المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موتى الأحياء و عرى الدين



عياض
10-19-2010, 07:01 AM
ميت الأحياء: من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه
حذيفة بن اليمان











طرح احد الأعضاء هذه الأيام ما قال انه مقال وصله بالبريد حول الاختلاف على حلية الخمر اعتمد فيه صاحبه جوزف باسيل على مقالات المقري الصحفي اليمني في كتابه عن الخمر و التبيذ ..و في صدد قراءته للرد عليه الفيته منتشرا على الشبكة انتشارا مثيرا...مع ان اي فاسق شارب للخمر من المسلمين يقدر على كشف ضلالاته دع عنك المتقين منهم و الأقوياء و المعتصمين من الدين بركن متين...فكان من ادل المقالات على سطحية هؤلاء المدعين للتنوير و التحرر و تعمدهم الكذب في مقابل تحقيق ما يرمون من اهداف تفتح للمجتمع ابوابا على جحيم انحلال العلاقات الاجتماعية و الأسرية..و لو ادى ذلك الى احتراف السفسطة ما دامت لصالحك و قلب موازين القيم و ترك البحث عن الحقيقة جانبا ...
بدأ الكاتب كلامه عن التعددية في المرجعية الفكرية عند المسلمين الأوائل..و كلامه في ذلك -كاغلب كلامهم - كلمة حق يراد بها باطل.

فأما الحق الذي فيها ان الصدر الأول قد ضرب امثلة من اروع الأمثلة في حسن ادارة الاختلاف ..و ان وصل هذا الاختلاف الى اشده من ضرب الرقاب و تجييش الجيوش للسعي لاحقاق الحق و منع الظلم..فقد رأينا كيف ان المتخالفين في الحروب الأهلية من عصور الأنوار في الأمم التي تفتخر بهم و تعتز بالانتساب اليهم..رأينا كيف ان هؤلاء المتخالفين سواء في الثورات البلشفية او حتى الحروب الأهلية الأمريكية و الثورة الفرنسية او الحرب الأهلية الاسبانية على الخصوص في التصوير الرائع لهمنغواي و غيره من الأدباء او الثورة الكوبية..رأينا كيف كان بأسهم بينهم شديدا في اختلافاتهم التي سعوا فيها الى احقاق الحق الذي تصوروه ...مع ان الحق و العدل الذي سعوا اليه كثيرا ما كان يغلب عليه طابع المصالح الشخصية و حسابات الربح و الخسارة في اللعب مع اطراف اللعبة من البورجوازية الى الملكية و الامبراطوريين الى الكنسيين و النبلاء مرورا باليعاقبة و الجيرونديين الى تنازع اصحاب الحزب الواحد و رفقة السلاح على الاستبداد من دون الناس..و ان كان في كثير من اختلافاتهم تغلب ايضا النظرة البعيدة لمصالح الجماعة و الا ما كانوا وصلوا الى ما وصلوا الآن..

في عهد الصدر الأول..شهدنا اول ما شهدنا في اشد صور اختلافهم ..كيف ان غالبيتهم جنحت جنوحا جازما الى السلام..و رفعت ايديها عن مواطن الفتن ..و اعتزلت في بيوتها ..و قامت بسلوك حضاري في البحث عن استتباب الأمن و السلام في ربوع وطنها قل ان تجد له نظيرا في تاريخ الأمم..هذا في الأغلبية من وجهاء و رؤوس و قادة الصدر الأول...اما الأقلية المتنازعة و االتي رجحت الفعل على عدم الفعل حتى لا يضيع الحق في نظرها..فقد اشتهر و استفاض تعاملهم قبل القتال و بعده باخلاق و سلوك حضاري لا تجده عند غيرهم من الأمم التي تحاربت فيما بينها..من استنفاذ كل طرق المفاوضات و خيارات الصلح حتى لم يبق للقوم سبيل الا السلاح اقدموا عليه و هم كارهون..ثم بعد القتال و اثناءه لم ينطبق عليهم ما انطبق على غيرهم من مقولة المحامي الثوري بيير فيكتورنيين من ان الثورة تأكل ابناءها ...فلم يقتلوا مدبرا و لا اجهزوا على جريح و لا اخذوا اسيرا و لا استباحوا قرية و لا اخذوا مغانما و لا ابادوا شعبا و لا عقدوا محاكمة حقيقية و لا صورية لمخالفيهم و اعدموهم ..كما يفعل اصحاب المصالح بل و حتى اصحاب التنوير في ثوراتهم ..و في نفس الوقت تعاهد الجميع على المحافظة على اللحمة رغم الاختلاف..فما ان حاول البيزنطيون استغلال الفرصة اثناء القتال حتى هددوه بقول واحد ان سيتحالفون و يدعون خلافاتهم لمحاربته ..فتوقفوا و لزموا جحورهم..و لما خرج على اصول الاجماع بينهم فئة من الخوارج لم تراع قواعد الاختلاف هذه وقفوا جميعا في صف واحد لاطفاء فتنتهم بقوة الفكر و قوة السلاح..ثم كانوا منتبهين الى الاندساسات بينهم و القوى الرجعية من الأمم السابقة رغم عملها فيهم..فمن كان من زنادقتهم فقد وقفوا صفا واحدا في مواجهتهم..و من كان ممن لم يؤمن او لم يشأ الانتماء فقد تألفوه كما تألفهم نبيهم صلى الله عليه و سلم من قبل فكفوا شرهم..فتمخض الجميع بحسن الادارة عن الخروج من شر الاختلاف بأقل الخسائر البشرية و اقل الخسائر في المبادئ اذ لم يذهب الدين و لم ينقض من عراه الا عروة واحدة كانت التضحية بها اولى من التضحية بما هو اهم منها في حساب المصالح و المفاسد الذي هو ميزان سياسة الأمم..

