملحد بدون أي دليل، وأنا أدعي العكس فما هو المرجح لأحد الإدعائين؟ أما بالنسبة للإخلاص، فلا مشكلة عندنا بوجود الإخلاص عند المؤمنين أيضا، ولكن المشكلة في تشخيص المصاديق.
إن ما نراه واضحا في هذا الطرح لأخلاق الملحد، هو طرح لمدينة فاضلة حديثة، وهذا ما عابوه سابقا على الفارابي ومن قبله أفلاطون، حيث إنهم طرحوا نظرية المدينة الفاضلة بعيدا عن دراسة الطبيعة البشرية، ولهذا تصوروا بأن الإنسان يستطيع أن يصير عقلا مجردا عن شهواته ونوازعه الذاتية، وهنا نرى بأن جاد يطرح المسألة بنفس الصورة، فهو يبتعد عن الطبيعة البشرية ونوازعها الذاتية ويهيم في عالم الخيال لصنع مدينة فاضلة!!
سوف نذكر كثيرا كلمة أخلاق، وحتى لا يحصل لبس، فنحن لا نعني بالأخلاق السلوك الحسن والسيرة الطيبة، فإن هذا ما نعرّفه بالسير والسلوك أو حسن المعاشرة، أما الأخلاق فهي الملكات الفاضلة في النفس الإنسانية، من قبيل الكرم والجود والشجاعة وما شابه، أو بالتحديد ما قصده الرسول الكريم بقوله: "إنما بعثت لأمم مكارم الأخلاق"، ولنعرض لبعض الإشكالات ونحاول علاجها:
أولا: الملحد كغير الملحد، يخاف على حياته لأنه لا يملك غيرها.
بالتأكيد سوف يحتج الملحد بأن المؤمن لما كان يروم جزاء الآخرة الذي بطبيعته بعد الموت سوف لن يخاف على حياته، كلا، هذا ينم عن فهم مغلوط للحياة في مفهوم المؤمن، فالدنيا في عرف المؤمن مزرعة الآخرة، وآخرة المؤمن جيدة بقدر ما كان عمله خيرا في هذه الحياة. نعم المؤمن إن وجد أن هناك هدفا أسمى وأبعد من مجرد مصلحته الشخصية، فهو مستعد للتضحية بحياته في سبيلها، بينما الملحد لا يملك مثل هذه الروحية.
يبقى عندنا مسألة من أهم المسائل، وهي الفكر الشاذ الذي ابتلي به العالم أجمع، فهناك من هو مستعد للموت أو الانتحار في سبيل هدف قد يظن أنه عمل صالح وهو ليس كذلك، من قبيل من فجر نفسه في 11 سبتمبر، أو في العراق.
المشكلة بأن هذا الفكر ابتلي به الملحد قبل المؤمن، ولكن القراءة الناقصة للتاريخ هي ما يجعل الناس ينسون أو يتناسون الحقائق أثناء هجومهم على المؤمنين، فالياباني الذي كان يركب التوربين (عندما كان التوربين موجها بواسطة إنسان)، ويتم غلق الباب عليه وينطلق لتفجير سفينة من سفن الحلفاء ويفجر نفسه في نفس الوقت، هذا كان ملحدا ولكن لديه ولاء منقطع النظير لبلده، ومعتقد بأنه يقوم بعمل خير، تماما كالملحد الذي يريد أن يرى الخير في الأجيال اللاحقة! حيث إن هذا الياباني شخّص الخير في عمله هذا، وهنا نواجه مشكلة في تشخيص المصداق وليس المفهوم.
أو الطيار الياباني الذي كان يفجر نفسه في البارجة الأمريكية، كان أيضا انتحاريا يروم الخير، أو الشيوعي الذي كان يلبس حزاما ناسفا أو يقود سيارة مفخخة لكي يقتل الجنود الألمان، أو عنصرا من طالبان يفجر نفسه بسيارة مفخخة!، كلهم يريدون الخير للجماعات التي ينتمون إليها، وبالتالي نعرف بأن المشكلة هي في تشخيص المصداق، فالمفهوم ثابت عند الجميع وهو جلب الخير لمجتمعاتهم.
