المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الماركسي ( محمد شحرور ) .. وكتابه عن القرآن



سليمان الخراشي
04-25-2005, 02:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


هذه مادة جديدة أضفناها لموقع ( الكاشف ) ؛ وهي من كتاب الدكتور محمد فاروق الخالدي - وفقه الله - " التيارات الفكرية والعقدية في النصف الثاني من القرن العشرين " ( ص 274-302) . ومن أراد الزيادة عن هذا الماركسي فعليه بكتاب " النزعة المادية في العالم الإسلامي " للأستاذ عادل التل ، ورد الشيخ عبدالرحمن حبنكة على شحرور " التحريف المعاصر " .




( 1 )

الكتاب والكاتب :




يعتبر هذا الكتاب من أضخم كتب التحريف المعاصر ، ومن أكثرها إثارة ، وقد رد على افتراءاته عدد من الكتاب والمفكرين المسلمين .
« حيث اختار الدكتور محمد بن ديب شحرور « سوري الجنسية » المذاهب الضالة ثيابًا تخيل للأغرار من أهل الأهواء والشهوات أنها مفهومات إسلامية ، وأن نصوص القرآن والسنة النبوية تدل عليها ، إذا قرئت قراءة معاصرة بأعين الفلاسفة المتعمقين .. »(1 ) .
وكان المهندس « شحرور » قد صيغ صياغة ماركسية ، حيث كان يسير في منهجه حسب أساليبها الفكرية وألفاظ كتبها ومصطلحاتها ، إذ اجتهد الكاتب أو من أملى الكتاب عليه أن يفسر القرآن وآياته بمنظار نظرية المعرفة عند الماركسيين ... وكان الهدف الأقصى هو العدوان على النصوص الدينية الربانية ، وإلغاء معانيها المشتملة على العقائد والأخلاق والشرائع والأخبار والأحكام الربانية إلغاء كليًا ، أو جزئيًا »(2 ) .
* كان في نظر الكاتب أنه لا بد من نظرية جديدة لإنهاض العرب والمسلمين ، تقوم على تلبيس الإسلام طاقية الماركسية ، بعد إدخال بعض التعديلات الجوهرية على الماركسية والإسلام ، وأن يغلف ذلك بالحريات التي أطلقها المبدأ الرأسمالي ، وألغتها الماركسية ، وأن يتهم الناتج بالعواطف القومية والوطنية ، حتى لا يبقى لنظريته لون أو طعم(3 ) .
** والضجة التي أثارها كتاب شحرور ، لم تحدث للقيمة التي يحملها الكتاب ، وإنما جاءت من خلال عنصر الإثارة المقصود ، ذلك أن الناس لم يعتادوا أن يسمعوا في حق الدين أقوالاً تصل إلى هذه الجرأة في مخالفة صريح الكتاب وصحيح السنة ، ونقض الإجماع ، والتعرض لشخصيات الصحابة بالهزء والسخرية ، وتسفيه علماء الأمة الإسلامية ، بهذه الطريقة المزرية ...
كما ساهم في هذه الإثارة المفتعلة ، الطريقة التي تناول فيها « شحرور » الآراء الفقهية الراسخة عند المسلمين ، وكانت مسألة خلق الإنسان وحجاب المرأة المسلمة موضع الإثارة المطلوب(4 ) .
* وقد كثرت الموضوعات المثيرة في كتاب « شحرور » حتى أن صاحب كتاب « النزعة المادية في العالم الإسلامي » يقول : لقد أحصيت في كتابه ما يزيد على ألف موضع يمثل انحرافًا عن المنهج الإسلامي(5 ) .
* لقد كان كتاب « د. شحرور » أشبه شيء بما جاء به أحمد خان الهندي ، وعلي عبد الرازق المصري ، من حيث مصادمتهم لأساسيات الدين الإسلامي ، وعنصر الإثارة في الصراع .
فقد دعا أحمد خان ، إلى الأخذ بمناهج الغرب وتطويع الإسلام ليتلاءم مع الحضارة المادية الغربية ، كما دعا على عبد الرازق ، إلى إسقاط نظام الخلافة ، واعتبر أنها نظام ليس له أصول ملزمة في الشريعة ...
وقد ظهر أن للاثنين صلات مريبة بالإنجليز آنذاك ، وتبعية للمستشرقين من اليهود والنصارى .
أما محمد شحرور فيظهر أن صلته كانت قوية بالماركسية والشيوعية ، عندما كان مبتعثًا إلى روسيا لدراسة الهندسة المدنية ما بين ( 1958 - 1964م ) .
وقد اكتمل تأثره بالمستشرقين خلال دراسته في إيرلندة « دبلن » ، لدراسة الماجستير والدكتوراه ما بين ( 1970م - 1980م ) في الهندسة المدنية أيضًا(6 ) .
* لقد درس « شحرور » الرأسمالية وعشق مبدأ الحريات المنبثق عنها ، و ( انصبغ ) بالواقـع الظاهر لهـذه الحريات ، بيـد أنـه لم يتعمق في المبدأ الرأسمالي وبطريقة تطبيقه بدقـة ، ولو فعل ذلك لوجد أن الديمقراطيات الغربية بما فيها أمريكا ، هي أعتى ديكتاتورية وجدت على وجه الأرض ، وأن الدستور والقانون ، يضعه أصحاب رؤوس الأموال الصناعيون والبنكيون ...( 7) .
* كما أن الكاتب لم يدرس الإسلام كما يزعم ، بل درس الفلسفة الماركسية ، ولذا فقد أثرت على طريقة تفكيره ، وسيطرت على أحاسيسه ، وأصبحت عنده الأساس في إعطاء المفاهيم عن الإنسان والكون والحياة(8 ) .
* * *
ويبدو أن جماعة من اليهود هم الذين كتبوا هذا الكتاب ، ليضع الدكتور شحرور عليه اسمه ويدافع عنه .
يقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة : بأنه التقى بصديقه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بمكة المكرمة ، وسأله عن كتاب الشحرور ، فذكر أنه اطلع عليه ، وأبان له عن رأيه في إسقاط الكتاب بإهماله ، وعدم الرد عليه ، لأنه أقل قيمة من أن يهتم له مفكر إسلامي .
* فقلت له : يغلب على ظني أن جماعة من اليهود هم الذين كتبوا له هذا الكتاب ، فذكر لي ما نشره في كتابه : « هذه مشكلاتهم » ، فأنا أنقل من كتابه هذا ما يلي : قال : « زارني عميد إحدى الكليات الجامعية في طرابلس الغرب ، في أوائل عام / 1991م ، وأخبرني أن إحدى الجمعيات الصهيونية في النمسا ، فرغت مؤخرًا من وضع تفسير حديث للقرآن « كذا » ، ثم أخذت تبحث عن دار نشر عربية تنهض بمسؤولية نشره ، وعن اسم عربي مسلم يتبناه مؤلفًا له ومدافعًا عنه ... ولكنها لم توفق إلى الآن للعثور على المطلوب ، على الرغم من أنها لم تتردد في الاستعانة ببعض الرؤساء ، والمسؤولين العرب .. » .
ثم يقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة : « يظهر أنها ظفرت بالمطلوب وتم طبع كتاب « الكتاب والقرآن - قراءة معاصرة » باسم الدكتور محمد شحرور سنة / 1992م(9 ) .
** والحقيقة أن هنالك غرابة وأكثر من استفهام ، إذ كيف يعلم الدكتور البوطي هذا ، ثم يساهم مع جودت سعيد في مرافقـة « محمد شحرور » إلى المنتديات العامة وإلقاء المحاضرات في دمشق ؟!
وهل كان البوطي جادًا في ثني عزيمة « حبنكة » عن الرد على الشحرور ، لأن الكتاب ساقط متهافت ؟! .
ويبدو أن الكتاب على ضخامته ، وتلون الافتراءات فيه ، يحتاج إلى جمعية وكتاب متفرغين ليتمكنوا من القيام بهذه المهمة ، وليس من تأليف مهندس مدني !! .



