المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خذوا على أيديهم...لا تُغرقوا السَّفينة ..!



مالك مناع
11-17-2010, 01:05 AM
خذوا على أيديهم...لا تُغرقوا السَّفينةَ
د.عبد العزيز بن ندَى العتيـبي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نَبيّ بعده أما بعد:

إنَّ الخراب والدّمار لا ينشده ذَوُو العقول والألباب فلا أحد يقبل بهدم بيته، وخراب داره، ولا يسعى في ذهاب مصالحه وفساد شأنه، ولكنها الفتَنُ إذا حلت بأرض جعلت من النساء أَيامَى، والأبناء يتامَى، والديار خرابا، والسواد بياضا، واعلموا عباد الله! أنَّ دعاةَ الفتَن وموقدوها، ورؤوس الفوضى، وأقطاب الفساد زينوا للدّهْماء وعامة الناس أنَّهم دعاة إصلاح، وهم دعاة فساد في البلاد، ونار شر تُحرق العباد، قال الله تعالَى في هؤلاء وأمثالًهم:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ ) (البقرة 13ـ11)

أَي: ارجعوا عن سبل الغواية والضلال، قالوا: نَحن أهل الرأي السديد والقول الرشيد، وهم عند التحقيق عبيد للشهوات والشبهات (وَلَكنْ لاَ يَعْلَمُونَ)، فكيف نأمن أولئك على الدين والأنفس والأعراض والأموال؟!

بل كيف وُسّدوا الْمناصب، ووضعت تَحت أيديهم مصالح العباد؟! ودعوتُهم قائمة علَى الإفساد في كلّ واد!

ولله در القائل:
ومن ذا الذي يرجو اللئيم سجية
ويأمل ريا منه وهو سراب
ويعقد كفيـه على وُدّ غَـادر
ألا إن عمران العدو خراب

التّعوذُ من جَهْد البَلاء

لن ندع أحدا يهدم بيتا وَيخرب مسجدا، ولن نترك الداء يسري في الْمجتمع يسمم الناس بأفكار هدامة، نهايتها الحسرة والندامة، ولماذا تُهمل هذه الأفكار والأحزاب تعيث في الأرض الفساد، فكلما ظهرت في مكان أو زمان نشرت البلاء والوباء، وأحيت الفتن وانتشر الْهرج، وشاعت الفوضى، وعمَّ الفساد في الأرض، وعندنا تصبح الفوضى سائدة فلا تسأل عن الْهلكة، وعذاب الفرقة والاضطراب والخلاف الذي يحل في الأوطان، ويضعف البلدان، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على سلامة الْمجتمع من البلاء والفتن وشقاء العيش وصعوبة الحياة فكان يرشد أصحابه إلَى أفضل الدعاء، كما روى البخاري (6616)، ومسلم (2707) في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوذوا بالله من جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وَشَماتة الأعداء».

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا

لقد تنوع التوجيه والبيان والإرشاد في كتاب الله وسُنة نَبيّه ومن ذلك ضرب الأمثال لتدرك العقول وتعي القلوب مراد الله، ليكون قريبا إلَى الأذهان :
قال تعالَى: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (إبراهيم: 25)،
وقال تعالَى: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (الحشر: 21)

وسنذكر مثلين من السنة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم تبين أن الفتن تبدو صغيرة فإذا بها تصبح في قوتها وفتكها بركانا هائجا.

ومعظمُ النار من مُستصغر الشرر

أولا: الاستهانة بصغائر الذنوب :
روى أحمد في الْمسند (331/5) بسند صحيح من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُم ومُحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حَتَّى أَنْضَجوا خبزتَهم، وإن مُحقرات الذنوب مَتَى يؤخذ بها صاحبها تُهلكه»، وله شاهد رواه أَحْمدُ في الْمُسند (402/1) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إيَّاكم ومُحقرات الذنوب فَإنَّهن يَجتمعن على الرجل حتَّى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لَهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يَجيء بالعود حتّى جَمعوا سوادا، فَأَجَّجُوا نارا، وأَنْضَجوا ما قذفوا فيها».

1- ضرب النبي صلى الله عليه مثلا الذنوب الصغيرة والاستهانة بأمرها بالأعواد الصغيرة التي إذا اجتمعت أوقدت نارا وأنضجت طعاما.

