المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحت قبة البرلمان



د. هشام عزمي
11-29-2010, 02:20 AM
تحت قبة البرلمان
كتبه الأخ مهاجر
http://aljame3.net/ib/index.php?showtopic=9685
..
تعليقًا على هذا الخبر: تعيين يهودية في البرلمان البحريني
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2010/11/25/111872.html

كما ذكر أحد الفضلاء في تعليق في ذيل الخبر : تسير كثير من الدول العربية في ركب الدولة المدنية الحديثة ! ، التي لا تقيم للدين وزنا فلا بد من تمثيل كل الطوائف ، ولو كفارا أصليين ، في مجالس ، بغض النظر عن مصادرها القانونية ، فكثير منها وضعي لا أصل له في الشريعة الخاتمة ، وتلك طامة أولى ، والطامة الثانية ، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين في معرض نقده لقول من أجاز دخول البرلمانات المعاصرة في دول لا تعتمد الشرع مصدرا لتشريعاتها ، فتقصيه تماما ، أو تنص عليه نصا شكليا ذرا للرماد في العيون ، الطامة الثانية أن هذه المجالس : مجالس تشريعية فتعطي لغير المسلم أهلية سن القوانين ، بعرض مشاريع قوانين قد تخالف الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا ! ، ولا لوم عليه ! ، فكثير من القوانين المخالفة للشريعة يعرضها نواب مسلمون ! ، وقد صرح أحد النصارى عندنا في مصر في معرض الأزمة الأخيرة التي اشتبك فيها الأمن المصري مع جمهرة من النصارى لقنوه درسا قاسيا ! وحملوا دولة سيادة القانون على الرضوخ لمطالبهم ببناء كنيسة بالعافية ! ، صرح بأن قانون دور العبادة الموحد الذي يسوي بين المساجد والكنائس في التراتيب الإدارية من تراخيص ونحوه قد تقدم به نواب مسلمون في الدورة البرلمانية الماضية ! ، فتقدم المسلمون بطلب التسوية الكاملة بين دور التوحيد ودور التثليث وربما بعد ذلك دور النيران إن ظهر في مصر أقلية مجوسية لها نواب في البرلمان ! ، وهي فضلا عن كونها تشريعية : مجالس رقابية ، فتتولى الرقابة على مؤسسات الدولة ، أو هكذا يفترض ، فلها سلطة أعلى من سلطات الدولة ، فكيف يمكن كافر أصلي من التسلط على شئون دولة إسلامية بتولي منصب الرقيب على مؤسساتها لمجرد أن البلد يضم طوائف غير إسلامية ؟! ، فكيف إن كان عدد هذه الطائفة ضئيلا في النسبة كما هي الحال عندنا في مصر : نحو 6% من النصارى ولهم عطلتان رسميتان في عيدين دينيين ، وفي فرنسا تبلغ نسبة المسلمين 10% وليس لهم ولو يوم إجازة في عيد الفطر أو الأضحى ! ، وتلك أصول المدنية الحديثة التي يتشدق بها القوم ! ، مع أن فرنسا في هذا الشأن قد تكون على صواب فإن للأكثرية من الحقوق ما ليس للأقلية فهذا مقتضى العقل قبل أن يكون عندنا معاشر المسلمين مقتضى الشرع فكيف يسوى في الحقوق بين أغلبية وأقلية ، لا سيما إن كانت دينية ، وهل ذلك إلا من التسوية بين متباينين ، وهو ما سيؤدي إلى ضد ما يتوهمه أنصار الدولة المدنية المزعومة ، فسيؤدي إلى إثارة المشاعر وحصول مزيد من الاحتقان بمجاملة الأقلية على حساب الأغلبية ، كما هي الحال عندنا في مصر ، وسيؤدي إلى اضمحلال كيان الدولة فلن تصبح لها سمة تميزها ، وأعظم السمات ، بمقتضى الشرع والعقل والفطرة والحس ، السمة الدينية فإن هذه الأقليات لا تنال حقوقها بل لا تغتصب أضعافها إلا تحت ستار الاضطهاد الديني فلا تجد إلا الدين منبرا لترويج مزاعمها ، ومع ذلك يصر من أغلق أذنه وأغمض عينه وخالف مقتضى الجبلة الآدمية التي تنتصر للديانة قبل الانتصار للوطن ، وتجعل الكتاب الديني فوق الدستور الأرضي ، يصر أولئك على أن الحل النموذجي يكون بنقض عرى الفطرة الدينية في النفس البشرية بحملها حملا على قبول فكرة المواطنة الكاملة التي لا وجود لها حتى في العلمانيات الأم كالعلمانية الفرنسية ، فتعصب الفرنسيين ، كما يحكي لي بعض القرابة في تلك البلاد ، أمر ظاهر ، ونفورهم من المسلمين وازدراؤهم لهم ، وسخريتهم منهم في وسائل الإعلام أمر لا تخطئه العين .

