مشاهدة النسخة كاملة : جذورُ البلاءِ في فِكْر المستشرقين
المستشار سالم عبد الهادي
08-09-2005, 07:33 PM
جذورُ البلاءِ في فِكْر المستشرقين
بسم الله الرحمن الرحيم
كان لابد أَنْ نشيرَ إلى ((جذور البلاءِ في فِكْر المستشرقين))، إبراءً للذِّمَّةِ أمام الله عز وجل من جهةٍ، ونصحًا لمن يقف عليه من المستشرقين من جهةٍ ثانية، وبيانًا للمسلمين من جهةٍ ثالثةٍ..
ولسنا نريد بذلكَ أولئك المستشرقين اللذين وقفوا على الحقيقةِ فذكروها كما هي، عن علمٍ ودرايةٍ، وإِنْ كانوا أقلَّ وأندر مِن الكبريت الأحمر كما يُقال، ثم أكثر أولئك الصِّنْف مِنْ المغمورين بالنسبة للصنف الثاني الآتي هنا..
لكنَّا نقصد الكثرة الغالبة على المستشرقين، مِمَّن لا حَظَّ لهم في عِلْمٍ ولا دراسةٍ، ثم هم في وادٍ سحيقٍ، بعيدًا عن المنهج العلمي الرصين، والقواعد العلمية التي تتفق عليها عقول العقلاء مِنْ البشر..
لسنا نعني بذلك أن ينطلق المستشرقون مِنْ إيمانهم بالإسلام؛ لأنهم لو آمنوا بالإسلام ودخلوه لم يكن ثمة مشكلة، ولكنَّا نكتب ذلك لعلَّ الله يهدي أحد المستشرقين للوقوف على كلامِنا، فيتجنَّبَ أوجه القصور، وجذور البلاء في فِكْر سابقيه ودراساتهم، أثناء البحث في إسلامنا العظيم، ليهلك مَنْ هَلَك عن بيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حيّ عن بيِّنةٍ..
كما نكتُبه ليستبين المسلمون جذور البلاء في فِكْر المستشرقين وأبحاثهم عن الإسلام..
وليست العبرة عندنا هنا سرد الأقوال والمذاهب الاستشراقية في موضوعٍ ما، والاستغراق في ذلك جدًا، وإنما العبرة هنا برصد مواطن البلاء في أبحاث المستشرقين وأفكارهم، من خلال أطروحاتهم، مع لزوم التدليل على هذا، من خلال واقعهم وكلامهم هم، على سبيل الاختصار، من أجل الوصول إلى منبع البلاء الذي أدى إلى انحرافهم فكريًّا وبحثيًّا وسلوكيًّا، وغير ذلك، أثناء كلامهم عن الإسلام، مكتوبًا ومسموعًا، سواءٌ في عصرنا، أو ما تقدَّمه من عصور الاستشراق..
وعلى أولئك المستشرقين اللذين يكتبون للمسلمين أو عنهم أن يعطوا للأمر أهميَّتَه اللائقة به، كما على أولئك المخدوعين بالمستشرقين مِنْ المسلمين أن يتدبَّروا ما بأصحابِهم مِنْ بلاءٍ...
وسأضع هنا ما يفتح الله به وييسر كتابته عبر توالي الأيام والليالي غير ملتزمٍ بزمنٍ ولا قضيةٍ بعينها، سوى ما ذُكِرَ في ترجمة الموضوع وعنوانه: ((جذور البلاء في فِكْر المستشرقين))، والمراد تلك الأسباب التي أَدَّتْ إلى انحرافهم فكريًّا ودراسيًّا أثناء البحث في الإسلام، للكتابة له أو عنه..
وآمل مِنْ العلماء الأماجد، والأساتذة الأفاضل، والقراء الكرام؛ إضافة ما لديهم بخصوص القضية المذكورة هنا تباعًا حسبما يرونه صالحًا، لعل الله عز وجل ينفع به أقوامًا ويضرّ به آخرين..
والله مِنْ وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
ولنبدأ الآن على بركةِ الله....
المستشار سالم عبد الهادي
08-09-2005, 07:49 PM
حَـضَـــارة الـمـــــادَّةِ
(كلمة عن مناهج البحث لدى المستشرقين)
النظرية الغربية المعاصرة لا تعرف سوى المادة، ولا تقيم وزنًا بروحٍ أو معنويٍّ، ما لديها سوى تصورات المادة، ومتطلبات المادة، وبعبارة أخرى: لا تملك سوى حُكْم المادة وقانونها.
وبناءً على هذا التصوُّر المقلوب نشأ أبناء النظرية الغربية المعاصرة (والمسمَّاة زورًا وبهتانًا بالحضارة) نشأ هؤلاء على مفاهيم معكوسة، وفي ظلِّ رُؤًى مقلوبة مغلوطة، لا أساس لها من الصحة، غير أنها من المسلمات لديهم؛ لأنها مما تفرضه المادة أو تؤكده.
ومن هنا ظهرت لدى الغرب تلك النظريات المشبوهة القائمة على غير أساسٍ علميٍّ متينٍ، يجمع بين الروح والمادة، ويُعالج أركان الإنسان جميعها.
فرأينا من يؤمن ببطلان الفكرة إذا لم تُنْتِج نفعًا..
كما رأينا من لا يعرف سوى نتائج الحفريات وفقط في نظرته للتاريخ، حتى لو خالفت الحفريات كافة المتعارف عليه.
حتى بلغ ببعضهم أن يُنْكِر وجود الإسلام كدين في شبه جزيرة العرب بناءً على نتائج الحفريات.
يقول موراني في كلامه في ((شبكة التفسير)): ((أما Nevo فلم يفهم فكرة Wansbrough فهما صحيحا . نظريته باطلة من أولها الى آخرها .
الفكرة الرئيسية لديه أن عدم وجود ذكر محمد في الكتابات القديمة ما قبل عام 71 هـ , كما هو الحال في النقوش في صحراء النقب (Negev ) دليل على وجود فكرة التوحيد فحسب ولا يثبت وجود الاسلام في ذلك الوقت .....لا أريد أتدخل في هذه التفاصيل الباطلة اذ هناك عدد من المستشرقين قد رفضوا هذا المظنون الخاطيء منهم من يحسن اللغات القيمة السائدة في تلك الفتلرة في المناطق شمال الحجاز والتي لم يعرفهاNevo .
لقد أتيحت الفرصة لي أن أتحدث اليه وأناقش معه شخصيا هذه الآراء الخاطئة وعدم صلاحية الأخذ بآراء
Wansbrough لديه, وذلك قبل ما ألقى محاضرته في جامعة القدس التي انتهت بخروج المشاركين القائلين :
هذا كارثة عظيمة !
توفي Nevo عام 1992 ونشرت دراسته عام 1994 على 32 صفحة في المجلة الاستشراقية بالقدس .
وهناك دراسات نقدية على ما جاء به على يد بعض المستشرقين في الولايات المتحدة وانجلترا وهي تبين عدم صلاحية هذه النظرية التي بنيت على نتائج عدة من الحفريات في شمال الحجاز وفي النقب بتجاهل عديدا من الكتابات التي نشرت قبل العقود من نواحي المدينة المنورة ومن المناطق الأخرى القريبة منها .
في النهاية أود أن أذكر أن Nevo لم يدرس المواد الاستشراقية ولم يتعمق في فراءة كتب القدماء في التأريخ , بل كان صاحب الحفريات .
هناك عدد كبير من المخطوطات وألواح متبقية من مصاحف من القرن الأول الهجري ( مثلا باليمن) وغيرها مكتوبة على البردي وكلها دلائل قاطعة على عدم صلاحية الفكرة الرئيسية لدى هذين الرجلين .
الـدكتور م . مــورانـي
مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا)).
وبناءً على ذلك كان من الصعب جدًا على أبناء هذه النظريات المقلوبة من المستشرقين وغيرهم؛ كان من الصعب عليهم فَهْم قضايا الإسلام بناءً على نظرتهم وما وُلِدوا وتربّوا عليه.
نعم؛ وسيظل من المستحيل عليهم فهم الإسلام بناءً على نظرياتهم هم.
وعليهم إن أرادوا فَهْمه على حقيقتِه أن يأخذوه من منابعه، ويفهموه كما أراد هو أن يُفْهَم، لا كما أرادوا هم فَهْمَه.
وشتَّان بين الأمرين!!
وهذا بعينه ما أخطأ فيه المستشرقون قديمًا، ولا زالوا.
وليتهم عَدَّلوا أو غَيَّروا من نظرتهم للإسلام، ومن طريقتهم في فهم علومه، لكنهم لا زالوا على ما هم عليه في طريقة الفهم والدراسة للإسلام كله، ولعلوم القرآن خاصة.
يقول موراني في كلامه عن إدوارد سعيد: ((غير أنه قال كلمة حق ولم يرد بها الا الحق عندما زعم أنّ موقف المستشرقين لم يتغير في جوهره عن موقف أسلافهم , يعني بذلك في الدرجة الأولى موقف المستشرقين من النبي ومن القرآن . الاّ أنه أخطأ عندما زعم أن منهجية الأبحاث لم تتغير . انه كان عاجزا من أن يرى أن المنهجية والاقتراب من العلوم الاسلامية قد تغيّر كما تغيرت الأوضاع بظهور المصادر الجديدة التي لم يتناولها الأسلاف بسبب عدم وجودها في بداية القرن 20 م مثلا .