2- ويستفاد من الحديث أن بعض الفتن تبدو صغيرة ولكنها سبيل إلى القضاء على الْمَمالك والدول، وضياع لمصالح الأمم والشعوب، فلا بد من حسم مادّتها، وَوَأْدها في مهدها.

نَجاةُ السفينة نَجاةُ الْمُجتمع

ثانيا: الأخذ على أيدي المخالفين والمنحرفين نجاة للأمم
روى البخاري في صحيحه (2493، 2686) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء يَمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولَم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نَجوا ونَجوا جَميعا».

وفي رواية له: «فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الْماء فَإن أَخَذوا على يَديه أَنْجَوه ونَجَّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم».

وفي رواية لابن حبان في صحيحه (533/1): «فقال: من ناوأه من السفهاء: إفعل، فأهوى إلَى فأس ليضرب بها أرض السفينة، فأشرف عليه رجل رشيد فقال: ما تصنع؟ فقال: نحن أقربكم من المرفق وأبعدكم منه أَخرقُ دف السفينة فإذا استغنينا عنه سددناه، فقال: لا تفعل فإنك إن فعلت تَهلك ونَهلك».

1- ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا المجتمع فيه قوم صالحون وآخرون مفسدون وقعوا في المخالفة والانحراف عن الصراط المستقيم، بجماعة في سفينة همَّ بعضهم بفعلي ظاهره مصلحة وهو خطر على السفينة وأهلها، فلا بد أن يأخذ العقلاء على أيدي السفهاء، ولا يتركوهم وما أرادوا، وَيَمنعوا الأقوال والأفعال الْمُنحرفة ففي ذلك النجاة والسلامة للجميع.
2- قال الله تعالَى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (الأنفال: 25) أَيْ: لا تَختصُّ إصابتها برؤوس الضلالة، ومن يباشر الظلم منكم بل يعمه وغيره، كإقرار الْمنكرات، والْمُداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وافتراق الكلمة، وظهور البدع، والسكوت عن سادات الفوضى فأعمالُهم تعقبها فتن لا تبقي ولا تذر.
3- ويستفاد من قول الله سبحانه وتعالَى وحديث نَبيّه أنه إذا لَم يأخذ العقلاء على أيدي السفهاء من العابثين بالأمن، ودعاة الشر، وباعثي الفتن ضاعت البلاد وهلك العباد، ولا يخفى أن استمرار الحضارات وحياة الشعوب وصلاح المجتمعات في حاجة لعلاج ناجع ومواقف حازمة، فشرارة الفتنة تطفأ في حينها، وأفكار السوء والْمعتقدات الْمنحرفة توأد في مهدها، والأفاعي تقتل في جحورها.

القضاءُ على مادَّة الفساد

فلا يستهان بمادة الفساد التي تتسلل إلى الجسد فيتآكل شيئا فشيئا حتى تفتك به، فصغائر الذنوب تؤذي، والْمُداومة عليها سَيجرُّ يوما إلَى الوقوع في الكبائر، فحذار من كل زلة وانْحراف، وتَنبَّه من الوقوع في الفتن، ولا تستصغر أَمْرَ قَذاة وقعت في العين فكم من الدمع أسالت علَى الْخدّينً. وكذلك شأن الذنوب والمعاصي والبدع في الناس، والخطوب والأخطار عندما تستهين بها الدول والأمم...

مثلُ القذاة بعين المرء يَحقرُها
ودمعُها أبداً من وَخْزها يكًفُ



تاريخ النشر: الاثنين 3/3/2008
جريدة الوطن (الكويت)

عَرَبِيّة
11-17-2010, 02:59 AM
بارك الله فيكم ..
اسميك عذراً في أن أضيف مقالاً يثري الموضوع إن شاء الله
تحت عنوان " العواصم من الفتن"

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
فيا عباد الله : اعلموا أن من أصول الإيمان وأساس الملة :التصديق والإيمان بكل ما أخبر به الله عز وجل أو أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان في شك مما أخبر به الله أو مما أخبر به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فهو لم يدخل الإيمان في قلبه والعياذ بالله .
وإن مما أخبرنا الله ورسوله به ما يخص الفتن التي سوف تتعرض لها هذه الأمة سواءً على مستوى مجموع الأمة أو على فرد من أفرادها .
وهذه الفتن أيها المؤمنون متنوعة: فالكفر والشرك والبدع فتنة ،والوقوع في كبائر الذنوب والمعاصي فتنة ،والمال فتنة ،والنساء فتنة ،والأبناء فتنة، والسلطان والملك فتنة وتسلط الأعداء فتنة،والظلم والجور فتنة، وترجع هذه الفتن بكل أنواعها إلى قسمين رئيسيين :
الأول : فتنة الشبهات .
والثاني: فتنة الشهوات .

