عَرَبِيّة
12-13-2010, 09:07 PM
بقلم الدكتور خالص جلبي
مر الكون بثلاث انفجارات كوسمولوجية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86) وبيولوجية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7) وثقافية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA) ويعصف به اليوم انفجار علمي يمشي على وتيرة تسارع يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار . العاصفة تكنس الطبيعة وتعيد ترتيب العلاقات ، والثورة تكنس الأوضاع وتعيد تنظيم علاقات القوة وتوزيع الثروة ، والعلم يقلب التصورات في قفزات كمية ؛ ليحدث في النهاية ثورات علمية نوعية . نحن اليوم نمشي فوق زلزال علمي يقذف حممه دون توقف .
خلال فترة قصيرة تم اختراق عشرات الحقول المعرفية في قطاف شهي لفاكهة جديدة وأبَّا ؛ فتم الاعلان عن معلومات مثيرة في ( الفيزياء الذرية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%A1_% D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%B1%D9%8A%D8%A9) ) و( الكوسمولوجيا ) و( الاركيولوجيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%88%D9%84%D 9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9) ) و( البيولوجيا ) و( الانثروبولوجيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%86%D8%B7%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%88%D9%84%D 9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7) ) و ( الطب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8) ) و ( البالينتولوجيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%AA%D 9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7) ) و ( الكيمياء ) و ( علم الخلية ) و( أبحاث الأعصاب ) و( أبحاث الجينات ) و ( التاريخ ) و( حفريات الجينات ) و ( أبحاث الفضاء ) و ( تكنولوجيا سيارة المستقبل ) و ( آخر تطورات السلاح النووي ) و ( تطور الأبحاث الروحية ) . في ( الفيزياء الذرية ) استطاع الذكاء الانساني الامساك بالظلال في تركيب ( مضاد المادة ANTIMATERIAL ) في أمكانية توليد للطاقة لم يحلم بها سليمان في كل مجده مع تسخير الجن وهم يوزعون .
إذا كان الانسان يرى وجهه في المرآة ، وظله على الأرض ؛ فإن المادة لها هذا الشبيه ، في جدلية عجيبة ومن كلِ شيء خلقنا زوجين . مضاد المادة ليس روحاً ولاظلاً لايمكن الإمساك به ، ولافراغاً معنوياً ميتافيزيقياً ، بل هي مادة مثل المادة ، في الأرض من شجر وحجر ومدر ، ولكن بشكل متناظر ، يرجع فيه التناظر الى البناء المقلوب للذرة ، وكانت معادلة الالكترون التي رسمها ( بول ديراك ) هي مفتاح الوصول الى مضاد المادة . هناك عالمان متناظران ، ولكن حُرِّم عليهما التلامس أو الاندماج وجعلنا بينهما برزخاً وحجرا محجورا . المسموح فيه فقط الحب العذري ؟! في عام 1932 م استطاع شاب أمريكي فيزيائي طموح هو ( كارل ديفيد اندرسون CARL DAVID ANDERSON ) في معهد كاليفورنيا التكنولوجي في باسادينا ( CALIFORNIA INSTITUTE OF TECHNOLOGY IN PASADENA ) وبتقنية خاصة من اصطياد ظل الالكترون المستخفي بالليل السارب بالنهار . تلقى بعدها ديراك الاعتراف العالمي للتجلي العبقري ، وفوقها إكرام جائزة نوبل للفيزياء ، كما نال صائد الظل المقلوب جائزة نوبل مثله جزاءً وفاقاً ، وتم مسح الالكترون الظل القرين باسم ( البوزيترون POSITRON ) . قال ديراك في حفلة تسلمه جائزة نوبل في السويد : من يدري لعل هناك عوالم كاملة هي نظيرنا حذو القذة للقذة ، في صورة كوبي مختلفة ، على شكل مقلوب جداً ، فلم تبق المسألة عند الالكترون الظل . كان ديراك يعني بكلماته القليلة أن الأمر لن يتوقف عند الالكترون الحائر بين السالب والموجب ، بل وجود كيان كامل للذرة على صورة معكوسة الشحنة . إذا كانت نبوءة ديراك عن شخصية الالكترون السلبي ( البوزيترون ) العجيبة المختبئة في تضاعيف الوجود احتاجت الى أربع سنوات لتحقيقها ، فإن شخصية البروتون ( سلبية الشحنة ) استغرق 23 سنة حتى أمكن الاهتداء عليه وأعلن عنه رسمياً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي عام 1955 م . وهكذا بدأت ملامح صورة العالم الخفي ( مضاد المادة ) تتكامل وتسعى الى الظهور تدريجياً . كان التحدي في خروج مضاد البروتون ، في سخونة مرعبة وسرعة كلمح البصر أو هو أقرب ، فيحتاج الى كوابح تقنصه وتحافظ عليه ، فتم اختراع جهاز حصار له أخذ اسم )( لير LEAR LOW ENERGY ANTIPROTON RING ) أي حلقة مضاد البروتون منخفض الطاقة (1)
تم تركيب مايشبه ( مصائد الفيران ) لالتقاط البروتون السلبي ، وزجه في زواج مع البوزيترون ، يعتمد الترغيب في هذا الاقتران ، لتوليد الذرية الجديدة . ولكن عشرات السنوات انقضت ، ومئات المحاولات بذلت ، بدون نجاح يذكر ، في الاحتفال بهذا الزواج الميمون . كانت الجزيئات تظهر تمنعاً عجيباً وزهداً غير مفسر في هذا الزواج وإعلان صارم للرهبنة والعزوبية . وفي الوقت الذي آثر الفيزيائيون طريق الشقاء الطويل وكيلومترات الأوراق من الحسابات المملة لأجهزة تصم الآذان بطنينها المتجدد ، كان الأطباء أكثر حظاً ، في الاستفادة من التقنيات الجديدة ؛ فهرعوا الى ( البوزيترون ) يستفيدون من أسراره ، فأمكن تطويعه في تقنيات متقدمة ، للكشف عن وظائف الدماغ وأورام المخ والجملة العصبية عموماً ، فمع حقن السكر الذي يحمل ذرة الكربون المشعة ، يتعرض ( نظير المادة ) الى التحلل وإطلاق ( البوزيترون ) الالكترون الموجب ، الذي يفاجيء بغريمه وظله المقابل الذي يتربص به الدوائر ، فيهرعان للنزال والطعان ، بثمن مخيف من اندثار الاثنين في الصدام الموحش ، ومن تألق هذا الاصطدام يمكن تحديد أمكنة الأورام والاضطرابات المرضية . أظهرت الفيزياء النووية حقيقة مروعة عن التقاء المادة ومضادها ، في تجلي فلسفي عصي . إذا اجتمعت المادة وضدها أو جزيئاتها ، حصل ارتطام مروع قضى على الاثنين وأفنى الطرفين باندثار مرعب ومحرقة مهولة ، مع انطلاق طاقة خيالية من أشعة جاما في صورة فوتونات طاقة . إن ما عرف عن قوة الانفجار بين المادة وضدها شيء مهول يفوق كل خيال ، وهو لحسن الحظ غير متوفر ، وبين العالمين المادة ومضادها برزخ لايبغيان . إن الحريق الأعظم الذي حصل في غابات سيبريا في منطقة ( التايجا TAIJA ) عام 1908 م مع مطلع القرن أهلك آلاف الكيلومترات المربعة من الغابات الكثيفة ، في أفظع حريق عرفته الكرة الأرضية ، لم يعثر على تعليل له حتى اليوم ، فلم تظهر الأرض بقايا ارتطام نيزك أو مذنب صدم الأرض ، فليس هناك أي حفرة تشهد على هذا الارتطام . وتذهب بعض التحليلات اليوم الى أن خلف هذا الحريق تماس الأرض من سحب من نوع مضاد المادة لمست المنطقة فأدت الى هذا الحريق المروع . إن القرآن يروي لنا مظاهر تفجر البحار وانشقاق السماء وتفتت الجبال ، في تصوير خلاب لايقترب منه الا ارتطام المادة بمضادها ، كصورة من احتمالات نهاية العالم ، في عملية فناء لاتبقي ولاتذر ؛ فلمسة رأس سكين لنظيره من مضاد المادة يفجر حريقاً من حجم مائة قنبلة هيدرجينية ، تمسح مدناً عامرة بملايين السكان . يروي لنا صاحب كتاب ( سجناء العالم الذري ) أن الروس عندما اجتاحوا بعض معسكرات الاعتقال بعد اجتياح الرايخ الثالث وسقوط ألمانيا عام 1945 م ، عثروا على عالم فيزيائي مهووس بالرياضيات كان يحسب كمية الطاقة ، التي تكفي لنقل الكرة الأرضية من مدارها عبرالملكوت ، حين نفاد طاقة الشمس ، لنقلها لمدار شمس صالحة لمد الأرض بالطاقة والدفء والنور . المشكلة كانت في العثور على طاقة كافية لرحلة من هذا الحجم ؟! نعرف اليوم أن أجزاء من الغرام ( 0,147 ) غ من مضاد البروتون يكفي لحمل مركبة فضائية الى المريخ بدون توقف . وبضعة كيلوغرامات من هذه المادة السحرية تكفي لمد الطاقة على ظهر الأرض عبر القرون ؟! حاول العسكريون وضع يدهم على هذا السلاح المثير الفريد ، ولكن تبين أن إنتاج بضع ملغرامات من هذه المادة السحرية يحتاج الى كل مخابر العالم المتقدمة من مستوى ( فيرمي لاب FERMILAB في واشنطن وسيرن CERN في أوربا ) تعمل ليل نهار ولمدة 150 مليون سنة ؟! هذا على الأقل حسب المستوى العلمي السائد حالياً ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون . عندما تشكلت وحدات الكون الأولى كانت من نوعي المادة ومضادها ، ولكن التقاؤهما كان يعني الفناء المتبادل ، ويبدو أن جزءً ضئيلاً من المادة قد كتب لها النجاة من هذه المحرقة الكبرى فشكلت كوننا الحالي الذي ننتسب إليه ، ويميل البعض كما هو في نظرية العالم السويدي ( هانيس الفين HANNES ALFVEN ) الفائز بجائزة نوبل الى نظرية ( صينية المقلاة ) حيث يرى أن إلقاء قطرة ماء على سطح الصينية لايجعل القطرة تتبخر فوراً بل تتعرض للاهتزاز والتراقص بسبب تشكل سطح حامي لها عن السطح الساخن قبل تأثرها بالحرارة وتبخرها النهائي . هذا الحاجز هو الذي يقي عالمنا عن عالم مضاد المادة . هذا على الأقل مايطرحه العلم ولكن المفاجآت أكبر من الخيال . ويرى بعض الفيزيائيين أن كوننا المتمدد ليس كل الكون ، فكما يلعب الطفل بنفث فقاعات الصابون ، فتخرج بالونات وفقاعات مختلفة سابحة في الأفق تتصاعد الى السماء قبل أن تنفجر ، هناك عوالم أخرى لايعلمها الا هو ، ومنها عالم مضاد المادة ، وهي النظرية التي ترى أن الكون متعدد ( POLYVERSUM ) وليس وحيد ( UNIVERSUM ) .
هل هناك مجموعة شمسية نظيرة مثلنا وأرض تشابه كرتنا وبشر يقابلوننا في الأشكال في تلك العوالم المخفية مثل عالم الجن الواعي المغيب عنا ؟ البعد الفلسفي في رؤية الكون من هذا النوع ، أن الوجود أعقد مما نتصور ، وأبعد عن إحاطتنا العقلية ، وأدعى لتحدي لفهمه . مهما يكن من أمر فإن عالماً جريئاً هو ( فالتر اوليرت WALTER OELERT ) في معهد سيرن للفيزياء النووية في جنيف ، أسعفه الحظ عام 1996 م ، والتقنيات المتفوقة ، والطموح الجريء ، والصبر والعناد في البحث ، وتخصيص الأموال اللازمة ، أن يصل الى تركيب أول ذرة هيدرجين من عالم مضاد المادة لم يرها مباشرة ، وإنما مرت كالشبح الهارب ؛ فأمكن ضبط آثارها ، التي لم تزد عن عشرين جزءاً من المليار من الثانية الواحدة
وفي ( الكوسمولوجيا ) نعرف اليوم أن الكون ولد قبل 15 مليار سنة ضوئية من انفجار لايمكن تصوره وتذهب نظرية ( الانفجار العظيم BIG BANG THEORY ) أن الكون بدأ من لحظة ( رياضية ) متفردة ( SINGULARITY )(2) حيث تنهار كل قوانين الفيزياء ، فينعدم الزمان ويختفي المكان ، وتقف القوانين عن العمل ، وليبقى أي أثر للمادة أو الطاقة . كل الكون كان مضغوطاً في حيز أقل من بروتون واحد ، ثم انفجر في أقل من سكستليون من الثانية ( عشرة مرفوعة الى قوة 36 ) على شكل طاقة مهولة ثم برد فشكَّل كل المجرات ؛ فبدأ المكان في التشكل ، والزمان في الحركة ، والقوانين في العمل ، والمادة في الظهور ، والطاقة في التألق ، وقبل 530 مليون سنة تدفقت عديدات الخلايا تدب على المعمورة ، وقبل 200 ألف سنة بدأ الانسان الحديث الزحف من شرق أفريقيا ليسكن كل المعمورة ، في رحلة انتهت قبل 12 ألف سنة بعبور مضيق بهرنج الى آلاسكا فالأمريكيتين ، ومع مطلع 1999 م أعلن فريق من الفلكيين يضم 60 شخصاً من استراليا برئاسة النيوزيلندي ( فيليب يوك PHILIP YOCK )(3) عن كشف أرض توأم في مجرتنا تبعد عنا عشرة آلاف سنة ضوئية باستخدام تقنية متقدمة تعتمد انحراف الضوء وتجمعه فيما يشبه محرق العدسة عند مروره بجانب كوكب قبل وصول الضوء الى الأرض . ميزة هذا الكشف أنه حرك الخيال لإمكان وجود حياة فيه فهو الأول الذي يشبه أرضنا بعد أن كشف حتى الآن عن 17 كوكب كبير قريبة من شموسها لاتصلح للحياة . ورست مركبة ( الباثفايندر ) على سطح المريخ صيف 1997 م (4)بعد العثور على بصمات الحياة فوق حجر منه طاح في أجواز الفضاء ورسى قبل 13 ألف سنة على القطب الجنوبي(5) ؛ ليندلق من احشاءها عربة ( السوجرنير ) الأنيقة ، مزودة على ظهرها كسلحفاة ، بمائتي حجرة ضوئية للطاقة ، تعاين سطح المريخ بعيون ثلاثية الأبعاد ، تنحني بأنفها ، تشم سطح المريخ العابق بأكاسيد الحديد الحمراء تقول : لا المس مس أرنب ولا الريح ريح زرنب ؟! وفي 23 يناير من عام 1999 م (6) تم رصد توهج نجمي على شكل أشعة جاما من عمق المحيط الكوني للحظات ، أمكن تسجيله باثنين من أقمار الأبحاث وكامير آلية على جبال نيومكسيكو ، قدرت طاقته بما تبثه كل النجوم والمجرات مجتمعة ، وبتحليل مصدر التوهج الذي أخذ الاسم العلمي ( GRB990123 ) قدرت الطاقة التي تولدت بانفجار 2000 سوبرنوفا ؟؟ ولو حدث هذا على بعد آلاف من السنوات الضوئية في مجرتنا لأزال كل صور الحياة ، وعرف أنه صدر من عمق تسعة مليارات سنة ضوئية ، وأنه لايفوقه في طاقته الا الانفجار العظيم نفسه الذي حدث قبل 15 مليار سنة ، وأن مقدار الطاقة التي بثها تعادل كل مابثته الشمس في مدى خمسة مليارات من السنين منذ أن خلقها الله ، ولم يمكن تفسيرها الا بنجوم نترونية احترقت واستهلكت نفسها أطبق فيها الالكترون على البروتون ماسحاً كل الفراغ الذري يصل فيه قطر النجم بضعة كيلومترات تبلغ فيه ملعقة الشاي الصغيرة فيه وزن الجبل العظيم ، اقترب فيها نجمان نترونيان يدوران حول بعضهما يرقصان ثم يقع أحدهما في حضن الآخر ليتولد ثقب أسود مهول الكثافة يبث أشعة ليزر في اتجاهين فقط يعبر ثلاثة أرباع الوجود الكوني ليلتقي صدفة في طريقه بالأرض . يعلق الفلكي الأمريكي ( ستيفان ثورسيت STEPHAN THORSET) أن هذه الظاهرة ليست جديدة في عمر الأرض فالأحافير تروي لنا قصصاً شبيهة قبل 439 مليون سنة عندما تسلطت على الأرض فتفسخ غلاف الاوزون مزعاً وغرقت الأرض بطوفان من الأشعة فوق البنفسجية أهلك الزرع والضرع لـ 95% من كل الحياة النباتية والحيوانية .
ونظر في النجوم الفلكي المخضرم ( الان ساندج ALAN SANDAGE )(7) بعد طول بحث في ظلمات المجرات أخذت نصف قرن فقال اني سقيم بسيطرة أفكار العدمية عليه ؛ فلما جنَّ عليه الليل بزغ الايمان في صدره وهو يتأمل ملكوت السموات ليكون من الموقنين ؛ فاعترف بعد بحث نصف قرن أن وجود المادة أمر معجز لايفسره الا قوة فوق مادية ، واستطاع أن يحدد عمر الكون بـ 15 مليار سنة ضوئية . وأعلن عن ( كوكب بيجاسوس ) يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي ، بتطبيق ظاهرة ( ترنح النجم )(8) فبينما كان الفلكي ( فيليب ايناريوس _ PHILIPE HENAREJOS ) يراقب النجم بيتا بيكتوريس في التلسكوب الأوربي الموجود في مدينة ( لاسيلا _ LA SILLA) في دولة شيلي لفت نظره ( خنوس ) وانطفاء ضوء النجم الذي استغرق عدة ساعات ، ليعود سيرته الأولى في اليوم التالي ، وذهب الفلكي ( فيليب هيناريوس ) مذاهب شتى في تفسير تغير اضاءة النجم ، وأقربها هو مرور كوكب أمام الشمس أدى الى هذا ( الخسوف ) الشمسي ، ولكن هذا جديد كل الجدة في علم الفلك ، واكتشاف من هذا النوع يجب أن يكون المرء فيه حذراً ، وهذا مادفع الفريق العلمي الاستمرار في أبحاثهم حتى خرجوا بالكشف الجديد ، وتبين أن هذا النجم يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي الذي نعيش فيه . في عام 1844 م انتبه الفلكي الألماني ( فريدريش فيلهلم بيسل _ FRIEDRICH WILHELM BESSEL ) الى هذه الظاهرة فرأى أن دوران الكوكب حول الشمس يفضي الى مجموعة من القوانين الكونية للحركة في نفس حركته ، وفي تأثر نفس الشمس التي يدور حولها ، منها أن المدار الذي يسير فيه الكوكب ليس خيطاً في منتهى الدقة ، بل وكأنه الخيط المحلزن المتعرج ، مثل حلزنة وتعرجات خطوط مرور الطلقة داخل سبطانة البندقية وهذا يتعلق بالبعد بين الكوكب والنجم ؛ فعندما نراقب نجماً لامعاً في السماء فإن بأمكاننا أن نقول أن في مداره كوكباً يرقص ، حينما نهتدي الى ذبذبة الضوء القادمة من النجم ، وتردد موجاته الضوئية التي تدل على حركة ترنحه وتغير قوة الاضاءة تبعا لذلك ، ولكن المشكلة كانت في المعدات التي يمكن أن تكشف هذه الحركة وهذا ( الترنح ) مهما صغر ، وهذا الذي وصل إليه فريق العلماء السويسري في مركز الرصد السماوي في جنيف ( ميشيل مايور MICHEL MAYOR و _ ديدي كيلوز DIDIER QUELOS ) ، وتم تقديمه في اكتوبر من عام 1995 م الى المؤتمر الفلكي الأوربي السنوي في فلورنسا عن مجموعة نظام شمسي جديدة في النجم ( بيجاسوس 51 ) والذي يبعد عنا بمقدار 45 سنة ضوئية !! وبواسطة تطوير أجهزة الرصد الدقيقة التي يمكن أن تقيس ترنح النجم الى درجة سرعة ( موتورسيكل ) صغير بسرعة 36 كم \ ساعة ، أمكن رؤية ( كوكب ) مرعب يدور حول الشمس بيجاسوس وكأنه الثور الهائج ، بدورة كاملة كل أربعة أيام ، وبمسافة تبعد عن شمسه أقل بعشرين مرة من اقتراب الأرض عن الشمس ( أي حوالي 6.4 مليون ميل بدلاً من بعد الأرض عن الشمس والبالغ 93 مليون ميل ) فهو كوكب يغلي كالنار المستعرة بحرارة 1400 درجة ( قارن سطح الشمس التي تبلغ 6000 ستة آلاف درجة مئوية وفي المركز 14 مليون درجة ) ولايحوي ماء فقد تبخر كل شيء ، وسطحه ممتليء ببحار من الالمنيوم التي تنطبخ وتفور وبحجم يصل الى حجم المشتري عملاق المجموعة الشمسية . واذا كانت الامكانيات الحالية من خلال رصد ترنح النجوم تقود الى الكشف عن كواكب عملاقة ، فإن الامكانيات المتاحة حالياً لاتوفر مثل هذا الرصد بسهولة للكشف عن كواكب في مثل حجم أرضنا ، فالشمس أكبر من الأرض بمليون و300 ألف مرة ، وقطر الشمس 865 ألف ميل ، بحيث أن ( صف ) مائة وتسعة ( 109 ) من مثل أرضنا فوق بعضها البعض يوصلها الى قطر الشمس ، ووزنها أكبر من الأرض ب 333 ألف مرة ، فكتلة الشمس تبلغ 2 بليون بليون بليون ( عشرة مرفوعة الى رقم 27 والبليون هو المليار وهو ألف مليون ) طن والجاذبية على ظهرها أكبر من الأرض ب 28 مرة ، مع أن كثافة الشمس 4.1 في حين الأرض 2.5 للسنتمتر المكعب الواحد ، وتستهلك من الطاقة أربعة ملايين طن من الهيدرجين في الثانية الواحدة (9) فالأرض كما نرى كوكب صغير للغاية وكأنه ذرة غبار صغيرة في هذا المحيط الكوني المترامي ، ولكن تطوير هذه التقنية الجديدة ستتيح للعين الانسانية رؤية كواكب في مثل حجم الأرض ، وبواسطة تحري الطيوف اللونية للعناصر الموجودة على ظهر الكوكب ؛ سيتم التأكد من وجود حياةٍ على ظهرها من عدمه ، كما سيكشف عن المرحلة التي وصلت اليها الحياة على ظهر هذا الكوكب ، ولكن الإجابة عن سؤال الحياة سيقرر أهمية هذا الكوكب بشكل مصيري ، فنظرية بطليموس القديمة اعتبرت الأرض هي مركز الكون ، وكل الوجود يدور حولها ، ولكن نظرية كوبرنيكوس قلبت هذا المعيار فتحولت الكرة الأرضية الى كوكب تافه لاوزن له في هذا الكون الفسيح ، وبذا اختل مركز الانسان أيضا باعتباره مركز الخليقة ، ومن هنا ولدت فلسفات مختلفة أمام هذا التصور الكوني ، وفي الوقت الذي نكتشف أننا الوحيدون في هذا العالم ؛ فإن نظرية بطليموس سترجع ولكن ليس على الصورة الجغرافية الكوسمولوجية ، بل على الصورة البيولوجية الانسانية ، أي نظرية بطليموس المقلوبة الجديدة . وهو المطروح حالياً تحت فكرة المبدأ الانساني . ولكن على فرض الكشف عن امكانية حياةٍ على ظهر كوكب تقاس مسافة بعده عنا بالسنين الضوئية ؛ فإن التحدي الحالي هو السرعات التي نملكها للوصول الى هذا الكوكب ، فنحن في الوقت الراهن أسرى هذه السرعات الصبيانية بالنسبة لمسافات الكون ، ففي مسافات من هذا النوع وبسرعات متوفرة لدينا سخيفة يصبح الوصول الى الكواكب الأخرى ضرب من المستحيل مالم يطور أحد أمرين إما السرعة ذاتها أو طبيعة التنقل ، فالتحدي في المسافة هو في سرعة الضوء ، واذا استطاع الذكاء الانساني ان يصل الى سرعات تقفز فوق الحاجز الصوتي فليس الأمر كذلك بالحاجز الضوئي . كان قياس سرعة الصوت سهلاً أما اختراق الحاجز الضوئي فيعتبر اليوم مستحيلاً (10) فعند زيادة السرعة لتصل الى سرعة الضوء تحصل تغيرات تقلب المفاهيم التقليدية كلها ، من خلال أربع نتائج ، تنهار عندها المعطيات الرياضية الكلاسيكية كلها : (1) فيتم استخدام طاقة لانهائية (2) ، وينضغط الطول الى الصفر (3) وتزداد كتلة الجسم المتسارع الى اللانهاية (4) ويتوقف الزمن ؟!! وهذه الأفكار تولدت بالأصل من النسبية الخاصة ، وتشكل ضرباً من التحدي أمام العقل الانساني ، أو بكلمة ثانية استحالة الوصول الى الكواكب المترامية في الفضاء ، لأن العمر سيضيع بكل بساطة ، وسيحتاج الانسان الى 200 ألف سنة ليصل الى أقرب كوكب وهو لايعيش منها 200 سنة فكيف بمائتي ألف من السنين .