أما الموقف المبدئي من القرآن فهو لم يتغير)) [مستند رقم (5) السابق في المستندات المنشورة في موضوعي ((مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن...)) فليُنْظَر].
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2191
والمنهجية التي تغيرت في كلام موراني بالطبع ليست هي منهجية البحث أو الدراسة؛ لأنه لو تغيرت منهجية البحث أو الدراسة لديهم لتغيرت نظرياتهم أو أفكارهم أو نتائجهم أو بعضها على الأقل، لكن شيئًا من هذا لم يحدث بدليل قول موراني نفسه أن موقفهم ونظرتهم لم تتغير، فلزم من ذلك، وبناءً عليه أن يكون المُتَغَيِّر هنا منهجية أخرى غير منجهية البحث.. وهي منهجية تقديم الأفكار والتشويشات للمسلمين..
وبعبارة عامية ومثل عامي، فهم كشرطي المرور الذي قد يغير ملابسه صيفًا وشتاءً لتناسب ظروف الطقس، لكنه لم يغير وظيفته المرورية، ولا تخلَّى عن وظيفته، كما أن تغيير الملابس لا يعني تغيير الوظائف لأي شخصٍ..
فهذا هو ما تغير عندهم، أعني: شكل وإطار تقديم رؤيتهم المقلوبة، ونظرياتهم المعكوسة..
فبدلاً من المصادمة مع المسلمين مباشرة، لا مانع لديهم من تقديم رؤيتهم وتغليفها في ثوبٍ آخر أكثر قابلية، وهو ثوب البحث العلمي المزعوم، أو الدراسة العلمية المزعومة..
ولذا لا زال الاستشراق عاجزًا حتى الساعة عن فهم كثيرٍ من قضايا الإسلام..
ولنأخذ مثالاً قريبًا على ذلك في علوم القرآن، وخاصةً في ((الاعتماد على السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف)) في نقل القرآن الكريم.
الحفظ يستدعي الحرص على المحفوظ، ويستلزم دافعًا داخليًّا يؤدِّي إلى حفظِ المحفوظ.
ولا ينشأ الحفظ لمجرد إرادة الحفظ.
كما لا ينشأ الحفظ لمجرَّدِ أهمية المحفوظ؛ فقد يكون مهمًّا لدى بعض الناس دون بعضٍ، فيحفظه بعضُهم، ويتركه الآخرون.
فما الذي دفع الملايين من المسلمين إلى حفظ القرآن الكريم والعناية بنقله محفوظًا؟
هذا ما لا تعرفه النظرية المادية الغربية، بمادِّيَّتِها وحفريَّاتها الملموسة!!
لأنه (يعني: الْحِرْص على الْحِفْظِ) ينبع من إيمان المسلمين، وحُبِّهم للقرآن الكريم، وحِرْصِهم عليه، وعلى نقلِه وتبليغِه، تنفيذًا لأمر الله عز وجل لهم، ورجاءً لِمَا عند الله عز وجل من ثوابٍ على حفظِ القرآن وتبليغه.
ثم هو قبل هذا وبعده ينبع مِنْ وَعْد الله عز وجل بحفظِ كتابه الكريم..
والمراد في المثال المذكور هنا ((قضية الحرص على الحفظ)) يعني الدافع وراء حِرْصِ المسلمين على حِفْظ القرآن الكريم جيلاً بعد جيلٍ، وليس المراد الكلام عن أبعاد قضية نقل القرآن العلميَّة وكيف كانت؟ فهذه قضية أخرى وقد سبق الكلام فيها مفصلاً بحمد الله تعالى أثناء موضوعي الآخر: ((مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن...))..
وكل هذا ممَّا لا صلة للنظرية المادية الغربية بمعرفتِه، ولا بفهْمِه، من قريبٍ أو بعيدٍ.
نعم؛ لا تفهم النظرية المادية الغربية شيئًا عن الإيمان، ولا صِلَة لها بالعناية بالحفظ رجاء الثواب أو خشية العقاب؛ لأنها بعبارة وجيزة قد خلعت رباط الإيمان والدين من أعناقها من قديمٍ.
نعم؛ لم يَعُدْ للكنيسة أية سلطة روحية أو حتى مادية على أبنائها، كما فَقَدَ الحاخامات اليهود سلطتهم من قديمٍ.
كل هذا حصل من أول يومٍ دخل فيه التحريف والتزييف إلى التوراة والإنجيل، وذلك قبل الإسلام العظيم.
وشيئًا فشيئًا بدأت المسافة بين الدين والإيمان وبين الحياة اليهودية أو النصرانية تزداد، حتى صارت أبْعَدَ ممَّا بين المشرق والمغرب!!
ومن هنا وصل الغرب إلى ما هو عليه الآن بنظريَّتِه المادية المتغلغلة في كل أركانه، ضاربًا بالدين والإيمان عرض الحائط!!
بل وصارت محاولة العودة للدين أو لسلطة الحاخامات اليهود، أو الرهبان الكنسيين؛ تطرفًا عند الغرب نفسه.
نعم؛ هذا هو واقع الغرب من قديمٍ، وليس جديدًا عليه، ولا زال يحياه حتى الساعة، رغم الادِّعاءات الفارغة بالعناية بالأديان أو غير ذلك مما لا تُؤكِّده نظرية، ولا يؤيده دليل!!
وبناءً على هذا الانقلاب والفَصْل التَّعَسُّفِي بين الدين والحياة؛
وبناءً على تحكيم المادة في كل المجالات حتى في مجال العلم والبحث؛
وبناءً على اعتماد الحفريَّات في تلَقِّي علوم الماضي، وإثبات ما كان في الزمن القديم؛
بناءً على هذا كله: لم يَعُد بإمكان الرجل الغربي فَهْمَ القضايا القائمة على الإيمان، أو التي يكون أساسها الحرص الديني، تنفيذًا لأمر الله عز وجل، أو رجاءً في ثوابه المنتظر في الآخرة!!
ومن هنا لم يفهم المستشرقون معنى حِرْص المسلمين على حفظ القرآن الكريم، ولا عنايتهم بذلك.
كما لم يفهم المستشرقون كَثْرَة الحُفَّاظ من المسلمين.
فجاء المستشرقون هنا بقوانين ونظريات يمكن رصدها في أمرين:
1ـ التشكيك في قدرة الإنسان على حِفْظ القرآن بكامله، واحتمال الوهم والغلط على الإنسان في نقْلِه وحِفْظِه.
2ـ الكلام عن مخطوطات المصحف، بكل ما يحمله ذلك من لغطٍ استشراقيٍّ معروفٍ.
فلا هم فهموا قضية الْحِرْصِ على الحفظ بأبعادها المنهجية العلمية فضلاً عن فهم بأبعادها الإيمانية القلبية، ولا هم فهموا قضية المخطوطات بأبعادها العلميَّة.
خاصةً مع ما يعتري منهجهم في البحث من قصورٍ وخللٍ في أصوله وفروعه، بناءً على اعتماد المادة، وحُكْم المادة!!
وهذا يجرُّنا إلى الكلام عن ((نظرة المستشرقين للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم))...
المستشار سالم عبد الهادي
08-09-2005, 08:11 PM
نَظْرَةُ المستشرقين للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم
سبق وأشرتُ في موضوع ((مع المستشرق موراني حول تحقيق القرآن...)) لخلاصةِ ما ذكروه حول القرآن الكريم، وعلى رأسِهم نولدكه الذي زعم أن القرآن لم يصل كاملاً من جهةٍ، ثم عامَلَهُ كوثيقةٍ أدبيَّةٍ صارتْ في نظره ((دون)) التراث العربي القديم..
وجاء موراني مثلاً ففرض على نفسِه المتابعة والتقليد..
وقول نولدكه وموراني وغيرهما من المستشرقين ينطلق من رؤيتهم لبشرية القرآن الكريم، ولذا فهو في نظرهم لا يتجاوز أن يكون ((نصًّا)) أو ((وثيقة تاريخية ثمينة)) على حَدِّ تعبير موراني، ومن هنا درسه الكثيرون من المستشرقين في تأليفاتهم الخاصة بالأدب العربي، أو النصوص الأدبية، بل اعتبره نولدكه في كتابه ((ملاحظات نقدية حول الأسلوب والتركيب في القرآن)) ((دون)) الأدب العربي القديم..
THEODOR NOLDEKE. REMARQUES CRITIQUES SUR LE STYLE ET LA SYNTAXE DU CORAN PP: 5 ET 6 TRADUCTION DE G.H. BOUSQUET.
ويُعَلِّق موراني في آخر لقاء شبكة التفسير به على دراسات نولدكه؛ فيقول موراني: ((ومن هنا منطلق نولدكه العلمي في تأملاته في النص , وليس على أساس أَنَّه قرآن ، بل على أساسِ ما جاء فيه كنصٍّ , وهنا أعيد قولي حول مسألة تحقيق النص)).
فنولدكه لا ينطلق في دراساته من كون القرآن وحيًا، أو حتى من كونه قرآنًا، ولكنه ينطلق من كونه نصًّا أدبيًّا، بشريًّا، وليس وحيًا، ولا قرآنًا، ثم هو في نهاية المطاف لدى نولدكه قد صار دون التراث العربي القديم..