و انما نبهت على هذا رأسا و تعرضت ..حتى ابين بعضا من سلوك هؤلاء الناس في امر هو اشد انواع الاختلاف و التعددية و مظهر من اخطر مظاهرها الحتمية...و التي اسفرت في غيرهم عن مقتل ملايين الناس من غير مباشري الحروب بجرة اقلام..فان تبين للناس في هذا المظهر الخطير حسن ادارة الاختلاف كان ذلك بيانا لحسن سياسنهم لاختلافهم فيما هو اقل شأنا و ادنى خطرا..و كان الخص في التحدي مع بقية الأمم في رأس الأمر ...و هو ما رأيناه واقعا في اختلافاتهم الكبرى في السقيفة و الردة و تقسيم الأراضي و الفيء و الخلافة و جمع القرآن و تدوين الحديث و العطاء و امر الديوان ..دع عنك اختلافهم في مسائل اصغر حتى عد ابن القيم في اختلاف ابن مسعود و عمر فقط اكثر من مائة مسألة من الفقه الدقيق و الجليل..مع اشتمال كل ذلك عن الخصال الضرورية من النظر النافذ و البحث عن الحقيقة و التشوف اليها و الدفاع عن الرأي و الشجاعة في التعبير عنه و قوة الشخصية و تقدير الاختلاف مع الآخر بحسب انواع المسائل و اهميتها و النفور من الجدال..و التزام الصمت و تفضيل الاختصار و عدم الثرثرة و شقشقة الكلام..ثم الاعتراف بالخطأ ان تبين و الأوب الى الجماعة ..ما استحقوا به مرتبتين اولاهما دنيوية بأخطائهم و نجاحاتهم ..ببشريتهم و عبقريتهم..فتحوا بها ثلاث قارات و بنوا فيها حضارة ستدوم لقرون في مدة تقل عن الربع القرن ستجعل من بعدهم لعظم ما يرى ينفي بشكل مضحك وجودهم ...فكانوا ببشريتهم و سريان الضعف الانساني الذي يسري في غيرهم اقوى في القدوة بهم ..اذ يعلم الواحد بعد الاطلاع على احوالهم كيف كانوا بشرا من سائر البشر..و مع ذلك خققوا اهدافهم و استطاعوا ادارة اختلافاتهم ..فيعطيه ايمانا واقعيا انه يمكن...

والثانية اخروية اذ اختيروا ليكونوا افضل الشهداء على الناس ..اذ الأثر يدل على المؤثر...و آثارهم و نجاحاتهم ما نبهنا على اصوله و ما لم ننبه لا نوجد مجنمعة فيمن قبلهم و لا من بعدهم.. و ذلك لا يمكن ان يكون ان لم تكن علومهم وأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم حقا باطنا وظاهرا , و لهذا كانوا أحق الناس بموافقة قولهم لقول الله وفعلهم لأمر الله , و لم يكن اختيار الخالق لهم ليكون اجماعهم حجة اختيارا اعتباطيا كسائر اختياراته سبحانه..فاستحقوا بمجموعهم ان يكون لهم الفيتو في اي قرار ياتي بعدهم وجد مقتضاه في عصرهم..