( 2 )

الماركسية هي مصدر التفكير عند الكاتب :




لقد أجمع الكتاب الذين قرأوا كتاب الدكتور « محمد شحرور » ، على أن منطلقاته الأساسية في كتابه ، كانت تعتمد المنهج الماركسي ، مع أسلوب اللف والدوران الذي لا يخفي على أحد .
* فقد قدم شحرور فلسفة ماركس وإنجلز ولينين ، على أنها حقائق يجب التسليم بها والإيمان بمقرراتها ، دون مناقشة .
وبناء على ذلك فقد بنى أفكاره على أنه ليس في الوجود رب خالق ، وعلى أن الكون كله مادة تخضع للتطور الحتمي ، ضمن قانون صراع الأضداد في الوجود المادي ، وفي التاريخ المادي كذلك(10 ) .
ويزعم « د. شحرور » أن الحقيقة الموضوعية ، هي الأشياء المادية الموجودة في الأعيان خارج حدود الوعي ، وأن الحق هو الوعي المطابق لها ، كما تزعم المادية الماركسية ، وكما يزعم « سارتر » في فلسفته اليهودية(11 ) .
** ويركز « شحرور » على النزعة المادية ، ويحدد حدود المفهوم المادي بقوله : « العلاقة بين الوعي والوجود المادي ، هي المسألة الأساسية في الفلسفة ، وقد انطلقتا في تحديد تلك العلاقة ، من أن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم المادي خارج الذات الإنسانية »(12 ) .
وهذا المبدأ الذي أقربه شحرور ، هو عين المبدأ الذي يؤمن به « ماركس ولينين والماديون عامة » ، فهو بذلك يحاول أن يخرج الوحي من مصادر المعرفة ، وبناء على ذلك لا يعتبر الدين عند الشحرور مصدرًا للمعرفة .
لذلك فهو يعتبر أن الفلسـفة أم العلوم ، جاء ذلك في قوله : « لا يوجد تعارض بين ما جاء في القرآن الكريم ، وبين الفسلفة التي هي أم العلوم » .
ثم تقول : « الكون مادي والعقل الإنساني قادر على إدراكه ومعرفته ، ولا توجد حدود يتوقف العقل عندها ... ولا يعترف العلم بوجود عالم غير مادي ، يعجز العقل عن إدراكه »(13 ) .
* ويؤمن شحرور بنظرية ( داروين ) في أصل المخلوقات ، ويرى أن البشر وجدوا على الأرض نتيجة تطور استمر ملايين السنوات ، حيث أن المخلوقات الحية بث بعضها من بعض طبقًا للقانون الأول للجدل ، وتكيفت مع الطبيعة ، وبعضه مع بعض طبقًا للقانون الثاني للجدل »(14 ) .
ويندد شحرور بمنكري نظرية داروين ، الذين يسميهم أصحاب الفهم المثالي للقرآن ، والذين يسخرون من نظرية ( داروين ) ، بزعم أنها غير علميه .. ويرى أن نفخة الروح في الإنسان هي الحلقة المفقودة في نظرية دارون حول الإنسان »(15 ) .
* يقول المهندس شحرور في كتابه :
« وخير من أول آيات خلق البشر عندي ، هو العالم الكبير ( داروين) فهل عرف داروين القرآن ؟!
أقول : ليس من الضروري أن يعرف ، فقد كان يبحث عن الحقيقة في أصل الأنواع ، والقرآن أورد حقيقة أصل الأنواع ، فيجب أن يتطابقا إن كان دارون على حق ، وأعتقد أن نظريته في أصل البشر في هيكلها العام صحيحة ، لأنها تنطبق على تأويل آيات الخلق »(16 ) .
** ويرى شحرور : أن الروح التي نفخها الله في آدم هي العطاء الفكري العلمي الذي أعطاه الله لآدم . ففضله على سائر الجنس البشرى الذي كان موجودًا في الأرض ، وتلك هي الحلقة المفقودة المنحدرة من سلالة القرود »(17 ) .
** ويقول الشحرور حول افتراءاته عن الروح :
« إذا كانت الروح هي سر الحيـاة ، فهذا يعنى أن البقر والأفاعي والسمك وكل الكائنات الحية ، من إنسان وحيوان ونبات لهـا روح ! وهذا غير صحيح لأن سبحانه وتعالى نفخ الروح في آدم ، ولم يقل : إنه نفخ الروح في بقية المخلوقات » !!(18 ) .
** ويبقى أن محاولة الجمع بين نظرية ( داروين ) المادية والمنهج الإسلامي باطلة بطلانا مطلقًا ، لانتفاء اللقاء بين المنهجين(19 ) .
* ويزداد الشحرور انحرافًا في ضلاله وتحريفه ، فيزعم أن أئمة المتقين الذين هم عباد الرحمن ، الذين جاء وصفهم في سورة الفرقان هم أئمة العلم المادي ، أمثال : ماركس وداروين وإنجلز ، فقال : « وقد حدد لنا القرآن أن آيات الربوبية هي ظواهر الطبيعة ، لذا فإن صفة أئمة المتقين هي الإيمان بالمادية وبالعلم وبالعقل ... لذلك فإن أئمة المتقين في فرقان محمد – صلى الله عليه وسلم - هم من أئمة العلم المادي ، وذوي التفكير العلمي البعيد عن الخرافة »(20 ) .
فمتى كان أئمة الكفر والفجور من اليهود أمثال لينين وماركس ، وداروين ، هم أئمة المتقين ؟! إن ذلك افتراء على العلم والحقيقة .
** لقد اختار الكاتب عنوان كتابه : « الكتاب والقرآن قراءة معاصرة » ليكون الانطباع الأول بأن مفهوم لفظ الكتاب « المصحف » غير مفهوم لفظ القرآن ...
وفي عنوان كتابه ما يشير إلى أنه كانت في الماضي قراءات ، بموجب فهمه للفظ « اقرأ » وستكون في المستقبل قراءات أخرى ، فنحن نعيش في عصر ، وعاش الناس قبلنا في عصور ، وسيعيش النـاس بعـدنا في عصور ، أي أن العصر هو أسـاس الفهم والإدراك عند الناس لإشـباع غرائزهـم وحاجاتهم العضوية ، وأن الواقـع « المادي » مصدر التفكير ، ويختلف هذا الواقع من عصر إلى عصر ، على أساس أن العصر أساس في فهم الإسلام ، وليس الإسلام هو الأساس في حل مشاكل العصر ، فالإسلام يخضع للعصر ، وليس العصر هو الذي يخضع للإسلام »(21 ) .
* وبذلك يتضح لنا مصادر التفكير عند الكاتب ، بأنها مصادر الفلسفة الماركسية بذاتها ، تلك التي تقوم على ما يسمى بالمادية الديالكتيكية ، والمادية التاريخية .
فالمادية الديالكتيكية – الجدلية - هي الجانب الثابت في الماركسية ، أما المادية التاريخية ، فهي توسيع نطاق أفكار المادية الجدلية ، حتى تشمل دراسة الحياة في المجتمع ، وتطبيق هذه الأفكار على حوادث الحياة في المجتمع ، أي على دراسة المجتمع وتاريخه ، وهذا هو الجانب المتطور والمتغير في الماركسية .
وتعني المادية الديالكتيكية : أن الكون والإنسان والحياة مادة تتطور من نفسها تطورًا ذاتيًا ، فلا يوجد خالق ولا مخلوق ، وإنما هو التطور الذاتي في المادة( 22) .
** وسوف نلاحظ فيما يأتي من فقرات ، أن المنهج المادي الماركسي ، هو الذي يلف موضوعات الكتاب كلهـا ، تحت قشـرة رقيقـة مفضوحة من تشوهـات وتصورات الكاتب عن الإسلام .
سواء في :
- نظرته للقرآن وتقسيمه إياه إلى كتب وأقسام .
- أو إلغاء دور النبوة والرسالة مع التفريق بينهما .
- و في شذوذات فقهية لم يقل بها أحد قبله ...
- أو في ضلالات عقدية عجيبة .



