المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) للشعراوى



memainzin
08-26-2010, 05:36 PM
http://www.nourallah.com/tafseer.asp?SoraID=4&AyaOrder=1
{الر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ(1)رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ(2)ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(3)وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ(4)مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ(5)}


تفسير سورة الحجر - الآية: 2
(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2")
و"رب" حرف يستعمل للتقليل، ويستعمل أيضاً للتكثير على حسب ما يأتي من بعده، وهو حرف الأصل فيه أن يدخل على المفرد. ونحن نقول "رب أخ لك لم تلده أمك" وذلك للتقليل، مثلما نقول "ربما ينجح الكسول".
ولكن لو قلنا "ربما ينجح الذكي" فهذا للتكثير، وفي هذا استعمال للشيء في نقيضه، إيقاظاً للعقل كي ينتبه. وهنا جاء الحق سبحانه:
بـ"رب" ومعها حرف "ما" ومن بعدهما فعل. ومن العيب أن تقول: إن "ما" هنا زائدة؛ ذلك أن المتكلم هو رب كل العباد. وهنا يقول الحق سبحانه:

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2"}
(سورة الحجر)

فهل سيأتي وقت يتمنى فيه أهل الكفر أن يسلموا؟ إن "يود" تعني"يحب" و"يميل" و"يتمنى"، وكل شيء تميل إليه وتتمناه يسمى "طلب".
ويقال في اللغة: إن طلبت أمراً يمكن أن يتحقق، ويمكن ألا يتحقق؛ فإن قلت: "يا ليت الشباب يعود يوماً" فهذا طلب لا يمكن أن يتحقق؛ لذلك يقال إنه "تمنى". وإن قلت "لعلي أزور فلاناً" فهذا يسمى رجاء؛ لأنه من الممكن أن تزور فلاناً. وقد تقول: "كم عندك؟" بهدف أن تعرف الصورة الذهنية لمن يجلس إليه من تسأله هذا السؤال، وهذا يسمى استفهاماً.
وهكذا إن كنت قد طلبت عزيزاً لا ينال فهو تمن؛ وإن كنت قد طلبت ما يمكن أن ينال فهو الترجي، وإن كنت قد طلبت صورته لا حقيقته فهو استفهام، ولكن إن طلبت حقيقة الشيء؛ فأنت تطلبه كي لا تفعل الفعل.
والطلب هنا في هذه الآية؛ يقول:

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2"}
(سورة الحجر)

فهل يتأتى هذا الطلب؟
ولنر متى يودون ذلك. إن ذلك التمني سوف يحدث إن وقعت لهم أحداث تنزع منهم العناد؛ فيأخذون المسائل بالمقاييس الحقيقية.
والحق سبحانه هو القائل:

{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً .."14"}
(سورة النمل)

وقد حدث لهم حين وقعت غزوة بدر، ونال منهم المسلمون الغنائم أن قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين، وأخذنا تلك الغنائم.
أي: أن هذا التمني قد حدث في الدنيا، ولسوف يحدث هذا عند موت أحدهم. يقول الحق سبحانه:

{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون "99" لعلي أعمل صالحاً فيما تركت .. "100"}
(سورة المؤمنون)

ويعلق الحق سبحانه على هذا القول:

{كلا إنها كلمة هو قائلها .. "100"}
(سورة المؤمنون)

وسيتمنون أيضاً أن يكونوا مسلمين، مصداقاً لقول الحق سبحانه:

{ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون "12"}
(سورة السجدة)

إذن: فسيأتي وقت يتمنى فيه الكفار أن يكونوا مسلمين، إذا ما عاينوا شيئاً ينزع منهم جحودهم وعنادهم، ويقول لهم: إن الحياة التي كنتم تتمسكون بها فانية؛ ولكنكم تطلبون أن تكونوا مسلمين وقت أن زال التكليف، وقد فات الأوان.
ويكفي المسلمين فخراً أن كانوا على دين الله، واستمسكوا بالتكليف، ويكفيكم عاراً أن خسرتم هذا الخسران المبين، وتتحسروا على أنكم لم تكونوا مسلمين.
وفي اليوم الآخر يعذب الحق سبحانه العصاة من المسلمين الذين لم يتوبوا من ذنوبهم، ولم يستغفروا الحق سبحانه، أو ممن لم يغفر لهم سبحانه وتعالى ذنوبهم؛ لعدم إخلاص النية وحسن الطوية عند الاستغفار، ويدخل في ذلك أهل النفاق مصداقاً لقوله تعالى:

{استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم .. "80"}
(سورة التوبة)