كلهم على حد سواء، كلهم يحملون أيديولوجيا يعتقدون بصحتها، فليست المسألة مختصة بالمؤمن. إن التصديق بحقيقة ما، عندما يتحول إلى تعصب لها، يتيح للفرد أن يقوم بأعمال غير متوقعة وغير معتادة كأن يفجر نفسه، فهو يضحي بحياته في سبيل هذه الفكرة التي يعتقد بصحتها.
إذن، فنحن نحتاج إلى مبادئ لتشخيص المصاديق وهذا لا يعني بأننا لا نحتاج لتشخيص المفاهيم أيضا، بل نحن نحتاج إلى ذلك أيضا. فإذا عرف السبب بطل العجب، وهكذا نعرف بأن الذي يقوم بعمل نراه إجراميا، قد يظن هو بأنه يقوم بأفضل الأعمال على الإطلاق. والآن نسأل: هل يملك الملحد منظومة لتعيين المفاهيم الأخلاقية أو مصاديق هذه المفاهيم؟ جوابي كلا، وأنتظر الردود.
ثانيا: ليس هناك قيم تمنع الملحد من القيام بأعمال خاطئة إن أمن العقاب.
نعم، لقد وجدت بعض الملحدين يحتجون بأنهم يخافون القيام بجرائم قتل لأنهم يخافون أن يخسروا حياتهم! ولكن نسوا أو تناسوا بأن هذا ليس رادعا عن القيام بنفس الفعل، بل الرادع هو خوف من العقاب. وهناك فرق كبير بين الأمرين، فالملحد إن أمن العقاب لا يتورع من القيام بالجريمة، ولكن المؤمن لديه رادع إضافي، فالإنسان بدون قيم أخلاقية لن يستطيع أن يخلق لنفسه بيئة تصلح للعيش المشترك.
ولكن قد يقول الملحد بأنهم بعقولهم المجردة استطاعوا الاستدلال على القيم الأخلاقية!! ويأتي السؤال: هل القيم الأخلاقية قيم يمكن الاستدلال عليها عقليا، أو تجريبيا، أو بأي طريقة ما؟
كلا، والسبب هو أن القيم المادية للملحد تجعل تغليب مصالحه الشخصية فوق كل شيء، وبالتالي فإنه لا يملك رادعا مسبقا لعمل أي شيء للحفاظ على مصلحته.
الإنسان بمعزل عن أي قيم أخلاقية عليا، لا يستطيع أن يعين لنفسه الطريق السليم، فهو بقصر نظره لا يستطيع أن يشخص الأهداف والمصالح بعيدة المدى، والدليل هو ما للرأسمالية من مآسي بسبب منهجها المادي البحت. وقد تكلمت عن مآسي المادية الرأسمالية في مقالات سابقة.
بل لعل من أوضح مصاديق سوء تشخيص المصاديق ما قام به هتلر، فهو كان معتمدا على نظرية دارون عندما قام بمحاولة تحسين النسل، فقام بإعدام ما يقارب الـ 60 إلى 70 معاقا في كل يوم، كل ذلك حتى ينقي المجتمع الألماني من العاهات والعيوم الجسدية، هل ترون قيمة أخلاقية في هذا الفعل. عندما عرف هتلر بأن إنسانية الإنسان لا قيمة لها وراء هذا الجسد المادي، وكان لديه المبرر العلمي المتمثل بنظرية دارون الشنيعة، قام بما قام به معتقدا بأنه يفعل الصواب. فنحن لا ننتظر التاريخ ليثبت لنا أن فكرة قد استدللنا عليها صحيحة أم خاطئة، فلعل هذه الفكرة لكي نستدل عليها نخسر 70 مليون إنسان كما حدث في الحرب العالمية الثانية ثم نكتشف بأنها خاطئة، وكلن بعد فوات الأوان. للإطلاع أكثر يرجى مراجعة كتاب: من دارون حتى هتلر، لمؤلفه: رتشارد ولكارت.
لعل القارئ يظن أن هذا الفكر قد انمحى مع التاريخ، وأؤكد له أن الأمر ليس كذلك، فلا تزال في الولايات المتحدة حركة اليوجينكس، وهي حركة تهدف إلى تنقية النسل البشري من كل ما بشأنه إعاقة تحسن النسل، فقد قامت قبل هتلر بحوالي العشرين سنة، أي في عام 1920، قامت بتعقيم (أي إصابة الشخص بالعقم قسرا بعملية جراحية أو ما شابه) ما يزيد عن 50،000 شخص، بداعي أنهم لا يملكون درجة عالية من الذكاء، لكي يمنعونهم من إنجاب أناس أيضا لا يملكون درجة عالية من الذكاء.