( 3 )

القرآن في المفهوم الماركسي في كتاب شحرور :




يدعى المهندس شحرور ، أن القرآن قد جـاء نصًا ثابتًا ، وأن إعجازه يكمن في قابليته للتأويل ، وفي تحرك المعنى وفق مفاهيم العصور المتلاحقة ، وحسب الأرضية المعرفية التي يتوصل إليها الناس .
ويخادع الكاتب لتمرير فريتـه هـذه ، بزعمـه أن إعجاز القرآن يكمن في أن نصه جاء قابلاً لتـأويلات مختلفـة ، تتطور مع تطور الإدراك الإنساني في مختلف العصور ، ليصل إلى أن التشريعات في كتاب الله « القرآن » قابلة للتطور بالتأويلات الإنسانية ، وفي هذا نسف للدين من جذوره .
ثم يقول : ( لا بد أن يكون القرآن قابلاً للتأويل ، وتأويله يجب أن يكون متحركًا وفق الأرضية العلمية لأمة ما ، في عصر ما ، على الرغم من ثبات صيغته ، وفي هذا يكمن إعجاز القرآن للناس جميعًا دون استثناء) ؟!!(23 ) .
* ومن أغرب ما تفتقت عنه عبقرية الكاتب في تأويلاته الباطلة ، تقسيمه المصحف الشريف إلى أربعة أقسام :
1 - القسم الأول : القرآن :
وهو ما له حقيقة موضوعية خارج الوعي الإنساني ، وهو كلمات الله ، وهو الذي يشتمل على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم - .
2 - القسم الثاني : السبع المثاني :
وهو بعض الحروف المقطعة في أوائل السور ، وهى سبع آيات فواتح للسور .. وتفهم فهمًا نسبيًا حسب تطور المعارف للعصر .
وكل من القرآن والسبع المثاني .. تفهم فهمًا نسبيًا حسب تطور معارف العصر ، وليس لها معنى ثابت .
3 - القسم الثالث : أم الكتاب « كتاب الله » :
ويشتمل على رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وفيه الأحكام والشرائع والوصايًا والحدود ، بما فيها العبادات ، وهى الآيات المحكمات .
القسم الرابع : تفصيل الكتاب :
هو المشتمل على آيات غير محكمات وغير متاشبهات .
* لقد اخترع الكاتب هذا التقسيم العجيب الغريب لكتاب الله ، من عند نفسه ليمرر مفترياته على كتاب الله المنزل على رسوله ، كما يهوى أساتذته الملاحدة الماركسيون ، والباطنيون في تأويلاتهم(24 ) .
** وتحت عنوان : القرآن هو الكتاب المبارك( 25) قال شحرور :
« أريد هنا أن أؤكد على نقطة في غاية الأهمية ، وهى أن القرآن كتاب الوجود المادي والتاريخي ، لذا فإنه لا يحتوى على الأخلاق ، ولا التقوى ولا اللياقة ولا اللباقة ، ولا تنطبق عليه عبارة !! « هكذا أجمع الفقهاء » .. إننا في القرآن والسبع المثنى غير مقيدين بأي شيء قاله السلف ، إننا مقيدون فقط بقواعد البحث العلمي ، والتفكير الموضوعي ، وبالأرضية العلمية في عصرنا ، لأن القرآن حقيقة موضوعية خارج الوعي فهمناها أم لم نفهمها ... » .( الكتاب والقرآن ) .
** « لقد ادعى المضلل أن الأحكام والتكاليف التي في المصحف ليست مما يطلق عليه لفظ « القرآن » ... بينما كان الرسـول والمؤمنون المسلمون وسائر العرب ، يفهمون أن لفظة « القرآن » تطلق على كل الآيات الكلامية التي كانت تنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم - والتي جمعت في المصحف ، واستمر كل الناس يفهمون هذا ، حتى جاء المحرف شحرور ، وادعى أن لفظة القرآن تطلق فقط على بعض آيات المصحف ، وهى الآيات التي تتحدث عن الوجود المادي والتاريخي »(26 ) .
** وله افتراءات عجيبة في تقسيمه لعنوان « أم الكتاب » ، إذ يقول : « إن مواقع النجوم ليست هي مواقع النجوم التي في السماء ، والتي هي من آيات الله الكونية العظمى ، بل هي الفواصل بين الآيات » ، وزعم أن لهذه الفواصل أسرارًا خاصة أقسم الله بها في قوله تعالى في سورة الواقعة « فلا أقسم بمواقع النجوم »(27 ) ، ومن ذلك قوله : « إن التسبيح في كتاب الله ، معناه صراع المتناقضين داخليًا الموجودين في كل شيء »(28 ) .
وهذه فكرة ماركسية يريد إسقاطها على معنى التسبيح الشرعي ، ومثل هذا في كتابه كثير .



( 4 )

ضلالات الكاتب حول النبوة والرسالة :