فيدخلون النار ليأخذوا قدراً من العذاب على قدر ما عصوا وينظر لهم الكفار قائلين: ما أغنت عنكم لا إله إلا الله شيئاً، فأنتم معنا في النار. ويطلع الحق سبحانه على ذلك فيغار على كل من قال لا إله إلا الله؛ فيقول: أخرجوهم وطهروهم وعودوا بهم إلى الجنة، وحينئذ يقول الكافرون: يا ليتنا كنا مسلمين، لنخرج من النار، ونلحق بأهل الجنة.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك:

و(ذرهم) أمر بأن يدعهم ويتركهم. وسبحانه قال مرة (ذرهم)، ومرة قال:

{وذرني والمكذبين أولى النعمة .. "11"}
(سورة المزمل)

أي: اتركهم لي، فأنا الذي أعاقبهم، وأنا الذي أعلم أجل الإمهال، وأجل العقوبة. ويستعمل من "ذرهم" فعل مضارع هو "يذر"، وقد قال الحق سبحانه:

{ويذرك وآلهتك .. "127"}
(سورة الأعراف)

ولم يستعمل منها في اللغة فعل ماضٍ، إلا فيما روى من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروا اليمن ما ذروكم"، أي: اتركوهم ما تركوكم.
ويشارك في هذا الفعل فعل آخر هو "دع" بمعنى "اترك". وقيل: أهملت العرب ماضي "يدع" و"يذر" إلا في قراءة في قول الحق سبحانه:

{ما ودعك ربك وما قلى "3"}
(سورة الضحى)

وهنا يقول الحق سبحانه:

{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا .. "3"}
(سورة الحجر)

ونحن أيضاً نأكل، وهناك فرق بين الأكل كوقود للحركة وبين الأكل كلذة وتمتع، والحيوانات تأكل لتأخذ الطاقة بدليل أنها حين تشبع؛ لا يستطيع أحد أن يجبرها على أكل عود برسيم زائد.
أما الإنسان فبعد أن يأكل ويغسل يديه؛ ثم يرى صنفاً جديداً من الطعام فهو يمد يده ليأكل منه؛ ذلك أن الإنسان يأكل شهوة ومتعة، بجانب أنه يأكل كوقود للحركة.
والفرق بيننا وبينهم أننا نأكل لتتكون عندنا الطاقة، فإن جاءت اللذة مع الطعام فأهلاً بها؛ ذلك أننا في بعض الأحيان نأكل ونتلذذ، لكن الطعام لا يمري علينا؛ بل يتعبنا؛ فنطلب المهضمات من مياه غازية وأدوية.
ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".
أي: أنه صلى الله عليه وسلم ينهانا عن أن نأكل بالشهوة واللذة فقط.
ولنحظ الفارق بين طعام الدنيا وطعام الجنة في الآخرة؛ فهناك سوف نأكل الطعام الذي نستلذ به ويمري علينا؛ بينما نحن نضطر في الدنيا ـ في بعض الأحيان ـ أن نأكل الطعام بدون ملح ومسلوقاً كي يحفظ لنا الصحة؛ ولا يتعبنا؛ وهو أكل مريء وليس طعاماً هنيئاً، ولكن طعام الآخرة هنيء ومريء.
وعلى ذلك نفهم قول الحق سبحانه:

{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا .. "3"}
(سورة الحجر)

أي: أن يأكلوا أكلاً مقصوداً لذات اللذة فقط.
ويقول الحق سبحانه متابعاً:

{ويلههم الأمل "3"}
(سورة الحجر)

أي: أن ينصبوا لأنفسهم غايات سعيدة؛ تلهيهم عن وسيلة ينتفعون بها؛ ولذلك يقول المثل العربي: "الأمل بدون عمل تلصص" فمادمت تأمل أملاً؛ فلابد أن تخدمه بالعمل لتحققه. ولكن المثل على الأمل الخادع هو ما جاء به الحق سبحانه على لسان من غرته النعمة، فقال:

{ما أظن أن تبيد هذه أبداً "35" وما أظن الساعة قائمة .. "36"}
(سورة الكهف)

ولكن الساعة ستقوم رغماً عن أنف الآمال الكاذبة، والسراب المخادع. ويقول الحق سبحانه:

{ويلههم الأمل فسوف يعلمون "3"}
(سورة الحجر)

وكلمة (سوف) تدل على أن الزمن متراخٍ قليلاً؛ فالأفعال مثل "يعلم" تعني أن الإنسان قد يعلم الآن؛ ويعلم من بعد الآن بوقت قصير، أما حين نقول "سوف يعلم" فتشمل كل الأزمنة. فالنصر يتحقق للمؤمنين بإذن من الله دائماً؛ أما غير المؤمنين فلسوف يتمنون الإيمان؛ كما قلنا وأوضحنا من قبل.
وهكذا نرى أن قوله:

