الحمادي
11-11-2010, 12:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد أن رب السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبدالله ورسوله وعلى آله ومن تبعه إلى يوم البعث والنشور.
أبرأ إلى الله من كل حول وقوة إلا منه جل وعلا وأستلهم منه عظيم فضله ورحمته ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ثم أما بعد:
الدكتور محمد قطب -شفاه الله- من المنافحين عن دين الله عز وجل ، ومن العلماء الذين شابت لحاهم على عقيدة نحسبها راسخة متينة ، وطافوا بين ثنايا العلم وبطون دواوينه ، ولكن أبى الله العصمة إلا لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وأبى الكمال
إلا له عز وجل ، فما يقع فيه هؤلاء العلماء من النقص والخطأ هو أمر مستلزم لبشريتهم لكنه ينغمس في بحر العلم والمعرفة، فـ(إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث).
وما أريد أن أناقشه في هذه الأسطر هو ما كتبه الدكتور محمد في مقدمة الطبعة الحادية عشرة لكتابه(شبهات حول الإسلام)، حيث يرى الدكتور أن منهج الرد على الشبهات منهج خاطئ ،وأن الأفضل منه تبيين الإسلام للناس لا الرد على من افترى عليه ، فلما أن قرأت هذا الكلام ظل الأمر في رأسي سنوات مصدقا مكذبا ، حتى هممت أن أسطر ملاحظتي هذه في المنتدى لأستفيد ويستفيد الأعضاء ، وإني أرجو أن أعرف رأيكم ، ونستفيد جميعا من مناقشة الأفكار وطرحها فكما قيل:(العلم رحم بين أهله).
يقول الدكتور محمد قطب: (إن المنهج الذي يسير عليه الكتاب في صورته الراهنة هو إيراد الشبهة التي يثيرها أعداء الإسلام، ثم الرد عليها بما يبطلها. وذلك هو المنهج الذي تغير موقفي منه، فأصبحت أجد نفسي اليوم غير موافق عليه).
إلى أن قال: (ومع ذلك فإن تجربتي في حقل الكتابة الإسلامية والدعوة الإسلامية خلال تلك الفترة من الزمان، قد دلتني على أن الرد على الشبهات ليس هو المنهج الصحيح في الدعوة ولا في الكتابة عن الإسلام.
إن المنهج الصحيح هو عرض حقائق الإسلام ابتداءً لتوضيحها للناس، لا رداً على شبهة، ولا إجابة على تساؤل في نفوسهم نحو صلاحيته أو إمكانية تطبيقه في العصر الحاضر). وسيأتي الجواب عليه إن شاء الله .
تمهيد:
قبل البداية يجب أن نعلم أن مسلك الرد على الشبهات مسلك شرعي صِرف.
1- قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة: 159-160]
2- ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[البقرة: 174]
3- قال((وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) [آل عمران: 187].
4- قال تعالى:(وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)[الفرقان 52].
قال القرطبي: "(وجاهدهم به):قال ابن عباس:بالقرآن ،(جهادا كبيرا):لا يخالطه فتور".
قال الطاهر بن عاشور: (وعبر عن ذلك بالجهاد وهو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة.وصيغة المفاعلة فيه ليفيد مقابلة مجهودهم بمجهوده فلا يهن ولا يضعف ولذلك وصف بالجهاد الكبير،أي:الجامع لكل مجاهدة).
قلت: والمجاهدة نوعان : مجاهدة دفع و مجاهدة طلب.
والحق أن الدكتور لا يخالف الثاني ،وخلافه في الأول وسيأتي التوضيح.
بعد هذا العرض السريع للأدلة الشرعية نقول:
يرفض الدكتور محمد قطب منهج الرد على الشبهات ، ويرجع سبب رفضه لثلاثة نقاط:
1- أن الرد على الشبهات يعطيها لونا من الأهمية.
2- أن الإسلام غير محتاج لنا لنبرأ ساحته .
