أبو الفداء
09-12-2010, 12:35 PM
العباقرة السفهاء: عندما تتمحض السفاهة في أحدِّ الناس ذكاءً!!
الحمد لله وحده، الأول فلا شيء قبله والآخر فلا شيء بعده، قيوم السماوات والأرض، عبده من عبده وجحده من جحده، والصلاة والسلام على مصطفاه الذي لا نبي بعده
أما بعد، فقد جئتك اليوم أيها القارئ الكريم بأمر عجاب!
هل تعلم أن الرجل من بني آدم قد يبلغ الغاية في الذكاء والغاية في السفاهة معا وفي آن واحد؟!
نعم وربي، وإنها لمن المضحكات المبكيات، وإنها كذلك لمن آيات الله في خلقه! فهي حقيقة خلقٍ كثير ممن برزوا في علوم الدنيا ونبغوا وبرعوا فيها وبلغوا غايتها، لا سيما في أوروبا معقل الإلحاد في زماننا! فلعلك الآن تتساءل، أيصح أن يجتمع الذكاء والسفاهة في رأس واحد؟ وأقول لك نعم يصح.. وبيان ذلك أن السفاهة في اللغة لا يقتصر معناها على الغباء الذي هو بمعنى افتقار العقل إلى قدراته التي بها يميز ويزن ويقيس ويقارن وينظر في الأشياء. إنما السفاهة تعني خفة العقل بإطلاقها، وهذا المعنى متحقق فيمن خف عقله سواء كانت تلك الخفة متمثلة في قيام الرأي على ضعف في قدرات ذاك العقل، كما يكون في الأطفال والأغبياء، أو على جهل واتباع للهوى وتفريط في واجبات النظر ولوازمه قبل الإقدام عليه! ولهذا تجد العرب تقول (سفه فلان نفسه) يريدون أن فلانا هذا قد أوقع نفسه في السفاهة بما قال ورأى، لا أنه قد اعتراه عارض من غباء أو مرض أو تخلف في قدرات العقل حال نظره ذاك فخرج منه ذاك الرأي!
ولهذا، كان الرجل الذي أنعم عليه الله تعالى بمنة العقل والتمييز، ثم أنزل إليه حجة الحق فسمعها ووعاها ثم أعرض عنها وجحدها واستكبر عن قبولها، سفيها متمحضا في السفاهة مهما كان فيه من ذكاء وعبقرية وقدرة إبداعية برز بها في صنعة من صنائع العلم الدنيوي أيا كانت! بل كان مثل هذا في ميزان العقل والحكمة عند التحقيق، أضل من الأنعام والبهائم وأحطّ منزلة منها في الحقيقة! ذلك أن البهيمة لم يكلفها الله بما كلف به الإنسان ابتداء، ولم يمتحنها بقبول الحق من بعد أن يأتيها خبره وتقوم عليها حجته كما هو الشأن في بني آدم! فهي مع كونها في منزلة دون الإنسان، إلا أنها أعقل وأحكم من كثير من الناس! فإنه كلما عظُم مقدار ذلك الحق الذي أنكره الإنسان وجحده وكفر به من بعد ما تبين له، زاد استحقاقه لوصف السفاهة، وكان أحق وأجدر بأن يحقره الناس! أيستوي الذي ينكر أن في السماء شمسا، بالذي ينكر أن في السماء كوكبا من الكواكب صفته كذا وحالته كذا؟ لا يستويان! وكلما كان الحق أظهر وأوفق لما به تنادي فطرة الناس في نفوسهم، وما عليه توافقت عقولهم وبه شهدت أقيستهم السوية، كان من يجحد ذلك الحق وينكره ألصق بوصف السفاهة وخفة العقل ممن سواه، مهما ظهر عليه من آيات الذكاء والنبوغ!
وإن تعجب فعجب قول بعض السفهاء من الناس: كيف يصف قرءانكم الكفار بالسفهاء وفيهم آينشتاين وفيهم دافنشي وفيهم فلان وفلان وفلان؟؟ هؤلاء ثبت لهم الذكاء والعبقرية كما لم يثبت لأمم كاملة من البشر!! ويقال لهذا بل هم سفاء والله! وشدة ذكائهم هذه – التي نشهد بها ولا نماري فيها – آية على تمحضهم في السفاهة عند التأمل!! ذلك أن الحق قد قامت عليهم حجته وسمعوه من القرءان كما سمعه غيرهم من الناس، فآمن من الناس من حولهم من آمن وجحد هؤلاء وأصروا على كفرهم ولم يبالو حتى ماتوا عليه!! فمن السفاهة أن يقال إنهم أبوا الإيمان بما جاء به القرءان لأنهم لذكائهم ونبوغهم، رأوا فيه من الباطل ما خفي على غيرهم من الناس! فإن الحق الذي جاء به القرءان من صفة الرحمن ومما هو واجب بضرورة العقل من تعظيمه حق التعظيم، وإفراده بما هو أهله وحده لا شريك له من الطاعة والخضوع والتسليم، هذا الحق ليس فيه مطعن قط لعاقل راشد مميز! وهؤلاء لم يطعنوا على القرءان وإنما جحدوه وأعرضوا عنه ابتداء من بعد ما قامت عليهم حجته وسمعوا برسالته! ولو حاولوا الطعن فيه لزادوا بذلك سفها فوق سفه، وجحودا فوق جحود!
أرأيت أيها العاقل الرشيد رأيا أشد سخافة وسفها وجحودا من قول كهذا: إن الكون لابد له من خالق (قوة عقلية عظيمة مدبرة أنشأته ثم قامت على ضبط نظامه)، ولكن هذه القوة العقلية ليست ذاتا مُريدة تأمر وتنهى وتضع الخلائق في الكون لغاية مطلوبة من تلك الخلائق تكليفا أو تسخيرا، وإنما هي قوة صماء بكماء غير مريدة، فلا تأمر ولا تكلف ولا تسمع دعاء ولا رجاء ولا ترسل الرسل والأنبياء ولا شيء من ذلك؟؟!
