المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة انهيار شرفات الاستشراق (18) / تعليق وسيناريوهات!



طارق منينة
11-30-2010, 01:20 AM
انهيار شرفات الاستشراق.. تعليق وسيناريوهات
تاريخ النشر في جريدة السبيل الاردنية : 20/01/2010 - على هذا الرابط
http://www.assabeelonline.net/ar/default.aspx?xyz=U6Qq7k%2bcOd87MDI46m9rUxJEpMO%2bi 1s7IEG6GB0qUGgH0m%2fsXPk7m3OwQXEk56YwWaL%2b1BXjJ28 xsxWEnFl1LY0nKI4MwYtXN910%2bLTuWVy6kUHF6bGQjdjB3DD PtvARaciBNK0RdOw%3d

بقلم طارق منينة


عَلقّت الدكتورة حنان فاروق على مقالي السابق "المفتون التاريخي" في المساحة المتاحة للقراء بقولها: "فَنَّد القرآن ادعاءات المدعين قبل حتى أن ينطقوا بها.. قال إنهم سيفترون على الله الكذب وفعلوا، قال إنهم سيتهمون النبي بـ"الجنون" و"السحر" و"النقل" و"الادعاء" و"الهوس" و"المس" و"الشعر" وفعلوا.. والغريب أنهم مازالوا يفعلون، وهم يرون اتهاماتهم مفندة أمامهم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً... مؤلم ما تفعل البشرية بنفسها.. وأكثر إيلاماً إصرارها على الغرق". وقد كان عنوان المقال يشير إلى قوله تعالى من سورة القلم "فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون".
وهي السورة التي نكتشف من خلال آياتها العميقة الدلالة، فضيحة الأخلاق اللاعقلانية والطائشة لمعارضي النبوة، ومنهم من هم جاثمون على صدورنا اليوم بحجة أنهم أعلام النهضة والتنوير والإبداع، أمثال: خليل عبد الكريم، وهشام جعيط، والجابري، وطيب تيزيني، ونصر، والعشماوي، وغيرهم، والذين كتب جابر عصفور "ضد التعصب" و"هوامش على دفتر التنوير" دفاعا عنهم وعن حريتهم في التلفيق والخداع، وقد أردتُ بالإشارة-العنوان، أن أثبت الواقع التاريخي لأهل الفتنة على مختلف أديانهم ومذاهبهم -من الدهريين والمستشرقين البيزنطيين، وممن أتى بعدهم من اليهود والمسيحيين والعلمانيين-، وأن الفتنة ليست في أو من جهة النبوة، فهي سبب السعادة والحضارة والعلم والخير والمصلحة لمن فقهها وعلم حقائقها وانتفع بمبادئها وشرائعها، وإنما الفتنة في جهة من وقف للنبوة والنبي بالمرصاد والشطط والبهتان، وقد رأينا عند أهلها من الهوى والتلاعبات الواعية ما يثير الشفقة عليهم، وكما قالت الدكتورة إنه مؤلم أن هؤلاء يصرون على الغرق -ويحاولون بكل وسيلة وخديعة إغراق الأمة معهم- وطوق النجاة وافر وآمن.
فخليل عبد الكريم كمثال على الفتنة الواعية والتلاعبات العابثة اللاهية، اتخذ من الحقيقة التاريخية لأمية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة لدعم سخريته وحيلته التي سطرها في كتابه "فترة التكوين" ضد الرسول، وهي فرضية عبثية مخترعة لا دليل عليها إلا أنه نسجها بدهاء، ومع محاولة تعسفية غاية في التصنع والتهكم، وكان مسارها على النحو التالي: بما أن النبي كان أميا، وبما أنه جاء بـ"الكم الغفير من المعلومات" (الأعمال الكاملة-3، فترة التكوين، دار مصر المحروسة، ط2، 2003، انظر ص 17)، وهي التي لا يمكن أن تصدر عن رجل أمي فإنه لا بد أن يكون تعلم على يد خديجة وورقة ابن نوفل بالدراسة الشفهية ليلا ونهارا، لمدة خمسة عشر عاما قبل نبوته، ورسمت "خيوط" تكاملت حلقاتها لإنجاح اختيارها وتجربتها الكبرى (انظر ص36) وأنها هي من اختارته وليس الله: "أنه موضوع التجربة الخطيرة المقدمة عليها، وأيضا لاختيار صلاحيته للنكاح؛ لأن الأمرين مقترنان متشابكان" (ص42، وانظرص169)، وكان الزواج "بدوره المدخل لغمسه في التجربة الكبرى" (ص47) ويضيف "لأنه من الحتم اللازم أن تنكح محمدا؛ أي تتخذه زوجا؛ أي تصير هي بعله؛ لأنها من جانب تطيع أمرا صارما صدر لها من سنوات" (ص72). ويزعم أنها كانت تجربة سرية في الظلام :"هذا الملحظ البالغ الأهمية.. غاب عن فطانة كل من زَبَرَ (نسخ) سطورا في السيرة... فالتجربة لها كنه مستقل، وقوام فذ، وكينونة مفردة، فهي والكتمان صنوان والسر توأمان والخفاء شقيقان، يصلح لها الظلام(!) وتنفعها العتمة، ويقويها التواري -عن الأعين- ويعينها الصمم، وإن شئت الدقة، وتحريّت الصحة، وابتغيت الصواب، قلت: التصامم" (ص238) وفي ص85 :"والتي لولاها-يقصد خديجة رضي الله عنها- لما أكمل التجربة حتى نهايتها" (وسيأتي زعم هشام جعيط أنه لولا المسيحية السورية ما كان محمد!!).