أما فتنة الشبهات : كالتشكيك في الدين، والوقوع في الشرك أو البدع، أو اختلاط الأمر على الإنسان فلا يميز بين الحق والباطل والمباح والمحرم، وغير ذلك فهذه فتنة الشبهات، ودواءها كما سوف يأتي بتعلم العلم وسؤال أهل العلم فبالعلم تزال كل الشبهات .

وأما فتنة الشهوات: وهي الغالبة كالافتتان بالنساء أو بالمال الحرام أو بالمنصب أو بالجاه ومن الفتن التي من قبيل الشهوات : الظلم والبغي والتعدي على العباد بغير حق ،وغير ذلك من فتن الشهوات. ودواء هذا النوع من الفتن:اليقين بوعد الله ووعيده .

ما المخرج وما العاصم من هذه الفتن ؟
لقد أجاب عن هذا السؤال ربنا جل وعلا الرحيم بعباده الذي هو أرحم بهم من أمهاتهم وأبائهم وأنفسهم سبحانه ما عبدناه حق عبادته وما قدرناه حق قدره .
أجاب عن هذا السؤال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمته .
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ، فهذا العواصم مستقاة ومستنبطة من كتاب ربنا ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .والرسول صلى الله عليه أوصى أمته عند حلول الفتن أن تأخذ بأسباب النجاة ولا تظل مكتوفة الأيدي فقد أخرج البخاري في صحيحه عن َأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ)أ.هـ
ولعل في الإشارة ما يغني عن بسط العبارة فنذكر أهم العواصم من الفتن نسأل الله أن يحمينا وإياكم من الفتن .

العاصم الأول: الدعاء
أيها المؤمنون: إن من أبرز مظاهر التوحيد وسلامة المعتقد أن يلجأ المؤمن لربه في كل أموره ويعلق قلبه به وخاصَّة أوقات الفتن فلا منجي ولا هادي ولا عاصم إلا الله فلا تلتفت لغيره يا عبد الله والزم وصية نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ،فقد جاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ).
وعلمنا صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ في دبر كل صلاة من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال .

العاصم الثاني : العلم .
أيها المسلمون : بالعلم يرفع الجهل وتستبين الأمة طريقها، بالعلم يرتفع اللبس عنها عند اختلاط الأمور، وكثرة الشرور .
والعلم الذي نقصده ونعنيه هو : العلم الشرعي؛ فالعلماء: هم قادة الأمة الذين يقودونها إلى بر الأمان، الذين يعلمون ما أنزل الله في كتابه وما جاء عن رسوله؛ فيبلغونه للأمة لكي تنجو من الفتن وتسلم في أوقات المحن . والعلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر .
وإن من العلم أن تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته وكيف واجهوا الفتن وتعاملوا معها فعليك بطريقتهم ومنهجهم وسلوكهم ففيه النجاة (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )، وهنا نهمس في آذان الدعاة والمربين والمصلحين أن يجعلوا مرتكز دعوتهم وأساس تربيتهم على العلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة وأن يحرصوا على تعويد الناشئة على حلق العلم والعكوف عليه ، فالعلم نور وهاد عند اشتداد الفتن نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح .

العاصم الثالث : العبادة والطاعة والعمل الصالح :
حينما تكثر الشهوات والملهيات وتنزين الدنيا للمؤمنين وتصرفهم عما خلقوا لأجله ، فالمؤمن يهرع ويفزع إلى سيده ومولاه إلى الرحمن الرحيم جل وعلا ، حينما يتملك قلبك الهم ، ويعلو محياك الغم ، فعليك منهج نبيك فأتم .
جاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العبادة في الهرج وفي رواية في الفتنة كهجرة إلي ).يعني بذلك أن لها ميزة وفضل وأجر عظيم في أوقات الفتن .
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله معلقاً على هذا الحديث : ( وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ،متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه "أ.هـ.
ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمرهرع وفزع إلى الصلاة .
جاء في صحيح مسلم عن ْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا" فالرسول صلى الله عليه وسلم حث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة عند حلول الفتن من صلاة وصيام وصدقة وبر وأداء للحقوق الواجبة عليك وصلة الرحم وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال ثبتنا الله وإياك على الطاعة .