أي قول هذا إلا قول من سفه نفسه وأبى الحق من بعد ما تبين له وجحده لا لشيء إلا لأن هذا المعنى لا يعجبه ولا يرضاه ولا يوافق هواه: أن يكون خالقه الذي يشهد له بأنه خلق وأحسن الخلق والتكوين، وأنه قد ظهرت إرادته جلية في خلق البشر أنفسهم ابتداء وإيجادهم في هذا العالم ثم إماتتهم فيه من بعد تمام آجالهم = مريدا لتكليفه هو وسائر بني آدم – من بعد خلقهم ذاك - وامتحانهم في الأرض بما يريد ؟؟
لا يعجبه هذا الجاحد السفيه أن تبلغه شهادة من هذا الخالق على نفسه بأنه لهذا خلق الناس فيها ولهذا يميتهم ثم يبعثهم كما خلقهم أول مرة! فبأي عقل وبأي حجة يدفع معنى إرسال الرسل وأمرهم ونهيهم وتكليف الناس وبعثهم بعد موتهم للحساب، من بعد ما جاءه الخبر بذلك ممن يقول إنه رسول من عنده؟؟؟
يقول من يعتنق هذه النحلة: أنا أومن بقوة خالقة ضرورية ولكنني لا أومن بإله متشخص (أي له صفات "الأشخاص" – بحسب مصطلحهم، ويقصد بذلك صفات السمع والبصر والإرادة وإرسال الرسل ومغفرة الذنوب والرحمة والغضب وغير ذلك مما أخبر به الأنبياء والمرسلون)! فبأي عقل نسب إلي تلك الذات إرادة الخلق والتدبير والقيام على أمر الكون أولا، ثم نفى عنها سائر الإرادات والصفات الأخرى التي أثبتها المرسلون ثانيا؟؟ وكيف فرق بين هذه وتلك مع أنه يدري أن تجريد تلك الذات المريدة الفاعلة من محاسن الصفات التي توصف بجنسها كل ذات مريدة فاعلة = نقص فادح وعجز واضح لا يقبله العقل في حق ذاك الخالق المدبر!! وأن الباب – الذي منه لزم بالعقل إثبات معنى الخلق والتدبير – هو نفسه الذي منه يلزم إثبات معاني الكمال في سائر صفات تلك الذات المدبرة، وأن أصل معنى الإرادة والقدرة والتدبير والاتصاف بصفات الكمال الذي به أثبت هو نفسه معنى الخلق والتدبير، يلزمه به قبول سائر ما جاء به المرسلون ولابد؟؟؟ كيف يريد أن يسقط عن الخالق معاني صفاته التي أخبرنا بها الأنبياء، من بعدما دل العقل الصريح على أن ذاتا مريدة للخلق لا يمكن أن تتخلف عن أن تكون موصوفة بصفات الكمال كلها ولابد، فهو يسلبه إياها سلبا، وقد شهد له – بالفعل – بأنه الخالق المتفرد بذلك، الذي منه جاء كل شيء؟؟
أويوصف مثل هذا بأنه عاقل؟؟
هذا القول الساقط المتهافت الطافح بالكبر والجحود، أيها القارئ الحليم الفطن، إنما هو الملة التي مات عليها ألبرت آينشتاين، صاحب النسبية، عبقري العباقرة في القرن العشرين في الفيزياء والرياضيات! فخبرني بربك، ماذا أغنت عنه عبقريته الفذة تلك إذ مات على ذاك الجحود الفاحش لحقيقة لا تحتاج إلى ذكاء أصلا فضلا عن النبوغ والعبقرية، حتى يشهد بها الإنسان من بعد ما تبلغه؟؟ وكيف تراه يكون حساب رجل بلغ من الذكاء مبلغا كهذا، ثم ارتضى لنفسه ملة كهذه ولم يمت إلا عليها؟؟؟ نسأل الله العافية والثبات على الحق حتى نلقاه!
إنه الكبر والجحود، ذاك الذي أورث السفه المحض لرأس من أبرز رؤوس الإبداع والنبوغ في العالم، والله المستعان!!
وأنا أعلم أن من الملاحدة من قد يقرأ هذا الكلام الآن فبدلا من أن يراجع نفسه ويقف معها وقفة جادة صادقة يحملها على قبول الحق حملا حثيثا قبل ألا يُجدي الندم، تراه يجادلني في ملة آينشتاين التي مات عليها، يقول كلا بل كان يقول كذا وكذا، ولم يكن يرى في الدين إلا كذا وكذا!!! وأقول له: إنما ضربتُ لك المثل أيها الذكي النابغة لبيان المراد، فاعقله إن كنت فاعلا!!
أليس من السفاهة أيها العقلاء أن يُؤتى رجل من الناس بآلة من الآلات، ثم بدلا من أن يبدأ بالسؤال عن الغاية التي من أجلها صُنعت تلك الآلة حيث صنعت وكما صنعت حتى يضعها فيما صنعت له، تراه يتفنن في تفكيكها وتركيبها وتعديلها والعبث بها، يستعملها في كل شيء إلا فيما من أجله صنعها صانعها، بل وتراه يدعي - وبملئ فيه - أن من أجزائها ما هو عشواء في عشواء، ومنها ما لا وظيفة له ولا غاية من وجوده أصلا؟؟ أليس من بدهيات العقل أن نبدأ قبل أن نسأل كيف تعمل ماكينة الحياة، بالسؤال: لماذا صُنعت تلك الماكينة ابتداء، ومن الذي صنعها وماذا يريد منها، ومن ثمّ ننطلق في معرفة وظيفة كل جزء منها وكيف نضعه في موضعه الصحيح؟؟؟ إنما مثل هذا الجحود المبين كمثل صنيع الأطفال: إن وضعتَ في يد أحدهم آلة من الآلات أتلفها، أو على أحسن تقدير استعملها في هلكته أو في غير ما صُنعت له، ثم إن نصحته أو عاتبته وجدته يزعم أنها لا صانع لها أصلا حتى يرجع إليه أو يسأله لأي غاية صنعها!! هذا مثلُ من جحد الحق بعدما تبين له، وكفر بما أنزل الله على رسله من بعد ما سمعه! أرأيت الطفلَ تحدثه أمه تقول له لا تضع هذا الشيء في فيك وإلا مرضتَ، فيغضب منها ويثور عليها ويفر من البيت فرارا حتى يتمكن من التلذذ بما يهوى بعيدا عن أمرها ونهيها، ثم إذا ما حدثته وعاتبته قال لك: "أنا لا أم لي، أنا جئت إلى الدنيا من غير أم"؟ ألست تضحك من قول ذاك الطفل العنيد المكابر؟؟
فهكذا الملحد!! سفيه ينكر ضرورات العقل اتباعا لهواه، يكره أن يأتيه من يأمره بأمر ربه وينهاه! سفيه مهما كان مقدار ما لديه من الإحاطة بكيفية عمل تلك الآلة وتركيب أجزائها وما كان عليه من النبوغ والعبقرية في فهمها: آلة الحياة الدنيا!!