هل نعيش لوحدنا في الكون أم توجد كائنات ذكية أخرى (11)؟؟ هل يمكن تجاوز قوانين النسبية والسفر حتى بأسرع من الضوء ؟ لقد كان آينشتاين يوجه لنفسه دوماً هذا السؤال ماذا سيحدث لي لو أنني امتطيت ظهر شعاع من الضوء ؟؟
يعكف العلماء اليوم من أجل التمهيد الى هذا اللقاء التاريخي الذي أشار اليه القرآن بشكل عابر ( وهو على جمعهم اذا يشاء قدير ) عن طريقين : فوكالة ( ناسا ) لارتياد الفضاء تقوم حالياً بمشروع ( فريسب _ FRESIP PROJECT ) حيث سيتم وضع مرقاب على ظهر القمر يراقب بنفس الوقت قرابة خمسة آلاف شمس في مجرتنا لاكتشاف ظاهرة ( الترنح ) النجمي التي أشرنا اليها فيما سبق ، ومحاولة التعرف على الكواكب التي تدور حول هذه الشموس ، ثم دراسة الطيوف اللونية التي تصدرها معادن هذه الكواكب ، وبالتالي الوصول الى معرفة وجود حياة أو حضارة في هذه الكواكب ، ورصد هذه الآلاف المؤلفة من الشموس يتم آلياً بواسطة كمبيوترات متقدمة ، تسجل مخططات بيانية طول الوقت بشكل متتابع ، بحيث أن أي ظاهرة ترنح للنجم تُعطي فوراً اشارة الخطر فتوضع للدراسة المباشرة المكثفة ، كما خطر لبعض العلماء أن وجود الكائنات الذكية مثلنا قد لاتستطيع أو لاتتمكن من اعداد وسائل النقل عبر الفضاء ، ولكنها لابد وان تكون قد اهتدت الى القوانين الكهرطيسية للوجود ، ولابد أن تكون قد استخدمت الأمواج الراديوية للاتصال بالكائنات الأخرى ، لذا عمدت الولايات المتحدة الى بناء جهاز تنصت كوني هائل في ( بورتو ريكو ) في منطقة ( آريثيبو _ ARECIBO ) يبلغ قطر الدش الكوني ( 304 مترا ) ومتصل بجهاز أقنية متعدد للتحليل ( MCSA MULTICHANNEL SPECTRAL ANALYZER ) وتبلغ طاقة الاستقبال في الجهاز عشرة ملايين موجة راديوية مختلفة بنفس الوقت ، متصلة بمخططات بيانية ، وفيها القدرة على الانتباه الى الموجات الغريبة الجديدة ، وعزلها فورا وتضخيمها مباشرة واعطاء اشارة الخطر للتنبيه لمتابعتها ، أي أن هذا الجهاز عنده القدرة على التخزين في اللحظة الواحدة مايعادل معلومات موسوعة علمية كاملة ، من نوع الموسوعة البريطانية المشهورة ( ENCYCLOPEDIA BRITANICA ). ولكن هذا الجهاز وهو ينصت بكل هذا التركيز لم يسمع سوى صوت الموت من الكون الخارجي حتى الآن ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ؟؟ ) .
اذا مضينا مع تحليلات الفلكي البريطاني ( دافيد هيوجز ) فان احتمالات وجود الحياة في الكواكب تصل الى تواجدها في أربعة مليارات كوكب في مجرتنا لوحدها ( مجرتنا تضم 100 مليار نجم ) بل ان الفلكي ( بيك ويذ BECKWITH ) من معهد ماكس بلانك في هايدلبرج يذهب الى وجودها في كل واحد من نظامين شمسيين ، أما ( اسحاق عظيموف _ ISAAC ASIMOV ) فيرى أن الحضارة على كوكب ما تأخذ في المتوسط 600 ألف سنة ، وفي توقعاته أن هناك ( 270 ) حضارة على ظهر كواكب مختلفة وصلت الى مرحلة اختراع الكتابة ، وعشرين منها فقط وصلت الى مرحلة العلم المعاصر ، وعشرة منها وصلت المرحلة الأخيرة من الثورة الصناعية ، وفي النهاية هناك فقط حضارتان وصلت مرحلة الانفجار النووي أو تجاوزتها وكلاهما يقف أمام الفناء والانتحار الذاتي !! ولكن ماذا نقول أمام الاحتمال الثاني في حال أننا الوحيدين في هذا الوجود ؟؟؟ إن هذه الفكرة تشع ظلا هائلاً : أن جنسنا هو بذرة العالم وامامه اختراق المجرة والامتداد في الكون ، وأن ماينتظره لم يخطر على قلب بشر ، وأن فردا واحدا من جنسنا أغلى من كل شيء يمكن تصوره ، بل يساوي الوجود برمته ، لأن فرداً واحداً من الذين يُقتلون في راوندا وتمتليء جثثهم في الأرض أكثر من الموز ، أو تتناثر أشلاؤهم من القنابل في افغانستان ، أو تقطع لحومهم في البلقان اليوم ، يمكن أن يكون مشروع تكاثر انساني في كامل المجرة ، فهو أفضل تجليات الوجود ، وهو من أروع المخلوقات وأتعسها بنفس الوقت ، وهو مستودع الحكمة وبالوعة الضلال ، فيه سر جدل الوجود ولكن يمكن أن تسحقه ذرة غبار ونفثة بخار أو وخزة فيروس تافه ، واذا كانت شمسنا ستعيش وسنعيش معها خمسة مليارات سنة أخرى ، فان هذا يخلع ظلاً أن التاريخ الفعلي للانسان لم يبدأ بعد ، وما ينتظر الانسان هائل من تحقيق الكمالات ، في ضوء تاريخ قصير للغاية ، فكل عمر الحضارة لايزيد عن ستة آلاف سنة .
وفي ( الاركيولوجيا ) كشف النقاب عن معبد هائل للثائر الديني توت عنخ آمون بمساحة عشرين ملعب كرة قدم ، ويقوم ( جيورج بوناني GEORG BONANI ) من معهد الكربون 14 من ( زيوريخ ) بتحديد عمر اهرام خوفو الآن بأدق من كهنة المعبد ، ونحن نعرف اليوم عمر الأرض بــ 4,6 مليار سنة بواسطة تقنية الارغون البوتاسيوم ، كما تنفعنا تقنية الكربون 14 بتحديد عمر الحضارات والآثار حتى ستين ألف سنة ( بالضبط 57 ألف سنة ) بمتوسط عمر تحلل الذرات (12) كما تم تطوير أجهزة ( مناظير ) لفتح بطن الأرض وكشف أسرار الاهرامات وانتشال جثة فرعون مجهول من الأسرة الرابعة يحمل اسم ( جيدفري ) حكم فترة قصيرة وترك أجمل الاهرامات بارتفاع 67 متراً نهبت حجارته الجميلة المنحوتة من جنوب مصر على يد أجيال المستعمرين اللاحقين ؛ فعندما طور خبير الآثار المصرية البروفسور السويسري ( ميشيل فالوجيا _ MICHEL VALLOGIA ) من جامعة جنيف جهازه الجديد المزدوج الوظيفة ، بين الرفع والحفر التلسكوبي في الأرض معاً ( تماما كما في جراحة المناظير المتطورة ، هذه المرة هي في بطن الأرض وليس في أحشاء المريض !! ) لم يتصور أنه سيحقق فتحاً جديداً في علم الآثار المصرية ، ففي مارس آذار من عام 1995 م وفي منطقة ( أبو رواش ) القريبة من القاهرة ، استطاع باستخدام هذا التطور التقني الجديد ، وبمساعدة فريقٍ عرمرم من الطوبوغرافيين والرسامين والمصورين ، الى جنب مائة وخمسين من العمال المصريين أن يخترق قشرة الأرض لعمق يزيد عن 20 متراً ، لينتشل جثة تعود الى ( 4500 أربعة آلاف وخمسمائة سنة ) الى الوراء ، ويتم للمرة الأولى في التاريخ التقاط مومياء كاملة من عهد الاسرة الرابعة . كانت مومياء كاملة قد لففت بكل عناية بقماش الكتان القديم الذي كان يستخدم في مراسيم التحنيط ، التي كانت تمتد الى سبعين يوماً تنقع الجثة خلالها في مادة النطرون ( سلكات الصوديوم والالمنيوم ) بعد شفط الدماغ من فتحات الأنف ، واستخراج الأحشاء بعد جراحة من نوع ( الطب الشرعي ) على الجثة حيث يشق البطن ( بحجر حاد حيث لم يكن علم المعادن واكتشاف البرونز والحديد قد تطور ) وتفرغ الأمعاء ثم يعاد ضخ المعقمات والعطورات الى داخل البطن وتعاد خياطته من جديد . الوحيد الذي يحافظ عليه داخل الجثة كان القلب ، حتى يكون جاهزاً للخفقان ، عندما يعود فرعون الى الحياة مرة أخرى !!
تعتبر البعثة الاركيولوجية الجديدة للعالم السويسري ( فالوجيا ) من أكثر البعثات مدعاةً للتشويق ، وإمعاناً في الاثارة ، كون الفراعنة الذين كشف علماء الآثار عن قبورهم ، خاصة الذين ينتمون للأسرة الرابعة التي حكمت بين ( عامي 2630 ـ 2490 قبل الميلاد ) من الذين أشادوا الاهرامات العملاقة ، التي تحدت الزمن حتى الآن ، والمتوقع لها أن تدوم حسب العوامل الجوية التقليدية مليوني سنة أخرى . هؤلاء الفراعنة الذين تم الدخول الى غرف موتهم الأخيرة ، على يد علماء الآثار جاء عملهم متأخراً للغاية ، فالكنوز نُهبت ، والقبور بعثرت ، وبقية الآثار النفيسة سرقت وضاع أثرها ، حتى الجثث المحنطة ( المومياء ) لم يبق منها سوى نتف وقطع متناثرة من بقايا الأقمشة التي غلفتها ، وضاع كل أثر لأي مومياء من كل الأسرة الرابعة ، فلم يبق من أثرِ عبثِ لصوصِ المقابر الا الغرف الجرانيتية الصلدة يصفر فيها الهواء ، وتنبعث منها رائحة الموت الأصفر . ومع كشف فالوجيا عن المومياء الثمينة للفرعون ( جيدفرى ) تكون أول مومياء قد برزت للعيان بشكل كامل من عصر الأسرة الرابعة مقارنة بضياع كل أثر لـ ( خوفو ) و( خفرع ) و ( منقرع ) . كل الذي عُثر عليه من بقايا خوفو ، ليست مومياءه الثمينة التي سخَّر لها مئات الآلاف من العمال عقدين من السنوات ، من أجل وضعها في الهرم العظيم لنقله الى العالم الآخر ، بل تمثال صغير بسنتمترات قليلة !! ومايزيد التشويق أكثر في البعثة الجديدة هي إماطة اللثام عن سيرة فرعون يعد من أكثر فراعنة الأسرة الرابعة غموضاً وإبهاماً ، أظهره تمثال من الكوارتز عثر عليه في صورة شاب ذو نظرات متجهمة ووجه عابس ، لم تمتد فترة حكمه أكثر من ثماني سنوات ، وترك خلفه أثراً هزيلاً من بقايا اهرامٍ لايعتد به ، في مكان غير عملي بجانب النيل ، فهل هذه هي الحقيقة الكاملة لهذا الفرعون الشاب الذي يحمل اسمه معنى ( الاله رع يعيش الى أبد الآبدين !! ) أم يقبع خلفه سرٌ أكبر ؟! على مرتفعٍ من الصخر ناتيء والى الشمال من إهرامات الجيزة بثماني كيلومترات أراد الفرعون ( جيدفرى ) أن يبني هرماً لايماثله هرم ، يمتد أمامه طريق من الصخر بطول 1700 متر من المعبد الى حافة الهرم ، حيث مكان النذور والقرابين ، وأما بناء الاهرام بالذات فأراد أن يجعله قطعة جمالية ، وتحفة تاريخية لايضاهيها شيء ، وتترك أثراً خلاباً لكل من وقف يتأمل هذا الصرح ، فأما الحجر فيجب أن يكون من نوع الجرانيت الأحمر القاسي أشد قساوةً من الصخور العادية بعشر مرات ، والمحمول من الجنوب ، من بعد ألف كيلومترمن منطقة أسوان وليس من نوع حجارة ( خوفو ) الكلسية الضعيفة تلك التي بناها والده !! وعلى الاهرام أن يرتفع قليلاً عن النيل كقطعة من الكريستال المتألق بين السماء والأرض عند ساعة الغروب الجميلة . هكذا كان المشروع مخطط له ، وأراد أن يعطيه اسماً رومانسياً ، فهو لن يكون هرماً مغلقاً ، بل خيمةً يخفق فيها الهواء ويداعبها نسيم النيل بين سطوع المجرة ولألأة النجوم !! حسب كل المعلومات التي يعرفها من درس في الآثار المصرية أن هذا المشروع لم يكلل بالنجاح ، وأخفق إخفاقاً ذريعا ًفي فترة حكمٍ لم تطل كثيراً ، في أقصرِ فترة حكمٍ في الأسرة الرابعة ، فجده سنوفرو حكم 44 سنة ، وأبوه خوفو وأخوه خفرع كل منها 35 سنة ، كما حكم منقرع 18 سنة ( ابن خفرع ) ولذا فالمعروف من بقايا هرمه كتلة هزيلة من بقايا قاعدة هرم لايثير النظر ولايملأ العين !! بارتفاع لايتجاوز العشر أمتار ، مقارنةً بهرم أبيه خوفو الذي يشمخ الى ارتفاع 146 متراً وأخوه خفرع بعلو 143 متراً !! كانت المعلومات الأثرية حتى الآن أن ( جيدفري ـ DJEDEFRE ) لم يستطع أن ينهي في حياته في فترة حكمه سوى القسم السفلي تحت الهرم ( المكان الذي يمتد من فتحة الهرم الى الاسفل حيث تخصص غرفة فاخرة للروح المرافقة لرحلة فرعون في الأبدية ( وكان يرمز لها بحرفين ( كــا ) وعندما ووري الفرعون مثواه الأخير ، كانت الحفرة السفلية التي تركها ( جيدفرى ) كبيرة للغاية بمساحة 21 طولاً بتسعة أمتار عرضاً . هذه المعلومات التي سيطرت في أوساط البحاَّثة في فترة عشرات السنوات الفائتة تتعرض اليوم للاهتزاز ، فبعد التحليل الاستراتيجي التصويري الذي قام به ( فالوجيا ) لاطنان الحصى والصخور والرمل في منطقة أبو رواش ، تقدم بنتيجة جديدة هزت الأوساط العلمية عن حقيقة مصير هرم ( جيدفرى ) أثارت المناقشات في نقابة علماء الآثار السويسرية . يقول التقرير بكل بساطة أن هذا الاهرام قد تم بناؤه واكتمل وفي فترة أقل من عقدٍ من السنوات ، وبأقسى أنواع حجارة الجرانيت المحمولة من الجنوب من مسافةٍ تزيد على ألف كيلومتر كما أسلفنا ، كان ( جيدفرى ) يفكر على نحو مختلفٍ تماماً : يجب أن يكون الاهرام أصغر حجما وأشد متانة ومناعة ضد الزمن ، فتحت هذا الشعار أراد أن يبز والده في البناء ويخلد نفسه أكثر فأكثر . هذه هي الخلاصة الجديدة التي وصل إليها العالم الأثري السويسري ( فالوجيا ) ، والتي تقدم بها بموجب تقرير تفصيلي مع نهاية عام 1995م . كان ارتفاع هرم ( خيمة النجوم ) 67 متراً وطول ضلع القاعدة 106 مترا ، وكان الهرم ( مُلَبَّساً مغطى ) وبالكامل من حجر الجرانيت الصلد الفظيع . كان الفرعون ( جيدفرى ) من جبابرة الأسرة الرابعة الذين شيدوا الاهرامات ، ففي مدى قرن من الزمن تم رفع ( خمس وعشرين مليون طن ) من الصخور الرهيبة ، المصقولة بغاية الدقة ، والمغروسة برشاقة هندسية فوق بعضها البعض في تحدي للزمن الى ملايين السنين (13)
ومع مطلع العام الميلادي 1997 تم الاعلان عن كشف آركيولوجي مثير تقدم به فريق علمي جيولوجي آركيولوجي أمريكي ( ويليام راين ) ( WILLIAM RYAN ) و ( والتر بيتمان )( WALTER PITTMAN ) ) أثار ضجة علمية في نقابة الأبحاث الأمريكية (14) لبقايا طوفان اجتاح منطقة القوقاز واوكرانيا وبلغاريا والمنطقة المحيطة بالبحر الأسود الحالي واندفع بكل جبروت عندما ارتفع مستوى المياه فجأة في المحيطات والبحار قبل 7500 سنة في نهاية العصر الحجري ، أو مايعرف بالعصر الحجري الحديث ، وكانت منطقة البحر الأسود بحيرة داخلية مغلقة ، تعيش على ضفافها قبائل شتى تنعم برغد العيش ، طورت نظام الزراعة وشيئاً من الأدوات البدائية ، وأمام هذا الاجتياح المرعب لمنسوب المياه صدمت الأمواج العاتية العتبة الحجرية في غرب تركيا لتخرقها وتشكل مضيق البوسفور ، ولتتدفق كميات هائلة من المياه وكأنها تغلي في قدر ، لتملأ البحيرة بقوة اندفاع وعنف يزيد عن قوة تدفق شلالات نياجارا بـ 400 مرة ، ليتحول البحر الأسود الى مايشبه ( البانيو ) الذي امتلأ بالماء و ( طفطف ) من حوافه ، بحيث أن المياه زحفت تفترس بغير رحمة حواف البحيرة بمعدل كيلومتر يومياً ، لتصل الىعمق مائة كيلومتر عندما هدأ الطوفان . مما جعل المناطق المحيطة بالبحيرة تتحول كلها الى عالم سفلي تحت الماء ، ولتغرق مستودعات غلال حبوب الجنس البشري في تلك الأيام ، بالماء المنهمر من أبواب السماء ، والمتفجر عيوناً من الأرض ، كما وصف القرآن ، لتغمر مساحة مائة ألف كيلومتر بارتفاع 150 مترا ، في حوض مالح اقتلع كل أثر للحياة من المياه الحلوة ، التي كانت عامرة تدب بالحياة في أعماقها بما فيها الديدان ، كما دلت على ذلك أعمال الحفر وتحليل الرواسب البحرية ، التي قام بها علماء المحيطات والاركيولوجيا والاختصاصيين بالاساطير والميثيولوجيا الشعبية ، من التي نقلتها سفينة روسية حفرت في عمق البحر الأسود . المنطقة الوحيدة التي شمخت ونجت من إعصار الطوفان كانت منطقة القرم ، وأما الشعوب التي استوطنت هناك في منطق غناء محيطة بالبحيرة القديمة الجميلة ذات الشواطيء اللازوردية الخضراء ، فكانت بين خيار الغرق أو النجاة بالهرب من المنطقة كلها ، وكانت هذه الحركة ذات أثر إيجابي كما ذهب الى ذلك العالم الاركيولوجي البريطاني دوجلاس بايلي ( DOUGLASS BAILEY ) الذي رأى أن هذه الاعصار الكوني بين الغرق والموت الجماعي ، وبين الهجرة حذر الموت ، قادت الى انتشار تقنية زراعة الأرض ، ونقلت بدايات الحضارة الى مناطق متفرقة من الكرة الأرضية ، وسارعت في بزوغ الحضارة . فهذه الطوفان المدمر كان زناد الاتقاد لمشعل الحضارة
وفي ( البيولوجيا ) بعد إعلان ( ايان ويلموت ) من اسكتلندة ، عن أول نجاح له بتوليد النعجة دوللي ، بواسطة الاستنساخ الجسدي ، تبعها جيلان ( بوللي ) و ( بوني ) بنعجات تحمل جينات بشرية ، تدب على الأرض لاشية فيها تسر الناظرين ، وقفزت أجيال متراكبة من خمسين فأراً ، تقفز بمرح ورشاقة ، من الاستنساخ الجسدي في نسخ تترى ، نجحت فيها التجربة بعد خمسين محاولة ، عرضها اليابانيون في المؤتمر العلمي في نيويورك يونيو 1998 م ، بماعرف بـ ( تكنيك هونولولو ) ، ومن اوريجون في أمريكا تمت عملية استنساخ مرادفة طبقت على القرود ، في قفزة نحو الاستنساخ الانساني ، ويبشر ( لي سيلفر LEE SILVER ) من أمريكا بعصر الاستنساخ الانساني في مدى خمس سنوات ، وبذا ينفصل الانجاب عن الجنس ، في تحطيم عقيدة قديمة من ارتباط الجنس بالانجاب في آلية لافكاك منها اخترعتها الطبيعة قبل 500 مليون سنة ، وأودعها الخالق في كياننا في طاقة لحوحة لمتابعة إنتاج أنفسنا ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ومع هذا الانتصار الجديد سوف يحصل أفضل بكثير مما تخيله جوليان هكسلي عام 1923 م ، وتوقع حدوثه بعد 600 سنة ، سيفتح الطريق الى فصل الجنس عن الانجاب ، فتتخلص المرأة من كل أنواع موانع الحمل وإشكالياته وترتاح من حمل غير مريح يخض في أحشاءها 270 يوما ، ويتم الحصول على ذرية مرغوبة بشدة منتقاة بعناية مفحوصة ومراقبة بدقة ، بفحص الخلية الملقحة لمعرفة كامل تركيب المادة الوراثية ، ثم الدخول من خلال جراحة الجينات ، لأزالة الأمراض الخلقية من عيب وراثي كما في مرض فرط الكولسترول العائلي القاتل ، أو هبل المنغولية ، أو فقدان الذاكرة عند مرضى الزهايمر ، وتعديل الاستعداد لإصابة ما مثل احتشاء القلب ، فينتج انسان يتمتع بالخلق السوي . وهذه ليست شركاً بالله ولاخللاً في الطبيعة ، بل هي وظيفة وكيل عام خوله الله إياها بموجب عهد الخلافة ، منذ أن برمج دفعه الى الوجود ، وعندما كان الفيلسوف إقبال يناجي الله ويبث شكواه أن الكون لايعجبه ، كان الجواب ياإقبال اهدمه وابن أفضل منه ؟! سيتم التحكم في الجنس وعدد الذكور والاناث ، وسيتم التخلص من جينات الإجرام والحقد والإحباط وداء باركنسون والجنون . سيتم الامساك بعنق السرطان ، طالما يحوي معه سر الديمومة والاستمرارية في الحياة ، ثم الوصول الى سر تجدد الخلايا ، فالخاروف دوللي حصل لخليته المبرمجة في عمر ما ، نوع من الانقلاب الرجعي الى بداية رحلة الحياة ، مثل ربط الساعة وتوقيتها ، عندما يعود كل شيء ليبدأ من نقطة الصفر (15) فيمكن بهذه الطريقة الاقتراب من سر امتداد عمر نوح الى ألف سنة الا خمسين عاما ، فلاشك أن هناك سر بيولوجي خلفه . وسيتم زراعة أعضاء جديدة حسب الطلب ، من كبد خارت عزيمته ، وكلية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، وقلب مرتخي يعلعل ، وفشل بانكرياس أغرق الجسم بطوفان سكري . أو المحافظة على سلالات راقية رشيقة للحصان العربي من نوع ( رئيفة ) التي بيعت بحوالي مليون ريال في السعودية ، من خلال استنساخ أعداد بما تشتهيه قلوب محبي السباق . أو تعويض خسارة حبيب من زوجة وطفل وأم وأب وصديق غالي ، على الأقل لشكل اندثر وغاب وزحف الى جدران الذاكرة .