العاصم الرابع : تربية النفس على الإيمان بالله وباليوم الآخر :
فبالإيمان بالله: يحصل تعظيمه وتعظيم أمره ومراقبته في السر والعلن، بالإيمان بالله يغرس في القلوب محبته ومرضاته وتقديمها على كل المحاب، بالإيمان بالله يتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى فيظهر أثرها على السلوك والأخلاق ويظهر قوة الإيمان بها وقت الفتن والشدائد ،.
والإيمان باليوم الآخر واليقين الجازم بما أعد الله في ذلك اليوم للمحسنين وما أعد للمسيئين تحصل العصمة بإذن الله من المغريات والشهوات التي هي ظل زائل ولا يعرف حقيقة الدنيا إلا من عرف حقيقة الآخرة وما أعد الله للمؤمنين ، يقول جل وعلا : ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) ويحصل اليقين بكثرة قراءة كتاب الله بتدبر وتمعن يقرأ ويتدبر ما أعد الله لعباده المؤمنين الذين حرموا أنفسهم من الشهوات المحرمة خوفاً من الله وقاموا بما أوجب الله عليه من العبادة طمعاً في الأجر من الله ويقرأ في كتاب الله ما أعد الله لمن عصاه من الويل والثبور فيكون زاجراً له عن الوقوع في الفتن ولقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في تربيته لهم أن يربيهم ويعلق قلوبهم بما أعد الله لهم في الجنة حتى في أحلك الظروف وأقسى الفتن فهذا صلى الله عليه وسلم يمر بآل ياسر وهم يعذبون ويسحبون في رمضاء مكة فيقول لهم صلى الله عليه وسلم ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) ولم يعلقهم ويعدهم بشيءٍ من حطام الدنيا .

العاصم الخامس : العمل بالعلم والدعوة إلى الله :
فإن العامل بدين الله الذي يبلغه وينشره الذي يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر هو من أبعدهم عن الوقوع في الفتن الذي ينصح للمسلمين ويدلهم على كل خير هو أكثر الناس بعداً عن الوقوع في الخلل والزلل وأكثر الناس توفيقا وهداية وسداداً ،يقول الله جل وعلا : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً ، وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً ، ولهديناهم صراطاً مستقيماً ) ، فحصل لمن عمل بما يوعظ به : الخيرية و الثبات والأجر العظيم والهداية للصراط المستقيم .

العاصم السادس : الخوف من الفتن والفرار منها :
وعدم الاغترار بالنفس ، إن المؤمن الصادق المتواضع الذي يخاف على نفسه ، ومن خاف نجا ومن أمن هلك .
فإذا رأيت فتنة مال أو نساء أوغيرها من الفتن فابتعد ، وإياك ومواطن الفتن والريب ، حتى لا يصيبك منها شيء ، وقد علمنا سلفنا هذا المنهج فكانوا يخافون منها ، فهذا ابن أبي مليكة يقول : " أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى النفاق على نفسه " أ.هـ ، وهذا أبوهريرة رضي الله عنه يقول : تكون فتنة لاينجي منها إلا دعاء كدعاء الغرق " أ.هـ ،أي الذي بلغ منه الخوف والوجل كخوف الذي أوشك على الغرق .
والخوف من الفتن المحمود ماكان باعثاً على العمل فهذا نبينا الكريم خاف من الفتن فهرع إلى العمل الصالح فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ.

كيف يعرف الإنسان أنه وقع في الفتنة أم لا ؟
أخيراً أختم هذا الحديث عن الفتن بهذا الأثر عن حذيفة رضي الله عنه - الفقيه بالفتن وما ورد فيها- كما جاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، أنه قال : " إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة ، وإن كان يرى حراماً كان يرى حلالاً فقد أصابته الفتنة "أ.هـ
فمن الفتن التي لا يعلمها كثير من الناس التقلب في الدين والرأي على غير هدى وبصيرة فمرة يؤيد الحق وأهله ومرة يؤيد الباطل وأهل والمهتدي من هداه الله والمعصوم من عصمه الله .

كتبه : ناصر بن يحيى الحنيني
منقول بتصرف ..المصدر (http://www.saaid.net/Minute/9.htm)