3- أن القرآن سلك منهج غير منهج الرد على الشبهات وعبر عنه بقوله:(حقيقة كذلك أن الكتاب-وإن أخذ من حيث الشكل
صورة الدفاع-فإنه في الواقع لم يكن دفاعاً بالمعنى المعروف ..وإنما كان في مضمونه الحقيقي مهاجمة لتلك الأفكار الضالة).
والجواب عليها كالآتي:
1-تعليله أن الشبهات تعطى أهمية عند الرد عليها ، نجيب عنه بأن الشبهات هي كالأمراض فالسكوت عنها قاتل.
2-تعليله بأن الإسلام غير محتاج للدفاع عنه ، نقول: هذا صحيح ولكن الله تكفل بدينه ، ولكنه جعل لذلك أسبابا وكلفهم بها،ثم
الإسلام نفسه أمر العلماء بالدفاع عنه حتى لا يغتر البسطاء بما يثار حول دينهم.
3-تعليله بأن منهج الإسلام هو البيان والمبادرة به ، فنقول:هذا اختزال واضح للمنهج، فالرد على الشبهات من جملة البيان وكشف الزيف والشبهات ، لأن المنهج كل لا يتجزأ ، فبيان صحة الإسلام ، والذب عن شيء واحد،ويبين صحة ما أقول ما سقته من الأدلة على الرد على المخالف،وما سأورده مما يخالف في الدكتور.
ثم قال الدكتور مسترسلا: (ثم إن التجربة قد دلتني على شيء آخر.. إن معركة الجدل التي يخوضها الشباب المسلم المتحمس مع أعداء الإسلام، لا تستحق في الحقيقة ما يبذل فيها من الجهد!
إن الكثرة الغالبة من هؤلاء المجادلين لا تجادل بحثاً عن الحقيقة ولا رغبة في المعرفة، وإنما فقط لإثارة الشبهات ومحاولة الفتنة،والرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول في معركة جدلية معهم، ولو أفحمهم الرد في لحظتهم!).
والجواب عن ذلك من أربعة وجوه:
الوجه الأول: إن السبب الذي أوقع الدكتور في مثل هذا ، كان لاعتماده على شيئين في التقييم: العقل والتجربة ، فيتبين لنا أن هذا الكلام ن الدكتور مبني على أفكار عقلية بحتة لا أدلة شرعية ولا مبررات واضحة ، والتجربة لا يلزم أن تسير في الاتجاه الصحيح ، بل يعرض لها ما يعرض كما لا يخفى.
الوجه الثاني: أن تعليل الدكتور بأن من يثير الشبهات أكثرهم من المعاندين ، فنقول : كم من العوام والشباب الفارغ وقع في هذه الشبهات ولم يستوعبها عقله ؟، فكون المثير لها معاندا لا يسوغ لنا السكوت عنها ، فإن التشكيك الذي كان ملعب المستشرقين في زمن من الأزمان فتك بكثير من أبناء المسلمين ، كما تفعل العلمانية هذه الأيام تماما بتمام سواءً بسواءٍ.
تأمل معي قول الإمام الشاطبي رحمه الله:
(حين تكون الفِرقة تدعو إلى ضلالتها، وتزينها في قلوب العوام، ومن لا علم عنده؛ فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس؛ فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدع والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت الشهود على أنهم منهم .
فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم، والتشريد بهم؛ لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تُرِكوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير منهم؛ إذا كان سبب ترك التعيين والخوف من التفرق والعداوة .
ولا شك أن التفرق بين المسلمين، وبين الداعين إلى البدعة وحدهم إذا أقيم عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين، ومن شايعهم واتبعهم .
وإذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة؛ إتلافها أسهل من إتلاف النفس.
وهذا حكم الشرع أبداً، يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل).[الاعتصام للشاطبي 2/228-229]
الوجه الثالث: الأجر العظيم ، والخير الكثير المترتب على الرد على منتقص دين الإسلام ، حتى ولو كان معاندا ومكابرا.
عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ , فَلَحَظَ إِلَيْهِ . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ .متفق عليه
قال الإمام أبو حاتم معلقا:(هذا الخبر كالدليل على الأمر بجرح الضعفاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت:(أجب عني)، وإنما أمر أن يذب عنه ما كان يقول عليه المشركون، فإذا كان في تقوّل المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يذب عنه، وإن لم يضر كذبهم المسلمين...وأرجو أن الله تبارك وتعالى يؤيد من فعل ذلك بروح القدس كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله عنه بذب الكذب عنه، وقال :(اللهم أيده بروح القدس ).اهـ[انظر المجروحين لابن حبان ص11].
الوجه الرابع: أن علماء الأمة من أول الدهر إلى وقتنا المعاصر ما زالوا يردون على أهل الكفر والجحود ، ويرفعون عن المغترين بهم ما لبسوه عليهم ،فتأمل رعاك الله إلى الآثار المترتبة على قول الدكتور محمد قطب.
ومن هذه الآثار:
1- مخالفة ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله في المنهج الصحيح لهذه القضية.
2- استفحال الشبهات في قلوب الشباب والعامة ، وبنظرة سريعة على مواقع الإلحاد تجد أن عقولهم مليئة بالشبهات ، ولم يوقعهم في الإنكار والجحود إلا شبهات وقعت في طرقهم عَرَضًا.
3 -إماتة همم طلاب العلم عن مثل هذا الجهاد العظيم ،، فكم من درر خرجت لنا من غضبة عالم في ذات الله.
بعد هذا:
قد يسأل سائل:لمَ تنتقد الدكتور محمد قطب فما قدمه للدين كثير ؟ ثم لمَ تنشر ذلك؟.
أقول: واجب المسلم أن يبين الحق ولا يجامل أحدا على حسابه ، ثم النشر للانتشار ، أي نشرت هذا لانتشار الكتاب وتطاير صحفه في الآفاق ..
أخيرا:
جزى الله خيرا الدكتور محمد قطب على ما قدم للإسلام والمسلمين ، ونسأل الله أن يشفيه ويكفر خطاياه،وأنا أوصي إخواني بكتب الدكتور محمد وخاصة كتابيّ:(شبهات حول الإسلام)و(مذاهب فكرية معاصرة)..
عانى كتابته أخوكم / الحمادي
بتأريخ 5/12/1431 هـ
اللهم لك الحمد أن رب السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبدالله ورسوله وعلى آله ومن تبعه إلى يوم البعث والنشور.
أبرأ إلى الله من كل حول وقوة إلا منه جل وعلا وأستلهم منه عظيم فضله ورحمته ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ثم أما بعد:
الدكتور محمد قطب -شفاه الله- من المنافحين عن دين الله عز وجل ، ومن العلماء الذين شابت لحاهم على عقيدة نحسبها راسخة متينة ، وطافوا بين ثنايا العلم وبطون دواوينه ، ولكن أبى الله العصمة إلا لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وأبى الكمال
إلا له عز وجل ، فما يقع فيه هؤلاء العلماء من النقص والخطأ هو أمر مستلزم لبشريتهم لكنه ينغمس في بحر العلم والمعرفة، فـ(إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث).
وما أريد أن أناقشه في هذه الأسطر هو ما كتبه الدكتور محمد في مقدمة الطبعة الحادية عشرة لكتابه(شبهات حول الإسلام)، حيث يرى الدكتور أن منهج الرد على الشبهات منهج خاطئ ،وأن الأفضل منه تبيين الإسلام للناس لا الرد على من افترى عليه ، فلما أن قرأت هذا الكلام ظل الأمر في رأسي سنوات مصدقا مكذبا ، حتى هممت أن أسطر ملاحظتي هذه في المنتدى لأستفيد ويستفيد الأعضاء ، وإني أرجو أن أعرف رأيكم ، ونستفيد جميعا من مناقشة الأفكار وطرحها فكما قيل:(العلم رحم بين أهله).
يقول الدكتور محمد قطب: (إن المنهج الذي يسير عليه الكتاب في صورته الراهنة هو إيراد الشبهة التي يثيرها أعداء الإسلام، ثم الرد عليها بما يبطلها. وذلك هو المنهج الذي تغير موقفي منه، فأصبحت أجد نفسي اليوم غير موافق عليه).