لاحدود للبحث العلمي ولايمكن محاصرته فطبيعته تقدمية ، ولاخوف من التفكير لأن أعظم مافي الانسان جهاز التفكير ، فالتفكير قاعدة الإيمان وأداته المعرفية ، لشق الطريق الى فضاءات معرفية لانهائية ، ولكن الخوف كل الخوف من إغلاق العقل ، ومصادرة الفكر ، وممارسة الإرهاب عليه ، ولاحاجة لإعلان الوصاية الأخلاقية على العلم فهو يمشي بقوته الأخلاقية الذاتية ، فيحور ويحرر الانسان والعالم . ولاهرطقة للمختلف في الرأي ، ولاقتل أو تصفية للآخر الذي نكمل أنفسنا بوجوده ؛ فأصبحت قضية التقدم العلمي ليست في إلغاء الآخر بل إيجاده ، فهذه أفكار مفصلية في التأسيس العقلاني ، والسلام الاجتماعي وإمكانية العيش المشترك ، وشرط الانطلاق الحضاري .
كان الانسان يبحث في الطبيعة خارج نفسه ، يسبح بين الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا . والآن يدخل معراج البيولوجيا ، الى الحجرة المقدسة ، الى نفسه التي غاب عنها كثيراً ، لتطويرها نحو الأفضل ، وعلمنا التاريخ أن التقدم يمشي ، وأن ماينفع الناس يمكث في الأرض وأن الزبد يذهب جفاء .
وفي ( الانثروبولوجيا ) استطاع الأمريكي ( دونالد جوهانسون ) انتشال هيكل ( لوسي LUCY ) المدفون في طبقات الأرض (16) في مثلث عفار في الحبشة ، وبتطبيق تقنية ( الارغون ـ البوتاسيوم ) المشع ، أمكنه أن يحدد عمر انثى تمشي منتصبة بطول 120 سم ، وبحجم دماغ لايزيد عن 450 سنتمترمكعب ، يعود الى زمن سحيق يرجع الى 3,2 مليون سنة ، واستطاع زميله ( تيم وايت TIM WHITE ) وبواسطة تمويل سيدة أمريكية ثرية محبة للعلم ، أن يعلن عن كشف أقدم هيكل عظمي عرف حتى الآن ، يعود الى 4,6 مليون سنة ، ضارباً الرقم القياسي في عمر الانسان السحيق ، أعطاه اسم ( ارديبيثيكوس راميدوس )( ARDIPETHICUS RAMIDUS ) ) في اقتراب حثيث لجذور وجود الانسان الأولي التي تقدر بـ ( 5 - 7 مليون سنة ) في أهم كشف انثروبولوجي حتى الآن في قصة الانسان الذي اكتشفه ، جاء في تقرير بقايا الانسان الذي عثر عليه مايلي : لربما كان مريضاً فانهار صحياً ، أو ضالاً فتعثر فسقط في الحفرة !! قد يكون تضعضع من تسمم دموي من عقابيل جرح ملوث ؟ الشيء الأكيد أن الضباع والوحوش المفترسة لم تعثر عليه ، بعد أن انحشر في حفرة ضمت جسمه البالي فمات فيها . لو عثرت عليه لتركت بدون ريب بصماتٍ أسنانها على عظامه !! بقايا الهيكل العظمي لهذه الجثة عُثِر عليه في حوض ( آواش ) الأوسط في الحبشة بشكل غير كامل ، من خلال الحفر في طبقات الأرض الجافة . وعندما وضعت للدراسة الانثروبولوجية كانت النتيجة صاعقة تماماً ؟!! الهيكل العظمي يعود الى ( 4.4 = حوالي أربعة ونصف مليون سنة ) ؟!! هذه الضربة المحكمة الانثروبولوجية التي قام بها العالم الانثروبولوجيي الأمريكي ( تيم وايت )( TIM WHITE ) قفز بها في رقم وجود الانسان الى رقم قياسي جديد ( RECORD ) فالأرقام السابقة لم تتعدى (3.8 ) مليون سنة ، كما أن انسان لوسي لم يتجاوز (3.2) مليون سنة ، وهذا الكشف يصب في خانة السؤال الجوهري والمحوري : كم أصبح للانسان يدب على وجه الأرض ومنذ متى بدأت قصته على وجه التقريب ؟؟ عندما يسبح الانسان بفكره مع الزمن فيتصور بناة الاهرام وهم يكدحون في رفع هرم خوفو ، أوحملة كزركسيس على ضفة البوسفور وبداية الماراتون ، أو فيلة هانيبال وهي تعبر جبال الألب ؛ أو ابن خلدون وهو متدلي في سلة من سور دمشق يسعى لمقابلة السفاح تيمورلنك ، فإن الشعور الذي يستولي عليه طول الزمن وعمقه ، ولكن كل ماذكرنا لايقف إلا كلمح البصر أو هو أقرب ، مع بداية قصة الانسان ودبيبه على ظهر البسيطة . هرم خوفو بني في العام ( 2570 ) قبل الميلاد فهو يبتعد عنا في الزمن أقل من خمسة آلاف سنة ، فإذا وضعنا رقم عمر هيكل ( ارديبيثيكوس _ راميدوس )الذي انتشله تيم وايت من طبقات الأرض في شرق الحبشة وقارناه مع زمن نهوض الحضارة المصرية وحملة بناء الاهرامات ؛ فإن الرقم يقترب من واحد الى ألف ، أي أن رحلة الحضارة الانسانية تمثل الصفحة الأخيرة من كتاب ( قصة الانسان ) الذي بلغت سماكته ألف صفحة ، وهذا يفصح عن حقيقة مزلزلة عن الزمان الطويل الذي قضاه الانسان قبل دخول حياة الحضارة والمدينة ، وتُضاء الآية القرآنية إضاءة جديدة في ظل هذا الكشف المثير ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ) وكيف سيكون شيئاً مذكوراً وهو لم يدخل التاريخ بعد ، الذي سيكتب عن رحلته ، فالانسان حتى قبل عشرة آلاف سنة كان يأكل الوحوش والوحوش بدورها تأكله ، وكان أقرب الى العري ، كل همه أن لايموت جوعاً ، وبقي الوضع هكذا حتى دخل مرحلة الثورة الزراعية ؛ فتخلص من ضغط الخوف من الموت جوعاً ، لأول مرة في تاريخه الطويل ، منذ عهد انسان ( تيم وايت ) الذي أيقظوا عظامه من مضجعها للدراسة والبحث !! انسان العالم الانثروبولوجي الأمريكي ( تيم وايت ) والذي أعطاه اسم : جذر الانسان القادم من الأرض ( أردي بيثيكوس راميدوس ) عندما مات كان شاباً يافعاً تشهد على ذلك أضراسه الطاحنة المكتملة ، ولكن طوله لم يتجاوز ( 120 ) سنتيمتر !! يمشي منتصباً على قدمين ، طويلاً بما فيه الكفاية ، ولكنه أقرب أن يكون أنثى التي هي في العادة أقصر من الرجل . ومن عظامه المتناثرة التي بلغت حوالي ( 106 ) قطع أمكن تحديد معظم أماكنها من الجمجمة والكتف والحوض والذراع والأطراف السفلية ، وأهم ماتم الوصول إليه وأكثرها مدعاة للإثارة رؤية اليد والقدم كاملتين ، لأنه من القدم يعرف طرفاً من المشي المنتصب ، ومن اليد قصة تحررها وانطلاقها للانتاج ، بدلاً من الاعتماد عليها في المشي ، كما هو الحال عند الغوريلا والشمبانزيا وقرد البابون ، فمع تحرر اليد انطلق الانسان نحو ثورة تصنيع الأشياء ، فقفز من مستوى السكين الحجرية الى التكنولوجيا النووية ، وهو فارق هائل بين مخلوقين ومفرق طريق بينه وبين القردة وبقية الحيوانات ، بين مصير مهدد بالزوال والانقراض ، ومصير كائن يسيطر على الأرض ويستعد لإعمار بقية الكواكب ، أو حتى إفناء نفسه
وفي ( الطب ) أعلن الأخوان الصقليان ( فاكانتي ) عن ثورة جديدة في استنبات الأعضاء بتعاون علم البيولوجيا والكمبيوتر والهندسة الحيوية ؛ فنجحوا في استنبات 14 أربع عشرة نوعاً من الانسجة وكبد جرذ وذراع انسانية غير كاملة (17) ليلحقه تكنيك جديد لتوليد الأعضاء ، بما يشبه الاستنساخ المتطور ، بالاستفادة من الخلايا بعد تميزها ، ودفعها باتجاه توليد عضو بذاته ، من قلب ووعاء وكلية . كما تم زرع ذراع كاملة لمريض استرالي فقد ذراعه من نصفها قبل 14 عاماً في عملية جراحية في ليون بفرنسا دامت 13 ساعة تكللت بالنجاح وهي الأولى من نوعها بعد زرع الكلية والكبد واقرنية والبانكرياس والقلب والرئتان . وقفز ( دنيس نوبل ) البريطاني من اكسفورد الى فكرة رائعة في استخدام كمبيوترات التخيل ( SIMULATOR ) لدراسة عمل القلب وماذا يؤثر عليه من سيالة عصبية وشوارد معدنية تصل الى الخمسين تعمل بموجبها 500 مليون خلية عضلية بشكل مستقل عن المركز يكفيها الوسط المغذي لكي تؤدي رقصتها المعتادة في تقلصات عضلية وتناسق في العمل وفتح للدسامات بتسخير كمبيوترات تعمل بطاقة 29 مليار عملية حسابية في الثانية . يقول نوبل : إن من يموت باضطراب عمل القلب سنوياً هم أكثر من حوادث السيارات ولفهم عمل القلب المكين كانت شركات الدواء تمشي في الطريق الخاطيء تماماً . كما نفعل مع الكمبيوتر عندما يستعصي عن العمل فنوجه له ضربة بالمطرقة على رأسه كي يعمل أو في أحسن الأحوال نسكته عن الحديث . كانت الأدوية تعمل على تعطيل البروتينات المشبوهة بالأثر ( الحاصر ) ومايتطلبه هو كشف أسرار عمل القلب ونظام عمله . الا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله الا وهي القلب .
يتقدم الطب بكسر المسمات السابقة ، كما فعل جراح العظام الروسي ( اليزاروف ) ، بمعالجة العظم ليس بالتجبير بل بالكسر ؟؟؟ عندما اهتدى الى طريقة انقلابية في معالجة قصر القامة ، التي كانت قدراً بيولوجياً ؛ فمط الأقزام ؛ بتسخير قانون ضد قانون ، بالاستفادة من آلية النمو داخل البدن ، سنة الله في خلقه . فعندما أصيب جراح العظام الإيطالي ( كارلو مونري ) بكسر في ساقه ، تطور بعد المعالجة إلى اختلاط كريه ، هو اندمال معيب متقيح مزمن ، مما خلق لجراحي العظام الإيطاليين تحدياً في معالجته ، وكادت الحالة أن تفضي إلى البتر . وعندما حمل الجراح الإيطالي شكواه إلى زميله ، أشار عليه بجراح للعظام ، صعب الإسم ، غامض الشهرة ، يعيش في صقيع سيبيريا ، ويقوم بجراحات جديدة مثيرة ، اسمه ( اليزاروف - ELIZAROW ) . استطاع ( اليزاروف ) أن يسيطر على الحالة ، ويصل بها إلى شاطيء السلامة ، فزال القيح ، واستقامت الساق ، واندمل الكسر . هذه القصة كانت السبب في خروج ( اليزاروف ) و ( طريقته ) من الشرنقة السوفييتية ، والتدجين الإيديولوجي للعلماء ، كما حصل من قبل مع أفيلوف وليزانكو في قصة علم الوراثة والإيديولوجية الماركسية . خرج ( اليزاروف ) من الشرنقة الضيقة ، ليطير إلى العالم بجناحي فراشة جديدة ، وبذلك ولد علمه في العالم ، وكتب له النماء ، وسادت طريقته ، وأصبحت منهجاً قائماً بذاته في المعالجة . والآن ماهي الإثارة في طريقة ( اليزاروف ) ماهو الجديد فيها في فن جراحة العظام ، أية أفكار تسيطر على نواتها ؟؟ أية منهجية توجه حركتها بل لنقل أين الإبداع في هذه الطريقة ؟ . في جو الصقيع والبرد الرهيب في ( كورجان ) جلس ( اليزاروف ) لفترة تزيد عن ربع قرن وهو يتأمل الواقع البيولوجي ، محاولاً اكتشاف أسرارٍ جديدة ، وقوى مجهولة ، ومعادلات غامضة وآليات لاتطفو على السطح !! كان عليه قبل كل شيء كسر المسلمات السابقة ، والأيديولوجيات الدوغمائية في المعالجة الجراحية لإن مشكلة المشاكل وجوهر الإعاقة العقلية هو ماأشار إليه القرآن ، عن عقدة الآبائية ( ماسمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) ؟؟! .
إن جوهر حركة التاريخ هو التطور الفكري ، هو حركة المجتمع من خلال أفكارٍ ورؤى جديدة ، ومعالجات جديدة ، من خلال تنمية روح المبادرة ، تلك التي أشار إليها عالم الاجتماع الألماني ( ماكس فيبر ) في كتابه ( روح الرأسمالية ) عندما اعتبرها إحدى عناصر انطلاق النهضة الأوربية . إن الحياة مليئة بالأسرار ، والسر يحرك شهية المعرفة ، ويفتح روح الفضول للاكتشاف ، ولو أرسل خشب أشجار المعمورة إلى المصانع لاستخراج الأقلام ، ولو أن بحار الدنيا السبعة تحولت إلى مداد ، ثم سخرت الأقلام لتكتب هذه الأسرار ، لفنيت الأقلام ، وجفت البحار ، ولم تنته هذه الكلمات : (( ولو أن مافي الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعد سبعة أبحر مانفذت كلمات الله ) . كان ( اليزاروف ) يرصد الواقع البيولوجي لاكتشاف كلمات الله التي هي قوانينه ، والتي سُخرِّ الكون كله بموجبها ، فالكون يتسخر ، أي يخدم مجاناً في اللحظة التي يتم الكشف عن القانون الذي يسيطر عليه ، وهو ماأشار إليه القرآن : (( وسخر لكم مافي السموات والأرض جميعاً منه )) . هل تأملت السحلية الصغيرة عندما يحاول الطفل العبث بذنبها كيف تطرح ذنبها متخلصة منه وهاربة إلى الحرية ؟! ليتراكم بعد ذلك على الذنب المفصول حشد من النمل في وجبة شهية ؟! لماذا لاتمتلك أجسادنا هذه القدرة ؟ فإذا انقطع أصبع نما آخر مكانه ؟؟ . ماالذي يجعل الخلايا السرطانية خبيثة ؟؟ لماذا يعلن السرطان التمرد العام في البدن ، ويقود حملة عصيان مدمرة لكل أجهزة الجسد ؟؟ إن لعنة مرض الأيدز باعتبارها إحدى آليات التسرطن فجرت عتبة اكتشافات جديدة ، للدخول إلى الكنز المقدس في الخلية ، لكشف اللثام عن تركيب ثلاثة مليارات من الجينات ترقد فيها خواص الإنسان . لقد قبع ( اليزاروف ) هناك في الصقيع يفكر بعقل فيلسوف ، وهمة طبيب ، وروح رائد مكتشف وبعبقرية نفاذة ، لقد وصل إلى فهم ثوري جريء يعتبر قلباً لكل مفاهيم جراحة العظام ؛ بل هي تقنية تتجاوز جراحة العظام لتطبق في فضاء الجراحات الأخرى . في التصور القديم يبقى القزم ضئيلاً ، لايرفع رأساً ، ويطلب العون ، ويستدر الشفقة ، تتعثر قدماه في المشي ولسانه في النطق ؟! . من أصيب بالتشوه أضحى قدراً لايمكن تغييره ، ولا أحد يفكر في تغيير مااستقر عليه الانحراف ؟! . الاندمال المعيب والتقيح المزمن الكريه مصيره إلى البتر ولو بعد حين ؟! . المشلول كتب عليه أن يبقى مقعداً مدى الحياة ، يتجرع الغصص ، ويزدرد الحسرات . وعلى صاحب الكسر أن يجر طرفه الثقيل لإشهر طويلة بجبس أبيض يذكر بالقبور التي يُصفِّر فيها الريح ، حتى يلتئم الكسر ، وتتكلس الحواف ، ويتشكل الدشبذ ( CALLUS )
وبذا فهمت العضوية على نحو جامد ثابت لايتغير ، ولكن هل الوجود كذلك والله يقول ( يزيد في الخلق مايشاء )؟؟ إن فهم الوجود على أنه كم ثابت يمثل نصف الحقيقة ، ذلك أن الحياة تسبح بين الجمود والحركة ، بين الثبات والتطور ، بين الوجود والصيرورة ، وعندما يتدخل الجهد البشري ليمط قصيراً ، أو يصلح تشوهاً ، أو يقيم معوجاً ، فإنه يعالج في الواقع قدرَ الله بقدرِ الله وضمن سنته التي تسيطر على الوجود المادي والبيولوجي والنفسي والاجتماعي والحضاري والبشري برمته (( ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحو يلا ) . دخل دماغ ( اليزاروف ) إلى مخ العظام لفهم آلية نمو العظام وعلاقتها بالأنسجة المحيطة ، فقلب المفاهيم السائدة ، فقال : إذا كان الكسر ينشِّط النمو فيندمل الكسر ، أي أن الكسر هو الذي يحرض آلية النمو ، فما المانع أن أسَّخر هذه الآلية ، وأضع يدي على سرها ؟؟ ليس أن أرد كسراً ، بل أكسر عظماً سليماً ؟؟ كي أضع تحت تصرفي هذه الآلية فأوجه النمو بالوجهة التي أراها سليمة ، وبمستودعات النمو أستطيع أن أطيل عظماً ، أو أقيم معوجاً ، أو أقاوم تقيحاً معنداً بأسلحة النمو هذه . هذه هي جوهر فكرة ( اليزاروف ) ، هي بسيطة ولكنها رائعة وانقلابية . هي جميلة وساحرة ، وجمالها يأتي من بساطتها ، لأن أهم عناصر الجمال البساطة . فكرة ( اليزاروف ) تقوم ليس على تجبير العظام ورد الكسور ، بل كسر العظام ، وتحريض النمو في العظم والأنسجة المتصلة به ، من عصب ، وشريان ، ووريد، وعرق لمفاوي ، وعضلات ، وفي النهاية الجلد الذي يتمطى ؟! . إن هذا الشق والكسر للعظم يتولى القسم الخارجي فقط ، أي قص القشرة الخارجية وتثبيتها من الخارج بحلقات ومسامير وأعمدة بشكل ميكانيكي مدروس في الاتجاه المزمع إنشاؤه ، ثم شد الطرفين المكسورين بعيداً عن بعضهما البعض بمقدار مليمتر واحد يومياً لتحريض آلية النمو يقوم بها المريض بنفسه علىالبراغي المشدودة ساقه اليها وعليها ، وبذا أمكن إطالة العظم ، ومد الشريان ، ومط العصب ، وزيادة الأوردة ، وترميم الأنسجة المهددة ، وتقويم الأعضاء المعوجة . فهي كما نرى فكرة رائدة تعتمد أن يرمم الجسم نفسه بنفسه . فيتم بها تحسين التروية الدموية ، وتنشيط السيالة العصبية ، ونمو العضلات ، وتطويل الأوتار ، وردم القيح ، ومط الجلد ، وزيادة الجمال في الأطراف والتخلص من التشوهات . تتيح طريقة ( اليزاروف ) للمكسور الساق أن يمشي على كسره مباشرة ، وللمشلول أن يبدأ في الأمل في الحركة وهناك تجارب الآن على نخاع الظهر عند المشلولين ، لتنشيط نموه وهو من مستحيلات العلم اليوم ، لإن الطب الحالي بتَّ فيه بلاعودة ؟! وفي فقر التروية الدموية بضخ الدم وتحسين الدوران ، وفي الأقزام أن يمنحهم بسطة في الجسم وتم ضرب رقم قياسي بتطويل وصل إلى 30 سم ، بل إن اليزاروف دفع الرقم إلى 90 سم ( طوَّل انسان ياباني من 90 سم الى 180 سم ) ؟! بمعدل زيادة 1 ملم يومياً، وللمشوهين أن يستعيدوا عافيتهم ، وجمال شكلهم ، وللمقعدين أن يتفاءلوا بدخول عتبة جديدة في المعالجات . قال - ص - : (( مأنزل الله من داء إلا وجعل له دواء عرفه من عرفه ، وجهله من جهله )) فهذا الحديث يفتح الباب أمام فكرة الشفاء لإي مرض مهما استعصى واستفحل . وبعد فإن طريقة ( اليزاروف ) ليست سحراً ولا ألغازاً ، فلاتوجد أسرار في العلم ، كما أنها ليست فوق النقد ولادون الخطأ ، بل هي فهم لسنة الله في خلقه ، والقوانين التي تحكم البيولوجيا ، وإذا كان الحديد ثقيلاً ومن طبيعته أنه يسقط إلى الأرض ، فإن الذكاء الإنساني حوَّله إلى طيارةٍ تحلق في الأجواء ، وصاروخٍ يخترق الجاذبية ، ليس بخرق القانون ، بل باستخدام قانونٍ جديد يتخلص به من قانون الجاذبية ، فالتشوه ، والشلل ، والعجز ، والصمم ، والضعف ، والتردي ، حدث بفعل قانون ( سقوط ) ونحن نعالجه بقانون ( صعود ) . إن العبرة في الانقلاب الثوري في جراحة اليزاروف ذات ثلاث أبعاد ، 1 ـ الأولى في دلالة علاقة العلم بالفلسفة ، فالعلم غصن من شجرة الفلسفة ، والفلسفة هي رحم العلوم التي تضخ بها وتنتجها وتصنعها وتولدها بدون توقف . 2 ـ والثانية أن الابداع يأتي وفق قفزات نوعية يقوم بها أناس إما من خارج ذلك الحقل ، حينما يرون الأشياء بنور جديد ، كما حصل مع طبيب النسائية ( كورت سيم KURT SEMM ) (الذي قام بتثوير جديد في علم الجراحة ، من خلال تطويره جراحة المناظير الجديدة ، التي تشق طريقها الآن إلى قفزة نوعية أخرى هي الجراحة بدون جراح من خلال وسيط الروبوت ، والتي ستكون جراحة القرن الواحد والعشرين ، أو أناس خرجوا بأرواحهم من روتين وسطهم الممل إلى نسمات العبقرية وإلهامات التأمل العميق .3 ـ وأما الثالثة وهي أحزنها فهي نكسة الجراحين بتحولهم إلى مهنيين مع الوقت ، وانزلاقهم عبر ( قمع الزيت ) التخصصي وكأنه الامتصاص داخل ثقب أسود ، حيث تضيق ساحة الاهتمام ويزداد الظلام مع قوة العبور في اتجاه عمى الاختصاص اللوني ، وإذا كانت نهاية القمع ثقب ضيق ، فإن الاختصاصيين يفقدون حاسة التمييز في النهاية أن الوجود أكبر من العمليات الجراحية ، وأرحب من التشريح والفيزيولوجيا ، وأهم من ترقيع شريان أو استئصال ورم أو رد كسر .