ويمكن صياغة ذلك بعبارة أخرى تؤدي الغرض: أن كلام الله قد صار لدى نولدكه دون كلام شعراء الجاهلية، والقرآن الذي هو كلام الله عز وجل قد صار دون الشِّعْر الجاهلي!!
وحتى هذه ((الحماقات الصبيانية)) التي أتى بها نولدكه فلم تكن من اختراعه، ولكنها كانت صياغةً أخرى ولمسات أخرى لقول كفار العرب قديمًا حين عادوا النبي صلى الله عليه وسلم ورموه بأنه شاعرٌ، وأنه يُعَلّمه بشرٌ..إلخ.
وهنا نقرأ قول الله عز وجل في القرآن الكريم: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118].
لكن لابد من لفتِ الانتباه إلى أمرين:
الأول: أن الكفار قديمًا قد رجعوا عن قولهم هذا، ودخلوا في دين الله عز وجل أفواجًا، بعد أن وصلت آيات الله عز وجل إلى قلوبهم، ولامست أفئدتهم، فرأوا من إعجازها وسموّها ما يقطع بأنها ليست بقول بشرٍ، إن هو إلا وحيٌ يُوحى..
الثاني: يرى بعض الباحثين أن نولدكه قد تراجع عن آرائه، أو تَنَكَّرَ لها في آخر أيامه، خاصةً بعد أن ترك أحد أشهر ما كتبه عن القرآن لغيره يُعَدّله، ويطبعه، ويكتب عليه اسمه بجوار مؤلفه الأصلي، ثم ينص على أنه قد عَدَّلَه تعديلاً تامًّا، فقام ((شفالي)) بهذا العمل..
ومع هذا فقد وصف نولدكه كتابه المشار إليه بأنه اشتمل على ((حماقات صبيانية)) وصرّح بجوانب ضعف دراساته هذه في مقدمة الطبعة الْمُعَدَّلة.. وقد مضى اقتباس بعض مقدمة نولدكه في موضعٍ سابقٍ.
وعلى الرغم من ذلك فلا يزال موراني يرى أن دراسات نولدكه (التي يراها نولدكه نفسه حماقات صبيانية، أو ضعيفة) يراها موراني ((دراسات معتمدة))!!
ويرى طائفة من المستشرقين أن القرآن مأخوذٌ عن اليهودية أو النصرانية، وفي هذا الصدد يقول المستشرق ((ويلتش)) في مادة ((قرآن)) من ((دائرة المعارف الإسلامية)) باللغة الفرنسية 1981م تحت عنوان ((محمد والقرآن)): ((هناك آيات مدنية كثيرة تشعرنا بأن محمدا كان يبحث بفعالية من أجل استقاء معلوماته عن اليهود))، يقول ((ويلتش)): ((وفي هذه المقاطع لا يصعب علينا أن نرى محمدا يأخذ قصصا ومعلومات من مصادر متعددة بخاصة من اليهود والنصارى ثم يعيد صياغة ذلك في القرآن)).
وفي هذا الصدد يقول موراني أيضًا في كلامه مع د.إبراهيم عوض، أثناء لقاء شبكة التفسير بموراني: ((تساؤلات الدكتور ابراهيم عوض
د. ابراهيم عوض المحترم وفقكم الله ,
في ختام مشاركتكم القيّمة تتساءلون :
أما الاحتمال الثالث الذى طرحه بعض المستشرقين، كالمستشرق الألمانى شولتس ناشر ديوان أمية، من أن النبى وأمية قد استقيا كلاهما من مصدر ثالث مشترك فهو احتمال ليس له رِجْلان يمشى عليهما، إذ أين ذلك المصدر المشترك؟ ولِمَ لَمْ يظهر طوال كل هاتيك القرون؟ وكيف وقع كل منهما عليه، وبينهما كل هذا البعد المكانى والنفسى؟
اسمحوا لي أن أوضّح في هذا الموضوع امرا قد تكون له أهمية في سياق البحث الذي يفرض نفسه في هذه القضية :
لم يقصد المستشرق Schulthess ناشر ديوان أمية بن أبي الصلت عام 1911 مصدرا ثالثا مشتركا بالمعنى أنه كان كتابا أو مصدرا مكتوبا على شكل من الأشكال , بل طرح هذا الاحتمال أنّ هذا (المصدر) هو مصدر فكري مشترك وهو فكرة التوحيد وما يتعلق به عند كلاهما النبي في وحيه والشاعر في شعره .
لا يشك أحد في وجود الحنيفية في جزيرة العرب في فجر الاسلام بل هو يعتبر من الوقائع التاريخية جاء ذكره في القرآن أيضا .
أما أمية فقال فيه النبي : آمن شعره وكفر قبله .
فقال أمية في النبي : أنا أعلم أنّ الحنيفية حق ولكن الشك يداخلني في محمد .
( فتح الباري , 7 , 153 الى 154 ).
ليس السؤال في محله عندما تقولون : أيهما أخذ من الآخر , بل يجوز أن نتأمل في هذا الشعر الذي منه الكثير في السيرة النبوية مثل شعر أبي عامر وشعر أبي قيس بن أسلت وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم لكي نبرز منه طبيعة الحنيفية ومفهومها لدي كل منهم حتى ولو لم يدخلوا في الاسلام .
هذا هو (المصدر الثالث ) ما يقصده شولتس : الاتجاهات الروحية في فجر الاسلام فلم يقصد بكلامه نقل مفردات من الشعر الى الوحي أو من الوحي الى الشعر لدى من اتبع الحنيفية على جزيرة العرب .
فعندما لا يشك اثنان في صحة النص القرآني فلنا أيضا ألا نشك في صحة هذه الأبيات لهؤلاء الشعراء .
الـدكتور م . مــورانـي
مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا)).http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=3363
وأقتصر من كلام موراني على أمرين:
الأول: أنه يضع القرآن الكريم مع شعر الشعراء في درجةٍ واحدةٍ، بحيثُ يقول: ((فعندما لا يشك اثنان في صحة النص القرآني فلنا أيضا ألا نشك في صحة هذه الأبيات لهؤلاء الشعراء)).
وهذا باطلٌ قطعًا؛ لأنه لا قيمة لكلام أحدٍ من الناس في مقابل كلام الله عز وجل..
ولكنه لا حرج فيه عند موراني؛ لأنه لا ينطلق في كلامه من كون القرآن وحيًا، وإنما غايته أن يكون ـ كما زعم موراني ـ ((وثيقة تاريخية ثمينة)).
ولكن موراني أحسن حالاً في التَّهافُتِ من نولدكه لأنَّهُ ساوى بين القرآن الكريم وبين شِعْر هؤلاء الشعراء، بخلاف نولدكه الذي جعل شعر هؤلاء وتراث العرب الأدبي أعلى من القرآن الكريم، ورأى أن في القرآن الكريم ظواهر لغوية متناقضة، بخلاف شعر العرب وتراثهم الشِّعْري!!
ومع هذا فكلا قولي نولدكه وموراني باطلٌ قطعًا، بل لا يتجاوز أن يكون ((حماقات صبيانية)) على حَدِّ عبارة نولدكه نفسه في وصفِ كتابه!!
الثاني: أن موراني يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تأثر بالحنيفية، وهذا هو المصدر الثالث المشترك بين النبي صلى الله عليه وسلم في وَحْيه وبين الشاعر في شِعْرِه حسبما يرى موراني، ولذا فالحنيفية ((هو مصدر فكري مشترك، هو فكرة التوحيد، وما يتعلق به عند كلاهما النبي في وحيه والشاعر في شِعْرِه)) هكذا عبارة موراني..
فالتأثير الفكري السائد آنذاك قد تأثر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن لا ننكر أن الإنسان ابنٌ لبيئتِه، ولا نُنْكِر تأثير البيئة في فِكْر الإنسان، لكن موراني يرى أن هذا التأثير قد امتدَّ إلى ((النبي في وحيه)).
فالتأثير الفكري في نظر موراني هنا قد امتدَّ إلى الوحي، وهذا يعني بعبارة مختصرة: أن ثمة ما أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في الوحي مما ليس من الوحي، ولكنه أدخَلَه في زعم موراني بناءً على التأثير الفِكْري السائد آنذاك وهو الحنيفية في عبارة موراني هنا..
ولم تكن الحنيفية هي كل شيءٍ عند موراني، ولكنه يرى أيضًا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد تأثَّرَ بأمورٍ أخرى غير الحنيفية، وهي اليهودية أو النصرانية، كما يرى ذلك طائفة من المستشرقين، وسبق نقل كلام ((ويلتش)) في هذا الصدد..
وفي هذا يقول موراني أثناء كلامه عن الاستشراق:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=3015&page=2&pp=15
((عندما ننظر الى الحضارة الإسلامية بعد الانتشار السريع والمذهل للإسلام ديانة جديدة من الحجاز إلى بلاد الشام والعرق ومصر خلال ما يقل عن 30 سنة من التأريخ فلا بد أن نعترف بالحقيقة أن لقاء الحضارات والمجتمعات المختلفة بعضها ببعض لم يتم بغير تأثير متبادل , فمن هنا للإسلام وجوه حتى الى يومنا هذا , أم لا يرى المرء المتأمل آثارا فارسيا وهنديا وغيرها في الحضارة العربية ؟
لقد قلتم :
الإسلام مزيج ثقافي مستعار من عدة ثقافات أخرى يهودية ونصرانية، يونانية وفارسية , كما جاء ذلك على لسان الاستشراق .