أما الباطل المحتوي عليه كلامه في التعددية...هو ارجاع التعددية الى المرجعية الفكرية..فكل الاختلاف السابق يجوز ان ينعت بالاختلاف في الفكر..اما في مرجعيته فلا..فالقرون الأولى كلها كانت مجمعة على مرجعية واحدة بلا خلاف..كتاب الله و سنة رسوله..فلن يجدوا و لو بحثوا دهرا احدا من الصحابة او من بعدهم من مشاهير علماء الأمصار يتعمد مخالفة النبي صلى الله عليه و سلم في شيء من سنته دقيقا كان او كبيرا ..فهم متفقون اتفاقا قطعيا معلوما بالضرورة من تواتر اقوالهم على وجوب اتباعه وحده و توحيد المرجعية في اقواله هو وحده ..و ان غيره يؤخذ عنه و يرد..و اقوالهم في هذا اشهر من ان تسرد و طرقها عنهم بمنزلة تواتر اخبار الأحداث العظام ...ومجرد محاولة هؤلاء القوم انكار وحدة المرجعية عنهم بعد مخالطتهم يدل على مزيد احترافهم للسفسطة و نياتهم في التبييت للحق و لبسه بالباطل و انعدام الأمانة فيهم.
ثم هم بعد هذا متفقون على تفسيرها و تأويلها و شرحها بكتاب الله و سنة رسوله و ما نصا على اعتباره...لا تفسيرها و تاويلها و شرحها بالعقل او الذوق او الباطن او الكشف او او او...و عليه يدل ما نقلوه من معاني القرآن كما نقلوا الفاظه التزامهم بنفس المرجعية من تفسير الوحي بالوحي بنفس المنظومة التي نص عليها الامام الشافعي في نظرية المعرفة التي صاغها في كتبه الأصولية دون اعتماد على اي عنصر اجنبي من خارج منظومة الوحي التي تشكلها الوسائل التي نص الشارع او اشار الى اعتبارها في التفسير..

ثم هم بعد ذلك و نتيجة لما سبق هم متفقون على اصول الدين و اركانه الكبرى من العقائد و الفقهيات و العلميات و العمليات و الأخلاق و التصورات التي تشكل جدود الاسلام الكبرى و لم يختلفوا فيها كاختلاف من قدموا عقولهم او اذواقهم على الوحي من جميع الفرق الذين اختلقوا في اصول الدين من بعد ما جائتهم البينات..و ولهذا نتحدى منذ قرون ان يجدوا تناقضا بين الصدر الأول في اتباث او نفي او تفسير او تاويل او شرح اصل من اصول الدين نص عليه الكتاب و السنة بوضوح و صراحة...كما يناقضهم الآن هؤلاء الليبراليون الانحلاليون في تفسير هذه الأصول و شرحها و تاويلها..

فهذا الدين امامهم فليدخلوا من اي باب شاؤوا من باب التوحيد والصفات وباب العدل والقدر الى باب الإيمان والأسماء والأحكام مرورا بباب الوعيد والثواب والعذاب ثم باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يتصل به من حكم الأمراء أبرارهم وفجارهم ، وحكم الرعية معهم ، والكلام في الصحابة و آل البيت مما من نتائجه و اصوله وجوب الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج و أن من أطاع الله ورسوله فانه يدخل الجنة ولا يعذب و ان من لم يؤمن بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه فهو كافر وأمثال هذه الأمور التى هى اصول الدين وقواعد الإيمان..و التي يتبين لكل منصف عاقل خالط اقوالهم فيها أن سلفنا و مؤسسي حضارتنا ووجودنا لم يكن بينهم من النزاع في هذه الأبواب إلا من جنس النزاع في فروعها الذي أقرهم عليه الكتاب والسنة كما تقدم ذكره فيما سبق وان البدع الغليظة المخالفة للكتاب والسنة و الاختلافات الكبرى و الفتن في القول و العمل و الاعتقاد إنما حدثت مع من اتى بعدهم بعد انقضاء عصرهم ، وقد يعزوا هؤلاء الليبراليون و اسلافهم من الملاحدة و من اغتر بهم او استزلوه من المسلمين قديما و حديثا بعض ذلك إلى بعض السلف تارة بنقل غير ثابت وتارة بتأويل لشيء من كلامهم متشابه مجمل كما فعل صاحب المقال و صاحبه مؤلف الكتاب