وأما صاحبنا ( اليزاروف ) فقد أبحر إلى فلسفة الطب فرآه بنور جديد ، فاكتشف علاقات جديدة ، وفتحت أمام عينيه أسرار خفية بضوء ليزر الفلسفة ، وباح الوجود له ببعض حكمه القريبة المحجوبة . إن الإبداع له وسطه ، وأعظم شرط فيه هو عشق المعرفة ، والتجديد ، وكسر جمود التقليد ورتابة الروتين ، وإعادة النظر في المسلمات هل هي فعلاً بديهيات عقلية لاتقبل المراجعة ؟ وتحريض ملكة النقد الذاتي ، وتوليد روح الدهشة والفضول لرؤية العالم من حولنا دوماً جديداً نامياً متطوراً ، ورؤية العلم بدون حدود
وجاءت المفاجأة الجديدة من علم ( الباليونتولوجيا PALEONTOLOGY ) (18)بالكشف عن الانفجار البيولوجي العظيم كما كان الحال في الانفجار العظيم الكوسمولوجي ، عندما كان الفريق العلمي السويدي الصيني يبحث في منطقة ( شينج يانغ )( CHENGJIANG ) من جنوب الصين يقلب صفحات كتاب ( طبقات الأرض ) يقرأ عبر لغة ( الباليونتولوجيا ) حروفاً جديدة تلقي الضوء على مزيد من أسرار تاريخ الأرض ، وتفك تلك الطلاسم المخفية من رحلة الحياة البيولوجية للكائنات ؛ اصطدم فجأة بكائن صغير في عمق كيلومتر من الأرض ، لايزيد طوله عن أربعة سنتمترات قد ترك آثاره المتحجرة في طبقات الأرض ، وعندما أرسل الى مخبر تقييم الزمن كان الرقم صاعقاً ، هذه المرة ليس مثل هيكل ( ارديبيثيكوس راميدوس ( ARDIPETHICUS - RAMIDUS ) في قصة الانسان والذي بلغ ( 4.4 )مليون سنة ، بل حوالي نصف مليار سنة ( وبالضبط 530 خمسمائة وثلاثين مليون سنة ) . هذا الحيوان الذي أعطي اسم ( يونانوزون _ ليفيدوم )( YUNNANOZOON - LIVIDUM ) الذي عاش قبل مايزيد عن نصف مليار سنة ، يستحم في المحيط المائي البدائي للكرة الأرضية ، والذي بدى أقرب الى أوراق المراعي المسطحة بحجم إبهام انسان ، وبفم خرطومي يرشف ماء المحيط المالح الممزوج بالطين . ذو بنية قاسية وبعمود فقري مرن ، أوحي الى علماء الباليونتولوجيا بأن يكون هذا الحيوان مقدمة بقية الفقريات والكائنات التي عمرت الوجود لاحقاً ، فمسيرة الحياة لم تمش خطوة خطوة كما كان التصور حتى الآن ؛ بل انطلقت عارمة بكل عنفوان ، في حقبة لم تتجاوز عشرة ملايين من السنين ، لتنتج معظم النماذج التي تنتسب لها الكائنات التي تعمر العالم اليوم . إن المعلومات الموجدودة بين أيدينا حتى الآن في علم تاريخ الأرض ( الباليونتولوجيا )( PALEONTOLOGY ) تعطينا مسلسلاً رهيباً في عمر الزمن والأحداث ، تم التوصل إليه من خلال تطوير علوم جديدة في معرفة عمر بقايا الكائنات والحضارات ، من خلال ساعات كونية وبايولوجية مغروسة في الطبيعة ، كما في ساعة الكربون 14 وعلاقة تحول البوتاسيوم _ الأرغون ، فعن طريق تحول الكربون 14 يمكن ضبط الزمن حتى سبع وخمسين ألف سنة ، وعن طريق ساعة تحول مادة البوتاسيوم الى أرغون ، يمكن معرفة التاريخ الممتد الى مليارات السنوات ، باعتبار أن نصف عمر تحول الذرات يتطلب 1.25 مليار سنة ، أي عمليا ً حتى ساعة بداية الكون ، وبهذه الطريقة أمكن تحديد يوم ولادة الكرة الأرضية التي نعيش عليها ، وأمكن معرفة أن بداية تشكل الكرة الأرضية التي نعيش عليها تعود الى 4.6 مليار سنة .
وفي ( الكيمياء ) قفز العلم الى حل مشكلة جنسية ، بعد الثورة الكيميائية التي دشنت على يد (كارل جيراسي) بانتاج حبوب منع الحمل قبل أربعين سنة . بالاعلان عن الماسة الزرقاء ، تم تركيبها بصدفة جانبية ، ودخلت ( الفياجرا) الى أسرار الطاقة الجنسية ، وحلت إشكالية عضوية عانى منها الرجال منذ أيام حمورابي ويزيد ( العنة العضويةIMPOTENCE ORGANIC ) .
واستطاع الاطباء بعد انتظار عشرين سنة أن يضعوا أيديهم على صاد حيوي جديد يختلف عن كل أجيال الصادات الحيوية السابقة التي تبرمج لانهاك الجرثوم بمهاجمة تركيب الأحماض النووية في النواة أو تفتيت الغشاء الخلوي الخارجي . الصاد الجديد الذي يحمل اسم ( LINEZOLID ) يهاجم مراكز صناعة وتجميع البروتين العمود الفقري للجرثوم بتدمير محطات ( الريبوسوم ) الذي يمد خلية الجرثوم بأسباب الحياة .
ومن ( أبحاث الفضاء وهندسة البناء وعلوم المستقبل ) تنقل لنا الأخبار أن مجموعة من مهندسي الفضاء الخارجي في بريمن من ألمانيا تستعد لبناء فندق كوني يمكن ان يستقبل زبائنه عام 2020 ميلادي تكلف تذكرة الوصول اليه 180 ألف مارك بإقامة فندقية لمدة اسبوع بمبلغ 400 ألف مارك حيث يجلس رجال الأعمال فوق سحب الغمام مثل آلهة الأولمب يقررون مصير البشر تحتهم على ارتفاع 450 كم فوق سطح الأرض تتراءى لهم الأرض من بعيد على شكل كرة زرقاء جميلة .
ظن كثير من الناس أن التحنيط عند الفراعنة سر لن يصل إليه العلم ، وفي زمن ابن خلدون في القرن الرابع عشر للميلاد استولت على الناس فكرة أن الاهرامات شيدها العمالقة ، فلا يستطيع البشر تشييد صرح من هذا الحجم ، وفي عام 1878 م عكف ( جيوفاني شياباريللي GIOVANI SCHIAPARELLI ) من ميلانو في إيطاليا ، على رسم قنوات زعم أنها موجودة على ظهر المريخ ، قامت بصناعتها مخلوقات ذكية ، تضخ الماء من القطب المتجمد ، الى الصحاري الاستوائية العطشى على ظهر الكوكب . وتعارف الناس على أن أعظم العجائب التي شادها الانسان في العهد القديم هي سبعة مثل تمثال زيوس ( الكولوس ) في جزر اليونان التي كانت تمر السفن من تحته ، وبرج بيزا المائل الذي يصلحه المهندسون الألمان اليوم ، ومنارة الاسكندرية التي انتشلت حجارتها من فترة قريبة من البحر وحدائق بابل المعلقة ، وإهرامات مصر ، وسور الصين العظيم . الذي ثبت أن سر التحنيط لم يعد سراً ، والعلم يستطيع أن يحنط اليوم الجثث الى أجل غير مسمى ، في رحلة تقترب من الأبدية ، وفي نوع من التقنية يتحسر عليها كهنة هليوبوليس ، وأن الاهرامات بأحجارها المليونية ، دشنها المصريون بالعقول الهندسية المبدعة ، والسواعد الجبارة في وقت لم يعرف الحديد بعد ، فكان الحجر يقد من الصخر بحجر أشد قسوة منه ، وتبين أن المريخ كوكب ميت وجثة باردة في الصقيع منذ أربع مليارات سنة ، وأن أقنية المريخ التي استمر الفلكي الأمريكي ( بيرسيفال لويل PERCIVAL LOWELL ) في متابعة رسمها ليست أكثر من خدعة بصرية . وطلب مشركو قريش سبع عجائب دليلاً على النبوة ، على شكل خوارق صبيانية ، من حيازة بئر ارتوازي وحديقة عنب وتمر ، أو امتلاك فيلا مزخرفة ، والصعود في السماء ، وكان جواب القرآن لهم في اتجاه مختلف تماماً حين زحزح موضع النقاش كلية ، فهو مع قناعته من شهادة التاريخ ، أن المعجزات بما فيها دابة تنشق عنها الأرض ، لم تنفع في تبديل عقول أشد قسوة من جلمود الصخر ، فكان الرهان على سنة الله في خلقه ، فهي المعجزة المتفجرة لكل عقل في أي زمان أو مكان . وأما عجائب العالم القديم السبعة فلا تعادل لو جمعت كلها مشروع واحد مما يزمع اليابانيون بناؤه اليوم ، فكل اهرامات الفراعنة بما فيها اهرامات ( خوفو وخفرع ومنقرع ) لاتزيد عن حجر واحد في مشروع بناء ( اكس ـ سيد 4000 X - SEED ) الماموت ، الذي سيرتفع كناطحة فوق سحاب ، بارتفاع أربعة كيلومترات فوق سطح البحر الياباني ، ينهض فوق وسادات خرافية من الحديد الغاطس في الماء ، يهتز بنعومة مع غضب الزلازل في أرض التيفون والأعاصير ، لبناء يعيش فيه 700000 ( سبعمائة ألف ) انسان من حجم مدينة متوسطة عصرية .
مايحمله المستقبل أكبر من الخيال ، وأبعد من التصور ، ويخترق المستحيل الذي تعارفنا عليه ، لإن المستحيل في عقولنا فقط . مدن كاملة تحت الأرض . وأخرى عائمة فوق المحيط ، وناطحات مافوق سحاب الى ارتفاع الكيلومترات تضم بيوتاً تسع مئات الآلاف من البشر فيما يشبه المدن الجديدة ، وعمليات جراحية كونية لترقيع ثقب الاوزون ، برقع وخيطان من حقول كهرطيسية ، وجبال شاهقة تقد من القطب المتجمد الجنوبي تقطر الى مناطق الصحاري ، تنقل بحيرات كاملة ماءً سائغاً للشاربين ، وتسقي جنات على مد البصر في الصحراء تنبت فاكهة واباَّ ونخلا باسقات لها طلع نضيد . وشفط عناصر هامة في الطاقة من سطح القمر من نوع الهليوم الثلاثي بروبوتات ذكية . وفرش سطوح تنقل الطاقة عبر عشرات الآلاف من الكيلومترات من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية ، لاستقطاب الطاقة وبثها على شكل موجات قصيرة الى الأرض ، وإرسال مركبات فضائية الى سطح المريخ ، تحمل طاقماً بشرياً وروبوتات تبني مفاعلات نووية تبث طاقة كهربية من مستوى 4500 ميجاوات ، ومصانع كيمياوية عملاقة ، تنفث في جو المريخ غازات صناعية على مدار الساعة ، مايعادل 40 ضعف تلويث مناخ الكرة الأرضية السنوي ، في محاولة إعادة الدفء الى كوكب المريخ المتجمد من صقيع مريع ، وإحداث غلاف حامي لجوه ، واستنبات الحياة على ظهره ، في أضخم جراحة كونية يقفز إليها الخيال البشري .
هناك في أمريكا معاهد خاصة لما يعرف ( معامل التفكير THINK - TANKS ) وفي ألمانيا معهد ( دلفي ) استطاع أن يحزر 30% من التوقعات . مهمة هذه المعاهد التفكير في المستقبل واحتمالاته والتخطيط تجاهه ، على خلاف مشاكل العالم الثالث ، التي تنتبه للمشاكل أثناء الاصطدام بها ، في شهادة واضحة للفرق بين الأعمى والبصير ، فالبصير يرى الجدار فلا يصدمه ، والأعمى لايرى شيئاً فينطح الجدار ويشج رأسه !!
إن كلاً من جون فيرن الفرنسي ، وليوناردو دافنشي الإيطالي ، وعباس بن فرناس العربي ، تخيلوا كل لوحده : الغواصة والدبابة والطيارة وضحك عليهم معاصروهم ، كما فعلت كثير من الأمم مع المصلحين أو الأنبياء ، الذين جاء اسمهم من النبوءة ، أي رؤية خاصة للمستقبل ؛ وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه . الذي ثبت بعدها أن الواقع كان أكبر من الخيال ، وأن ماتحقق فاق أبعد التصورات ، وفوق كل ذي علم عليم .
يقوم اليابانيون اليوم ( فراعنة العصر الجديد ) ببناء مدينة كاملة تحت الأرض ( GEOTROPOLIS ) سوف تكون جاهزة للسكن عام 2020 ميلادي ، وبدأ العمل الآن بها في إنجاز مبنى للموسيقى ( كونسرت ) بعمق 50 خمسين متراً تحت الأرض .
سيعيش تحت الأرض في هذه المدن المستقبلية التي تشبه ( انبوب الاختبار REAGENSGLAS ) الآلاف من البشر ، في مدينة تحت أرضية عجيبة ( UNDERGROUND - CITY ) ، ولجأت اليابان الى هذا الحل ، كمنفد للتكاثر السكاني وارتفاع الأسعار الجهنمي للأراضي، فالمتر المربع في طوكيو اليوم يساوي 288000 ( مائتان وثماني وثمانون ألف ) مارك . هذه المشاريع من بناء المدن تحت الأرض لن تكون في أرض اليابان فقط ، بل ستنزل الى البحر بحثاً عن المكان لبشر يتزايدون بدون توقف . فهناك اليوم مشروع بناء مدينة صناعية تحت قاع البحر ب600 متر في الشاطيء الشرقي من اليابان ، ستنتهي بعد 30 سنة من العمل ، في مساحة 150 كيلومتر مربع ، تضم أقنية بطول 15 كم وعرض 20 متراً وارتفاع 30 متراً ، تعمل عليها الآن جرافات من أحدث وأفظع ماأنتجته يد الانسان ، بأسنان من عرض 14 متراً ، تحفر الى مستوى 30 متراً يومياً في الأرض ، ستكون المدينة قسمين : الحقل الأول مكان المصانع الثقيلة لصهر الحديد والمحطات البترولية والكيمياوية ، والقسم الثاني للمصانع الخفيفة ، مثل مخابر التجربة . المخططات الخيالية للتقنية الهندسية العالية تمضي في بناء مدن كجزر عائمة في المحيط ، تسبح فوق وسادات حديدية تحتمل ثقلها ، تضم عشرات الآلاف من الناس ، وبدأت ظهور بعض النماذج في مساحة ( ملعب كرة قدم ) وتعتمد هذه النماذج تطوير أمكنة السكن بما يناسب القرن الواحد والعشرين ، بإنتاج بيوت تتمتع بإضاءة ممتازة ، وتهوية صحية ، وسعة في المكان ، والابتعاد عن الزخرف الهندسي التقليدي الذي يعتمد الأشكال الهندسية المنتظمة ، فالطبيعة يعتمد جمالها على عنصر التغيير والتنوع بل والفوضى ، حتى أن هناك ثورة اليوم في إنتاج كل شيء بمايناسب أعضاءنا ، كما هو الحال في ( الكيبورد ) الذي نستخدمه في الكمبيوتر ، فيجب ان يلائم مفاصل اليدين ، وكذلك في أبنيتنا فيجب أن تكون رومانسية وليست تشبه القلاع أو البنوك ، بنوافذ صغيرة وإضاءة سيئة ، كذلك تطمح هذه الهندسة المعمارية للقرن القادم ، أن تكون من النوع الذي يحقق الجوار الانساني .