جاء إلى الدنيا غير راغب ولا مختار، نبت جسده في بطن أمه دونما اختيار منه، ونما وتفتق عقله وميز ووعى من غير إرادة منه، وهو يعلم أنه خارج منها كذلك لا محالة مهما طال عمره فيها، شاء أم أبى، ثم بدلا من أن يسمع كلام من جاءه بالوحي من خالقه يخبره بالغاية التي من أجلها خلقه الله فيها وآتاه ما آتاه من المتاع فيها، تراه يأكل كما تأكل الأنعام، يعرض عن الحق ويسفهه ويسخر منه ومن أهله، ويكتفي باتباع ظنون آبائه وأجداده وفلاسفة بلاده كيفما وجدها!! فهل من سفاهة فوق هذه يا أولي الأحلام؟
دعوني أحدثكم بما هو أسفه من هذا! ما ظنكم برجل بلغه ذلك الحق، وسمعه بما يكفي كل عاقل صادق مع نفسه حتى يجهد في طلبه وتلقيه وتعلمه والدخول فيه، ثم إذا به يهمله ويحقره، ويتخذ من علم من علوم الدنيا التي بين يديه، التي جمع أطرافا منها ببعضها البعض، طريقا لمعرفة جواب تلك الأسئلة الكبرى كلها التي ما بعث الله المرسلين إلا لبيان جوابها للناس: يريد من علم مادته تلك الجزيئات التي يراها في الكون من حوله، أن يوصله إلى علمٍ مادته ما وراء الكون وخبر ما كان قبله وما هو كائن بعده!!! يريد أن يعرف لماذا نحن في هذه الدنيا، من أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون من بعدها!!!! ثم ما قولكم في زعمه إنه انتهى بعد مشوار عمره الطويل من البحث والنظر في علوم الفيزياء والفلك إلى أن الخالق لا داعي لوجوده البتة، لأن الكون كان سينشأ لوحده لا محاله، بتأثير "قوانين الفيزياء النسبانية والكماتية"؟؟؟؟؟ سبحانك ربي لك في خلقك شؤون وشؤون!!
هذا السفيه صاحب تلك الرحلة العثراء والغاية النكراء والنتيجة السوداء، إنما هو الفيزيائي الانكليزي الشهير المدعو "ستيفن هوكينج"! هذا القعيد المسكين (أقولها على وجه التحقير لا العطف والشفقة) الذي جاوز الثمانين عاما، المحمول على مقعد متحرك لا يقدر فيه إلا على تحريك عضلتين في فكه يتلقى بهما الطعام والشراب ويحركهما حركات مخصوصة ليفهم الكمبيوتر تلك الحركات ويترجمها إلى كلام يفهمه الناس، خرج علينا قبل بضعة أيام بتصريح قرر فيه أنه بعد تاريخ طويل من البحث في أسئلة الكون الكبرى، ومن الدمج بين فيزياء الكم وفيزياء النسبية، توصل أخيرا إلى أن وجود الخالق إنما هو قدر زائد عن الحاجة ولا داعي له!!
هذا الرجل قد يكون نابغة من نوابغ العصر في الفيزياء والفلك.. ولكنه لم يتكلم بما تكلم به من الهراء في دائرة الفيزياء والفلك، وإنما فيما وراء الفيزياء والفلك! أيخفى على من في مثل ذكائه ونبوغه أن تلك الصنعة التي بين يديه، ليست – بطبيعة أدلتها المعرفية وأدواتها البحثية - توصل إلى نتيجة كهذه، ولا يمكن من خلالها معرفة الأصل الأول لهذا الكون (أعني – وعلى التنزل معهم – ما كان قبل ما يؤمنون به من انفجار كبير وما كان قبل ذلك!!)؟؟ كلا لا يخفى عليه! ولو ادعى أنه يؤمن بصدق بأن العلم الطبيعي ينتهي بالناس ولابد إلى نفي ضرورة العقل لوجود الخالق (العلة الأولى)، فإنما هو كذاب مكابر، يسفه نفسه سفاهة لم يسجل لنا التاريخ البشري نظيرا لها!! فهو يعلم أنه بذلك يخوض في دائرة الفلاسفة ومادتهم لا في مادة العلم الطبيعي ومباحثها وأدلتها!! أيمكنه - بأدلة العلم الطبيعي الذي نبغ فيه وأتقنه - أن يُثبت بطلان قول القائل: "مهما تصورتم من قصة لنشأة الكون حتى صار إلى ما هو عليه الآن، فإن هذا كله من صنعة الخالق المدبر الذي يضطرنا العقل لإثبات وجوده"؟ أبدا والله لا يمكنه، ودونه إلى ذلك خرط القتاد!! وإنما تراه يجيب من يقول بهذا القول بقوله إن هذا إنسان بائس لا يريد أن يتخلى عن الدين وأساطير الأولين ويحاول بأي طريقة أن يبحث عن (فجوة) من فجوات العلم الطبيعي يضع فيها إلهه لينام قرير العين!!! فهل هذا كلام من يقف في دعواه العريضة تلك على شيء؟؟ كأنما صار من يثبت ضرورات العقل الواضحة الآن ويتمسك بوجود الخالق ووجوب تلقي الخبر عنه ممن يرى ثبوت نبوته = "مسكينا" "بائسا" يحاول أن يتمسك بشعرة من هنا أو هناك في وجه تيار "العلم" الجارف الذي يكسح جميع الأديان!!! هذه وربي هي السفاهة بعينها! عندما يقال لنا كما قال إمام الملاحدة الجدد البريطاني ريتشارد دوكينز إن البشر قد بلغوا من العلم الطبيعي ما آن معه أوان "الرقي بالوعي العقلي" للناس Consciousness raising – على حد تعبيره - حتى يتمكنوا من التخلي عن ثوابتهم العقلية والفطرية ويقبلوا كونا لا خالق له ولا مدبر، وعندما تتحول ضروريات العقل إلى محل للنزاع بين قوم ليست تدخل مناقشة تلك القضايا في مادة بحثهم ونظرهم أصلا = فأي عقل يكون هذا وماذا بقي بعد ذلك من وصف أليق بصاحبه من محض السفاهة؟؟
