أبو الفداء
01-06-2009, 12:45 AM
الحمد لله وحده ..
أما بعد، فكثيرا ما يقول الملحدون: "الالحاد ليس ايمانا"
انه حالة غياب الايمان وغياب الدين!
هكذا يدعون ..
فأقول: أنت لا تفهم معنى الدين ولا الايمان اذا!
كيف لا يكون الالحاد ايمانا وهو قائم على اعتقاد في الغيب، تنبني عليه مواقف وأعمال وأقوال للقلب واللسان، هي في جملتها، على اختلافها من ملة الى ملة، ما يقال عليه "ملة" و"دين"؟؟ الدين هو جملة من العقائد في الغيب بشأن الخالق وما فعل وما هو فاعل بعد بمخلوقاته، ينبني عليها جملة من الأقوال والأفعال والسلوكيات و"الأخلاقيات" التي يعيش الانسان بها ويدعو اليها! فهل يخلو الملاحدة من اعتقاد في شأن الغيب مفاده أن المسؤول عن الخلق الذي نراه ليس هو الخالق الحكيم الذي يؤمن به الموحدون وانما هو مادة صماء على مستوى الجينات أو غيرها، تنتقي وتنتخب وترقي وتحسن وكذا (بعقل أو بغير عقل، بارادة أو بغير ارادة ليست هذه قضيتنا)؟ هذه عقيدة في الغيب، سعى أصحابها بتأليفهم لها وتعضيدها بسبل ما يظنونه استدلالا على صحتها، الى ملء سائر الفراغات الواسعة والعميقة التي خلفها في قلوبهم تركهم لوحي السماء وراء ظهورهم! هي عقائد غيبية، لولا أن كانت عند الملاحدة لا تقل رسوخا عن نظيرها من الاعتقاد في الغيب عند الموحدين، لما رأيتهم يملأون المنتديات بنعيقهم ودعواهم وسعيهم الدؤوب في سبيل اثبات صحتها وصد هجمات الموحدين عليها! أليس كذلك ؟؟
عندما يخرج الداعية من دعاة الالحاد بكتب ومؤلفات يسعى فيها سعيا حثيثا لاقناع العالم بأن كل خير يجدونه في أديانهم، يجد الملحد مثله فيما ينتهجه ويعتقد صحته، ولا يحتاج الى الاعتقاد في وجود رب خالق – بزعمه – حتى يتحصل عليه .. أليست هذه دعوة الى دين متكامل في مكان الأديان الأخرى؟ معتقد في الغيب وما بعد الموت، ونموذج أخلاقي منبثق عنه لتعريف الخير والشر ونشاة ذلك المفهوم في الناس وغايته ومآله، مع منطلقات للعمل الخيري والدعوة لذلك المذهب الفكري تنافح عنه لتنزع الديانات الأخرى من قلوب الناس وتنزل في مكانها ... أليس هذا هو ما يسميه العقلاء بالدين؟؟
اذا كانت عقيدتنا نحن الموحدين ينبني عليها جهادنا بالكلمة في سبيل بيانها ونصرتها ودعوة الناس اليها، ففي مقابل ذلك عقيدتكم أيها الملاحدة ينبني عليها عملكم وسعيكم وجهادكم بالكلمة في سبيل نصرتها واثباتها والدفاع عنها كذلك، بل والهجوم بها - الهجوم الشديد - على خصومها كما هو دأب دوكينز وأضرابه! قفوا مع أنفسكم لحظة واحدة وتاملوا فيما أنتم فاعلون هنا وفي غير هذا المكان يتبين لكم! انظروا في قلوبكم يتبين لكم! انظروا الى احمرار وجوه بعضكم وتعصبكم وشدة حرصكم على الانتصار لنظرية داروين المتهافتة، كما لا يكون مع أي نظرية أخرى من نظريات العلم في الدنيا ولا يكون – حقيقة – الا من صنيع الكهنة عندما يجابهون بما يهدم لهم دينهم! انظروا وتأملوا بصدق! كذب من ادعى منكم أنه يرى أن نظرية داورين قد ياتي في يوم من الأيام من يقدم للناس تفسيرا لنشاة الحياة أفضل منها! لماذا؟ لأننا هنا لم نزل ننادي فيكم نداء الحي في قبور الموتى، أن دعوا عنكم تعصبكم لهذه النظرية بالذات وزنوا الأمر بذات الميزان العقلي الذي تطبقونه على سائر نظريات العلم الدنيوي الأخرى، واصدقوا أنفسكم القول، وأقروا بما هو بين الفساد في أصول فكرة داروين، فان فعلتم، لم يكن لكم الا الاقرار بما لا يدانيه في وضوحه الا قرص الشمس في كبد سماء اليوم المشرق!! ولكنه تعصب سائر أهل الملل الباطلة سواء بسواء! نضرب الأمثال والقياسات الواضحة الجلية لهم على مخالفة استدلالاتهم كلها فيما يستدلون به لأصول العقل السوي، ولأصول يلزمهم ان خالفوها أن يهدموا البحث العلمي كله من أساسه، ومع ذلك يصرون على التمسك بالنظرية ويتذرعون لها بذرائع لو سمعوا جورو من السيخ يتلمس مثلها لعبادة البقرة لسخروا منه ولرموه بفساد عقله!!
فيا سادة، الخرافة في أمر الغيب هي الخرافة والأسطورة هي الأسطورة، سواء كانت في قالب عاطفي وثني، أو في قالب مادي طبيعي! والحال أنكم جميعا تؤمنون بعقيدة غيبية في الغيب الماضي – والمستقبل تبعا – وفي الغيب المكاني – ما وراء الكون – مبناها باطل عقلا – تماما كالثالوث والتجسد والأوتار الهندوسي ووحدة الوجود ونحوه من خرافات الملل - ولا يمكنكم اثباته بحال من الأحوال! ففي أي شيء خالفتم أهل الملل والأديان الا في قلب دعواهم – كما يفعل كل منهم بدعوى الآخر؟
يقولون: كما أنكم لا تؤمنون بكل اله يخالف معبودكم، نحن مثلكم لا نؤمن بتلك الآلهة أيضا، غير أننا نزيد عنكم جميعا باله واحد نضمة الى جملة ما كفرنا به من الآلهة، وهو الاله الذي يعبده اهل كل ملة منكم .. وهذا هو الفرق بيننا وبينكم! هذه الحجة التي أطلقها دوكينز وتبعه عليها غيره من الملاحدة وأعجبوا بها أيما اعجاب، انما هي حجة البلداء والجهلاء! كمن يقول: أنت ترى عدة خيارات أمامك في قضية من القضايا، ولا تدري على وجه التحقيق أيها هي الحق، وانما تقلد غيرك في التمسك بالخيار الذي ذهبت اليه، أما أنا، فأنا أشجع منك! أقرر بصراحة أني لا أدري أي تلك الخيارات هو الحق، ولهذا فقد توصلت الى القرار بنبذها جميعا دون تفرقة!
هذه شجاعة العميان يا سادة! والمتكلم بها لا يوافق على قراره هذا الا ان تحقق بالدليل اليقيني القاطع من أنه ليس ثمة ملة أخرى في الأرض فيها من مقومات الدلالة والبرهان العقلي ما يرقى ليكون هو الحق في مقابل ما اختاره هو من تفاسير لقضايا الغيب! أما أن ينظر في النصرانية – مثلا – فينقض الثالوث وما في العهدين من تناقضات، - وهو مصيب في ذلك القدر - فيحكم بذلك على بطلان سار الملل والديانات وتخلفها عن اصابة ما به يكون الحق حقا، فهذا سفه محض ورعونة وحماقة لا يتكلم بها الا الصبيان، وان تلقبوا بلقب بروفيسور ونالوا أعلى الشهادات!!
فاما أنك أيها البروفيسور الملحد على يقين من صحة ما تزعمه من أمر الغيب، لأن أدلتك التي تقف عليها لا شك فيها ولا مرية، فلا يلزمك حينئذ النظر في الملل الأخرى نظر الباحث عن تفسير يرضاه عقله، ولا يفعل ذلك الا لاثبات بطلان ما عند مخالفيه جميعا، واما أنك على شك، ذلك الشك الذي تزعم بوصفك عالما للطبيعيات أنه هو أساس تناولك لسائر مسائل الطبيعة، فأنت على استعداد دائما في ضوء ذلك الشك الى قلب ما تبنيته من نظريات وقبول غيره في مكانه في أي لحظة بمجرد أن يثبت لك بالدليل! فان كانت على الثانية، ولا تدري أحق ما أنت عليه أم باطل، ولا تتمسك به الا لأنك الى الآن لم تجد ما يقنعك بخلافه، فما بالك تدعي حسن الاستقراء وتمامه لما يزعمه أهل الملل والأديان في أمر الغيب بشأن خالق الكون وما يعتقدونه فيه، وأنت غاية ما فعلته أن قرأت كتابا من هنا وكتابا من هناك، في ملة أو ملتين من الملل الباطلة، وان قرأت عن ملة الحق لم تقرأ من ثقات علمائها – غالبا كما فعلت في غيرها من الملل – واذا نظرت لم تنظر الا الى الارهاب هنا، والدموية هناك، والحرب والقتال في سبيل الدين وما الى ذلك مما لم تتأهل لا عقلا ولا علما للنظر في دلالاته وأصوله ومواقف أصحابه منه وتعليلاتهم له، ثم اذا بك بعد ذلك كله تخرج بالنتيجة الجازمة بأنك، وبكل ثقة، تؤمن بأن سائر الملل باطلة وخرافات وأساطير، ولذلك فلا تختلف عن أهل أي ملة منهم الا في كونك تكفر بإله واحد زيادة عنهم جميعا ؟؟؟
لقد أحسن البروفيسور النصراني جون لينوكس الرد في مناظرة له مع مايكل شيرمر عندما ذكر شيرمر هذه العبارة اذ رد بقوله: ان مثل قولك هذا كمثل الذي يقول أن الفرق بين المتزوج والمتبتل المترهبن هو أن الأخير نقص عن الأول بفرق زوجة! انه الكبر والغرور المحض الذي لا يقوم على علم ولا دليل ولا استقراء أبدا!
لما سئل ريتشارد دوكينز في يوم من الأيام في زيارته لاحدى جامعات أمريكا سؤالا بسيطا: "ماذا لو كنت مخطئا؟" اندفع بكل استكبار وعلو للرد على سائلته، يقرر في البداية أمرا بديهيا لا يخالفه عليه العقلاء، ألا وهو أن كل من نشأ في بيئة تؤمن بدين ما، فانه يؤمن به تبعا لهم، ويتربى عليه، فلم يكن هو الذي اختاره بطبيعة الحال .. ثم اذا به بعدها يقول، "نعم أي أحد يمكن أن يكون مخطئا، ولكن" .. يضيف هازئا مازحا: "ماذا لو كنت أنت مخطئة بشأن الجوجو الصغير في قاع البحر؟" (يشير الى عقيدة من عقائد القبائل الوثنية البدائية)!! فيضحك الناس في القاعة، وينتفش الرجل المسكين ويحسب أنه بذلك قد أقام حجة عقلية على سائلته!!
فهل هذه اجابة؟ هذا هروب واضح وحيدة لا تخفى الا على أعمى! قلها صراحة يا بروفيسور! لو كنت مخطئا، فانك ولابد ستلقى مصيرا أبديا بعد موتك لا تعلمه! مصيرا تصفه احدى تلك الملل التي كذبت بها، والتي ربما كان الحق في احداها!! هكذا ينبغي أن يكون جواب من ينتسب الى البحث العلمي ويلقب نفسه بالبروفيسور!! الجواب العلمي الصحيح، أن يقول بكل بساطة: لا أدري! فهو فعلا لا يدري! هو يتبني نظرية يدعي أنه يقبل احتمال أن يثبت في يوم من الأيام بطلانها! فكيف يخرج هذا الكلام وهذا الأسلوب ممن هكذا دعواه؟؟ هذا كلام رجل دين، كلام كاهن ينتصر لملته، على الرغم من اقراره بقيامها على الجهل وعدم الدليل، وليس بكلام باحث علمي أبدا!!
ولكن أي علم هذا الذي تنتسب اليه ملة الالحاد ؟؟؟
انها دين في مكان الأديان ولو زعموا خلاف ذلك!
ان الذي يؤمن بأن الدنيا خرجت من بطن تنين كبير وبأن الكائنات الحية كانت كلها هدية من اله الشمس صنعها ليمتن بها على البشر، وبأن ابن الشمس قتل نفسه من بعد ما تجسد للناس انسانا مثلهم لينالوا هم الخلاص، هذا لا يختلف من جهة القدرة على البرهنة على صحة عقيدته تلك، عن الذي يؤمن بأن الدنيا كانت مادة من مادة من مادة أزلية لا ابتداء لها، وأنه كان في الأرض زمان لا حياة فيه الا في بركة قديمة ظهرت فيها أحاديات الخلية، ثم مضت الى سمكة اضطرتها الظروف للخروج الى البر، الى زاحف اصطرته الظروف للطيران، الى قرد الى انسان، يحرك ذلك كله في الغيب حرص وارادة – بلا عقل ولا ارادة، وتأمل – للجنيات على الحفاظ على بقائها من خلال تكاثرنا!! فان أثبتنا نحن الموحدون لهؤلاء وهؤلاء بطلان أسطورتهم وفساد أصولها العقلية، ومخالفتها لصريح العقل والفطرة، رمانا أتباع داروين بالقصور والعجز عن التصور "العلمي"، وزعموا أن العلم ينصرهم!!
فوالله لهم أشد اعتقادا و"ايمانا" بنظرية داروين، من ايمان بعض الموحدين بدينهم الحق، ولا حول ولا قوة الا بالله! نعم، فالايمان يتفاضل بين المنتسبين اليه، وهو قول وعمل، ليس مجرد دعوى باللسان يكذبها عمل الأركان! بل العمل برهان الايمان وعلامته! ودعاة الالحاد يسهرون الليالي في الرد والجدل والمحاربة الفكرية في قضية هي قضية حياتهم، فلو لم يكن ايمانهم بها - بغض النظر عن فساد أساسه في قلوبهم وتذبذبها فيه وقيامه على التقليد المشوب بالشك والريبة العميقة - هو حاديهم وحاملهم على هذا الدأب، فماذا يكون اذا ؟؟ ان لم يكن هذا ايمانا - على فساده ومرضه البين في قلوبهم - فما الايمان اذا ؟؟ وكيف يفهمون معنى كلمة ايمان ؟؟؟ لو سألته : هل تؤمن بصحة نظرية داروين، فبم يجيب؟ هل سينفي أنه يؤمن بها؟
سيقول متفلسفوهم: الايمان عندنا هو كل معتقد قائم على اتباع سنن الآباء بلا ارتكان الى دليل أو برهان! ونقول هذا جهل منكم، لأن الايمان ليس هذا هو معناه لا لغة ولا اصطلاحا! فان كان هذا هو ما غلب - ولابد - على سائر المنتمين الى الملل الباطلة - وأقول ولابد لأنها لو كانت حقا لما عدموا لها دليلا يشيدوا ايمانهم بها عليه - فأهل الملة الحق في هذه الأرض لا يشيدون ايمانهم على موروث الآباء بالتقليد الأعمى، ومن فعل ذلك فهو في محل مذمة عندهم، وان كانوا أكثر أتباع الملة! فالتقليد عند أهل الحق مذموم مذمة أكل الميتة، ولا يباح عندهم الا من ضرورة! وضد التقليد، الاجتهاد وهو معرفة الشيء - خبرا كان أو تكليفا - بالدليل، من بعد تحقيق صحة الدليل وصلاحيته للاستدلال ابتداءا! ولهذا فأهل الحق فيهم من علوم ومعارف تنقيح الأدلة وتحقيقها ما لم تعرفة أمة أخرى على وجه هذه الأرض أبدا! فاطلاق أهل الالحاد بأن الايمان هو ضد العلم القائم على الدليل، لمجرد أنهم كلما نظروا فيمن حولهم في مجتمعاتهم الكافرة المتهاوية ممن ينسبون أنفسهم الى الايمان، لم يجدوهم في ذلك الا مقلدة مستشربة قلوبهم لما يخلفه آباؤهم وأهليهم في مجتمعاتهم من عقائد وخرافات، هذا فساد بين وانخرام واضح في منطق النظر والتفكير والاستدلال!
لا يحق لي أن أقول - من جهة الاستقراء - أنه بما أني لم أر اليوم صباحا - مثلا - وأنا في طريقي الى العمل، الا سيارات بيضاء اللون في الشارع، اذا فجميع السيارات في الأرض بيضاء ولابد، ولا يوجد للسيارات لون آخر!! هذا ليس استقراءا، هذا جهل مبين!! وهذه هي حقيقة الالحاد: كيان اعتقادي بأحكام في أمر الغيب ومتعلقاته، مبناها تأصيل الجهل وتنظيره وتزيينه في لبوس العلم وليس بذاك، ولا قريبا منه!! فهل الملحد من هذه الجهة "مؤمن" ؟ نعم ولاشك، هو مؤمن بمحتوً عقدي فكري قرأه وسمع به ونشأ عليه! ولولا هذا ما اقتنع به!
والا فأنا وكل عاقل مثلي يجزم بأنه لو ترك الانسان على طبيعته منذ مولده بلا تأثر ولا تعرض لنظرية داروين ولا لغيرها من النظريات والفلسفات التي نشأت في حوض الالحاد، فانه لن يملك الا أن تحمله نفسه وعقليته السوية على الاعتقاد بضرورة العقل في وجود كيان عظيم فيما وراء هذا الكون، هو الخالق وهو الرازق والقائم على شئون سائر تلك الأمور الجارية في جسده ومن حوله والتي لا يملك من أمرها شيئا! هو ذا الكيان الذي يجأر اليه كل انسان أيا كانت ملته عند الغرق أو عند وقوع الشدائد .. هو ذا الذي يرفع اليه عينيه في السماء بتلقائية يتلمسه هناك وان لم يكن يدعوه باسمه!! سيجد نفسه - ولابد - مقرا بوجود الخالق! كل طفل يولد على الفطرة فكما أن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فقد "يلَحِدانه" كذلك! ولو لم يسمع الطفل عن الديناصروات ولا عن العصر الحجري ولا عن أصل الأنواع شيئا، ولو لم يسمع استدلال القوم بذلك على عدم وجود خالق عليم متقن لصنعته، لما خالف فطرته الى ذلك المعتقد الواضح البطلان .. بل لكان سعيه – ان افترضنا نشأته في معزل عن أهل يتلقى منهم دينهم – جادا في سبيل معرفة خالقه الذي يشعر في قرارة نفسه بأنه يدين له بالخضوع والعرفان والشكر، ولنظر عند أهل الأديان بحثا عنه، ولما خطر في قلبه طرفة عين أن ينكره، ناسبا ذلك الملكوت المذهل في الكون الى الصدفة والمادة وغير ذلك مما يأفكون!! فهل هذه الفطرة التي لا ينكرها الا مكابر، سببها فساد في عقول البشر جميعا، كانوا وما زالوا يولدون به جميعا من قديم الزمان الى يوم الناس هذا، ولا يفلح في علاجهم منه الا ما جاء به داروين، أو الذين سبقوه من فلاسفة الالحاد؟؟؟ عقول سائر البشر فيها مرض وعلة تحملهم على هذا الشعور في عمق قلوبهم، لأنهم يجهلون "بنظرية" داروين وأتباعه؟؟؟ ياللكبر والنزق!
هل ما يستند اليه أهل الالحاد دليل يصح وصفه بأنه دليل؟ هل نظرية داروين دليل؟ هل الانفجار الكوني دليل؟ هل النظرية، أيها الملحد، من حيث كونها تفسيرا يتصوره انسان مثلي ومثلك، له خلفيته الثقافية التي نشأ منها، وتصوره البشري القاصر قصور البشر، ترقى في ذاتها لأن تكون دليلا لك، وان آمن بها سائر أهل الأرض جميعا؟؟ كلا! فان كانت حجتك أن أهل "الايمان" يميزهم بعمومهم الارتكان على ايمان موروث يدافعون عنه ويشيدون على أساسه عقيدتهم في أمر الغيب ويعملون به ومن أجله، ولم يستقروا فيه على دليل صحيح تنشرح له الصدور وترضى به العقول، فيا هذا الملحد اعلم ان أحق الناس بهذا الوصف لما يدين به ويجادل عنه انما هو أنت!!!!
أنت صاحب دين باطل وايمان فاسد، كغيرك من أهل الأديان، من أجله تنافح وعنه تجادل كما يجادلون، فراجع نفسك قبل فوات الأوان واسأل نفسك بصدق وتجرد:
"ماذا لو كنت مخطئا؟؟؟؟؟" ....
أقولها وأفوض أمري الى الله، والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو الفداء
في الثامن من شهر الله المحرم من العام 1430 من الهجرة
أما بعد، فكثيرا ما يقول الملحدون: "الالحاد ليس ايمانا"
انه حالة غياب الايمان وغياب الدين!
هكذا يدعون ..
فأقول: أنت لا تفهم معنى الدين ولا الايمان اذا!
كيف لا يكون الالحاد ايمانا وهو قائم على اعتقاد في الغيب، تنبني عليه مواقف وأعمال وأقوال للقلب واللسان، هي في جملتها، على اختلافها من ملة الى ملة، ما يقال عليه "ملة" و"دين"؟؟ الدين هو جملة من العقائد في الغيب بشأن الخالق وما فعل وما هو فاعل بعد بمخلوقاته، ينبني عليها جملة من الأقوال والأفعال والسلوكيات و"الأخلاقيات" التي يعيش الانسان بها ويدعو اليها! فهل يخلو الملاحدة من اعتقاد في شأن الغيب مفاده أن المسؤول عن الخلق الذي نراه ليس هو الخالق الحكيم الذي يؤمن به الموحدون وانما هو مادة صماء على مستوى الجينات أو غيرها، تنتقي وتنتخب وترقي وتحسن وكذا (بعقل أو بغير عقل، بارادة أو بغير ارادة ليست هذه قضيتنا)؟ هذه عقيدة في الغيب، سعى أصحابها بتأليفهم لها وتعضيدها بسبل ما يظنونه استدلالا على صحتها، الى ملء سائر الفراغات الواسعة والعميقة التي خلفها في قلوبهم تركهم لوحي السماء وراء ظهورهم! هي عقائد غيبية، لولا أن كانت عند الملاحدة لا تقل رسوخا عن نظيرها من الاعتقاد في الغيب عند الموحدين، لما رأيتهم يملأون المنتديات بنعيقهم ودعواهم وسعيهم الدؤوب في سبيل اثبات صحتها وصد هجمات الموحدين عليها! أليس كذلك ؟؟
عندما يخرج الداعية من دعاة الالحاد بكتب ومؤلفات يسعى فيها سعيا حثيثا لاقناع العالم بأن كل خير يجدونه في أديانهم، يجد الملحد مثله فيما ينتهجه ويعتقد صحته، ولا يحتاج الى الاعتقاد في وجود رب خالق – بزعمه – حتى يتحصل عليه .. أليست هذه دعوة الى دين متكامل في مكان الأديان الأخرى؟ معتقد في الغيب وما بعد الموت، ونموذج أخلاقي منبثق عنه لتعريف الخير والشر ونشاة ذلك المفهوم في الناس وغايته ومآله، مع منطلقات للعمل الخيري والدعوة لذلك المذهب الفكري تنافح عنه لتنزع الديانات الأخرى من قلوب الناس وتنزل في مكانها ... أليس هذا هو ما يسميه العقلاء بالدين؟؟
اذا كانت عقيدتنا نحن الموحدين ينبني عليها جهادنا بالكلمة في سبيل بيانها ونصرتها ودعوة الناس اليها، ففي مقابل ذلك عقيدتكم أيها الملاحدة ينبني عليها عملكم وسعيكم وجهادكم بالكلمة في سبيل نصرتها واثباتها والدفاع عنها كذلك، بل والهجوم بها - الهجوم الشديد - على خصومها كما هو دأب دوكينز وأضرابه! قفوا مع أنفسكم لحظة واحدة وتاملوا فيما أنتم فاعلون هنا وفي غير هذا المكان يتبين لكم! انظروا في قلوبكم يتبين لكم! انظروا الى احمرار وجوه بعضكم وتعصبكم وشدة حرصكم على الانتصار لنظرية داروين المتهافتة، كما لا يكون مع أي نظرية أخرى من نظريات العلم في الدنيا ولا يكون – حقيقة – الا من صنيع الكهنة عندما يجابهون بما يهدم لهم دينهم! انظروا وتأملوا بصدق! كذب من ادعى منكم أنه يرى أن نظرية داورين قد ياتي في يوم من الأيام من يقدم للناس تفسيرا لنشاة الحياة أفضل منها! لماذا؟ لأننا هنا لم نزل ننادي فيكم نداء الحي في قبور الموتى، أن دعوا عنكم تعصبكم لهذه النظرية بالذات وزنوا الأمر بذات الميزان العقلي الذي تطبقونه على سائر نظريات العلم الدنيوي الأخرى، واصدقوا أنفسكم القول، وأقروا بما هو بين الفساد في أصول فكرة داروين، فان فعلتم، لم يكن لكم الا الاقرار بما لا يدانيه في وضوحه الا قرص الشمس في كبد سماء اليوم المشرق!! ولكنه تعصب سائر أهل الملل الباطلة سواء بسواء! نضرب الأمثال والقياسات الواضحة الجلية لهم على مخالفة استدلالاتهم كلها فيما يستدلون به لأصول العقل السوي، ولأصول يلزمهم ان خالفوها أن يهدموا البحث العلمي كله من أساسه، ومع ذلك يصرون على التمسك بالنظرية ويتذرعون لها بذرائع لو سمعوا جورو من السيخ يتلمس مثلها لعبادة البقرة لسخروا منه ولرموه بفساد عقله!!
فيا سادة، الخرافة في أمر الغيب هي الخرافة والأسطورة هي الأسطورة، سواء كانت في قالب عاطفي وثني، أو في قالب مادي طبيعي! والحال أنكم جميعا تؤمنون بعقيدة غيبية في الغيب الماضي – والمستقبل تبعا – وفي الغيب المكاني – ما وراء الكون – مبناها باطل عقلا – تماما كالثالوث والتجسد والأوتار الهندوسي ووحدة الوجود ونحوه من خرافات الملل - ولا يمكنكم اثباته بحال من الأحوال! ففي أي شيء خالفتم أهل الملل والأديان الا في قلب دعواهم – كما يفعل كل منهم بدعوى الآخر؟
يقولون: كما أنكم لا تؤمنون بكل اله يخالف معبودكم، نحن مثلكم لا نؤمن بتلك الآلهة أيضا، غير أننا نزيد عنكم جميعا باله واحد نضمة الى جملة ما كفرنا به من الآلهة، وهو الاله الذي يعبده اهل كل ملة منكم .. وهذا هو الفرق بيننا وبينكم! هذه الحجة التي أطلقها دوكينز وتبعه عليها غيره من الملاحدة وأعجبوا بها أيما اعجاب، انما هي حجة البلداء والجهلاء! كمن يقول: أنت ترى عدة خيارات أمامك في قضية من القضايا، ولا تدري على وجه التحقيق أيها هي الحق، وانما تقلد غيرك في التمسك بالخيار الذي ذهبت اليه، أما أنا، فأنا أشجع منك! أقرر بصراحة أني لا أدري أي تلك الخيارات هو الحق، ولهذا فقد توصلت الى القرار بنبذها جميعا دون تفرقة!
هذه شجاعة العميان يا سادة! والمتكلم بها لا يوافق على قراره هذا الا ان تحقق بالدليل اليقيني القاطع من أنه ليس ثمة ملة أخرى في الأرض فيها من مقومات الدلالة والبرهان العقلي ما يرقى ليكون هو الحق في مقابل ما اختاره هو من تفاسير لقضايا الغيب! أما أن ينظر في النصرانية – مثلا – فينقض الثالوث وما في العهدين من تناقضات، - وهو مصيب في ذلك القدر - فيحكم بذلك على بطلان سار الملل والديانات وتخلفها عن اصابة ما به يكون الحق حقا، فهذا سفه محض ورعونة وحماقة لا يتكلم بها الا الصبيان، وان تلقبوا بلقب بروفيسور ونالوا أعلى الشهادات!!
فاما أنك أيها البروفيسور الملحد على يقين من صحة ما تزعمه من أمر الغيب، لأن أدلتك التي تقف عليها لا شك فيها ولا مرية، فلا يلزمك حينئذ النظر في الملل الأخرى نظر الباحث عن تفسير يرضاه عقله، ولا يفعل ذلك الا لاثبات بطلان ما عند مخالفيه جميعا، واما أنك على شك، ذلك الشك الذي تزعم بوصفك عالما للطبيعيات أنه هو أساس تناولك لسائر مسائل الطبيعة، فأنت على استعداد دائما في ضوء ذلك الشك الى قلب ما تبنيته من نظريات وقبول غيره في مكانه في أي لحظة بمجرد أن يثبت لك بالدليل! فان كانت على الثانية، ولا تدري أحق ما أنت عليه أم باطل، ولا تتمسك به الا لأنك الى الآن لم تجد ما يقنعك بخلافه، فما بالك تدعي حسن الاستقراء وتمامه لما يزعمه أهل الملل والأديان في أمر الغيب بشأن خالق الكون وما يعتقدونه فيه، وأنت غاية ما فعلته أن قرأت كتابا من هنا وكتابا من هناك، في ملة أو ملتين من الملل الباطلة، وان قرأت عن ملة الحق لم تقرأ من ثقات علمائها – غالبا كما فعلت في غيرها من الملل – واذا نظرت لم تنظر الا الى الارهاب هنا، والدموية هناك، والحرب والقتال في سبيل الدين وما الى ذلك مما لم تتأهل لا عقلا ولا علما للنظر في دلالاته وأصوله ومواقف أصحابه منه وتعليلاتهم له، ثم اذا بك بعد ذلك كله تخرج بالنتيجة الجازمة بأنك، وبكل ثقة، تؤمن بأن سائر الملل باطلة وخرافات وأساطير، ولذلك فلا تختلف عن أهل أي ملة منهم الا في كونك تكفر بإله واحد زيادة عنهم جميعا ؟؟؟
لقد أحسن البروفيسور النصراني جون لينوكس الرد في مناظرة له مع مايكل شيرمر عندما ذكر شيرمر هذه العبارة اذ رد بقوله: ان مثل قولك هذا كمثل الذي يقول أن الفرق بين المتزوج والمتبتل المترهبن هو أن الأخير نقص عن الأول بفرق زوجة! انه الكبر والغرور المحض الذي لا يقوم على علم ولا دليل ولا استقراء أبدا!
لما سئل ريتشارد دوكينز في يوم من الأيام في زيارته لاحدى جامعات أمريكا سؤالا بسيطا: "ماذا لو كنت مخطئا؟" اندفع بكل استكبار وعلو للرد على سائلته، يقرر في البداية أمرا بديهيا لا يخالفه عليه العقلاء، ألا وهو أن كل من نشأ في بيئة تؤمن بدين ما، فانه يؤمن به تبعا لهم، ويتربى عليه، فلم يكن هو الذي اختاره بطبيعة الحال .. ثم اذا به بعدها يقول، "نعم أي أحد يمكن أن يكون مخطئا، ولكن" .. يضيف هازئا مازحا: "ماذا لو كنت أنت مخطئة بشأن الجوجو الصغير في قاع البحر؟" (يشير الى عقيدة من عقائد القبائل الوثنية البدائية)!! فيضحك الناس في القاعة، وينتفش الرجل المسكين ويحسب أنه بذلك قد أقام حجة عقلية على سائلته!!
فهل هذه اجابة؟ هذا هروب واضح وحيدة لا تخفى الا على أعمى! قلها صراحة يا بروفيسور! لو كنت مخطئا، فانك ولابد ستلقى مصيرا أبديا بعد موتك لا تعلمه! مصيرا تصفه احدى تلك الملل التي كذبت بها، والتي ربما كان الحق في احداها!! هكذا ينبغي أن يكون جواب من ينتسب الى البحث العلمي ويلقب نفسه بالبروفيسور!! الجواب العلمي الصحيح، أن يقول بكل بساطة: لا أدري! فهو فعلا لا يدري! هو يتبني نظرية يدعي أنه يقبل احتمال أن يثبت في يوم من الأيام بطلانها! فكيف يخرج هذا الكلام وهذا الأسلوب ممن هكذا دعواه؟؟ هذا كلام رجل دين، كلام كاهن ينتصر لملته، على الرغم من اقراره بقيامها على الجهل وعدم الدليل، وليس بكلام باحث علمي أبدا!!
ولكن أي علم هذا الذي تنتسب اليه ملة الالحاد ؟؟؟
انها دين في مكان الأديان ولو زعموا خلاف ذلك!
ان الذي يؤمن بأن الدنيا خرجت من بطن تنين كبير وبأن الكائنات الحية كانت كلها هدية من اله الشمس صنعها ليمتن بها على البشر، وبأن ابن الشمس قتل نفسه من بعد ما تجسد للناس انسانا مثلهم لينالوا هم الخلاص، هذا لا يختلف من جهة القدرة على البرهنة على صحة عقيدته تلك، عن الذي يؤمن بأن الدنيا كانت مادة من مادة من مادة أزلية لا ابتداء لها، وأنه كان في الأرض زمان لا حياة فيه الا في بركة قديمة ظهرت فيها أحاديات الخلية، ثم مضت الى سمكة اضطرتها الظروف للخروج الى البر، الى زاحف اصطرته الظروف للطيران، الى قرد الى انسان، يحرك ذلك كله في الغيب حرص وارادة – بلا عقل ولا ارادة، وتأمل – للجنيات على الحفاظ على بقائها من خلال تكاثرنا!! فان أثبتنا نحن الموحدون لهؤلاء وهؤلاء بطلان أسطورتهم وفساد أصولها العقلية، ومخالفتها لصريح العقل والفطرة، رمانا أتباع داروين بالقصور والعجز عن التصور "العلمي"، وزعموا أن العلم ينصرهم!!
فوالله لهم أشد اعتقادا و"ايمانا" بنظرية داروين، من ايمان بعض الموحدين بدينهم الحق، ولا حول ولا قوة الا بالله! نعم، فالايمان يتفاضل بين المنتسبين اليه، وهو قول وعمل، ليس مجرد دعوى باللسان يكذبها عمل الأركان! بل العمل برهان الايمان وعلامته! ودعاة الالحاد يسهرون الليالي في الرد والجدل والمحاربة الفكرية في قضية هي قضية حياتهم، فلو لم يكن ايمانهم بها - بغض النظر عن فساد أساسه في قلوبهم وتذبذبها فيه وقيامه على التقليد المشوب بالشك والريبة العميقة - هو حاديهم وحاملهم على هذا الدأب، فماذا يكون اذا ؟؟ ان لم يكن هذا ايمانا - على فساده ومرضه البين في قلوبهم - فما الايمان اذا ؟؟ وكيف يفهمون معنى كلمة ايمان ؟؟؟ لو سألته : هل تؤمن بصحة نظرية داروين، فبم يجيب؟ هل سينفي أنه يؤمن بها؟
سيقول متفلسفوهم: الايمان عندنا هو كل معتقد قائم على اتباع سنن الآباء بلا ارتكان الى دليل أو برهان! ونقول هذا جهل منكم، لأن الايمان ليس هذا هو معناه لا لغة ولا اصطلاحا! فان كان هذا هو ما غلب - ولابد - على سائر المنتمين الى الملل الباطلة - وأقول ولابد لأنها لو كانت حقا لما عدموا لها دليلا يشيدوا ايمانهم بها عليه - فأهل الملة الحق في هذه الأرض لا يشيدون ايمانهم على موروث الآباء بالتقليد الأعمى، ومن فعل ذلك فهو في محل مذمة عندهم، وان كانوا أكثر أتباع الملة! فالتقليد عند أهل الحق مذموم مذمة أكل الميتة، ولا يباح عندهم الا من ضرورة! وضد التقليد، الاجتهاد وهو معرفة الشيء - خبرا كان أو تكليفا - بالدليل، من بعد تحقيق صحة الدليل وصلاحيته للاستدلال ابتداءا! ولهذا فأهل الحق فيهم من علوم ومعارف تنقيح الأدلة وتحقيقها ما لم تعرفة أمة أخرى على وجه هذه الأرض أبدا! فاطلاق أهل الالحاد بأن الايمان هو ضد العلم القائم على الدليل، لمجرد أنهم كلما نظروا فيمن حولهم في مجتمعاتهم الكافرة المتهاوية ممن ينسبون أنفسهم الى الايمان، لم يجدوهم في ذلك الا مقلدة مستشربة قلوبهم لما يخلفه آباؤهم وأهليهم في مجتمعاتهم من عقائد وخرافات، هذا فساد بين وانخرام واضح في منطق النظر والتفكير والاستدلال!
لا يحق لي أن أقول - من جهة الاستقراء - أنه بما أني لم أر اليوم صباحا - مثلا - وأنا في طريقي الى العمل، الا سيارات بيضاء اللون في الشارع، اذا فجميع السيارات في الأرض بيضاء ولابد، ولا يوجد للسيارات لون آخر!! هذا ليس استقراءا، هذا جهل مبين!! وهذه هي حقيقة الالحاد: كيان اعتقادي بأحكام في أمر الغيب ومتعلقاته، مبناها تأصيل الجهل وتنظيره وتزيينه في لبوس العلم وليس بذاك، ولا قريبا منه!! فهل الملحد من هذه الجهة "مؤمن" ؟ نعم ولاشك، هو مؤمن بمحتوً عقدي فكري قرأه وسمع به ونشأ عليه! ولولا هذا ما اقتنع به!
والا فأنا وكل عاقل مثلي يجزم بأنه لو ترك الانسان على طبيعته منذ مولده بلا تأثر ولا تعرض لنظرية داروين ولا لغيرها من النظريات والفلسفات التي نشأت في حوض الالحاد، فانه لن يملك الا أن تحمله نفسه وعقليته السوية على الاعتقاد بضرورة العقل في وجود كيان عظيم فيما وراء هذا الكون، هو الخالق وهو الرازق والقائم على شئون سائر تلك الأمور الجارية في جسده ومن حوله والتي لا يملك من أمرها شيئا! هو ذا الكيان الذي يجأر اليه كل انسان أيا كانت ملته عند الغرق أو عند وقوع الشدائد .. هو ذا الذي يرفع اليه عينيه في السماء بتلقائية يتلمسه هناك وان لم يكن يدعوه باسمه!! سيجد نفسه - ولابد - مقرا بوجود الخالق! كل طفل يولد على الفطرة فكما أن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فقد "يلَحِدانه" كذلك! ولو لم يسمع الطفل عن الديناصروات ولا عن العصر الحجري ولا عن أصل الأنواع شيئا، ولو لم يسمع استدلال القوم بذلك على عدم وجود خالق عليم متقن لصنعته، لما خالف فطرته الى ذلك المعتقد الواضح البطلان .. بل لكان سعيه – ان افترضنا نشأته في معزل عن أهل يتلقى منهم دينهم – جادا في سبيل معرفة خالقه الذي يشعر في قرارة نفسه بأنه يدين له بالخضوع والعرفان والشكر، ولنظر عند أهل الأديان بحثا عنه، ولما خطر في قلبه طرفة عين أن ينكره، ناسبا ذلك الملكوت المذهل في الكون الى الصدفة والمادة وغير ذلك مما يأفكون!! فهل هذه الفطرة التي لا ينكرها الا مكابر، سببها فساد في عقول البشر جميعا، كانوا وما زالوا يولدون به جميعا من قديم الزمان الى يوم الناس هذا، ولا يفلح في علاجهم منه الا ما جاء به داروين، أو الذين سبقوه من فلاسفة الالحاد؟؟؟ عقول سائر البشر فيها مرض وعلة تحملهم على هذا الشعور في عمق قلوبهم، لأنهم يجهلون "بنظرية" داروين وأتباعه؟؟؟ ياللكبر والنزق!
هل ما يستند اليه أهل الالحاد دليل يصح وصفه بأنه دليل؟ هل نظرية داروين دليل؟ هل الانفجار الكوني دليل؟ هل النظرية، أيها الملحد، من حيث كونها تفسيرا يتصوره انسان مثلي ومثلك، له خلفيته الثقافية التي نشأ منها، وتصوره البشري القاصر قصور البشر، ترقى في ذاتها لأن تكون دليلا لك، وان آمن بها سائر أهل الأرض جميعا؟؟ كلا! فان كانت حجتك أن أهل "الايمان" يميزهم بعمومهم الارتكان على ايمان موروث يدافعون عنه ويشيدون على أساسه عقيدتهم في أمر الغيب ويعملون به ومن أجله، ولم يستقروا فيه على دليل صحيح تنشرح له الصدور وترضى به العقول، فيا هذا الملحد اعلم ان أحق الناس بهذا الوصف لما يدين به ويجادل عنه انما هو أنت!!!!
أنت صاحب دين باطل وايمان فاسد، كغيرك من أهل الأديان، من أجله تنافح وعنه تجادل كما يجادلون، فراجع نفسك قبل فوات الأوان واسأل نفسك بصدق وتجرد:
"ماذا لو كنت مخطئا؟؟؟؟؟" ....
أقولها وأفوض أمري الى الله، والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو الفداء
في الثامن من شهر الله المحرم من العام 1430 من الهجرة