لقد فرق شحرور بين النبوة والرسالة ، وحاول جاهدًا إلغاء دور الرسول – صلى الله عليه وسلم - في بيان ما أنزل الله عليه ، وكان يهدف إلى إلغاء دور الشريعة في حياة المسلمين .
* وقد حصر الكاتب الرسالة في الشريعة وأحكام العبادات والأخلاق والسياسة ، وهذه الأمور لا يوجد لها حقيقة موضوعية ، إلا إذا اختار الإنسان إيجادها بإرادته - كما يزعم - .
وقد فرق كذلك بين نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – ورسالته ، وادعى أن محمدًا لم يكن يعلم تأويل النصوص التي كان فيها نبوته ، والتي تتناول ظواهر الوجود المادي وقوانين الطبيعة .
وادعى أن تأويل النصوص التي اشتملت على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم - ، سيكون من قبل ورثة النبي ، وهم في رأيه :
الفلاسفة وعلماء الطبيعة وعلماء فلسفة التاريخ ، ( أي أئمة الفكر الماركسي ) ، ودارون وعصابته(29 ) .
** ويقول الشحرور : « إن العرب منذ البعثة إلى يومنا هذا ، اهتموا برسالته وهجروا نبوته ، ولكن اهتم بنبوته ، كل معاهد الأبحاث العلمية والجامعات في العالم ،، وكل الفلاسفة ، ابتداء من أرسطو ، مرورًا بكانت وإنجلز وهيجل وديكارت » (30 ) .
لقد كان الكاتب مفتونًا بهؤلاء الفلاسفة ، وبقادة الفكر الماركسي ، ويريد أن يجعلهم ، هم ورثة النبوة ، وهم القادرون على تفسيرها وفهمها .
إذ أن النبوة مربوطة عنده بالعلوم الطبيعية والتاريخية ، ويحصر الرسالة في العلوم الاجتماعية وعلوم الشريعة ، فيخرج بذلك أحكام الحلال والحرام من خصائص النبوة(31 ) .
وهذا افتراء على كتاب الله وعلى رسالة نبيه ، فالنبوة تشمل كل ما يوحى به الله إلى رسوله ، الذي اصطفاه ليجعله نبيًا ، والرسول هو من يكلفه الله بحمل رسالة ما ، ليبلغها لمن أمره الله أن يبلغها لهم(32) .
** ولقد حاول الكاتب أن يلغى دور الرسول – صلى الله عليه وسلم - في بيان ما أنزل الله عليه من خلال تقسيماته للقرآن .. فزعم أن الرسول هو مبلغ للنص الرباني فقط ..
ففي تأويله لقسم ما سماه « قسم القرآن » ، ادعى أن الرسول لم يكن عالمًا به ، وزعم مفتريًا أن تأويل هذا القسم ، هو من اختصاص الفلاسفة وعلماء الطبيعة وعلماء فلسفة التاريخ ..
وأن هذا القسم يخضع للمفاهيم النسبية الزمنية - كما يزعم - .
أما تأويل قسم « أم الكتاب » المشتمل على أحكام سلوك الإنسان في الحياة ، فادعى أن دور الرسول فيه ، دور مجتهد لأهل عصره فقط ، وليس مبينًا لما أنزل الله عليه ، فيما يخص سلوك الناس جميعًا(33 ) .
فألغى بتضليله هذا دلالات نصوص القرآن ، التي جاء فيها تكليف الرسول ، أن يبين للناس ما أنزل إليهم ، وفيها قولـه تعـالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )[ سورة النحل : الآية 44 ] .
** ويكرر الشحرور هذه المعاني الباطلة في كتابه ، فيعتبر أن الثورة والعمل الثوري هو أساس التطور ، وأن عمل الرسول – صلى الله عليه وسلم - خلال سيرته ، كان منطبقًا تمامًا على مفهوم الثورة وشروطها عند الماركسيين ، ولذلك تحقق له النجاح .
وزعم أن مضمون رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم - كان اجتهادًا منه للظروف التي كانت في زمنـه ، وكانت تصرفاته أمورًا مرحلية قابلة للتكيف والتغير بتغير الزمان والمكان وتطور الأمة .
وزعم أن سنة الرسول لا يصح الاعتماد عليها كمصدر من مصادر التشريع ، بل يجب اعتبارها فصلاً من فصول حركة التطور الصاعد في ثورة اجتماعية ، يجب أن تتجدد أحكامها وشرائعها وأنظمتها ...
فالمجتهدون المعاصرون يجب عليهم - حسب زعمه - أن لا يلتزموا بسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وسمى عمل فقهاء المسلمين تحنيطًا للتشريع ، لأنهم لم يطوروا في الأحكام حسب الظروف الموضوعية ، مما أدى إلى تحنيط الأحكام وتجميد حركة التاريخ وإخماد الروح الثورية لدى العرب والمسلمين(34 ) .
* فالكاتب يقرر أن السنة النبوية ليست وحيًا من الله سبحانه وتعالى إلى نبيه ورسوله ، بموجب التعريف الخاطئ لفقهاء المسلمين للسنة : « كل ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو أمر أو نهى أو إقرار » .
ويقول : إن ما فعله النبي في القرن السابع في شبه جزيرة العرب ، هو الاحتمال الأول لتفاعل الإسلام مع مرحلة تاريخية معينة ، وهذا التفاعل ليس هو الوحيد وليس الأخير(35 ) .
* والحقيقـة أن الرسـول ما هو إلا مبلـغ عن الوحي قال تعالى : ( إنما أنذركم بالوحي ) [ الأنبياء : 45 ] ، ( وما ينطق عن الهوى  )[ النجم : 3 – 4 ] ، وبذلك تسقط استدلالات الكاتب في أن الرسول مجتهد فقط وأن السنة النبوية هي اجتهاد للرسول ، وتفاعل مرحلي بين الرسول وبين واقع الحياة في الجزيرة العربية وقت الرسالة ونزول الوحي .
وهذه فكرة من أخبث الأفكار المدمرة للعقيدة الإسلامية وللتشريع الإسلامي ، وهى وليدة النظرية التاريخية ( الماركسية ) ، التي عششت في ذهن الكاتب وسيطرت على دماغه(36 ) .
** وغاية الكاتب الأخيرة من كل هذه التحريفات الباطلة ، هو إلغاء دور الرسول ودور رسالته في حياتنا المعاصرة ، فقد جعل المطالبة بتطبيق الشريعة ، والسير بموجب تعاليم القرآن الكريم ، من الأخطاء الشائعة عند فقهاء المسلمين ، فقال :
« إني أنوه هنا بالخطأين الشائعين جدًا من قبل المسلمين وهما :
( أ ) المناداة بأن دستور الدولة القرآن .
(ب) خطأ المناداة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية »(37 ) .
* وغني عن التعريف هنا ، بأن رفض تحكيم الشريعة ، وإلغاء دور القرآن في حياة المسلمين ، كفر صريح ، قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون )[ المائدة : 44 ] ، وقال جل وعلا : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا  )[ النساء : 65 ] .