فالإسلام عنده هو مؤامرة -يجب تجاوزه كما سيأتي من كلامه-تمت "بليل" لتدريب شاب أمي على حفظ المعلومات الدينية لتحويله لنبي أسطوري!، يقول "وفي ليالي مكة الطويلة استمرت هذه الجلسات حتى ينفجر نور الصباح فهي جزء عضوي(!!) في الإعداد والتأهيل والتهيئة" (ص129)، لكنه من ناحية أخرى يعترف بـ"ندرة أخبار التجربة.. ولذا أصابنا الجهد والإعياء(!) ونحن نلهث وراءها (أخبار التجربة المجيدة)... ومع ذلك فقد اضطررنا اضطرارا(!) للجوء لبعض الفروض التي تتناغم مع السياق(!) كيما تكتمل الصورة، وتسد الثغرات، وتملأ الفجوات" (فترة التكوين ص239)، ويتراجع عن لفظ "الندرة" إلى ألفاظ "النضوب" والخلو من وقائع تاريخية على أكاذيبه، فيقول "سنوات التجربة.. ناضبة من الأخبار، وشلة من النوازل، مليطة من الوقائع، معراة من الحوادث" (ص236) ولذلك وصفها بـ"العقبة الكؤود -بالنسبة للتجربة- ندرة الأخبار والوقائع" (ص235)، ومع ذلك يقول جازما متيقنا "إن هذا الكتاب من أهم أغراضه الكشف عما فات القدامى والمحدثين" (ص44) ويقول وهو على غير يقين مما سطره "ونحن لا نزعم أن غاية الكتاب هو الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، إنما هي جهد متواضع لفتح مغلاق(!)" (ص 19)، والسؤال الآن: إذا لم تدون كتب التاريخ أي وقائع لهذا التدريب الليلي المزعوم، فكيف يؤكد-العلماني- أنه حدث وكل ليلة -ومن الليل حتى الفجر- ولمدة 15 سنة؟ وهل تُلغى النبوة بهذه الظنون والتلفيقات والتناقضات؟ ومعلوم أن الروايات التاريخية تكذب سيناريو تعليم الثقافة المسيحية-المزعومة- من خديجة رضي الله عنها لمحمد كل ليلة حتى الفجر، ففضلا عن أنه لم يحاجج النبي أحد من المشركين في مكة -وهم أعرف الناس به وبأهله- بأن ما جاء به تعلمه في جلسات مطولة مستمرة وليلية من خديجة رضي الله عنها وورقة ابن عمها، كذلك فإن سؤال خديجة رضي الله عنها لورقة بن نوفل يوم مجيء الوحي للنبي عن (من هو جبريل أو ما هو؟) ينسف هذا السيناريو تماما، فكيف تقوم بتعليم الرسول هذه العلوم الدينية الكثيفة ليل نهار طيلة هذه السنوات ثم لا تعرف -وهي المعلمة-من هو جبريل؟ خصوصاً وهو القائل "فهي من باب اليقين قد استوعبت الأسفار... من التوراة والإنجيل" (فترة التكوين ص 13) وكيف يعرفه ورقة ويجيب على سؤال ما هو جبريل، وهي المشاركة له كما يزعم خليل ولا تعرف هي ذلك، بل تسأله بعد خبرة 15 عاما من التعليم والأستذة؟، إن سؤالها في الحقيقة دليل براءتها من افتراءات العلمانيين والمستشرقين، وقد أورد خليل قول خديحة وسؤالها في أكثر من موضع من كتابه، ليس كدليل على براءتها، وإنما كدليل على أنها كانت حلقة وصل (الحلقة الكتابية الخارجية"ص128") في تعليم محمد فهل تغيب هذه المعلومة طول هذه الفترة عن الوسيط والمعلم الذي له-بزعم خليل عبد الكريم-صلة بقساوسة الجزيرة العربية، صلة تنظيمية، وهو الذي قال "المؤكد(!) أنها جالستهم ونشبت بينها وبينهم محاورات قوامها العلم الكتابي، مما يزيد ثقافتها الدينية علما.. وإلا لما(!) نجحت في إنجاز التجربة الفذة" (ص128)؟! ويزعم فيما يتهم وهو يستعمل المذهب المادي، فيقول عن ما زعمه من إعداد دقيق للتجربة المزعومة :"ولولا هذا الخلط البارع... لما قدر(!) لها "التجربة" الفلج الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ أربعة عشر قرنا، وما زال يشغلهم حتى الآن ما لم تتبدل(!!) أحوالهم الاجتماعية والإقتصادية والثقافية(!) وما لم يتحلحل حراس الإسطير المخيم، وحلاس التراث المبارك عن أماكنهم الميمونة"!!!