لكن من رحمة الله أنه قل أن ينقل عنهم شيء من ذلك إلا وفي النقول الصحيحة الثابتة عنهم للقول المحكم الصريح ما يبين غلط الغالطين عليهم في النقل أو التأويل ، وهذا لأن الصراط المستقيم في كل الأمة بمنزلة الصراط في الملك
فكمال دين الإسلام هو الوسط في الأديان والملك ، كما قال تعالى: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )) لم ينحرفوا انحراف اليهود والنصارى والصابئين ..و بالمثل كان هؤلاء الصحابة و من كان على ما هم عليه متمسكين بالوسط...مجانبين للتطرف و الأطراف..
فكما ان اهل الاسلام وسط في الأنبياء فلم يحطوا من شأنهم او استهتروا بمقامهم حتى قتلوهم كما فعلت يهود..و لم يطروهم و لم يبالغوا فيهم و لا فرطوا في حريتهم لهم حتى عبدوهم كما فعلت النصارى..بل احبوا انبياءهم و عاشروا اقوالهم و صاحبوا انفاسهم و اعطوهم حقهم مصاحبة بشر لبشر...و حب انسان لانسان..
فكذلك الصحابيون من اهل الاسلام المتتبعين للحكمة النبوية و العصبة الجماعية مع رؤوسهم ووجهائهم ...لم يزدروا علماءهم و لا افتروا على اصحاب نبيهم حتى كفروهم و قتلوهم كالخوارج و الروافض و كثير من العلمانيين ..و لم يغلوا في علماءهم و لم يروا لأفرادهم من الحق المطلق ما ليس لغيره حتى فقدوا حريتهم و شخصياتهم و عقولهم لغيرهم كفعل غلاة المتصوفة و غلاة الروافض ..و مع امراءهم لم يوافقوهم على الإثم والعدوان ، ويركنوا إلى الذين ظلموا منهم و يمدحونهم كفعل كثير من الليبراليين و العلمانيين اليوم ...و لم يرفضوا أن يعاونوا أحدا على البر والتقوى ، لا على جهاد ولا على جمعة ولا أعياد و لا على مد الاغاثات و لا على تطوير البيئات و التقنيات و لا على نشر العلم و توعية الناس كما فعل الكثير من الشيوعيين و الثوريين الراديكاليين من كافة الطوائف...

يتبع

عياض
10-20-2010, 02:53 AM
ثم يقول الكاتب :

ويشير الى اختلاف الفقهاء والائمة على بعض المسائل ومنها ما يتعلق بكتاب القرآن وسنّة النبي، من ذلك من يقول بوجوب نسخ احكام آية في القرآن بأحكام آية اخرى جاءت بعدها تبعا للنص القرآني "ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها" (سورة البقرة 106) لكن البعض الآخر يرفض فكرة النسخ ويعتبر ان كل آيات القرآن ملزمة. فضلا عن قول البعض بالتفسير الظاهر رافضا التأويل، فيما يقول البعض الآخر بالتأويل، وفيما يعتمد آخرون على التفسير الباطني، ويقول المقري "قبل هؤلاء جميعاً ومنذ اكثر من ثلاثة عشر قرناً كان الصحابي عبدالله بن مسعود الموصوف بزهده وبعلمه بالقرآن قد انكر صحة المصحف المتداول من اصله والذي جمع ايام الخليفة عثمان بن عفان، متهما هذا الاخير بحذف بعض الآيات التي تخالف وجهته ومصالحه"، وكذلك الاختلاف على السنّة النبوية ومدى الزاميتها بوجود احكام القرآن او بدونها، حتى "اعتقد آخرون بعدم اتباع احكام السنة للاختلاف في تدوينها والشك في صحة مراجعها
فهذا الكلام من العينات الجميلة في بيان مقدار الكذب الصراح الذي لا يستحي هؤلاء اللاعقلانيين من اقتحامه..فهذا الكلام على قلته قد حوى من الكذب المفضوح ما لا تحويه الكثرة الكاثرة من كلام غيرهم..فمن كذباته المجموعة في نسق :
-نتحداه ان ياتي بعالم من القرون الأولى من الصحابة و تابعيهم و تابعي تابعيهم انكر مبدأ النسخ و رفضه
-نتحداه ان ياتي بعالم من القرون الأولى من الصحابة و تابعيهم و تابعي تابعيهم قال انه يجوز العمل بما تبث انه منسوخ
- من اين لهم ان ابن مسعود انكر صحة المصحف العثماني كله و من اصله...
- و من اين له ان عثمان كان محل تهمة عند ابن مسعود
-و من اين له و هو المضحك فعلا ان الآيات تخالف مصالح عثمان و توجهاته..
-و اين تصريح احدهم بعدم جواز اتباع السنة
-و اين تصريح احدهم أن عدم جواز اتباع السنة هو بسبب الأمر بعدم تدوينها
- من اين له ان بعض الصحابة و اتباعهم رفض مبدأ التاويل على اصطلاخهم او قبله على اصطلاح هؤلاء الكذبة
-من اين له ان بعض الصحابة و اتباعهم رفض التفسير بالباطن على اصطلاحهم هم او قبله على اصطلاح هؤلاء الكذبة

