المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات عن فلاسفة الغرب اثناء تولد الفكر العلماني -للتأمل!



طارق منينة
12-07-2010, 12:31 AM
اورد ديورانت في قصة الحضارة، المجلد38 ص 173) قول فولتير التالي :"


فإن كتاب القدر محجوب عن أبصارنا. فالإنسان وهو الغريب الأجنبي بالنسبة لنفسه، مجهول لدي الإنسان. من أنا؟ وأين أكون؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ومن أين أتيت؟ إن الذرات تتعذب على هذه الكومة من الطين، ويحصدها الموت ويلعب بها القدر. ومع ذلك فإنها الذرات المفكرة التي قاست اعينها ورصدت ما في السماوات بهدي من الفكر. إننا نخترق بأذهاننا وعقولنا هذا الكون اللانهائي، ولكننا لا نستطيع للحظة واحدة أن نرى أونعرف أنفسنا" وتلك بطبيعة الحال هي النغمة التي ضرب عليها بسكال قبل مائة عام في نثر أروع من شعر فولتير. وكان فولتير قد نبذ يوماً بسكال واستهجنه، ولكنه الآن يردد تشاؤمه. وعلى أساس هذا التشاؤم نفسه خلص بسكال إلى قوله: فلنركن إلى العقيدة المسيحية ونتعلق بالأمل. وختم فولتير قصيدته في الأصل بيتين كئيبين رواقيين: "اذا يجب علينا أن نفعل أيها الفانون ؟ يجب علينا أن نقاسي ونخضع في صمت ونعبد ونموت". واحتج أصدقاؤه بأن هذه الخاتمة البائسة غير محتملة فغير السطر الأخير إلى أخضعوا واعبدوا وأملوا وموتوا ولم يشعر أحد بالرضا فاستسلم وأضاف 29 بيتاً، وأسلم نفسه للعنياية الإلهية ؤمناً بأن "الله وحده على حق".
وعلى الرغم من ذلك فإن القصيدة لم تذهل المتدينين فقط، بل أذهلت الفلاسفة كذلك. فإن مثل هذه النغمة الكئيبة الجزوعة يبدو أنها أحرجت الفلاسفة وأرسل روسو إلى فولتير رسالة طويلة بليغة يوضح فيها إن كل ما تعاني الإنسانية من علل وشرور، إن هو إلا نتيجة لأخطاء البشر، وأن زلزال لشبونة هو عقاب عادل للإنسان لتخليه عن الحياة الطبيعية ".

قالها فولتير تعليقا على حادث زلزال لشبونة الذي يصف ديورانت حادثته وتوقيته كالتالي


بينما كانت الموسوعة(يقصد دائرة المعارف) تكبو وتفيق وتختفي وتنبعث من جديد ارتعدت فرائص الفلسفة الاوربية نتيجة لزلزال لشبونة ففي الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من صباح أول نوفمبر 1755يوم عيد كل القديسين-هزت الآض كتفيها في البرتغال وشمال أفريقية. وفي ست دقائق تهدمت ثلاثون كنيسة وألف منزل، ومات خمسة عشر ألف رجل، وأصيب مثلهم باصابات خطيرة، في واحدة من أجمل العواص في العالم. ولم يكن ثمة شيء جديد لم يسبق له ثيل في هذه المذبحة الرهيبة التي حدث فيها الموت بالجملة. ولكن كانت هناك بعض ملابسات وظروف محيطة حيرت رجال اللاهوت، وأقلقت بالهم. لماذا اختار هذا اللغز المحير مثل هذه المدينة الكاثوليكية، ومثل هذا الاحتفال المقدس، في مثل هذه الساعة التي اجتمع فيها كل المواطنين الاتقياء تقريباً لحضور القداس؟ ولماذا أبقى وسط هذا الدمار الشامل على دارسيا ستيو دي كارفالو ميللو مركيز بومبال فيما بعد-الوزير الآمر الناهي الذي كان ألد أعداء اليسوعيين في أوربا بأسرها؟...ولكن هل كان الآثمون هم وحدهم الذين ذهبوا للصلاة في الكنائس في هذا الصباح الرهيب؟ ولماذا هلك كثير من القساوسة المتبتلين والراهبات المتفانيات في الإخلاص للدين في الزلزال والحريق؟ وربما هلل المسلمون للكارثة باعتبارها غنتقاماً إلهياً من محاكم التفتيش في البرتغال، ولكن الزلزال دمر المسجد الكبير الذي يحمل اسم المنصور في الرباط. وعزا بعض الكهنة البروتستنت في لندن هذه الكارثة لاستنكار السماء لجرائم الكاثوليك ضد الإنسانية. ولكن في 19 نوفمبر من نفس العام دمر الزلزال خمسة عشر ألف منزل في بوسطن مساشوست موطن الحجاج والبيوريتانيين.

يقول ديورانت

وقد تخلص إلى القول بأنه حتى عام 1751-إلى أن يبلغ فولتير السابعة والخمسين تورع عن أي هجوم مباشر صريح على المسيحية أو الكنيسة الكاثوليكية. فماذا أثاره حفزه لشن الحرب في نفس الوقت الذي جنح فيه معظم الثائرين إلى السلم؟ أنه كان وقت صدور دائرة المعارف، والتفسيرات الدينية التقليدية لزلزال لشبونة، والإعدام الوحشي لكل من جان كالا calas وشيفالييه دي لابار de la barre.

طارق منينة
12-08-2010, 12:09 AM
وهناك بعض ملاحظات حمقاء (إن عقل أوربا أحرز تقدماً في المائة سنة الأخيرة أكثر مما أحرز العالم كله من قبل منذ أيام براهما وزرادشت

قال ديورانت في قصة الحضارة المجلد 38 ص200 ):
" ولكن عام 1764 كان عاماً بارزاً، فقد شغل فيه فولتير أصحاب المطابع "بأنجيل العقل" و"أخيار الديانة" (وهو طبعة منقحة من كتاب جان مسلييه الملتهب) (العهد الجديد) ثم أحد أهم منشوراته وهو موجز القاموس الفلسفي (السهل الحمل) ولم يكن المجلد الضخم ذا الثمانمائة أربع وعشرين صفحة ذات نهرين الموجود الآن، أو الخمسة أو الثمانية مجلدات التي تملؤها "مجموعة أعماله" بل كان كتاباً صغيراً يسهل الامساك به أو إخفاؤه. إن إجاز مقالاته وبساطة أسلوبه ووضوحه، كل أولئك جعله في متناول مليون قارئ في كثير من البلاد.
وهذا إنتاج ضخم جدير بالتنويه لرجل واحد. وربما كان به ألف من الأخطاء، ولكن المادة التي جمعت فيه، والمعلومات التي تناولت كل فروع المعرفة تقريباً، جعلت الكتاب واحدة من العحزات في تاريخ الأدب. وأي جد ومثابرة وأي هذر وأي إصرار وعناد هذا الكتاب: أن فولتير منهمك في القيل والقال، أن لديه ما يقوله في كل شيء تقريباً، ولديه دائماً شيء لا يفقد أهميته وتشويقه أبداً تقريباً. وهنا ثير من العبث والتغاهة والسفاسف أو السطحية، وهناك بعض ملاحظات حمقاء (إن عقل أوربا أحرز تقدماً في المائة سنة الأخيرة أكثر مما أحرز العالم كله من قبل منذ أيام براهما وزرادشت)(). ولكن لن يتسنى لأحد أن يلتزم جانب العقل والحكمة في ألف صحيفة، ولم يكن أي إنسان بارعاً متألقاً دائماً وهو يكتب هذا القدر الكبير من الصفحات
يضيف ديورانت:"

وهنا في مقال "سوء استدام الكلمات" ثم في مقال "المعجزات" نجد قاعدة فولتير الشهيرة "حدد ألفاظك".
وقصد بالكتاب أساساً أن يكون مصنعاً لإخراج الحجج ضد المسيحية كما عرفها فولتير، وهنا نجد مرة أخرى الأشياء التي لا يمكن تصديقها في الكتاب المقدس وما فيه من سخافات وحماقات ومخازلاً في مقال "المتناقضات" وحده، بل في كل صحيغة تقريباً. من خول الكنيسة سلطة الحكم بأن أربعة فقط من الخمسين إنجيلاً التي دونت في القرن الذي تلا موت المسيح، هي وحدها-أي الأناجيل الأربعة-معتمدة موحى بها من عند الله؟ وأوى سهو فاضح أن أن نأن يتحدث الكتاب عن مولد المسيح من مريم العذراء ثم يتعقب نسبه إلى داود الوغد عن طريق يوسف المزعوم الخاكل. ولماذا نبذت المسيحية شريعة موسى على الرغم من تكرار توكيد المسيح عليها؟ وهل كان بولص الذي نبذ هذه الشريعة (من اجل قطعة من الجلد) سلطة أو مرجعاً أقوى من المسيح؟ ولم يرق القاموس الفلسفي للآباء الروحانيين في مدينة جنيف. وفي 24 سبتمبر 1763 أمر مجلس الخمسة والعشرين النائب العام بإحراق أية نسخة يجدها منه. وفي 1765 أصدر برلمان باريس أمراً شبيهاً بهذا، وقد رأينا مصير الكتاب في آبفيل (1766) وأكد فولتير لسلطات جنيف أن القاموس من عمل مجموعة من الكتاب مجهولة تماماً لديه. وفي الوقت نفسه أعد مقالات إضافية لتلحق بالطبعات الأربع الأخرى التي طبعت سراً قبل نهاية 1765 كما أدخل مادة جديدة إلى الطبعات الخمس الإضافية التي ظهرت قبل وفاته 1778. ورتب المور مع باعة كتب جنيف المتسترين ليمدهم مجاناً بأكبر عدد ممكن من النسخ يمكن توزيعه، ومع الباعة على أن يتركوا نسخاً من هذا القاموس في الدور الخاصة(82).
وتابع فولتير الرب بلا هوادة في 1765-1767.وفي 1764 كانقد ترك نهائياً داره في لي دليس في مدينة جنيف التي باتت غير ملائمة لهرطقاته وضاقت بها ذرعاً، وكان لمدة نحو ثلاث سنوات لم يكد يبرح مكانه في فرني، وكان في كل شهر تقريباً يرسل إلى إحدى المطابع نشرة جديدة ضد "العار" وزعم كتيب ouestions de zopata (مارس 1767) أنه مجموعة أسئلة طرحها أمام لجنة من اللاهوت في جامعة سالا منكا 1629. وأعلن زاباتا عن شكوكه في "نجم بيت لحم" وفي الإحصاء المزعوم "لكل الأرض" الذي أجراه أغسطس، وفي قتل الأبرياء "وإغراء الشيطان ليسوع فوق جبل يستطيع الإنسان منه أن يرى كل ممالك الأرض. وأين كان يقع هذا التل العجيب؟ ولم لم يف المسيح بوعده في الحضور على متن سحابة في قوة ومجد عيم، ليؤسس "مملكة الله" قبل أن ينقرض هذا الجيل؟ ما الذي عوقه؟ هل كان الضباب كثيفاً إلى حد بير؟ ماذا أفعل مع أولئك الذين يتجرأون على الشك؟..هل أجأ من أجل تنيرهم وتهذيبهم، تعذيبهم العذاب العادي وغير العادي؟ أو ألا يكون من الأفضل أن اتجنب هذه المتاهات، وأخص على الفضيلة بساطة فقط؟ والخاتمة.
"حيث أن زاباتا لم يتلق جواباً، فإنه لجأ إلى التبشير بالله بكل بساطة وأعلن إلى الناس أنه "أي الرب" هو والد الجميع، وأنه هو الذي يثيب ويعاقب وهو الغفور. واستخلص الحقيقة من الأكاذيب، وفصل الديانة عن التعصب. وعلم الفضيلة ومارسها، وكان وديعاً عطوفاً متواضعاً وأحرق في بلد الوليد (في أسبانيا) في عام البركة 1631".
وفي مايو 1767 عاد فولتير إلى الهجوم في نشاط أكبر في كتاب من مائة وخمسين صفحة "اختبار هام للورد بولنجيروك". وهنا وضع حججه على لسان الرجل الإنجليزي المتوفى. ولكنه كان من المحتمل أن يرتضي بولنجيروك هذا العبء الثقيل...وفي 1770-1772 أصدر تسعة مجلدات تحت عنوان أسئلة عن المووعة" وهي خليط من مقالات تشكل موسوعة رجل واحد. وهو أشد عداء للكاثوليكية وأقسى في هجومه عليها من موجز القاموس الذي أسلفنا ذكره.
إن فولتير أخفى منشوراته عادة تحت أسماء أو عنوانات خداعة مضللة: "محاضرات" في تفسير العهد القديم، رسالة إلى الرومان، عظات الأب الجليل جاك روست، محاضرات وعظات الكاهن بورن، نصائح لأرباب الأسر. وساورت جمهور فرنسا المتعلم الظنون بأن فولتير هو المؤلف، لأنه لم يكن يستطيع أن يخفي أسلوبه، ولكن لم يثبت أحد ذلك، وباتت هذه اللعبة المثيرة ديث باريس وجنيف، وتردد صداها في لندن وأمستردام وبرلين، بل وفي فيينا، ولم يحدث في التاريخ أن لعب كاتب لعبة النمضية (أو الاخفاء) مع اعداء أقوياء مثل هؤلاء، وبمثل هذا النجاح. وحاول مائة من الخصوم أن يردوا عليه ولكنه قارعهم الحجة بالحجة جميعاً، وحارب في قسوة، وأحياناً في خشونة وغلظة، كما كان أحياناً مجحفاً غير منصف، وتلك هي الحرب. وكان مستمتعاً فرحاً بها، وحمى وطيس المعركة فنسي أن يموت.

