الشيخ عبدالرحمن عيسى
10-22-2010, 11:51 PM
كلمة معقـِّبة
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ــ حلب
11 ذي القعدة 1431 هـ
18 تشرين الأول 2010 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الكلمة : قول ذو بيان , وفيه مزيد إيضاح وتبيان , وبداية القراءة والقرآن : ( إقرأ .. ) وهي كلمة مؤلفة من أربعة أحرف هجائية , بدايتها نهايتها , والبداية عين النهاية , والعكس صحيح أيضاً !..
ومن الكلمة تكون كلمات , ومن المقالة مقالات .. وقد كتبنا مقالاتٍ , نهجْنا فيها سبيل التوضيح والتصريح , بعيداً عن الهمز واللمز والتلميح , وقلنا : الحقُّ من ربكم بقوة الحق , وبحرارة الصدق الإلهي , التي تحرق كل زعم وادعاء وافتئات ..
قـدَّمنا إلى دنيا القراءة والقراء , زبدة ما أجهدنا فيه الفكر , وخلاصة مخاض غير يسير , وحملٍ لبذور المعاناة والكدح الدؤوب , وحياة القهر واللـُّغـوب ..
ليس من قدري ولا من شأني , أن أخوض هذا اليمَّ , الذي تصطخب مياهه وأمواجه , لولا الله العلي الكبير القدير , فهي ـ أي هذه المقالات ـ قـدَر مقدور ومقدَّر , وجاءت على توقيت مؤقت ومبرَّر , ولم يكن لها من دافع , أو يحول دونها مانع ..
( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .. ) ..
واتخذتْ طريقها عبر الممرات واللهجات , في واقع الصراع والتحديات , ولم تـُنسج بالحروف المهملات , والمستعمل والمتداول من الأبجديات , ولستُ فيها أكثر من مَمرٍّ ومِشكاة , مضاءةٍ بمحض نور الله , وبمصباح منير من لدُنْ سيدي رسول الله عليه صلى الله وسلم وبارك .. فهو نافذة الحق إلى الخَـلق ..
وإني أبرأ إلى الله ورسوله , من أن أتصور لي فيها من وجود , فأرى نفسي أدنى من ذلك : قلة وضآلة وعجزاً , بل وجهلاً .. فسبحان الكريم العليم الوهاب , ولله ورسوله المنُّ والفضل , وإليهما مرجعي ومآبي , فعَليَّ خطئي ولهما ومنهما صوابي ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. والحمد لله رب العالمين ..
عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
التبيين :
شاءت عناية الله الفائقة , وتجليه بالعلم اللدُنيِّ , أن أكتب هذه المقالات الفذة , المعبرةَ عن حقائق الحكمة الإلهية , والمفـْصحة عن واقع الحياة الإنسانية , وما انتهى إليه أمر هذه الأمة , من حيْـرة وذهول وضياع كبير , وتشتت في الفكر والرأي ..
إن قراءة مدققة , فيما وراء الماورائيات , آخرَ هذه الآونات والمآلات : إسلامياً وحقائقياً , هي ما تفتقر إليه أوضاع هذا العالم المتدهور إلى الحضيض , وأوضاعُ المسلمين , والعربِ منهم بخاصة , بعد أن باءت كل محاولات الوحدة والعودة , إلى النفاد والنضوب , والفشل الذريع , والفواجع والخطوب , الممزقة لنياط القلوب ..
وفي الوقت الذي يُجمع الجميع , على السطحية والغثاء , والتافه من القول , والتحليلات السياسية اليومية , وسرد المواعظ المجانية , وطوفان المخاض الإعلامي الجامح , يبدو أن لا مَنـْدوحة من قول الحق المجرد , وإماطة اللثام , والتعتيم المؤكد , لتنجلي الحقيقة المُرَّة , ونـَخرجَ عن كوننا كالنعامة الحمقاء , أو كالناقة العشواء .. أو كالمرأة الخرقاء !.. تنقض ما غزلت , وتهدم ما قد بنت : عبثاً وتصرفاً غير معقول ..