هذه كذبات صلعاء تبين محل صاحبها من الأمانة دع عنك محله من العلم و الايمان نعوذ بالله من الغرور..و بالرد على هذه المطالبات سيتبين بقليل من البحث لم ترك الصحابة تدوين السنن لكي لا تزاحم نقل القرآن في قناة النقل المكتوب و كونه في اوائل انتشاره بالتواتر العام و حسما لآثار بدايات حلقات التواتر من ان تنحصر في موطن او جماعات رواية و كتابة..و لم انكر ابن مسعود قرآنية المعوذتين لنفس آثار البدايات ثم عاد بعد ذلك و اقرها و اتبثها في مصحفه..و هو ادل على مرادهم من اعطاء الأولوية لنقل القرآن..و لم في نفس البدايات قبل ان يعم التواتر و يقوى اختلفوا في ما هو منسوخ مما هو غير منسوخ و لم يختلفوا في نفس فكرة النسخ و مبدئه..و لتبين له من ذلك كيف نقلوا معاني القرآن و الحكمة و اللغة كما نقلوا الفاظهما و كيف ان التاويل عندهم كان من ذات منظومة الوسائل و الضوابط المنقولة على ما عرفته العرب من المعاني من منطقها و ما دلت عليه هذه المعاني من انواع العقلنة في تتبع الأشباه و النظائر..و ان اصطلاحهم في التاويل ليس صرفا للمعنى عن الظاهر لقرينة خارجية عن هذه المنطومة كما يدعيه هؤلاء بل هو تفسير نفس الكلام بالقرائن المضمنة في مجمل سياقه و هو معنى الظاهر عندهم اي ما تبين من المعنى سواء كان متبادرا الى الذهن او غير متبادر..و هي اصل نظرية السياق التي اكتسحت المجالات الألسنية و منها الى بقية الحقول ..و ان اصطلاحهم في القول بالباطن هو فرع من اصطلاحهم في التاويل اي ما يؤول اليه الكلام حقا وواقعا لا لغة و معنى ذهنيا فقط..مما قد لا يتبين فقط من عقلنة آليات التعبير فقط حتى تنزل الألفاظ على مواضعها..لا ما يذهب اليه هؤلاء الاتحاديون العلمانيون القرامطة الجدد في نقل معنى الكلام الى معنى يناقضه بلا قرينة الا تشابه الألفاظ...
و لو كان قصدهم اتباع الحق لوجدوه و لو كانوا سكارى زناة مقامرين ..اذ لو صدقوا مع انفسهم لأقروا ان ما يأتونه من الشر و الفواحش هو من عند انفسهم ..و لكن لما اثقل عليهم حمل كيس الندم ..فضلوا ان يتكلفوا مشقة تغيير الدين كله و طمس الحق ما امكن..على ان يذرفوا دمعة حزن على ما اقترفوا..فكان السكارى و الزناة و المقامرون احسن حالا عند الله منهم اذ لصدق احساسهم بالندم آثروا قصر الضرر على انفسهم و المعاناة في وحدتهم دون ان يجروا اليها غيرهم...لهذا منع النبي صلى الله عليه و سلم لعن احدهم لكونه يحب الله و رسوله ...اما هؤلاء فقد ذهب كثير من العلماء الى جواز لعنهم على التعيين لفداحة ضررهم على غيرهم و تغييرهم لمنار الله في الأرض .

ثم قال الكاتب :