لا تزال هذه الحركة نشطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تعنى بتحديد النسل، وبالتأكيد جميعنا سمعنا بتحديد النسل والحركاء التي تؤيدها. بإمكان القارئ الكريم مراجعة هذا المقال عن اليوجينكس.
ثالثا: ليس هناك قانون يحكم الغرائز إلا ما يقره القانون المدني!
نستطيع عن نستخلص ذلك من قوله: "الملحد والملحدة ليس لديهم أي مانع من ممارسة الجنس برضى الطرفين لأنه لا يضر أحداً، فما علاقة الناس الآخرون* بك عندما يكون السكس برضى الطرفين؟" هذا مجرد نموذج نستطيع أن نأخذ منه مفهومنا المذكور.
إذن نرى بأن الملحد ليس لديه مانع إذا مارس الجنس برضى الطرف المقابل، ولا الملحدة لديها مانع من ذلك مادام لا يوجد ضرر يلحق بأحد الطرفين أو كليهما، وما دام العمل يسمح به القانون المدني!
إذن نقع في نفس المشكلة السابقة، وهي عدم وجود إشكال حقيقي بالنسبة للمفهوم وهو مفهوم الحرية أو ممارسة الجنس، بل الإشكال في تشخيص المصداق، هل الجنس نمارسه تحت الزواج أم لا؟، حيث إن المجتمع لا يستطيع تشخيص الأهداف بعيدة المدى دائما، ولهذا من التبعات لذلك هي وضع قوانين تبيح زواج المثليين، وزواج المحارم لا يوجد قانون يمنعه، فما المانع من ذلك؟
بالنسبة لزواج المثليين هو أمر شاذ عن الطبيعة البشرية، ولا يرقى لأن يكون فعلا حيوانيا، ولكن أنظر كيف أصبح هناك قانون يبيحه في بعض الدول، عموما، الإشكال الحقيقي في زواج المحارم، ما هو الرادع لأن يتزوج الملحد من أخته أو أمه فيصبح زواجا رجعيا كما في الكلاب؟ أو مثلا أن يتزوج من ابنته إن كان العمل بتراضي الطرفين؟
أريد أن أعطي شاهدا على ذلك، قبل مدة قرأت خبرا عن شخص تزوج من جدته في الهند!! نعم وهذا يدين بالهندوسية التي لا تحتوي على مثل هذه القوانين، فما بالك بالملحد الذي لا يخضع لأي قانون إلا القانون المدني؟
هل يرضى الملحد أن يتزوج ابنه من ابنته مثلا؟ هل يرى الأمر طبيعيا؟ أحب أن أسمع إجابة عن هذه التساؤلات من الملحدين أنفسهم.
ليس الإشكال في حرية ممارسة الجنس بصورة مباشرة، فهناك قوانين وضعت لتحديد ذلك، وهي كثيرة وبإمكاننا أن نرى أنها تتيح مجالا للحرية كبير جدا، ولكن المشكلة في الممارسات الشاذة التي تنتج من هذه الحرية، جاد يرى الجانب الإيجابي وهو الحرية! وغض النظر عن الجانب السلبي وهو الأخطر.
أما التبعات البعيدة المدى، يرجى مراجعة المقالات التي تكلمت فيها عن مآسي المادية الرأسمالية.
رابعا: إخلاص الملحد وأخلاقه لا مثل لها أبدا!
حقيقة أعجب لمثل هذا الإدعاء، وهذه المسألة قلتها سابقا وسأكررها مرة أخرى، إن مثل هذا الإدعاء هو كادعاء الأطفال: "بابا أقوى واحد في الدنيا!"، إن من يدعي مثل هذا الأمر هو ينفي عن نفسه صفة العلمية بشكل كبير، فهو أخذ مثالا أو مثالين وعممهما على جميع البشرية! وهي هناك إسفاف أكبر من ذلك؟
بالنسبة للإخلاص، فنحن قد لا نجد إخلاصا كإخلاص الشخص الذي يضحي بحياته في سبيل معتقده، وهذا ما لمسناه في الملحد الياباني والمؤمن.