(5)
ضلالات الكاتب العقدية





الحقيقة أن كتاب المهندس شحرور ، جاء مليئًا بالضلالات العقدية ، من أوله إلى آخره ، وقد تحدثنا عن بعض تلك الضلالات في الفقرات السابقة ، ولكننا نريد هنا أن نلقى ضوءًا على تعرضه لبعض قضايًا العقيدة الإسلامية ، وتناوله إياها بالتحريف والتعطيل .
* فمن تحريفاته في مفهوم الشرك والتوحيد قوله :
« الشرك هو الثبات في هذا الكون المتحرك ، والوقوف ضد التطور وهذا شرك الربوبية ...
أما عدم تطوير التشريع ، وتثبيت مذهب أو مذاهب فقهية معينة ، فهذا هو شرك الألوهية .
فسكونية الفكر والفقه والتفسير ، هي من أوائل مظاهر الشرك الخفي عند العرب ، فالتخلف شرك ، والتقدم توحيد »(38) .
* فهو بذلك يحاول تسمية فقهاء المسلمين بالمشركين ، لالتزامهم بدلالات النصوص من الكتاب والسنة .
** ومن ضلالاته : تعطيله لأسماء الله تعالى( 39) :
فقد ابتدأ شحرور بحثه حول علم الله تعالى بالتساؤل .
« هل علم الله يقيني أم احتمالي ؟! » ثم أجاب عن ذلك بقوله : « نقول هو الاثنان معا »(40 ) .
* لقـد جعل الكاتب أن الاختيار الإنساني الواعي سبب لعدم علم الله تعالى بكل شيء ، وأن الله لا يعلم احتمالات تصرف هذا الإنسان كلها من الأزل ، وإنما يعلمها عندما يفكر الإنسان بها أي بعد وجودها .
يلاحظ هنا : استبعاد الكاتب شمول علم الله لأعمال الإنسان ، وهذا التصرف يمثل انحرافًا خطيرًا في العقيدة ، فهو يقود إلى التكذيب بالقدر ، وتعطيل ركن من أركان الإيمان ، والكاتب لا يهاب أن يفعل ذلك عن تعمد وإصرار(41 ) .
وقد سبق إلى التكذيب بالقدر : غيلان الدمشقي ، وقتل بسبب ذلك ، كان الأوزاعي - رحمه الله - قد ناظره ، وأفتى بقتله (42) .
** ومن ضلالاته العقدية : تعطيله لصفات الله تعالى(43 ) .
وعلى رأسها « كلام الله تعالى » يقول شحرور :
« إن مفهوم كلام الله في القرآن يعني الوجود المادي » .
« فالوجود هو عين كلام الله ، وهو مخلوق غير قديم »(44 ) .
وهذا يعنى عند شحرور ، أن كلام الله مخلوق ، ويدخل كلامه هذا ضمن تعطيل صفات الله تعالى ، وهو رأي القدرية والمعتزلة .
وشحرور يأخذ برأي الغلاة من المعتزلة ، ويسير على منهجهم ويشيد بهم ، ويهاجم الفقهاء جميعًا كعادته ، فيعتبر أنه بانتصار الفقهاء على المعتزلة ، تم قصم الفكر الإسلامي العقلاني(45 ) .
والواقع أن شحرور يمثل كذلك الرأي الفلسفي في موضوع تعطيل صفات الباري عز وجل ، إذ أن الفلاسفة الماديين ، يعتبرون كلام الله هو الوجود المادي ، أو عين الموجودات(46 ) .
** ومن انحرافاته الضالة : التكذيب بالقدر(47 ) .
ففي : « الأعمار والأرزاق » .
يقول شحرور : « لقد ظن الكثير أن عمر الإنسان ورزقه وعمله مكتوب عليه سلفًا ، وبذلك يصبح فاقد الإرادة ولا خيار له في أعماله وأرزاقه ، ويصبح العلاج والعمليات الجراحية بدون معنى ، ويصبح دعاء الإنسان دقة ضربًا من ضروب العبث واللهو »(48 ) .
* وهذه القضية التي ينكرها شحرور ، محسومة عند الأمة الإسلامية ؟ لأن فيها نصوصًا واضحة بينة ، من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولكن شحرور يرفض هذه الأدلة ، ويكذب بالقدر ، في واضحة النهار ، مثله في ذلك مثل غيلان الدمشقي والجعد بن درهم وغيرهم من القدرية ، الذين هم مجوس هذه الأمة(49 ) .
** أما الأعمار فمقدرة بعلم الله تعالى ، ومحدودة ، قال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلاً )[ آل عمران : 45 ] ، وبين تعالى أن سبب الموت هو انتهاء الأجل .قال جل من قائل : ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون  ) [ الأعراف : 34 ] .
فالله سبحانه وتعالى هو الذي قدر الخلائق قبل إيجادها ، وهو الذي خلقها كما قدرها ، وهو الذي يملك الحياة والموت(50 ) .
* وأما الأرزاق : فلا تختلف عن قضية الآجال ، فالرزق بيد الله أيضًا ، الآيات القرآنية تبين هذه الحقيقة الناصعة بوضوح .
يقول تعالى في كتابه : ( قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله )[ سبأ : 24 ] .ويقول : ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر )[ الرعد : 26 ] .والله هو المتفرد بالرزق : ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين  )[ الذاريات : 58 ] .
* إن جلاء هذه الحقيقة ووضوحها ، يمثل أصلاً ثابتًا من أصول الاعتقاد ، وركنًا أساسيًا في العقيدة الإسلامية ، فيجب الإيمان بأن الله هو الرزاق ، وهذا من ضرورات الاعتقاد بأسماء الله الحسنى(51 ) .
ومن أنكر ركنًا من أركان الإيمان ( كالإيمان بالقدر ) أو أنكر أسماء الله وعطل صفاته ، فقد كفر بالله جل شأنه .



(6)

نزوات الكاتب الفقهية :