تماماً كما نحن في نقضنا لحضارتنا , وعبثنا في ديننا ومصيرنا !..
إن هذه المقالات , إنْ هي إلا إرهاصات ومُبشرات , تـُنبيء عن موعد واعد وقادم , تسطع فيه شمس الحقائق الكبرى , ويتم الفصل في كل النزاعات والحروب , وضروب الخلافات الممزقة ,التي ترامت إلينا عبْر القرون , وفي هذا العصر بالذات ..
وهذا ما أكدته جدلية هذه الحياة المادية الإباحية , وفكرها السياسي المتهافت , والمتساقطِ كأوراق الخريف : هباء منثوراً , في خِضَمِّ التحديات الهائلة , والأيام العصيبة , والإجراءات المنكفئة على أعقابها , والإفسادِ المصنـَّع وغير المقـنـَّع ..
وفي دنيا الظلم والمظالم الفادحة , والكبائر من الإثم ما ظهر منه وما بطن , والفواحش والموبقاتِ المشاعة في المجتمع , ليس بإمكان الأقوال المرسَلة على عواهنها والمواعظ الملقاة جُزافاً عبر المنابر والفضائيات , أن تـُحدث رَجعة عـملية , ورداً جـميلاً , إلى ما افتقدناه من التدين الصحيح , والتقوى الملزمة , والورع والاستقامة على الشرع , والإخلاص لله في الدين الخالص .. ( ألا لله الدين الخالص .. ) ..
إن ما يحول دون ذلك , أمر لا يمكن تصوره ولا الإحاطة به , وهو فوق كل الطاقات المبذولة , وما فيها من غوغائية وتحريف , ورياء فاضح وتجديف , وازدواجية غير خافية ولا مستترة , وتراجع أمام زخَم الباطل , وزحفه المريع !..
المشكلة : قبل أن تكون في هيمنة الأعداء , وتسلطهم على الأمة , وحربهم القذرة عليها , هي فينا نحن العربَ والمسلمين , والنـُّخـَبَ المثقفة والحاكمة , والمعـمَّـمين من الشيوخ والواعظين , والقوى الفكرية والأدبية المنتجة والرائدة !..
إذ كلٌّ يُغنيِّ على لـيْلاه , ويتـَّبع هواه الأرعن , ويؤثر دنياه الزائفة , ويبحث عن مقعدٍ غير صدق , في مخلفات الأجيال والأيام , والتقاطِ المتساقط من موائد الظالمين واللئام , ومراغمة اللاهثين خلف سراب المتعة والحرام ..
إن الناس ينظرون إلى أولى الأمر والفكر , من أهل العلم , ورجال الحكم , فهم الذين يُـقـتدى بهم , وتـُقتفى آثارهم , والعامة والكافة , لا يستطيعون مخالفتهم , وتـَبيُّنَ تدليسهم وجوْرهم , وغوغائية إعلامهم , وانحرافَ قضاتهم وحكامهم !..
هذا إلى كونهم ـ أي أولى الأمر والفكر ـ قادرين ومقتدرين , وموجهين في طريق الانهيار والبوار , وسوء المصير في هذه الدار , وتلوين الحياة بالقاتم من المبادئ و الأفكار ..
حينما تـُشل فاعلية هذه الأمة : تفرقاً وضلالاً , وبحثاً عن المصالح الخاصة , والمغانم الدنيوية المؤْثـَرة , فإن سيطرة الكفرة الأعداء , والمنافقين لهم , والمتواطئين معهم , لا يمكن اقتحامها واختراقها , وإنهاءُ وجودها الخفي والعلني , في أوساط الأمة المغلوبة والمقهورة , وأبنائها الباحثين إمَّا عن لقمة العيش , أو عن الترف المرعب , والغنى الفاحش والفاضح .. حيث لا نسبة ولا وسطية , بين المليئين والمعدَمين ..
لقد أفرزت هذه الحياة , بصيغتها الراهنة , أنماطاً عجيبة ومُريبة , من الفاسدين والمفسدين في الأرض , والمتخمين بالذهب , وبالعملات الصعبة , التي لا تأكلها النيران , إلى جانب الفقراء المسحوقين حتى العظم : من نساء ورجال وولدان , المضطرين حتى إلى رغيف الخبز , وحبة الدواء , ونقطة الماء !..