دع عنك الآن مسألة قوة وطبيعة الدلالة التي بها يرسم هؤلاء سيناريو النشأة الأولى الذي يتوهمونه للكون بناء على ما يرونه الآن جاريا فيه (وهي مسألة فلسفية بالأساس)، وخبرني بربك الذي خلقك فسواك فعدلك، بأي عقل وبأي دليل من أدلة الفيزياء والفلك يقال إن وجود الخالق المدبر "لا داعي له" أو بعبارة أدق (لا موجب له)؟؟؟ وأي شيء هذا إن لم يكن آية بينة على إباء واستكبار متجذر في تلك القلوب الخبيثة، وتمحل ظاهر للهروب من الإقرار بضرورة وجود الخالق ومن ثمّ الالتزام بقبول رسالات المرسلين والخضوع لما بعثهم به رب العالمين؟؟؟
فليكن هذا المسكين من عباقرة الفيزياء والفلك، وليكن ممن صالوا في المعامل وجالوا في قاعات المحاضرات في تلك البلاد، وضعوا نظرية هنا وقانونا هناك وقاعدة هنالك، بل وليكن من أولئك القلة الثوريين عبر التاريخ الذين جددوا هذا العلم نفسه وأعادوا بناءه من جديد على قواعد جديدة كما فعل أينشتاين ومن قبله نيوتن وغيرهما = هم بجحودهم ذاك: سفهاء متمحضون في السفاهة مهما عظمهم الناس!! ولعمر الله إن رجلا من عامة المسلمين ممن يحقره الناس، ممن لا نبوغ لهم في صنعة من صناعات العلم = لأحظى وأسعد بعقله الضعيف وعلمه الدنيوي الضئيل من هؤلاء السفهة المتكبرين ومن تبعهم على سفاهتهم، وهو خير في ميزان الحكمة منهم مجتمعين!! فإن الحكمة وضع الشيء في موضعه! فالذي لم يعرف لأي غاية صُنع ذاك الشيء الذي يبحث فيه ويجهد في فهم آليته، فضلا عن الغاية التي من أجلها خلقت تلك الأداة نفسها التي يبحث بها.. أنى لمثله أن يضعها في موضعها؟ أيسعد أصحاب الصناعات والتقنيات بعلوهم في الأرض وهم لا يعلمون إلى أي منقلب ينقلبون من بعدها؟؟ أيحسبون أنها تغنيهم عن معرفة ما به يستقيم لهم أمر ما يلقونه بعد موتهم؟؟ هيهات!
إذا كانت الناس تتفاوت في قواها العقلية والإبداعية وأنواع الذكاء الطبعي التي يجدها كل منهم في عقله، فإنهم يتفاوتون كذلك في ابتلائهم بها! فكلما كان الإنسان أعظم عقلا وأقوى نظرا وفهما، كان ابتلاؤه بهذا العقل أشد وأخطر! وهذه سنة الحياة الدنيا: كلما عظم فيها العطاء، عظم به الابتلاء! فإن العبقري النابغة الذي أذهل الناس بنبوغه، أيا كانت صنعته التي ظهر فيها نبوغه ذاك، إمام متبوع من عامة الناس لا محالة، يقلدونه على أقواله وأفعاله لا محالة، فإما أن يجمعهم على حق فيسعد بهم ويسعدون به، وإما أن يحشرهم إلى أبواب جهنم من خلفه حشرا، ويبوء بذنبه وذنوبهم يوم لا يجدي الندم!! فهما ثنتان لا ثالث لهما!! والعاقل من احترز لنفسه! وقديما قال حكيم من حكماء المسلمين من سلفنا الصالح، لما فقه هذا المعنى الخطير: لأن أكون ذنبا (تابعا) في الحق خير لي وأحب من أن أكون رأسا (متبوعا) في الباطل!!
وصدق وربي!
تأمل أيها العاقل كيف أن هذا "الهوكينج" المسكين، ما أن عقد العزم على تتبع نظرية النسبية ونظرية الكم والجمع بينهما بغية الوصول إلى أصل الكون والإجابة عن سؤال الخلق كما يدعي وعزم على أن يتخذ ذلك مشروعا لحياته، حتى قضت مشيئة الله أن يبتليه بمرض نادر في الأعصاب لا علاج له فيما يعرف الناس، أخذ يهدم في جسمه هدما بطيئا حتى أرداه جثة هامدة لا يقدر صاحبها على تحريك شيء من جسده سوى عينيه وعضلتين في فكه!! فكأنما يقول له ربه: أفق، تأمل، اتعظ، ألا ترجع لرشدك؟؟ أمهلتك ثمانين سنة، وبلوتك بمرض مميت فأبقيتك به حيا لتنظر وتتأمل فيما سلبتك إياه من النعم وما أبقيته لك.. ألا تدع عنك كبرك قبل أن أقبضك إلي ثم لا ينفعك الندم؟؟ ألا تفيء لما بلغك من الحق ولا يزال فيك قلب ينبض وعقل يفكر؟؟ ألا تَصدُق نفسك والناس وتقر بما علمت وتيقنت في نفسك أنه الحق؟؟ أما من أوبة إلى الحق قبل الممات؟؟ والله لكأنما يقول له: سلبتك نعمي الواحدة تلو الأخرى لعلك تتذكر أو تخشى، فإن إلف النعمة واعتيادها يُنسي أكثر الناس حق شكرها ويصيبهم بالغفلة، فما لي لا أراك تزيد إلا جحودا ومكابرة وعنادا؟؟
سبحانك ربي ما أحلمك وما أرحمك!
((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)) [النحل : 61]
بئست القلوب والعقول هذه مهما علت ونبغ أصحابها بها، ولشدَّ ما تمحضوا فيه من السفاهة مهما وقرهم الناس..