يرى الكاتب « شحرور » أن الفقه الإسلامي الذي فهمه الفقهاء بما فيهم الصحابة - رضي الله عنهم - هو من التراث ، وأن أولئك فهموًا الإسلام حسب شروطهم وظروفهم وواقعهم المادي فهما متفاعلاً ، مع ظروف القرن السابع ، في شبه الجزيرة العربية ، وهم رجال ونحن رجال ، ونحن أقدر منهم الآن على فهم واقع القرن العشرين ...
وحين استلم الفقهاء قيادة الناس ، تحت عنوان أهل السنة والجماعة ، كانوا سبب تخلف المسلمين ، وقتل الفكر الحر النقدي الذي تبناه المعتزلة(52 ) .
وحيث أن فقهاء المسلمين ليسوا من أئمة العلم المادي ، فقد حرموا كثيرًا مما أحل الله ، وأبقوا الأمة في حالة من الجمود والتأخر ، ولذلك لا يدخلون في زمرة أئمة المتقين حسب زعمه(53 ) .
* ويزداد « شحرور » في غيه ، عندما يقول : « إن الطرح الذي ينادى بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على أساس أن الإسلام هو الموروث من كتب الفقه ، وأن حدود الله هي تشريع عيني ، هو طرح في فراغ ووهم ، لا يمكن أن يكتب له النجاح ، وهو من باب مضيعة المال والنفس والوقت ، علمًا بأن الدولة بدأت تنفصل عن الدين بمفهومه الموروث ... »(54 ) .
* يهاجم شحرور هنا الفقه الإسلامي الموروث ، ويدعو إلى نبذه ، ذلك الفقه الذي أهل الدولة الإسلامية العظمى للبقاء ثلاثة عشر قرنًا ، حتى أصابها الانحراف عن تطبيقه ، وتآمر عليه الملا حدة واليهود والنصارى من الخارج ، والمنافقون من الداخل ، فأسقطوا الدولة الإسلامية بالكيد والمكر والقوة المسلحة(55) .
* وقد أراد الشحرور بتحريفاته أن يصنع دينًا جديدًا ، فصار يبدل بأحكام الشريعة حسب هواه ، متخذًا لذلك حيلة التأويل والتعطيل لآيات الأحكام ، التي جاءت في كتاب الله تعالى .. وإن متابعته في تحريفاته في هذا الشأن يتطلب عدة مجلدات ، لذلك فسوف نقدم نماذج من تحريفاته فقط ، وقد جعل من نفسه إمامًا للمجتهدين المعاصرين ، فألغى أحكام الدين ، وهو يناقض دين الله لعباده زاعمًا أنه يستخرجه من كتاب الله بالتأويل الملائم لحاجات العصر(56) .
** النموذج الأول : تلاعبه في مفهوم الآيات المشتملة على ذكر حدود الله :
في الآيات ( 13 – 14 ) من سورة النساء ، في قوله تعالى : ( 57)
( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم  ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين  )[ النساء : 13 – 14 ] .
* فقسم حدود الله إلى ثلاثة أقسام :
- القسم الأول : له حد أدنى وهذا يجوز الزيادة عليه ، وقد ضرب مثلاً على هذا القسم ، ما له حد أدنى من المحرمات من النساء اللاتي جاء في القرآن تحريم نكاحهن ، فقال : هذه المحرمات هي الحد الأدنى ولا يجوز النقصان عنه على أساس أنه اجتهاد ، ولكن يمكن الاجتهاد بزيادة العدد ، كتحريم بنات العم والعمة ، وبنات الخال والخالة !!
- القسم الثاني : له حد أعلى ، وهذا يجوز النقص منه ، وضرب مثلا له عقوبات السرقة والقتل ، فيجوز النقصان من قطع يد السارق مثلاً ، على أساس أنه اجتهاد ، ولكن لا يجوز الزيادة عليه !!
- القسم الثالث : له حد أعلى وحد أدنى ، وهذا يجوز النقص من حده الأعلى والزيادة على حده الأدنى .وضرب مثلاً لذلك ، أحكام الميراث ، فالحد الأعلى ، هو ميراث الذكر الذي هو ضعف ميراث شقيقته الأنثى ، فيجوز الزيادة عليه ، ولكن لا يجوز النقص منه ، ويجوز إصدار قانون بإعطاء الأنثى أكثر من نصف ميراث شقيقها ، ولكن لا يجوز إعطاؤه أقل من نصف ميراثه !!
فهذا كفر صريح ، وتبديل لدين الله ، إذ جعل شحرور من نفسه شريكا لله عز وجل في بعض خصائص ربوبيته ، وهى أحكام شريعته لعباده(58 ) .
* فشحرور يرى هنا أن مفهوم السنة ، يعنى أن محمدًا – صلى اله عليه وسلم - اجتهد في الحدود بما يتلاءم مع ظروف شبه الجزيرة العربية في القرن السابع ، وهذا لا يعنى أبدًا أنه إذا طبق في موقف من المواقف الحد الأدنى ، أو الحد الأعلى ، علينا أن نلتزم بهذا الموقف أو ذاك وأن نستمر عليه إلى ( أن تقوم الساعة ) تحت شعار تطبيق السنة ، لأن هذا الموقف ليس له علاقة بالسنة(59 ) .