في حين تـُهدر ثروات الأمة , أنهاراً من الإسراف والتبذير , ومليء الحاويات !.
ورأينا وسمعنا نتيجة لذلك , كيف أن الجرائم المَهولة , يَضِجُّ منها المجتمع , والأحقادَ المكبوتة , والحسدَ المضغوط , والمغرياتِ المجنونة , كيف تنفجر دُفعة واحدة في عالم اليوم , وعند المسلمين أيضاً , بصاعق من استراتيجية الظلم والعَـسْف والحـيْف , وتدليل الأقوياء والأغنياء , على حساب الضعفاء والبؤساء وسواد الشعوب .
وكان الأجدر بنا , أن نلجأ إلى ما أمر به ديننا وإسلامنا , ونعتصمَ بالقرآن : حبل الله الأعظم : إخاء وأمناً وحباً , وأن لا نظل نـُلقي باللائمة , على أعدائنا الكفرة المجرمين , أي إننا بذلك , نحقق ما يَودَّون وما يشتهون .. على حد قول الله تبارك وتعالى : ( وَدوُّا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء .. ) ..
فهل استوينا معهم , في ممارسة الحياة بإطلاق وإباحية , وحرية مُنفلتة من كل تـَعـقـُّل وعِقال , ولكنهم فارقونا بكونهم أحسنَ حالاً : أخذاً بأسباب القوة المتعاظمة , وخدمة للمجتمع , وإتقاناً للعمل , والتزاماً بقواعد النظام , والسلامة العامة ؟..
خلافاً لما نحن عليه , من رداءة الأعمال , وخـُلف المواعيد , وتحجر الضمائر , وابتزاز بعضِناً بعضاً : طمعاً وظلماً , ومتاجرةً بالقيم , وخَلابة ومكراً !..
وخلافاً ومخالفة , بدءاً من إشارة الـمرور , إلى شهادة الـزور , والتخـريب الكـبير , في المفاهيم والآداب , وممارسة المسؤوليات , وتعطيل الحقوق !..
إن القوانين والسنن الإلهية , التي تحكم العالم , لا تحابي أحداً , بمجرد التظاهر والزعم والدعوى , وإذا بطلت القِـيم , فإن البقاء والسيادة للأقوى ..
وإذا ضل في الأرض , من يُـفـْترض أنهم أهدى سبيلاً , وأقومُ حضارة وأخلاقاً , فلا لومَ إلا عليهم , إذا وجدوا أنفسهم , مَدينين لأعدائهم !..
وفي خِضَمِّّ اللغـَط الإعلامي السياسي , تضيع حقيقة الأزمة , التي تتردى فيها الأمة , من عرب وغير عرب , وتصبح القضية ألاعيبَ سياسية , من أجل استمرار الأمة على ما هي عليه , دون إمكانية جـِدية , للخلاص والانعتاق , وتحطيم الآصار والأطواق , والنفوذ من الآفاق , بالسلطان المبين , وحق اليقين ..
وحتى الآن , وخلال قرن كامل , لم نر إلا الكلام المنـَمَّق , والخطاب المدبَّج , والادعاءاتِ والمزاعمَ الفارغة , والدفعَ في طريق الغيبوبة والغثيان , وتحطيمِ مُدْركات الإنسان , وجعلِه في طابور طويل من العاثرين والعميان ..
على حد قول الله تبارك وتعالى : ( لهم قـلوب لا يَـفـقـهـون بها ولهم أعـين لا يـُبصرون بها ولهـم آذان لا يَسمعـون بها أولـئك كالأنعـام بل هـم أضلُّ أولـئك هـم الغافلون ) .. أولئك هم ضحايا غسيل الأدمغة , وتيارات الإغراء والفتنة , وطوفان العذاب الشديد , والطغيان العارم , والتخطف العنيف والمخيف ..