كما اختلف رواة الاحاديث النبوية الى حدّ التناقض وعرف الناس احاديث مؤلفة من مذهب او فرقة ضد مذهب او فرقة اخرى معادية لها، الى جانب احاديث اخرى مناقضة لها، كما حدث في احاديث الذم والمدح لبني امية والشيعة والخوارج. يضاف الى ذلك تعدد المذاهب والفرق كما تعددت النصوص .
و هذا من انواع التلبيس الذي يتقنه هؤلاء ليغشوا اعين الناس...حين يقررون وافعا كأنه غير معروف او منكر عند اصحابه ..و منه بنطلقون الى نتائج لا علاقة لها بما قرروه..وبأدنى احتراس و تأمل يتبين انها لا تعدو اثارة زوبعة في فنجان ...
نعم اختلف رواة الاحاديث النبوية الى حدّ التناقض....و الفت الآلاف المؤلفة من الأحاديث المختلفة ..فلم يقل احد ان كل رواة الأحاديث صادقون بله ان يكونوا كلهم ضابطين بله ان يكونوا كلهم معصومين ...و لهذا كان من الطبيعي ان يتواجد الاختلاف و بالتالي تواجد الأحاديث المتناقضة لتواجد الأحاديث الصادقة و الأحاديث المكذوبة لمختلف التوجهات ...فمن لا يعرف ان الكذب و الصدق مختلفان ؟؟؟و لكن هل هذا الاختلاف هو من الاختلاف الذي اقروه؟؟ او بتعبير عصري هل كانوا يعتبرون هذا الاختلاف صحيا كما يحاول الكاتب ان يدلس ؟؟؟ هذا ما سيقول كل واحد منا لو تفكر فيه قليلا : كم كنت ساكون غبيا لو انطلت علي مثل هذه الحيلة البدائية ...طبعا لا و الا فلم سبكلفون انفسهم ابتكار تظام علمي موضوعي لتصفيف و جمع و تصنيف الأحاديث و تمييز صحيحها من سقيمها الخاضع للتوجهات..فكان ماذا؟؟؟هل هذه هي التعددية التي تحتج بها؟؟ فالكذب و النفاق و الخداع و بفية خصالكم هي من الاختلافات القدرية الكونية الطبيعية الموجودة في كل البشر و ليست دليلا على شيء...اذ ليس الأمر الا كأمراض تحاول علاجها فتقول ان وجود الأمراض دليل على عافية الجسد و حسن مستوى الطبيب..
ترون انني اناقش في توضيح امور بديهية لا تستحق تضييع الوقت؟؟ ما سنفعل اذا كانت حيل السحرة على هذا المستوى الساذج..
اما كلامه في المذاهب و تعددها ..فان اجاب باقل بحث عن الأسئلة السابقة لعلم ان الاختلاف كان ابان الصدر الأول في فروع الاسلام اما في اصوله فلا يعرف لهم اختلاف فيه...الا ان يكون ممن اتى بعدهم الذين اختلفوا في كل شيء و هذا الاختلاف كان معيبا بخلاف الاختلاف الأول و التلبيس بينهما هو تدليس معروف لا يجوز على ابسط عارف بدينه و اصوله...
ثم تكلم صاحبنا عن آية تحريم الخمر فقال

ورغم ان معظم الفقهاء والمفسرين لم يهتموا او يأخذوا بنصوص الآيتين الاخيرتين، الا انهم كانوا طرفاً في الاختلاف في تفسير الآية التي تدعو الى اجتناب شرب الخمر أو آية التحريم. يقول ابن قتيبة الدينوري في هذا الشأن "ان شيئاً وقع فيه الاختلاف في ذلك العصر بين اولئك الأئمة لحري ان يشكل على من بعدهم وتختلف فيه آراؤهم ويكثر فيه تنازعهم.
لا يهم تناول ما قاله عالم اوانه عن سبب نزول التحريم و ان كانت الآيات دالة على التحريم ام لا...فهذا يدخل في حق العالم الكبير و حق كل انسان ان يخترع لنفسه من المذاهب ما شاء..يقول ان لا دليل على كروية الأرض...يقول ان لا دليل على وجود الكهرباء..ليس لبشر ان يسيطر على بشر في هذا..لكن التناول هو لما قاله عن وجود هذه التعددية في المرجعية و وجود اختلاف معتبر بين علماء الصدر الأول من لدن الصحابة فمن بعدهم في مدلول الآيات..فاول كذبة نصادفها انه حمل ما ذكره من ذكر ابن قتيبة للاختلاف في الأشربة على العموم حمله على اختلاف العلماء في الآية و دلالتها على التحريم..و فرق بين ان يختلف الناس على ان شرابا ما يدخل في دلالة الآية و بين ان يختلفوا اصلا ان الآية دالة على التحريم..و ما يدل على تعمد هذا العالم الكبير الموضوعي الأمين لهذه الكذبة الصلعاء..هو اخفاؤه ما قاله ابن قتيبة بعده بأسطر و كأنه يرد ضاحكا على فطنة صاحبنا :
قد أجمع الناس على تحريم الخمر بكتاب الله إلا قوما من مجان أصحاب الكلام وفساقهم لا يعبأ الله بهم فأنهم قالوا: ليست الخمر محرمة وإنما نهى الله عن شربها تأديبا كما أنه أمر في الكتاب بأشياء ونهى فيه عن أشياء على جهة التأديب وليس منها فرض كقوله في العبيد والإماء فكاتبوهم أن علمتم فيهم خيرا وقوله في النساء :فاهجروهن في المضاجع واضربوهن وكقوله :ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقالوا لو أراد تحريم الخمر لقال حرمت عليكم الخمر كما قال :حرمت عليكم الميتة والدم وليس للشغل بهؤلاء وجه ولا لتشقيق الكلام بالحجج عليهم معنى إذ كانوا ممن لا يجعل حجة في إجماع وإذ كان ما ذهبوا إليه لا يختل على عاقل ولا جاهل وأجمع الناس على أن ما غلا وقذف بالزبد من عصير العنب من غير أن تمسه النار خمر وأنه لا يزال خمرا حتى يصير خلا...
و بعدها يطالبوننا ان نفتح صدورنا لهذه العينة العظيمة من العلماء المجددين التي ستنقذ الأمة...و لو انقذت انفسها من قلة الآمانة و كثرة الخيانة و التقلب مع المصالح من اقصى اليسار الى اقصى اليمين لرحمونا فاللي فينا يكفينا...