* النموذج الثاني من تحريفاته : ما أسماه بالفقه الجديد في موضوع المرأة :
وقد خبط ولفق في هذا الموضوع خبط عشواء .فأعطى نموذجًا عن آرائه هذه في عدة نقاط منها :تعدد الزوجات والإرث والمهر ، وحق العمل السياسي ، والعلاقات بين الرجل والمرأة(60 ) .
- ففي تحريفه حول تعدد الزوجات ، جعل الإذن هنا مقتصرًا عليه في حاله أن تكون الثانية فالثالثة فالرابعة من الأرامل أو المطلقات ، لا من الأبكار ، ومن شاء أن يتزوج أرملة أو مطلقة ولها أولاد ، فعليه أن يتحمل إعالة أولادها ، فيما يزعم ويفتري على دين الله(61 ) .
- ومن تحريفاته وضلالاته أنه زعمه أن نشوز الرجل هو الشذوذ الجنسي ، كما أن الرجل في نظره لا يملك حق طلاق زوجته(62 ) .
- ومن ذلك وقاحته فيما يتعلق بلباس المرأة وحدود عورتها .
فهو يرى أن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة عريانين ، ثم قيدهما بحدود ونصحهما بتعليمات ، فكان للمرأة عورة في الحياة العامة والمجتمع ، وعورة أمام المحارم .
فأمام الأجانب ( غير المحارم ) للمرأة أن تظهر كل جسدها باستثناء الجيوب ، وجيوب المرأة (حسب فهمه الماركسي الإباحة ) هو كل ما له طبقتان أو طبقتان مع خرق ، وهى ما بين الثديين وتحتهما ، وتحت الإبطين ، والفرج والأليتين ، وما عـدا ذلك فليس بعورة علمًا بأن الآية الكريمة ( يدنين عليهن من جلابيبهن )[ الأحزاب : 59 ] هي للتعليم وليست للتشريع6(63) !!
* أما أمام المحارم ، فالمرأة ليس لها عورة على الإطلاق ، فهي تجلس معهم كما خلقها الله عارية من كل شيء ، وأن الأب أو الأخ مثلاً ، إذا جلسـت ابنته أو أخته عارية أمامه في البيت ، لا يجوز له أن يقول لها : اذهبي والبسي ثيابك ، لأن هذا حرام ، بل يقول لها : هذا عيب .وكذلك الأمر مع سائر المحارم في نظره(64) !!!
وبذلك يكون الشحرور ، قد فاق أساتذته ( ماركس ولينين وفرويد ... ) في نشر الإباحية والتخلي عن الحياء والفطرة ، مع إلباس ذلك كله لبوس الإسلام .
* النموذج الثالث من تحريفاته : ما يتعلق بإباحة الربا(65) .
فقد زعم الكاتب أن الربا الذي يترتب على إقراض البنوك لذوي الفعاليات الاقتصادية ، الصناعية والتجارية ونحوها جائز ، بشرط ألا يزيد على ضعف رأس المال في السنة الواحدة ، وزعم أن هذا هو المقصود بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون  )[ آل عمران : 130 ] مع أن هذه الآية نزلت في أوائل العهد المدني لكف المؤمنين كفًا ابتدائيًا عن الربا ، بتحريم الأضعاف المضاعفة ، ثم نزل التحريم البات للربا قليلة وكثيرة في آيات سورة البقرة ، في أواخر العهد المدني في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين  فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون  )[ البقرة : 278 – 279 ] .
* وأي ربا في البنوك العالمية يصل إلى ضعف رأس المال في السنة الواحدة ؟!
وهو بذلك يزعم أن معاملات البنوك الربوية في العالم كلها تطبق أحكامَا يجيزها الإسلام ، وهذا عدوان صفيق على كتاب الله تعالى(66) .
=================
الهوامش
(1) التحريف المعاصر في الدين : عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني ص15 / دار القلم – دمشق / 1418هـ/1997م .
(2) المرجع السابق ، ص25
(3) تهافت القراءة المعاصرة : د. منير محمد طاهر الشواف ص3 ، طبعة ، 1993م ، الناشر : الشواف للنشر والدراسات .
(4) النزعة المادية في العالم الإسلامي : عادل التل ، ص 299 ، دار البينة للنشر والتوزيع / 1415هـ / 1995م .
(5) المرجع السابق : عادل التل ، ص305
(6) النزعة المادية في العالم الإسلامي : عادل التل ، ص297
(7) تهافت القراءة المعاصرة : د. منير محمد الشواف ، ص13
(8) المرجع السابق ، للشواف ، ص12
(9) ينظر : التحريف المعاصر في الدين ، عبد الرحمن حسن حبنكة ، ص22 ، الهامش .
(10) التحريف المعاصر في الدين : الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة ، ص134 – 135
(11) المرجع السابق ، ص139 وما بعدها .
(12) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : المهندس محمد شحرور ، ص42 ، نشر مؤسسة سينا للنشر القاهرة ، ومؤسسة الأهالي في دمشق .