المشكلة ليست في المفهوم، وهو الإخلاص، بل في المصداق الذي نبحث عنه، فليس السؤال: أنكون مخلصين أم لا نكون؟ بل السؤال: لأي شيء نكون مخلصين؟.. يقول الدكتور علي الوردي رحمه الله بهذا الصدد: "قد يصح القول بأن كل ثقافة بشرية تتخذ لنفسها نظاما في الأخلاق خاصا بها، وهي تنظر إلى أخلاق الآخرين بشيء من الريبة والإحتقار".
وبالتالي فإن في كل جهة يوجد مخلصون، ويبقى عندنا السؤال الثاني، وهو: لأي شيء نكون مخلصين؟، الملحد يدعي بأن العالم إن تخلص من جميع الأديان سادته السعادة الراحة والوئام والهدوء، ولكنه نسي بأن إقناع الإنسان أمر صعب، فما المبرر له لكي لا يعتدي على حريات الآخرين بل وإعدامهم إن اقتضى الأمر ذلك، ولا أتكلم هنا عن الناس العاديين بل أتكلم عن القادة كهتلر.
مع كل القيم الأخلاقية الحاضرة في المجتمعات، أنت تجد بمجرد غياب السلطة والخوف الناس تتحول إلى وحوش إلا من رحم ربي. ففي نيويورك، انقطعت الكهرباء لمدة 6 ساعات، سادت خلالها الفوضى وبات الناس ينامون في مراكز الشرطة لشدة سطوة العصابات على الشارع، إن هذا هو عينه ما يحدث في الكثير من البلدان حال غياب السلطة، إن هذه طبيعة بشرية باختلاف الأديان، أو حتى بوجودها أو بعدهم وجودها، فحينما نريد أن نرى هل سيعيش العالم في وئام، لابد أن نرى كيف نسيطر على هذه الطبيعة البشرية، فإن أطلقنا لها العنان كما يريد الملحد، وجدنا أنفسنا في غابة يأكل فيها القوي الضعيف، لا كما صورها جاد، مدينة فاضلة!!
لا يستطيع الملحد إلغاء مبدئين يحكمان كثيرا الطبيعة البشرية، وهما مبدآ العقاب والمثوبة، فإن الإنسان إن أمن العقاب اساء الأدب، وإن لم يرج المثوبة لم يخلص ولم يعمل. وإن ما يضنه جاد عملا بلا رجاء مثوبة من محاولات الملحدين نشر فكرهم بين الناس وإيصالهم لبر الأمان! فإنه أيضا يرجو مثوبة، فلو لم يكن الملحد ينتظر لنفسه شهرة ولا إطراء لما واصل عمله، وأعطيه مثالا واضحا، حين أراد هو أن يترك الكتابة، لولا إصرار بعض المتابعين له والمريدين لما عاد للكتابة مرة أخرى، أوليس هذا دافع للعمل؟ غاية ما بالأمر، الأديان تأتي بصيغ متعددة لمعرفتها بالطبيعة البشرية أكثر من غيرها، فهي تأتي بمبدأ الثواب الدنيوي أو بالثواب الأخروي، أو بكليهما كما في الإسلام.
خامسا: أهداف الملحد في الحياة.
سوف أنقل كلاما للدكتور ويل برفاين، أستاذ التاريخ البايولوجي، جامعة كورنيل في الولايات المتحدة، وهو أحد أشد الملحدين تعصبا بعد داوكنز، يقول: "لا يوجد إله، لا يوجد حياة بعد الموت، لا أساس للأخلاق، لا معنى عميق للحياة، ولا حرية حقيقة لإرادة الإنسان".
وهو قد لخص هدف الملحد في الحياة بهذا التسلسل اللطيف، فبما إنه لا إله، فلا حياة بعد الموت، وبالتالي فلا معنى للأخلاق، حيث لا يوجد أساس قوي للأخلاق، بل كل هذه المفاهيم التي نسميها أخلاق ما هي إلا هراء اخترعه الإنسان كما اخترع الأديان في نظره، وبالتالي فلا معنى عميق لحياة الإنسان، ولا هدف سامي في حياة الإنسان بل هو يعيش كالحيوان ليس أكثر من أكل وشرب ومتعة، وبالتالي فإن الإنسان يفقد حريته الحقيقية.