ولعل العرب قبل غيرهم , من بقية الأمة : علماء ومفكرين وحكاماً , يرتكبون أخطاءً فادحة جداً , حينما يُصرون على المضي في طريق التشرذم والتخاذل , وحينما تكون مثيرات اهتماماتهم , لا شأن لها بسنة ولا قرآن , ولا ما يقتضيه التاريخ والواقع والدين , من مراجعة حقة , وإعادةِ نظرٍ فيما ثبت هوانـُه وبطلانـُه , مما هو مجرد عبودية للدنيا الدنيئة , واستسلامٌ مطلق , لأفانين فتنتها وزينتها وزخرفها , وتعبئة قصوى لكل ما في الأرض من سلبيات وانحرافات , ونظرياتٍ في الفكر والنفس والسياسة , ليست من الحق في شيء , وهي غير لائقة بكوننا خيرَ أمة أخرجت للناس , تأمر بالمعروف , وتنهى عن المنكر , وتؤمن بالله , وتجاهد وتضحي لإعلاء كلمة الله وإرساء دعائم الحياة الصالحة , والحضارة المؤمنة ..
ومن المخجل حقاً , أن القوم لا يخجلون أن يكونوا إمَّعاتٍ وببغاوات , وأجـِنـْدةَ تقاليد وعادات , لا ترفع رأساً , ولا تـُوري قدْحاً , ولا تثمر صلاحاً ولا صلحاً ..
وبعد :
فإن الحياة المعاصرة , بالرغم مما تـُصدِّره إلينا من يأس وقنوط , وشعور بالإفلاس والإحباط , وهاوية السقوط , فإننا لا يمكن لنا أن نيأس من روْح الله , أو أن نقنط من رحمة الله , وما دام القرآن موجوداً , والكعبة قائمة , والرسالة النبوية صفحة مفتوحة ومقروءة , فإن الآمال بالفرج والنصر عريضة , وبالعودة المرتقبة واردة , ولا بد للصبح من أن ينجلي , وللشمس من أن تسطع , ولا بد للباطل من أن يبطل ويتلاشى وللحق من أن يعلو ويستعيد دولته وسلطانه , ولا بد للمستضعفين في الأرض , من أن يَمنَّ الله عليهم , ويجعلهم أئمة , ويجعلهم الوارثين ..
ألا إن صناعة النصر الإلهي المؤزَّر , صناعة دقيقة وعريقة , تـَدِقُّ على الأفهام والعقول , وقد لا ينتبه إليها أكثر الناس , الذين لا يفكرون ولا يعلمون ..
إن الغافلين والنائمين , يبزغ الفجر , وتشرق الشمس , وهم لا يُحسون ولا يَدرون .. ويظنون أن الليل مازال مخيماً على الكون , وأن الظلام هو القاعدة !..
ويأبى الله إلا أن يُخرج الحيَّ من الميت , والنورَ من كبد الظلمة , واليسرَ من قلب العُسْر , والنصرَ من الصبر , والفرجَ من الكرب , كما يأبى سبحانه , أن يأتي أعداءه , إلا من حيث لم يحتسبوا ولم يفطنوا ولم يستعدوا !.. فمِن مأمنه يُؤتى الحذِر ..
وفي الوقت الذي يظن أعداء الإسلام , أنهم يأخذون بالاحتياطات اللازمة , ويُعدون لكل أمر عُدته , وأنْ لا غالب لهم .. إذا بكل ذلك , يشكل بداية النهاية , ويضع الأسس لانكسارهم , خصوصاً أن طلائع الأمة , لا تفتأ جهاداً وتضحية , وقرابينَ على مذبح الإيمان والحرية , والنهضة الحقيقية , والعودة الإسلامية الفائقة ..