طارق منينة
12-08-2010, 12:32 AM
لعب الكهنة على الخوف الناس واستغلوه ليبسطو سلطانهم وقوتهم. واقترفوا كل ضروب الخداع واللؤم، حتى إلى حد إعدام (الهرطقين) وقتل جماعات بأسرها، والقضاء على الأمم تقريباً. وانتهى فولتير إلى القول: "لقد كرهت الكهنة، وأنا الآن أبغضهم، وسأظل أبغضهم إلى يوم الحساب"

قال ديورانت في قصة الحضارة المجلد38 ص204-205 ):"
إن فولتير لم يكن من السذاجة بحيث يتصور أن الدين اخترعه القساوسة والكهان، بل على النقيض من ذلك كتب في القاموس الفسفي: (إن فكرة الإله مستمدة من الشعور، وذاك المنطق الطبيعي الذي يتكشف بتقدم العمر، حتى في أغلظ البشر قلباً. وشوهدت أكثر آثار الطبيعة ادهاشاً-وفرة المحصول والجدب والأمحال والجو المعتدل والعواصف، المزايا والبلايا-كما كان الإحساس بيد سيد خارق للطبيعة...إن الملوك القدامى استخدموا في زمانهم هذه الأفكار ليدعموا سلطانهم. وأفردت كل جماعة إحدى القوى الخارقة لتكون إلهاً حارساً لها، وأضفت عليه حالة من التقديس وعبدته وقدمت له القوانين، على أمل أن يتولى حمايتها من سطو الجماعات الأخرى وآلهتها، وأوجدت هذه المعتقدات الكهنة، ولكن التفاسير والتأويلات والطقوس كانت من عمل الكهنة. وبمرور الزمن لعب الكهنة على الخوف الناس واستغلوه ليبسطو سلطانهم وقوتهم. واقترفوا كل ضروب الخداع واللؤم، حتى إلى حد إعدام (الهرطقين) وقتل جماعات بأسرها، والقضاء على الأمم تقريباً. وانتهى فولتير إلى القول: "لقد كرهت الكهنة، وأنا الآن أبغضهم، وسأظل أبغضهم إلى يوم الحساب"

طارق منينة
12-08-2010, 12:49 AM
يلاحظ في النصوص السابقة مدى بغض فولتير للمسيحية
لكن الذي ينبغي التوقف عنده كثيرا هو التاريخ اليومي لفولتير وصراعه مع القساوسة وآباء المسيحية ولابد من النظر الى ظروف الصراع بين الكاثوليك وغيرهم وحمامات الدماء التي سالت والاكراه على اعتناق المذهب ومن لايفعل ذلك يقتل او يطرد وامور اخرى شبيهة في وقت كان الاسلام في الاندلس يقدم نموذج حياتي متسامح ونموذج علمي وحواري رائع
ان اضطهاد الانسان العادي بسبب انه مسيحي له مذهب مختلف كان العامل البارز في عصر فولتير وهناك في سيرة او تاريخ فولتير حوادث رهيبة ادت الى كتابته رسائل مهمة مثل رسالته عن التسامح ونزع هذه الرسالة عن سياقها هو عمل شنيع ينزع الحدث الفكري عن ظرفه المادي
قال ديورانت في نفس المجلد(38 ص206)"
وتجاوب فولتير في سنواته الأخيرة، أكثر فأكثر، مع قصة المسيح وبدأ يسمسه "أخي" "مولاي(97)" وصور نفسه وكأنما أنتقل في حلم إلى صحراء مغطا بأكوام من العظام، فهنا أشلاء 300 ألف من اليهود المذبوحين، وهناك أربعة تلال من المسيحين شنقوا بسبب الخلافات الميتافيزيقية، وأكوام من ذهب وفضة تعلوها صولجانات وتيجان الأساقفة والملوك المنحلين"ان نقمة فولتير على الكهنة وكتابها المقدس جعله يساوي ذلك بالاسلام والاديان الاخرى واتهام الجميع بما يعانيه عصر فولتير الاوروبي وهذا من الاجحاف بمكان ومن اخطاء فولتير الشنيعة وسبب الفتنة العلمانية في الغرب لان من جاء بعده وضع الكل في سلة واحدة على الرغم من انهم كانوا يرون النموذج الاسلامي باهرا وليس فيه ارهاب الكنيسة وقتلها للعلماء او عدم تسامحها تجاه المذهب الاخر داخل الاسلام بل كما اعترف غالبية العلماء الغربيون فقد قدمت مدن الاسلام نماذج في السماحة مع الديانات الاخرى عظيمة وجليلة كما قدمت مساحات العقل الاسلامي الكونية نماذج علمية في كافة مجالات التفكير العلمي بل والتجارب العلمية واختراع النموذج والمثال وارساء القواعد واسس المنهج
كل هذا عمي عنه فولتير والفلاسفة الناقمون على الكنيسة فسوي بين ظلماتهم وانور الاسلام واستخدموا من انواره النقدية والعقلية ماعمل على تحريرهم مما هم فيه من الفقر والجهل وظلم الملوك واجحاف الكهنة وسلطانهم الكئيب، لكنهم توجهوا للاسلام بنفس النقد على الرغم من انه صنع عالما مغايرا لما عايشوه وناضلوا ضده فالسماحة التي كتب عنها فولتير ضد وقائع عصره كانت متوفرة في بلاد الاسلام القريبة لكنه سوى في الحكم كما تقدم من كلامه بين كهنته وعلماء الاسلام الذين قدموا نماذج مشرفة في الحضارة التي اخفى فولتير انوراها وضيائها الذي عم اوروبا دفئها فتدثرت به من وحشة الحياة وقسوة القسس والملوك.