إلى أن قال: (ومع ذلك فإن تجربتي في حقل الكتابة الإسلامية والدعوة الإسلامية خلال تلك الفترة من الزمان، قد دلتني على أن الرد على الشبهات ليس هو المنهج الصحيح في الدعوة ولا في الكتابة عن الإسلام.
إن المنهج الصحيح هو عرض حقائق الإسلام ابتداءً لتوضيحها للناس، لا رداً على شبهة، ولا إجابة على تساؤل في نفوسهم نحو صلاحيته أو إمكانية تطبيقه في العصر الحاضر). وسيأتي الجواب عليه إن شاء الله .
تمهيد:
قبل البداية يجب أن نعلم أن مسلك الرد على الشبهات مسلك شرعي صِرف.
1- قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة: 159-160]
2- ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[البقرة: 174]
3- قال((وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) [آل عمران: 187].
4- قال تعالى:(وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)[الفرقان 52].
قال القرطبي: "(وجاهدهم به):قال ابن عباس:بالقرآن ،(جهادا كبيرا):لا يخالطه فتور".
قال الطاهر بن عاشور: (وعبر عن ذلك بالجهاد وهو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة.وصيغة المفاعلة فيه ليفيد مقابلة مجهودهم بمجهوده فلا يهن ولا يضعف ولذلك وصف بالجهاد الكبير،أي:الجامع لكل مجاهدة).
قلت: والمجاهدة نوعان : مجاهدة دفع و مجاهدة طلب.
والحق أن الدكتور لا يخالف الثاني ،وخلافه في الأول وسيأتي التوضيح.
بعد هذا العرض السريع للأدلة الشرعية نقول:
يرفض الدكتور محمد قطب منهج الرد على الشبهات ، ويرجع سبب رفضه لثلاثة نقاط:
1- أن الرد على الشبهات يعطيها لونا من الأهمية.
2- أن الإسلام غير محتاج لنا لنبرأ ساحته .
3- أن القرآن سلك منهج غير منهج الرد على الشبهات وعبر عنه بقوله:(حقيقة كذلك أن الكتاب-وإن أخذ من حيث الشكل
صورة الدفاع-فإنه في الواقع لم يكن دفاعاً بالمعنى المعروف ..وإنما كان في مضمونه الحقيقي مهاجمة لتلك الأفكار الضالة).
والجواب عليها كالآتي:
1-تعليله أن الشبهات تعطى أهمية عند الرد عليها ، نجيب عنه بأن الشبهات هي كالأمراض فالسكوت عنها قاتل.
2-تعليله بأن الإسلام غير محتاج للدفاع عنه ، نقول: هذا صحيح ولكن الله تكفل بدينه ، ولكنه جعل لذلك أسبابا وكلفهم بها،ثم
الإسلام نفسه أمر العلماء بالدفاع عنه حتى لا يغتر البسطاء بما يثار حول دينهم.
3-تعليله بأن منهج الإسلام هو البيان والمبادرة به ، فنقول:هذا اختزال واضح للمنهج، فالرد على الشبهات من جملة البيان وكشف الزيف والشبهات ، لأن المنهج كل لا يتجزأ ، فبيان صحة الإسلام ، والذب عن شيء واحد،ويبين صحة ما أقول ما سقته من الأدلة على الرد على المخالف،وما سأورده مما يخالف في الدكتور.
ثم قال الدكتور مسترسلا: (ثم إن التجربة قد دلتني على شيء آخر.. إن معركة الجدل التي يخوضها الشباب المسلم المتحمس مع أعداء الإسلام، لا تستحق في الحقيقة ما يبذل فيها من الجهد!
إن الكثرة الغالبة من هؤلاء المجادلين لا تجادل بحثاً عن الحقيقة ولا رغبة في المعرفة، وإنما فقط لإثارة الشبهات ومحاولة الفتنة،والرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول في معركة جدلية معهم، ولو أفحمهم الرد في لحظتهم!).
والجواب عن ذلك من أربعة وجوه:
الوجه الأول: إن السبب الذي أوقع الدكتور في مثل هذا ، كان لاعتماده على شيئين في التقييم: العقل والتجربة ، فيتبين لنا أن هذا الكلام ن الدكتور مبني على أفكار عقلية بحتة لا أدلة شرعية ولا مبررات واضحة ، والتجربة لا يلزم أن تسير في الاتجاه الصحيح ، بل يعرض لها ما يعرض كما لا يخفى.