وهذه أثمان النصر القادم بإذن الله , واستعادة الأمة عافيتها بتقوى الله , وقد اتخذ الله قوافل الشهداء المتلاحقة , الذين سقطوا في سبيله , واجتباهم لحضرته ونعمته , وحياة الخلود عنده .. كما لا تزال في الأمة بقية , ظاهرة على الحق , ماضية على العهد , وتسعى لإنجاز الوعد , لا يضرهم من خالفهم وعاداهم , حتى يأتي أمر الله ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ــ حلب
11 ذي القعدة 1431 هـ
18 تشرين الأول 2010 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الكلمة : قول ذو بيان , وفيه مزيد إيضاح وتبيان , وبداية القراءة والقرآن : ( إقرأ .. ) وهي كلمة مؤلفة من أربعة أحرف هجائية , بدايتها نهايتها , والبداية عين النهاية , والعكس صحيح أيضاً !..
ومن الكلمة تكون كلمات , ومن المقالة مقالات .. وقد كتبنا مقالاتٍ , نهجْنا فيها سبيل التوضيح والتصريح , بعيداً عن الهمز واللمز والتلميح , وقلنا : الحقُّ من ربكم بقوة الحق , وبحرارة الصدق الإلهي , التي تحرق كل زعم وادعاء وافتئات ..
قـدَّمنا إلى دنيا القراءة والقراء , زبدة ما أجهدنا فيه الفكر , وخلاصة مخاض غير يسير , وحملٍ لبذور المعاناة والكدح الدؤوب , وحياة القهر واللـُّغـوب ..
ليس من قدري ولا من شأني , أن أخوض هذا اليمَّ , الذي تصطخب مياهه وأمواجه , لولا الله العلي الكبير القدير , فهي ـ أي هذه المقالات ـ قـدَر مقدور ومقدَّر , وجاءت على توقيت مؤقت ومبرَّر , ولم يكن لها من دافع , أو يحول دونها مانع ..
( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .. ) ..
واتخذتْ طريقها عبر الممرات واللهجات , في واقع الصراع والتحديات , ولم تـُنسج بالحروف المهملات , والمستعمل والمتداول من الأبجديات , ولستُ فيها أكثر من مَمرٍّ ومِشكاة , مضاءةٍ بمحض نور الله , وبمصباح منير من لدُنْ سيدي رسول الله عليه صلى الله وسلم وبارك .. فهو نافذة الحق إلى الخَـلق ..
وإني أبرأ إلى الله ورسوله , من أن أتصور لي فيها من وجود , فأرى نفسي أدنى من ذلك : قلة وضآلة وعجزاً , بل وجهلاً .. فسبحان الكريم العليم الوهاب , ولله ورسوله المنُّ والفضل , وإليهما مرجعي ومآبي , فعَليَّ خطئي ولهما ومنهما صوابي ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. والحمد لله رب العالمين ..
عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
التبيين :
شاءت عناية الله الفائقة , وتجليه بالعلم اللدُنيِّ , أن أكتب هذه المقالات الفذة , المعبرةَ عن حقائق الحكمة الإلهية , والمفـْصحة عن واقع الحياة الإنسانية , وما انتهى إليه أمر هذه الأمة , من حيْـرة وذهول وضياع كبير , وتشتت في الفكر والرأي ..
إن قراءة مدققة , فيما وراء الماورائيات , آخرَ هذه الآونات والمآلات : إسلامياً وحقائقياً , هي ما تفتقر إليه أوضاع هذا العالم المتدهور إلى الحضيض , وأوضاعُ المسلمين , والعربِ منهم بخاصة , بعد أن باءت كل محاولات الوحدة والعودة , إلى النفاد والنضوب , والفشل الذريع , والفواجع والخطوب , الممزقة لنياط القلوب ..
وفي الوقت الذي يُجمع الجميع , على السطحية والغثاء , والتافه من القول , والتحليلات السياسية اليومية , وسرد المواعظ المجانية , وطوفان المخاض الإعلامي الجامح , يبدو أن لا مَنـْدوحة من قول الحق المجرد , وإماطة اللثام , والتعتيم المؤكد , لتنجلي الحقيقة المُرَّة , ونـَخرجَ عن كوننا كالنعامة الحمقاء , أو كالناقة العشواء .. أو كالمرأة الخرقاء !.. تنقض ما غزلت , وتهدم ما قد بنت : عبثاً وتصرفاً غير معقول ..
تماماً كما نحن في نقضنا لحضارتنا , وعبثنا في ديننا ومصيرنا !..