قال ذلك الدكتور هذا الكلام لأنه أصيب بورم خبيث في دماغه، ومع كل هذا التعصب للإلحاد أفصح عن حقيقة ما يكنه في ذهنه، وبالتالي فإنه يرى بأن حياة الإنسان إن انقطع منها الأمل فإنها تفقد المعنى، ولذلك كان عازما على الإنتحار قبل أن يجد نفسه مشلولا طريح الفراش!!
بالفعل، أنا أرى هذا الواقع المرير في حياة الملحد أمامي، حيث إنه إن فقد المعنى الحقيقي لحياته، وأصبح يشعر بأنه عالة على المجتمع، ووجد أبناءه لا يهتمون به، فما الداعي أصلا للاهتمام به، وهو كهل لا قيمة له، فإنه يجد نفسه خاويا، بلا أي قيمة عميقة، ويجد الإنتحار الملجأ الأفضل. يرجى مراجعة هذه الصفحة التي تتكلم عن نسب الإنتحار في العالم، لنجد اليابان في المركز الرابع، ويأتي السؤال، لماذا نسب الإنتحار عالية جدا في اليابان مع كل هذه الحياة المادية العظيمة، بل أنا أرى اليابان من أكثر الدول تقدما من حيث القوانين الإجتماعية أيضا، فما سبب نسب الإنتحار العالية؟ أترك الإجابة لفهم القارئ الكريم.
خلاصة
المشكلة الأساسية عند الإنسانية لا تتمثل في المفهوم، بل تتمثل في المصاديق، فنحن رأينا سابقا بأن الإنسان يعجز في أكثر الأحيان عن تشخيص المصداق الصحيح، فالشجاعة مفهوم يشخص الإنسان بأنه حسن، ولكن ما هي موارد الشجاعة وما هي موارد الإجرام؟ لن يستطيع الإنسان تشخيص مثل هذه المصاديق، لذلك فهو يحتاج لمن يشخصها له.
إن الدين هو الوحيد الذي وضع منظومة للأخلاق على مر التأريخ، لعل هناك من يحلو له انتقاد الدين وطريقة تعامله مع الأمور، ولكنه يجهل الدوافع لإيجاد نتائج بعيدة المدى، فنحن عرفنا من خلال استقراء التاريخ، بأن الحركات الاجتماعية المادية أدت بها ماديتها إلى نتائج بعيدة المدى وخيمة، وأدت في النهاية إلى دمار لحق بالبشرية.
فلما وجدنا أنفسنا في حيرة لا نستطيع إيجاد المصداق الصحيح، ولا تشخيص المعنى الصحيح للمفهوم الأخلاقي، فإننا نشعر بصورة طبيعية بأننا مرتبطون بقوة عاقلة حكيمة هي التي تمدنا بهذه القيم، وهذا الحاصل فعلا في الأديان. فحتى الأخلاق التي يتكلم عنها الملحد ويدعي بصورة عمياء أنه يمتلكها، ما هي إلا تراث تحصل عنده من تربيته التي تنسجم وروح الأخلاق الدينية لأهله، وإن كان من نسل ملحد، فالمجتمعات لا تزال تحمل الصبغة الأخلاقية الدينية كميراث ديني، حتى وإن لم تكن تعترف بالدين نفسه! فبالتالي فإنه يأخذ كما أهله تراثة الأخلاقي من هذا المجتمع، إلا إن عاش في مجتمع ملحد معزول في الغابة!!
يتحصل عندنا، أن الملحد لا يملك لنفسه أي منظومة مسبقة من الأخلاق إلا ما أخذه من مجتمعه الذي يرى صحة وعدم صحة القيمة الخلقية من خلال رؤيته الدينيه، فأعود لإجابة السؤال الذي طرحته في البداية: هل للملحد منظومة قيم وأخلاق وراء ما استقاه من التراث الديني؟ والجواب بصورة واضحة كلا، إذن فالملحد المجرد عن كل قيمة أخلاقية، سوف يعجز عن إيجادها، وبالتالي فإنه يتحول إلى وحش مفترس من وحوش الأدغال!! كما كان جده القرد الأعلى Ape!!
تحياتي
ليث
المصدر: مدونتي
http://allah-materialism.blogspot.com