ربما كانت العبارة ( مستعار) في غير موضعها . قد يكون من المستحسن أن يقال أنّ الأديان التوحيدية تكمن فيها جميعا عناصر متشابهة وأصول تجمع بين هذه الأديان , وهي فكرة التوحيد . لا أحد يزعم حسب علمي أنّ الاسلام لا ذاتية أصلية له كما لا أحد يزعم أنّ جميع العناصر والأفكار الاخلاقية (مستعارة) من غيره .
ومن يزعم أن الاسلام دينا وحضارة قد نشأ في فراغ بغير علاقة بما حوله من البيئة فتجاهل الوقائع التأريخة المسلّم بها في حضارة البشرية .
الـدكتور م . مــورانـي
مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا)).
نخلص من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لدى المستشرقين لم يكن أمينًا على الوحي، ولكنه زاد فيه ونقص بناءً على التأثيرات الخارجية، سواء أكانت هذه التأثيرات هي اليهودية والنصرانية حسبما يراه طائفة كبيرة من المستشرقين، ومنهم ((ويلتش)) و((موراني)) كما سبق، أو هي الحنيفية حسبما فسَّرها موراني في بعض كلامه السابق مثلاً..
فالنهاية لدى الجميع واحدة، والخيط المشترك بينهم واحدٌ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أمينًا على الرسالة، فزاد فيها ونقص، ولزامًا لهذا لابد أن يكون في الإسلام وقواعده وأسسه والتي من أهمها القرآن الكريم، لابد بناءً على هذا التصوُّر الاستشراقي المتهافت، لابد أن يكون هناك أمورًا بشريةً، لم يرد بها الوحي، ولكن زادها النبي صلى الله عليه وسلم من عنديَّاته اعتمادًا في نظر موراني ونظرائه على اليهودية أو النصرانية أو الحنيفية أو التأثيرات الخارجية.
وذلك كله مبنيٌّ على تعريف المستشرقين للنبوة، والنبي، وقد ذكره موراني في موضعٍ آخر في التعليق على موضوع ((تحقيق القرآن))؛ فقال: ((النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية معبرا عن ايمانه بخالق الكون هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه . يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل . يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر)).
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?t=2208&page=7&pp=15
وبهذا التفسير الغريب، والتعريف الأغرب لن يبقَ على وجه الأرض لا دين ولا حقيقة ولا عِلْم، ولن تكون هناك مصداقية أو ثقة في أي قاعدة من القواعد، ولا في أي كلام..
لأنه تعريف موراني (والذي هو خلاصة تعريف المستشرقين) للنبي يعني بعبارة مختصرة أن النبي هو ((مؤسس)) ((بتصوراته)) ((معبرًا عن إيمانه)) ((هادفًا إلى تغيير)) ((يرى نفسه وسيطًا))..
فلا مجال في كلام موراني للكلام عن تكليف إيماني، كما أنه لا مجال لديه لأية صلة إيمانية أو حتى علميَّة يمكن الاستناد إليها لإثبات نبوة الأنبياء..
فهم بشر قاموا بحركات بناءً على تصورات لهم بغرض تغيير أساليب واقع معين عاشوا فيه، وتعبيرًا عمَّا بداخلهم هم، وفي نفس الوقت فهم يرون أنفسهم وسطاء بين الخالق وبين البشر..
فالأمر بشريٌّ بحت، لا مجال فيه لروحٍ أو إيمانٍ أو حتى علم أو قواعد علمية، أو منهجية..
فالأمر على حدِّ قول موراني في مناسبةٍ أخرى (وستأتي عبارته بنصها كاملة في مقالٍ لاحقٍ) حيث يقول: ((الباحث لا يهتم بالخالق ولا بصفاته))..
وهذا هو النتاج الطبيعي الذي حصل بعد فصل الدين عن الدولة في أوروبا، وتحطيم سلطة الكنيسة، وعزلها عن أداء دورها.. خاصةً بعد ارتفاع لهجة ((التجديد الديني)) داخل الكنيسة البروتستانتية الغربية (ذكر موراني في بعض رسائله أنه نشأ في البروتستانتية، كما في رسائله الخاصة التي نشرها في التعليق على هذا الموضوع).
وخلاصة دعوى ((التجديد الديني)) داخل الكنيسة البروتستانتية تتمثل في التملُّص من سلطة رجال الكنيسة، سواء في فهم الدين، أو في دراسة ((الإنجيل))!!
فأراد القوم تصدير هذا التِّيه والضياع الذي عندهم إلى عالمنا العربي والإسلامي..
وهنا نقرأ قول الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].
أما نحنُ فنعلم يقينًا من وقائع التاريخ الثابتة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمينًا صادقًا معروفًا بذلك بين قومه وعشيرته، حتى أنهم حين خالفه مَنْ خالفه منهم، وكفروا به، واتهموه بشتَّى التهم؛ قد اعترفوا في الوقت نفسه بصدْقِه وأمانته، ولم يجادلوا في ذلك أبدًا، ولا أنكروه..
فما اتَّهَمَهُ الكفار آنذاك بالخيانة ولا بالكذب، رغم العداء المستمر بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم، بل جمعوا له الجموع، وحرضوا عليه القبائل، وحضروا إليه بخيلهم ورَجِلِهم من كل حدبٍ وصوبٍ، قاصدين إلى استئصاله والقضاء على الدين الجديد، ورغم هذا كله لم يتهموه بكذبٍ أو خيانةٍ قطٍ، بل أقرُّوا له بالصدق، وأسموه الصادق، واعترفوا له بالأمانة، ووسموه بالأمين، صلى الله عليه وسلم..
ثم نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ليؤَكِّد هذه اتّصافه بهذه الخصال الشريفة، والمعاني الجليلة، وأنه قد جمع أحسن الأخلاق وأزكاها وأعلاها..
ونعلم أيضًا من قواطع الْمِلَّة، ومحكمات النصوص القرآنية والنبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يُوحَى..
ونعلم أنَّ الله عز وجل قد عصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم من كل شائبة نسيانٍ أو وهمٍ في أمور الشريعة، بل مُبَرَّأٌ من كل نسيان وسهوٍ فيما يخص الدين، قرآنًا وسنةً، تشريعًا وأخلاقًا وعبادةً وسلوكًا..
فالدين محفوظٌ بحِفْظِ الله له ولأساسيَّاتِه وقواعده..
نعلم هذا عِلْم اليقين ونقطع به من خلال أدلتِه الثابتة الراسخة رسوخ الجبال الرواسي..
وقد مضى في أكثر من موضعٍ في هذا الموضوع ما يدل على صِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلَّغَ وبراءته من وصمة السهو أو النسيان للوحي أو بعضه، وبه نكتفي عن التّكرار والإعادة..
كما نعلم يقينًا أن لكلِّ مقدمةٍ نتيجةٌ، ولا مقدِّمة بلا نتيجة أبدًا، بل هو ضربٌ من الخيال والمستحيل أن يزعم بعضهم مُقدِّمَة بلا نتيجة..
فالكلام الذي هو مُقَدِّمة يتبعه صوتٌ للكلام إن كان لفظًا، أو كتابة له إن كان خطًّا وكتابةً، وينتج عن الصوت أن يكون مسموعًا، ولو للشخص نفسه، كما ينتج عن الكتابة أن يكون مقروءًا..
كما ينتج عن هذا وذاك أن يكون الشخص متحمِّلاً لتَبِعَةِ كلامه ونتائجه، إِنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر..
ثم نعلم يقينًا أنه إذا أرسل الله عز وجل نبيًّا إلى أهل الأرض فقد ألزمهم باتِّباعه وطاعته فيما يأمرهم به وينهاهم عنه؛ لأن النبيَّ مُبَلِّغٌ عن الله، يبلغهم ما أُرْسِلَ به إليهم، فتجب عليهم طاعته فيما يأمر وينهى، ولابد لهم من ذلك..
ولو لم تكن طاعة الأنبياء لازمةٌ لأهل الأرض، والإيمان بهم واجبٌ على مَنْ بلغه خبرهم؛ لما كان لإرسالهم معنًى، ولكان إرسالهم عبثًا ولغوًا يَتَنَزَّه عنه عقلاء البشر، فكيف بربِّ البشر سبحانه وتعالى؟!
ولو عَلِمَ مَلِكٌ مِن ملوك الدنيا أَنَّ رُسُلَه إلى نظيرٍ له ستُهَان ويُرْفَضُ ما يذهبون به لما أرسلَهم أصلاً، فكيف إذا أرسلهم مرةً فَرُفِضُوا، ثم أرسلهم ثانيةً فرُفِضُوا، وثالثةً ورابعةً؟!
فهل يكون هذا في نظرِ عقلاءِ البشر إلا سفهًا وطيشًا مِنْ هذا الْمَلِكِ الأرضي الدُّنْيَوِيّ؟!!
فكيف يُعْتَقَدُ هذا في حقِّ أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى؟!
