المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الماركسية والقراءة السطحية للفلسفة



حاتــم
08-23-2005, 10:04 PM
سطحية الفكر الماركسي راجعة إلى أنه يقوم على استعلاء فارغ على الفلسفات وتاريخ الفلسفة. وهو الاستعلاء الذي تسرب إلى تلامذة ماركس ، لأنهم مقلدين تابعين ، لم يخبروا أفكار الفلاسفة بأنفسهم ، وليس لأغلبهم من الإقتدار الفكري ما يمكنهم من بحث كتب الفلاسفة بعمق وتركيز.
استعلاء فارغ يقوم على تقسيم تاريخ الفلسفة إلى قسمين :
مثالي
ومادي .
والماركسية إيديولجيا – أقصد هنا المعنى القدحي لها كوهم وتزييف للواقع- وحتى لا يكشف الشاب المتمركس أن في تاريخ الفلسفة أفكارا أقوى وأنساقا معرفية أعمق وأشمل من الماركسية ، فإن الرفاق الذين يعلمونه يدخلون في جمجمته هذا التقسيم الساذج الذي يراد منه أن يحدث التأثير التالي :
الفلسفات كلها إما مثالية أو مادية. أما المثالية فهي أوهام وخيالات وخرافات يجب وضعها على جنب.
وهكذا بجرة قلم جاهلة يركن تاريخ الفكر الانساني بكامل عباقرته. بدئا من فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو وابن باجة والكندي وبن رشد وكانط ....
ثم يستبقى الفلاسفة الماديين وهم قلة قليلة في تاريخ الفلسفة وهنا أيضا يتم ممارسة التزييف وتغليط الوعي :
حيث سرعان ما يجد الشاب المتمركس نفسه أما تحقيب جديد ، حيث يعلمونه أن الماديات ثلاثة :
مادية قديمة : يدرج ضمنها – خطأ – طاليس وهيراقليط وديموقريط .
ومادية ميكانيكية : يدرج فيها مجمل فلاسفة القرن 18 وبداية التاسع عشر مثل جون لوك ، وكابانيس ، ولامتري وفيورباخ.
ثم يأتي التتويج النهائي : المادية الديلكتيكية والاشتراكية العلمية عند ماركس وإنجلز.
وهكذا فالشاب الماركسي تجده يلغط بأسماء الفلاسفة وينتقدهم دون أن يفهم أبجديات فلسفتهم. بل داخل الوسط الماركسي تكفي كلمة مثالي نقدا لمفكر أو لفيلسوف دون حاجة لبحثه والإنصات إلى ما يقول.
إن هذا التصنيف إلى مثالي ومادي هو قناع لإخفاء حقيقة الفكر الانساني وثرائه. وأذكر أول درس للفلسفة اليونانية في أول عام لي في الجامعة كان عندنا أستاذ ماركسي خاضع لذا الوهم الإيديلوجي المقسم للفلسفة إلى هذه الثنائية الساذجة ، كان عندما يتناول أي فيلسوف يضع عليه الإيتيكيت "مثالي " ليدخل في أدمغتنا نحن الطلبة المبتدئين إيديلوجيته الحمراء. وفي إحدى الحصص – أظنها الحصة الثالثة أو الرابعة - رفعت يدي لأول مرة طلبا للمداخلة ، فقلت مصطنعا الجهل : أستاذ ما هو الفيلسوف اليوناني المادي تماما من بين فلاسفة اليونان ؟
فأجاب : ديموقريطس.
فقلت : إذن أرجو أستاذي أن نختصر هذا العام في دراسة ديموقريط فقط ، ولا داعي لدراسة أفلاطون وأرسطو وزينون وفيثاغور ... فهم مجرد مثاليين.
فأحس بالفخ الذي نصبته له ، وأدرك أننا لوحذفنا من فلسفة اليونان فيثاغور وأفلاطون وأرسطو و المنطق الرواقي... لم يتبق للفكر اليوناني فضيلة تستحق أن تثمن.بل لم يبق ثمة داع لوجوده هو أصلا كأستاذ للفلسفة اليونانية!
وكذلك الحال بالنسبة لباقي مراحل تاريخ الفلسفة.
ولن أعطي أمثلة من القرون الوسطى ، لأنها كانت في سياقها العام مثالي. حسب التقسيم الماركسي الساذج.
بل لأبدأ من الفلسفة الحديثة ، من القرن السابع عشر ، إحذفوا منه الفلاسفة المثاليين ، ولننظر في المحصلة التي ستتبقى لهم :
فلنحذف ديكارت ومالبرانش ولايبنز وسبينوزا ولنقول عنهم إنهم مجرد فلاسفة مثاليين ، وأن الماركسيين لن يقبلوا من السابع عشر إلا جون لوك.
لكن إفعلوا هذا أمام الشباب الجاهل المعاق فكريا بفعل الماركسية فإنكم بالتأكيد ستتلقون التصفيق لكن حذار من أن تنطقوا بهذا في وسط من الأوساط الفلسفية لأنكم لن تخرجوا من الباب بل من النوافذ.
ولنحذف من القرن 18 كانط ولننظر ما سيتبقى للماركسيين من فكر فلسفي قمين بالتقدير ! ولنوازن بين مؤلف نقد العقلين الخالص والعملي أمام دولباك وكابانيس المادي الذي كان إنجلز يستحضره ويحيل عليه ، وبدل قراءة ذلك المشروع النقدي الابستمولجي العميق الذي ابتناه كانط إقرأوا النصوص المتهالكة التي كتبها كابانيس ، والتي كان من أفضلها نص سيكرره من بعد كارل فوغ ، ثم ماركس ولينين وباقي اللفيف الماركسي :
تأملوا النص:" إن المخ يفرز الفكر ، كما تفرز الكبد المادة الصفراء، وكما تفرز الكلي البول "اه
أرجو أن تقارنوا بين نقد العقل الخالص عند كانط – المثالي برسم نعتكم المستعلي بالجهل – بهذا النص الذي أفرزه مخ كابانيس كما تفرز الكلية رشاش البول.
ودمتم جدليين."
هذا هو كلامي واستدلالي على سطحية القراءة الماركسية لتاريخ الفلسفة

حاتــم
08-29-2005, 12:38 AM
ملحوظة :
هذه الفقرات السابقة لم تكتب لتكون مقالة مفردة لها قوامها المنهجي المضبوط ، بل هي سطور قام أحد الإخوة - مشكورا - باجتزائها من مداخلاتي في أحد المنتديات ، لذا سيرى فيها القارئ بعض العبارات القلقة والأفكار المبتورة ، وذلك لأنها لم تكتب لتكون مقالة مستقلة بل هي فقرات مأخوذة من سياقها.
لذا وجب التنويه.