طارق منينة
12-08-2010, 01:08 AM
وعلى الرغم من النقد الصارخ الذي قام به فولتير للمسيحية الا انه في نهاية حياته تصور المسيح كما قدمه الاسلام
يقول ديورانت(قصة الحضارة المجلد 38 ص 205-206:"
أن فولتير وجد كثيراً مما يمكن قبوله في الديانات غير المسيحية، وبخاصة في الكونفوشيه (وهي ليست ديانة)،(لم يقل لنا ديورانت شيء عن تأثره بالاسلام!،فهل تعمد ديورانت هذا الاخفاء؟) ولكن لم يسره إلا النزر اليسير في اللاهوت السيحي. "أن لدي مائتي مجلد في هذا الموضوع، الأدهى من ذلك أني قرأتها وكأني أقوم بجولة في مستشفى للأمراض العقلية". ولم يضيف إلا القليل لما سبق أن ظهر من نقد للكتاب المقدس. وإنما كانت مهمته أن ينشر هذا النقد على نطاق واسع. ولا يزال أثر هذا علينا واضحاً. وفي جرأة وإندفاع أكثر ممن جاءوا بعده، أكد مراراً سخف طوفان نوح وعبور البحر الأحمر، وذبح الأبرياء وغير ذلك. ولم يكل ولم يمل قط من شجب قصة "الخطيئة الأولى" ونظرتها. وأقتبس في سخط وغضب قول سانت أوغسطين "أن المذهب الكاثوليكي يعلمنا أن كل الناس يولدون مذنبين إلى حد أن الأطفال أنفسهم ملعونون يالتأكيد إذا ماتوا دون أن ينفخ فيهم المسيح روحاً جديدة أفضل". (يقال إن مثل هؤلاء الأطفال يذهبون إلى مكان جميل بجوار الجحيم اسمه الأعراف)!!
أما بالنسبة للسيد المسيح فإن فولتير كان مذبذباً. وأنتقل من الورع الطبيعي في الطفولة إلى عدم التوقير الذي يغلب في الشباب، إلى حد قبول قصة ماري مع الجندي الروماني، وفكر في وقت ما أن يسوع متعصب مخدوع "أحمق". ولما نضج وتعلم كيف يبدي إعجابه بتعاليم يسوع الأخلاقية وقال: "سيكون خلاصنا بفضل ممارسة هذه المبادئ الأخلاقية، لا نتيجة إيماننا بأن المسيح هو الله". وسخر كثيراً من "التثليث" في كتابه الملحد والحكيم. ويسأل الملحد "هل تؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة وشخصاً واحدة وإرادة واحدة، أو أن له طبيعتين وشخصيتين إرادتين، أم أن له إرادة واحدة وطبيعة واحدة وشخصيتين، أو إرادتين وشخصيتين وطبيعة واحدة؟" ولكن الحكيم يأمره أن ينسى هذه الألغاز ويكون مسيحياً طيباً. ويشير فولتير إلى أن المسيح، بخلاف القديس بولص والمسيحيين اللاحقين، ظل مخلصاً لليهودية على الرغم من نقده للفرنسيين: "أن هذا الإله الخالد، بعد أن جعل نفسه يهودياً، يتمسك بالديانة اليهودية طيلة حياته ويؤدي شعائرها ويتردد على المعبد ليهودي ولا ينطق بشيء يخالف الشريعة اليهودية. وكل التلاميذ يهود يؤدون الشعائر اليهودية. يقينا إنه ليس هو الذي أسس الديانة المسيحية...أن يسوع المسيح لم يبشر بأية خصيصة واحدة من خصائص المسيحية".
أن يسوع في رأي فولتير، قبل معتقد كثير من اليهود الأتقياء قبله، بأن العالم كما عرفوا يسير إلى نهايته، وسرعان ما تحل محله "مملكة الرب" أي الحكم المباشر لله على الأرض. (والنقد الحديث يقبل وجهه النظر هذه).
وتجاوب فولتير في سنواته الأخيرة، أكثر فأكثر، مع قصة المسيح وبدأ يسميه "أخي" "مولاي" وصور نفسه وكأنما أنتقل في حلم إلى صحراء مغطا بأكوام من العظام، فهنا أشلاء 300 ألف من اليهود المذبوحين، وهناك أربعة تلال من المسيحين شنقوا بسبب الخلافات الميتافيزيقية، وأكوام من ذهب وفضة تعلوها صولجانات وتيجان الأساقفة والملوك المنحلين، ثم حمله ملاكه المرشد إلى واد أخضر حيث أقام الحكماء العظام، وهناك رأي نوما ويمبليوس وفيثاغورس وزردشت وطاليس وسقراط...وأخيراً "تقدمت مع دليلي إلى أيكة أعلى من تلك التي أخلد فيها الحكماء القدامى إلى راحة بهيجة، ورأيت رجلاً يتسم بالبسطة وحسن المنظر، بدا لي أنه في الخامسة والثلاثين من العمر، كانت قدماه ويداه منتفختين داميتين، وكان مطعوناً في جنبه وكان لحمه ممزقاً بضربات من سقوط. ولم يكن ثمة للمقارنة بين آلام هذا الحكيم وآلام سقراط".
وسأله فولتير عن سبب موته، فأجابه يسوع "اللكهنة والقضاة". هل قصد أن يؤسس ديناً جديداً؟ كلا. هل كان مسؤلاً عن هذ الأداس من العظام وهذه المقادير الضخمة من الذهب الملكي أو الكهنوتي؟ كلا. لقد عشت وصحبي في أشد الفقر "إذن مم تتألف الديانة الحقة؟" ألم أقل
لكم من قبل؟ أحب الله وأحب جيرانك كما تحب نفسك "فقال فولتير" إذا كان الأمر كذلك فأنت مولاي الوحيد، ورسم لي علامة نزلت على قلبي برداً وسلاماً. وأختفى الطيف وتركني وقد إرتاح ضميري وشاع في نفسي السلام والطمأنينية. ولك نتلك كانت حالة نفسية لاحقة. فإن فولتير في سني حربه ضد المسيحية رأى في تاريخها شقاء بالغاً للجنس البشري. أن صوفية بولص وخرافات الأناجيل المعترف بها أو المشكوك في صحتها وأساطير الشهداء والمعجزات وبراعة الكهنة في التخطيط والتدبير، وتضافرت كلها مع السذاجة المتعلقة بأهداب الأمل عن الفقراء لخلق الكنيسة المسيحية، ثم أن آباء الكنيسة صاغوا العقيدة بفصاحة تكفل إرضاء عقول الطبقة الوسطى. وخبا شيئاً فشيئاً نور الثقافة الكلاسيكية بأنتشار الخيلة الصبيانية والاحتيالات والخدع الورعة، حتى يم الظلام لعدة قرون على عقل أوربا. وزحف المتأملون من الناس والخاملون منهم، كما زحف المتقاعدون عن مواجهة تحديات الحياة ومسؤلياتها، إلى الديار، وأصاب بعضهم بعضاً بعدوى أحلام المنساء والشياطين والآلهة. واجتمعت مجالس العلماء والمتفقهين لتنظر أي الحماقات والسخافات تصلح لتكون جزاء من العقيدة المعصومة. وباتت الكنيسة، بعد أن أسست قوتها وسلطانها على فكرة إشباع رغبة الناس في الأساطير والخرافات التي تبعث على السلوى والعزاء، نقول باتت الكنيسة بعد ذلك أقوى من الدولة التي تؤسس سلكانها على القوات النظامية. وأصبحت قوة السيف تعتمد على قوة الكلمة وثل الباباوات عروش الملوك، وأحلوا الأمم من واجب الولاء للملوك. ومن رأى فولتير أن الإصلاح البروتتانتي كان مجرد خطوة متعثرة نحو العقل وامتدح الثورة ضد الرهبان الذين يعيشون على الصدقات في الأديار، وضد بائعي صكوك الغفران، وضد رجال الدين الساعين إلى جمع الثروة، الذين "استنزفوا في بعض الحالات دخل إقليم بأسره"

عياض
12-08-2010, 01:09 AM
لو تخصص هذا الشريط لتجريد القوائد التي تقع عليها يا مولانا في الكتاب ..

طارق منينة
12-08-2010, 01:22 AM
وبعد ان سخف فكرة الثواب والعقاب وعاش عمرا طويلا رجع الى ماكان انكره على الرغم من انه كان مترددا بين النقائض فيقول القول ونقيضه كما يفعل مفكرنا حسن حنفي تماما، لكنه اعترف وهو يعيش في ضلاله المسرف ونفاقه العجيب للملوك والقساوسة فقال:" "إن قلت لي إني لم أعلمك شيئاً، فتذكر أني إبتدرتك بأني جاهل" يسميه ديورانت"المتشكك الكبير"((قصة الحضارة المجلد38 ص210)و"الفيلسوف المتحير"(ص211)"كان مذبذبا"(ص205)
قال ديورانت(قصة الحضارة المجلد38 ص 207-209)

وبعد أن اتفق مع لوك عن أنه ليست هناك أفكار فطرية، عاد فانحاز إلى رأي ليبنتز في أن الحس الخلقي فطري، وعرفه بأنه شعور بالعدل أودعه الله فينا "أن القوانين تراقب الجرائم المعروفة ولكن الين يراقب الجرائم الخلقية". وفي كتاب "الملحد والحكيم" يقول الحكيم:
سأفرض (لا قدر الله) أن كل الإنجليز ملحدون، وأذهب إلى أن هناك بعض مواطنين مسالمين، هادئين بطبيعتهم أثرياء إلى حد يمكن أن يكونوا معه أمناء يلتزمون مبادئ الشرف. ويراعون قواعد السلوك إلى حد أنهم يسعون جهدهم ليعيشوا معاً في المجتمع...ولكن الملحد الفقير المعوز سيكون غبياً إذا هو لم يقتل أو يسرق ليحصل على المال. فهل تنقصم إذن كل عرى المجنمع وروابطه وتطغى كل الجرائم الخفية على العالم وتنتشر مثل الجراد فوق الأرض، ولو أنها في اول الأمر تكون ضئيلة لا تدرك...من ذا الذي يكبح جماح الملوك العظام؟ أن الملك الملحد أشد خطراً من الكاهن المتعصب...وتفاقم الإلحاد في إيطاليا في القرن الخامس عشر. فماذا كانت النتيجة؟ وكان من الأمور الشائعة أن تسمم إنساناً وكأنك تدعوه إلى العشاء. إذن يكون الإيمان بآله يثيب على صالح الأعمال ويعاقب على الشرور، ويغتفر مادون ذلك من الأخطاء اليسيرة، من أنفع الأشياء للإنسان".
واتجه فولتير آخر المر إلى أن يرى بعض المعنى في نظرية الجحيم:
"إلى أولئك الفلاسفة الذين ينكرون الجحيم في كتاباتهم أسوق الحديث: أيها السادة، أن لانقضي أيامنا مع شيشرون أتيكوس وماركوس أوريليوس أبيقور...ولامع الفاضل المبالغ في التدقيق والشك، سبينوزا الذي رد-رغم كدحه تحت وطأة الفقر والعوز-إلى أطفال المتقاعد الكبير دي ويت، راتباً قدره 300 فلورين، كان قد منحه أياه رجل الدولة العظيم، الذي قد يذكر أن الهولنيين قد حطموا قلبه. وصفوة القول، أيها السادة، أن الناس ليسوا جميعاً فلاسفة. أننا مضطرون إلى عقد الأتصالات والقيام بمختلف الأعمال، والاختلاط في غمار الحياة بالأوغاد الذين لا يفكرون إلا قليلاً، أو أنهم لا يفكرون أبداً، وبعدد لا يحصى من الناس الذين لاهم لهم إلا الوحشية والسكر والسلب والنهب، ويمكنكم إذا أردتم أن تعظوهم بأن نفس الإنسان فانية. أما أن فسوف أصرخ في آذانهم بأنهم إذا سلبوني فسيكونون مذنبين لا محالة". ونختتم بأن في مقدور الشيطان أن يقتبس من فولتير ما يحقق أغراضه أي ما يؤيد الشيطان نفسه. وبعد المناداة بديانة متحررة من الخرافات، وأنهى المتشكك الكبير أسوأ الخرافات، إنه قد طالب بديانة تقتصر على غرس الفضائل والأخلاق القويمة. أما الآن فهو يسلم بأن الناس العاديين لا يمكن أن يكونوا بمنأى عن ارتكاب الجرائم إلا عن طريق دين فيه جنة ونار أو نعيم وجحيم، وللكنيسة أن تقول إنه تاب وأناب. وفي سن الثانية والسبعين أعاد فولتير صياغة معتقده تحت العنوان المهذب "الفيلسوف الاهل" إنه في البداية يعترف بأنه لا يعرف ما هي المادة وما هو الذهن، ولا يعرف كيف يفكر ولا يعرف كيف يحرك فكره ذراعه، إنه يسأل نفسه سؤالاً من الواضح أنه لم يدر بخلده من قبل: أمن الضرورة لي أن أعرف؟ ولكنه يضيف "أنا لا أستطيع أن أجرد نفسي من الرغبة في التعليم والمعرفة. أن حب الاستطلاع الذي يبعث على الحيرة والارتباك عندي، لا يشبع ولا يقف عند حد مطلفاً" وهو الآن مقتنع بأن الإرادة غير حرة: "أن الجهول الذي يرى هذا لم يفكر دائماً هكذا، ولكنه في النهاية مضطر إلى الاستسلام". هل يوجد هناك إله؟ نعم، وهو العقل وراء "النظام والفن المذهل والقوانين الميكانيكية والهندسيةالتي تكم الكون. ولكن هذا العقل الأسمي معروف لدينا فقط بوجوده لا بطبيعته. "أيها الإنسان الفاني البائس. إذا كنت لا أدرك عقلي، وإذا كنت لا أعرف ماذا ينفخ في الحياة، فكيف تكون لي أية دراي بهذا العقل الذي يجل عن الوصف والذي من الواضح أنه يتحكم في الكون؟...ولكنا من صنعه وتدبيره.
ويميل فولتير إلى الاعتقاد بأنه لم يكن ثمة خلق في وقت معين، وأن الدنيا قد وجدت دائما، "تنبعث دائماً من هذه العلة البدائية الأساسية، كما ينبعث الضوء عن الشمس" وأن الطبيعة كانت تنبعث فيها الحياة دائماً. ولا يزال يؤمن بأن هناك تدبيراً مقصوداً في لكون، أي "العناية الإلهية" التي توحيه الجميع، ولكنها تسمح للجزء-بما في ذلك كل إنسان بمفره-أن التدبير أمر نفسه. وينتهي إلى القول "إن قلت لي إني لم أعلمك شيئاً، فتذكر أني إبتدرتك بأني جاهل.