وهذا وإِنْ كان مستغربًا مستعظمًا لدى عقلاء البشر؛ لكنَّه ليس مستعظمًا ولا مستغربًا لدى موراني ونظرائه من أولئك الذين ساروا مع تيار ((التجديد الديني)) في الكنيسة البروتستانتية، وحاصله التملُّص من سلطان الكنيسة، ورفض سلطتها، سواءٌ في فهم الدين، أو في دراسة الإنجيل، أو في طريقة السلوك، وغير ذلك..
وهذا التيار له أسبابه ونتائجه، والتي منها مثلاً استغراق الكنيسة في زعوماتها حول إلهية الإنجيل في الوقت الذي تؤكد فيه مقدِّمات الأناجيل وخواتيمها أنها كتب ورسائل بشرية، كتبها أصحابها لأُناسٍ بأعيانهم، وقد مضى بيان ذلك في الكلام عن الإنجيل من موضوعي ((مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن...))، ومضى فيه أيضًا قول موراني: ((لا يعتبر الباحث الانجيل (مثلا) كتابا مقدسا في الأبحاث الموضوعية اذ ان اعتبره مقدسا أو حتى وحيا فارق ميدان الموضوعية في البحث . وكيف يعتبره وحيا عندما يجد في بداية كل كتاب فيه اسم مؤلفه الذين نشؤوا ما بين 60 الي110 عام بعد نشاط عيسى ! النظرة التأريخية شيء ونظرية الكنيسة وتعاليمها شيء آخر تماما)).
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=3015&page=2&pp=15
وهذا الانقسام الجذري في النصرانية، ومثله ما جرى في اليهودية أيضًا؛ قد ألقى بظلاله على الدراسات الغربية والدارسين الغربيين، ومن هنا وشيئًا فشيئًا صار أنبياء الله ورسله في نظر موراني ونظرائه رجال إصلاحٍ، يزعمون أن الله أرسلهم، وليس على البشر الطاعة لهم، ولا يلزم أحدًا من الناس السماع للأنبياء، ولا الائتمار بأمرهم أو الانتهاء عمَّا نهوا عنه..
هكذا باختصار دارتْ الرَّحَى داخل الكنيسة، وهكذا يريدون تصديرها إلى العالم الإسلامي والعربي..
وإلى لقاءٍ آخر جديدٍ إن شاء الله تعالى.......
المستشار سالم عبد الهادي
08-15-2005, 07:02 PM
عِلْمُ الوَسَائِطِ وشَهَادَة الزُّورِ
شهادةُ الزُّور مُحَرَّمَةٌ في كافَّةِ الشرائع السماوية التي امتَنَّ بها سبحانه وتعالى على بني البشر، ثم هي مُجَرَّمَةٌ أيضًا لدى كافة القوانين الوضعية، ويرى فقهاء القانون في مختلف دساتير العالم وقوانينه معاملة
شهادة الزور على أنها إحدى الجرائم التَّابعة لشُعْبَةِ الجنايات، وليست جريمةً مَدَنِيَّةً، وأقَلّ أحوالها في بعض الدول أنْ تكون ((جُنْحَةً)) على حَدِّ تعبير القانونيين..
وما ارتَكَبَه الاستشراق وأكثر المستشرقون في حقِّ الإسلام يُعَدُّ ((جريمة جنائية)) ثابتة الأركان، مُحْكَمة المباني، توفَّر فيها ((القصد الجنائي)) مع ((الإصرار والتَّرَصُّدِ)).
لماذا؟
لأَنَّنا نعرف في تعريف شهادة الزور، أنها تلك الشهادة التي أَدْلَى بها بعضهم على فردٍ أو جماعةٍ من الناس، أو حتى على فكْرَةٍ مِن الأفكار، أو مذهبٍ، فضلاً عن دينٍ سماويٍّ، ولكن بشرط توفُّر ركن مخالفة
هذه الشهادة للواقع، مع إصرار الشاهد على شهادتِه، وتَعَمُّدِه لها، حال كونه بالغًا عاقلاً مسئولاً عن تصرُّفاته..
وهذا بعينه ما تَحَقَّقَ في ((قضية الاستشراق)).
نشأةُ شهادةِ الزُّورِ؟
وتنشأ شهادةُ الزُّور في حمأةِ التزييف والتزوير، ولباس التدليس والكذب، حيثُ يُدْلِي الشَّاهِد بما يخالف حقيقةً رآها، أو يزعمُ شيئًا لم يره ولم يكن موجودًا حال وقوعه..
ولذا فإِنْ أقوى دوافع شهادة الزُّور أن يُثْبِتَ المشهود عليه أنَّهُ لم يكن موجودًا حال وقوع الجريمةِ، أو لم يكن موجودًا في مسرحِ الأحداثِ التي شهدَتْ بها شهادةُ الزُّور..
وهذا الدفاع الْمَحْكَمِيُّ القانوني هو عينه نفس الدِّفاع الذي يَدْفع به الإسلام شهادة الزُّور التي ارتكبها الاستشراق في حَقِّه..
لأَنَّ الإسلام لم يكن موجودًا حال وقوع جريمة الاستشراق..
نعم؛ أيها القُرَّاء الكرام، لم يكن الإسلام موجودًا حال دراسة الاستشراق للإسلام، وإنما درسوا إسلامًا آخر مشوَّهًا غير إسلامنا الناصع البياض!!
درسوا إسلامًا تَرْجَمُوه هُم دون وعيٍ أو فَهْمٍ حتى صارَتْ ((سِنَةٌ)) إلى ((سَنَةٍ))!!
وتلك كارثةٌ مِن ذات العيار الثقيل، أو هي مِن كوارثِ الدَّمار الشَّامِلِ تماشيًا مع المصطلح العصري المشهور في وسائل الإعلام!!
إذا رجعنا مثلاً إلى ((لسان العرب)) لابن منظور (أحد كتب لغة العرب) وفي مادة ((وسن)) سنرى ما نصه هناك: ((قال الله تعالى: (لا تأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ)؛ أَي: لا يأْخذه نُعاسٌ ولا نوم، وتأْويله أَنه لا يَغْفُل عن تدبير أَمر الخلق تعالى وتَقَدَّسَ، والسِّنَةُ: النُّعَاس من غير نومٍ، ورجل وَسْنانُ ونَعْسانُ بِمَعْنًى واحدٍ))أهـ
هكذا كانت الآية الكريمة من سورة البقرة، وهكذا فَسَّرَ ((لسان العرب)) معنى ((سِنَة)) في لغة العرب..
لكنَّا إذا رجعنا لعددٍ مِنْ تراجم القرآن الكريم بالإنجليزية أو الأسبانية وحتى الفرنسية فسنرى فيها النص وقد تحوَّلَ إلى ((سَنَةٍ)) مِنْ السَّنَةِ الزمانية، يعني: عامًا من أعوام الزمان، فصار النصّ على هذا: ((لا تأخذه سَنَةٌ)) أي: لا يأخذُهُ عامٌ!!
كذا حصل في ثلاث نسخٍ مترجمةٍ أمامنا الآن، ولا عِلْم لي هل أُصْلِحَ هذا في ترجماتٍ أخرى أم لا؟!
هذه الترجمات الثلاث، وربما تبعها غيرها، لاشك أنه قد وقَفَ عليها كثيرٌ مِنْ الغربيين، وربما وقعت أعينهم أو بعضهم على هذا الموضع، فإِنْ لم يأذنِ الله لمن يراه بتجاوزه إلى غيره فلك حينئذٍ أن تتصوَّرَ نتائجه على القارئ الغربي العادي، فضلاً إذا كان مستشرقًا يتصيَّد ما يمكن أنْ يكون شُبْهَةً أو يصلح لأَنْ يُسَمِّيه خطأً أو ينفذ مِنْ خلاله!!
ونحن بطبيعة الحال نعلم يقينًا أَنَّ القرآن لم يكن موجودًا في هذه الحالة، وأَنَّ الشهادة على الإسلام مِن مِثْلِ هذا النصِّ المترجم مقلوبًا مُحَرَّفًا تُعَدُّ بلا أدنى ريبٍ شهادة زُورٍ!!
لأنها شهادةٌ على غير الإسلام وعلى غير القرآن، فإِنَّ الذي في القرآن مخالفٌ تمامًا لهذه الترجمة المعكوسة المغلوطة شكلاً ومضمونًا..
فالقرآن ثم الإسلام براءٌ مِنْ هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب!!
وهنا نقطع أن القرآن ثم الإسلام لم يحضرا مسرح الجريمة، ولا كانا فيه وقت وقوعها، وعلى الشَّاهِدِ أَنْ يُعاقَبَ على جنايةِ شهادة الزور التي ارتكبها حين تكلم عن القرآن والإسلام بناءً على ترجمةٍ مغلوطةٍ لا ذنب للقرآن ولا للإسلام فيها!!
والاستشراق يعتمد على ترجمات القرآن وترجمات كتب الإسلام بنسبةٍ تكاد تصل المائة بالمائة إلا نادرًا جدًا، ولذا تراه عاجزًا عن فهم أساليب القرآن، أو حتى فهم كلام علماء الإسلام على وجهه الصحيح في لغة العرب؛ لأن اعتماد أكثر المستشرقين على الترجمات لا على لغة العرب ومنابع الإسلام المباشرة.