إن هذه المقالات , إنْ هي إلا إرهاصات ومُبشرات , تـُنبيء عن موعد واعد وقادم , تسطع فيه شمس الحقائق الكبرى , ويتم الفصل في كل النزاعات والحروب , وضروب الخلافات الممزقة ,التي ترامت إلينا عبْر القرون , وفي هذا العصر بالذات ..
وهذا ما أكدته جدلية هذه الحياة المادية الإباحية , وفكرها السياسي المتهافت , والمتساقطِ كأوراق الخريف : هباء منثوراً , في خِضَمِّ التحديات الهائلة , والأيام العصيبة , والإجراءات المنكفئة على أعقابها , والإفسادِ المصنـَّع وغير المقـنـَّع ..
وفي دنيا الظلم والمظالم الفادحة , والكبائر من الإثم ما ظهر منه وما بطن , والفواحش والموبقاتِ المشاعة في المجتمع , ليس بإمكان الأقوال المرسَلة على عواهنها والمواعظ الملقاة جُزافاً عبر المنابر والفضائيات , أن تـُحدث رَجعة عـملية , ورداً جـميلاً , إلى ما افتقدناه من التدين الصحيح , والتقوى الملزمة , والورع والاستقامة على الشرع , والإخلاص لله في الدين الخالص .. ( ألا لله الدين الخالص .. ) ..
إن ما يحول دون ذلك , أمر لا يمكن تصوره ولا الإحاطة به , وهو فوق كل الطاقات المبذولة , وما فيها من غوغائية وتحريف , ورياء فاضح وتجديف , وازدواجية غير خافية ولا مستترة , وتراجع أمام زخَم الباطل , وزحفه المريع !..
المشكلة : قبل أن تكون في هيمنة الأعداء , وتسلطهم على الأمة , وحربهم القذرة عليها , هي فينا نحن العربَ والمسلمين , والنـُّخـَبَ المثقفة والحاكمة , والمعـمَّـمين من الشيوخ والواعظين , والقوى الفكرية والأدبية المنتجة والرائدة !..
إذ كلٌّ يُغنيِّ على لـيْلاه , ويتـَّبع هواه الأرعن , ويؤثر دنياه الزائفة , ويبحث عن مقعدٍ غير صدق , في مخلفات الأجيال والأيام , والتقاطِ المتساقط من موائد الظالمين واللئام , ومراغمة اللاهثين خلف سراب المتعة والحرام ..
إن الناس ينظرون إلى أولى الأمر والفكر , من أهل العلم , ورجال الحكم , فهم الذين يُـقـتدى بهم , وتـُقتفى آثارهم , والعامة والكافة , لا يستطيعون مخالفتهم , وتـَبيُّنَ تدليسهم وجوْرهم , وغوغائية إعلامهم , وانحرافَ قضاتهم وحكامهم !..
هذا إلى كونهم ـ أي أولى الأمر والفكر ـ قادرين ومقتدرين , وموجهين في طريق الانهيار والبوار , وسوء المصير في هذه الدار , وتلوين الحياة بالقاتم من المبادئ و الأفكار ..
حينما تـُشل فاعلية هذه الأمة : تفرقاً وضلالاً , وبحثاً عن المصالح الخاصة , والمغانم الدنيوية المؤْثـَرة , فإن سيطرة الكفرة الأعداء , والمنافقين لهم , والمتواطئين معهم , لا يمكن اقتحامها واختراقها , وإنهاءُ وجودها الخفي والعلني , في أوساط الأمة المغلوبة والمقهورة , وأبنائها الباحثين إمَّا عن لقمة العيش , أو عن الترف المرعب , والغنى الفاحش والفاضح .. حيث لا نسبة ولا وسطية , بين المليئين والمعدَمين ..
لقد أفرزت هذه الحياة , بصيغتها الراهنة , أنماطاً عجيبة ومُريبة , من الفاسدين والمفسدين في الأرض , والمتخمين بالذهب , وبالعملات الصعبة , التي لا تأكلها النيران , إلى جانب الفقراء المسحوقين حتى العظم : من نساء ورجال وولدان , المضطرين حتى إلى رغيف الخبز , وحبة الدواء , ونقطة الماء !..
