مشاهدة النسخة كاملة : الغني ...الفقير...
بعد قراءتي لاستفسارات احد الاخوة هنا عن نقطة اللقاء بين علم الخالق..و علم المخلوق..حكمة الخالق...و حكمة المخلوق...ارادة الخالق..و ارادة المخلوق...رحمة الخالق..و رحمة المخلوق...فعل الخالق...و فعل المخلوق..كلمة الخالق...و كلمة المخلوق...
عبر عن اشكاله بقوله متكلما عن مثال جزئي ليصل لقضايا كلية قائلا: اين تقف رحمه الله المطلقه أمام رحمة البشر عندما ترى اي روح تعذب في قتلها او ان تعذب ولا تقتل ..ليس الاشكال في قتلها وأكلها...
فنحن لا نلوم الوحوش عندما تقطع الانسان وهو حي فالوحوش كائنات لا تعقل
نحن نلوم الانسان عندما يحرق دجاجه أو يقطعها وهي حيه أو يغرقها بالماء لانه كائن يعقل ولديه انسانيه ورحمه لاتتقبل ذلك الامر....
و المقصود ان نقطة اللقاء هذه ..أن كيفية تعلق كلمة الأزلي بالمحدث... كيف تحدث العلة كيف يلتقي التسيير بالتخيير..كيف يعمل المرء مع ان كل امرء ميسر لما خلق له..كل هذا قد نهينا عن الخوض فيه اذ لا يدان لأحد من البشر مسلمهم و لا كافرهم على كشف كيفيته الا ان يقف عليه ..و لحد الآن لم يقف على الدقائق الأولى للكون...ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق انفسهم..فان كنت انت في ولادتك ووجودك لم تشهده و لم تقف عليه و لا تعرفه الا بالاخبار ممن أخرجك الى الوجود ولادة و لولا ذلك ما كنت تطمع بأن تحيط به علما ...فكيف تتكلف علم ما لم تشهده الا ان يكون باخبار من اوجدك الى الوجود و الا فلا طمع للحصول عليه..و قد نبهت كثيرا و نبه غيري قديما و حديثا ان لا احد في شتى الحقول من الفيزياء الى الطب الى البيولوجيا الى الفلسفة الى التشريع الى التاريخ..وقف على حقيقة الكيفية و الكل جزموا بأن الخير التخلي عن المحاولة...و هذا ما اصطلح عليه عقلاء الناس اليوم كما بالأمس..و قد قال وهب قبلهم بقرون : نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فتحيرت ثم نظرت فتحيرت فعلمت انه امر محجوب عنا علمه..
هنا سأضع بعض تأملات خطرت لي و انا اقرا الردود الجوانب..هي فقط تأملات ليست لازمة لأحد..فلا يلزم الا ما صح من امر الذي لم يشهد احدا على خلقه..هو وحده كلامه يحمل قوة الالزام..قوة القهر..قوة العلو..و هو الذي ان قال ان هذا مما يعلم كان قوله بعد كل المباحثات و المناقشات و التبحرات و التفلسفات..صوابا و حقا بلا زيادة و لا نقصان...
و سيكون محور ما اجمعه من تأملاتي و تأملات غيري من السابقين -المقصود منها الافادة و الاستفادة لا الجدل -مداره على البيان العظيم لهذا الشفاء الصدري المنزل في ما لخصه في قصة موسى و الخضر و تناوله لهذه البؤرة العمياء في الوعي الانساني..و التي هي في نفس الوقت سبب أكبر مأساة البشر و سبب أكبر سعادته...بحسب رضائه بالقدر و سخطه به... ان وجه ألة العلم به اليها و بالتالي اغفل توجيه آلة العلم فيه الى غرور نفسه و محدودبة علمه فأروثه جهلا به و لابد.. و العكس بالعكس ...حين يبدأ بعمل بنصيحة كل الأديان و كل الحكماء ان تعرف على نفسك..اعلم نفسك..و اعط لكل شيء قدره..فتتوسع حويصلته للحكمة ..فيرى من نفسه من الصراع و التنازع و التضاد و انواع الشر القاتم السواد فيها و انواع الخير الخالص البياض..ما يقوده الى ان يخرج منها الى خارج نفسه مما وضع امامه من الخلائق في حلها و ترحالها...تجاذبها و تنافرها ...احبابه و اصحابه اعداءه و نظراءه..افتراس السباع و معاناة الطبقات الكادحة ..ظهور الأمراض و ولادة النصحاء...سقوط الغيث و سحبان الجمعيات العاملة..ضرب الزلازل و تكافل المجاهيل...غدر العشاق و صدق الأصدقاء..موت الأطفال و صدق المجاهدين عند اللقاء..فقدان الأحبة ..و فساد الأطباء...تحقق الأحلام و صبر المحصنات الغافلات ..احتكار الأفكار..و ابتعاث الجنود المجهولين ..تناثر الألوان..تناطح الأمم...و ظلام الصحاري...صفاء قمم الجبال ..و تشعب العلوم..ما سيغلب الابتسامة على دمعتك و كأنك تغني:
"و أتفكر في نفسي : يا له من عالم جميل ...!!"
:):
أمَة الرحمن
11-09-2010, 06:57 AM
لابن الجوزي رحمه الله كلام جميل جداً في كتابه (صيد الخاطر):
غوامض تحيّر الضال
تفكرت يوماً في التكليف، فرأيته ينقسم إلى سهل وصعب.
فأما السهل فهو أعمال الجوارح، إلا أن منه ما هو أصعب من بعض، فالوضوء والصلاة أسهل من الصوم، والصوم ربما كان عند قوم أسهل من الزكاة.
وأما الصعب فيتفاوت، فبعضها أصعب من بعض. فمن المستصعب، النظر، والإستدلال، الموصلان إلى معرفة الخالق. فهذا صعب عند من غلبت عليه أمور الحس، سهل عند أهل العقل. ومن المستصعب غلبة الهوى، وقهر النفوس، وكف أكف الطباع عن التصرف فيما يؤثره. وكل هذا يسهل على العاقل النظر في ثوابه، ورجاء عاقبته، وإن شق عاجلا.
وإنما أصعب التكاليف وأعجبها: أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل، ثم نراه يفقر المتشاغل بالعلم، المقبل على العبادة، حتى يعضه الفقر بناجذيه، فيذل للجاهل في طلب القوت. ويغنى الفاسق مع الجهل، حتى تفيض الدنيا عليه. ثم نراه ينشىء الأجسام ثم ينقض بناءالشباب في مبدأ أمره، وعند استكمال بنائه، فإذا به قد عاد هشيما. ثم نراه يؤلم الأطفال، حتى يرحمهم كل طبع. ثم يقال له: إياك أن تشك في أنه أرحم الراحمين. ثم يسمع بإرسال موسى إلى فرعون، ويقال له: اعتقد أن الله تعالى أضل فرعون، واعلم أنه ما كان لآدم بد من أكل الشجرة وقد وبخ بقوله: وعصى آدم ربه.
وفي مثل هذه الأشياء تحير خلق، حتى خرجوا إلى الكفر والتكذيب.
ولو فتشوا على سر هذه الأشياء، لعلموا أن تسليم هذه الأمور، تكليف العقل ليذعن. وهذا أصل، إذا فهم، حصل منه السلامة والتسليم.
نسأل الله عز وجل أن يكشف لنا الغوامض، التي حيرت من ضل، أنه قريب مجيب.