وفي هذا يقول المستشرق ((بلاشير)) في كتاب ((القرآن نزوله وتدوينه..)) ص 20: ((وقد أتيح للعالم الأوروبي خلال ثلاثة قرون من الزمن وبفضل هذه التراجم أن يفكر بأنه قد ملك المفتاح لحديقة سرية كان يحلم بدخولها)).
لكن ألم يسأل بلاشير نفسه: أي دخولٍ هذا الذي يزعمه؟!
إنه دخولٌ من النافذةِ، وتسَوُّرٌ على حائط الإسلام..
أما دخول علوم الإسلام وفهمها بناءً على ترجمات بعض أو حتى كل كتب الإسلام فهذا مما يقطع العاقل وغير العاقل باستحالته، بل يقطع بذلك حتى الجن والشجر والحجر لو أَذِنَ الله لها أَنْ تتكلَّمَ!!
والمثال المذكور آنفًا أقرب دليلٍ على استحالةِ فَهْمِ الإسلام إلا بقواعد وأصول البحث والفَهْمِ الإسلامية، وعلى رأسِها: مَعْرِفَة لُغة العرب، والتي لا زالتْ تقف صدًّا منيعًا تفضح هؤلاء المستشرقين،
وتُصِرّ على جَهْلِهِم بها، فضلاً عن جهْلِهِم بباقي علومِ الإسلامِ!!
ولننظر في هذا النص أيضًا:
في كتاب ((تراث الإسلام)) لشاخت وغيره، والذي تُرْجِم بواسطة فريق عمل بمراجعة د.فؤاد زكريا، نرى في أول فصوله ص 47 النص الآتي بقلم مكسيم رودنسون: ((اقترح خوان دي سيغوفيا juan of segovia (حوالي 1400 - 1458) سلسلة من المؤتمرات مع الفقهاء المسلمين، وأكد أن تلك الطريقة مفيدة حتى لو لم تؤدِّ إلى جعل المتنازعين
يغيرون دينهم، وقام بترجمة للقرآن (والترجمة مفقودة الآن) حاول فيها تفادي الخطأ الذي حصل في ترجمات كلونياك cluniac، في تغيير المعنى الأصلي بملاءمته مع المفاهيم اللاتينية))أهـ
فأين القرآن هنا؟
لاشك أنه ليس موجودًا؛ لأن الموجود هنا في ترجمته ((تغيير المعنى الأصلي بملاءمته مع المفاهيم اللاتينية))..
فالموجود معنًى آخر ليلاءم المفاهيم اللاتينية، وليست ترجمةً حَرْفِيَّة!!
فالذي هنا على الحقيقة هو ((المفاهيم اللاتينية))، ومَنْ زعم وجود القرآن هنا، أو دَرَسَهُ بناءً على مِثْل هذه الترجمات المزيَّفة الْمُحرَّفة فقد شهد الزور، واستحق المحاكمة بجناية ((خيانة الأمانة))..
نعم؛ لأنه خان أمانة البحث وشرف المصداقية، فبحث في غير القرآن ثم زعم أن نتائجه تنطبق على القرآن الكريم!!
ولننظر هنا أيضًا:
حيثُ تكلم المستشرق ((كلود كايو)) عن ((تفسير القرآن)) في ((دائرة المعارف الكونية 1990م)) وعقد مبحثًا للكلام عن ((تشكيل متن القرآن)) ذهب فيه إلى: ((أن المصحف تشكل من آراء الفقهاء)).
لكنه حين ذهب ليستدل لكلامه لم يجد دليلاً على هذا الهراء سوى آراء وأقوال جماعة من نظرائه المستشرقين الموافقين له في كلامه وفِكْرته؛ لأنه لم يدرس العربية، ولا يقدر على فهمها، ولذا لم يدرس الإسلام من منابعه الأصيلة، وإنما ردَّدَ كلامًا عليلاً قاله أبناء جنسه مِمَّنْ لا يحسن قراءة حرفين بالعربية، واعتمد على كُتُبِهم البعيدة كل البُعْدِ عن الإسلام..
ومع هذا رأينا ((كلود كايو)) يتبجَّح في آخر المطاف فيزعم أن القرآن ((نصٌّ لم يتم الانتهاء من جَمْعِه قبل القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي))!!
سبق في موضوعي الآخر ((مع المستشرق موراني حول تحقيق القرآن...)) أن رددتُ هذا الهراء المثار حول القرآن وجمعه وتدوينه، ولا زلتُ أُتابع هناك، ويمكن للقراء الكرام الرجوع إليه..
لكن لنا أن نسأل هنا: ألم يعلم ((كلود كايو)) وأمثاله عن كتابٍ اسمه ((صحيح البخاري)) مثلاً؟
فإذا لم يسمعوا به رغم أهميته لدى المسلمين، ورغم أنه أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل لدى المسلمين، فإذا لم يسمعوا به رغم هذه المكانة المرموقة له، فهم أجهل مِنْ أن يكتبوا حرفًا واحدًا عن الإسلامِ العظيم!!
وكذا إذا سمعوا به ولم تكن لديهم المقدرة على استخراج الأدلة منه، أو الاستفادة من نصوصه!!
ولاشك أنَّ هذا أهون بكثيرٍ مِن زعمهم السماع به والمقدرة على الاستفادة منه؛ لأنه قد اشتمل على ما يخالف نتائجهم المعكوسة مخالفةً تامَّةً، على ما ذكرتُه ونقلتُه مِنه في موضوعي الآخر ((مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن...))..
ومعنى مخالفة ما فيه لما ذكروه تمامًا أنهم إِمَّا لم يسمعوا به فهم جهلة، والجاهل لا تصح له الكتابة، أبدًا، وإِمَّا أنهم رأوا ما فيه وعرفوه لكنَّهم أخفوا الحقائق وخانوا شرف البحث العلمي ومصداقية الكلمة، والخائن لا تُقْبَل له شهادة أبدًا، ولا أمانة ولا مصداقية له، وتُردُّ عليه أقواله شكلاً ومضمونًا، ثم قبل ذلك وبعده يُقَدَّم للمحاكمة بجناية ((خيانةِ الأمانةِ))!!
لكنَّا نقول:
نتيجةُ البحثِ في الشيءِ فرعٌ عن تَصَوُّرِه، هكذا يُقَرِّرُ الْمَعْنِيُّون بتقعيدِ علوم البحثِ وتهذيبها، وهكذا اتفق عليه عقلاء الناس، وذلك بعبارةٍ موجزةٍ يعني أَنَّ النتيجة التي يُنْتِجها البحثُ هي بنتٌ للمقدِّمةِ، أو بعبارةٍ أخرى فإِنَّ النتيجة هي الثمرة التي يجنيها الباحث بناءً على مُقَدِّماتِه وتصوُّراته عن الشيء المبحوث فيه..
وهذا يجرُّنا إلى أن نقول: إِنَّ مُقَدِّمَات البحث الجاد والنزيه تنبني على توفير مادة البحث..
بعبارةٍ أخرى: لا بحث دون أن يكون هناك مادة نبحث فيها، هكذا اتَّفق عقلاء البشر، فالبحث يقتضي مبحوثًا فيه، والنتيجة تقتضي مُقدِّمة وبراهين وأدلة..
وما دام الاستشراق يبحث في الإسلام فكان عليه أن يسلك طرق البحث العلمي التي اتفق عقلاء البشر عليها، وأهمها الرجوع إلى لغة الإسلام وكتب الإسلام..
فالبحث في الإسلام لا يكون إلا في الإسلام.. ولن يكون في كتبٍ مترجمة.. أو ترجماتٍ للقرآن.. كما لن يكون في وسائط لا تُقِيم نفسها، فكيف تُقِيم غيرها؟!!
وانظر ما جناه الغرب من جراء جهله بالإسلام في هذا النص:
ننقل أيضًا مِنْ كتاب ((تراث الإسلام)) لشاخت وغيره، (الترجمة العربية) ص76 النص الآتي بقلم مكسيم رودنسون: ((هذه الثورة في التفكير جعلت التقييم المسيحي (لمحمد) (ص) مسألة حساسة. فلم يعد بإمكانهم الزعم (الكاذب) بأنه (محتال شيطاني) كما كان عليه الحال في العصور الوسطى... وفي الوقت الذي نجد فيه معظم المفكرين المسيحيين الذين يهتمون بالمشكلة يعلقون الحكم بحذر، فإننا نجد بعض الكاثوليك المتخصصين بالإسلام يعتبرونه (عبقريا دينيا)، بل يذهب بعضهم الآخر أبعد من ذلك، فأصبحوا يتساءلون عما إذا لم يكن بالإمكان اعتباره، بطريقة ما، نبيا حقيقيا، ما دام القديس توما الأكويني st.thomas aquinas يقول بالنبوة التوجيهية التي لا تعني بالضرورة العصمة والكمال))أهـ
وهذا التخبُّط في النَّظَر إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ يشي لك بجهل الغرب بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، ويوقفنا على مدى الجهل العلمي الذي يعيشه الغرب تجاه إسلامنا..
وسيبقى الغرب على حاله ما دام يستقي معلوماته عن الإسلام مِنْ غَيْرِ الإسلام!!