(ص84). كما أن زواج خديجة قبل النبوة مرتين، ولها أولاد ممن توفاهم الله قبل زواجها بالنبي، ينسف المحور الآخر الذي بنى عليه خليل عبد الكريم أركان فضيحته: وهو أن خديجة رضي الله عنها كانت تراقبه منذ الصغر لتتزوجه "لأنه المرشح الأوحد للنكاح وتوابعه شديدة الخطر"(ص48) لتدخله وتغمسه في تجربة دينية ارتبطت في خيال خليل عبد الكريم بجلسات مطولة، إذا كان كذلك فلِما تزوجت لا مرة واحدة ولكن مرتين، فقد تزوجت مرة ثانية بعد موت زوجها الأول؟.. فهذان برهانان ناسفان لطائشة خليل عبد الكريم ولله الحمد والمنة. ويكفي استدعاء كلام له في الرد على من زعم أن الرسول تعلم القرآن من "حدّاد" في مكة يسمى بلعام لنقيمه دليلا عليه، انظر إليه يقول: "المدة التي كان يمكثها محمد مع بلعام أو يسار أو جبر -حتى ولو كان هؤلاء يجيدون الحديث باللغة العربية - لا تتيح لهم أن يمدوه بهذا الفيض الزاخر من المعارف، ولم تقل لنا إحدى الروايات أو كلتاهما أن محمدا كان دائم اللباث عندهم، أو كان كثير اللزام لهم أو كان طويل المكث لديهم، يقضي معهم الليالي الطوال، أو يعقد معهم الجلسات المادّة" (ص17) والسؤال الآن: هل قالت الروايات أن الرسول كان يقضي مع خديجة وورقة الجلسات الطوال، كل يوم، عاما بعد عام إلى 15 عاما ليمدوه بهذا "الفيض الزاخر من المعارف"؟ وقد قال خليل عبد الكريم نفسه كما تقدم أنه لا حوادث ولا وقائع ولا نوازل على جلسات التهيئة المزعومة، الجلسات الطوال! والتي عند خليل تمثل "الجزء العضوي" من أسطورته الفاشلة، لقد قال خليل عن اتهام قريش للرسول بأن حدّادا مدّه بالعلوم القرآنية، قال "سبق صناديد مكة أولئك المستشرقين الذين ذكرناهم بفكرة لا تقل ركا، وتنافسها في السخف، وتباريها في الضعف، وهي أن محمدا تعلم القرآن من.. "حداد" لمكة" (16) فهل يمكن أن نقول في فريته نفس الكلمات (سخف-ضعف-ركا-تمحل-تكلف-اصطناع) (انظر ص16) خصوصا أنه نفى تهمة تعليم الغلام-الحدّاد للرسول لا لوجه الله - كما قلنا إنه أثبت أمية الرسول أيضا لا لوجه الله -ولكن ليجعل بدلا عنها فرية :"تعليم خديجة وقساوسة لمحمد" في مؤامرة مسيحية خضع لها تماما ونتجت عنها دعوته!!!..
إن الزعم بوجود الدليل ثم قول نقيضه، والاعتراف بخلو الحوادث منه في نفس الوقت الذي يتم فيه رسم سيناريو آخر نقيض، وهو سيناريو حلم الإمبراطورية القرشية، ليدل على أن الأمر لم يكن غرضه طلب الحق وإنما المخادعة والتلاعب بالنصوص؛ من أجل إلحاق مساس ما بالإسلام. وهو دليل إضافي على المرض والحقد والغل التي أشارت إليه كارين آرمسترونج وقد انتقل من بيزنطة القديمة والحديثة إلى العلمانيين العرب. كما أن الزعم بالرأي الجديد "رؤية جديدة نزعم أنها غير مسبوقة"! (ص18) مفضوح؛ لأنه أخذ معظم افتراءاته من سيناريو لطيب تيزيني عن تعليم خديجة للنبي وتهيئته بمتابعة أوامر تنظيم - الذي أخذ بدوره كثيرا من نتف أسطورته الطائشة عن مستشرقين- لكن تيزيني جعله تنظيما دوليا غربيا! أما خليل فقد أغلق دائرة التنظيم داخل حدود الجزيرة! فيما انفتح جعيط على الشام!. إن كلا من هؤلاء يختار فرية ثم يفكر ويقدر ويقلب فيها.. ثم يبني عليها سيناريو أسطوريا كاذبا. وهو ما يسمونه "التنوير" ظلما وبهتانا.