في حين تـُهدر ثروات الأمة , أنهاراً من الإسراف والتبذير , ومليء الحاويات !.
ورأينا وسمعنا نتيجة لذلك , كيف أن الجرائم المَهولة , يَضِجُّ منها المجتمع , والأحقادَ المكبوتة , والحسدَ المضغوط , والمغرياتِ المجنونة , كيف تنفجر دُفعة واحدة في عالم اليوم , وعند المسلمين أيضاً , بصاعق من استراتيجية الظلم والعَـسْف والحـيْف , وتدليل الأقوياء والأغنياء , على حساب الضعفاء والبؤساء وسواد الشعوب .
وكان الأجدر بنا , أن نلجأ إلى ما أمر به ديننا وإسلامنا , ونعتصمَ بالقرآن : حبل الله الأعظم : إخاء وأمناً وحباً , وأن لا نظل نـُلقي باللائمة , على أعدائنا الكفرة المجرمين , أي إننا بذلك , نحقق ما يَودَّون وما يشتهون .. على حد قول الله تبارك وتعالى : ( وَدوُّا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء .. ) ..
فهل استوينا معهم , في ممارسة الحياة بإطلاق وإباحية , وحرية مُنفلتة من كل تـَعـقـُّل وعِقال , ولكنهم فارقونا بكونهم أحسنَ حالاً : أخذاً بأسباب القوة المتعاظمة , وخدمة للمجتمع , وإتقاناً للعمل , والتزاماً بقواعد النظام , والسلامة العامة ؟..
خلافاً لما نحن عليه , من رداءة الأعمال , وخـُلف المواعيد , وتحجر الضمائر , وابتزاز بعضِناً بعضاً : طمعاً وظلماً , ومتاجرةً بالقيم , وخَلابة ومكراً !..
وخلافاً ومخالفة , بدءاً من إشارة الـمرور , إلى شهادة الـزور , والتخـريب الكـبير , في المفاهيم والآداب , وممارسة المسؤوليات , وتعطيل الحقوق !..
إن القوانين والسنن الإلهية , التي تحكم العالم , لا تحابي أحداً , بمجرد التظاهر والزعم والدعوى , وإذا بطلت القِـيم , فإن البقاء والسيادة للأقوى ..
وإذا ضل في الأرض , من يُـفـْترض أنهم أهدى سبيلاً , وأقومُ حضارة وأخلاقاً , فلا لومَ إلا عليهم , إذا وجدوا أنفسهم , مَدينين لأعدائهم !..
وفي خِضَمِّّ اللغـَط الإعلامي السياسي , تضيع حقيقة الأزمة , التي تتردى فيها الأمة , من عرب وغير عرب , وتصبح القضية ألاعيبَ سياسية , من أجل استمرار الأمة على ما هي عليه , دون إمكانية جـِدية , للخلاص والانعتاق , وتحطيم الآصار والأطواق , والنفوذ من الآفاق , بالسلطان المبين , وحق اليقين ..
وحتى الآن , وخلال قرن كامل , لم نر إلا الكلام المنـَمَّق , والخطاب المدبَّج , والادعاءاتِ والمزاعمَ الفارغة , والدفعَ في طريق الغيبوبة والغثيان , وتحطيمِ مُدْركات الإنسان , وجعلِه في طابور طويل من العاثرين والعميان ..
على حد قول الله تبارك وتعالى : ( لهم قـلوب لا يَـفـقـهـون بها ولهم أعـين لا يـُبصرون بها ولهـم آذان لا يَسمعـون بها أولـئك كالأنعـام بل هـم أضلُّ أولـئك هـم الغافلون ) .. أولئك هم ضحايا غسيل الأدمغة , وتيارات الإغراء والفتنة , وطوفان العذاب الشديد , والطغيان العارم , والتخطف العنيف والمخيف ..