إذا كان المهندس الأمريكي ( نورمان فورستر NORMAN FORSTER ) خطط نموذج بناية أشبه بالابرة تصعد في السماء الى ارتفاع 800 متر ، أعطاها اسم مدينة برج ( ملينيوم MILLENIUM ) مايجعل برج بابل وحدائقها المعلقة تبدو تافهة أمامها ، فإن أبنية القرن القادم بدأ التخطيط لها منذ الآن ، لما هو خمسة أمثالها من الارتفاع ، وأصبحت البنايات التي ترتفع 200 متر بنايات عادية للغاية ، تشكل مدناً صغيرة بحق ، وعلى سطوحها أمكنة لنزول طيارات الهليوكوبتر . ويفكر اليابانيون الآن بمشروع مرعب ببناء مدن يسمونها ( مدن المحيط OCEAN CITYS ) حيث ترتفع من قلب الماء ، من وسط المحيط إهرام من البناء ، يرتفع 4000 أربعة آلاف متر عن سطح الأمواج المتلاطمة ، يهزأ البناء بها ، ويرتعب خوفو لهذا الإهرام الجديد ، الذي يصعد من لجة الماء ، بما هو أرعب من العنقاء ، مخترقاً كل المستحيلات الأربعة في الثقافة العربية ، يرتفع في المياه اليابانية ، فوق أعلى مستوى فيها من نموذج جبل ( فوجي ياما FUDSCHIJAMA ) بحوالي 224 متراً (20)
هذا البناء السامق سيلمع عند الساحل الياباني ، يقوم على وسادات حديدة بوزن 550 مليون طن من الحديد الثقيل ، تغطس في عمق المياه تهيء للبناء الاتزان الكافي في مواجهة أعاصير التيفون ، وحمم البراكين ، وزمجرة الزلازل ، يضم عدداً من السكان يعادل 700000 ( سبعمائة ألف ) انسان ، بحجم سكان مدينة متوسطة عصرية ، يحتاج المصعد السريع للوصول الى الطابق العلوي رقم ألف 35 دقيقة ، وتبلغ درجة الحرارة فوق عند القمة 11 درجة مئوية تحت الصفر ، حيث الهواء في غاية الرقة ، والثلج لايفارق المكان في كل فصول السنة ، يمارس أهل البناء رياضة التزلج لمن أحب في أي وقت شاء ، فلا حر ولاقر ولاسآمة
وفي ( تكنولوجيا سيارة المستقبل ) في ساكرامنتو من كاليفورنيا حققت شركات البترول بالتعاون مع شركات انتاج السيارات ( دايملر كرايسلر ) انتاج جيل جديد من السيارات للمرة الأولى ، يستخدم فيها الهيدروجين كطاقة من خلال تحويل الايونات الى تيار كهربي ، بواسطة غرف حرق بدون مكابس ؛ فلا يخرج من السيارة الا البخر اللطيف مثل تعرق جلودنا برشح منعش بدون غازات سامة ؛ فيستغنى بضربة واحدة عن المكابس والبنزين والحرق والتلوث والضجيج بسرعة تزيد عن 100 كم \ ساعة ، وبملء محدود للطاقة لعدة مئات من الكيلومترات ، وبدون تنقيل وتعشيق لترس الحركة ، يكفي دعسة البنزين العادية . خرجت هذه السيارة تحمل اسم p2000 لشركة فورد بقدرة 100 حصان والأخرى تحمل اسم NECAR 4 بقوة 75 حصاناً وتقدم حاكم البلدة جراي ديفيس ليقول بفخر لن يكون هناك غازات سامة على الاطلاق .. أكرر لاشيء سوى بخر الماء (21)
وصف الحديث اهل الجنة بأن نواتج اجسامهم من بول وغائط وعرق تتبدل الى رائحة المسك اللطيف ؛ فلايبولون ولايتغوطون ولايتمخطون رشحهم المسك ومجامرهم الالوة ، واليوم في السيارة الجديدة التي تجرب في كاليفورنيا يتم استخدام الهيدرجين فلا يخرج منها الا البخر اللطيف بدون غازات سامة تلوث الجو وتخنق التنفس وترفع درجة حرارة الأرض ويتبدل المناخ سوءً بسوء .
وفي ( علم الخلية ) مع مطلع 1998 م أعلن الثنائي ( جيري شاي ) و ( وودرنج رايت ) من تكساس ، عن استنساخ انزيم ( التيلوميراز ) وحقنه في الخلايا ؛ فأعطاها فسحة جديدة من العمر ؛ فتابعت انقسامها بهمة لاتعرف الكلال ، في مؤشر الى إمكانية مط أعمار الناس قروناً كثيرا ، مذكراً بقصة أصحاب الكهف (22)
هل نموت لإننا نهتريء أم نهتريء لأننا نموت ؟؟ بكلمة أخرى هل نموت لإننا نستهلك بدننا ؟ أم نموت لإن ليس هناك مايستهلك فقد اهتريء كل شيء بعد حين ؟!
منذ مطلع الستينات تنافست مدرستان في تفسير ظاهرة الموت بيولوجياً الأولى من جامعة فيسكونسين ( WISCONSIN ) في ماديسون ( MADISON ) والثانية من جامعة تكساس المركز الطبي في الجنوب الغربي في دالاس ( UNIVERSITY OF TEXAS SOUTHWESTERN MEDICAL CENTER IN DALLAS ) . مشت المدرسة الأولى بثلاث مراحل من التطور :
1 ـ ( الأول ) تجمعت قرائن قوية يذكرها الخبير بعلم الشيخوخة ( ميشيل جازفنسكي MICHAL JAZWINSKI) أن العضوية تتعرض الى نوع من الانتحار الداخلي البطيء ؛ فكما يحصل في المفاعلات النووية يحصل مع المفاعلات الخلوية ، والمشكلة في الجسم أنه لايعثر على حكومات ترضى أن تدفن في أرضها النفايات النووية ، فيقوم الجسم بدفن نفاياته الخلوية بطريقته الخاصة بإفراز مواد معدلة لهذه السموم القاتلة ، وعرف أن هذه النفايات محصلات طبيعية ( من مخلفات مواد الأكسدة ) من مصانع الطاقة في الخلية ( الميتوكوندريا ) وظهرت هنا مشكلتان : تخص المواد القاتلة الداخلية ، والثانية كمية تعديلها ؛ فلايملك البدن الكفاية من تعديلها الا بشكل جزئي ، ولكنها أوحت بفكرة ثورية من جانبين كل منهما خطوة في فهم الموت الزاحف نحونا .
2 ـ ( ثانياً ) يمارس الجسم انتحاراً داخلياً بالغرق بمخلفاته و ( زبالته ) ويعالجه بطريقتين : تحديد كمية المواد الداخلة للجسم ، فتخفف كمية المواد السامة الخارجة من الأكسدة ، ويطلق عليها العلماء تعبيراً عجيباً ( دورة تجويع ) ولايمكن أن يقارنها سوى (نظام الصيام الاسلامي ) . والثانية بزيادة المواد اللاجمة للسموم .
قام العالم ريشارد فاين درخ ( RICHARD WEINDRUCH ) بثلاث تجارب مثيرة كانت الثالثة منها عليه بالذات . كانت الأوليتان على فئران الحقل ؛ فقد لاحظ أن الحيوان يميل الى الموت أسرع كلما تغذى أكثر ، وبمقارنة الحيوانات وكم تستهلك من الطاقة استطاع رصد قانون ملفت للنظر ، فعمر الحيوان يحدد بمقدار مايستهلك من الكالوري نسبة الى وزنه ؛ فجرذ الحقل الذي يستهلك 250 كالوري لكل غرام من جسمه في اليوم يعيش 18 شهراً فقط ، في حين أن الخنزير الذي يستهلك 12 كالوري يعيش 25 سنة .
كما لوحظ قانون آخر في علاقة دقات القلب مع فسحة الحياة ؛ فكل حيوان عنده أربع مليارات من دقات القلب يستهلكها كيفما أراد ، فالفأر والأرنب مشغولان بنهم في القرض والالتهام طول النهار تضرب قلوبهم حوالي 500 ضربة في الدقيقة فينفقون بسرعة أكثر ، في حين تعيش الفيلة والسلاحف أكثر من مائة سنة بسبب ضربات القلب البطيئة ، وعرف في هذا الصدد أن قلوب الرياضيين تضرب ببطء أكثر ، وأن الله قد منح للبشر فترة حياة مضاعفة ، فقلوبنا نحن البشر تضرب حوالي ثمانية مليارات ضربة في متوسط الحياة .
قام العالم ( ريشارد فاين درخ ) بتجربة مثيرة على الفئران فجوعها بتطبيق ( نظام الصوم ) عليها ليرى مدى تأثيره ؟؟ وكانت المفاجأة صاعقة لأن الفئران عاشت أطول عمراً وأطيب صحة ، وكسبت 50 % زيادة في العمر ، مما دفع العالم الى تطبيق هذا النظام على نفسه : إذا عمرت الفئران أطول وأفضل بالصيام ؛ فهو من بابٍ أولى بتطبيقه على البشر منذ ذلك الوقت خفَّض العالم كمية غذائه باعتماد 1500 كالوري في نهاره ، فيكسب كما كسبت الفئران زيادة 50 % في فسحة العمر ؟!
يقول العالم ( فاين درخ ) وهو هنا يتفق مع مدرسة البرمجة الجينية ، إذا كانت الانقسامات الخلوية تمنحنا حوالي 120 سنة من فسحة العمر ، فإنه باعتماد نظام التجويع المستمر ( الصوم ) يمكن أن يعيش الانسان لفترة 180 سنة ؟! .
3 ـ ( ثالثاً ) يمكن تطويق ظاهرة الموت من طرف آخر ، ومد فسحة العمر عن طريق لجم السموم ، وهذا مافعله العالم ( راجيندار سوهال RAJINDAR SOHAL ) وزميله ( ميشال روز MICHAL ROSE ) برفع مستوى المواد المضادة للسموم المنبعثة من تفاعلات الخلايا بزيادة مواد ( مضاد الأكسدة ANTIOXIDANTIEN ) وكانت التجربة على ذباب الفاكهة ، من خلال إقحام هذه المواد في نواة الخلية ، وكانت المفاجأة قوية ، عندما تم ملاحظة قوة الذباب المحقون بهذا الاكسير ، نسبةً للفريق الآخر غير المعالج بهذه الطريقة ؛ فطال عمره ، واشتد عوده ، وعظمت مقاومته للأمراض والسموم والجوع والغازات القاتلة وصدمات الحرارة .
كان ابن خلدون يقول : إن الناس في المجاعات لايموتون من الجوع الجديد ، بل من اعتياد الأمعاء القديم على فرط الرطوبات ، ولذيذ المطاعم والمشارب ، والتأنق في افتراس الطعام بدون توقف .
أما مدرسة البرمجة الجينية فقد تأسست من خلال تطور رباعي المفاصل :
1 ـ ( الأول ) في مطلع الستينات عندما استطاع ( ليونارد هاي فليك LEONARD HAYFLICK ) أن يشق الطريق الى مفاجأة غير متوقعة وغير سارة عن جدولة عمر الانسان ؛ فرأى أن قدره محتوم من خلال انقسامٍ محددٍ للخلايا ؛ وهذا القدر من الانقسام قد رُسم وحُتِّم في جينات الخلايا ؛ يستهلك الجسم نفسه بموجبه مع كل انقسام ، من خلال ساعة بيولوجية تدق مربوطة الى منبه إنذار الموت ، فكما يربط منبه الساعة الى حين ؛ فإذا دخل الوقت استيقظنا على رنينه المزعج ، فهو هنا منبه الموت يدعونا لضجعة القبر .
2 ـ ( الثاني ) عكف فريق ثنائي ( جيري شاي JERRY SHAY & وودرنغ رايت WOODRING WRIGHT) لمعرفة ماذا يحدث بالضبط و( كيمياوياً ) مع الانقسام الذي يرسم قدر الموت ؟ فوجدوا أنه معلق بنهاية الكرموسومات ؛ فمع كل انقسام تتقشر نهاية الكروموسومات فتهلك ، ومع هلاكها يقضى علينا بالموت . هذه النهاية مكونة من مادة بروتينية تم معرفة تركيبها على وجه الدقة ، وأخذت اسم التيلومير ( TELOMERE ) ومع كل تقشر لهذه النهاية تتعرى نهاية الكروموسوم ، ويضيع قسم من الأحماض النووية قُدِّر بخمسين يزيد وينقص ( مايشبه نهايات شواطات الأحذية )
3 ـ ( ثالثاً ) انفتحت شهية البحث أمام سيدتين أمريكيتين هما ( كارول جرايدر & اليزابيث بلاك بورن CAROL GREIDER & ILEZABETH BLACKBURN ) تشتغلان في علم الخلية لمعرفة تركيب ( الانزيم المضاد ) وهل يعرقل عملية التآكل ؟؟ واستطاعتا عام 1985 أن تضعا أيديهما على تركيبه الكيمياوي التفصيلي وأعطي اسم ( التيلوميراز TELOMERASE ) وكان اختراقاً علمياً مذهلاً ، أثبت قدرة المرأة وصبرها على تحقيق اختراقات معرفية يعجز عنه الرجال .
4 ـ ( رابعاً ) قام الثنائي العلمي ( رايت & شاي ) بتسخير ( علم الاستنساخ CLONING ) للتلاعب بالخلية باستنبات الانزيم الحيوي أولاً ، ثم إقحامه الى داخل نواة الخلية لمعرفة هل يكون مفتاحاً لقفل ( التيلومير ) ؟؟ فطالما كانت الخلية تموت بالتعري والتآكل في نهاية الكروموسومات ، من خلال تقشر مادة ( التيلومير ) فيمكن المحافظة عليها بأكسير الحياة الجديد ( التيلوميراز ) الذي أكتشفته ( جرايدر وبلاك بورن ) ؟؟
الجنين سرطان رهيب مضبوط ، والسرطان تمرد على قوانين التآكل والموت ، في عشق للعودة الى حياة الطفولة بلاموت . كل هذه كشفته الدراسات الخلوية الحديثة ، بمادة ( التيلوميراز ) المحشوة في دم الجنين ( وخلايا السرطان ) فكلاهما يستحمان في ترياق الحياة الزكي ، فعند دراسة خلايا الأجنة وجد أنها تتكاثر على نغم هذه المادة السحرية التي تعمر الخلايا بزخم الحياة ، وعند تأمل الأنسجة السرطانية فوجيء الباحثون بتدفق هذه المادة في مفاصل الخلايا السرطانية المتمردة ، في جدلية فظيعة أمام مادة فيها الكثير من الأسرار والتحدي . هنا بدأ العلماء يحومون حول هذه المادة الخطيرة يخطبون ودها لمعرفة كيفية تسخيرها . في صيف عام 1997 م تمت تجارب حقن نواة الخلية بهذه المادة السحرية ، وتمت مراقبة الخلايا وتكاثرها إلى أين تمضي رحلة التكاثر ؟ هل ستقف عند قدرها المحتوم من خلال التآكل ؟ أم أن الانزيم الجديد سيحافظ على نهاية الكروموسومات فتستمر في رحلة الانقسام بنشوة ؛ فلاتطالها يد الموت ؟! وكانت المفاجأة صاعقة !! فقد حمى الانزيم الجديد نهاية الكروموسومات ، وتابعت حياتها فانقسمت أكثر من الرحلة المعتادة ، فتجاوزت الخمسين انقساماً ، ثم تابع الانقسام طريقه فزاد عن الثمانين ، ثم تجاوز المائة ، والدكتور ( جيري شاي ) لايصدق عيناه ؛ فيأخذ خلاياه المدللة ويتابع مراقبتها تحت المجهر ؛ فلا يلاحظ ملامح الاهتراء والشيخوخة ، الضعف أو الموت أو التوقف ؟!!
ومع الاعلان عن الكشف الجديد لانزيم التيلوميراز مالت الكفة باتجاه ( القدر الجيني ) فتبرع ( بارون البترول ) المليونير في تكساس ( ميللر كوارلس MILLER QUARLES ) بمبلغ مائة ألف دولار تشجيعاً لاستحضار ترياق الحياة ؛ فهو بلغ الثلاث وثمانين عاماً ويرى الحياة جديرة بأن يتمتع بها المرء ، ويضع الأغنياء الأمريكيون اليوم ( الفراعنة الجدد ) أجسادهم في سائل النشادر ( 160 تحت الصفر ) عند الموت على أمل وصول الطب في المستقبل الى إعادتهم الى الحياة بشكل أكثر حيوية وشباباً ؟! وبدأت الشركات تشمر عن ساعد الجد في تطبيق أنزيم الحياة الجديد على العديد من الأمراض من العته ونقص المناعة ، الضعف الجنسي وتساقط الشعر ، الصدفية والصلع ، وسجلت أسهم شركة ( أبحاث الشيخوخة ) ( جيرون GERON CORPORATION ) في سوق البورصة ارتفاعاً بمقدار 44 % ، واعتبرت شركات التأمين للشيخوخة والتقاعد أن مايحدث بمثابة الزلزال للنظام التقاعدي لزبائنهم المرشحين أن يعيشوا قروناً . اعتبر الطبيب ( ميشيل فوسل MICHAEL FOSSEL ) من جامعة ولاية ميشيجان ( MICHIGAN STATE UNIVERSITY ) أننا أمام التحول الأعظم في تاريخ البشرية لايقارنه الا الثورة الزراعية ( CULTURE REVOLUTION ) فإذا كانت الثورة الزراعية قد حررت الانسان لأول مرة في تاريخه الانثروبولوجي من الخوف من الموت جوعاً ، فإن الثورة الحالية تراهن على مد عمره بالتلاعب بالساعة الداخلية لأجله المحدد . تم هذا باستخدام قانوناً ضد قانون ، فبواسطة القانون أمكن للحديد أن يخترق قانون الجاذبية فيطير في الهواء ، وكما أمكن رفع متوسط عمر الانسان الحالي ، مد العلم يده للتداخل على أجل الفرد من خلال سنة الله في خلقه ، فبعد أن كان معظم الناس لايعمرون أكثر من ثلاثين الى أربعين سنة ؛ يعتبر من يموت في الستينات اليوم شاباً صغيراً . مات الرسول ( ص ) بعمر الثلاث وستين سنة بحمى قد تكون تيفية ، وقضى الإمام الشافعي نحبه في الخمسين بالبواسير ، وهلك فيلسوف التنوير ( سبينوزا ) الهولندي دون الأربعين بالسل ، ومات صلاح الدين الأيوبي وعمره 52 سنة بالتهاب الطرق الصفراوية ، وكان يمكن معالجة الحالة الأولى بالصادات الحيوية ، والثانية بعملية بسيطة ، والثالثة بعقار الستربتومايسين والنيازيد ، والرابعة بالمغذيات والعلاجات المناسبة بما فيها جراحة المناظير الحالية ، وليس كما فعل ( مجلس الحكماء ) بمعالجة صلاح الدين الأيوبي حينما قضوا عليه بالفصادة ؛ فأصيب بالتجفف ( DEHYDRATION ) والصدمة الكلوية ؟!
يرى الطب الأمريكي الحديث أننا في أول الطريق لوضع يدنا على أسرار مذهلة في قهر السرطان ليس الانزيم الحيوي ( تيلوميراز ) آخرها وتحقيق حلم الانسان في معالجة الكثير من المشاكل المستعصية ، فنحن نلج أوقيانوس المجهول الانساني ببطء وحذر وجهل ، ولعل الأحجية الكبرى هي معرفة الانسان ، كما وصف ذلك قديماً الكاتب والجراح ( الكسيس كاريل ) في كتابه ( الانسان ذلك المجهول MAN THE UNKNOWN ) أن الانسان حقيقة مجهولة تمشي وسط موكب من الأشباح . نحن فهمنا أشياء كثيرة مما يحيط بنا ولكننا لانملك ( دليل معلومات MANUAL INSTRUCTION ) عن أنفسنا كما يرى ذلك عالم النفس الأمريكي ( براين تريسي ) في أبحاثه عن أسس علم نفس النجاح ، عن كيفية تشغيل هذه الآلة المعقدة المسماة بالانسان ، وهي كلمة غير دقيقة غير سليمة ولاتؤدي الغرض ؛ فالانسان يجمع داخله مختصر مضغوط لبرمجة الكون كله ، فإذا كانت الكروموسومات تحوي ثلاثة مليارات من الأحماض النووية وتعتبر التجلي الأعظم في الخلق البيولوجي ، فإن الجانب الروحي النفسي مازال دغلاً لم نقطع بين أشجاره الملتفة سوى خطوات قليلة .
هذا التصور المذهل جعل عالم النفس السلوكي ( سكينر SKINNER ) يُعِّقب في كتابه المترجم الى اللغة العربية تحت عنوان ( تكنولوجيا السلوك الانساني BEYOND DIGNITY AND FREEDOM ) أن سقراط لو بعث في أيامنا الحالية لدهش من أمرين : اكتشاف نفسه طفلاً صغيراً لايفقه شيئاً من الأبحاث الحالية . سوف يصعق من المعلومات الجديدة عن الفيزياء النووية بتركيب مضاد المادة ، ورحلة المركبة ( باثفايندر ) الى المريخ ، وكشف التركيب الجيني في نواة الخلية ، في جدلية فهم العالم الأصغر والأكبر بالتسلكوب والميكروسكوب ( MACRO & MICRO ) عند حواف الكون ، ولكن المفاجأة الثانية لن تكون بحال أقل من الأولى ؛ أن العالم لم يتغير كثيراً في الحوارات الفلسفية والعلوم الأخلاقية الانسانية ؛ فسيقتحم غمارها خوض المغامر الجسور ؛ فليس هناك من تطور نوعي في المناقشات فمازال السياسيون يتناقشون ويتعاركون كرجال الأدغال ؟!
يعقب عالم النفس (سكينر ) على كارثة انسانية من هذا الحجم : لماذا لم تتطور العلوم الانسانية بشكل نوعي انقلابي كما حصل مع التكنولوجيا ؟ هل لأن هذه العلوم لاتملك بذرة التطور في رحمها ؟ فيمكن للانسان أن ينمو تكنولوجياً ولكن لايتطور أخلاقياً ؟ هل تحتاج الى تطوير أدوات معرفية نوعية ، تسبر غور فضاء معرفي معقد من نوع جديد ؟؟ وهل هناك ما أوقف تطوير الأدوات المعرفية هذه ؟؟
ويخلص من هذا الى القول بوجوب وضع تكنولوجيا انسانية تستطيع ضبط التعليم والصناعة ، والانفجار السكاني ، والسلام العالمي ، كما نضبط مسير سفينة فضائية ، أو نقترب من الصفر المطلق في الرياضيات ؟!
ويتم الآن حفظ أرشيف الحياة في أمريكا لكل خلية ونسيج في مشروع ( البنك الخلوي ATCC = AMERICAN TYPE CULTURE COLLECTION ) في سائل النشادر 160 درجة تحت الصفر تجمد الحياة الى عشرة آلاف سنة فيما يشبه الرحلة الأبدية بحيث يمكن استدعاء الخلية مرة ثانية من الكهف النتروجيني ودفعها للحياة والتكاثر في بعث قبل يوم القيامة كما استيقظ أصحاب الكهف من سباتهم المديد .
كما يتم حفظ ملف الجنس البشري كله وماأنجز من المعرفة على صورة ميكروفيلم يدس في سرداب في الجبال قريباً من مدينة ايرفورت في ألمانيا ليوم عظيم ، ويتم البحث الآن ببعثة علمية عن حضارة ( الاتلانتيس ) المفقودة بسونار خرافي يجس فيه سطح الأرض مثل بطن المريض لكشف حصيات المرارة .