طارق منينة
12-08-2010, 01:25 AM
هااندا افعل اخي عياض فهل تقصد هذا

عياض
12-08-2010, 02:01 AM
انا طماع يا استاذي..اقصد كل ما تقع عليه من قرائتك للكتاب مما يتعلق بمواضيعنا...:)):

طارق منينة
12-08-2010, 02:37 AM
كنيسة فولتير العلماني!
المرء يتعجب من حال فولتير ومع ان ديورانت وصفه بماتقدم من التشكك والتذبذب الا ان فولتير بنى كنيسة لنفسه تخالف كنائس المسيحية (ديورانت يشير في النص التالي الى مايظنه سببا ) فمرة هو مع الايمان بالله ومرة ملحدا ومرة ضد الالحاد(قبل وفاته)..إلخ
يقول ديورانت في قصة الحضارة المجلد 38 ص214-217 ):"

وكما يعرف العالم بأسره سيد فولتير بالقرب من قصره في فرني كنيسة صغيرة نقش على مدخلها باعتزاز عبارة "يارب إذكر عبدك فولتير" وادعى أنها الكنيسة الوحيدة المخصصة لله وحده على هذه الأرض. أما الكنائس الآخرى فهي مخصصة للقديسيين.
وطلب إلى روما أن تزوده ببعض المخالفات المقدسة ليضعها في كنيسته، فأرسل البابا ثوبا من وبر الجل للقديس فرانسيس أوف أسيس، ووضع فولتير على المذبح تمثالاً بالحجم الطبيعي من المعدن المذهب للمسيح لا وهو مصلوب بل باعتباره حكيماً. وهناك إبتداء من 1760 فصاعدا، ضر فولتير القداس في كل يوم أحد، وكان يقوم هو نفسه بعملية البخور باعتباره سيد القرية. وفي عيد الفصح 1768 تناول العشاء الرباني وكان يرسل خدمه إلى الكنيسة بانتظام ودفع أجور تعليم أبنائهم قواعد الديانة.
وربما قصد بجزء كبير من هذه التقوى والورع أن يكون قدوة حسنة لأهل قريته، ويشجعهم على إيمان قد يحد من جرئمهم ويصون ممتلكاته. وكان واثقاً أن الحاشة الملكية في فرساي سوف يترامى إليها أنباء سلوكه المثالي، وربما راوده الأمل في أن قد ييسر مهمته في شن الحملات من أجل كالاس وآل سيرفن ودي لابار، ويشفع في عودته إلى باريس. والحق أن
الملك والملكة قد سرهما ما سمعا من أنباء إصلاحه. ووافق الكاهن دي لاباتري على أن يتناول فولتير الأسرار المقدسة، ولكنه عندما رأى هزال المبلغ أبدى ملاحظة فحواها أن فولتير نسي أن يدفن نفسه، فأجاب فولتير بأنحناء واحترام "بعدك يا سيدي".وفي 31 مارس سنة 1769 استدعى موثقاً ووقع أما عدة شهود وثيقة تؤكد رغبته في الموت على العقيدة الكاثوليكية(129). وسخر منه الأخوة في باريس، وتقبل هو سخريتهم بصدر رحب... وكان قد أشترك في الحملة ضد اليسوعيين، ولكن في 1770 انظم إلى رابطة علمانية للأخوة الكبوشيين، وحصل من رئيس هذه الطائفة على لقب "الأب الدنيوي لطائفة الكبوشية في جكس"، وهي القرية التي كان فيها سيداً إقطاعياً. وكان فخوراً جداً بهذا التشريف، وكتب عنه عدة رسائل وقع على بعضها باسم "الأخ فولتير الكبوشي". وحياه فردريك قديساً جديداً في الكنيسة، ولكنه أبلغه أن السلطات الكنسية في رومة كانت قد أحرقت في نفس العام بعض أعمال الكبوشيين الحقيرة. وليس من اليسير أن نتبين أن تووده إلى الكنيسة كان مخلصاً أو أنه كان ترضيه لقصر فرساي، أو أنه كان بدافع الخوف من الحيلولة دون دفن رفاته في الأرض المخصصة لهذا الغرض، وهي شمل كل مقابر فرنسا. وربما لعبت هذه العوامل الثلاثة دوراً في الكوميديا المقدسة.
وفي تلك الأعوام الأخيرة 1770-1778 وقف قلمه على تفنيد الإلحاد لا مهاجمة المسيحية. وأضاف إلى مقال "الله" في القاموس الفلسفي فقرتين دحض فيهما "نظام الطبيعة" لدى هولباخ. وفي 1772 دبج مقالاً رائعاً تحت عنوان "يجب أن نؤيد" وفيه دافع عن "الله والتسامح". واعترف لمدام تكر والدوقة دي شوازيل، والأمير البروسي فردريك وليم، وبخوفه على حركة التسامح الديني من أن يهزمها تأييد الإلحاد والدفاع عنه، وأسف لأن نقده لدى هولباخ قد تضامن "الأخوة" ولكنه أصر في عناد "لأشك عندي في أن المؤلف وثلاثة من مؤيدي هذا الكتاب سيكونون من الد أعدائي لأنهم تحدثوا بأفكاري. وقد أعلنت لهم أني سأتكلم طالما كان في عرق ينبض أو طالما ترددت أنفاسي دون أن أخشى المتعصبين للالحاد ولا المتعصبين للخرافة. ورد أنصار دي هولباخ على هذا بقولهم على هذا بقولهم ان السيد الثرى يشتغل بالسياسة مع فرساي ويستخدم الله ليحافظ على النظام بين خدمه وفلاحيه في فرنى.
وفي السنوات العشر الأحيرة من حياته ، نظر إليه الرجال الذي هتف لهم يوما، وحفزهم وشجعهم على الانظمام إلى الحملة ضد "الرجس" بأعتبارهم أخوة، نظروا إليه وكأنه قائد مضيع...وبدأ الشيخ الجليل الواهن حوالي 1770، بعد أن تخلى عنه الجانبان وقاوموه، بدأ يفقد ثقته في أمكانات الفوز، وأطلق على نفسه "المدمر
الكبير" الذي لم يبن شيئا...وكل الحلم الذي كان يراوده وهو يستعد في سن الرابعة والثمانين ليرى باريس قبل أن يموت، هو حلم "تنوير الشباب شيئاً فشيئاً". فربما يعود إليه في غمرة الترحيب الشديد به هناك، إيمانه بالإنسان وأمله فيه.
وهل كان فولتير فيلسوفاً ؟ نعم . أنه كان كذلك على الرغم من أنه لم يصطنع مذهباً. وأنه تردد وتذبذب في كل شيء وغالباً مابقى فوق سطح الأشياء ولم يتعمق فيها. ولم يكن فيلسوفاً إذا كانت هذه الكلمة تعتى صانع مذهب قائم على فكر موحد متماسك عن العالم والإنسان، ... كان الثاني في الفلسفة بعد ديدرو، نعم، وفي المسرحية بعد كورني وراسين ولكنه كان الأول والأفضل في زمانه في فهمه وكتابته للتاريخ وفي رقة شعره، وفي سحر نثره وظرفه، وفي مدى تفكيره وتأثيره. ورفرفت روحه مثل اللهب فوق القارة وفوق القرن. كما أنها تثير وتهز مليون نفس في كل جيل.
وربما أسرف في كراهيته، ولكن علينا أن نتذكر الاستفزاز والإثارة ، ونتصور أنفسنا عائدين إلى الوراء في عصر كان الناس يحرقون فيه على الخازوق، أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف بسبب الارتداد عن الديانة التقليدية. وقد نرى المسيحية الآن أفضل مما كانت عليه أو مما رآها هو آنذاك، [color="indigo"]لأنه ناضل وأصاب بعض النجاح للتخفيف من تعاليمها وحدتها. ويمكن أن نحس بقوة وروعة العهد القديم وجمال العهد الجديد وسموه، لأننا أحرار في أن نفكر فيهما بأعتبارهما من عمل وإيحاء رجال غير معصومين من الخطأ

طارق منينة
12-08-2010, 05:33 PM
اقصد كل ما تقع عليه من قرائتك للكتاب مما يتعلق بمواضيعنا
ان شاء الله نفعل اخي عياض ربنا يكرمك
ولذلك فيمكنني ان ارجع لقول ديورانت نفسه الذي اوردته سابقا وهو يقيم القاموس الفلسفي لفولتير وهو:"ولكن لن يتسنى لأحد أن يلتزم جانب العقل والحكمة في ألف صحيفة، ولم يكن أي إنسان بارعاً متألقاً دائماً وهو يكتب هذا القدر الكبير من الصفحات" مع انه قال على هذا القاموس او مختصره" المادة التي جمعت فيه، والمعلومات التي تناولت كل فروع المعرفة تقريباً، جعلت الكتاب واحدة من المعحزات في تاريخ الأدب" وانا لااقارن رحمكم الله بين كتاب فولتير والقرآن وانما استخدم كلمة خبير في عالم الكتابة والقراءة ومعرفة الكتاب والعلماء وانتاجهم لاقامته دليلا على ان القرآن من عند الله فليس في القرآن الا الكمال والجلال والاحاطة والحق
بخلاف كلام الكتاب والفلاسفة وغيرهم
فكلمة ديورانت مهمة كما اراها!
ونص ديورانت اوردته هنا

http://www.eltwhed.com/vb/showpost.php?p=204213&postcount=2

طارق منينة
12-08-2010, 10:34 PM
قال ديورانت في قصة الحضارة"
فأن الدين إذا ارتضى العقل كان في هذا بداية موته وفنائه.
(قصة الحضارة المجلد 38 ص220)
جاء ذلك في سياق نقد المسيحية من قبل الفلاسفة
وهو يعلم بل وهو الذي عرض انتاج العقل الاسلامي في عالم الطبيعة والمادة والجدل واشاد بذلك ايما اشادة!