ويوم أراد ساركوزي تلطيف الجو ! في التغيير الوزاري الجديد عين وزيرة من أصول عربية هي جانيت بو غراب ، ثم ظهر أنها لا تصوم رمضان وتؤيد زواج الشواذ وأبوها وجدها سفاحان نفذا جرائم إبادة جماعية ضد المسلمين في الجزائر ! ، فلم يكن غبيا ليعين من تتعارض قيمه مع قيم جمهوريته الفرنسية المنحلة ، ويوم رأى النقاب خطرا على الثقافة الفرنسية أو حاول أن يصور ذلك للفرنسيين ليصرف نظرهم عن فشله الذريع في قيادة الدولة ، يوم رأى ذلك لم يعتبر ابتداء حقوق بعض المواطنين في ارتداء ما يعجبهم ، فذلك نقض أول لمدنية فرنسا العلمانية ، فالحرية تصل إلى حد التعري التام فلماذا لا تصل إلى حال الستر التام ؟! ، فاضمحلت قيم المواطنة المزعومة مع هذا الاختبار البسيط ، ثم لجأ إلى أصول فرنسا الكاثوليكية ليجيش مشاعر العداء ضد النقاب بوصفه مظهرا إسلاميا وذلك ناقض ثان لمدنية دولته ، وهو أفحش من الأول فقد لجأ إلى عدو الدولة المدنية الأول : الدين ليضرب به تيارا دينيا متصاعدا في بلده ، فلم يجد إلا الدين ليضرب به الدين لأنه المحرك الرئيس لمشاعر جمهور البشر إلا من ناقض فطرته كما تقدم من حال أصحاب نظرية الدولة المدنية ، فهم مدنيون أكثر من الدول التي تطبق النموذج المدني بكفاءة أكبر ومع ذلك تفشل فيما نجح فيه أولئك ! ، فأي قائد يحترم شعبه لا بد أن يدعو الأقلية إلى احترام مشاعر الأكثرية ، لئلا تضطرب الأحوال ، وأي قائد لا يحترم نفسه فإنه يظلم الأقلية بسلب حقوقها ولو على منهاجه الوضعي ، أو يمعن في ظلم الأكثرية إن كان للأقلية ركن تأوي إليه ممن يتحين الفرص للتدخل في شئون الدول الضعيفة ذات السيادة المنتهكة فيداهن لحفظ رياسته من الزوال وهي زائلة مهما طال أمدها وابتلي الناس بشؤمها .

فالمدنية لها خطوط حمراء حتى في الدول التي تتبناها فعلا لا شعارا زائفا ، وقد تجاوز دعاتها في بلادنا خطوطها الحمراء ، فمع بطلانها شرعا : فشل دعاتها في تطبيقها حتى صار احتجاج المعظمين للشرع عليهم بمبادئها من باب : من فمك أدينك ، صار احتجاجا مقبولا سالما من المعارضة فليتهم يطبقون الباطل تطبيقا صحيحا ! .

فلا يمكن أن يمثل ما يقل عن أربعين فردا نائب في البرلمان ، ولا يمكن أن يكون سفير دولة إسلامية يهوديا لمجرد أنه من شروط الدولة المدنية : إشراك الكفار في المناصب العامة بالعافية ! ، فذلك رسم حسن النية وعدم التعصب والتمييز على أساس ديني في الدولة المدنية .

وفي بعض الدول الخليجية وصلت نسبة الكنائس إن لم تخني الذاكرة إلى : كنيسة لكل أربعة أو خمسة مواطنين ، على طريقة شقة لكل مواطن ! ، وذلك ، أيضا ، من الإمعان في تقرير مبدأ الدولة المدنية بشكل فج مفتعل ، وفي دول أخرى تقام دور عبادة لنحل تباين نحلة أهل السنة في أحياء سنية خالصة لا يوجد فيها فرد واحد يتبع تلك النحلة ! .