عياض
10-25-2010, 02:56 AM
ثم قال الكاتب الفقيه المتفنن

والأهم مجيء آية تقول "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناج فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا" (المائدة – 93) ثم آية ثانية، تقول "قل لا اجد في ما اوحي اليّ محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً او لحم خنزير" (الأنعام – 145) وهي من أواخر الآيات التي جاءت في القرآن، مما يفيد بأن تسامحاً قد حصل بالنسبة الى الموقف من الخمر بعد الآية التي دعت الى اجتنابه او ان ظروفاً اجتماعية وسياسية خاصة بحياة المسلمين وعلاقتهم بغيرهم من اليهود والمسيحيين ادّت الى عدم التشديد في الدعوة الى اجتناب الخمر بل وعدم ادراجه بين الاطعمة المحرمة التي وردت في هذه الآية.
و هذه و بقية الاستدلالات ليست من الحجج الجديدة..فأغلب الظن ان هذا اليمني يستمدها من الاسماعيليين و النصيريين الذين استمدوها من اسلافهم من غلاة اصحاب بيان بن سمعان و المغيرة بن سعيد و ابي الخطاب بن ابي زينب في تنظيراتهم لاباحيتهم التي اشتهروا بها ممن كانوا حربا على المسلمين و اعوانا للخرمية و المغل و الصليبيين و عيونا لهم و مقدمات لاستعمارهم ببث الضعف و الاباحية بين المسلمين...و هؤلاء هم السلف الذين يمكن ان يتصل بهم و اليهم ينقطع سند مقالاته..

أما ان يصل سنده الى احد العلماء من جمبع الطوائف و المذاهب ممن لهم لسان صدق عند جميع الأمة...فدونه خرط القتاد..دع عنك اهل القرون الأولى من الصحابة و التابعين و تابعي تابعيهم...فلن يجد عالما يرى في هذه الآيات الاباحة..بل العكس هناك من العلماء كالقفال الشاشي من رأى في هذه الآيات ان السكر لم يكن قط مباحا و انما كان مباحا الشرب..و رده عليه الامام النووي و غيره..لكن لا احد قال ان السكر او الشرب كان حلالا بعد آية التحريم ..و ذكر الامام الشافعي في الرد على بعض اهل المجون و المنوية في احتجاجهم بالآية مبينا استنادا الى سبب النزول انه كما تقول حين يقال لك ان مستوى هشام عزمي و حسام حامد و احمد المنصور غير قوي في منتدى التوحيد فترد انت : بل انا لا اجد مستوى قويا في المنتدى الا ان يكون مستوى هشام و حسام و احمد و ليس قصدك انهم الوحيدون في التميز... و على فرض صحة الاستثناء فان الآية مقيدة بوقت نزولها....و ذكرت المحرم الى وقت نزول الآية و لم تنف ما سيحرم بعدها..بدليل قوله : لا أجد فيما يوحى الي...و لم يطلقه في المستقبل فيكون ما لم يذكره في الآية عفوا مسكوتا عنه الى حين يأتي البيان بتحريمه فان الآية مكية - بخلاف كذبته الصلعاء من زعمه انها من آخر ما نزل فالأنعام مكية بالاجماع -و ذكرت فقط ما حرم الى وقتها و لم تنف انها ستحرم فيما بعد..و هو كقوله سبحانه اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم..ففي هذا اليوم احل لهم الطيبات و قبل ذلك لم يكن محرما عليهم الا ما استثناه ..