ولعل العرب قبل غيرهم , من بقية الأمة : علماء ومفكرين وحكاماً , يرتكبون أخطاءً فادحة جداً , حينما يُصرون على المضي في طريق التشرذم والتخاذل , وحينما تكون مثيرات اهتماماتهم , لا شأن لها بسنة ولا قرآن , ولا ما يقتضيه التاريخ والواقع والدين , من مراجعة حقة , وإعادةِ نظرٍ فيما ثبت هوانـُه وبطلانـُه , مما هو مجرد عبودية للدنيا الدنيئة , واستسلامٌ مطلق , لأفانين فتنتها وزينتها وزخرفها , وتعبئة قصوى لكل ما في الأرض من سلبيات وانحرافات , ونظرياتٍ في الفكر والنفس والسياسة , ليست من الحق في شيء , وهي غير لائقة بكوننا خيرَ أمة أخرجت للناس , تأمر بالمعروف , وتنهى عن المنكر , وتؤمن بالله , وتجاهد وتضحي لإعلاء كلمة الله وإرساء دعائم الحياة الصالحة , والحضارة المؤمنة ..
ومن المخجل حقاً , أن القوم لا يخجلون أن يكونوا إمَّعاتٍ وببغاوات , وأجـِنـْدةَ تقاليد وعادات , لا ترفع رأساً , ولا تـُوري قدْحاً , ولا تثمر صلاحاً ولا صلحاً ..
وبعد :
فإن الحياة المعاصرة , بالرغم مما تـُصدِّره إلينا من يأس وقنوط , وشعور بالإفلاس والإحباط , وهاوية السقوط , فإننا لا يمكن لنا أن نيأس من روْح الله , أو أن نقنط من رحمة الله , وما دام القرآن موجوداً , والكعبة قائمة , والرسالة النبوية صفحة مفتوحة ومقروءة , فإن الآمال بالفرج والنصر عريضة , وبالعودة المرتقبة واردة , ولا بد للصبح من أن ينجلي , وللشمس من أن تسطع , ولا بد للباطل من أن يبطل ويتلاشى وللحق من أن يعلو ويستعيد دولته وسلطانه , ولا بد للمستضعفين في الأرض , من أن يَمنَّ الله عليهم , ويجعلهم أئمة , ويجعلهم الوارثين ..
ألا إن صناعة النصر الإلهي المؤزَّر , صناعة دقيقة وعريقة , تـَدِقُّ على الأفهام والعقول , وقد لا ينتبه إليها أكثر الناس , الذين لا يفكرون ولا يعلمون ..
إن الغافلين والنائمين , يبزغ الفجر , وتشرق الشمس , وهم لا يُحسون ولا يَدرون .. ويظنون أن الليل مازال مخيماً على الكون , وأن الظلام هو القاعدة !..
ويأبى الله إلا أن يُخرج الحيَّ من الميت , والنورَ من كبد الظلمة , واليسرَ من قلب العُسْر , والنصرَ من الصبر , والفرجَ من الكرب , كما يأبى سبحانه , أن يأتي أعداءه , إلا من حيث لم يحتسبوا ولم يفطنوا ولم يستعدوا !.. فمِن مأمنه يُؤتى الحذِر ..
وفي الوقت الذي يظن أعداء الإسلام , أنهم يأخذون بالاحتياطات اللازمة , ويُعدون لكل أمر عُدته , وأنْ لا غالب لهم .. إذا بكل ذلك , يشكل بداية النهاية , ويضع الأسس لانكسارهم , خصوصاً أن طلائع الأمة , لا تفتأ جهاداً وتضحية , وقرابينَ على مذبح الإيمان والحرية , والنهضة الحقيقية , والعودة الإسلامية الفائقة ..
وهذه أثمان النصر القادم بإذن الله , واستعادة الأمة عافيتها بتقوى الله , وقد اتخذ الله قوافل الشهداء المتلاحقة , الذين سقطوا في سبيله , واجتباهم لحضرته ونعمته , وحياة الخلود عنده .. كما لا تزال في الأمة بقية , ظاهرة على الحق , ماضية على العهد , وتسعى لإنجاز الوعد , لا يضرهم من خالفهم وعاداهم , حتى يأتي أمر الله ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..