المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 14 قرنا على أحسن القصص.. ومازال التحدي قائما (مقال ماتع)



مسلمة84
09-24-2010, 01:35 AM
14قرنا على أحسن القصص.. ومازال التحدي قائما..
محيي الدين صالح

الألوكـة (http://www.alukah.net/Literature_Language/0/24987/)


من البديهي أنْ يتطوَّرَ ويرتقي أسلوبُ التحاور والتفاكُر والتفاهم بين الناس كلَّما تطوَّرت اللغة في مضامينها ومفرداتها، ولأنَّ الأدبَ - أخْذًا وعطاءً - ثقافةٌ تراكميَّة، إضافةً إلى الموهبة عند العَطاء؛ فإنَّ المحدَثِين يستفيدون بما أبدعه الأقدمون، وقد تَرَكَ الشعراء العربُ من العصر الجاهلي وحتى العصر العباسي، مرورًا بعصْر صَدْر الإسلام والعصْر الأُمَوي - تركوا تُرَاثًا لُغويًا ضخْمًا لا مثيلَ له في كلِّ لغات العالم، كما أنَّ اللغة العربية تميَّزتْ بأنِ اخْتصَّها الله - سبحانه وتعالى - واختارها لغةً للقرآن الكريم؛ فأصبحتِ الأمة العربيَّة صاحبة أقوى وأعْرق موروثٍ لغويٍّ؛ بيانًا وبلاغة وفصاحة.



وقد أسْهَمَ شعراءُ العصر الجاهلي في إثراءِ اللغة العربيَّة وتجويدها، وتنافسوا في الارتقاءِ بها، إلى أنْ وَصَلُوا بها إلى أعلى مستوًى يمكنُ أنْ يصِلَ إليه جهودُ البشرِ، وظهرتْ قصائد المعلَّقات كأجمل ما أنتجَتْه القريحةُ العربيَّة من شعر، لدرجة أنَّ عنترةَ بن شدَّاد بدأَ معلقتَه الشهيرة بقوله: "هَلْ غَادَرَ الشُّعَراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ؟"، ظنًّا منه أنَّ كلَّ ما يمكنُ أنْ يُؤْتَى من فصاحة قدْ جاءَ به الشعراءُ، وأنَّ السابقين لم يتركوا شيئًا للاَّحقين، ثم نَزَلَ القرآنُ الكريم يُعلِّمُ هذه القِمَمَ حقيقةَ البلاغة والبيان، ويتحدَّاهم في الإتيانِ بمثلِه، ولو كانَ بعضُهم لبعضٍ ظهيرًا.



وقد جاءَ في الأثرِ أنَّ القرآنَ "مأْدُبة اللهِ للعالمين"، معنى ذلك أنَّه ينبغي على العالمين أنْ ينقِّبوا ويبحثوا في القرآنِ الكريمِ من كلِّ وجوه المعرفة؛ ليتعلَّمُوا منه قَدْرَ الإمكان في كافَّة مجالات العلوم التي يتيحُها القرآنُ، ولا شكَّ أن البيانَ يُعَدُّ واحدًا من العلوم التي لها حظٌّ وافرٌ فيه لِمَن أرادَ أنْ يتعلمَ أصولَ البلاغة والكلامِ، ولا شكَّ أيضًا أن أكثرَ الناسِ فصاحةً هم الذين تشرَّبوا لغة القرآن الكريم بعُمْقٍ وافرٍ، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُوتِي جوامعَ الكَلِم؛ لأنه هو الذي أُنْزِلَ القرآنُ على قلبه ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، ولا بُدَّ لنا أن نتعرَّضَ لنفحات الله، إذا أردنا أنْ نتعلَّمَ الأسلوبَ الأمْثلَ للإبداع؛ نثْرًا وشِعْرًا بلغة القرآن، ملتزمين بآدابه ومعطياته.