اما شرب الصحابة من الخمر بعد التحريم وتاكيد المصادر على ذلك..فانظر دائما مع هؤلاء العلماء اللاعقلانيين المجتهدين ان رأيت احدهم يذكر شيئا اكدت المصادر عليه و لا يحيل عليها..فاغسل يدك منه كون هؤلاء الناس من اشد الناس تنقيبا عن مطاعن في الدين و لو كان بحوزتهم نصف دليل على ما يقولون لملؤوا الدنيا به..لكن هذه آفة اعتمادهم على المصادر و المواقع الرافضية ..و هؤلاء اساتذة في التلفيق...لفقوا حديث انس في البخاري في وصف مجلس شرب زوج امه ابي طلحة قبل التحريم مع حديث منكر مروي في تفسير ابن مردويه من ان في القوم ابو بكر و عمر و هو غير محفوظ لكون ابوبكر الحاضر في هذا المجلس كان صحابيا آخر يدعى ابا بكر بن شغوب..و ابوبكر المحفوظ عنه انه ما كان يشرب الخمر لا في جاهلية و لا في اسلام حتى ادخلوه في الحنيفيين و المتحنثين..ثم لفقوا كل ذلك بما روي في التفاسير من اخذ بعض الصحابة التحريم في الصلاة على انفسهم فلفقوا الروايات كلها فظهر كما لو ان الصحابة استمروا في الشرب مستحلين له بعد التحريم و هذا كذب...
و احيانا من الرافضة من يزيد من التلفيق ببيان مرويات عن بعض الصحابة ممن شرب الخمر بعد التحريم..لكن الكلام ليس في مجرد الشرب بل الشرب مع اعتقاد الحل و هذا لن يجده ..و قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدهم كذب..بل كل من ثبت من الصحابة انه شرب بعد ان يحاكم و يشهد عليه كان يحد..كما هو مشهور في وقائع كواقعة عبد الله الحمار و النعيمان و الذي قال ابن عبد البر انه جلد اكثر من خمسين مرة ...و كذلك ابو محجن ما تبث عليه بمحاكمة الا و عوقب..و من تأول التحريم في هذه الآيات كقدامة بن مظعون فقد فاء الى الاجماع بعد ان لم يتبين له و اقر به ..و هذا اكثر دلالة على وجود الاجماع و عدم اختلافهم في تحريم الخمر اذ لو لم يكونوا مجمعين لما اقروا عمر على محاكمتهم و لا كان عمر و معه كل اهل الشورى ينكر عليهم و يحاسبهم كما لم يحاسب المخالفين في مئات القضايا الخلافية الأخرى... ...و لا كان لقدامة ان يتراجع عن موقفه كما لم يتراجع ابن عباس و ابن مسعود و غيرهما عن مواقفهم في قضايا اخرى حتى كانوا ينادون بالمباهلة..بل ان قدامة نفسه من فرط ندمه بعدها كاد ييأس من نفسه و ثقل عليه ذنبه حتى ارسل له عمر باول سورة غافر ليروح عنه و يبين له ما خفي عنه ايضا من تمام معنى الآية من ان المقصود بها حسن خاتمة البدريين و انها لا تكون الا بنفس التوبة و الأوب و ان جاز ان يرتكبوا قبلها من الذنوب ما شاء الله..و ليس هذا ببعيد عن موضوعنا لو اعتبره هذا الحداثي و امثاله ..فهو ادل على ما قاله ابن مسعود عن اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من تجردهم و صفاء قلوبهم و حسن اخلاقهم علما و عملا..و الا لم يكن صاحب الرسالة ليختارهم لنبيه...

مستفيد..
10-25-2010, 04:27 PM
ألاعيبهم مكشوفهم..فنية الإختلاف عندهم موجهة لمخالفة ما قال الله ورسوله..
ولكن حتى لا ينكشفوا تراهم ينصون على أن اختلافهم هو مع قول التابعين لا مع ما قاله الله ورسوله..في حين أن ما قاله الصحابيون والتابعون هو موافق تماما لما قاله الله ورسوله..
فهنا تاتي الخدعة..( فضلا على الكذب عليهم بهتانا وزورا )
سلمت يداك أخي الحبيب..موضوع قيّم.. أعجبتي هذه :

فاستحقوا بمجموعهم ان يكون لهم الفيتو في اي قرار ياتي بعدهم وجد مقتضاه في عصرهم..
مُتابِع إن كان يُتبَع..

د. هشام عزمي
10-28-2010, 11:27 AM
ما شاء الله ..
دومًا تأتينا يا أستاذنا بما يجعلنا نغفر الأفواه انبهارًا وأعجابًا ..
كلامكم عن إدارة الخلاف بين الصحابة هو من أروع ما قرأت في المسألة ..
بارك الله فيكم ونفع بكم .

momo82
10-31-2010, 05:25 PM
بارك الله فيك
جزاءك الله خير