وفي ( أبحاث الأعصاب ) في السويد من جامعة ( لوند ) أعلن طبيب الأعصاب ( وايدنر ) عن بداية رحلة زرع الدماغ (23) بتقنية الاستفادة من بقايا ( الأجنة الساقطة ) في عزل خلاياها العصبية ، وإعادة زرعها بنجاح في أدمغة المصابين بداء ( باركنسون الرقصي ) لتحل مكان الخلايا التالفة ، في كسر مريع لعقيدة ثبات الخلايا العصبية . ويتم تطوير العلوم العصبية اليوم لكشف أسرار الدماغ ، وكيف يعمل هذا الجهاز ؟ الذي تشع منه شخصيتنا بطريقة مجهولة ، وفي ظلماته تحوِّم نفوسنا ، ويعمل بطريقة كهربية كيمياوية فتنتقل السيالة العصبية بشرارة لتحط عند خلية فتفرز مالايقل عن أربعين مادة كيمياوية في أربعين حرف للغة جديدة يتعامل معها الدماغ البشري في شبكة عصبية تترابط فيها مائة مليار خلية عصبية تقفز باحتمالات انفتاح الأقنية العصبية الى مافوق الجوجول ( عشر مرفوعة الى مافوق المائة ) .
كان الانسان قبل عشرة آلاف سنة يطارد الوحوش وهي تطارده فماذا ينتظره بعد عشرة آلاف سنة ؟
وفي ( أبحاث الجينات ) بدأت جراحة الجينات على يد ( خورانا ) بعد أن اكتشف ( آربرت فيرنر ) السويسري انزيمات ( مقصات ) الحامض النووي في الخلية ؛ فأمكن تسخير أقذر الباكتريا التي تنشر رائحة البراز الانساني ليكتشف أنها أفضل مصنع لانتاج الانسولين البشري ، ويحلم الاطباء في تسخير هذا الفن بعد كشف كامل الخارطة الوراثية في التخلص من 800 مرض وراثي في جراحات خلوية على الخلية الملقحة الأولى قبل أن تتابع دورة انقسامها وتخصص خلاياها لتتضاعف الى مائة مليون مليون خلية في 210 نوعاً من الأنسجة .
ومن لوس آلاموس تم الانطلاق بمشروع الماموت الجديد ( الجينوم البشري ) العالمي لفك الشيفرة الوراثية عند الانسان حتى سنة 2005 م ، ويمشي مشروع ( هوجو HGP ) الآن بتعاون عالمي لفك مغاليق أسرار الشيفرة الوراثية للخلق ، بمعرفة ثلاثة مليارات حمض نووي في كروموسومات النواة لها طلع نضيد بمايزيد عن مائة ألف ثمرة من سطور الخلق لتشكيل كامل الخارطة البيولوجية لعالمنا البهيج ، وأعلن ( كريج فينتر ) عن فتح (الطريق السريع ) لكشف الكود الانساني بثلاث سنوات ، مسخراً ثلاثمائة كمبيوتر ، تعمل أطراف النهار وآناء الليل ، بكمبيوترات لاتعرف الاستراحة وشرب القهوة ، تقدح بيديها أشعة الليزر ، فوق أسرار نواة الخلية ، وتقوم ( جراحة الجينات ) بأخطر لعبة على الانسان منذ أن بدأت الخليقة رحلتها (24)
مر الكون بثلاث انفجارات كوسمولوجية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86) وبيولوجية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7) وثقافية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA) ويعصف به اليوم انفجار علمي يمشي على وتيرة تسارع يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار . العاصفة تكنس الطبيعة وتعيد ترتيب العلاقات ، والثورة تكنس الأوضاع وتعيد تنظيم علاقات القوة وتوزيع الثروة ، والعلم يقلب التصورات في قفزات كمية ؛ ليحدث في النهاية ثورات علمية نوعية . نحن اليوم نمشي فوق زلزال علمي يقذف حممه دون توقف .
خلال فترة قصيرة تم اختراق عشرات الحقول المعرفية في قطاف شهي لفاكهة جديدة وأبَّا ؛ فتم الاعلان عن معلومات مثيرة في ( الفيزياء الذرية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%A1_% D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%B1%D9%8A%D8%A9) ) و( الكوسمولوجيا ) و( الاركيولوجيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%88%D9%84%D 9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9) ) و( البيولوجيا ) و( الانثروبولوجيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%86%D8%B7%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%88%D9%84%D 9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7) ) و ( الطب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8) ) و ( البالينتولوجيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%AA%D 9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7) ) و ( الكيمياء ) و ( علم الخلية ) و( أبحاث الأعصاب ) و( أبحاث الجينات ) و ( التاريخ ) و( حفريات الجينات ) و ( أبحاث الفضاء ) و ( تكنولوجيا سيارة المستقبل ) و ( آخر تطورات السلاح النووي ) و ( تطور الأبحاث الروحية ) . في ( الفيزياء الذرية ) استطاع الذكاء الانساني الامساك بالظلال في تركيب ( مضاد المادة ANTIMATERIAL ) في أمكانية توليد للطاقة لم يحلم بها سليمان في كل مجده مع تسخير الجن وهم يوزعون .
إذا كان الانسان يرى وجهه في المرآة ، وظله على الأرض ؛ فإن المادة لها هذا الشبيه ، في جدلية عجيبة ومن كلِ شيء خلقنا زوجين . مضاد المادة ليس روحاً ولاظلاً لايمكن الإمساك به ، ولافراغاً معنوياً ميتافيزيقياً ، بل هي مادة مثل المادة ، في الأرض من شجر وحجر ومدر ، ولكن بشكل متناظر ، يرجع فيه التناظر الى البناء المقلوب للذرة ، وكانت معادلة الالكترون التي رسمها ( بول ديراك ) هي مفتاح الوصول الى مضاد المادة . هناك عالمان متناظران ، ولكن حُرِّم عليهما التلامس أو الاندماج وجعلنا بينهما برزخاً وحجرا محجورا . المسموح فيه فقط الحب العذري ؟! في عام 1932 م استطاع شاب أمريكي فيزيائي طموح هو ( كارل ديفيد اندرسون CARL DAVID ANDERSON ) في معهد كاليفورنيا التكنولوجي في باسادينا ( CALIFORNIA INSTITUTE OF TECHNOLOGY IN PASADENA ) وبتقنية خاصة من اصطياد ظل الالكترون المستخفي بالليل السارب بالنهار . تلقى بعدها ديراك الاعتراف العالمي للتجلي العبقري ، وفوقها إكرام جائزة نوبل للفيزياء ، كما نال صائد الظل المقلوب جائزة نوبل مثله جزاءً وفاقاً ، وتم مسح الالكترون الظل القرين باسم ( البوزيترون POSITRON ) . قال ديراك في حفلة تسلمه جائزة نوبل في السويد : من يدري لعل هناك عوالم كاملة هي نظيرنا حذو القذة للقذة ، في صورة كوبي مختلفة ، على شكل مقلوب جداً ، فلم تبق المسألة عند الالكترون الظل . كان ديراك يعني بكلماته القليلة أن الأمر لن يتوقف عند الالكترون الحائر بين السالب والموجب ، بل وجود كيان كامل للذرة على صورة معكوسة الشحنة . إذا كانت نبوءة ديراك عن شخصية الالكترون السلبي ( البوزيترون ) العجيبة المختبئة في تضاعيف الوجود احتاجت الى أربع سنوات لتحقيقها ، فإن شخصية البروتون ( سلبية الشحنة ) استغرق 23 سنة حتى أمكن الاهتداء عليه وأعلن عنه رسمياً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي عام 1955 م . وهكذا بدأت ملامح صورة العالم الخفي ( مضاد المادة ) تتكامل وتسعى الى الظهور تدريجياً . كان التحدي في خروج مضاد البروتون ، في سخونة مرعبة وسرعة كلمح البصر أو هو أقرب ، فيحتاج الى كوابح تقنصه وتحافظ عليه ، فتم اختراع جهاز حصار له أخذ اسم )( لير LEAR LOW ENERGY ANTIPROTON RING ) أي حلقة مضاد البروتون منخفض الطاقة (1)
تم تركيب مايشبه ( مصائد الفيران ) لالتقاط البروتون السلبي ، وزجه في زواج مع البوزيترون ، يعتمد الترغيب في هذا الاقتران ، لتوليد الذرية الجديدة . ولكن عشرات السنوات انقضت ، ومئات المحاولات بذلت ، بدون نجاح يذكر ، في الاحتفال بهذا الزواج الميمون . كانت الجزيئات تظهر تمنعاً عجيباً وزهداً غير مفسر في هذا الزواج وإعلان صارم للرهبنة والعزوبية . وفي الوقت الذي آثر الفيزيائيون طريق الشقاء الطويل وكيلومترات الأوراق من الحسابات المملة لأجهزة تصم الآذان بطنينها المتجدد ، كان الأطباء أكثر حظاً ، في الاستفادة من التقنيات الجديدة ؛ فهرعوا الى ( البوزيترون ) يستفيدون من أسراره ، فأمكن تطويعه في تقنيات متقدمة ، للكشف عن وظائف الدماغ وأورام المخ والجملة العصبية عموماً ، فمع حقن السكر الذي يحمل ذرة الكربون المشعة ، يتعرض ( نظير المادة ) الى التحلل وإطلاق ( البوزيترون ) الالكترون الموجب ، الذي يفاجيء بغريمه وظله المقابل الذي يتربص به الدوائر ، فيهرعان للنزال والطعان ، بثمن مخيف من اندثار الاثنين في الصدام الموحش ، ومن تألق هذا الاصطدام يمكن تحديد أمكنة الأورام والاضطرابات المرضية . أظهرت الفيزياء النووية حقيقة مروعة عن التقاء المادة ومضادها ، في تجلي فلسفي عصي . إذا اجتمعت المادة وضدها أو جزيئاتها ، حصل ارتطام مروع قضى على الاثنين وأفنى الطرفين باندثار مرعب ومحرقة مهولة ، مع انطلاق طاقة خيالية من أشعة جاما في صورة فوتونات طاقة . إن ما عرف عن قوة الانفجار بين المادة وضدها شيء مهول يفوق كل خيال ، وهو لحسن الحظ غير متوفر ، وبين العالمين المادة ومضادها برزخ لايبغيان . إن الحريق الأعظم الذي حصل في غابات سيبريا في منطقة ( التايجا TAIJA ) عام 1908 م مع مطلع القرن أهلك آلاف الكيلومترات المربعة من الغابات الكثيفة ، في أفظع حريق عرفته الكرة الأرضية ، لم يعثر على تعليل له حتى اليوم ، فلم تظهر الأرض بقايا ارتطام نيزك أو مذنب صدم الأرض ، فليس هناك أي حفرة تشهد على هذا الارتطام . وتذهب بعض التحليلات اليوم الى أن خلف هذا الحريق تماس الأرض من سحب من نوع مضاد المادة لمست المنطقة فأدت الى هذا الحريق المروع . إن القرآن يروي لنا مظاهر تفجر البحار وانشقاق السماء وتفتت الجبال ، في تصوير خلاب لايقترب منه الا ارتطام المادة بمضادها ، كصورة من احتمالات نهاية العالم ، في عملية فناء لاتبقي ولاتذر ؛ فلمسة رأس سكين لنظيره من مضاد المادة يفجر حريقاً من حجم مائة قنبلة هيدرجينية ، تمسح مدناً عامرة بملايين السكان . يروي لنا صاحب كتاب ( سجناء العالم الذري ) أن الروس عندما اجتاحوا بعض معسكرات الاعتقال بعد اجتياح الرايخ الثالث وسقوط ألمانيا عام 1945 م ، عثروا على عالم فيزيائي مهووس بالرياضيات كان يحسب كمية الطاقة ، التي تكفي لنقل الكرة الأرضية من مدارها عبرالملكوت ، حين نفاد طاقة الشمس ، لنقلها لمدار شمس صالحة لمد الأرض بالطاقة والدفء والنور . المشكلة كانت في العثور على طاقة كافية لرحلة من هذا الحجم ؟! نعرف اليوم أن أجزاء من الغرام ( 0,147 ) غ من مضاد البروتون يكفي لحمل مركبة فضائية الى المريخ بدون توقف . وبضعة كيلوغرامات من هذه المادة السحرية تكفي لمد الطاقة على ظهر الأرض عبر القرون ؟! حاول العسكريون وضع يدهم على هذا السلاح المثير الفريد ، ولكن تبين أن إنتاج بضع ملغرامات من هذه المادة السحرية يحتاج الى كل مخابر العالم المتقدمة من مستوى ( فيرمي لاب FERMILAB في واشنطن وسيرن CERN في أوربا ) تعمل ليل نهار ولمدة 150 مليون سنة ؟! هذا على الأقل حسب المستوى العلمي السائد حالياً ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون . عندما تشكلت وحدات الكون الأولى كانت من نوعي المادة ومضادها ، ولكن التقاؤهما كان يعني الفناء المتبادل ، ويبدو أن جزءً ضئيلاً من المادة قد كتب لها النجاة من هذه المحرقة الكبرى فشكلت كوننا الحالي الذي ننتسب إليه ، ويميل البعض كما هو في نظرية العالم السويدي ( هانيس الفين HANNES ALFVEN ) الفائز بجائزة نوبل الى نظرية ( صينية المقلاة ) حيث يرى أن إلقاء قطرة ماء على سطح الصينية لايجعل القطرة تتبخر فوراً بل تتعرض للاهتزاز والتراقص بسبب تشكل سطح حامي لها عن السطح الساخن قبل تأثرها بالحرارة وتبخرها النهائي . هذا الحاجز هو الذي يقي عالمنا عن عالم مضاد المادة . هذا على الأقل مايطرحه العلم ولكن المفاجآت أكبر من الخيال . ويرى بعض الفيزيائيين أن كوننا المتمدد ليس كل الكون ، فكما يلعب الطفل بنفث فقاعات الصابون ، فتخرج بالونات وفقاعات مختلفة سابحة في الأفق تتصاعد الى السماء قبل أن تنفجر ، هناك عوالم أخرى لايعلمها الا هو ، ومنها عالم مضاد المادة ، وهي النظرية التي ترى أن الكون متعدد ( POLYVERSUM ) وليس وحيد ( UNIVERSUM ) .
هل هناك مجموعة شمسية نظيرة مثلنا وأرض تشابه كرتنا وبشر يقابلوننا في الأشكال في تلك العوالم المخفية مثل عالم الجن الواعي المغيب عنا ؟ البعد الفلسفي في رؤية الكون من هذا النوع ، أن الوجود أعقد مما نتصور ، وأبعد عن إحاطتنا العقلية ، وأدعى لتحدي لفهمه . مهما يكن من أمر فإن عالماً جريئاً هو ( فالتر اوليرت WALTER OELERT ) في معهد سيرن للفيزياء النووية في جنيف ، أسعفه الحظ عام 1996 م ، والتقنيات المتفوقة ، والطموح الجريء ، والصبر والعناد في البحث ، وتخصيص الأموال اللازمة ، أن يصل الى تركيب أول ذرة هيدرجين من عالم مضاد المادة لم يرها مباشرة ، وإنما مرت كالشبح الهارب ؛ فأمكن ضبط آثارها ، التي لم تزد عن عشرين جزءاً من المليار من الثانية الواحدة
وفي ( الكوسمولوجيا ) نعرف اليوم أن الكون ولد قبل 15 مليار سنة ضوئية من انفجار لايمكن تصوره وتذهب نظرية ( الانفجار العظيم BIG BANG THEORY ) أن الكون بدأ من لحظة ( رياضية ) متفردة ( SINGULARITY )(2) حيث تنهار كل قوانين الفيزياء ، فينعدم الزمان ويختفي المكان ، وتقف القوانين عن العمل ، وليبقى أي أثر للمادة أو الطاقة . كل الكون كان مضغوطاً في حيز أقل من بروتون واحد ، ثم انفجر في أقل من سكستليون من الثانية ( عشرة مرفوعة الى قوة 36 ) على شكل طاقة مهولة ثم برد فشكَّل كل المجرات ؛ فبدأ المكان في التشكل ، والزمان في الحركة ، والقوانين في العمل ، والمادة في الظهور ، والطاقة في التألق ، وقبل 530 مليون سنة تدفقت عديدات الخلايا تدب على المعمورة ، وقبل 200 ألف سنة بدأ الانسان الحديث الزحف من شرق أفريقيا ليسكن كل المعمورة ، في رحلة انتهت قبل 12 ألف سنة بعبور مضيق بهرنج الى آلاسكا فالأمريكيتين ، ومع مطلع 1999 م أعلن فريق من الفلكيين يضم 60 شخصاً من استراليا برئاسة النيوزيلندي ( فيليب يوك PHILIP YOCK )(3) عن كشف أرض توأم في مجرتنا تبعد عنا عشرة آلاف سنة ضوئية باستخدام تقنية متقدمة تعتمد انحراف الضوء وتجمعه فيما يشبه محرق العدسة عند مروره بجانب كوكب قبل وصول الضوء الى الأرض . ميزة هذا الكشف أنه حرك الخيال لإمكان وجود حياة فيه فهو الأول الذي يشبه أرضنا بعد أن كشف حتى الآن عن 17 كوكب كبير قريبة من شموسها لاتصلح للحياة . ورست مركبة ( الباثفايندر ) على سطح المريخ صيف 1997 م (4)بعد العثور على بصمات الحياة فوق حجر منه طاح في أجواز الفضاء ورسى قبل 13 ألف سنة على القطب الجنوبي(5) ؛ ليندلق من احشاءها عربة ( السوجرنير ) الأنيقة ، مزودة على ظهرها كسلحفاة ، بمائتي حجرة ضوئية للطاقة ، تعاين سطح المريخ بعيون ثلاثية الأبعاد ، تنحني بأنفها ، تشم سطح المريخ العابق بأكاسيد الحديد الحمراء تقول : لا المس مس أرنب ولا الريح ريح زرنب ؟! وفي 23 يناير من عام 1999 م (6) تم رصد توهج نجمي على شكل أشعة جاما من عمق المحيط الكوني للحظات ، أمكن تسجيله باثنين من أقمار الأبحاث وكامير آلية على جبال نيومكسيكو ، قدرت طاقته بما تبثه كل النجوم والمجرات مجتمعة ، وبتحليل مصدر التوهج الذي أخذ الاسم العلمي ( GRB990123 ) قدرت الطاقة التي تولدت بانفجار 2000 سوبرنوفا ؟؟ ولو حدث هذا على بعد آلاف من السنوات الضوئية في مجرتنا لأزال كل صور الحياة ، وعرف أنه صدر من عمق تسعة مليارات سنة ضوئية ، وأنه لايفوقه في طاقته الا الانفجار العظيم نفسه الذي حدث قبل 15 مليار سنة ، وأن مقدار الطاقة التي بثها تعادل كل مابثته الشمس في مدى خمسة مليارات من السنين منذ أن خلقها الله ، ولم يمكن تفسيرها الا بنجوم نترونية احترقت واستهلكت نفسها أطبق فيها الالكترون على البروتون ماسحاً كل الفراغ الذري يصل فيه قطر النجم بضعة كيلومترات تبلغ فيه ملعقة الشاي الصغيرة فيه وزن الجبل العظيم ، اقترب فيها نجمان نترونيان يدوران حول بعضهما يرقصان ثم يقع أحدهما في حضن الآخر ليتولد ثقب أسود مهول الكثافة يبث أشعة ليزر في اتجاهين فقط يعبر ثلاثة أرباع الوجود الكوني ليلتقي صدفة في طريقه بالأرض . يعلق الفلكي الأمريكي ( ستيفان ثورسيت STEPHAN THORSET) أن هذه الظاهرة ليست جديدة في عمر الأرض فالأحافير تروي لنا قصصاً شبيهة قبل 439 مليون سنة عندما تسلطت على الأرض فتفسخ غلاف الاوزون مزعاً وغرقت الأرض بطوفان من الأشعة فوق البنفسجية أهلك الزرع والضرع لـ 95% من كل الحياة النباتية والحيوانية .