(13) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص43 ، وينظر : منهج التفكير المادي عند شحرور ، ص307 – 313 ، لعادل التل في كتابه : النزعة المادية في العالم الإسلامي .
(14) الكتاب والقرآن : محمد شحرور ، ص290
(15) المرجع السابق ، ص253
(16) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص106
(17) التحريف المعاصر في الدين : الشيخ عبد الرحمن حبنكة ، ص89
(18) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور ، ص156
(19) النزعة المادية في العالم الإسلامي : الأستاذ عادل التل ، ص315
(20) الكتاب والقرآن : محمد شحرور ، ص525 ، وينظر : التحريف المعاصر في الدين ، ص206 ، 207
(21) تهافت القراءة المعاصرة : د. منير محمد الشواف ، ص29 – 30
(22) تهافت القراءة المعاصرة ، ص30 – 31 ، للشواف .
(23) ينظر : التحريف المعاصر في الدين ، ص27 – 31
(24) ينظر : قراءة معاصرة للكتاب والقرآن : محمد شحرور ص80 - 81 ، والتحريف المعاصر فى الدين ص58 - 59
(25) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : المهندس محمد شحرور ، ص91
(26) التحريف المعاصر في الدين ، ص69 - 70 ، بإيجاز .
(27) سورة الواقعة : الآية 75 ، وانظر التحريف المعاصر ، ص116
(28) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص291
(29) ينظر : الكتاب و القرآن ، محمد شحرور ، ص104 ، والتحريف المعاصر : عبد الرحمن حبنكة الميدانى ، ص87 – 88
(30) الكتاب والقرآن للمهندس شحرور ، ص84
(31) الكتاب والقرآن ، ص104 ، والتحريف المعاصر ، ص101 – 103
(32) ينظر التحريف المعاصر : عبد الرحمن حبنكة الميداني ، ص104 ، بإيجاز .
(33) ينظر : التحريف المعاصر ، ص125 – 126
(34) التحريف المعاصر في الدين ، ص212 – 214 ، عبد الرحمن حبنكة الميداني ، وانظر : الكتاب والقرآن ، محمد شحرور ، ص555 – 572 .
(35) تهافت القراءة المعاصرة : د. منبر الشواف ، ص20
(36) المرجع السابق للشواف ، ص462 – 463 ، وص469
(37) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور ، ص724
(38) الكتاب والقرآن قراءة معاصر ، 496
(39) النزعة المادية في العالم الإسلامي : عادل التل ، ص323 – 324
(40) الكتاب والقرآن : محمد شحرور ، ص386
(41) النزعة المادية في العالم الإسلامي : عادل التل ، ص324
(42) ينظر : لسان الميزان ، جـ4/492
(43) ينظر : النزعة المادية ، ص328 – 330
(44) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص256 – 257 ، وص259
(45) المرجع السابق ونفس الصفحة .
(46) النزعة المادية : عادل التل ، ص329
(47) ينظر المرجع السابق : ص332 – 342
(48) الكتاب والقرآن : محمد شحرور ، ص411
(49) النزعة المادية : عادل التل ، ص332 ، ( وقد قتل غيلان والجعد على يد ولاة المسلمين لكفرهما بسبب هذه المقالة ).
(50) السابق ، ص333 – 341
(51) ينظر : النزعة المادية في العالم الإسلامي42 عادل التل .
(52) تهافت القراءة المعاصرة : د. منير محمد الشواف ، ص21
(53) السابق ، ص27 ، د. الشواف .
(54) ينظر الكتاب والقرآن : محمد شحرور ، فصل أزمة الفقه الإسلامي ص575 – 588 .
(55) التحريف المعاصر في الدين ، ص219 ، الشيخ عبد الرحمن حبنكة .
(56) السابق ، ص193 – 194 ، بإيجاز .
(57) ينظر : الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص453 وما بعدها .
(58) التحريف المعاصر في الدين ، ص196 – 197
(59) تهافت القراءة المعاصرة ، ص23
(60) ينظر : الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ، ص592 – 629 ، محمد شحرور .
(61) التحريف المعاصر في الدين ، ص233 ، الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني .
(62) السابق ، ص235
(63) تهافت القراءة المعاصرة ، للشواف ، ص24 – 25
(64) السابق للشواف ، ص25
(65) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة : محمد شحرور ، ص467
(66) ينظر : التحريف المعاصر في الدين ، ص199 - 201 ، عبد الرحمن حبنكة .