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة!
الحمد لله وحده، الأول فلا شيء قبله والآخر فلا شيء بعده، قيوم السماوات والأرض، عبده من عبده وجحده من جحده، والصلاة والسلام على مصطفاه الذي لا نبي بعده
أما بعد، فقد جئتك اليوم أيها القارئ الكريم بأمر عجاب!
هل تعلم أن الرجل من بني آدم قد يبلغ الغاية في الذكاء والغاية في السفاهة معا وفي آن واحد؟!
نعم وربي، وإنها لمن المضحكات المبكيات، وإنها كذلك لمن آيات الله في خلقه! فهي حقيقة خلقٍ كثير ممن برزوا في علوم الدنيا ونبغوا وبرعوا فيها وبلغوا غايتها، لا سيما في أوروبا معقل الإلحاد في زماننا! فلعلك الآن تتساءل، أيصح أن يجتمع الذكاء والسفاهة في رأس واحد؟ وأقول لك نعم يصح.. وبيان ذلك أن السفاهة في اللغة لا يقتصر معناها على الغباء الذي هو بمعنى افتقار العقل إلى قدراته التي بها يميز ويزن ويقيس ويقارن وينظر في الأشياء. إنما السفاهة تعني خفة العقل بإطلاقها، وهذا المعنى متحقق فيمن خف عقله سواء كانت تلك الخفة متمثلة في قيام الرأي على ضعف في قدرات ذاك العقل، كما يكون في الأطفال والأغبياء، أو على جهل واتباع للهوى وتفريط في واجبات النظر ولوازمه قبل الإقدام عليه! ولهذا تجد العرب تقول (سفه فلان نفسه) يريدون أن فلانا هذا قد أوقع نفسه في السفاهة بما قال ورأى، لا أنه قد اعتراه عارض من غباء أو مرض أو تخلف في قدرات العقل حال نظره ذاك فخرج منه ذاك الرأي!
ولهذا، كان الرجل الذي أنعم عليه الله تعالى بمنة العقل والتمييز، ثم أنزل إليه حجة الحق فسمعها ووعاها ثم أعرض عنها وجحدها واستكبر عن قبولها، سفيها متمحضا في السفاهة مهما كان فيه من ذكاء وعبقرية وقدرة إبداعية برز بها في صنعة من صنائع العلم الدنيوي أيا كانت! بل كان مثل هذا في ميزان العقل والحكمة عند التحقيق، أضل من الأنعام والبهائم وأحطّ منزلة منها في الحقيقة! ذلك أن البهيمة لم يكلفها الله بما كلف به الإنسان ابتداء، ولم يمتحنها بقبول الحق من بعد أن يأتيها خبره وتقوم عليها حجته كما هو الشأن في بني آدم! فهي مع كونها في منزلة دون الإنسان، إلا أنها أعقل وأحكم من كثير من الناس! فإنه كلما عظُم مقدار ذلك الحق الذي أنكره الإنسان وجحده وكفر به من بعد ما تبين له، زاد استحقاقه لوصف السفاهة، وكان أحق وأجدر بأن يحقره الناس! أيستوي الذي ينكر أن في السماء شمسا، بالذي ينكر أن في السماء كوكبا من الكواكب صفته كذا وحالته كذا؟ لا يستويان! وكلما كان الحق أظهر وأوفق لما به تنادي فطرة الناس في نفوسهم، وما عليه توافقت عقولهم وبه شهدت أقيستهم السوية، كان من يجحد ذلك الحق وينكره ألصق بوصف السفاهة وخفة العقل ممن سواه، مهما ظهر عليه من آيات الذكاء والنبوغ!
وإن تعجب فعجب قول بعض السفهاء من الناس: كيف يصف قرءانكم الكفار بالسفهاء وفيهم آينشتاين وفيهم دافنشي وفيهم فلان وفلان وفلان؟؟ هؤلاء ثبت لهم الذكاء والعبقرية كما لم يثبت لأمم كاملة من البشر!! ويقال لهذا بل هم سفاء والله! وشدة ذكائهم هذه – التي نشهد بها ولا نماري فيها – آية على تمحضهم في السفاهة عند التأمل!! ذلك أن الحق قد قامت عليهم حجته وسمعوه من القرءان كما سمعه غيرهم من الناس، فآمن من الناس من حولهم من آمن وجحد هؤلاء وأصروا على كفرهم ولم يبالو حتى ماتوا عليه!! فمن السفاهة أن يقال إنهم أبوا الإيمان بما جاء به القرءان لأنهم لذكائهم ونبوغهم، رأوا فيه من الباطل ما خفي على غيرهم من الناس! فإن الحق الذي جاء به القرءان من صفة الرحمن ومما هو واجب بضرورة العقل من تعظيمه حق التعظيم، وإفراده بما هو أهله وحده لا شريك له من الطاعة والخضوع والتسليم، هذا الحق ليس فيه مطعن قط لعاقل راشد مميز! وهؤلاء لم يطعنوا على القرءان وإنما جحدوه وأعرضوا عنه ابتداء من بعد ما قامت عليهم حجته وسمعوا برسالته! ولو حاولوا الطعن فيه لزادوا بذلك سفها فوق سفه، وجحودا فوق جحود!
أرأيت أيها العاقل الرشيد رأيا أشد سخافة وسفها وجحودا من قول كهذا: إن الكون لابد له من خالق (قوة عقلية عظيمة مدبرة أنشأته ثم قامت على ضبط نظامه)، ولكن هذه القوة العقلية ليست ذاتا مُريدة تأمر وتنهى وتضع الخلائق في الكون لغاية مطلوبة من تلك الخلائق تكليفا أو تسخيرا، وإنما هي قوة صماء بكماء غير مريدة، فلا تأمر ولا تكلف ولا تسمع دعاء ولا رجاء ولا ترسل الرسل والأنبياء ولا شيء من ذلك؟؟!