كلنا جلوس..الكل منتظر...القادم هو شيء مما عشقت البشرية منذ القدم معرفته..و للكثيرين شكل لحقب متتالية اغلى المطالب العلمية ورأس الهرم الفكري..حتى سموه سر الوجود..الخاتم..الكنز ..هذا هو الذي ننتظره جميعا في كلام صاحب السر سبحانه ...
و البداية كانت ارجاعا الى الوراء..الى الماضي..ليس الماضي الحديث و لا حتى القديم..الى ابعد نقطة في الدهر الانساني حين لم يكن بعد شيئا مذكورا..الى مشهد الملائكة و هي تسجد له..و مشهد عصيان من اكثر مشاهد العصيان اهمية ..تمرد ابليس...بكل حيثياته..بعضنا بدأ يخمن الرابط بين هذا العنصر من الشر و الذي سيفصم من العالم الأعلى..و بين هذا السر..نستشعر انه هناك علاقة فعلا..و ان لم نلم بملامحها..فذكر طاعة الكل الا...فهو منهم سواء بالمكث او بالنسبة ...و بهذا تبدأ تتصور لنا بداية العلاقة التناسبية بين الخير و الشر..بهذه العلاقة بين ارادة الخالق و ارادة المخلوق...فهنا امر شرعي...و رفض ارادي..و علم بالرفض..و بما وراء الرفض..و سؤال عن الرفض و سببه و افساح المجال لارادته ..مع العلم به.. ووجود ارادته و التنبيه لأصل خلقه من "جينات " النار.. و اصدار الأمر للكل مع العلم بخروج البعض منه ..عبر عن كل هذه التجاذبات المتعلقة بمسألتنا بأوجز عبارة و احسن اشارة في قوله : ففسق عن امر ربه...أي خرج...لم يقل فعصى او أبى او استكبر...كما قال في المقامات الأخرى..بل عبر عنه بخروج البعض عن الكل مع قوله والذي خبث لا يخرج إلا نكدا فتأمل!!
و هذا كله ظاهر العلاقة بما سيتناوله من بعد ..فكل هذا ما أتي به توطئة لقصة الخضر هكذا عبثا حاشاه سبحانه...فهو تنبيه فيما يبدو لي الى اصل المسألة و النافع منها معا...و هو من حسن التعليم ...و للمفسرين نظرات متفاوتة في ربط هذه القصة هنا بما يناسبها يبعدون و يقربون بحسب الجانب الذي يهمهم منها ..كربطه بالحساب المذكور قبلا او بمنزلة الفساق و المومنين كما فعل ابو حيان و البقاعي و هو ان تأملته وجدته ليس مستقر المناسبة بل بابا من ابوابها...فان تتبعت الآيات وجدتها متصلة اتصالا وثيقا بمواضيع السورة الأساسية و اهمها قصة الخضر..و على كل يظهر لك صدق قول الألوسي في تكرار القصة :
ولا يخفى أن أكثر المكررات ظاهراً مختلفة الأساليب متفاوتة الألفاظ والعبارات وفي ذلك من الأسرار الإلهية ما فيه فلا يستزلنك الشيطان
و قد بين قبله البيان الجامع و النتيجة و المحصلة من كل هذا ببيانه ان كل نفس ستعطى كتابها لا يغادر كبيرة و لا صغيرة الا احصاها ..كل شيء في موضعه و كل ما تحتج عليه ستجد مقابله و ميزانه..حتى تخرج بنتيجة: و لا يظلم ربك أحدا....
ثم قطع القصة و لم يذكر منها ما ذكر في المواضع الأخرى...ما يدل على ان المذكور منها كاف في بيان المعنى المهم المرتبط بما سيأتي بعدها..و ان تأملته وجدت مسألتنا متربعة على عرشه...فانتقل الكلام مباشرة الى الثمرة...
و هو السؤال الذي ينزل صاعقة على كل من حاول الطعن في اوامر الله و التمرد عليها بدعوى جهل العلة...فبعدما اخذك من امام السؤال عن علة امره و عن عدله و انه لا يظلم احدا...اخذك في طرفة عين الى نقطة البداية الانسانية...ثم اعادك مرة اخرى لتجد نفسك الآن امام سؤال اقوى :أتحكمونه على آرائكم و هو مخلوق مثلكم لا يعرف اكثر مما تعرفونه مما يستحيل لغير من شهد الخلق ان يقف عليه؟؟؟ اذ السجود كانت غايته الطاعة فأنتم اتيتم بغاية السجود له و لأفكار مخلوق مثلكم و فرطتم في حريتكم و عبدتم انفسكم له و هو لا يعلم من هذا السر المخفي عنكم اكثر مما تعلمون بله ان يعلم ما اعلم انا و دلتكم الدلائل على اني اعلم ما لا تعلمون ودلتكم على ان الأمر امري لا امر احد غيري و مع ذلك انفتم من السجود لي و من العبودية لي و من التضحية بحريتكم من اجلي ...و سجدتم له و لأمره و تعبدتم له .مع جزمكم بعدم علمه له فأين ذهب احتجاجكم بعدم احاطة علمكم بعلمي ؟؟ و انتم تدرون ان لا علم له محيط بعلمكم ؟؟
و يا للخيبة و غرابة المفارقة...يستغل نفس خطئه في عدم احاطته بعلمي..ليوقعكم في نفس وقعته مع فارق انه امر بالسجود لكم فقط سجود تحية..وهو مامور وأنف ان يفرط في شيء من نفسه من اجلكم و لم يرد ان يسجد لكم و انتم تسجدون له بلا أمر و تتخذونه بدلا مني هو و ذريته..و هم من الجن و من الانس على قول البعض من السلف و كما كان يروى عن السيد المسيح انه كان يعير به اليهود
و يزيده بيانا انه عبر عن الجميع بلفظ المضلين..فهو ادعى لأن يشملهم الوصف ان لم يكن بالمطابقة فبالتضمن ..
هذا مع كونهم كلهم ضدكم في عداوتهم كما قال و هم لكم عدو..فهم متفرقون في كل شيء الا حين يقتضي الأمر مواجهتكم.. يجدون امامهم واحدا يطلب الخضوع كليا لله و و عدم الخضوع كليا للشيطان..فتراهم كلهم متحدين ضده..لا يهمهم ان ينتقل الرجل منهم فيصبح نصرانيا او بوذيا او ملحدا او اشتراكيا او شيطانيا او نازيا او ما كان..لكن ما ان قام عبد الله يدعوه مسلما حنيفا له وحده و اعلن ان الأمر كله لله..و اقر بجهله و محدودية علمه ..و ان الانسان فقير ضعيف محتاج و ليس مركز الكون و لا هو الأول و الآخر و فوق كل علمه عليم...كادوا يكونون عليه لبدا..
ستقول هذا الأمر بين..سيقال لك..و متى تكون الأمور بينة بعد ان يخفى أمر الله ؟؟ فمتى فقهنا هذا نجد طعما لهذه الآية بعد:
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ
نعم!!! انت يا مدعي العقل..كيف لم تعقل انك تستبدل التسليم لحكمة و علم شامل بحكمة اقل من نفس حكمتك ؟ كيف لم تعقل ان عدم التسليم بجهلك لحكمة امري لا عدمها يوقعك لا مخالة في التسليم لأمر من لا تجهل انعدام حكمته؟؟ كيف لم تعقل ان لو لم تكن حكمة اعلى منك ما احتجت اصلا للخضوع و لا كان الاحتياج اصلا ماهية وجودك؟؟ كيف لم تعقل ان عدم وجود حكمة اعلى من حكمتك تجهل كل مقاصدها يعني استحالة تعقلك اصلا..؟؟
معلوم الجواب :):
قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير
و هنا لطيفة..ان بعض العلماء ذكر ان هذا اول قياس نوزع به أمر الرب...و اول لا عقلانية صدرت من مخلوق..و تعقبه بعض العلماء بأنه ليس مثالا على نفي القياس في مواجهة النص اذ ابليس يعلم مدلول النص و انما يراوغ و يسفسط..و من يقيس في مقابلة النص لا يكون عالما بقطعية النص كما ان الأجر الذي يناله المجتهد مانع من تسوية قوله بقول ابليسي..و هو غير متعقب عند التأمل اذ الكلام عن نفس المعارضة...فكل قياس عارض النص فهو سفسطة عقلانية و الفساد فيه او في مقدماته بلا شك علمه من علمه و حرمه من حرمه..اما القائل بالقياس فعدم علمه غير مؤثر في نفس القياس و انما يصح ذلك على قول من يقول ان كل مجتهد مصيب..فيجعل نفس اجتهاد المرء مصححا للقول ..و هذا معلوم الفساد..و نحن لا نساوي قول المجتهد بقول ابليس من كل وجه ..فالمعاصي بريد الكفر..و لهذا كان يخشى على المنازع لنصوص الذكر بما وقر في نفسه من القياسات الباطلة ان ينحدر شيئا فشيئا الى هوة السفسطة الابليسية و ان سماها عقلانيات...و هذا هو مما يدخل ايضا في الانكار عليهم من اتخاذ كلام المضلين جزئيا او كليا بدلا..فلا يلزم ان يكون صاحب القول مضلا لكي يكون الآخذ بقوله الضال مبدلا..فالاستبدال الحزئي يلحقه من الذم بحسبه كما ان الاستبدال الكلي يلحقه الذم بحسبه..و هذا في القوة العلمية كما في القوة العملية..فكل معصية هي تحكيم للشيطان جزئيا او كليا و استبدال ..و في ذلك يقول شيخ الاسلام:
ولهذا لم يخلص من الشيطان إلا المخلصون لله كما قال تعالي عن ابليس ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين وقال تعالي إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وقال تعالي إنه ليس له سلطان علي الذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون إنما سلطانه علي الذين يتولونه والذين هم به مشركون
فإذا كان الشيطان ليس له سلطان إلا علي من أشرك به فكل من أطاع الشيطان في معصية الله فقد تسلط الشيطان عليه وصار فيه من الشرك بالشيطان بقدر ذلك والشيطان يوالي الإنسان بحسب عدم إيمانه كما قال تعالي إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وقال تعالي ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين وقال تعالي في قصة يوسف عليه السلام كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين
ويشهد لهذا ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي إن الشيطان ينتصب عرشه علي البحر ويبعث سراياه
فجميع ما نهي الله عنه هو من شعب الكفر وفروعه كما أن كل ما أمر الله به هو من الإيمان والإخلاص لدين الله.
و قال الامام ابو الزبير الغرناطي في كتابه النفيس و الذي لن امل من التنبيه على اهميته الكبرى و لعل الله ييسر تجريد فوائده :ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل
ولم يبق الا قوله تعالى : "بما كانوا يفسقون " و : "بما كانوا يظلون " وهو السؤال التاسع ووجه ذلك والله أعلم أنه لما وصف اعتداؤهم نيطت بهم أولا صفة الظلم ومن المعلوم أن مواقعه تتسع ثم لما ذكر من اعتدائهم وسوء مرتكبهم غير ما تقدم وتضاعف موجب وبيل جزائهم وصفوا بالفسق المنبئ عن حال أوبق من الظلم.
ألا ترى أنه صفة ابليس قال تعالى : "الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ".
وقد جعل الله تعالى الفسق نقيض الإيمان وفى طرف منه فى قوله : "أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " والظلم قد بقع على أضعف المعاصى قال تعالى : "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله " وقال : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ولوقوعه على مختلفات المآثم ومطابقته لما قل أو كثر منها على وصف بالعظم حين أريد به الشرك.
قال تعالى : "ان الشرك لظلم عظيم " ويقول الشاكى للحاكم : ان هذا ظالم وقد ظلمنى فى خردلة فما فوقها ولا يلزمه من هذا القول شئ إذا صح له أدنى تعلق أما ان قال فاسق أو فسق فليس كذلك وكما يترقى فى الجزاء الاحسانى كذلك يترقى فى الطرف الآخر وهو فى الحقيقة ضد الترقى.
فائدة عزيزة أمة الرحمن...أفادك الله كما افدتنا
أمَة الرحمن
11-09-2010, 11:13 AM
كيف لم تعقل ان لو لم تكن حكمة اعلى منك ما احتجت اصلا للخضوع و لا كان الاحتياج اصلا ماهية وجودك؟؟ كيف لم تعقل ان عدم وجود حكمة اعلى من حكمتك تجهل كل مقاصدها يعني استحالة تعقلك اصلا..؟؟
عبارت في الصميم لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد.
ان كان الآية السابقة قد رحلت بنا الى حاضر المطاف المعاصر مباشرة بعد ان اخذتنا الى بداياته..فقطعت قول كل خطيب يتكلم عن هذا السر او يتبجح بالوقوف على حقيقته..فهذه البداية و هذا هو الحاضر..و انت هنا منها كما دخلت اليها..ما زادك الاحتجاج بالسر المكتوم و طلبك ما لن تعلم الا جهلا بما كنت تعلم..و ما زلت بعد آلاف السنين او حتى ملايين السنين من خلقك لا تعلم في حاضرك من هذا السر اكثر مما تعلمه في ماضيك..
ان كانت الآية السابقة اتت على طرفي المسألة و محصلتها ..فالتي بعدها بينت الحاجز الطبيعي و المانع الذي تم به الحجب..و خلقت هكذا محصلة..انه ببساطة: الزمن..الدهر..نفس ما ينتسب اليه هؤلاء اللاعقلانيون هو الذي يغيب عنهم ملاحظته عند اغترارهم بما اوتوا من العلم و ووقوعهم نتيجة الاطلاق في تصوراتهم الى خلق فضاء في اذهانهم يغيب عنه اعتبار الدهر و تقييداته التي هي اصلا بيد صاحب الدهر..يقلبها كيفما يشاء..و لعل بعضنا يسرع الآن الى ذهنه التفكر في اهداف مشروع مسرع الجزيئات العظيم..ولم تستنفذ فيه كل الطاقات و يبذل في سبيل اتمامه كل غال حتى ان اصحاب البحوث العلمية من شتى البلدان و من شتى الحقول المعرفية يوقفون ابحاثهم و يحيلون تمويلها على هذا المشروع الكبير حين اعلن الاتحاد الأوروبي استحالة تمويله..و المجال المبحوث عنه في الزمن و ابعاده و القوى المرتبطة به يدخل في ابعاد ماورائية بعيدة نفعها نظير النفع المرتجى من مجال السفر في الفضاء ..ثم يأتيك من انصاف الملاحدة من يزعم ان العلماء لا اهتمام لهم بالغيبيات و لا نزع و لا شوق عندهم اليها و انما جل اهتمامهم بالمحسوس و العاجل و الملموس..و كانما قضم تفاحة العلم تميت شهوته ...و كأن رؤية جمال الغموض..يطمئن القلب عن طلب نزع حجاب البلكفة.. ما يذكرك بالمثل الشعبي: السنور ان اعياه ادراك اللحم يقول: .....ما هو الا وهم :):
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ...
فكيف تزعم وقوفك على كيفية هذا السر؟؟ و كيف تزعم وقوفك على عدم وجود هذا السر؟؟ و ما كنت تنتظر من امر غيبت عنك مقدماته و لم تقف عليها الا أن تعجز عن تبين ماهيته؟؟ ألم يقل لك صريحا لا تقف؟؟ لم يقل لك لا تفكر لا تتأمل ..بل لا تقف..اي تتبع أثر اقدام انت اصلا لم تقف عليها..و كيف بعد ذلك تتبع و تطيع من مبلغه من ذلك مبلغك..و هو اصلا لم يعطك الا جهله بالسر أيضا..فما الجديد فلا التابع شهد و لا المتبوع شهد؟؟ (و هو اولى اقوال السلف و المفسرين في مرجع الضمير هل هو على الظالمين ام على شياطين الانس و الجن ورجخه ابن عطية) فلم يكن الاثنان في لحظة الخلق لا معاونا و لا مشيرا و لا حتى مجرد شاهد يعرف كيف بدأ الأمر فيعرف كيف ينتهي و يعرف رؤوس الخيوط فيعرف لم تحرك و ما يراد بها..فكيف تفقد حريتك فقط لعدم صبرك على معرفة سر..؟ و تتخذهم عضدا لك في انكار امري..-على قراءة- و هم لم يكونوا اصلا عضدا لي في خلقك و لا في خلقهم فيكون علمهم مساو لعلمي و تقليبهم للزمان و الدهر كتقليبي و تصريفي فتشركهم في ولايتي و طاعتي حتى تفضي الى انكار امري.. أم أن طبعا فيك من اثر مقابلة الزمن أنك لا تصبر على ما لم تحط به خبرا.؟؟؟ :):
عَرَبِيّة
11-10-2010, 04:30 AM
بارك الله فيكم و زادكم علماً عملاً ..
د. هشام عزمي
11-10-2010, 04:31 AM
كلامك جميلٌ جدًا يا حكيم المنتدى ..!!
ثم آن أوان اقفال القوس في جهلك بهذا السر و الاحتجاج به..و بعد ان بين لك الماضي منه..ثم الحاضر ..دون اي نفع لك..بل الظلم البين الواضح الذي لا يغفل عن مثله الصبيان..بين لك المستقبل و الخاتمة..للمسيرة الانسانية كلها..مناداة على الشركاء المزعومين..بعد ان عشت كل ما عشته في رحلتك و الجواب امام عينيك لكن بحجاب ..ليأت وقت ترى فيه عاقبته رأي العين ايضا لكن دون حجاب هذه المرة..عافانا الله و نجانا..لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ...
و كما أنك بتعنتك ألغيت في دنياك الخيارات في عدم فهمك لحكمة الخلق..و جعلتها خيارا واحدا هو انكارها ظلما و عدوانا دون ان تجعل لنفسك مصرفا من الجهل المركب و الظلم بمعرفة جهلك و محدودية علمك و الاقراربه..فكذلك حين ترى النار نسأل الله العافية ستظن متيقنا كما ظننت قبلا متيقنا انها خيارك الوحيد ..و لن تجد عنها مصرفا..كما لم تجد من قبل..و الجزاء من جنس العمل ..
كل ذلك وقوله سبحانه في الكلام عنه يعطي انطباع اليقين و الثقة كأنه قول من يتكلم عن شهادة و معرفة و علم يقيني ..و فوق ذلك علي غني عنك..لا يقف وجوده على تسليمك بالسر من عدمه..و كأنه كلام من يقول لك المصلحة و المنفعة و الثمن باختصار و يتركك..فهذا اولك و اوسطك و آخرك...مستوون ..هذا ما ستربحه ..هذا ما ستخسره... و يمد لك من كل هذا العمر لتختار ..فلك دائما الخيار..و ليس لأحد غيرك
الفاضلنان امة الرحمن و عربية ..و الشيخ الفاضل هشام ..شكرا لكم على التشريف..و جعلني عند حسن ظنكم
حلمي الموحد
11-10-2010, 10:30 AM
الأخ الكريم عياض
بارك الله فيك وفي علمك ورفع قدرك في الدنيا والآخرة.
هذه خواطر رائعة لمن ألقى السمع وتفكر.
هناك قصور في فهم كثير من الناس عن مدى ما يمكن أن توصل إليه العلوم البشرية الدنيوية.... البعض يتصور أن المجاهيل هي كمية محددة نعرف جزء منها الآن وبالتدريج سوف نعرف أكثر فأكثر وهكذا إلى أن نعرف كل شئ... هكذا يظنون... وتصورهم هذا يشبه تصور العلوم كأنها صندوق تفاح... كلما أخذت منه تفاحة زاد ما تحصلت عليه... وقل عدد التفاح المتبقي.. وبذلك قل ما لم تتحصل عليه بعد... وهكذا إلى أن تفرغ الصندوق من كل ما فيه.
وهذا القصور هو في فهم حقيقة ما يشير إليه العلماء أنفسهم.. بأنهم كلما وجدوا إجابة عن تساؤل ما... اكتشفوا وجود عدة مجاهيل وأسئلة أخرى في ذات الوقت تحتاج إلى إجابات ... وهلم جرا.... وقياسا بالمثال السابق يكون الواقع أنه كلما أخذت تفاحة واحدة من الصندوق... كلما زاد عدد التفاحات الموجودة بالصندوق عدة تفاحات.
أمَة الرحمن
11-10-2010, 11:33 AM
و لعل بعضنا يسرع الآن الى ذهنه التفكر في اهداف مشروع مسرع الجزيئات العظيم..ولم تستنفذ فيه كل الطاقات و يبذل في سبيل اتمامه كل غال حتى ان اصحاب البحوث العلمية من شتى البلدان و من شتى الحقول المعرفية يوقفون ابحاثهم و يحيلون تمويلها على هذا المشروع الكبير حين اعلن الاتحاد الأوروبي استحالة تمويله..و المجال المبحوث عنه في الزمن و ابعاده و القوى المرتبطة به يدخل في ابعاد ماورائية بعيدة نفعها نظير النفع المرتجى من مجال السفر في الفضاء ..ثم يأتيك من انصاف الملاحدة من يزعم ان العلماء لا اهتمام لهم بالغيبيات و لا نزع و لا شوق عندهم اليها و انما جل اهتمامهم بالمحسوس و العاجل و الملموس..و كانما قضم تفاحة العلم تميت شهوته ...و كأن رؤية جمال الغموض..يطمئن القلب عن طلب نزع حجاب البلكفة.. ما يذكرك بالمثل الشعبي: السنور ان اعياه ادراك اللحم يقول: .....ما هو الا وهم
بالفعل، ملاحظة في الصميم!
مساحات عالم الغيب في دائرة حياتنا أكبر بكثير من مساحات عالم الشهادة، و العاقل يدرك أنه كلما ازداد علماً كلما ازداد ايماناً بجهله!
و أنا شخصياً أرى الملحد أشد الناس تعلقاً بالغيب، لأن المؤمن يوقن أن هنالك مسائل لا تحصى فوق إدراك العقل البشري.. فلا يكلّف نفسه بالغوص فيها، لأنه يعلم أنها من الغيب الذي قال الله فيه: (ولا تقف ما ليس لك به علم).
أما الملحد الذي اغتر بعقله و ظن أنه يغنيه عن الإحتكام لهداية الله تجده أكثر الناس تخبطاً و لهثاً وراء اكتشاف أسرار عالم الغيب (رغم احتقاره للمؤمن الذي يؤمن بهذا الغيب!).
و الله يريح المؤمن من هذا التيه و الزيغ و يحسم له المسألة في قوله: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب).
قال سيد قطب رحمه الله تعالى:
(كذلك ما كان من شأن الله سبحانه أن يطلع البشر على الغيب الذي استأثر به، فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب، وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس "مصمماً" على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار. وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض. وهي لا تحتاج للاطلاع على الغيب. ولو فتح الجهاز الإنساني على الغيب لتحطم. لأنه ليس معداً لاستقباله إلا بالمقدار الذي يصل روحه بخالقه، ويصل كيانه بكيان هذا الكون. وأبسط ما يقع له حين يعلم مصائره كلها، ألا يحرك يداً ولا رجلاً في عمارة الأرض، أو أن يظل قلقاً مشغولاً بهذه المصائر، بحيث لا تبقى فيه بقية لعمارة الأرض! من أجل ذلك لم يكن من شأن الله سبحانه، ولا من مقتضى حكمته، ولا من مجرى سنته أن يطلع الناس على الغيب).
و كما أنك بتعنتك ألغيت في دنياك الخيارات في عدم فهمك لحكمة الخلق..و جعلتها خيارا واحدا هو انكارها ظلما و عدوانا دون ان تجعل لنفسك مصرفا من الجهل المركب و الظلم بمعرفة جهلك و محدودية علمك و الاقراربه..فكذلك حين ترى النار نسأل الله العافية ستظن متيقنا كما ظننت قبلا متيقنا انها خيارك الوحيد ..و لن تجد عنها مصرفا..كما لم تجد من قبل..و الجزاء من جنس العمل ..
ما أشد و أصدق هذه الكلمات!
هناك قصور في فهم كثير من الناس عن مدى ما يمكن أن توصل إليه العلوم البشرية الدنيوية.... البعض يتصور أن المجاهيل هي كمية محددة نعرف جزء منها الآن وبالتدريج سوف نعرف أكثر فأكثر وهكذا إلى أن نعرف كل شئ... هكذا يظنون... وتصورهم هذا يشبه تصور العلوم كأنها صندوق تفاح... كلما أخذت منه تفاحة زاد ما تحصلت عليه... وقل عدد التفاح المتبقي.. وبذلك قل ما لم تتحصل عليه بعد... وهكذا إلى أن تفرغ الصندوق من كل ما فيه.
وهذا القصور هو في فهم حقيقة ما يشير إليه العلماء أنفسهم.. بأنهم كلما وجدوا إجابة عن تساؤل ما... اكتشفوا وجود عدة مجاهيل وأسئلة أخرى في ذات الوقت تحتاج إلى إجابات ... وهلم جرا.... وقياسا بالمثال السابق يكون الواقع أنه كلما أخذت تفاحة واحدة من الصندوق... كلما زاد عدد التفاحات الموجودة بالصندوق عدة تفاحات.
ما شاء الله..يبدو فعلا ان البداية التي بدأتها جعلت العقول تربط فعلا بين الآيات و الأحداث و ترى الروابط الخفية بينها و الأنظمة التي دفنت فيها...فلو دخل الاحوة جميعا الى هذا الشريط و تأملنا جميعا الآيات حتى نصل الى آخر القصة لاجتمع عندنا من صحيح التأملات ما يزيد من فهمنا للبيان المعجز..فانظر مثلا الى قولك أخي حلمي...ألا يذكرك بحذافيره بكلام راكبين في سفينة يتأملان سعة البحر و جماله ؟؟...:):
و أنا شخصياً أرى الملحد أشد الناس تعلقاً بالغيب، لأن المؤمن يوقن أن هنالك مسائل لا تحصى فوق إدراك العقل البشري.. فلا يكلّف نفسه بالغوص فيها، لأنه يعلم أنها من الغيب الذي قال الله فيه: (ولا تقف ما ليس لك به علم).
أما الملحد الذي اغتر بعقله و ظن أنه يغنيه عن الإحتكام لهداية الله تجده أكثر الناس تخبطاً و لهثاً وراء اكتشاف أسرار عالم الغيب (رغم احتقاره للمؤمن الذي يؤمن بهذا الغيب!).
و الله يريح المؤمن من هذا التيه و الزيغ و يحسم له المسألة في قوله: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب).
هنا يجب استدعاء بعض افراد القوات الخاصة لفض الاشتباك..فمن واقع التجربة و التعاطي مع تفاعلات حكمة الله في الوجود حاشاه ان يكون كما افترى البعض بعيدا عن ادارته و القيام عليه..في هذه التفاعلات تدرك ان في فوضى الخلق بعد الخلق التي نشهدها في كل الأمور..هنا نظم خفية تسري بحيث لا يخفض من أمر الا و يقابله أمر مرفوع و لا يعدل متغير في معادلة الا و يستحدث متغير آخر ليوازته..و بين الرفع و الخفض و التغيير من طرف المعادلة الى الطرف الآخر توجد دائما قيمة غيبية يقود خفاؤها الى باب آخر مفتوح على عملية خفض و رفع أخرى و معادلة أخرى كما لو ان الوجود كله مجموعات في مجموعات في مجموعات..و في غالب الأحوال ترى الأمران متشابهان قد يلتبسان في نظر الكثير من الناس الا ان حدد الفرق الأكبر الذي به يفسر تلاؤم غيب بين شاهدين...فكأن الغيب وضع للتحفيز و الشاهدين وضعا لليقين فجزء منك بما انك في وضع المراقب يكون على الكمال من العلم و الآخر على النقص..فكأنك كلما وقفت على كمالك الا و لزمك اعتراف ينقصك و بالتالي اعتراف بكمال فوق كمالك..و هو البرهان القوي الذي نبه عليه العظيم ديكارت و لم يفقهه كثير ممن تهكم به من الفلاسفة وجعلوه من جنس الخطابيات و الجدليات ..و لهذا كان من المستحيل على المتعاطين لأي نوع من العلوم المفسرة و المستكشفة للكون أن يتلافوا الاعتراف بهذا النقص ان ارادوا لعلومهم ان تقوم لها قائمة ..فالفيزياء و الرياضيات و غيرها تقوم اساسا على اعتقاد و ايمان بالغيب..اعتقاد ان هناك نظاما ما..لا نشهده و لا نعرفه يفسر فوضى الأشياء التي نراها و العلاقات بينها..و الا لو كان الغيب كله باطلا..فلم اصلا تفترض ان هناك تفسيرا للظواهر الطبيعية و انت لم تقف عليه بعد فهو في حكم الغيب عندك..
فطلب الغيب يخطئ المومن و الكافر معا ان جعلاه ممدوحا باطلاق او مذموما باطلاق...و انما هو كما بينت آيات الوحي و براهينه يكون محمودا ان بني على الشاهدين المذكورين و اشياء ملموسة حتى يضمن نفعه..او كما عبر عنه افقه الناس بالوحي: ان يكون البحث فيما تحته عمل..فهنا يظهر الفرق بين الفضول العلمي و الشغف المعرفي المحمود و استكشاف عالم الغيب المحمود و المذموم منه..فلا أظن عاقلا يسوي بين المحاولات الجيدة في معرفة كيفية الخلق باستخدام مقدمات واضحة من ملاحظة الجزيئات و مراقبة تسارعها ..مع ترك الجزم بنتيجة لم يتوصل اليها..و بين المحاولات القديمة من القول بالأفلاك الأربعة و العقول الفعالة و غيرها او حتى الحزم باستواء عدد اسنان المرأة و الرجل لمجرد القياس العقلي دون الوقوف على مقدمات التجربة..
و هو نفسه الفرق بين من قال رب أرني كيف تحيي الموتى و قول من قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها...فقف و اقترب و ابتسم طربا و تأمل قوله :
أولم تؤمن؟؟! :):
حلمي الموحد
11-11-2010, 12:53 AM
أخي الكريم عياض
لي الشرف أن أبحر معك بسفينة أنت ربانها :):
و لهذا كان من المستحيل على المتعاطين لأي نوع من العلوم المفسرة و المستكشفة للكون أن يتلافوا الاعتراف بهذا النقص ان ارادوا لعلومهم ان تقوم لها قائمة ..فالفيزياء و الرياضيات و غيرها تقوم اساسا على اعتقاد و ايمان بالغيب..اعتقاد ان هناك نظاما ما..لا نشهده و لا نعرفه يفسر فوضى الأشياء التي نراها و العلاقات بينها..و الا لو كان الغيب كله باطلا..فلم اصلا تفترض ان هناك تفسيرا للظواهر الطبيعية و انت لم تقف عليه بعد فهو في حكم الغيب عندك..
هذه نقطة قوية جدا.... لم يفترضوا أصلا وجود نظام ما ويبحثون عن قانون يفسره؟!!!
وهل قالت الطبيعة العمياء لهم أن كل شئ عندي بمقدار؟!!!
بارك الله فيك أخي الفاضل
د. هشام عزمي
11-12-2010, 04:17 PM
فالفيزياء و الرياضيات و غيرها تقوم اساسا على اعتقاد و ايمان بالغيب..اعتقاد ان هناك نظاما ما..لا نشهده و لا نعرفه يفسر فوضى الأشياء التي نراها و العلاقات بينها..و الا لو كان الغيب كله باطلا..فلم اصلا تفترض ان هناك تفسيرا للظواهر الطبيعية و انت لم تقف عليه بعد فهو في حكم الغيب عندك..
ما شاء الله .. كلمة في الصميم !! وهي من أفضل الفوائد التي اقتنصتها هذا الأسبوع .
أخي الموفق حلمي و الشيخ الفاضل النشيط هشام عزمي..منتظر لفوائدكم في هذه الرحلة..و ما زلت اجد من الفوائد في صحبتكم ما ارجو ان يكون افشاؤه عند الله سببا لهدايتي..
فمثلا النص الذي قرننه امة الرحمن بقولي :
و كما أنك بتعنتك ألغيت في دنياك الخيارات في عدم فهمك لحكمة الخلق..و جعلتها خيارا واحدا هو انكارها ظلما و عدوانا دون ان تجعل لنفسك مصرفا من الجهل المركب و الظلم بمعرفة جهلك و محدودية علمك و الاقراربه..فكذلك حين ترى النار نسأل الله العافية ستظن متيقنا كما ظننت قبلا متيقنا انها خيارك الوحيد ..و لن تجد عنها مصرفا..كما لم تجد من قبل..و الجزاء من جنس العمل ..
فنظرت ووجدت الأديب النظار سيد قطب قد نبه عليه بأوجز عبارة فقال عن النار :
ولقد كان لهم عنها مصرف ، لو أنهم صرفوا قلوبهم من قبل للقرآن ، ولم يجادلوا في الحق الذي جاء به ، وقد ضرب الله لهم فيه الأمثال ونوعها لتشمل جيمع الأحوال :
{ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } . .
فهل غادر المفسرون من متردم؟؟ :):
كان من محاسن القدر و نحن نتكلم عن سر القدر و الاحتجاج به و المجادلة بغير علم و تكلف ما لا يعلم..أن وصل الكلام في هذا الشريط الى آية مع ايراد الأخ الحمادي لكلام رجل ممن يستشفى برأيه في مثل هذه الثغور..و الرجل مع انه في جدال الملاحدة و الحداثيين جذيلها المحكك قد جرسته و ضرسته صروف المناظرات و المباحثات..مع ذلك فقد اعلنها المفكر محمد قطب قطيعة له مع المنهج الجدلي و التماسا لطريفة اعلى..فكان مثالا نيرا على مسار اهل الصدق و توجههم في ترقيهم..فماكان من حسناتهم و هم صديقون صار من سيئاتهم و هم مقربون..و هو مثال حي على ما توج به القرآن كل الآيات المذكورة بآية من الروائع تصف الحالة الانسانية ابلغ وصف:
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا
بعد أن انتهى الكلام في بيان السبب المانع من رؤية السر الخفي الذي ليس بوسع احد علمه..و بيانه في العالم الأكبر من عدم شهود انفتاق الكون وبداية الخلق..حتى ان بعض من زعم انكشاف السر له من الحلوليين و العرفانيين كان يقول : ان هذه الآية هي أشد آيات القرآن على قلبه...انتقل الى بيان السبب المانع من رؤية السر المعلن و الذي بوسع كل احد علمه...و بيانه في العالم الأصغر..و كانه تنبيه الى انطواء العالم الأكبر فيه....
و اول ما يلاحظ هو صيغ العموم في هذه الآية و كأنها تريد ان تجمع الأحوال البشرية كلها في صعيد واحد و تعطيها توصيفا مشتركا لقلقها و سموها و انحدارها
فكلمة المثل جاءت نكرة بعد صيغتين من صيغ العموم الموكد..و المثل يطلق على الكلام الجامع الذي يقتضي صفتان..اولها ان ينتهي اليه الناس بعد تجارب في دروب الحياة و الموت و المعرفة و الجهل
ثم الخاصية الثانية للمثل انه تكون له قابلية الانتشار و القبول عند الناس و الاختصار لتيسير تذكره بحيث لا يبقى فيه ثغرة فبذلك يكون سائرا في الآفاق
فالأمثال المذكورة في القرآن هي منتهي الأقيسة و البراهين و الطرق التي ينتهي اليها الناس بعد السير الطويل و الهائم بين دروب و طرقات و مضايق الفكر و الوجود و اللغات و الوعي ..
و هذا الصنف من التعليم هو اجود التعليم و احسنه يقدم لك افضل ما يوجد من المعلومات و اسلمها من الانتقادات باقل كلفة و اخصر كلام يمكن ان يعقل و لاينسى ووضعه امام عينيك
كما سيكون لو انك حصلت في بحثك على دراسة موثقة من احدى الجامعات الكبرى تصب فيما تبحث فيه فسيكون من السفاهة ان تبحث عن حقيقته و مصداقيته على طريقة سعيد صالح..
و الا فالحكمة ان تدرسه قبل تضييع الوقت بالاعتراض و المجادلة فان لم يعجبك بعذ تعقله و ذكره انت حر تستطيع رفضه و يكون اخذ من وقتك اقل مما لو جادلت اولا..وهذا فيه اعتبار لعامل الوقت و اثره على المعرفة الانسانية كما قلنا سابقا...و لهذا تجد تعليم السابقين على هذا النحو .
كفعل مصعب بن عمير مع اسيد بن حضير حين شتمه هذا فعرض عليه قائلا: أوَ تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كُفَّ عنك ما تكره. فقال أُسَيْد بن حضير: أنصفت. ثم ركز حربته وجلس يستمع..
و لكن من كبر عليه الاستماع من خصمه كافرا كان او مومنا الا و كان الجدل مركبه و الطعن في الحكمة ديدنه و لهذا قال ابن عباس في مسألتنا هذه إذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم في معصية، وخطيئة إبليس في كبر...فان صار الواحد منا الى هذه المرتبة فلو وضعت امامه كل البراهين و الأمثلة فلن يقبلها و لن يراها و سيبقى متشبتا بالاحتجاج بالجهل يهذا السر الذي لم يعلمه و يحتج به كاحتجاج القدوة الأول ابليس به جاعلا عدم العلم كالعلم بالعدم و لهذا ربط ابن زيد بين هذه الأية بآيات مثل
{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}
ثم كلمة شيء أتي بها ايضا نكرة ..لتفيد العموم و التحقير..أي حتى ادنى الأشياء و اعلاها ما هي بهذا المستوى الانساني من الجدال...و فاضله بالأشياء حتى من غير العقلاء -على احد القولين في أخذ الآية على ظاهرها- و اتى به على هذه الصفة النكرة المفيدة للتوغل في العموم و لم يقتصر على العقلاء..فظاهره و الله اعلم و كأنها اشارة الى آية الأمانة و بيان السبب هنا الذي كان الانسان به ظلوما جهولا بتحملها و لم تتحملها ما نسميها نحن اليوم أشياءا من الجبال و السماوات و الأرض..فكلها نأت بنفسها عن هذه الأمانة الثقيلة من تحميلها الثبات على عدم تكلف ما لا يعلم مع شدة الاغراء...فلم يا ترى حملها الانسان؟؟
هذا ما يقودنا الى العنصر الثالت ..الانسان ..قوله الانسان هنا...هو قول عام يشمل جميع الانسانية مسلمها و كافرها.. فاللام هنا هي لام الماهية...ماهية الانسان .أي انسان ..دلالة على ان لا احد يسلم من هذا العارض حيثما وجدت حقيقة الأنسنة..و الجدل هنا مطلق دون تقييد ايضا كلفظ الناس..و كأنه اشارة عامة مجملة منبهة الى الذي سيكون به التفصيل و التقييد من بعد..و هو الذي حصل بتقييد الذم بالجدل بالباطل و قيادته الى الكفر بتخصيصه بالذين كفروا و تنبيهه بعد ذلك الى ما يفرق الكافر و المومن و ان التبسا معا بنوع جدل يتلبس به بني آدم...
فقام بالفصل بالتركيز على تحليل نفسبة الكافر آية بعد آية فردا و امة في حاضره و ماضيه و مستقبله ...و لم يذكر غير الكافر كما لو انه يشير الى ان الضد في هذه المسألة يعرف بالضد لاقتضاء الصراط المستقيم مخالفة اهل الجحيم فتكون النجاة للمومن من هذا الفخ بان ياتي نقيض ما ياتي به الكافر و يخالفه و ذلك يكون بمراجعة المومن لغروره العلمي بعد ارتكابه لزلة الجدل و تفطنه لجهله و حدودية معرفته الناتجة عن نقصه الذاتي..و كيف لا يكون اهلا ليعرف ذلك و هو قد سلم في اصله باعترافه بجهله في اخطر اغراء للمعرفة البشرية تسليما يسر القدر و التعليل..فهنا نرى الحكمة من ترابط الآيات اذ أتى بالقصة الأولى على بداية الافتراق بين الايمان و الكفر..بين آدم و ابليس على هذا السر...ثم توج بيان الفرق بعدها برائعة موسى و الخضر..و بين القصتين من المقابلة ما لا يخفى على متأمل...
ثم تنكيره للجدل و اتيانه به على صيغة التمييز..كأنه يقول : كان الانسان اكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل جدلاً..و كأنه ينبه الى ان الجدل لا يتولد عنه الا الجدل و خاصة في هذا الأمر الذي خاصم به ابليس اول المخاصمين..فلا ثمار في النهاية الا الدخول في حلقة مفرغة فيها من ثمار كل شيء الا ثمار العلم العمل و البحث و الفائدة..
و الجدال في هذا السر هو من ارجى الأشياء للذم و اكثرها مطابقة للآية مومنا كان او كافرا..و انما قلت انه ارجى من غيره من المواضيع كونه المجال كم بينا قبلا المجال الأكثر بعدا عن المقدمات الواضحة و البينة..فلن يكون طول الكلام فيه وفي نظائره غالبا الا جدلا و انتصارا للنفس لقلة الأدلة بقلة مقدماتها ..و غيره تتفاوت فيه حظوظ النفس قلة مع وضوح المعلومات و المقدمات و لهذا ما اثر كراهية الكلام و الجدال في شيء اكثر منه في هذا المجال حتى ان الخوارج مع شدة فتنتهم ما كانوا هم اول من ذموا يصفة الكلام و لم يطلق عليهم لقب المتكلمين حتى ظهرت القدرية بعدهم فبدأ المصطلح بالانتشار و اطلق على رؤوسهم و ذم المنتسبون اليه باتفاق الناس و لهذا اصل اذ ان النبي صلى الله عليه و سلم ما جوبه بالكلام فيه الا كرهه و عده من الجدال و اظهر ذلك واقعة علي و فاطمة رضي الله عنهما حين ايقظهما للصلاة..
و هنا لطيفة المناسبة في تقديم احد متعلقي فعل التصريف على الآخر في آيتي وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً {89} الإسراء و آية وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً {54} الكهف
و الذي يظهر لي و الله اعلم انه في الأولى تكلم عن كفر الناس و ابتعادهم فناسب بيان انه انزل لهم و تقديم الناس للاشارة انه قرب اليهم و يسر و لم يعسر فيكون بعيد المنال اما الثانية فكان بصدد بيان سبب هذا التولي و الاباء فقدم القرآن و اعطيت له الأولوية في التقديم و قرب للفظ للتصريف مشيرا الى ان العيب فيهم لا في القرآن و التنويه الى انه نزل بالحق لا بهوى الأنفس التي تحب من يجاملها وان كذب و تكره من ينقدها و ان صدق...
فهو من جنس مايعبر عنه الناس بقولهم : ذكر السم و اتباعه بالترياق
يؤيد ذلك ان أية الاسراء و هي السورة التي ابتدأت بذكر الناس و تكذيبهم و ارجافهم جاءت بعد معنى التحدي في الاعجاز..فناسب ان يبين ان هذا القرآن في متناول الناس جميعا و مع ذلك يتحدى
و آية الكهف و هي السورة التي ابتدأت بذكر الكتاب المتضمن لأسرار الفرقان ..جاءت بعد معنى العقوبة و سوء الخاتمة فناسب ان يبين سبيل النجاة ببيان ان في هذا لقرآن اسرار في المتناول في حد ذاتها
فانظر كيف تأخذ الآيتان بتلابيب الملحد ولاتترك له حجة لا في كم انتشار المعلومات و لا في نوعية المعلومات نفسها فان اراد ان يقف و يذكر فهو قرآن سهل ميسر لكل الناس..و ان اراد ان يقترب و يسجد فسيجد آياته و معانيه و اسراره ايضا في نفسها ميسرة لا تنفره بكثرة التعقيدات و الشقشقات كما في كلام غيره..
و لهذا كانت الآية الثالثة المشابهة لهما اتت مباشرة بعد قولهم على الله و افتراءهم بالقول بالبنوة او القول بالعقول الفعالة و تسميتها و الأجرام العليا بالملائكة و الفيض او ما شابه من اقوال الالحاد..فجمعت بيان الأمرين التذكر و عدم النفور مع ذكر القرآن وحده و استغنى عن ذكر الناس اذ المقام مقام الكلام عن الذي فوق الجميع و الغني عن الجميع فقال ...
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا
فهذه في الألوهية و ملائكته من العالم العلوي
و الثانية في النبوة و الكتب و الاتصال بالعالم السفلي
و الثالثة في اليوم الآخر و القدر و الحكمة من الربط بين العالمين
و هذه كما ترى جماع الايمان
و هذا الموضع قد نبه عليه كثير من المفسرين كالامام ابن عاشور و الامام البقاعي و الامام ابي الزبير و الدكتور فاضل صالح السامرائي من المعاصرين .و هذا الربط مني بالسبب المتعلق بمسألتنا هو زيادة على المعاني التي ذكروها كابتداء الكلام في كل سورة عن الكتاب او عن الكفار او مناسبتها للمخاطبين من العرب و الجن و الناس خصوصا وعموما او اقتران خاتمة كل آية بما ذكر قبلها من النعيم و الجدال وهي وجوه يكمل بعضها بعضا و يؤيد بعضها بعضا.. و هو من ادلة النظم المعجز الذي لا يدريه من يقدم على معارضة القرآن من الملحدين و النصارى لمجرد توهمه ان السر في فصاحة اللغة فقط..و عدم ادراكه النظم الترتيبية و التركيبية كما يحلو لأستاذنا محمود توفيق سعد تسميتها..و سيطرة السياق الكلى للسورة الذى به تُستبين معالم المقصود الأعظم الذى هو الروح السارى فى القرآن كله.
و في ذلك يقول شيخ الاسلام :
وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلاغته فقط أو نظمه وأسلوبه فقط ولا من جهة إخباره بالغيب فقط ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط بل هو آية بينة معجزة من وجوه متعددة من جهة اللفظ ومن جهة النظم ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك
ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل ومن جهة ما أخبر به عن المعاد ومن جهة ما بين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا
وقال تعالى
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا
وقال
قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون
وكل ما ذكره الناس من الوجوه في إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ولا تناقض في ذلك بل كل قوم تنبهوا لما تنبهوا له
حلمي الموحد
11-13-2010, 02:25 PM
أخي الفاضل عياض
بارك الله فيك وفتح عليك
و لكن من كبر عليه الاستماع من خصمه كافرا كان او مومنا الا و كان الجدل مركبه و الطعن في الحكمة ديدنه و لهذا قال ابن عباس في مسألتنا هذه إذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم في معصية، وخطيئة إبليس في كبر
فعلا أخي الكريم.... الجدل النابع من الكبر لا يؤدي إلا إلى مزيد من الجدل والشقاق.
ثم كلمة شيء أتي بها ايضا نكرة ..لتفيد العموم و التحقير..أي حتى ادنى الأشياء و اعلاها ما هي بهذا المستوى الانساني من الجدال...و فاضله بالأشياء حتى من غير العقلاء -على احد القولين في أخذ الآية على ظاهرها- و اتى به على هذه الصفة النكرة المفيدة للتوغل في العموم و لم يقتصر على العقلاء.
صحيح أخي الفاضل... وترى تأكيد ذلك في قول الله عز وجل في سورة الرعد:
وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩ ﴿١٥﴾
وفي سورة فصلت تجد الطاعة الكاملة الشامله (دون جدال) للجماد:
ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾
يؤيد ذلك ان أية الاسراء و هي السورة التي ابتدأت بذكر الناس و تكذيبهم و ارجافهم جاءت بعد معنى التحدي في الاعجاز..فناسب ان يبين ان هذا القرآن في متناول الناس جميعا و مع ذلك يتحدى
و آية الكهف و هي السورة التي ابتدأت بذكر الكتاب المتضمن لأسرار الفرقان ..جاءت بعد معنى العقوبة و سوء الخاتمة فناسب ان يبين سبيل النجاة ببيان ان في هذا لقرآن اسرار في المتناول في حد ذاتها
ونستطيع القول أيضا بأن الآية الأولى تشير إلى جدل الناس وعدم فهمهم للأمثال عن كبر ... هو ما يؤدي لكفرهم.
والآية الثانية تشير إلى جدل المؤمن (عن عدم علم) والذي يؤدي به إلى عدم فهم حكمة الله... ونرى بعدها قصة موسى عليه السلام (وهو مؤمن) وأين ذهب به جدله... إلى أن من الله عليه بمعرفة حكمة ما حدث.
ونستطيع هنا التمييز بين نوعين من الجدال:
الأول جدال الكافر مع المؤمن... عن كبر أوجهل أو عن كليهما.
والثاني جدال المؤمن مع المؤمن... عن جهل ودون كبر.
وكما نعلم أن الكثير من المعاني الجميلة موجودة في مستويات متنوعه من فهم الآيات.... وأي معنى هو كاف ليؤدي الغرض من الآية أو المثل.... والذي يفتح الله عليه بفهم أكثر من معنى يكون هذا من فضل الله ورحمته.
ونحن في انتظار المزيد من هذه الخواطر الرائعة ... رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة.
لك ان تتخيل سيدي الفهامة حلمي الابتسامة التي ارتسمت على وجهي..والاحساس اللذيذ أن تفيق باكرا و تفطر مبتدئا اليوم بهذه الابتسامة ..مستمتعا بمنظر البناء الذي بنيته بالأمس قد زيد عليه لبنات ممزوجة من اسمنت المنطق و تراب الأخلاق اضافت على عمارته جمالا لم يكن لك على بال...يعطي طعما آخر للقهوة :):
هذا و الله فضلا عن جماله انفع لداء الغموض من كثير جدل و أكثر علمية و اصوب منطقا...و لو اتجهت امتنا من قرون الى هذا الطريق في العلم و التعليم قبل ان يأخذه اعداءها لارتقى حالها بمومنها و بدعيها و فاسقها و منافقيها...فهو الطريق الأول الذي ارشدت اليه كتب السماء للانسجام مع الكون.. هو كتأمل بريق نجم لم تلحظه عيناك من قبل..او ايجاد معنى لبدر في ليلة حلكاء يطمئن له قلبك..او حتى غض طرفك لقوة اشعاع شمس الى حين..لم لا و هذا برهان ربي...هذا أكبر :):
حلمي الموحد
11-13-2010, 07:31 PM
أخي الكريم عياض
مستمتعا بمنظر البناء الذي بنيته بالأمس قد زيد عليه لبنات ممزوجة من اسمنت المنطق و تراب الأخلاق اضافت على عمارته جمالا لم يكن لك على بال...يعطي طعما آخر للقهوة
على مايبدو أن الله أنعم عليك أيضا بقوة الحدس علاوة على قوة البيان.... فأخيك مهندس معماري :):
و لو اتجهت امتنا من قرون الى هذا الطريق في العلم و التعليم قبل ان يأخذه اعداءها لارتقى حالها بمومنها و بدعيها و فاسقها و منافقيها...فهو الطريق الأول الذي ارشدت اليه كتب السماء للانسجام مع الكون..
أتوقع يا أخي الكريم أن نهضة الأمة لن تبدأ ممن قد ركنوا إلى الدنيا خوفا من أعدائها وطمعا في عطاياهم... سوف تبدأ إن شاء الله من موقع آخر لا يخطر على بالنا حاليا... وتأمل قول الله عز وجل في سورة محمد:
هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّـهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴿٣٨﴾
ألا تنطبق علينا حاليا هذه الآية المباركه؟
يا لمحاسن القدر :):
أما الآية فمحتمل فعلا..و الأوضح اتصال الآية يمقصود الشريط الغني و الفقير ظاهر..سلم نظرك..
حلمي الموحد
11-14-2010, 02:23 AM
بارك الله فيك وفي نظرك
رغم أنني الذي أوردت الآية إلا أن تركيزي كان منصبا على مسألة استبدالنا بمن سيكونون خيرا منا... نسأل الله العافيه... ولم ألحظ علاقتها بالشريط من ناحية الغني... الفقير.
نعتبرها زيادة الخير خيرين.... فالآيات زاخرة بالمعاني لمن ألقى السمع.
وفي انتظار توجهات الربان في الرحلة الممتعه
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010