وننظر في أَثَرِ ذلك كله مِنْ خلال هذا النص الآخر الذي كتبَه رودنسون أيضًا (المرجع السابق) حيثُ يقول: ((ولقد أَثَّرَت نسبية المعتقدات في المفكرين والجمهور المثقف قبل العلماء. لكن الجو الذي خلقته فتح الأبواب لهؤلاء الأخيرين، بحيث استطاع مَن كان يجذبهم اهتمامٌ شخصيٌّ بالغ إلى الشرق الإسلامي أن يعملوا دونما أي عائقٍ، وقد استفاد ب.دربلو B.D.Herbelot من المواد الكثيرة المتراكمة فكتب كتابه (المكتبة الشرقية) Bibliotheque Orientale (الذي نشره جالان Gallandبعد وفاته عام 1697) وهو أول محاولة لكتابة موسوعة للإسلام.
وأسهم ب.جالان بشكل حاسم في تقوية التذوق لكل ما هو شرقي حين نشر، في بداية القرن الثامن عشر، ترجمةً لكتاب ألف ليلة وليلة (Arabian Nights) (1704- 1717)، الذي سيصبح تأثيره بالغًا. فمنذ ذلك الحين لم يَعُد أحدٌ ينظر إلى الإسلام على أنه أرض أعداء المسيح، بل أصبح بصورةٍ أساسية حضارة غريبة ورائعة موجودة في جو خيالي فيه الجن والعصاة مِنْ أخيار وأشرار -وكل هذا كان يبهج القراء الذين كانوا مِن قبلُ يُبدون تعلُّقًا شديدًا بقصص الجان الأوروبية))أهـ
وهذا كله يُبْرز لنا أثر دراسة الإسلام من خلال الكتب المترجمة، وكيف أنهم حتى الساعة لم يدرسوه، ولم يعانوا تحليله عِلْميًّا من خلال نصوصه وأصوله، لا من خلال ما يُنسب للمسلمين، أو ما اشتهر في بلادهم من كتب الخرافات والجان والأكاذيب، أو من تلك الكتب التي يمكن تسميتها بـ ((مجمع المنكرات))، على وتيرة ((ألف ليلة وليلة)) و((الأغاني)) للأصبهاني، وغيرهما..
وهذه النوعية من الكتب هي التي عُنِي الاستشراق قديمًا وحديثًا بترجمتها!!
وهذا يَشِي لنا بأن تحريفَ وتغييرَ نظرةِ الغرب أو غير المسلمين للإسلام مُتَعَمَّدةٌ ومقصودةٌ، وليست وليدة موقفٍ فرديٍّ، أو تصرُّفٍ شخصيٍّ!!
ومنه يتضح للقراء الكرام السبب في عناية المستشرقين بترجمة كتب الباطنية أو نحوها من كتب الفِرَق الضالة التي لا تُمَثِّل الإسلام لا شكلاً ولا مضمونًا..
ثم هي قبل ذلك وبعده لا تُقَدِّم صورة الإسلام كما هو، ولا قريبًا من صورته، ولذا فالدراسات القائمة على هذه الكتب، أو النظرة المتولِّدة لدى الغرب بناءً على هذه الكتب؛ لاشك أن شيئًا مِنْ ذلك كله لا يمت للإسلام بصلةٍ، ولا يُمَثِّل الإسلام من قريبٍ أو بعيدٍ..
فلم يَجْنِ الغرب من وراء ذلك إلا مزيدًا من الجهل بالإسلام وبعلوم الإسلام!!
وسيبقى الغرب على حاله ما دام يستقي معلوماته عن الإسلام مِنْ غَيْرِ الإسلام!!
وهذا كله يفضح ((شهادة الزُّور)) التي تُكْتَبُ عن الإسلام بناءً على هذه الترجمات المشار إليها؛ لأنَّا نعلم يقينًا أَنَّ الإسلام الصحيح لم يكن موجودًا بين سطور ((ألف ليلة وليلة)) مثلاً..
فالشاهد عليه من خلال ((الأغاني)) للأصفاني، أو ((ألف ليلة وليلة))، هو بمثابة ((الشاهد على ما لم يَرَ ولم يسمع))؛ لأنَّه لم يشهد عليه من خلال أصوله المعتمدة الموثوقة، ولا من خلال نصوصه الثابتة القطعية..
ثم الترجمات المحرَّفة المعنى للقرآن وأصول الإسلام الأخرى تقف حجرًا آخر منيعًا أمام محاولةِ دراسة الإسلام بناءً على هذه الترجمات المعكوسة..
ومما يؤسف له أن نجد الكثرة الغالبة من الترجمات على هذه الشَّاكلة، ونادرًا ما تقف على ترجمةٍ تُرْضيك ولو بنسبةٍ ما، قَلَّتْ أم كَثُرَتْ!!
وأَيًّا ما كان الأمر فالإسلام لم يحضر في هذا كله، ولم يشهد الجريمة ولا عاينها!!
وعلى مَنْ أراد دراسة الإسلام أن يتعلَّمَ الإسلام بالطرق الشرعية الثابتة لدى أهل الإسلام أنفسهم، ثم ليدرس الإسلام عن وعيٍ ودرايةٍ..
ونحن نرحِّب بطبيعة الحال بكل دراسةٍ علميةٍ، مبناها العلم الصحيح، والمنهجية السليمة؛ لأنَّا نعلم يقينًا أن العلم يؤكِّد صدْق الإسلام بكافة قضاياه، أصولاً وفروعًا..
وهنا يفرح المؤمنون بنصر الله.
نعود إلى ((كلود كايو)) واستنتاجاته المبنية على آراء وأقوال نظرائه المستشرقين، دون الرجوع إلى المصدر الأصلي، وهو القرآن الذي حَمَل عليه ((كايو)) حملةً شعواء، لا قيمة لها من الجهة العلمية، ولا مبرر لها أخلاقيًّا؛ بل لا تتجاوز كونها ترديدًا وتجميعًا لعددٍ مِن الخيالات التي نسجها أصحابها دون سابقةِ معرفةٍ بالقرآن، فهي شهادةُ زورٍ، شهد فيها ((كايو)) على ما لم يَرَهُ!! ومِثْل هذا لا يجوز في الشَّهادات أبدًا!!
والحق أن ((كايو)) لم ينفرد بشهادة الزُّور مِنْ بين نظرائه المستشرقين، ولكنه وجدَ عليها أعوانًا وأسلافًا..
وكان ((موراني)) من هؤلاء النَّفَر اللذين اعتمدوا على نتائج غيرهم المعكوسة، فاعتقدوها كما هي، دون بحثٍ أو تحريرٍ، أو رجوعٍ للمصادر الإسلامية الأصيلة، تمامًا كما فعل ((كايو)) وغيره من المستشرقين، وهم طائفة كبيرة.
ومع ظهور هذا المنهج لدى موراني، سواء في كلامه عن القرآن، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، (كما ذكرتُه في غير هذا الموضع) لكن لا مانع أنْ نُذَكِّرَ القراء هنا بنصٍّ واحدٍ فقطٍ له، وهو قول موراني عن القرآن: ((ان في القرآن تكرار أو اضطراب . ومن يقول بهذا القول يأتي بدلائل وأمثلة وعليك بها)).
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2437&page=5&pp=15
ورغم ظهور الكلام ووضوحه، وعدم إنكار موراني لمقصده في الرابط المذكور، لكنَّا نؤكد ذلك من كلام موراني أيضًا، حيث يؤكِّد في مكانٍ آخر في هذا المنتدى وفي موضوع ((هل كان النبي زعيمًا سياسيًا....)) في المشاركة رقم 15 حيث يقول:
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2420
((عندما ينقل أحد شيئا من غيره عليه النظر فيما ينقله . فاذا لا تعليق له على ما نقل فمعناه انه انضم الى ما نقل)).
وهذا كله يؤَكِّد لنا طعن موراني في القرآن الكريم من جهةٍ أخرى، هي اتهامه بالتكرار والاضطراب.. إضافة إلى ما سبق له في موضوع ((مع موراني حول تحقيق القرآن))..
ونحن بطبيعةِ الحال لن نعيد كلام جولدزيهر ولا نولدكه ولا غيرهما من المستشرقين لنقف على مصدر موراني في دعواه المتهالكة، فقد أراحنا موراني من ذلك كله، فقال في كلامه السابق: ((ومن يقول بهذا القول يأتي بدلائل وأمثلة وعليك بها)).
فهذا الاعتقاد الموراني باتهام القرآن بدعواه التي هنا، أَتَى بناءً على هذا التَّصريح حين قال: ((ومن يقول بهذا القول يأتي بدلائل وأمثلة وعليك بها)).
فهو إِنَّما قَلَّدَ غيره من المستشرقين، دونما رجوعٍ إلى القرآن نفسه، ودونما دراسةٍ مسبقةٍ، ولكنَّه ردَّدَ دعوى لغيره، وكَرَّرَ كلامًا لم يدرسه بنفسِه، ولا كَلَّفَ نفسَه عناءَ التَّدَبُّر والتَّفَكُّر للحظات في صِحَّةِ هذه الدعوى مِن عدمِها، فضلاً عن الدِّراسة والبحثِ بنفسهِ!!