أي قول هذا إلا قول من سفه نفسه وأبى الحق من بعد ما تبين له وجحده لا لشيء إلا لأن هذا المعنى لا يعجبه ولا يرضاه ولا يوافق هواه: أن يكون خالقه الذي يشهد له بأنه خلق وأحسن الخلق والتكوين، وأنه قد ظهرت إرادته جلية في خلق البشر أنفسهم ابتداء وإيجادهم في هذا العالم ثم إماتتهم فيه من بعد تمام آجالهم = مريدا لتكليفه هو وسائر بني آدم – من بعد خلقهم ذاك - وامتحانهم في الأرض بما يريد ؟؟
لا يعجبه هذا الجاحد السفيه أن تبلغه شهادة من هذا الخالق على نفسه بأنه لهذا خلق الناس فيها ولهذا يميتهم ثم يبعثهم كما خلقهم أول مرة! فبأي عقل وبأي حجة يدفع معنى إرسال الرسل وأمرهم ونهيهم وتكليف الناس وبعثهم بعد موتهم للحساب، من بعد ما جاءه الخبر بذلك ممن يقول إنه رسول من عنده؟؟؟
يقول من يعتنق هذه النحلة: أنا أومن بقوة خالقة ضرورية ولكنني لا أومن بإله متشخص (أي له صفات "الأشخاص" – بحسب مصطلحهم، ويقصد بذلك صفات السمع والبصر والإرادة وإرسال الرسل ومغفرة الذنوب والرحمة والغضب وغير ذلك مما أخبر به الأنبياء والمرسلون)! فبأي عقل نسب إلي تلك الذات إرادة الخلق والتدبير والقيام على أمر الكون أولا، ثم نفى عنها سائر الإرادات والصفات الأخرى التي أثبتها المرسلون ثانيا؟؟ وكيف فرق بين هذه وتلك مع أنه يدري أن تجريد تلك الذات المريدة الفاعلة من محاسن الصفات التي توصف بجنسها كل ذات مريدة فاعلة = نقص فادح وعجز واضح لا يقبله العقل في حق ذاك الخالق المدبر!! وأن الباب – الذي منه لزم بالعقل إثبات معنى الخلق والتدبير – هو نفسه الذي منه يلزم إثبات معاني الكمال في سائر صفات تلك الذات المدبرة، وأن أصل معنى الإرادة والقدرة والتدبير والاتصاف بصفات الكمال الذي به أثبت هو نفسه معنى الخلق والتدبير، يلزمه به قبول سائر ما جاء به المرسلون ولابد؟؟؟ كيف يريد أن يسقط عن الخالق معاني صفاته التي أخبرنا بها الأنبياء، من بعدما دل العقل الصريح على أن ذاتا مريدة للخلق لا يمكن أن تتخلف عن أن تكون موصوفة بصفات الكمال كلها ولابد، فهو يسلبه إياها سلبا، وقد شهد له – بالفعل – بأنه الخالق المتفرد بذلك، الذي منه جاء كل شيء؟؟
أويوصف مثل هذا بأنه عاقل؟؟
هذا القول الساقط المتهافت الطافح بالكبر والجحود، أيها القارئ الحليم الفطن، إنما هو الملة التي مات عليها ألبرت آينشتاين، صاحب النسبية، عبقري العباقرة في القرن العشرين في الفيزياء والرياضيات! فخبرني بربك، ماذا أغنت عنه عبقريته الفذة تلك إذ مات على ذاك الجحود الفاحش لحقيقة لا تحتاج إلى ذكاء أصلا فضلا عن النبوغ والعبقرية، حتى يشهد بها الإنسان من بعد ما تبلغه؟؟ وكيف تراه يكون حساب رجل بلغ من الذكاء مبلغا كهذا، ثم ارتضى لنفسه ملة كهذه ولم يمت إلا عليها؟؟؟ نسأل الله العافية والثبات على الحق حتى نلقاه!
إنه الكبر والجحود، ذاك الذي أورث السفه المحض لرأس من أبرز رؤوس الإبداع والنبوغ في العالم، والله المستعان!!
وأنا أعلم أن من الملاحدة من قد يقرأ هذا الكلام الآن فبدلا من أن يراجع نفسه ويقف معها وقفة جادة صادقة يحملها على قبول الحق حملا حثيثا قبل ألا يُجدي الندم، تراه يجادلني في ملة آينشتاين التي مات عليها، يقول كلا بل كان يقول كذا وكذا، ولم يكن يرى في الدين إلا كذا وكذا!!! وأقول له: إنما ضربتُ لك المثل أيها الذكي النابغة لبيان المراد، فاعقله إن كنت فاعلا!!
أليس من السفاهة أيها العقلاء أن يُؤتى رجل من الناس بآلة من الآلات، ثم بدلا من أن يبدأ بالسؤال عن الغاية التي من أجلها صُنعت تلك الآلة حيث صنعت وكما صنعت حتى يضعها فيما صنعت له، تراه يتفنن في تفكيكها وتركيبها وتعديلها والعبث بها، يستعملها في كل شيء إلا فيما من أجله صنعها صانعها، بل وتراه يدعي - وبملئ فيه - أن من أجزائها ما هو عشواء في عشواء، ومنها ما لا وظيفة له ولا غاية من وجوده أصلا؟؟ أليس من بدهيات العقل أن نبدأ قبل أن نسأل كيف تعمل ماكينة الحياة، بالسؤال: لماذا صُنعت تلك الماكينة ابتداء، ومن الذي صنعها وماذا يريد منها، ومن ثمّ ننطلق في معرفة وظيفة كل جزء منها وكيف نضعه في موضعه الصحيح؟؟؟ إنما مثل هذا الجحود المبين كمثل صنيع الأطفال: إن وضعتَ في يد أحدهم آلة من الآلات أتلفها، أو على أحسن تقدير استعملها في هلكته أو في غير ما صُنعت له، ثم إن نصحته أو عاتبته وجدته يزعم أنها لا صانع لها أصلا حتى يرجع إليه أو يسأله لأي غاية صنعها!! هذا مثلُ من جحد الحق بعدما تبين له، وكفر بما أنزل الله على رسله من بعد ما سمعه! أرأيت الطفلَ تحدثه أمه تقول له لا تضع هذا الشيء في فيك وإلا مرضتَ، فيغضب منها ويثور عليها ويفر من البيت فرارا حتى يتمكن من التلذذ بما يهوى بعيدا عن أمرها ونهيها، ثم إذا ما حدثته وعاتبته قال لك: "أنا لا أم لي، أنا جئت إلى الدنيا من غير أم"؟ ألست تضحك من قول ذاك الطفل العنيد المكابر؟؟
فهكذا الملحد!! سفيه ينكر ضرورات العقل اتباعا لهواه، يكره أن يأتيه من يأمره بأمر ربه وينهاه! سفيه مهما كان مقدار ما لديه من الإحاطة بكيفية عمل تلك الآلة وتركيب أجزائها وما كان عليه من النبوغ والعبقرية في فهمها: آلة الحياة الدنيا!!