ونظر في النجوم الفلكي المخضرم ( الان ساندج ALAN SANDAGE )(7) بعد طول بحث في ظلمات المجرات أخذت نصف قرن فقال اني سقيم بسيطرة أفكار العدمية عليه ؛ فلما جنَّ عليه الليل بزغ الايمان في صدره وهو يتأمل ملكوت السموات ليكون من الموقنين ؛ فاعترف بعد بحث نصف قرن أن وجود المادة أمر معجز لايفسره الا قوة فوق مادية ، واستطاع أن يحدد عمر الكون بـ 15 مليار سنة ضوئية . وأعلن عن ( كوكب بيجاسوس ) يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي ، بتطبيق ظاهرة ( ترنح النجم )(8) فبينما كان الفلكي ( فيليب ايناريوس _ PHILIPE HENAREJOS ) يراقب النجم بيتا بيكتوريس في التلسكوب الأوربي الموجود في مدينة ( لاسيلا _ LA SILLA) في دولة شيلي لفت نظره ( خنوس ) وانطفاء ضوء النجم الذي استغرق عدة ساعات ، ليعود سيرته الأولى في اليوم التالي ، وذهب الفلكي ( فيليب هيناريوس ) مذاهب شتى في تفسير تغير اضاءة النجم ، وأقربها هو مرور كوكب أمام الشمس أدى الى هذا ( الخسوف ) الشمسي ، ولكن هذا جديد كل الجدة في علم الفلك ، واكتشاف من هذا النوع يجب أن يكون المرء فيه حذراً ، وهذا مادفع الفريق العلمي الاستمرار في أبحاثهم حتى خرجوا بالكشف الجديد ، وتبين أن هذا النجم يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي الذي نعيش فيه . في عام 1844 م انتبه الفلكي الألماني ( فريدريش فيلهلم بيسل _ FRIEDRICH WILHELM BESSEL ) الى هذه الظاهرة فرأى أن دوران الكوكب حول الشمس يفضي الى مجموعة من القوانين الكونية للحركة في نفس حركته ، وفي تأثر نفس الشمس التي يدور حولها ، منها أن المدار الذي يسير فيه الكوكب ليس خيطاً في منتهى الدقة ، بل وكأنه الخيط المحلزن المتعرج ، مثل حلزنة وتعرجات خطوط مرور الطلقة داخل سبطانة البندقية وهذا يتعلق بالبعد بين الكوكب والنجم ؛ فعندما نراقب نجماً لامعاً في السماء فإن بأمكاننا أن نقول أن في مداره كوكباً يرقص ، حينما نهتدي الى ذبذبة الضوء القادمة من النجم ، وتردد موجاته الضوئية التي تدل على حركة ترنحه وتغير قوة الاضاءة تبعا لذلك ، ولكن المشكلة كانت في المعدات التي يمكن أن تكشف هذه الحركة وهذا ( الترنح ) مهما صغر ، وهذا الذي وصل إليه فريق العلماء السويسري في مركز الرصد السماوي في جنيف ( ميشيل مايور MICHEL MAYOR و _ ديدي كيلوز DIDIER QUELOS ) ، وتم تقديمه في اكتوبر من عام 1995 م الى المؤتمر الفلكي الأوربي السنوي في فلورنسا عن مجموعة نظام شمسي جديدة في النجم ( بيجاسوس 51 ) والذي يبعد عنا بمقدار 45 سنة ضوئية !! وبواسطة تطوير أجهزة الرصد الدقيقة التي يمكن أن تقيس ترنح النجم الى درجة سرعة ( موتورسيكل ) صغير بسرعة 36 كم \ ساعة ، أمكن رؤية ( كوكب ) مرعب يدور حول الشمس بيجاسوس وكأنه الثور الهائج ، بدورة كاملة كل أربعة أيام ، وبمسافة تبعد عن شمسه أقل بعشرين مرة من اقتراب الأرض عن الشمس ( أي حوالي 6.4 مليون ميل بدلاً من بعد الأرض عن الشمس والبالغ 93 مليون ميل ) فهو كوكب يغلي كالنار المستعرة بحرارة 1400 درجة ( قارن سطح الشمس التي تبلغ 6000 ستة آلاف درجة مئوية وفي المركز 14 مليون درجة ) ولايحوي ماء فقد تبخر كل شيء ، وسطحه ممتليء ببحار من الالمنيوم التي تنطبخ وتفور وبحجم يصل الى حجم المشتري عملاق المجموعة الشمسية . واذا كانت الامكانيات الحالية من خلال رصد ترنح النجوم تقود الى الكشف عن كواكب عملاقة ، فإن الامكانيات المتاحة حالياً لاتوفر مثل هذا الرصد بسهولة للكشف عن كواكب في مثل حجم أرضنا ، فالشمس أكبر من الأرض بمليون و300 ألف مرة ، وقطر الشمس 865 ألف ميل ، بحيث أن ( صف ) مائة وتسعة ( 109 ) من مثل أرضنا فوق بعضها البعض يوصلها الى قطر الشمس ، ووزنها أكبر من الأرض ب 333 ألف مرة ، فكتلة الشمس تبلغ 2 بليون بليون بليون ( عشرة مرفوعة الى رقم 27 والبليون هو المليار وهو ألف مليون ) طن والجاذبية على ظهرها أكبر من الأرض ب 28 مرة ، مع أن كثافة الشمس 4.1 في حين الأرض 2.5 للسنتمتر المكعب الواحد ، وتستهلك من الطاقة أربعة ملايين طن من الهيدرجين في الثانية الواحدة (9) فالأرض كما نرى كوكب صغير للغاية وكأنه ذرة غبار صغيرة في هذا المحيط الكوني المترامي ، ولكن تطوير هذه التقنية الجديدة ستتيح للعين الانسانية رؤية كواكب في مثل حجم الأرض ، وبواسطة تحري الطيوف اللونية للعناصر الموجودة على ظهر الكوكب ؛ سيتم التأكد من وجود حياةٍ على ظهرها من عدمه ، كما سيكشف عن المرحلة التي وصلت اليها الحياة على ظهر هذا الكوكب ، ولكن الإجابة عن سؤال الحياة سيقرر أهمية هذا الكوكب بشكل مصيري ، فنظرية بطليموس القديمة اعتبرت الأرض هي مركز الكون ، وكل الوجود يدور حولها ، ولكن نظرية كوبرنيكوس قلبت هذا المعيار فتحولت الكرة الأرضية الى كوكب تافه لاوزن له في هذا الكون الفسيح ، وبذا اختل مركز الانسان أيضا باعتباره مركز الخليقة ، ومن هنا ولدت فلسفات مختلفة أمام هذا التصور الكوني ، وفي الوقت الذي نكتشف أننا الوحيدون في هذا العالم ؛ فإن نظرية بطليموس سترجع ولكن ليس على الصورة الجغرافية الكوسمولوجية ، بل على الصورة البيولوجية الانسانية ، أي نظرية بطليموس المقلوبة الجديدة . وهو المطروح حالياً تحت فكرة المبدأ الانساني . ولكن على فرض الكشف عن امكانية حياةٍ على ظهر كوكب تقاس مسافة بعده عنا بالسنين الضوئية ؛ فإن التحدي الحالي هو السرعات التي نملكها للوصول الى هذا الكوكب ، فنحن في الوقت الراهن أسرى هذه السرعات الصبيانية بالنسبة لمسافات الكون ، ففي مسافات من هذا النوع وبسرعات متوفرة لدينا سخيفة يصبح الوصول الى الكواكب الأخرى ضرب من المستحيل مالم يطور أحد أمرين إما السرعة ذاتها أو طبيعة التنقل ، فالتحدي في المسافة هو في سرعة الضوء ، واذا استطاع الذكاء الانساني ان يصل الى سرعات تقفز فوق الحاجز الصوتي فليس الأمر كذلك بالحاجز الضوئي . كان قياس سرعة الصوت سهلاً أما اختراق الحاجز الضوئي فيعتبر اليوم مستحيلاً (10) فعند زيادة السرعة لتصل الى سرعة الضوء تحصل تغيرات تقلب المفاهيم التقليدية كلها ، من خلال أربع نتائج ، تنهار عندها المعطيات الرياضية الكلاسيكية كلها : (1) فيتم استخدام طاقة لانهائية (2) ، وينضغط الطول الى الصفر (3) وتزداد كتلة الجسم المتسارع الى اللانهاية (4) ويتوقف الزمن ؟!! وهذه الأفكار تولدت بالأصل من النسبية الخاصة ، وتشكل ضرباً من التحدي أمام العقل الانساني ، أو بكلمة ثانية استحالة الوصول الى الكواكب المترامية في الفضاء ، لأن العمر سيضيع بكل بساطة ، وسيحتاج الانسان الى 200 ألف سنة ليصل الى أقرب كوكب وهو لايعيش منها 200 سنة فكيف بمائتي ألف من السنين .
هل نعيش لوحدنا في الكون أم توجد كائنات ذكية أخرى (11)؟؟ هل يمكن تجاوز قوانين النسبية والسفر حتى بأسرع من الضوء ؟ لقد كان آينشتاين يوجه لنفسه دوماً هذا السؤال ماذا سيحدث لي لو أنني امتطيت ظهر شعاع من الضوء ؟؟
يعكف العلماء اليوم من أجل التمهيد الى هذا اللقاء التاريخي الذي أشار اليه القرآن بشكل عابر ( وهو على جمعهم اذا يشاء قدير ) عن طريقين : فوكالة ( ناسا ) لارتياد الفضاء تقوم حالياً بمشروع ( فريسب _ FRESIP PROJECT ) حيث سيتم وضع مرقاب على ظهر القمر يراقب بنفس الوقت قرابة خمسة آلاف شمس في مجرتنا لاكتشاف ظاهرة ( الترنح ) النجمي التي أشرنا اليها فيما سبق ، ومحاولة التعرف على الكواكب التي تدور حول هذه الشموس ، ثم دراسة الطيوف اللونية التي تصدرها معادن هذه الكواكب ، وبالتالي الوصول الى معرفة وجود حياة أو حضارة في هذه الكواكب ، ورصد هذه الآلاف المؤلفة من الشموس يتم آلياً بواسطة كمبيوترات متقدمة ، تسجل مخططات بيانية طول الوقت بشكل متتابع ، بحيث أن أي ظاهرة ترنح للنجم تُعطي فوراً اشارة الخطر فتوضع للدراسة المباشرة المكثفة ، كما خطر لبعض العلماء أن وجود الكائنات الذكية مثلنا قد لاتستطيع أو لاتتمكن من اعداد وسائل النقل عبر الفضاء ، ولكنها لابد وان تكون قد اهتدت الى القوانين الكهرطيسية للوجود ، ولابد أن تكون قد استخدمت الأمواج الراديوية للاتصال بالكائنات الأخرى ، لذا عمدت الولايات المتحدة الى بناء جهاز تنصت كوني هائل في ( بورتو ريكو ) في منطقة ( آريثيبو _ ARECIBO ) يبلغ قطر الدش الكوني ( 304 مترا ) ومتصل بجهاز أقنية متعدد للتحليل ( MCSA MULTICHANNEL SPECTRAL ANALYZER ) وتبلغ طاقة الاستقبال في الجهاز عشرة ملايين موجة راديوية مختلفة بنفس الوقت ، متصلة بمخططات بيانية ، وفيها القدرة على الانتباه الى الموجات الغريبة الجديدة ، وعزلها فورا وتضخيمها مباشرة واعطاء اشارة الخطر للتنبيه لمتابعتها ، أي أن هذا الجهاز عنده القدرة على التخزين في اللحظة الواحدة مايعادل معلومات موسوعة علمية كاملة ، من نوع الموسوعة البريطانية المشهورة ( ENCYCLOPEDIA BRITANICA ). ولكن هذا الجهاز وهو ينصت بكل هذا التركيز لم يسمع سوى صوت الموت من الكون الخارجي حتى الآن ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ؟؟ ) .
اذا مضينا مع تحليلات الفلكي البريطاني ( دافيد هيوجز ) فان احتمالات وجود الحياة في الكواكب تصل الى تواجدها في أربعة مليارات كوكب في مجرتنا لوحدها ( مجرتنا تضم 100 مليار نجم ) بل ان الفلكي ( بيك ويذ BECKWITH ) من معهد ماكس بلانك في هايدلبرج يذهب الى وجودها في كل واحد من نظامين شمسيين ، أما ( اسحاق عظيموف _ ISAAC ASIMOV ) فيرى أن الحضارة على كوكب ما تأخذ في المتوسط 600 ألف سنة ، وفي توقعاته أن هناك ( 270 ) حضارة على ظهر كواكب مختلفة وصلت الى مرحلة اختراع الكتابة ، وعشرين منها فقط وصلت الى مرحلة العلم المعاصر ، وعشرة منها وصلت المرحلة الأخيرة من الثورة الصناعية ، وفي النهاية هناك فقط حضارتان وصلت مرحلة الانفجار النووي أو تجاوزتها وكلاهما يقف أمام الفناء والانتحار الذاتي !! ولكن ماذا نقول أمام الاحتمال الثاني في حال أننا الوحيدين في هذا الوجود ؟؟؟ إن هذه الفكرة تشع ظلا هائلاً : أن جنسنا هو بذرة العالم وامامه اختراق المجرة والامتداد في الكون ، وأن ماينتظره لم يخطر على قلب بشر ، وأن فردا واحدا من جنسنا أغلى من كل شيء يمكن تصوره ، بل يساوي الوجود برمته ، لأن فرداً واحداً من الذين يُقتلون في راوندا وتمتليء جثثهم في الأرض أكثر من الموز ، أو تتناثر أشلاؤهم من القنابل في افغانستان ، أو تقطع لحومهم في البلقان اليوم ، يمكن أن يكون مشروع تكاثر انساني في كامل المجرة ، فهو أفضل تجليات الوجود ، وهو من أروع المخلوقات وأتعسها بنفس الوقت ، وهو مستودع الحكمة وبالوعة الضلال ، فيه سر جدل الوجود ولكن يمكن أن تسحقه ذرة غبار ونفثة بخار أو وخزة فيروس تافه ، واذا كانت شمسنا ستعيش وسنعيش معها خمسة مليارات سنة أخرى ، فان هذا يخلع ظلاً أن التاريخ الفعلي للانسان لم يبدأ بعد ، وما ينتظر الانسان هائل من تحقيق الكمالات ، في ضوء تاريخ قصير للغاية ، فكل عمر الحضارة لايزيد عن ستة آلاف سنة .
وفي ( الاركيولوجيا ) كشف النقاب عن معبد هائل للثائر الديني توت عنخ آمون بمساحة عشرين ملعب كرة قدم ، ويقوم ( جيورج بوناني GEORG BONANI ) من معهد الكربون 14 من ( زيوريخ ) بتحديد عمر اهرام خوفو الآن بأدق من كهنة المعبد ، ونحن نعرف اليوم عمر الأرض بــ 4,6 مليار سنة بواسطة تقنية الارغون البوتاسيوم ، كما تنفعنا تقنية الكربون 14 بتحديد عمر الحضارات والآثار حتى ستين ألف سنة ( بالضبط 57 ألف سنة ) بمتوسط عمر تحلل الذرات (12) كما تم تطوير أجهزة ( مناظير ) لفتح بطن الأرض وكشف أسرار الاهرامات وانتشال جثة فرعون مجهول من الأسرة الرابعة يحمل اسم ( جيدفري ) حكم فترة قصيرة وترك أجمل الاهرامات بارتفاع 67 متراً نهبت حجارته الجميلة المنحوتة من جنوب مصر على يد أجيال المستعمرين اللاحقين ؛ فعندما طور خبير الآثار المصرية البروفسور السويسري ( ميشيل فالوجيا _ MICHEL VALLOGIA ) من جامعة جنيف جهازه الجديد المزدوج الوظيفة ، بين الرفع والحفر التلسكوبي في الأرض معاً ( تماما كما في جراحة المناظير المتطورة ، هذه المرة هي في بطن الأرض وليس في أحشاء المريض !! ) لم يتصور أنه سيحقق فتحاً جديداً في علم الآثار المصرية ، ففي مارس آذار من عام 1995 م وفي منطقة ( أبو رواش ) القريبة من القاهرة ، استطاع باستخدام هذا التطور التقني الجديد ، وبمساعدة فريقٍ عرمرم من الطوبوغرافيين والرسامين والمصورين ، الى جنب مائة وخمسين من العمال المصريين أن يخترق قشرة الأرض لعمق يزيد عن 20 متراً ، لينتشل جثة تعود الى ( 4500 أربعة آلاف وخمسمائة سنة ) الى الوراء ، ويتم للمرة الأولى في التاريخ التقاط مومياء كاملة من عهد الاسرة الرابعة . كانت مومياء كاملة قد لففت بكل عناية بقماش الكتان القديم الذي كان يستخدم في مراسيم التحنيط ، التي كانت تمتد الى سبعين يوماً تنقع الجثة خلالها في مادة النطرون ( سلكات الصوديوم والالمنيوم ) بعد شفط الدماغ من فتحات الأنف ، واستخراج الأحشاء بعد جراحة من نوع ( الطب الشرعي ) على الجثة حيث يشق البطن ( بحجر حاد حيث لم يكن علم المعادن واكتشاف البرونز والحديد قد تطور ) وتفرغ الأمعاء ثم يعاد ضخ المعقمات والعطورات الى داخل البطن وتعاد خياطته من جديد . الوحيد الذي يحافظ عليه داخل الجثة كان القلب ، حتى يكون جاهزاً للخفقان ، عندما يعود فرعون الى الحياة مرة أخرى !!
تعتبر البعثة الاركيولوجية الجديدة للعالم السويسري ( فالوجيا ) من أكثر البعثات مدعاةً للتشويق ، وإمعاناً في الاثارة ، كون الفراعنة الذين كشف علماء الآثار عن قبورهم ، خاصة الذين ينتمون للأسرة الرابعة التي حكمت بين ( عامي 2630 ـ 2490 قبل الميلاد ) من الذين أشادوا الاهرامات العملاقة ، التي تحدت الزمن حتى الآن ، والمتوقع لها أن تدوم حسب العوامل الجوية التقليدية مليوني سنة أخرى . هؤلاء الفراعنة الذين تم الدخول الى غرف موتهم الأخيرة ، على يد علماء الآثار جاء عملهم متأخراً للغاية ، فالكنوز نُهبت ، والقبور بعثرت ، وبقية الآثار النفيسة سرقت وضاع أثرها ، حتى الجثث المحنطة ( المومياء ) لم يبق منها سوى نتف وقطع متناثرة من بقايا الأقمشة التي غلفتها ، وضاع كل أثر لأي مومياء من كل الأسرة الرابعة ، فلم يبق من أثرِ عبثِ لصوصِ المقابر الا الغرف الجرانيتية الصلدة يصفر فيها الهواء ، وتنبعث منها رائحة الموت الأصفر . ومع كشف فالوجيا عن المومياء الثمينة للفرعون ( جيدفرى ) تكون أول مومياء قد برزت للعيان بشكل كامل من عصر الأسرة الرابعة مقارنة بضياع كل أثر لـ ( خوفو ) و( خفرع ) و ( منقرع ) . كل الذي عُثر عليه من بقايا خوفو ، ليست مومياءه الثمينة التي سخَّر لها مئات الآلاف من العمال عقدين من السنوات ، من أجل وضعها في الهرم العظيم لنقله الى العالم الآخر ، بل تمثال صغير بسنتمترات قليلة !! ومايزيد التشويق أكثر في البعثة الجديدة هي إماطة اللثام عن سيرة فرعون يعد من أكثر فراعنة الأسرة الرابعة غموضاً وإبهاماً ، أظهره تمثال من الكوارتز عثر عليه في صورة شاب ذو نظرات متجهمة ووجه عابس ، لم تمتد فترة حكمه أكثر من ثماني سنوات ، وترك خلفه أثراً هزيلاً من بقايا اهرامٍ لايعتد به ، في مكان غير عملي بجانب النيل ، فهل هذه هي الحقيقة الكاملة لهذا الفرعون الشاب الذي يحمل اسمه معنى ( الاله رع يعيش الى أبد الآبدين !! ) أم يقبع خلفه سرٌ أكبر ؟! على مرتفعٍ من الصخر ناتيء والى الشمال من إهرامات الجيزة بثماني كيلومترات أراد الفرعون ( جيدفرى ) أن يبني هرماً لايماثله هرم ، يمتد أمامه طريق من الصخر بطول 1700 متر من المعبد الى حافة الهرم ، حيث مكان النذور والقرابين ، وأما بناء الاهرام بالذات فأراد أن يجعله قطعة جمالية ، وتحفة تاريخية لايضاهيها شيء ، وتترك أثراً خلاباً لكل من وقف يتأمل هذا الصرح ، فأما الحجر فيجب أن يكون من نوع الجرانيت الأحمر القاسي أشد قساوةً من الصخور العادية بعشر مرات ، والمحمول من الجنوب ، من بعد ألف كيلومترمن منطقة أسوان وليس من نوع حجارة ( خوفو ) الكلسية الضعيفة تلك التي بناها والده !! وعلى الاهرام أن يرتفع قليلاً عن النيل كقطعة من الكريستال المتألق بين السماء والأرض عند ساعة الغروب الجميلة . هكذا كان المشروع مخطط له ، وأراد أن يعطيه اسماً رومانسياً ، فهو لن يكون هرماً مغلقاً ، بل خيمةً يخفق فيها الهواء ويداعبها نسيم النيل بين سطوع المجرة ولألأة النجوم !! حسب كل المعلومات التي يعرفها من درس في الآثار المصرية أن هذا المشروع لم يكلل بالنجاح ، وأخفق إخفاقاً ذريعا ًفي فترة حكمٍ لم تطل كثيراً ، في أقصرِ فترة حكمٍ في الأسرة الرابعة ، فجده سنوفرو حكم 44 سنة ، وأبوه خوفو وأخوه خفرع كل منها 35 سنة ، كما حكم منقرع 18 سنة ( ابن خفرع ) ولذا فالمعروف من بقايا هرمه كتلة هزيلة من بقايا قاعدة هرم لايثير النظر ولايملأ العين !! بارتفاع لايتجاوز العشر أمتار ، مقارنةً بهرم أبيه خوفو الذي يشمخ الى ارتفاع 146 متراً وأخوه خفرع بعلو 143 متراً !! كانت المعلومات الأثرية حتى الآن أن ( جيدفري ـ DJEDEFRE ) لم يستطع أن ينهي في حياته في فترة حكمه سوى القسم السفلي تحت الهرم ( المكان الذي يمتد من فتحة الهرم الى الاسفل حيث تخصص غرفة فاخرة للروح المرافقة لرحلة فرعون في الأبدية ( وكان يرمز لها بحرفين ( كــا ) وعندما ووري الفرعون مثواه الأخير ، كانت الحفرة السفلية التي تركها ( جيدفرى ) كبيرة للغاية بمساحة 21 طولاً بتسعة أمتار عرضاً . هذه المعلومات التي سيطرت في أوساط البحاَّثة في فترة عشرات السنوات الفائتة تتعرض اليوم للاهتزاز ، فبعد التحليل الاستراتيجي التصويري الذي قام به ( فالوجيا ) لاطنان الحصى والصخور والرمل في منطقة أبو رواش ، تقدم بنتيجة جديدة هزت الأوساط العلمية عن حقيقة مصير هرم ( جيدفرى ) أثارت المناقشات في نقابة علماء الآثار السويسرية . يقول التقرير بكل بساطة أن هذا الاهرام قد تم بناؤه واكتمل وفي فترة أقل من عقدٍ من السنوات ، وبأقسى أنواع حجارة الجرانيت المحمولة من الجنوب من مسافةٍ تزيد على ألف كيلومتر كما أسلفنا ، كان ( جيدفرى ) يفكر على نحو مختلفٍ تماماً : يجب أن يكون الاهرام أصغر حجما وأشد متانة ومناعة ضد الزمن ، فتحت هذا الشعار أراد أن يبز والده في البناء ويخلد نفسه أكثر فأكثر . هذه هي الخلاصة الجديدة التي وصل إليها العالم الأثري السويسري ( فالوجيا ) ، والتي تقدم بها بموجب تقرير تفصيلي مع نهاية عام 1995م . كان ارتفاع هرم ( خيمة النجوم ) 67 متراً وطول ضلع القاعدة 106 مترا ، وكان الهرم ( مُلَبَّساً مغطى ) وبالكامل من حجر الجرانيت الصلد الفظيع . كان الفرعون ( جيدفرى ) من جبابرة الأسرة الرابعة الذين شيدوا الاهرامات ، ففي مدى قرن من الزمن تم رفع ( خمس وعشرين مليون طن ) من الصخور الرهيبة ، المصقولة بغاية الدقة ، والمغروسة برشاقة هندسية فوق بعضها البعض في تحدي للزمن الى ملايين السنين (13)