طارق منينة
12-08-2010, 11:17 PM
بذاءة علمانية موروثة

لقد تكون للفلاسفة منهجا هجائيا بذيئا على مرور الوقت لمواجهة المسيحية اولا ومواجهة بعضهم البعض ثانيا واستخدم هذا المنهج مع الوقت في الهجوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل فولتير ودانتي وغيرهما وحديثا من قبل صادق جلال العظم في كتابيه ذهنية التحريم ومابعد ذهنية التحريم وقد ذكر العظم ذلك بنفسه اي انه استخدم المنهج الفولتيري وغيره بل زاد على الفلاسفة معيارا اشد بذاءة واشاد به ودافع عنه وطالب بسلوك سبيله وقال انه استعمله لاهانة والحط من الرسول والدين وماالحرج في ذلك يقول العظم الذي فقد بقية عقله بكتابيه الاخيرين وزعم ان ذلك اجدي في الطعن وانه سلاح فعال!، ويبدو ان خليل عبد الكريم الذي اشار مرة الى مدح العظم لكتاباته، اتخذ منهج العظم والفلاسفة في كتابه الساخر من النبي والنبوة"فترة التكوين" وهو نفس منهج حيدر حيدر كما ظهر في جميع رواياته خصوصا تلك المسماة بوليمة لاعشاب البحر، وسنذكر ذلك في الكتاب القادم اقطاب العلمانية(3) فهو مخصص لهذا كله لكن لنثبت هنا شيئا من الحرب الكبرى على المسيحية واستخدام فولتير لسلاح البذاءة في مواجهة خصومه
يقول ويل ديورانت بعد ان ذكر هجوم المسيحية على الفلاسفة في قصة الحضارة المجلد 38 ص232 :"

وتخلى فولتير عن هدوئه وغامر بأمنه وطمأنينته ليرد في شيء من الدعاية أكثر منه بالمحاجة والجدل غالباً، على كل من يهاجم الفلاسفة والعقل، فكتب إلى ديدرو "أرسل إليّ أسماء هؤلاء الرفاق التعساء، وسأعاملهم بما يستحقون". وكان من الصعب التعرض لمورو لأنه كان أمين المكتبة، وكان مؤرخ الملكة. وكان من الممكن التشهير ببومينان بالتفاصيل الصغير، والنبل من بالبسو بالتورية والتلاعب بالألفاظ، وهكذا كتب مارمونتيل قطعة من المتعذر ترجمتها "هذا الرجل كان اسمه ذات يوم بالي، وفي البداية أسموه بالي الغبي، ثم بالي المنحط وبالي الأحمق، وبالي العقيم وبالي البارد. وتتويجاً لهذا التقريع المطول العنيف وختماً لهذه المقطوعة الهجائية، وجاءت الكلمة المناسبة على لفور. فأسموه بالي المغفل، وهبوطاً إلى مستواك يجب علينا، أنا واللفظة أن نمزح مرحاً صاخباً، تأمل وفكر إذا استطعت أن تستخدم تلك الآلة ولكن لا تكتب، بل اقرأ "أيها الأحمق""وقال ديورانت(المجلد38 ص 233):
"[COLOR="Indigo"]ومن أمثلة البذاءة التي أساءت إلى سمعة فولتير والقرن الثامن عشر وصفه لفريرون بأنه "الدودة التي خرجت من إست ديفونتين"
وكان برتييه الذي قال عنه ديورانت"وأرق شخصية في المدافعين عن الكاثوليكية من رجال الدين في القرن الثامن عشر في فرنسا هو غليوم فرنسوا برتييه"الذي"أرسل إلى رن ثم إلى روان أستاذاً للفلسفة. وفي 1745 عينه اليسوعيون محرراً لصحيفتهم "جورنال دي تريفو" التي كانت تصدر في باريس آنذاك. وأصبحت هذه النشرة الدورية على عهده من أكثر الأصوات احتراماً في فرنسا المتعلمة"الذي"دافع عن عدم التسامح الديني. واعتقاداً منه بأن المسيح ابن الله هو الذي أسس الكنيسة الكاثوليكية، رأى أنه من واجب المسيحي أن يحول بكل الوسائل السلمية دون انتشار الخطأ الديني""وفي عدد إبريل من تريفو عرض لكتاب فولتير "بحث في العادات" فقال: إنه ليحزننا أن نرى مؤلفاً حياً نقدر مواهبه ونعجب بها ولكنه يسيء استغلالها في أكبر الأمور الأساسية. لقد رأى في كتاب فولتير محاولة لهدم الكنسية والدين ليشيد على إطلالهما كياناً فلسفياً، أو معبداً لإباحة الفكر...وفي نفس العدد من الصحيفة تحول برتييه إلى كتاب فولتير "العذراء-جان دارك" فنفذ صبره. وصاح: إن الجحيم لم يلفظ قط مثل هذا الطاعون الفتاك:...إن الشهوانية تعرض هنا بكل وقاحة أبشع الصور بذاءة ودعارة. إن الفحش والبذاءة تستعيران لغة السوقة...إنه أحط الهزل الماجن يلطف الكفر والبعد عن التقوى...إن الرائحة المنبعثة من هذه الأشعار كفيلة بإفساد ونقل العدوى إلى كل عصر وكل حالة في المجتمع.ولم يسارع فولتير إلى الرد، إنه ما زال يحتفظ بذكريات طيبة لمعلميه اليسوعيين، ولا يزال على جدران مكتبه في فرني صورة الرجل الطيب العطوف المتدين آلاب بوري Poree(19). ولكن عندما أوقفت الحكومة الفرنسية صدور الموسوعة استجاب لتحريض دالمبير وأنبرى لقتال برتييه. فأتهمه بمناهضة الموسوعة لأنها نافست قاموس تريفو الذي زعم أنه إنتاج يسوعي (كان كذلك بشكل جزئي وبصفة غير رسمية). ودعا مجتمع يسوع إلى فصل محرر تريفو. أي عمل هذا الذي يشتغل به كاهن...أنه يبيع في كل شهر من مخزن للكتب مقتطفات من آراء طائشة مفتراة "(المجلد38 ص223-224)

طارق منينة
12-09-2010, 12:23 AM
سقوط اليسوعيون ايام فولتير في سبعينات القرن الثامن عشر، وانتصار الفلاسفة ورياضيات المسلمين وسيلة للتعليم في فترة امساك اليسوعيون بالسلطة والمال(ومانفع هذا التبني في انقاذ الكنيسة اليسوعية!!).. وبعد قمعهم وطردهم -كما سيرد في النص التالي-بدأت علوم المسلمين تدخل بقوة مجال التعليم!!"... -وهل هناك يومئذ غيرها اللهم الا اندفاع العقل العلماني بشطط في تحقير كل شيء!- وفي النص التالي ،فان مادخل التعليم كان التالي"... قدر كبير من العلوم... مبادئ الجغرافيا والفيزياء والتاريخ الطبيعي""وأنشئت المعامل في الكليات مع أساتذة للفيزياء التجريبية" كل ذلك ولاينبغي اغفال كافة الظروف والاحداث المحيطة..!
فاوروبا كانت تمور يومئذ بصراع بين الكنائس المسيحية المتنفذة وتربص الفلاسفة وغضب الملوك وضغط الباباوات ولعبة النساء في الحياة العامة والخاصة وحروب من اعنف ماظهر في التاريخ الاوروبي وفي ظل المسيحية وبدعم من آباءها!
والعجيب في هذا النص هو ان فولتير يحرم التعليم على الفلاح-الزارع والسبب تافه!
انه يجب الالتفات الى حرص الجميع من المسيحيين والفلاسفة ورجال الدولة على تبني العلوم الجديدة التي كانت تتغلغل في اوروبا منذ زمن بقوة وبنشاط عجيبين ولاشك ان الخيال سيسوقنا الى مصدرها ومصدر التحدي ومصدر النور الذي امد اوروبا بنشاط وحراك عقلي وعلمي بدل كل شيء .. ان علينا ان نتمعن في النص التالي لرؤية بعض هذه التطورات

