المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ::الأسيرة ماريان...وكُرُلُّس السجان::



أبو حمزة القاهري
10-09-2010, 01:29 PM
::الأسيرة ماريان...وكُرُلُّس السجان::

===

سمعت قرع نعليه, يخترق هذا الصمت الرهيب الذي ظل قرابة الأحد عشرة ساعة, وقد أوشك الفجر على البزوغ.

فتح كرلس الباب ودخل على ماريان, فوجدها تصلي صلاة المسلمين, جالسة تقرأ التشهد الأخير من الصلاة, وقد أطالت الجلوس, ثم سلمت, ثم رفعت يديها إلى السماء وظلت تدعو وتدعو.....وتدعو.

كرلس: اخلصي يا ماريان.

واصلت الدعاء وكأنها لم تسمع شيئا.

صاح بها مرة أخرى ولكن بصوت أضعف: بأقول اخلصي..قدس أبونا جاء فجأة وعوزك فوق..

لم تعبأ به وواصلت التضرع, فاقترب منها, فإذا بصوت من جوفها يشبه أزيز المرجل..!

حاول أن يميز تمتماتها...خطى خطوتين.. أرعى سمعه وأنصت..استطاع بعد عناء أن يميز هذه الكلمات:
" بعدي"...."بعدي".."لا".."بعدي"..

وهي تواصل التضرع والبكاء..

وسُمع صوت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر, صوت بعيد خافت لا يكاد يميز, في هذا العمق السحيق تحت الأرض!

وماريان في دعائها.. لا تلتفت..تدعو وتدعو!

اقترب منها أكثر وأكثر, ثم جلس, ثم دنا منها برأسه حتى كادت أذنه تلامس رأسها الطاهرة.

فإذا به يسمع من كلامها ما كاد يُطير لبه!

رجع القهقرى, ثم خرج وأغلق على تلكم الصابرة الباب, وألقى بجسده على كرسيه خارج حجرة السجن, في ذاك الممر الطويل الضيق..

كلمات خرجت من فم ماريان إلى أذنيه فكادت أن تشل أطرافه.!

صاح فجأة ينادي زميله: يا "رفيق"..يا "رفيق"!

أقبل رفيق مهرولا..

صاح كرلس: المسلمون أفاقوا يا رفيق.. المسلمون أفاقوا يا رفيق! ماريان آخر من سيدخل هذا السجن! وسترى!

رفيق: تقصد مظاهرات الجمعة؟

كرلس: ليس ذلك فقط, بل أفاقوا بحق, أشعر أن المسلمين لن يهدأ لهم بال هذه المرة, سيواصلون المعركة بل وسيصعدونها ويطورونها!.صدقني..! هذه المرة ليست ككل مرة يا رفيق!

رفيق: أخبرني قبل ذلك كله..ما الذي جعلك تصرخ هكذا كالطفل؟! أفزعتني!

كرلس: ماريان يا رفيق..ماريان!

التفت رفيق ونظر من نافذة الحجرة: فإذا بماريان قد نصبت قدميها لربها من جديد...فقال: ما لها يا رجل؟!

كرلس: ألا ترى إلى العزة والثبات؟!
جبل..إني لأرى الآن جبلا قائما يصلي... كلمات قالت ها يا رفيق هزتني هزا...كلمات لم تسمع أذناي ما يقاربها قوة وحلاوة!..صدقني..كاد قلبي أن يطير!

قال: هل صرخت في وجهك حتى ترتعد هكذا؟ أم قرأت عليك شيئا فسحرتك؟!

كرلس: أبدا..بل لم تلتفت إلي أصلا!
كانت رافعة يديها إلى السماء, تدعو في تضرع لم أر مثله في حياتي.
صدقني مشهد جد عجيب!

رفيق: فهل حفظت شيئا من دعائها الذي يبدو أنه كان طويلا؟!

كرلس: لا, بل كان قصيرا مقتضبا, ولكنها ظلت تكرره بلا فتور, وكلما كررته, وكأن صاعقة تنزل على رأسي..!

كانت تقول والدموع قد بللت الأرض بين يديها, وإني لأسمع شهيقها وزفيرها:













اللهم بعزتك لا تسلطهم على أحد بعدي..

اللهم بقدرتك لا تسلطهم على أحد بعدي..

اللهم بجبروتك لا تسلطهم على أحد بعدي!

ذُهل رفيق!..
ابتلع ريقه وسكت هنيهة, فقال:
نعم نعم يا كرلس...
فلو صدق قولك وأفاق المسلمين, فهي بلا ريب:




آخرالحلقات.


== = = = = =