جاء إلى الدنيا غير راغب ولا مختار، نبت جسده في بطن أمه دونما اختيار منه، ونما وتفتق عقله وميز ووعى من غير إرادة منه، وهو يعلم أنه خارج منها كذلك لا محالة مهما طال عمره فيها، شاء أم أبى، ثم بدلا من أن يسمع كلام من جاءه بالوحي من خالقه يخبره بالغاية التي من أجلها خلقه الله فيها وآتاه ما آتاه من المتاع فيها، تراه يأكل كما تأكل الأنعام، يعرض عن الحق ويسفهه ويسخر منه ومن أهله، ويكتفي باتباع ظنون آبائه وأجداده وفلاسفة بلاده كيفما وجدها!! فهل من سفاهة فوق هذه يا أولي الأحلام؟
دعوني أحدثكم بما هو أسفه من هذا! ما ظنكم برجل بلغه ذلك الحق، وسمعه بما يكفي كل عاقل صادق مع نفسه حتى يجهد في طلبه وتلقيه وتعلمه والدخول فيه، ثم إذا به يهمله ويحقره، ويتخذ من علم من علوم الدنيا التي بين يديه، التي جمع أطرافا منها ببعضها البعض، طريقا لمعرفة جواب تلك الأسئلة الكبرى كلها التي ما بعث الله المرسلين إلا لبيان جوابها للناس: يريد من علم مادته تلك الجزيئات التي يراها في الكون من حوله، أن يوصله إلى علمٍ مادته ما وراء الكون وخبر ما كان قبله وما هو كائن بعده!!! يريد أن يعرف لماذا نحن في هذه الدنيا، من أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون من بعدها!!!! ثم ما قولكم في زعمه إنه انتهى بعد مشوار عمره الطويل من البحث والنظر في علوم الفيزياء والفلك إلى أن الخالق لا داعي لوجوده البتة، لأن الكون كان سينشأ لوحده لا محاله، بتأثير "قوانين الفيزياء النسبانية والكماتية"؟؟؟؟؟ سبحانك ربي لك في خلقك شؤون وشؤون!!
هذا السفيه صاحب تلك الرحلة العثراء والغاية النكراء والنتيجة السوداء، إنما هو الفيزيائي الانكليزي الشهير المدعو "ستيفن هوكينج"! هذا القعيد المسكين (أقولها على وجه التحقير لا العطف والشفقة) الذي جاوز الثمانين عاما، المحمول على مقعد متحرك لا يقدر فيه إلا على تحريك عضلتين في فكه يتلقى بهما الطعام والشراب ويحركهما حركات مخصوصة ليفهم الكمبيوتر تلك الحركات ويترجمها إلى كلام يفهمه الناس، خرج علينا قبل بضعة أيام بتصريح قرر فيه أنه بعد تاريخ طويل من البحث في أسئلة الكون الكبرى، ومن الدمج بين فيزياء الكم وفيزياء النسبية، توصل أخيرا إلى أن وجود الخالق إنما هو قدر زائد عن الحاجة ولا داعي له!!
هذا الرجل قد يكون نابغة من نوابغ العصر في الفيزياء والفلك.. ولكنه لم يتكلم بما تكلم به من الهراء في دائرة الفيزياء والفلك، وإنما فيما وراء الفيزياء والفلك! أيخفى على من في مثل ذكائه ونبوغه أن تلك الصنعة التي بين يديه، ليست – بطبيعة أدلتها المعرفية وأدواتها البحثية - توصل إلى نتيجة كهذه، ولا يمكن من خلالها معرفة الأصل الأول لهذا الكون (أعني – وعلى التنزل معهم – ما كان قبل ما يؤمنون به من انفجار كبير وما كان قبل ذلك!!)؟؟ كلا لا يخفى عليه! ولو ادعى أنه يؤمن بصدق بأن العلم الطبيعي ينتهي بالناس ولابد إلى نفي ضرورة العقل لوجود الخالق (العلة الأولى)، فإنما هو كذاب مكابر، يسفه نفسه سفاهة لم يسجل لنا التاريخ البشري نظيرا لها!! فهو يعلم أنه بذلك يخوض في دائرة الفلاسفة ومادتهم لا في مادة العلم الطبيعي ومباحثها وأدلتها!! أيمكنه - بأدلة العلم الطبيعي الذي نبغ فيه وأتقنه - أن يُثبت بطلان قول القائل: "مهما تصورتم من قصة لنشأة الكون حتى صار إلى ما هو عليه الآن، فإن هذا كله من صنعة الخالق المدبر الذي يضطرنا العقل لإثبات وجوده"؟ أبدا والله لا يمكنه، ودونه إلى ذلك خرط القتاد!! وإنما تراه يجيب من يقول بهذا القول بقوله إن هذا إنسان بائس لا يريد أن يتخلى عن الدين وأساطير الأولين ويحاول بأي طريقة أن يبحث عن (فجوة) من فجوات العلم الطبيعي يضع فيها إلهه لينام قرير العين!!! فهل هذا كلام من يقف في دعواه العريضة تلك على شيء؟؟ كأنما صار من يثبت ضرورات العقل الواضحة الآن ويتمسك بوجود الخالق ووجوب تلقي الخبر عنه ممن يرى ثبوت نبوته = "مسكينا" "بائسا" يحاول أن يتمسك بشعرة من هنا أو هناك في وجه تيار "العلم" الجارف الذي يكسح جميع الأديان!!! هذه وربي هي السفاهة بعينها! عندما يقال لنا كما قال إمام الملاحدة الجدد البريطاني ريتشارد دوكينز إن البشر قد بلغوا من العلم الطبيعي ما آن معه أوان "الرقي بالوعي العقلي" للناس Consciousness raising – على حد تعبيره - حتى يتمكنوا من التخلي عن ثوابتهم العقلية والفطرية ويقبلوا كونا لا خالق له ولا مدبر، وعندما تتحول ضروريات العقل إلى محل للنزاع بين قوم ليست تدخل مناقشة تلك القضايا في مادة بحثهم ونظرهم أصلا = فأي عقل يكون هذا وماذا بقي بعد ذلك من وصف أليق بصاحبه من محض السفاهة؟؟