قال ديورانت في قصة الحضارة المجلد38 ص 234-250):"
كشف الانهيار السريع "لجمعية يسوع" عن روح العصر ومزاجه، ولو أن هذا السقوط نتيجة لتصرف برلمان باريس أكثر منه نتيجة لعمل الفلاسفة. أن مؤسسها أطلق عليها اسم "عصبة (شركة) يسوع" وأقرها البابا بول الثالث 1540 تحت اسم مجتمع يسوع-أي هيئة دينية تتبع قاعدة محددة، تعيش على الصدقات. وقد أصبح هؤلاء "اليسوعيين" كما سماهم النقاد-على مدى قرن من الزمان أقوى جماعة من رجال الدين في كنيسة الكاثوليكية، وما وافى عام 1575 حتى كانوا قد أسسوا في فرنسا وحدها اثنتي عشر كلية، وسرعان ما سيطروا على تعليم الشباب في فرنسا. ولمدة مائتي عام اختار ملوك فرنسا كهنة اعترافهم من بينهم، وحذا سائر الحكام الكاثوليك حذوهم. وبهذه الوسيلة وغيرها من الوسائل بات لهؤلاء اليسوعيين أو "جماعة يسوع" أبلغ الأثر في تاريخ أوربا بأسرها... ولكن جماعة يسوع ازدادت عدداً وقوة وسلطاناً وسيطرت على سياسات لويس الرابع عشر الدينية، وأدت به إلى مهاجمة الجانسنيين في بورت رويال، على أنهم كلفنيون تحت شعار أنهم كاثوليك. ولا تزال الأقلية المتعلمة تذكر "الرسائل الإقليمية" التي كتبها بسكال 1656...، وسعوا إلى التوفيق بين العلم و الكنيسة...إنهم اعتمدوا أكثر مما ينبغي على الذاكرة، وعلى الطاعة العمياء السلبية. ومن ثم فإن قيمة الدراسة فقدت كثيراً بسبب حاجة العصر إلى قدر أكبر من الاستفادة بالعلوم،...وفي 1762 نشر روسو كتابة "إميل" أعلن فيه ثورة على التعليم.
ومهما يكن من أمر فأن الفلاسفة كانوا عاملاً أقل شأناً في سقوط اليسوعيين في فرنسا. إن نوعاً من الهدنة المتبادلة خيم على العداء المتبادل، ذلك أن الكفار احترموا علم اليسوعيين وخلقهم، وهؤلاء من جانبهم كانوا يأملون بالأناة والصبر في معالجة الأمور في أن يعيدوا هؤلاء المتشككين الخطائين إلى حظيرة الدين القويم. ووجد فولتير أنه من العسير عليه أن يشن الحرب على معلميه السابقين. وكان قد أرسل روايته "هنرياد" إلى الأب بوري راجياً أن يصحح ما قد يكون فيها من فقرات تسيء إلى الدين(46). وفي كتابه "معبد الذوق" كان قد امتدح في اليسوعيين تقديرهم لقيمة الأدب وكثرة استخدامهم للرياضيات في تعليم الشباب....وفي فرني (في 1758 وما بعدها) احتفظ فولتير بعلاقات ودية مع اليسوعيين المحليين واستمتع نفر منهم بكرم وفادته. وكان في نفس الوقت قد هاجم الكنيسة في مائة صحيفة في كتابه "رسالة في العادات والأعراف". كما كان يكتب مقالاً ضد المسيحية للقاموس الفلسفي. وعندما سمع بنبأ مهاجمة رئيس الوزراء كارفالو لليسوعيين في البرتغال (1757) وإحراق مالاجريدا اليسوعي (1764) شجب اتهامات كارفالو بأنها غير عادلة وإعدامه بأنه قسوة غاشمةولكنه طوال تلك السنوات كان هو نفسه في حرب مع كنيسة، وكانت كتابات "إخوته" ديدرو ودالميير وموريليه تسهم في إضعاف اليسوعيين في فرنسا.
وربما أسهمت المحافل الماسونية، المخصصة بصفة عامة لمذهب اليبوبية في عملية تقويض أركان اليسوعيين وإضعافهم...ولم تستطع مدام دي بمبادور أن تنسى أن اليسوعيين قاموا كل خطوة في سبيل تسنمها مراقي العظمة السلطان، وأنكروا الغفران للملك مادام يحتفظ بها، ورفضوا أن ينظروا بعين الجد إلى عودتهما المفاجئة إلى التقوى والتمسك بأهداب الدين. وأعلن الكاردينال برنيس وكان لأمد طويل ذا حظوة لدى المركيزة، أن قمع حركة اليسوعيين في فرنسا يرجع أساساً إلى امتناع كهنة الاعتراف اليسوعيين عن منح الغفران لمدام دي بمبادور على الرغم من توكيداتها بأن علاقاتها بلويس الخامس عشر لم تعد جسدية(49). وردد الملك صدى استيائها: لماذا كان هؤلاء الكهنة متساهلين مع الآخرين، قساة متشددين مع المرأة التي أضاءت جوانب حياته المرهقة الموحشة؟ لماذا كانت تزداد ثروتهم المشتركة على حين كان هو يكافح من أجل الحصول على الاعتمادات اللازمة لجيشه وبحريته في حرب مشئومة تنذر بكارثة، ومن أجل ملابس عشيقته وأجور تدريبها وإعدادها في "منتدى
الظباء". وكان داميين قد حاولوا قتل الملك، ولم يكن لليسوعيين علاقة ظاهرة بهذه المحلولة ولكن كان لداميين كاهن اعتراف يسوعي. ألم يدافع أحد اليسوعيين المتوفين عن فكرة قتل الملك؟ وبدأ الملك يصغي إلى شوازيل وإلى بعض شبه أنصار فولتير في وزارته، ممن قالوا بأن الوقت قد حان لتخليص الدولة من ربقة وصاية الكنيسة، وإقامة نظام اجتماعي أخلاقي مستقل عن رجل الدين النزاعيين إلى تعويق انتشار المعرفة، وعن لا هوت العصور الوسطى. وإذا كانت دولة البرتغال الصغيرة الغارقة في الخرافة قد تجاسرت على طرد اليسوعيين فلم لا تقدم فرنسا المستنيرة على مثل هذا؟ وتأثر اليسوعيين بهذه العداوات المختلفة وأشتد الارتياب في أنهم ربطوا بين فرنسا والنمسا في حرب السنين السبع، ومن ثم فأنهم تعرضوا لكراهية مفاجئة بشكل غريب. وبعد هزيمة الفرنسيين على يد فردريك في روسباخ، وبعد أن وصلت أقدار فرنسا إلى الحضيض وأصبح منظر الجنود المقعدين المشلولين مألوفاً في باريس، بات اليسوعيين هدفاً للنكات والشائعات والافتراءات المشوهة للسمعة حتى إلى حد الاتهام باللواط...وكان برلمان باريس أعظم القوى التي انقلبت على اليسوعيين عداء...وفوق هذا كانت غالبية برلمان باريس من الجانسنيين. وعلى الرغم من كل القمع عاناه الجانسنيون فإن هذا المذهب المتشدد، وهو نتاج تشدد القديس بولص في مسيحية المسيح وهي أيسر وأخف، اجتذب قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى في فرنسا، وعلى الأخص تلك العقول القانونية التي أحست منطقه، ورأت فيه وقفة قوية ضد اليسوعيين. واتضح الآن بما لا يدع مجالاً للشك أن اليسوعيين هم الذين ألحوا على لويس الرابع عشر لتعقب الجانسنيين إلى حد تدمير بورت رويال تدميراً تاماً، وإكراههم الشديد على قبول المرسوم البابوي البغيض الذي جعل من الجانسنية هرطقة أنكى من الإلحاد. فهل تحين الفرصة للرد على هذا الإيذاء بمثله والانتقام لمثل هذا الاضطهاد! مهيأ اليسوعيين لبرلمان باريس هذه الفرصة. إنهم لعدة أجيال مضت قد اشتغلوا بالتجارة والصناعة، وسيلة لتمويل معاهدهم اللاهوتية وكلياتهم وبعثاتهم التبشيرية وسياستهم. إنهم في روما احتكروا كثيراً من نواحي الإنتاج والحرف والصناعات. وفي آنجرز بفرنسا أسسوا مصنعاً لتكرير السكر، واحتفظوا بمراكز تجارية في كثير من الأراضي الأجنبية مثل جوا. وكانوا من أغنى المقاولين في مستعمرات أسبانيا والبرتغال في أمريكا. وجأرت المشروعات الخاصة بالشكوى من هذه المنافسة. حتى أن الكاثوليك الأفاضل تعجبوا كيف أن طائفة نذرت نفسها للتقشف مثل اليسوعيين تجمع مثل هذه الثروة. وكان من أنشط رجال الأعمال عندهم الأب انطوان دي لا فالت valette الرئيس الأعلى لليسوعيين في جزر الأنتيل الذي أدار باسم الجماعة مزارع واسعة في جزر الهند الغربية واستخدم آلافاً من مبالغ ضخمة من مصارف مرسليا، ولسداد هذا القرض ...ولكن في 8 يوليو قدم الراهب terray إلى البرلمان تقريراً عن "المذهب الخلقي والعملي لجماعة اليسوعيين". وعلى أساس هذا التقرير أصدر البرلمان في 6 أغسطس قرارين قضى أحدهما بإحراق عدد كبير من مطبوعات اليسوعيين في القرنين السابقين لأنها تعلم مبادئ "بغيضة تدعو إلى سفك الدماء" وتهدد أمن المواطنين والملوك، كما حرم الانضمام إلى عضوية الجماعة بعد الآن في فرنسا. كما قضى بأنه حتى أول إبريل 1762، يجب إغلاق كل مدارس اليسوعيين...وفي يناير 1762 أرسل إلى كليمنت الثالث عشر وإلى لورنزو رتشي رئيس اليسوعيين اقتراحاً بأن تفوض منذ الآن فصاعد كل سلطاته في فرنسا إلى خمسة من القساوسة الإقليميين يقسمون اليمين على طاعة القانون الفرنسي، ومواد قانون 1682 التي أحلت الكنيسة الفرنسية في الواقع من الخضوع للبابا. وفوق ذلك يجب أن تكون المدارس اليسوعية خاضعة لتفتيش البرلمانات. ولكن البابا وريتشي رفضا الاقتراح في شيء من التحدي "فليبق اليسوعيون كما هم أو لا يبقون مطلقاً". ولمصلحة جماعة اليسوعيين أهاب كليمنت برجال الدين الفرنسيين مباشرة. وفي هذا خرق للقانون الفرنسي. ورفض رجال الدين الفرنسيون رسالة البابا وأحيلت إلى الملك الذي أعادها إلى البابا.
ودخلت البرلمانات الإقليمية الآن حلبة النزاع وأضافت بعض التقارير التي تلقتها مزيداً من الاتهامات الموجهة إلى اليسوعيين. وتأثر برلمان رن rennes في بريتاتني بالتقرير الذي قدمه النائب العام لويس رينيه دي لاشالوتيه في 1761-1762 عن "نظام اليسوعيين" الذي اتهم فيه الجماعة بالهرطقة والوثنية والأعمال غير المشروعة والدعوة إلى قتل الملوك، وأكد أنه لزام على كل يسوعي أن يقسم يمين الطاعة المطلقة للبابا ورئيس الطائفة الذي كان يقيم في روما. وأنه بناء على ذلك تكون الجماعة بمقتضى دستورها خطراً يهدد فرنسا ومليكها، ومن ثم ألح التقرير على أن يكون تعليم الأطفال حقاً مطلقاً للدولة لا مراء فيه. وفي 15 فبراير 1762 أمر برلمان روان كل اليسوعيين في نورمندي بإخلاء دورهم وكلياتهم وعزل كل المديريين الأجانب، وقبول القانون الفرنسي. وصدرت قرارات مماثلة من البرلمانات في رن، اكس أن بروفانس، بو، بريبنان، تولوز، وبوردو. وفي أول إبريل أمر برلمان باريس بتنفيذ قراراته ونقل إدارة المدارس اليسوعية في دائرة اختصاصه إلى مديرين آخرين. ...وفي 6 أغسطس 1762 أعلن أن جماعة يسوع لا تلتئم مع قوانين فرنسا، وأن الأيمان التي أقسمها الأعضاء، طغت على ولائهم للملك، وأن خضوع الجماعة لسلطة أجنبية جعل منها هيئة أجنبية داخل دولة مفروض أنها ذات سيادة. وبناء على ذلك أصدر البرلمان أمراً بحل الجماعة في فرنسا، وبتخلي كل الجزويت في بحر ثمانية أيام عن كل ممتلكاتهم في فرنسا،...وأخيراً في نوفمبر 1764 أمر لويس بوقف نشاط جماعة اليسوعيين وقفاً تاماً في فرنسا. وبلغت قيمة الممتلكات المصادرة نحو 58 مليوناً من الفرنكات، وربما ساعد هذا على موافقة الملك على حل هذه الطائفة. وخصص معاش ضئيل لليسوعيين السابقين، وسمح لهم بالبقاء في فرنسا لبعض الوقت. ولكن في 1767 قرر البرلمان وجوب مغادرة كل اليسوعيين السابقين أرض فرنسا. وتبرأ قليل منهم من الطائفة وبقوا في فرنسا.
وكان رحيلهم موافقاً للنبلاء والطبقة الوسطى والمثقفين ورجال الأدب والجانسنيين...وأعلن البابا كليمنت الثالث عشر في مرسومه الرسولي براءة اليسوعيين، فأحرق المدعي العام المرسوم في شوارع عدة مدن، على أساس إن البابوات ليس لهم حق مشروع في التدخل في شؤون فرنسا. ورحب الفلاسفة في أول الأمر بطرد اليسوعيين باعتباره انتصاراً مشجعاً للفكر الحر. وأورد دالمبير في سرور تعليق جان أستروس العالم الباحث في الأسفار المقدسة، والذي قال فيه "إن الموسوعة، لا الجانسنيين، هي التي قضت على اليسوعيين. وزادت الآن بسرعة مطبوعات الفكر الحر. وفي عقد السنين التي تلت عملية الطرد، قارب دي هولباخ ومعاونيه حد الإلحاد.
وهما يكن من أمر فثمة تفكير ثانٍ، وهو أن الفلاسفة أدركوا أن الانتصار يرجع إليهم أقل مما يرجع إلى الجانسنيين والبرلمانات، وأن الفكر الحر ترك ليواجه عدواً أشد تعصباً من اليسوعيين بكثير. وعبر دالمبير في كتابه "تاريخ القضاء على اليسوعيين" عن ابتهاج يسير بمصيرهم:...
إن القضاء على جماعة يسوع سيعود بأكبر النفع على العقل، شريطة ألا يرقى تعصب الجانسنيين إلى مستوى تعصب اليسوعيين.
وإذا كان لنا أن نختار بين هاتين الطائفتين، فإننا نؤثر جماعة يسوع التي هي اقل طغياناً وجوراً. فإن الجزويت الذين يخدمون الناس ويتكيفون معهم، شريطة ألا يعلن المرء عداءه لهم أجازوا للمرء أن يفكر كيفما يشاء. أما الجانسنيون فإنهم يفرضون على كل الناس أن يفكروا كما يفكرون هم. وإذا قدر لهم أن يسودوا لفرضوا على الناس تحكماً شديداً في الأذهان والكلام والأخلاق...
إن شالوتيه كذلك رغب في غرس المبادئ ولكن كذلك أراد تلقين المثل العليا الوطنية(70) "إني أطالب للأمة بتعليم يعتمد على الدولة وحدها(71)". ويجب أن يكون المعلمون علمانيين، وإذا كانوا كهنة فيجدر ألا يكونوا من المنتمين لطائفة دينية. ويجب أن يكون الغرض من التعليم هو إعداد الفرد...ويجب أن يشتمل المنهج على قدر كبير من العلوم. ومن أدنى المراحل حتى الأطفال بين سن الخامسة والعاشرة يمكن استيعاب مبادئ الجغرافيا والفيزياء والتاريخ الطبيعي...ويجب توفير الوسائل لتعليم الإناث، ولكن ليس من الضروري تعليم الفقراء، فإن لبن الزراع لن يتعلم في المدرسة خيراً مما قد يتعلم في الحقل، وإن تعليمه شيئاً غير هذا سيجعله غير راضٍ عن طبقته.
وصعق هلفشيوس وترجو وكوندورسيه لهذا الرأي الأخير، ولكن فولتير استحسنه وكتب إلى شالوتيه "أشكرك على تحريم التعليم على العمال. وأنا الذي أزرع الأرض احتاج إلى عمال يدويين لا إلى رجال دين حليقي الرؤوس، أرسل إليّ أخوة جهلة حقاً ليقودوا مركباتي أو يهيئوها للاستخدام". وكتب إلى داميلا فيل الذي كان قد اقترح التعليم للجميع "أشك في أن أولئك الذين يكسبون قوتهم باستخدام عضلاتهم يكون لديهم فسحة من الوقت ليتعلموا، وسيموتون جوعاً قبل أن يصبحوا فلاسفة...وليس العامل اليدوي هو الذي يجب أن نعلمه بل البرجوازي ساكن المدينة".وفي مواضع أخرى تنازل فأيد تعليم الجميع التعليم الابتدائي، ولكنه كان يأمل في تقييد التعليم الثانوي إلى حد يسمح بترك فئة كبيرة من العمال اليدويين ليقوموا بالأعمال البدنية في المجتمع. إن أول مهمة للتعليم في رأي فولتير هي وضع حد للتعليم الكنسي الذي رأى أنه مسئول عن الخرافات التي امتلأت بها عقول الجماهير وعن تعصب الناس. ...وإذ هوجمت الحكومة الفرنسية على هذا النحو فأنها جاهدت لتفادي توقف التعليم نتيجة كطرد اليسوعيين، وخصصت الممتلكات المصادرة من الطائفة إلى حد كبير لإعادة تنظيم المدارس الخمسمائة في فرنسا. وجعلت هذه المدارس جزء من جامعة باريس. وحولت كلية لويس الأكبر إلى مدرسة للمعلمين لتدريب المدرسين، وحددت الرواتب على أساس بدا معقولاً... وظل المذهب الكاثوليكي جزءاً هاماً في المنهج ولكن العلوم والفلسفة الحديثة بدأت تحتل مكان أرسطو والاسكولاسيين (الفلاسفة المسيحيين في العصور الوسطى)، وحاول بعض المدرسين المدنيين أن ينقلوا أفكار الفلاسفة. وأنشئت المعامل في الكليات مع أساتذة للفيزياء التجريبية، وفتحت المدارس الفنية والحربية في باريس والأقاليم. وكانت ثمة تحذيرات كثيرة بأن خطة الدراسة الجديدة ستعمل على تحسين العقول لا الأخلاق. وقد تضعف الفضيلة والانضباط وتؤدى إلى الثورة...وقد لحظنا إيمان هلفشيوس "بأن التعليم يمكن أن يغير كل شيء"(81). وحتى فولتير المتشكك نفسه ذهب في بعض الحالات إلى أننا جنس من القردة يمكن أن يتعلم ان يتصرف تصرفاً عقلانياً أو غير عقلاني

طارق منينة
12-10-2010, 05:45 AM
النص التالي يبين التداعيات الخطيرة في الغرب خصوصا في عصر فولتير ومابعد منتصف القرن الثامن عشر، التي ادت الى الدخول الى عصر العلمانية التي كانت تتطور بصورة متسارعة مع الانهيار التام للكنيسة

قال ديورانت تحت عنوان "تراجع الديانة " في قصة الحضارة المجلد38 ص256-265 ):
"بدا الفلاسفة وكأنهم كسبوا المعركة ضد المسيحية. "أن المؤرخ النزيه إلى حد الإعجاب هنري مارتن وصف شعب فرنسا في 1762 بأنه جيل ليس لديه أي إيمان بالمسيحية. وفي 1770 قال المحامي العام سيجويه siguier في تقرير له: "سعى الفلاسفة بإحدى اليدين أن يشلوا العرش، وباليد الأخرى أن يقلبوا المذابح (أن يهدموا الكنائس). وكان غرضهم أن يثيروا الرأي العام ضد النظم المدنية والدينية. وهذا الانقلاب على حد قولهم قد بدأ بالفعل. فإن التاريخ والشعر والقصص بل حتى القواميس قد تسربت إليها عدوى التسمم بالتشكك وعدم التصديق. ولا تكاد كتاباتهم تنشر قبل أن تطغى على الأقاليم مثل السيل الجارف، وامتدت العدوى إلى المصانع والأكواخ"(93)... وفي 1775 أعلن رئيس أساقفة تولوز أن "الإلحاد الرهيب البشع أصبح الرأي السائد. ...وأزعج علم الفلك الجديد رب اللاهوت في الفضاء وكأنما يتراجع عن الفضاء مع ارتياد الكواكب في زماننا هذا...وكانت معظم الصالونات الكبرى تتبع الفلاسفة. واحتقرت مدام دي ديفان هؤلاء الرجال، ولكن مدام جيوفرين رحبت بهم في أمسياتها، حتى اكتظت بهم مائدتها. وتكاثروا حول الآنسة لسبيناس وتصدر جريم صالون مدام ابيناي، ووصف هوراس وولبول الجو الفكري للصالونات في 1765 فقال:
"هناك إله وهناك ملك يحب القضاء عليهما. والرجال والنساء جادون في تدميرهما. أنهم يظنونني دنساً لأن لدي بقية من إيمان... والفلاسفة لا يطاقون، وهم سطحيون متغطرسون متعصبون، إنهم لا ينقطعون عن التبشير والدعوة، وهم يجهرون بالإلحاد، وقد لا تصدق مبلغ صراحتهم، فلا تعجب إذن إذا عدت أنا يسوعياً...والتهم النبلاء في ابتهاج مشوب بالعداء للدين كل ما قدمته لهم العقول القوية. وقال لاموث لانجون "كان الإلحاد سائداً إلى حد بالغ في المجتمع الراقي، وكان الإيمان بالله دعوة إلى الحماقة والسخف وانتشر الكفر والبعد عن الدين بين الأرستقراطية بعد 1771. وكانت دوقة دانفيل ودوقات دي شوازيل وجرامونت ومونتسيون وتسي ربوبيات. وارتبط رجال من ذوي المناصب الرفيعة في الحكومة-مثل شوازيل وروهان وموريباس وبوفو وشوفيلين بأواصر الود والصداقة مع دالمبير وترجو وكوندورسيه...وسرت العدوى حتى إلى رجال الدين. وفي 1769 قاس تشامفورت درجة تزعزع الإيمان لدى رجال الدين تبعاً لتسلسل مراتبهم الكنيسة: "يجب أن يؤمن القسيس قليلاً، أما وكيل الكنيسة فيبتسم لأية قضية ثتار ضد الدين، ويسخر الأسقف دون تحفظ، ويضيف الكاردينال ملاحظة بارعة أو نكتة ساخرة من عنده. وعدد ديدرو ودي هولباخ مجموعة كهنة متشككين من بين أصدقائهم. وكان القسوسة تورني وفوشيه، وموري، ودي بولوني "من بين أكثر من يرددون آراء الفلاسفة". وأنا لنسمع عن "جماعة القساوسة ذوي العقول الناضجة" وبعض هؤلاء الكهنة الأذكياء كانوا ربربيون، كما كان بعضهم ملحدين-وعاد مسلييه إلى الحياة...وكان الإلحاد بعض الأصدقاء حتى في الأديار...وكان ثمة عوامل أخرى غير الفلسفة لنشر التسامح، فإن الإصلاح الديني على الرغم من أنه أقر التعصب، خلق فرقاً وشيعاً كثيرة. كان بعضها قوياً إلى حد الدفاع عن نفسه، إلى درجة أن التعصب نادراً ما تجاوز حد الكلام. وكان على هذه الشيع والفرق أن تتجادل وتقرع الحجة بالحجة، وقبلت اختبار العقل كارهة، ورفعت من شأنه. إن ذكرى الحروب "الدينية" في فرنسا وإنجلترا وألمانيا وما تنج عنها من خسائر اقتصادية، حولت كثيراُ من الزعماء الاقتصاديين والقادة السياسيين إلى التسامح. ووجدت بعض مراكز التجارة مثل همبرج وأمستردام ولندن، أنه من الضروري أن تصبر على مختلف المذاهب والعقائد التي يعتنقها زبائنهم الذين يتعاملون معهم. إن ازدادا قوة الدولة القومية جعلها أكثر استقلالاً عن الوحدة الدينية باعتبارها وسيلة للاحتفاظ بالنظام الاجتماعي، وانتشار التعرف على مختلف المدنيات والثقافات أضعف ثقة كل عقيدة في احتكارها للإله، وفوق كل ذلك جعل تقدم العلوم من العسير على العقيدة الدينية أن تصل إلى القساة والهمجية مثل محاكمات محكمة التفتيش أو إعدام .السحرة. وتقبل الفلاسفة بسرور معظم هذه التأثيرات في دعايتهم من أجل التسامح واستدعوا بحق أن بعض الفضل في الانتصار، وكان مقياس نجاحهم أنه بينما في النصف الأول من القرن الثامن عشر كان دعاة الهيجونوت لا يزالون يعلقون على أعواد المشانق في فرنسا، حدث في 1776 أو 1778 أن دعا ملك كاثوليكي سويسرياً بروتستانتياً لإنقاذ الدولة...وهرب اليسوعيون وولي الجانسينيون الأدبار، وتغيرت كل نغمة المجتمع الفرنسي. ونهج كل كاتب في فرنسا تقريباً نهج الفلاسفة، وسعى إلى كسب رضاهم. وباتت الفلسفة تحت مئات العنوانات وآلاف الشفاه، "إن عبارة مديح من فولتير أو ديدرو أو دالمبير كانت أثمن وأعظم قيمة من نيل الحظوة عند أي أمير ومن عطفه. ووقعت الصالونات والأكاديمية الفرنسية، بل حتى وزراء الملك نفسه، أحياناً، تحت تأثير الفلاسفة... وفي أمريكا تأثر مؤسسو الجمهورية الجديدة تأثراً عميقاً بكتابات الفلاسفة. أما في ألمانيا فيمكنك أن تستمع إلى ملاحظات جوته إلى اكرمان في 1820 و1831:
"ليس لديك فكرة عن مبلغ تأثير فولتير ومعاصريه عليّ في شبابي، وكيف تسلطوا على ذهن العالم المتحضر بأسره...إنه يبدو لي أنه شيء رائع عجيب حقاً أن ترى أي رجال هؤلاء الذين ظهروا في ميدان الأدب في فرنسا في القرن الأخير. وكم تتولاني الدهشة لمجرد النظر في هذا. إنها حركة التحول في أدب عمره قرن من الزمان، والذي كان آخذاً في النمو منذ عهد لويس الرابع عشر حتى أينع الآن وأثمر وآتى أكله.وشارك الملوك والملكات في التهليل والتصفيق لفولتير، وتاهوا عجباً بأنهم في عداد أتباعه. وكان فردريك الأكبر من أوائل من أدركوا أهميته. والآن في عام 1767 عبد ثلاثين عاما من التعرف عليه في كل معايب شخصيته وكل توقد ذهنه، هلل فردريك للانتصار في الحملة ضد الرجس والعار. وقوضت أركان صرح الخرافة من أساسها. "وستدون كل الأمم في حولياتها أن فولتير كان هو الذي أحدث هذا الانقلاب الجاري الآن في الروح الإنسانية في القرن الثامن عشر".... ونحن مدينون لهم ولإتباع روسو بفضل الاستثارة العظيمة للذهن التي أنتجت أدب القرن التاسع عشر وعلومه وفلسفته، وفن الحكم وإدارة شؤون الدولة فيه. وبسببهم استطاعت دياناتنا أن تتحرر أكثر فأكثر من الخرافة البليدة الكئيبة واللاهوت الذي يبتهج بالتعذيب"