وقد تحدَّى اللهُ - سبحانه وتعالى - الإنسَ والجنَّ أنْ يأتوا بمثل هذا القرآن في أكثر من مَوْضعٍ، وبأكثر من أسلوب، وهذا يجعلُنا نَتناوَل إحدى مفردات التحدِّي مرة أخرى؛ لنواجه بها المتطاوِلين على القرآن الكريم في هذا العصر، حيث إنِّ التحدِّي ما زال قائمًا، وسيظلُّ إلى يوم القيامة، والقَصص القرآني مجالٌ من مجالات هذا التحدِّي، وأحسن القصص؛ كما سمَّاها الله - سبحانه وتعالى - وهي قِصة يُوسُفَ - عليه السلام - التي جاءتْ كاملةً في سورة واحدةٍ هي "سورة يوسف"، وهي الطرْح الحالي الذي نقدِّمه نموذجًا بيانيًّا للتحدِّي، مع الوضْعِ في الاعتبار قَدَاسة القرآن الكريم بصفته كلامَ الله - سبحانه وتعالى - إلا أنَّنا نستشهدُ بأسلوب القرآن؛ لنتعلمَ منه أصولَ الأدب وكيفيَّة السرْدِ، وإدارة الحوارِ وعرْض المواقف المتباينة، والإيجاز والتنقُّل بين الأماكن، وتجاوز الأزْمِنة والتكثيف، والرَّبط بين الأحداث ومقدِّماتها والتشويق، مع العناية الكاملة بالشكْلِ والمضمون، وكلّ الوسائل التي ينبغي على كُتَّاب القصة أو الرواية أن يتعلموها؛ لأنه من الواجبِ أن نفْهمَ قولَه - تعالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، ونَتعامَل مع هذه الآية الكريمةِ على إطلاقها دونَ تقييدٍ، فالقرآن يهدي للتي هي أقومُ؛ في العقيدة والسلوك والأخلاق، واللغة والبيان، وشؤون الحياة وما بعد الحياة والغيْب، وكلِّ العلوم المتاحة وألوان المعْرفة، نقول هذا؛ لأنَّ بعض مَن يكتبون الرواية يزعمون أنَّها وافدةٌ إلينا من الغرْب، ويضعون لها ضوابطَ يقولون: أنهم استقوها من الأدب الأوروبي، مع أنَّ العكسَ هو الصحيح، والغرب هو الذي أخَذَ فنونَ الرواية من الحضارة الإسلاميَّة، وبخاصة القرآن الكريم.



فإذا استعرضْنا سورةَ يوسفَ من الناحية البيانيَّة، أو من حيث الموضوع، مستخدمين المصطلحات التي يتعاملُ بها الروائيُّون - نجدُ أنَّ الآياتِ الثلاثةَ الأولى عبارة عن تمهيد ومقدِّمة في إيجاز تامٍّ، وتستمرُّ أحداثُ القصة على مدار 97 آية، تنتهي عند الآية رقم 100، ثُمَّ تعقيب على أحداث القصة من البطَلِ الرئيس يوسفَ - عليه السلام - في الآية 101، يقول فيها: ﴿ رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 101]، ثم تعقيب من الله - سبحانه - الذي قصَّ علينا القصةَ وذلك في الآية 102: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ [يوسف: 102]، ثم نلاحظُ أنَّ الآياتِ من 103 إلى نهاية السورة ليس لها علاقة مباشرة بالقصة وأحداثها، ولكنَّ علاقتَها موصولةٌ بالتمهيد والمقدِّمة اللَّتَيْن جاءتا في بداية السورة، إلا أنَّ هذه الخاتمةَ تتمحوَرُ حول الدروس والعِبَر المستفادة من القصة وسردِها.



وإذا نظَرنا بعينِ التدقيق في أحداث أوائل القصَّة، نجدُ قولَه - تعالى - على لسان سيدنا يعقوب - وهو "الشخصية الثانية المحوريَّة" - في تفسيره لرؤيا ابنه "يوسف"، يقول: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ ﴾ [يوسف: 6]، وهذه إشارة عابرة لما سيكون في نهاية القصة، أو ما يُسَمَّى في الروايات الحديثة بالرجوع بالذاكرة، كما نلاحظ قولَ يوسف: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ ﴾ [يوسف: 4]، وردَّ الأبِ عليه بقوله: ﴿ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ ﴾ [يوسف: 5]، فكَلِمَتَي (يا أبتِ، ويا بُنَي) توضِّحانِ تلك الحميميَّة التي تربطُ بيْنَ الاثنين، والتي ستدورُ حولَها وبسببها مجرى الأحداث، ويمرُّ السردُ القرآني على حَدَثٍ محوريٍّ مرورَ الكِرام، وكأنه يريدُ للمتلقِّي أنْ يُعْمِلَ فيه عقلَه وفِكْرَه ووِجْدانَه، وذلك في الْتِزَامِ الابْنِ الشديد بوصيَّة الأبِ عندما أمرَه قائلاً له: ﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ﴾ [يوسف: 5]، الْتَزَمَ تمامًا حتى وهو يُلْقَى به في الجُبِّ، كما أنَّ التحديدَ الدقيقَ من قِبَل الأبِ للعدوِّ الحقيقي؛ ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5]، هذا التحديد سيظهرُ دِقَّتَه في مسارِ القصة كلِّها؛ سواء في موقف إخْوة يوسفَ، أم امْرأة العزيز، أم النسوة، أم السجين الذي نَسِي أمْرَ يوسفَ بضْعَ سنين.



ومن الناحية الفنِّيَّة التي نتعلمُها من هذه الصورة أنَّ فيها شخصيَّات رئيسة، مثل: "يوسف، ويعقوب، وإخْوة يوسف"، وشخصيَّات ثانويَّة، مثل: "العزيز، وامْرأته، والملك"، وشخصيَّات هامشيَّة، مثل: "الشاهد، والوارد، والفَتَيان، ونِسْوَة المدينة، وملأ الملك، والمؤذِّن"، وفي القصَّة ذِكْرٌ لبعض الحيوانات، مثل: "الذئب، والطَّيْر، والبقرات، والبعير"، وكذلك لبعض الأشياء، مثل: "الدلو، والسكين، والدراهم، والخمْر، والخُبْز، والسُّنبلات، والخزائن، والسقاية"، "والقميص الذي يردُ في ثلاثة مواضع لثلاثة قُمصان مختلفة؛ الأول: يلطَّخُ بالدمِ، والثاني: تمزِّقُه امرأةُ العزيز، والثالث: يحملُه البشيرُ"، وهناك ثلاث رؤًى لها تأثيرٌ قويٌّ على مُجْرَيَات الأمور؛ الأولى: رُؤْيَا يوسفَ في طفولته، والثانية: رُؤْيَا المسجونَيْن، والثالثة: رُؤْيَا الملِك، واستدعاء كلِّ هذه الشخوص والمخلوقات والأشياء في السرد هو عيْنُ ما يفعله الروائيُّون في كتاباتهم الآن، ويعتبرونها من أصول الرواية الجيدة التي يجبُ أنْ يلتزمَ بها الراوي.



كما نلاحظُ أنَّ الله - سبحانه وتعالى - وهو يقصُّ علينا هذه القصة يراعي تمامًا حاجة المتلقِّي أو القارئ إلى المعلومة بدِقَّة متناهية؛ فعندما تحدَّثَ عن المنحة العظيمة التي مَنَحَها يوسفَ عندما بلغَ أَشُدَّه؛ من عِلْمٍ وحِكْمة، قال: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22].



لأن المتلقِّي يعلمُ أنَّ يوسفَ هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وأنه ربيبُ بيتِ نبوَّة مؤصَّلة، ومن ثَمَّ فإنَّ المتلقِّي لا يحتاجُ إلى تعريفه باستواء يوسفَ وتأهُّلِه لهذه المنحة، مع أنَّه - سبحانه وتعالى - عندما تحدَّثَ عن نفسِ المنحة حينما وَهَبَها لسيدنا موسى - عليه السلام - في موضعٍ آخرَ؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14]؛ لأنَّه - سبحانه - يعلمُ أنَّ المتلقِّي قد تُسَاوره بعضُ الحيرة؛ حيث إنَّ موسى تربَّى في بيت فرعون، ومن ثَمَّ فإنَّ كلمة (واستوى) التي زِيدتْ بالنسبة لموسى كانت في غاية الأهميَّة، ومناسِبَة جدًّا لمستوى المتلقِّي عند متابعته للقَصص القُرآني.



ولم تتوقفْ مسارُ الأحداث على السرْد فقط، بل نجدُ في جوانبَ عديدة من الحوار الذي يَدُور بين أطراف الحدثِ، فبداية القصة حوارٌ بين الأبِ وابنِه، ثم حوارٌ آخرُ بين إخوة يوسف وأبيهم، وحوارٌ ثالث بين السيارة الذين حملوا يوسفَ وباعوه وبَيْنَ واردِهم، وحوارٌ رابعٌ بيْنَ يوسفَ وامرأة العزيز، ثم بَيْنَ الملك والنسوة اللاتي قَطَّعْنَ أيديهُنَّ، وبَيْنَ يوسفَ والمسجونين، وهكذا نجدُ حواراتٍ عديدةً في مواضع مختلفة؛ ممَّا يُكْسِبُ القصةَ تشويقًا وأبعادًا لا تتوافر عند الاكتفاء بالسرْد.



والحركة عنصرٌ أساسيٌّ في هذه القصة، فهناك خمس رحلات؛ الأولى رحلة يوسفَ مع السيَّارة، والثانية رحلة إخوة يوسفَ إلى أرض مصر، والثالثة برفقتهم أَخُوهم حسب طلب يوسفَ، والرابعة تَحَسُّسًا لريحِ يوسفَ وأخيه، والخامسة جمْع الشَّمْلِ في مصر.



فالقصة تبدأُ في أرضِ كنعان، وتنتهي في أرض مصر على بُعْدِ مئات الأمْيَال؛ مما يَعْني اتِّساع رُقْعة الأحداث، كما أنَّ المرحلة الزمنيَّة للقصة هي عشرات السنين، تبدأُ بطفولة يوسفَ وتنتهي بكهولته، مرورًا بسنوات في بيت العزيز، وأخرى في السجن، وأخرى في قصر الملِك، وفي القصة حديثٌ عن الزراعة والتجارة والرعي، والصناعة والرياضة، ورغبات الجسد، والإخْلاص والوفاء، والإيمان والتأْويل، والحزْن والفرح واليأْس، والمرضِ والشفاء، مع إشارات إلى الكَيْد وغيابة الجُبِّ والسجن، والبداوة والعلم الإلهي، ونلاحظُ أنَّ بَطَلَ القصة لا يتكلم إلا للضرورة وحسب ما يقتضي الموقف فقط، فعندما يتعرَّض يوسف لكَيْد امرأة العزيز، يقول في مَعْرِضِ الدفاع عن النفس وكأنه مضطر لذلك: ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾ [يوسف: 26] ولم يَزدْ على ذلك، مع أنه بريءٌ، ورغم أنَّ الجانية قالت جملة طويلة نسبيًّا: ﴿ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 25]، وأيضًا الشاهد استَطرَد قليلاً في كلامه قائلاً: ﴿ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 26، 27]، وهذا التكثيف البليغُ يفتقدُه أغلبُ كُتَّاب القصة أو الرواية الذين يستطردون في الحوارات بين أبطالِ القصة دون داعٍ، وكذلك فإنَّ هذا التكثيفَ نجده سمةً من سمات كلِّ أحاديث بطلِ القصة (يوسف) على مدار الأحداث كلِّها من أوَّلِها إلى آخرها.



ومع أنَّ هذه الآيات – تحديدًا - قد تعرَّضت لقضية شائكة جدًّا في هذا الموْضع بالذات، إلا أنَّ أسلوب التناول والعَرْض والحوار يُعْتبرُ دَرْسًا بليغًا لأولئك الذين يداعبون الغرائزَ الإنسانيَّة بحجَّة الواقعيَّة، فالقصة هنا تعالجُ مشكلة علاقة محرَّمة أرادتها امرأةٌ، حاولت تنفيذَها رغم تعفُّف الرجلِ، ومع ذلك لا نجدُ ما يخدشُ الحياءَ، ليس لأنه كلامُ الله - سبحانه وتعالى - فقط، ولكن لأنَّ الله يريدُ أن يعلمَنا كيفيةَ تناول الأمورِ المعقَّدة في مِثْلِ هذه المسائلِ دون إسفافٍ.



ومن ألوان البديع والبلاغة والفصاحة والبيان تجدُ كلَّ ألوان المجازِ (*) والتشبيه، والاستعارة والكناية، والتعريض والإيجاز والتكثيف، والإشارة والاستفهام والاستدراك؛ ولذلك ومع أنَّ القصةَ جاءت في حوالي عشرين صفحة من صفحات المصحف الشريف، إلاَّ أن تفْصيلَ هذه القصة يحتاجُ إلى مئات الصفحات لمن يريد شرحَها، وهذا وجهٌ من وجوه الإعجاز والتحدِّي، فأين الذين يملؤون الدنيا ضجيجًا بقولهم: "نحن في عصْر الرواية"؟! وأين الذين يتطاولون في كتاباتهم على الله - سبحانه وتعالى - وعلى رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى الثوابت الإسلاميَّة والرموز الدينيَّة بزعْمِ الإبْداع وحُريَّته؟! وأين دُعاة العاميَّة الذين يتطاولون على لغةِ القرآن الكريم؟! بل أين دُعاة الحَدَاثة الذين يريدون التحلُّلَ من كلِّ الموروث، ويحسبون أنهم أفصحُ بيانًا من السابقين الأوَّلين؟! إنَّ التحدِّي الربَّاني ما زال قائمًا؛ ﴿ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ [الرُّوم: 4].إهـ النقل .

(*) ملاحظة: تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز مسألة خلافية والصحيح كما قرر شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم _وسمى المجاز طاغوتا كما في مختصر الصواعق _والأمين الشنقيطي وغيرهم ودلت عليه الادلة ؛ أنه تقسيم حادث لم يتكلم به الصحابة ولا التابعون ، أحدثه المبتدعة ليتوصلوا بذلك إلى نفي الصفات. والله أعلم

زينب من المغرب
09-24-2010, 02:56 AM
جزاك الله خيرا على هذا النقل الفريد.

مسلمة84
09-30-2010, 12:18 AM
سلّمَـكِ الله أختاه ...وسدّد رميكِ