دع عنك الآن مسألة قوة وطبيعة الدلالة التي بها يرسم هؤلاء سيناريو النشأة الأولى الذي يتوهمونه للكون بناء على ما يرونه الآن جاريا فيه (وهي مسألة فلسفية بالأساس)، وخبرني بربك الذي خلقك فسواك فعدلك، بأي عقل وبأي دليل من أدلة الفيزياء والفلك يقال إن وجود الخالق المدبر "لا داعي له" أو بعبارة أدق (لا موجب له)؟؟؟ وأي شيء هذا إن لم يكن آية بينة على إباء واستكبار متجذر في تلك القلوب الخبيثة، وتمحل ظاهر للهروب من الإقرار بضرورة وجود الخالق ومن ثمّ الالتزام بقبول رسالات المرسلين والخضوع لما بعثهم به رب العالمين؟؟؟
فليكن هذا المسكين من عباقرة الفيزياء والفلك، وليكن ممن صالوا في المعامل وجالوا في قاعات المحاضرات في تلك البلاد، وضعوا نظرية هنا وقانونا هناك وقاعدة هنالك، بل وليكن من أولئك القلة الثوريين عبر التاريخ الذين جددوا هذا العلم نفسه وأعادوا بناءه من جديد على قواعد جديدة كما فعل أينشتاين ومن قبله نيوتن وغيرهما = هم بجحودهم ذاك: سفهاء متمحضون في السفاهة مهما عظمهم الناس!! ولعمر الله إن رجلا من عامة المسلمين ممن يحقره الناس، ممن لا نبوغ لهم في صنعة من صناعات العلم = لأحظى وأسعد بعقله الضعيف وعلمه الدنيوي الضئيل من هؤلاء السفهة المتكبرين ومن تبعهم على سفاهتهم، وهو خير في ميزان الحكمة منهم مجتمعين!! فإن الحكمة وضع الشيء في موضعه! فالذي لم يعرف لأي غاية صُنع ذاك الشيء الذي يبحث فيه ويجهد في فهم آليته، فضلا عن الغاية التي من أجلها خلقت تلك الأداة نفسها التي يبحث بها.. أنى لمثله أن يضعها في موضعها؟ أيسعد أصحاب الصناعات والتقنيات بعلوهم في الأرض وهم لا يعلمون إلى أي منقلب ينقلبون من بعدها؟؟ أيحسبون أنها تغنيهم عن معرفة ما به يستقيم لهم أمر ما يلقونه بعد موتهم؟؟ هيهات!
إذا كانت الناس تتفاوت في قواها العقلية والإبداعية وأنواع الذكاء الطبعي التي يجدها كل منهم في عقله، فإنهم يتفاوتون كذلك في ابتلائهم بها! فكلما كان الإنسان أعظم عقلا وأقوى نظرا وفهما، كان ابتلاؤه بهذا العقل أشد وأخطر! وهذه سنة الحياة الدنيا: كلما عظم فيها العطاء، عظم به الابتلاء! فإن العبقري النابغة الذي أذهل الناس بنبوغه، أيا كانت صنعته التي ظهر فيها نبوغه ذاك، إمام متبوع من عامة الناس لا محالة، يقلدونه على أقواله وأفعاله لا محالة، فإما أن يجمعهم على حق فيسعد بهم ويسعدون به، وإما أن يحشرهم إلى أبواب جهنم من خلفه حشرا، ويبوء بذنبه وذنوبهم يوم لا يجدي الندم!! فهما ثنتان لا ثالث لهما!! والعاقل من احترز لنفسه! وقديما قال حكيم من حكماء المسلمين من سلفنا الصالح، لما فقه هذا المعنى الخطير: لأن أكون ذنبا (تابعا) في الحق خير لي وأحب من أن أكون رأسا (متبوعا) في الباطل!!
وصدق وربي!
تأمل أيها العاقل كيف أن هذا "الهوكينج" المسكين، ما أن عقد العزم على تتبع نظرية النسبية ونظرية الكم والجمع بينهما بغية الوصول إلى أصل الكون والإجابة عن سؤال الخلق كما يدعي وعزم على أن يتخذ ذلك مشروعا لحياته، حتى قضت مشيئة الله أن يبتليه بمرض نادر في الأعصاب لا علاج له فيما يعرف الناس، أخذ يهدم في جسمه هدما بطيئا حتى أرداه جثة هامدة لا يقدر صاحبها على تحريك شيء من جسده سوى عينيه وعضلتين في فكه!! فكأنما يقول له ربه: أفق، تأمل، اتعظ، ألا ترجع لرشدك؟؟ أمهلتك ثمانين سنة، وبلوتك بمرض مميت فأبقيتك به حيا لتنظر وتتأمل فيما سلبتك إياه من النعم وما أبقيته لك.. ألا تدع عنك كبرك قبل أن أقبضك إلي ثم لا ينفعك الندم؟؟ ألا تفيء لما بلغك من الحق ولا يزال فيك قلب ينبض وعقل يفكر؟؟ ألا تَصدُق نفسك والناس وتقر بما علمت وتيقنت في نفسك أنه الحق؟؟ أما من أوبة إلى الحق قبل الممات؟؟ والله لكأنما يقول له: سلبتك نعمي الواحدة تلو الأخرى لعلك تتذكر أو تخشى، فإن إلف النعمة واعتيادها يُنسي أكثر الناس حق شكرها ويصيبهم بالغفلة، فما لي لا أراك تزيد إلا جحودا ومكابرة وعنادا؟؟
سبحانك ربي ما أحلمك وما أرحمك!
((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)) [النحل : 61]
بئست القلوب والعقول هذه مهما علت ونبغ أصحابها بها، ولشدَّ ما تمحضوا فيه من السفاهة مهما وقرهم الناس..
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة!