المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة اسماء الله الحسني (8)



د. محمود عبد الرازق الرضواني
08-20-2005, 08:14 PM
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فإن أسماء الله عز وجل كلها حسني وكلها عظمي كما قال تعالي‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ فكل اسم من الأسماء الحسني هو الأعظم في موضعه وبحسب حال العبد وماينفعه والعظمة في أسماء الله تعالي تكون باعتبار كل اسم علي انفراده أو باعتبار جمعه إلي غيره فيحصل بجمع الاسم إلي الآخر كمال فوق كمال والأعلي في الكمال هو الأعظم علي هذا الاعتبار

وقد تقدم رأي الجمهور في اعتبار لفظ الجلالة هو الاسم الأعظم أما ماورد في كون الرحمن الرحيم هو الاسم الأعظم فذلك باعتبار عدة أوجه دلت علي كمال مخصوص فوق كمال كل اسم منفرد وقد ذكر ابن القيم ان الرحمن هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة والرحيم هو الراحم لعباده ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين مع مافي اسم الرحمن الذي هو علي وأن فعلان من سعه هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به‏,‏ ألا تري أنهم يقولون غضبان للممتليء غضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن مليء بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول

ولهذا يقرن الله تعالي استواءه علي العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله سبحانه‏:(‏ الرحمن علي العرش استوي‏)‏ طه‏:5‏ وكقوله أيضا‏:(‏ ثم استوي علي العرش الرحمن فاسأل به خبيرا‏)‏ الفرقان‏:59‏ فاستوي علي عرشه باسمه الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم علي اختلاف أنواعهم كما قال تعالي‏:(‏ ورحمتي وسعت كل شيء‏)‏ الأعراف‏:156‏ فاستوي علي أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ومن ثم وسعت رحمته كل شيء

قال أبو علي الفارسي‏:(‏ الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالي والرحيم إنما هو خاص بالمؤمنين قال تعالي‏:(‏ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيما‏)‏ الأحزاب‏:43‏ وقال ابن عباس رضي الله عنه‏:(‏ هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر‏)‏ وقال القرطبي‏:‏ الرحمن خاص الاسم عام الفعل والرحيم عام الاسم خاص الفعل وهذا قول الجمهور‏)‏

وقد ذكر الله عز وجل استواءه علي عرشه مقرونا باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته ولولا هذه الرحمة مااتسعت الدنيا لكافر لحظة فالرحمة هنا أظهرت عظمة الحكمة بجلال الأسماء وظهور الآلاء ليتعظ من يتقلب في نعمته وهو غافل عن رحمنه وحكمته كما أن الله خص المؤمنين باسمه الرحيم فقال‏:(‏ وكان بالمؤمنين رحيما‏)‏ الأحزاب‏:43‏ وذلك ليميز بينهم وبين الكافرين

فالكافر سيعامل بعدله والمؤمن سيعامل بفضله وهذان الاسمان كلاهما عليهما مدار الحكمة في الدنيا والآخرة وعلي ذلك فإن الرحمن الرحيم هما اسم الله الأعظم علي اعتبار علوهما عن غيرهما في الدلالة علي معاني الكمال والحكمة‏.‏

أما اعتبار الاسم الأعظم هو الحي القيوم فذلك لعدة أوجه دلت علي كمال مخصوص فوق جميع الأسماء فهذان الاسمان عند اجتماعهما يختصان عن باقي الأسماء الحسني بمافيهما من معاني الكمال فجميع الأسماء الحسني والصفات العليا تدل باللزوم علي أن الله حي قيوم فالحياة وصف ذاته ومن أجلها كملت جميع أسمائه وصفاته فلا يمكن أن يكون سميعا بصيرا عليما قديرا إلا إذا كان حيا ولايمكن أن يكون ملكا عزيزا قويا غنيا إلا إذا كان حيا
ولايمكن أن يكون رحيما رءوفا مهيمنا عظيما إلا إذا كان حيا ولايمكن أن يكون جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا إلا إذا كان حيا فجميع أسماء الله تدل علي صفة الحياة التي تضمنها اسمه الحي‏,‏ وهذه قضية عقلية نقلية بينها الله في القرآن بأفضل بيان وأجمل برهان
قال تعالي‏:(‏ إن تدعوهم لايسمعوا دعاءكم ولو سمعوا مااستجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولاينبئك مثل خبير‏)‏ فاطر‏:14‏ فمعبوداتهم لاتستجيب لكونها موتي والميت تزول عنه صفاته بزوال ذاته فلا يقال عالم وهو ميت بل يقال كان عالما ولا يقال غني قوي وهو ميت بل يقال كان غنيا قويا ولايقال ملك وهو ميت بل يقال كان ملكا عادلا أو ظالما‏.‏

كما أن ملكية الشيء أو حق التملك إما أن يكون سببه اختراع الأشياء وإيجادها أو دوام الحياة وكمالها فالمخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر‏,‏ وعند البخاري قال عمر رضي الله عنه‏:(‏ من أحيا أرضا ميتة فهي له‏)‏ ومن المعلوم أن أي ملك في الدنيا لايمكن أن يؤسس ملكه بمفرده بل يساعده خاصته وقرابته ويسانده حزبه وجماعته أما رب العزة فهو الحي قبل وجود الأحياء وهو الإله الحق الذي انفرد بإنشاء الخلق وإقامة الملك‏,‏

قال تعالي‏:(‏ ماأشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدا‏)‏ الكهف‏:51‏ ولما كان دوام الحياة وكمالها يؤدي إلي انتقال الملكية وثبوتها فإن الحياة والقيومية أساس الربوبية وكمال العظمة والملكية قال تعالي‏:(‏ كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏)‏ الرحمن‏:27‏

وقال‏:(‏ ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير‏)‏ آل عمران‏:180‏ والله عز وجل لما ذكر هذا الاسم الأعظم في أعظم آية قرآنية فقال‏:(‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم‏)‏ قال بعدها مبينا التفرد بالملكية‏:(‏ له مافي السماوات ومافي الأرض‏)‏ البقرة‏:255.‏

والقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها‏,‏ فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها‏,‏ واسم الله القيوم تقدير فعله قام اللازم وأقام المتعدي‏,‏ قام بذاته فلا يحتاج إلي غيره وأقام غيره لافتقاره إليه‏,‏ والله سبحانه هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه‏,‏ وهو الباقي بجلاله وكماله علي الدوام دون تأثر أو تغيير‏,‏ لأن الحي من البشر قد يكون موصوفا بالسمع لكن سمعه يتأثر بمرور الوقت فيفتقر إلي وسيلة للسماع‏,‏ وقد يكون بصيرا لكنه يتأثر بعد مدة فيضع عدسة يستعين بها علي الإبصار‏,‏ فالحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالسنة والغفلة والنوم‏,‏ ولو كان قائما لكملت حياته وبقيت صفاته‏,‏ ولذلك فإن الله أثبت الحياة واليومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته بطريق الإثبات والنفي المتضمن لكمال المقابل‏,‏ وهذه أبلغ طرق المدح التي اتبعها أهل السنة في مدح ربهم‏,‏ فمدار أوصاف الكمال وجميع الأسماء الحسني تدل باللزوم علي أن الله عز وجل حي قيوم‏,‏ ومن ثم جعلهما النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ اسم الله الأعظم علي هذا الاعتبار‏.‏

وأما اعتبار الاسم الأعظم هو الأحد الصمد فذلك لأن الاسمين معا يدلان علي كمال مخصوص يلازم جميع الأسماء والصفات‏,‏ فالأحد دل علي أنه سبحانه المنفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله عن كل ما سواه‏,‏ فالأحدية هي الانفراد ونفي الشريك والشبيه والمثلية‏,‏ كما أن الصمدية تعني السيادة المطلقة في كل وصف علي حدة‏,‏ فالصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء‏,‏ وهو المستغني عن كل شيء‏,‏ وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه‏,‏

وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله‏,‏ وليس فوقه أحد في كماله‏,‏ وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم‏,‏ فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره‏,‏ وهو المقصود اليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب‏,‏ الذي يطعم ولا يطعم ولم يلد ولم يولد‏.‏

أما كمال الوصف المخصوص عند اجتماع الأحدية والصمدية‏,‏ فيمكن القول إن الله عز وجل لما فطر النفوس علي أن تلجأ إلي قوة عليا عند ضعفها‏,‏ وتطلب غنيا أعلي عند فقرها وعالما خبيرا عند جهلها ورءوفا شافيا عند مرضها ومن كملت أوصافه عند اضطرارها‏,‏ فإن الله هو المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه‏,‏ والمخلوق وإن كان صمدا من بعض الوجوه فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه لأنه يقبل التفرق والزوال والتجزئة والانحلال ويتقسم ويتبعض فينفصل بعضه من بعض‏,‏

وهو أيضا مفتقر إلي ما سواه وكل ما سوي الله مفتقر إليه من كل وجه‏,‏ فليس أحد يصمد اليه كل شيء ولا يصمد هو إلي شيء إلا الله تبارك وتعالي‏,‏ لأنه لا يجري عليه شيء من ذلك‏,‏ بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده‏,‏ ولا يمكن انعدامها بوجه من الوجوه فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء كما قال تعالي‏:(‏ ولم يكن له كفوا أحد‏)(‏ الإخلاص‏:4),‏ وقد استعملت الأحدية هنا في النفي‏,‏ أي ليس شيء من الأشياء كفوا له في شيء من الأشياء لأنه أحد‏.‏

كما أن هذا الاسم الأعظم أو الأحد الصمد دلا علي أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ فإن الصمد هو الذي لا جوف له ولا أحشاء‏,‏ فلا يدخل فيه شيء ولا يأكل ولا يشرب كما قال سبحانه‏:(‏ قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم‏)(‏ الأنعام‏:14),‏ وفي قراءة الأعمش وغيره ولا يطعم بالفتح‏,‏ وقال تعالي‏:‏ ‏(‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‏)(‏ الذاريات‏:57/56),‏ ومن مخلوقاته الملائكة وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون‏,‏ فالخالق لهم جل جلاله أحق بكل غني وكمال جعله لبعض مخلوقاته‏.‏

وقد فسر بعض السلف الصمد بأنه الذي لا يأكل ولا يشرب وأن الصمد هو المصمد الذي لا جوف له‏,‏ فلا يخرج منه عين من الأعيان ولا يلد‏,‏ وهو كلام صحيح علي معني أنه لا يفارقه شيء منه‏,‏ ولهذا امتنع عليه أن يلد وأن يولد‏,‏ وذلك أن الولادة والتولد‏,‏ وكل ما يكون من هذه الألفاظ لا يكون إلا من أصلين‏,‏ وما كان من المتولد عينا قائمة بنفسها فلابد لها من مادة تخرج منها‏,‏

وقد نفي الله ذلك بقوله‏:(‏ قل هو الله أحد‏)(‏ الإخلاص‏:1),‏ فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير فيمتنع أن تكون له صاحبة‏,‏ ولتولد إنما يكون بين شيئين‏,‏ قال تعالي‏:(‏ أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم‏)(‏ الأنعام‏:101),‏ فنفي سبحانه الولد بامتناع لازمه عليه‏,‏ فإن انتقاء اللازم يدل علي انتفاء الملزوم‏,‏ وبأنه خالق كل شيء وكل ما سواه مخلوق له‏,‏ ليس فيه شيء مولود له‏,‏ فهو سبحانه غني بذاته‏,‏ يمتنع في حقه أن يكون والدا وأن يكون مولودا‏,

قال ابن تيمية‏:(‏ كذلك فإن هذين الاسمين يستلزمان سائر أسماء الله الحسني وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا‏,‏ والنبي‏(‏ ص‏)‏ ذكر هذين الاسمين فقال‏:(‏ الله الواحد الصمد تعدل ثلث القرآن‏),‏ وذلك أن كونه أحدا وكونه الصمد يتضمن أنه الذي يقصده كل شيء لذاته ولما يطلب منه‏,‏ وأنه مستغن بنفسه عن كل شيء‏,‏ وأنه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء‏,‏

وأنه لا نظير له في شيء من صفاته ونحو ذلك مما ينافي الصمدية‏,‏ وهذا يوجب أن يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا‏)‏ ومن ثم فاجتماع اسم الأحد مع الصمد يضيفان من معاني الجلال والعظمة ما ليس لغيرهما‏,‏ ولذلك ذكرهما النبي‏(‏ ص‏)‏ علي أنهما اسم الله الأعظم‏.‏