الوجه الثاني: أن تعليل الدكتور بأن من يثير الشبهات أكثرهم من المعاندين ، فنقول : كم من العوام والشباب الفارغ وقع في هذه الشبهات ولم يستوعبها عقله ؟، فكون المثير لها معاندا لا يسوغ لنا السكوت عنها ، فإن التشكيك الذي كان ملعب المستشرقين في زمن من الأزمان فتك بكثير من أبناء المسلمين ، كما تفعل العلمانية هذه الأيام تماما بتمام سواءً بسواءٍ.
تأمل معي قول الإمام الشاطبي رحمه الله:
(حين تكون الفِرقة تدعو إلى ضلالتها، وتزينها في قلوب العوام، ومن لا علم عنده؛ فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس؛ فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدع والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت الشهود على أنهم منهم .
فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم، والتشريد بهم؛ لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تُرِكوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير منهم؛ إذا كان سبب ترك التعيين والخوف من التفرق والعداوة .
ولا شك أن التفرق بين المسلمين، وبين الداعين إلى البدعة وحدهم إذا أقيم عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين، ومن شايعهم واتبعهم .
وإذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة؛ إتلافها أسهل من إتلاف النفس.
وهذا حكم الشرع أبداً، يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل).[الاعتصام للشاطبي 2/228-229]
الوجه الثالث: الأجر العظيم ، والخير الكثير المترتب على الرد على منتقص دين الإسلام ، حتى ولو كان معاندا ومكابرا.
عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ , فَلَحَظَ إِلَيْهِ . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ .متفق عليه
قال الإمام أبو حاتم معلقا:(هذا الخبر كالدليل على الأمر بجرح الضعفاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت:(أجب عني)، وإنما أمر أن يذب عنه ما كان يقول عليه المشركون، فإذا كان في تقوّل المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يذب عنه، وإن لم يضر كذبهم المسلمين...وأرجو أن الله تبارك وتعالى يؤيد من فعل ذلك بروح القدس كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله عنه بذب الكذب عنه، وقال :(اللهم أيده بروح القدس ).اهـ[انظر المجروحين لابن حبان ص11].
الوجه الرابع: أن علماء الأمة من أول الدهر إلى وقتنا المعاصر ما زالوا يردون على أهل الكفر والجحود ، ويرفعون عن المغترين بهم ما لبسوه عليهم ،فتأمل رعاك الله إلى الآثار المترتبة على قول الدكتور محمد قطب.
ومن هذه الآثار:
1- مخالفة ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله في المنهج الصحيح لهذه القضية.
2- استفحال الشبهات في قلوب الشباب والعامة ، وبنظرة سريعة على مواقع الإلحاد تجد أن عقولهم مليئة بالشبهات ، ولم يوقعهم في الإنكار والجحود إلا شبهات وقعت في طرقهم عَرَضًا.
3 -إماتة همم طلاب العلم عن مثل هذا الجهاد العظيم ،، فكم من درر خرجت لنا من غضبة عالم في ذات الله.
بعد هذا:
قد يسأل سائل:لمَ تنتقد الدكتور محمد قطب فما قدمه للدين كثير ؟ ثم لمَ تنشر ذلك؟.
أقول: واجب المسلم أن يبين الحق ولا يجامل أحدا على حسابه ، ثم النشر للانتشار ، أي نشرت هذا لانتشار الكتاب وتطاير صحفه في الآفاق ..
أخيرا:
جزى الله خيرا الدكتور محمد قطب على ما قدم للإسلام والمسلمين ، ونسأل الله أن يشفيه ويكفر خطاياه،وأنا أوصي إخواني بكتب الدكتور محمد وخاصة كتابيّ:(شبهات حول الإسلام)و(مذاهب فكرية معاصرة)..
عانى كتابته أخوكم / الحمادي
بتأريخ 5/12/1431 هـ