والْمُقَلِّد لا يتجاوز أنْ يكونَ لسانًا آخر لصاحب الفِكْرة الأصلية، أو نسخةً مكررةً للكاتب الأصلي!!
فالخطأ في الأصل هنا سينتقل إلى الصورة حتمًا!!
أخطأ الأصلُ فأخطأتِ الصورة!!
أخطأَ جولدزيهر أو نولدكه فأخطأ كايو أو موراني!!
وأما دعوى التكرار والاضطراب المزعومة في القرآن، فيمكن للقراء الكرام أن يراجعوا لها ((البرهان في متشابه القرآن)) للكرماني، والمطبوع في دار الاعتصام بالقاهرة باسم ((أسرار التَّكرار في القرآن))، وسيرى القراء من خلاله وغيره من مصنفات المسلمين فساد تلك الدعوى، وعدم صلاحيتها في سوقِ العِلْم، ولعلِّي أتعرَّض لها في مكانها المناسب إن شاء الله تعالى، حتى لا نخرج عن موضوعنا الذي هنا..
لكنِّي أعود وأؤكِّد على أن التقليد أو الاعتماد في دراسة الإسلام على أقوال وآراء المستشرقين الآخرين لا يُسَمَّى عِلْمًا، ولا يتجاوز كونه تجميعًا وصياغةً أخرى لما سبق للمستشرقين طَرْحه..
فهو والجهل سواء!!
لكنَّه يَشِي لنا بتوقُّفِ حركة الاستشراق من جهةٍ؛ لأنها الآن تعيد نفسها بنفسها، وتكرر ما سبق أَنْ قالته ثانيةً، لا أكثر..
ومن جهةٍ أخرى فإنه يَشِي لنا بمدى جهل الغرب بمختلف فئاته وطوائفه بالإسلام العظيم، بغض الطرف عن أسباب هذا الجهل، والدور الذي لعبه الاستشراق في تأكيده!!
ومع هذا وذاك فإِنَّهُ يكشف لنا عن خيطٍ آخر مِنْ ((جذور البلاءِ في فِكْر المستشرقين))!!
ويُؤَكِّدُ هذا:
أَنَّهم غفلوا عن منهجيةٍ علميةٍ لا تصح الغفلة عنها في مثل هذا، وهي تنم عن جهلهم لا أقول بلغة العرب فقط، بل وبغيرها من اللغات أيضًا، حتى بلغاتهم الأم التي يتكلمون بها.
ولذا سبق أن قلتُ: إن دعوى التكرار والاضطراب التي يزعمها موراني في القرآن تبعًا لأسلافه لا قيمة لها في سوق العلم؛ لأنها لا ترتكز على المنهجية العلمية المشار إليها..
وهذه المنهجية تتمحور حول اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، مقارنةً بلغات الغرب المختلفة..
ذلك أن لغات الغرب قليلة المترادفات جدًا، بخلاف لغة العرب التي ربما وقفنا على ما لا حصر له من المترادفات للشيءِ الواحدِ، لكنَّا نعجب حين نرى هذه المترادفات تضيف لنا شيئًا جديدًا في كل مرةٍ، ليس موجودًا في المترادف السابق، مع احتفاظها بالدلالة على معنى المترادف السابق لنفس الكلمة!! وهذا لونٌ مِنْ ألوان الفصاحة والبلاغة العربية التي لم يدركها هؤلاء، ولم يعرفوها لجهلهم بلغة العرب..
فإذا رأوا مترادفًا قالوا: هذا مِن ذاك، أو تكرار، أو غير ذلك من الدعاوى الفارغة، وغفلوا -لجهلهم بلغة العرب- عن الزيادة والتلوين في المعنى!!
وبناءً على قلة المترادفات في لغة الغَرْب، وكثرتها في اللغة العربية؛ كان مِن المستحيل ترجمة اللغة العربية إلى غيرها من اللغات، ترجمةً حَرْفِيَّةً، بخلاف ترجمة غيرها إليها، لأنها أوسع وأشمل من غيرها، فترجمتها إلى غيرها تضييقٌ لها، بما يستلزمه ذلك من بترٍ للمعاني والنصوص بلاشك؛ لأنه لا توجد البدائل والمترادفات الملائمة والمناسبة لما في اللغة العربية عند غيرها من اللغات، حَرْفِيًّا.
وهذا ما لم يدركه هؤلاء الباحثين في لغة العرب والإسلام بناءً على هذه الترجمات المغلوطة.
بل ربما دلَّت الكلمة الواحدة بالرسم الواحد في لغة العرب على أكثر من معنًى على حسب السياق الموضوعة فيه!!
وهذا أيضًا ما لم يفهمه هؤلاء ولا غيرهم من المستشرقين لجهلهم بلغة العرب..
وربما ثبتَ رسم الكلمة وتَغَيَّرَتْ حركاتها، فتغيَّر معناها تبعًا لذلك، ومِنْ أمثلة ذلك القريبة: ما سبق في ((سِنَة)) بكسر السين بخلاف ((سَنَة)) بفتح السين.
ومثله أيضًا: ((عِلاقة)) السيف، بكسر العين، بخلاف ((عَلاقَة)) القُرْبَى، بفتح العين!!
فالرسم لم يتغيَّر كما ترى، ولكن تغيَّرَت حركة حرفٍ واحدٍ فقط مِنْ الكسر إلى الفتح، فتغيَّر المعنى لذلك!
ولعلِّي أتعرَّض لهذه المسألة في مكانها المناسب بأكثر من هذا إن شاء الله تعالى..
لكنِّي أعود وأؤكِّد هنا على أن الدراسة القائمة على الجهل بلغة العرب لا قيمة لها، سواءٌ نشأ ذلك عن اعتماد الترجمات المغلوطة والمبتورة، أو عن البحث في لغة العرب نفسها دون وعيٍ ودرايةٍ بها.
كذلك الحال في دراسة الإسلام أو القرآن بناءً على الوسائط الاستشراقية، أو كتابات المستشرقين، دون الرجوع إلى المصادر الأصلية للإسلام، ودون الرجوع للقرآن نفسه، بعد أخذ أُهبة الاستعداد والدراسة..
فمثل هذا كله لا عبرة به في دراسة القرآن، أو غيره من أصول الإسلام، بل هي دراسة في غياب القرآن الذي نزل بلغة العرب!! وغياب الإسلام بأصوله وثوابته!!
ودراسة القرآن في غياب القرآن، أو دراسة الإسلام في غياب الإسلام؛ لا تتجاوز أن تكون ((شهادة زورٍ)) لمخالفتها للواقع، ثم لا تتجاوز أن تكون ((جهلاً)) من الدَّارسِ؛ لأنه يدرس شيئًا ويطبِّق نتائجه على شيءٍ آخر!! وهذا ما لا يصح لدى عقلاء البشر أبدًا!!
وسيبقى الغرب على حاله ما دام يستقي معلوماته عن الإسلام مِنْ غَيْرِ الإسلام!!
المستشار سالم عبد الهادي
08-19-2005, 12:42 AM
رأيت بمناسبة مروري هنا الآن أن أكتب معنى النص السابق في مداخلتي السابقة مباشرة لعموم النفع، وهو كالتالي:
تَغَشْمَرَ (الأخذ من فوق من غير تثبُّت) د.موراني فلم يقف على بُؤْبُؤِ (أصل) الكلام، فصار كـ غَطْمَش العين (كليل البصر) يرجو النجاة، وأَضْحَى كلامه كـ الشِّرْنافِ (ورقُ الزَّرع إذا طال وكَثُر حتّى يُخاف فساده فيقطع فيقال: شَرْنَفَ الزّرعُ وهي كلمة يمانيّة) يستأهل قطعه، أو كـ الأَرْشَم (الّذي يَتَشَمَّمُ الطَّعام ويَحْرص عليه) لا يجد طعامًا رُغْم حرْصِه، فلبس بذلك شُمْرُجًا (الشُّمْرُج: الرقيق من الثّياب وغيرها) لا يُوَاري عورةً، ولا يسترُ جسدًا، فلا مُمَالحةً (مؤاكلةً، أو مراضعةً) حَصَّلَ، ولا ظهرًا أنجَى مِنَ القُبِّ (قُبَّ ظَهْرُهُ أي: يَبُسَ وجَفَّ)، وكُنَّا نودُّ لو قلنا له: فَاتوتٌ (أي: أصَبْتَ وهي كِلمةٌ روميَّةٌ)؛ لكنَّهُ أَبَى إلا الخطأ... فشأنه!
ووالله ما نرجو لأحدٍ الخطأ أبدًا، مسلمًا كان أو غير مسلمٍ، وإِنَّا لنرجو الصواب والنجاة والهداية لجميع البشر، رحمة وضعها الإسلام في قلوبنا، فالحمد لله تعالى..
وأرى أن باقي الكلام بعد ذلك لا يحتاج لتوضيحٍ بإذن الله تعالى، كذا ما فيه من وجوه اللغة وضروبها، كبنائه على حرف الشين المعجمة، ثم استخدام نظرية العكس في البدء بالقاف في (قب) ثم الفاء في (فاتوت)..إلخ.
وإلى لقاءٍ قادمٍ إن شاء الله تعالى....
وآمل أن يواصل السادة العلماء والأماجد الفضلاء فوائدهم فيما يخص هذا الرابط..
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010