والتجربة العثمانية كما حكى ذلك الفاضل الذي علق على الخبر : تجربة أليمة ، فلقد اتشحت الدولة العثمانية برداء التسامح وأفرطت في إعطاء الامتيازات للكفار الأصليين لا سيما اليهود فماذا كانت النتيجة ؟! : تسلم الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني ، رحمه الله ، آخر الخلفاء الأقوياء ، تسلم قرار عزله على يد إيمانويل قره صوه اليهودي من أصل إسباني الذي رحل أجداده إلى تركيا وحظوا بعناية سلاطين آل عثمان في وقت كان الأندلسيون يعانون من نير محاكم التفتيش ولم يكن العثمانيون ، مع عظيم كفايتهم في الجبهة الشرقية في أوروبا ، لم يكونوا على نفس الكفاية في الجبهة الغربية حيث الأندلس المفقود مع أن ولاياتهم في شمال إفريقية كانت قاعدة مناسبة لانطلاق حركة جهاد وفتح كتلك التي انطلقت في شرق أوروبا حتى طرقت أبواب العاصمة النمساوية : فيينا .

وبعض الناس يدلل بتلك التجاوزات على سماحة الإسلام ، وهو أمر قد يصح من جهة إلزام المخالف بتاريخ موثق ، ولكنه لا يعني بالضرورة أن هذه الصورة من التسامح الزائد هي الصورة الشرعية المطلوبة ، بل إنها كما تقدم قد تؤدي إلى رد فعل عكسي بظهور من يغلوا في الجانب الآخر فيروم ظلم الكفار الأصليين من أهل الكتاب بنزع كل حقوقهم وإباحة التعدي على أموالهم وحرماتهم ..... إلخ ، فتلك طبيعة الأشياء فلا بد أن يستثير اللين والخنوع نفوسا ثائرة فيقع التعدي بالظلم فهو رد فعل السكوت المشوب بالذل ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميمُ ، فخير الأمور ما اقتصد فيه برسم التوسط والاعتدال ، ففي الشرع غنية ، وفي ظل أحكامه تسكن ثائرة الموافق فلن يضطر إلى بذل التنازلات المهينة ، ويأمن المخالف بأخذ حقه ولكنه ينزجر فلا يجرؤ على المطالبة بما زاد عن حده لئلا ينقلب الأمر إلى ضده وهو ما لا يفهمه كثير من النصارى في مصر الآن ، على سبيل المثال ، فلا يدرك خطورة هذه التجاوزات إلا قلة من عقلائهم ينظرون إلى عاقبة تلك الاستفزازات المتكررة التي ستؤدي حتما ، إن لم يكن ثم عقلاء ، إلى وقوع فتنة عامة ، سلم الله ، جل وعلا ، ديار المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

وفي سياق التلويح بخطر الإسلام : سرور يقول الضغوط الأمريكية للإصلاح قد تقود لدولة دينية
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2010/11/27/111949.html

وهي محاولة أخرى لتخفيف الضغوط الأمريكية بطريقة خبيثة ماكرة يجيدها النظام المصري فقد يعطي فسحة للتيار الإسلامي في بعض الأوقات ليرهب أمريكا من خطر الإسلام الذي يتولى هو بنفسه قمعه ! ، فهو شرطي العلمانية المخلص في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم ، والبديل معروف : حكم أصولي يقض مضجع كيان يهود الابن المدلل لأمريكا ، فخير لأمريكا أن ترضى بالأمر الواقع ! ، فالقمع في دول الشرق يناقض ما تبشر به من قيم العلمانية والمدنية ، ولكن لا مانع من بقائه فمفسدته أهون بكثير من مفسدة وصول الإسلام إلى سدة الحكم ! ، ولو بتقديم تنازلات كبيرة كتلك التي قدمتها ولا زالت تقدمها جماعة الإخوان المسلمين من قبيل : تجويز التصويت للمرشحين النصارى إن اقتضت المصلحة ذلك ، بل ربما عقدت تحالفات من جنس التحالفات السياسية النفعية بلا أي مستند شرعي ، بل وتجويز تولي النصارى منصب الرئاسة فضلا عن المناصب الأمنية العليا ، وأخيرا التخلي عن طلب إقامة دولة إسلامية خالصة ، فيتلطف في القول بأنها دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية ، وذلك من قبيل الجمع بين المتناقضين ، كمن يقول بأن الإسلام دين ديمقراطي ! ، وهو ، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين ، تركيب لا يصح ، فمجرد تبني الطرح الإسلامي الذي يرد أمر التشريع إلى الرب الحكيم العليم ، جل وعلا ، يهدم ركن الديمقراطية الأعظم : سيادة الشعب فهو الذي يختار القانون الذي يروق له .

والله أعلى وأعلم .