{فسوف يعلمون "3"}
(سورة الحجر)

يشمل كل الأزمنة. وقد صنع الحق سبحانه في الدنيا أشياء تؤذن بصدق وعده، والذين يظنون أنهم يسيطرون على كل الحياة يفاجئهم زلزال؛ فيهدم كل شيء، على الرغم من التقدم فيما يسمى "الاستشعار عن بعد" وغير ذلك من فروع العلم التطبيقي.
وفي نفس الوقت نرى الحمير التي نتهمها بأنها لا تفهم شيئاً تهب ـ وهي الماشية ـ من قبل الزلزال لتخرج إلى الخلاء بعيداً عن الحظائر التي قد تتهدم عليها، وفي مثل هذا التصرف الغريزي عند الحيوانات تحطيم وأدب للغرور الإنساني، فمهما قاده الغرور، وادعى أنه مالك لناصية العلم، فهو مازال جاهلاً وجهولاً.
وكذلك نجد من يقول عن البلاد الممطرة: إنها بلاد لا ينقطع ماؤها، لذلك لا تنقطع خضرتها. ثم يصيب تلك البلاد جفاف لا تعرف له سبباً، وفي كل ذلك تنبيه للبشر كي لا يقعوا أسرى للغرور.
ويقول سبحانه من بعد ذلك ضارباً لهم المثل
(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم "4")
أي: أنه سبحانه لا يأمر بهلاك أي قرية إلا في الأجل المكتوب لها. ويجعلها من المثل التي يراها من يأتي بعدها لعله يتعظ ويتعرف على حقيقة الإيمان.
وقد قال الحق سبحانه:

{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112"}
(سورة الحجر)

والمثل القريب من الذاكرة "لبنان" التي عاشت إلى ما قبل الخمسينات كبلد لا تجد فيه فندقاً لائقاً، ثم ازدهرت وانتعشت في الستينات والسبعينات؛ واستشرى فيها الفساد؛ فقال أهل المعرفة بالله: "لابد أن يصيبها ما يصيب القرى الكافرة بأنعم الله".
وقد حدث ذلك وقامت فيها الحرب الأهلية، وانطبق عليها قول الحق سبحانه:

{ويذيق بعضكم بأس بعضٍ .. "65"}
(سورة الأنعام)

وهذا ما يحدث في الدنيا، وهي مقدمات تؤكد صدق ما سوف يحدث في الآخرة. وسبحان القائل:

{وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً "58"}
(سورة الإسراء)

وبطبيعة الحال؛ فهذا ما يحدث لأي قرية ظالم أهلها؛ لأن الحق سبحانه لا يظلم مثقال ذرة. وأذكر أن تفسير النسفي قد صودر في عصر سابق؛ لأن صاحب التفسير قال عند تفسيره لهذه الآية: "حدثني فلان عن فلان أن البلد الفلاني سيحصل فيه كذا؛ والبلد الآخر سوف يحدث فيه كذا إلى أن جاء إلى مصر وقال بالنص: ويدخل مصر رجل من جهينة، فويل لأهلها، وويل لأهل سوريا، وويل لأهل الرملة، وويل لأهل فلسطين، ولا يدخل بيت المقدس".
ومادام الحق سبحانه قد قال:

{كان ذلك في الكتاب مسطوراً "58"}
(سورة الإسراء)

فهو يعلم بعضاً من خلقه بعضاً من أسراره، فلا مانع من أن نرى بعضاً من تلك الأسرار على ألسنتهم. وحين ذاعت تلك الحكاية، وقالوها للرئيس الذي كان موجوداً، وقالوا له: أنت من جهينة وهم يقصدونك. صودر تفسير النسفي.
إذن: فقد ترك الحق سبحانه لنا في الدنيا مثلاً يؤكد صدقه فيما يحكيه عن الوعيد لبعض القرى حتى نصدق ما يمكن أن يكون بعد يوم القيامة. وحين يقول الحق سبحانه:

{وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم "4"}
(سورة الحجر)

فليس لأحد أن يقول: "إن ذلك لم يحدث للبلد الفلاني" لأن كل أمر له أجل.

أي: أنه سبحانه قد جعل لكل أمة أجلاً، وغاية، فإذا ما انتهى الأجل المعلوم جاءت نهايتها؛ فلا كائن يتقدم على أجله، ولا أحد يتأخر عن موعد نهايته.
http://www.nourallah.com/tafseer.asp?SoraID=4&AyaOrder=6
تفسير سورة الحجر
http://www.quran-radio.com/tafseer97.htm