طارق منينة
12-19-2010, 10:55 PM
تأكيدا لجانب من كلامي الذي كنت قد كتبته ردا على سؤال اخي أبو عبد الله حجازي عن ديورانت اسجل هذه الوثائق التي اطلعت عليها بنفسي من قصة الحضارة لويل ديورانت وفيها من الباطل المردود مايمكن لاي احد الرد عليه وفيها ايضا عدل المؤرخ وصدقه في اغلب مانقلت.
قال ويل ديورانت في قصة الحضارة المجلد 13 ص45-47 ):"
وكثيراً ما كان يُشاهد وهو يخصف نعليهِ؛ ويرقع ثوبه، وينفخ النار، ويكنس أرض الدار، ويحلب عنزة البيت في فنائه، ويبتاع الطعام من السوق. وكان يأكل بيده، ويلعق أصابعه بعد كل وجبة، وكان طعامه الأساسي التمر وخبز الشعير، وكان اللبن وعسل النحل كل ما يستمتع به من الترف في بعض الأحيان.
ولم يتعاطَ الخمر التي حرمها هو على غيره، وكان لطيفاً مع العظماء، بشوشاً في أوجه الضعفاء، عظيماً مهيباً أمام المتعاظمين المتكبرين، متسامحاً مع أعوانه، يشترك في تشييع كل جنازة تمر به، ولم يتظاهر قط بأبهة السلطان. وكان يرفض أن يوجه إليه شيء من التعظيم الخاص، يقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم له بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به لنفسه. ولم يكن ينفق على أسرته إلا القليل من المال رغم ما كان يرد إليه من الفيء وغيره من الموارد، أما ما كان ينفقه على نفسه فقد كان أقل من القليل. وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر من هذا المال، لكنه كان ككل الناس يعنى بمظهره الشخصي ويقضي في تلك العناية كثيراً من الوقت، فكان يتعطر ويكتحل، ويصبغ شعره، ويلبس خاتماً نقش عليه "محمد رسول الله" وربما كان الغرض من هذا الخاتم هو توقيع الوثائق والرسائل. وكان صوته موسيقياً حلواً يأسر القلوب، وكان مرهف الحس إلى أقصى حد، لا يطيق الروائح الكريهة، ولا صلصلة الأجراس، أو الأصوات العالية "واقصد في مشيك، واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير". وكان قلقاً عصبي المزاج، يُرى أحياناً كاسف البال، ثم ينقلب فجأة مرحاً كثير الحديث؛ وكان حلو الفكاهة فقد قال مرة لأبي هريرة، وكان يتردد عليه كثيراً: "يا أبا هريرة زد غباً تزدد حباً". وكان محارباً صارماً لا يرحم عدواً ، وقاضياً عادلاً في وسعه أن يقسو ويغدر، ولكن أعماله الرحيمة أكثر من أن تُعد. وقد قضى على كثير من الخرافات الهمجية كفقء أعين بعض الحيوانات لوقايتها من الحسد، أو ربط بعير الميت عند قبرهم. وكان أصدقاؤه يحبونه حباً يقرب من العبادة، وكان أتباعه يجمعون بصاقه أو شعره بعد قصه، أو الماء الذي يغسل به يديه، لاعتقادهم أن في هذه الفضلات شفاء لهم من ضعفهم أو مرضهم.
وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء جميع واجبات الحب والحرب ودخل المسجد وشاهد أبا بكر يؤم المسلمين للصلاة بدله، فجلس متواضعاً إلى جانبه حتى أتم صلاته. وفي اليوم السابع من شهر يونيه عام 632 توفي ورأسه على صدر عائشة.
وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنساناً غيرة حقق كل ما كان يحلم به. وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم، وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم."
ويقول في المجلد13 ص59 ):"
وفي الأحاديث النبوية تنديد بالمحتكرين والمضاربين الذين يحتجزون السلع ليبيعوها بأغلى الأسعار، وحض على إيفاء الكيل والوزن بالقسطاس المستقيم، وأمر لصاحب العمل بأن يؤدي للعامل أجره قبل أن يجف عرقه. ويحرم القرآن الربا أخذاً أو إعطاء (سورة البقرة 275 وسورة آل عمران 130)، ولسنا نجد في التاريخ كله مصلحاً فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد لإعانة الفقراء. وكان يحض كل موصٍ بأن يخص من مالهِ جزءاً للفقراء، وإذا مات رجل ولم يترك وصية فرض على ورثته أن يخصصوا بعض ما يرثون لأعمال الخير (سورة النساء 8 و9) وقد قبل محمد كما قبل معاصروه نظام الاسترقاق على أنه من قوانين الطبيعة، ولكنه بذل كل ما في وسعه لتخفيف أعباء الرق ومساوئه.

وقال ج13 ص65 ):"
وقد تخطت القوانين الأخلاقية التي جاء الإسلام بها حدود القبيلة التي ولد النبي بين ظهرانيها، ولكنها اقتصرت على الجماعة الدينية التي أنشأها. فلما تم له النصر في مكة وضع القيود على غارات النهب بين القبائل، وإن لم يكن في مقدورهِ أن يمنع هذه الغارات منعاً باتاً؛ وأشعر بلاد العرب كلها، أي أنه أشعر بلاد الإسلام كلها في ذلك الوقت، معنى جديداً للوحدة، ووضع لها أفقاً للتعاون والولاء أوسع مما عرفته من قبل "إنما المؤمنون أخوة" (سورة الحجرات 10) وقللت العقيدة المشتركة ما بين الطبقات والأجناس من فروق

وقال في المجلد 13 ص68-69 ):"
ولقد آمن بالقرآن كثير من رجال العلم والفكر في كل عصر من العصور الماضية وفي هذا العصر الذي نعيش فيه؛ كما آمن به من لا يحصون كثرة من الناس على اختلاف حظوظهم من العقل والفكر؛ وما ذلك إلا لأنه جاء بالعقيدة الحقة الواضحة التي يتقبلها الجميع...أسهل العقائد، وأقلها غموضا، وأبعدها عن التقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحضهم على إتباع القواعد الصحية، وحرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسن أحوال الأرقاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء المتأخرين) درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض. ولقد علم الإسلام الناس أن يواجهوا صعاب الحياة، ويتحملوا قيودها، بلا شكوى ولا ملل، وبعثهم في الوقت نفسه إلى التوسع توسعاً كان أعجب ما شهده التاريخ كله. وقد عرَّف الدين وحدده تحديداً لا يجد المسيحي ولا اليهودي الصحيح العقيدة ما يمنعه من قبوله. "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبهِ ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساءِ والضراءِ وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" (سورة البقرة الآية 177).

طارق منينة
12-19-2010, 11:04 PM
وقد قلت لاخي ابو عبد الله حجازي في رابط سؤاله عن ديورانت


وللرجل كلام واعتراف واضح في انه لايتحلل من تأثير البيئة والمرجعية في الكتابة واشار بانه يعتذر للمسلمين عن ذلك(وان تيسير وقت ساعرضه لك ان شاء الله
وانا عن نفسي فيكفيني منه الكم والكيف من اعترافاته الموثقة في قصة الحضارة بروعة ماانتجه الاسلام في التاريخ وماقدمه علماء"الاسلام"
والرابط من هنا
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?p=205554#post205554
وهذا نص التوثيق للاعتراف الديورانتي
قال ويل ديورانت في قصة الحضارة المجلد 12 ص3 :"
وسيدهش القارئ المسيحي من كثرة الصحف التي اختصصنا بها الثقافة الإسلامية كما أن العالم الذي درس حضارة الإسلام سيأسف أشد الأسف للحيز الضيق الذي خصصنا به حضارة المسلمين الزاهرة في العصور الوسطى ولاضطرارنا إلى اختصار تاريخها هذا الاختصار الشديد. ولقد بذلنا جهدنا على الدوام في أن نكون بعيدين عن الهوى والتحيز، وأن ننظر إلى كل دين وكل ثقافة كما ينظر إليهما أهلهما؛ ولكنا مع هذا لا ندعي العصمة من الهوى، ولا ننكر انه قد بقي في قصتنا شيء من التحيز في اختيار مادة الكتاب وفي توزيع صحفه على موضوعاته المختلفة إن لم يكن في غير هاتين الناحيتين. ذلك أن العقل كالجسم سجين في جلده لا يستطيع الفكاك منه.
ولقد أعدنا كتابة المخطوط ثلاث مرات، وكنا في كل مرة نكشف فيه عن أخطاء جديدة، وما من شك أنه ما يزال به كثير منها، غير أننا قد ضحينا بتحسين الجزء بغية إكمال الكل، وإنا لنرحب بكل ما يبلغ إلينا من هذه الأخطاء. ولقد كان من الواجب أن نهدي هذا الكتاب إلى زوجتي كما أهديت إليها الكتب السابقة، فلقد ظلت سبعة وثلاثين عاماً تحبوني في صبر جميل بقدر من تسامحها، وحمايتها، وإرشادها، وإلهامها لا تفي به هذه المجلدات جميعها. ولكنها هي التي أشارت عليَّ بأن أهدي هذا الكتاب إلى ابنتنا، وإلى زوجها، وإلى حفيدنا.
ول ديورانت
في الثاني والعشرين من نوفمبر سنة 1949
وقال في المجلد 13 ص53 ):" ،
وليس من شأن المؤرخ أن يسأل هل هذا الدين أو ذاك حق أو باطل، وأنى له العلم المحيط بكل شيء والذي يوصله إلى هذه المعرفة؟ وإنما الذي يسأل عنه هو العوامل الاجتماعية والنفسانية التي أدت إلى قيام هذا الدين، وإلى أي حد أفلح في تحويل الوحوش إلى آدميين، والهمج إلى مواطنين صالحين، والصدور الفارغة إلى قلوب عامرة بالأمل والشجاعة، وعقول مطمئنة هادئة، وما مقدار ما تركه بعد ذلك من الحرية لتطور العقول البشرية، وما هو أثره في التاريخ؟