ومع مطلع العام الميلادي 1997 تم الاعلان عن كشف آركيولوجي مثير تقدم به فريق علمي جيولوجي آركيولوجي أمريكي ( ويليام راين ) ( WILLIAM RYAN ) و ( والتر بيتمان )( WALTER PITTMAN ) ) أثار ضجة علمية في نقابة الأبحاث الأمريكية (14) لبقايا طوفان اجتاح منطقة القوقاز واوكرانيا وبلغاريا والمنطقة المحيطة بالبحر الأسود الحالي واندفع بكل جبروت عندما ارتفع مستوى المياه فجأة في المحيطات والبحار قبل 7500 سنة في نهاية العصر الحجري ، أو مايعرف بالعصر الحجري الحديث ، وكانت منطقة البحر الأسود بحيرة داخلية مغلقة ، تعيش على ضفافها قبائل شتى تنعم برغد العيش ، طورت نظام الزراعة وشيئاً من الأدوات البدائية ، وأمام هذا الاجتياح المرعب لمنسوب المياه صدمت الأمواج العاتية العتبة الحجرية في غرب تركيا لتخرقها وتشكل مضيق البوسفور ، ولتتدفق كميات هائلة من المياه وكأنها تغلي في قدر ، لتملأ البحيرة بقوة اندفاع وعنف يزيد عن قوة تدفق شلالات نياجارا بـ 400 مرة ، ليتحول البحر الأسود الى مايشبه ( البانيو ) الذي امتلأ بالماء و ( طفطف ) من حوافه ، بحيث أن المياه زحفت تفترس بغير رحمة حواف البحيرة بمعدل كيلومتر يومياً ، لتصل الىعمق مائة كيلومتر عندما هدأ الطوفان . مما جعل المناطق المحيطة بالبحيرة تتحول كلها الى عالم سفلي تحت الماء ، ولتغرق مستودعات غلال حبوب الجنس البشري في تلك الأيام ، بالماء المنهمر من أبواب السماء ، والمتفجر عيوناً من الأرض ، كما وصف القرآن ، لتغمر مساحة مائة ألف كيلومتر بارتفاع 150 مترا ، في حوض مالح اقتلع كل أثر للحياة من المياه الحلوة ، التي كانت عامرة تدب بالحياة في أعماقها بما فيها الديدان ، كما دلت على ذلك أعمال الحفر وتحليل الرواسب البحرية ، التي قام بها علماء المحيطات والاركيولوجيا والاختصاصيين بالاساطير والميثيولوجيا الشعبية ، من التي نقلتها سفينة روسية حفرت في عمق البحر الأسود . المنطقة الوحيدة التي شمخت ونجت من إعصار الطوفان كانت منطقة القرم ، وأما الشعوب التي استوطنت هناك في منطق غناء محيطة بالبحيرة القديمة الجميلة ذات الشواطيء اللازوردية الخضراء ، فكانت بين خيار الغرق أو النجاة بالهرب من المنطقة كلها ، وكانت هذه الحركة ذات أثر إيجابي كما ذهب الى ذلك العالم الاركيولوجي البريطاني دوجلاس بايلي ( DOUGLASS BAILEY ) الذي رأى أن هذه الاعصار الكوني بين الغرق والموت الجماعي ، وبين الهجرة حذر الموت ، قادت الى انتشار تقنية زراعة الأرض ، ونقلت بدايات الحضارة الى مناطق متفرقة من الكرة الأرضية ، وسارعت في بزوغ الحضارة . فهذه الطوفان المدمر كان زناد الاتقاد لمشعل الحضارة
وفي ( البيولوجيا ) بعد إعلان ( ايان ويلموت ) من اسكتلندة ، عن أول نجاح له بتوليد النعجة دوللي ، بواسطة الاستنساخ الجسدي ، تبعها جيلان ( بوللي ) و ( بوني ) بنعجات تحمل جينات بشرية ، تدب على الأرض لاشية فيها تسر الناظرين ، وقفزت أجيال متراكبة من خمسين فأراً ، تقفز بمرح ورشاقة ، من الاستنساخ الجسدي في نسخ تترى ، نجحت فيها التجربة بعد خمسين محاولة ، عرضها اليابانيون في المؤتمر العلمي في نيويورك يونيو 1998 م ، بماعرف بـ ( تكنيك هونولولو ) ، ومن اوريجون في أمريكا تمت عملية استنساخ مرادفة طبقت على القرود ، في قفزة نحو الاستنساخ الانساني ، ويبشر ( لي سيلفر LEE SILVER ) من أمريكا بعصر الاستنساخ الانساني في مدى خمس سنوات ، وبذا ينفصل الانجاب عن الجنس ، في تحطيم عقيدة قديمة من ارتباط الجنس بالانجاب في آلية لافكاك منها اخترعتها الطبيعة قبل 500 مليون سنة ، وأودعها الخالق في كياننا في طاقة لحوحة لمتابعة إنتاج أنفسنا ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ومع هذا الانتصار الجديد سوف يحصل أفضل بكثير مما تخيله جوليان هكسلي عام 1923 م ، وتوقع حدوثه بعد 600 سنة ، سيفتح الطريق الى فصل الجنس عن الانجاب ، فتتخلص المرأة من كل أنواع موانع الحمل وإشكالياته وترتاح من حمل غير مريح يخض في أحشاءها 270 يوما ، ويتم الحصول على ذرية مرغوبة بشدة منتقاة بعناية مفحوصة ومراقبة بدقة ، بفحص الخلية الملقحة لمعرفة كامل تركيب المادة الوراثية ، ثم الدخول من خلال جراحة الجينات ، لأزالة الأمراض الخلقية من عيب وراثي كما في مرض فرط الكولسترول العائلي القاتل ، أو هبل المنغولية ، أو فقدان الذاكرة عند مرضى الزهايمر ، وتعديل الاستعداد لإصابة ما مثل احتشاء القلب ، فينتج انسان يتمتع بالخلق السوي . وهذه ليست شركاً بالله ولاخللاً في الطبيعة ، بل هي وظيفة وكيل عام خوله الله إياها بموجب عهد الخلافة ، منذ أن برمج دفعه الى الوجود ، وعندما كان الفيلسوف إقبال يناجي الله ويبث شكواه أن الكون لايعجبه ، كان الجواب ياإقبال اهدمه وابن أفضل منه ؟! سيتم التحكم في الجنس وعدد الذكور والاناث ، وسيتم التخلص من جينات الإجرام والحقد والإحباط وداء باركنسون والجنون . سيتم الامساك بعنق السرطان ، طالما يحوي معه سر الديمومة والاستمرارية في الحياة ، ثم الوصول الى سر تجدد الخلايا ، فالخاروف دوللي حصل لخليته المبرمجة في عمر ما ، نوع من الانقلاب الرجعي الى بداية رحلة الحياة ، مثل ربط الساعة وتوقيتها ، عندما يعود كل شيء ليبدأ من نقطة الصفر (15) فيمكن بهذه الطريقة الاقتراب من سر امتداد عمر نوح الى ألف سنة الا خمسين عاما ، فلاشك أن هناك سر بيولوجي خلفه . وسيتم زراعة أعضاء جديدة حسب الطلب ، من كبد خارت عزيمته ، وكلية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، وقلب مرتخي يعلعل ، وفشل بانكرياس أغرق الجسم بطوفان سكري . أو المحافظة على سلالات راقية رشيقة للحصان العربي من نوع ( رئيفة ) التي بيعت بحوالي مليون ريال في السعودية ، من خلال استنساخ أعداد بما تشتهيه قلوب محبي السباق . أو تعويض خسارة حبيب من زوجة وطفل وأم وأب وصديق غالي ، على الأقل لشكل اندثر وغاب وزحف الى جدران الذاكرة .
لاحدود للبحث العلمي ولايمكن محاصرته فطبيعته تقدمية ، ولاخوف من التفكير لأن أعظم مافي الانسان جهاز التفكير ، فالتفكير قاعدة الإيمان وأداته المعرفية ، لشق الطريق الى فضاءات معرفية لانهائية ، ولكن الخوف كل الخوف من إغلاق العقل ، ومصادرة الفكر ، وممارسة الإرهاب عليه ، ولاحاجة لإعلان الوصاية الأخلاقية على العلم فهو يمشي بقوته الأخلاقية الذاتية ، فيحور ويحرر الانسان والعالم . ولاهرطقة للمختلف في الرأي ، ولاقتل أو تصفية للآخر الذي نكمل أنفسنا بوجوده ؛ فأصبحت قضية التقدم العلمي ليست في إلغاء الآخر بل إيجاده ، فهذه أفكار مفصلية في التأسيس العقلاني ، والسلام الاجتماعي وإمكانية العيش المشترك ، وشرط الانطلاق الحضاري .
كان الانسان يبحث في الطبيعة خارج نفسه ، يسبح بين الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا . والآن يدخل معراج البيولوجيا ، الى الحجرة المقدسة ، الى نفسه التي غاب عنها كثيراً ، لتطويرها نحو الأفضل ، وعلمنا التاريخ أن التقدم يمشي ، وأن ماينفع الناس يمكث في الأرض وأن الزبد يذهب جفاء .
وفي ( الانثروبولوجيا ) استطاع الأمريكي ( دونالد جوهانسون ) انتشال هيكل ( لوسي LUCY ) المدفون في طبقات الأرض (16) في مثلث عفار في الحبشة ، وبتطبيق تقنية ( الارغون ـ البوتاسيوم ) المشع ، أمكنه أن يحدد عمر انثى تمشي منتصبة بطول 120 سم ، وبحجم دماغ لايزيد عن 450 سنتمترمكعب ، يعود الى زمن سحيق يرجع الى 3,2 مليون سنة ، واستطاع زميله ( تيم وايت TIM WHITE ) وبواسطة تمويل سيدة أمريكية ثرية محبة للعلم ، أن يعلن عن كشف أقدم هيكل عظمي عرف حتى الآن ، يعود الى 4,6 مليون سنة ، ضارباً الرقم القياسي في عمر الانسان السحيق ، أعطاه اسم ( ارديبيثيكوس راميدوس )( ARDIPETHICUS RAMIDUS ) ) في اقتراب حثيث لجذور وجود الانسان الأولي التي تقدر بـ ( 5 - 7 مليون سنة ) في أهم كشف انثروبولوجي حتى الآن في قصة الانسان الذي اكتشفه ، جاء في تقرير بقايا الانسان الذي عثر عليه مايلي : لربما كان مريضاً فانهار صحياً ، أو ضالاً فتعثر فسقط في الحفرة !! قد يكون تضعضع من تسمم دموي من عقابيل جرح ملوث ؟ الشيء الأكيد أن الضباع والوحوش المفترسة لم تعثر عليه ، بعد أن انحشر في حفرة ضمت جسمه البالي فمات فيها . لو عثرت عليه لتركت بدون ريب بصماتٍ أسنانها على عظامه !! بقايا الهيكل العظمي لهذه الجثة عُثِر عليه في حوض ( آواش ) الأوسط في الحبشة بشكل غير كامل ، من خلال الحفر في طبقات الأرض الجافة . وعندما وضعت للدراسة الانثروبولوجية كانت النتيجة صاعقة تماماً ؟!! الهيكل العظمي يعود الى ( 4.4 = حوالي أربعة ونصف مليون سنة ) ؟!! هذه الضربة المحكمة الانثروبولوجية التي قام بها العالم الانثروبولوجيي الأمريكي ( تيم وايت )( TIM WHITE ) قفز بها في رقم وجود الانسان الى رقم قياسي جديد ( RECORD ) فالأرقام السابقة لم تتعدى (3.8 ) مليون سنة ، كما أن انسان لوسي لم يتجاوز (3.2) مليون سنة ، وهذا الكشف يصب في خانة السؤال الجوهري والمحوري : كم أصبح للانسان يدب على وجه الأرض ومنذ متى بدأت قصته على وجه التقريب ؟؟ عندما يسبح الانسان بفكره مع الزمن فيتصور بناة الاهرام وهم يكدحون في رفع هرم خوفو ، أوحملة كزركسيس على ضفة البوسفور وبداية الماراتون ، أو فيلة هانيبال وهي تعبر جبال الألب ؛ أو ابن خلدون وهو متدلي في سلة من سور دمشق يسعى لمقابلة السفاح تيمورلنك ، فإن الشعور الذي يستولي عليه طول الزمن وعمقه ، ولكن كل ماذكرنا لايقف إلا كلمح البصر أو هو أقرب ، مع بداية قصة الانسان ودبيبه على ظهر البسيطة . هرم خوفو بني في العام ( 2570 ) قبل الميلاد فهو يبتعد عنا في الزمن أقل من خمسة آلاف سنة ، فإذا وضعنا رقم عمر هيكل ( ارديبيثيكوس _ راميدوس )الذي انتشله تيم وايت من طبقات الأرض في شرق الحبشة وقارناه مع زمن نهوض الحضارة المصرية وحملة بناء الاهرامات ؛ فإن الرقم يقترب من واحد الى ألف ، أي أن رحلة الحضارة الانسانية تمثل الصفحة الأخيرة من كتاب ( قصة الانسان ) الذي بلغت سماكته ألف صفحة ، وهذا يفصح عن حقيقة مزلزلة عن الزمان الطويل الذي قضاه الانسان قبل دخول حياة الحضارة والمدينة ، وتُضاء الآية القرآنية إضاءة جديدة في ظل هذا الكشف المثير ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ) وكيف سيكون شيئاً مذكوراً وهو لم يدخل التاريخ بعد ، الذي سيكتب عن رحلته ، فالانسان حتى قبل عشرة آلاف سنة كان يأكل الوحوش والوحوش بدورها تأكله ، وكان أقرب الى العري ، كل همه أن لايموت جوعاً ، وبقي الوضع هكذا حتى دخل مرحلة الثورة الزراعية ؛ فتخلص من ضغط الخوف من الموت جوعاً ، لأول مرة في تاريخه الطويل ، منذ عهد انسان ( تيم وايت ) الذي أيقظوا عظامه من مضجعها للدراسة والبحث !! انسان العالم الانثروبولوجي الأمريكي ( تيم وايت ) والذي أعطاه اسم : جذر الانسان القادم من الأرض ( أردي بيثيكوس راميدوس ) عندما مات كان شاباً يافعاً تشهد على ذلك أضراسه الطاحنة المكتملة ، ولكن طوله لم يتجاوز ( 120 ) سنتيمتر !! يمشي منتصباً على قدمين ، طويلاً بما فيه الكفاية ، ولكنه أقرب أن يكون أنثى التي هي في العادة أقصر من الرجل . ومن عظامه المتناثرة التي بلغت حوالي ( 106 ) قطع أمكن تحديد معظم أماكنها من الجمجمة والكتف والحوض والذراع والأطراف السفلية ، وأهم ماتم الوصول إليه وأكثرها مدعاة للإثارة رؤية اليد والقدم كاملتين ، لأنه من القدم يعرف طرفاً من المشي المنتصب ، ومن اليد قصة تحررها وانطلاقها للانتاج ، بدلاً من الاعتماد عليها في المشي ، كما هو الحال عند الغوريلا والشمبانزيا وقرد البابون ، فمع تحرر اليد انطلق الانسان نحو ثورة تصنيع الأشياء ، فقفز من مستوى السكين الحجرية الى التكنولوجيا النووية ، وهو فارق هائل بين مخلوقين ومفرق طريق بينه وبين القردة وبقية الحيوانات ، بين مصير مهدد بالزوال والانقراض ، ومصير كائن يسيطر على الأرض ويستعد لإعمار بقية الكواكب ، أو حتى إفناء نفسه
وفي ( الطب ) أعلن الأخوان الصقليان ( فاكانتي ) عن ثورة جديدة في استنبات الأعضاء بتعاون علم البيولوجيا والكمبيوتر والهندسة الحيوية ؛ فنجحوا في استنبات 14 أربع عشرة نوعاً من الانسجة وكبد جرذ وذراع انسانية غير كاملة (17) ليلحقه تكنيك جديد لتوليد الأعضاء ، بما يشبه الاستنساخ المتطور ، بالاستفادة من الخلايا بعد تميزها ، ودفعها باتجاه توليد عضو بذاته ، من قلب ووعاء وكلية . كما تم زرع ذراع كاملة لمريض استرالي فقد ذراعه من نصفها قبل 14 عاماً في عملية جراحية في ليون بفرنسا دامت 13 ساعة تكللت بالنجاح وهي الأولى من نوعها بعد زرع الكلية والكبد واقرنية والبانكرياس والقلب والرئتان . وقفز ( دنيس نوبل ) البريطاني من اكسفورد الى فكرة رائعة في استخدام كمبيوترات التخيل ( SIMULATOR ) لدراسة عمل القلب وماذا يؤثر عليه من سيالة عصبية وشوارد معدنية تصل الى الخمسين تعمل بموجبها 500 مليون خلية عضلية بشكل مستقل عن المركز يكفيها الوسط المغذي لكي تؤدي رقصتها المعتادة في تقلصات عضلية وتناسق في العمل وفتح للدسامات بتسخير كمبيوترات تعمل بطاقة 29 مليار عملية حسابية في الثانية . يقول نوبل : إن من يموت باضطراب عمل القلب سنوياً هم أكثر من حوادث السيارات ولفهم عمل القلب المكين كانت شركات الدواء تمشي في الطريق الخاطيء تماماً . كما نفعل مع الكمبيوتر عندما يستعصي عن العمل فنوجه له ضربة بالمطرقة على رأسه كي يعمل أو في أحسن الأحوال نسكته عن الحديث . كانت الأدوية تعمل على تعطيل البروتينات المشبوهة بالأثر ( الحاصر ) ومايتطلبه هو كشف أسرار عمل القلب ونظام عمله . الا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله الا وهي القلب .
يتقدم الطب بكسر المسمات السابقة ، كما فعل جراح العظام الروسي ( اليزاروف ) ، بمعالجة العظم ليس بالتجبير بل بالكسر ؟؟؟ عندما اهتدى الى طريقة انقلابية في معالجة قصر القامة ، التي كانت قدراً بيولوجياً ؛ فمط الأقزام ؛ بتسخير قانون ضد قانون ، بالاستفادة من آلية النمو داخل البدن ، سنة الله في خلقه . فعندما أصيب جراح العظام الإيطالي ( كارلو مونري ) بكسر في ساقه ، تطور بعد المعالجة إلى اختلاط كريه ، هو اندمال معيب متقيح مزمن ، مما خلق لجراحي العظام الإيطاليين تحدياً في معالجته ، وكادت الحالة أن تفضي إلى البتر . وعندما حمل الجراح الإيطالي شكواه إلى زميله ، أشار عليه بجراح للعظام ، صعب الإسم ، غامض الشهرة ، يعيش في صقيع سيبيريا ، ويقوم بجراحات جديدة مثيرة ، اسمه ( اليزاروف - ELIZAROW ) . استطاع ( اليزاروف ) أن يسيطر على الحالة ، ويصل بها إلى شاطيء السلامة ، فزال القيح ، واستقامت الساق ، واندمل الكسر . هذه القصة كانت السبب في خروج ( اليزاروف ) و ( طريقته ) من الشرنقة السوفييتية ، والتدجين الإيديولوجي للعلماء ، كما حصل من قبل مع أفيلوف وليزانكو في قصة علم الوراثة والإيديولوجية الماركسية . خرج ( اليزاروف ) من الشرنقة الضيقة ، ليطير إلى العالم بجناحي فراشة جديدة ، وبذلك ولد علمه في العالم ، وكتب له النماء ، وسادت طريقته ، وأصبحت منهجاً قائماً بذاته في المعالجة . والآن ماهي الإثارة في طريقة ( اليزاروف ) ماهو الجديد فيها في فن جراحة العظام ، أية أفكار تسيطر على نواتها ؟؟ أية منهجية توجه حركتها بل لنقل أين الإبداع في هذه الطريقة ؟ . في جو الصقيع والبرد الرهيب في ( كورجان ) جلس ( اليزاروف ) لفترة تزيد عن ربع قرن وهو يتأمل الواقع البيولوجي ، محاولاً اكتشاف أسرارٍ جديدة ، وقوى مجهولة ، ومعادلات غامضة وآليات لاتطفو على السطح !! كان عليه قبل كل شيء كسر المسلمات السابقة ، والأيديولوجيات الدوغمائية في المعالجة الجراحية لإن مشكلة المشاكل وجوهر الإعاقة العقلية هو ماأشار إليه القرآن ، عن عقدة الآبائية ( ماسمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) ؟؟! .
إن جوهر حركة التاريخ هو التطور الفكري ، هو حركة المجتمع من خلال أفكارٍ ورؤى جديدة ، ومعالجات جديدة ، من خلال تنمية روح المبادرة ، تلك التي أشار إليها عالم الاجتماع الألماني ( ماكس فيبر ) في كتابه ( روح الرأسمالية ) عندما اعتبرها إحدى عناصر انطلاق النهضة الأوربية . إن الحياة مليئة بالأسرار ، والسر يحرك شهية المعرفة ، ويفتح روح الفضول للاكتشاف ، ولو أرسل خشب أشجار المعمورة إلى المصانع لاستخراج الأقلام ، ولو أن بحار الدنيا السبعة تحولت إلى مداد ، ثم سخرت الأقلام لتكتب هذه الأسرار ، لفنيت الأقلام ، وجفت البحار ، ولم تنته هذه الكلمات : (( ولو أن مافي الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعد سبعة أبحر مانفذت كلمات الله ) . كان ( اليزاروف ) يرصد الواقع البيولوجي لاكتشاف كلمات الله التي هي قوانينه ، والتي سُخرِّ الكون كله بموجبها ، فالكون يتسخر ، أي يخدم مجاناً في اللحظة التي يتم الكشف عن القانون الذي يسيطر عليه ، وهو ماأشار إليه القرآن : (( وسخر لكم مافي السموات والأرض جميعاً منه )) . هل تأملت السحلية الصغيرة عندما يحاول الطفل العبث بذنبها كيف تطرح ذنبها متخلصة منه وهاربة إلى الحرية ؟! ليتراكم بعد ذلك على الذنب المفصول حشد من النمل في وجبة شهية ؟! لماذا لاتمتلك أجسادنا هذه القدرة ؟ فإذا انقطع أصبع نما آخر مكانه ؟؟ . ماالذي يجعل الخلايا السرطانية خبيثة ؟؟ لماذا يعلن السرطان التمرد العام في البدن ، ويقود حملة عصيان مدمرة لكل أجهزة الجسد ؟؟ إن لعنة مرض الأيدز باعتبارها إحدى آليات التسرطن فجرت عتبة اكتشافات جديدة ، للدخول إلى الكنز المقدس في الخلية ، لكشف اللثام عن تركيب ثلاثة مليارات من الجينات ترقد فيها خواص الإنسان . لقد قبع ( اليزاروف ) هناك في الصقيع يفكر بعقل فيلسوف ، وهمة طبيب ، وروح رائد مكتشف وبعبقرية نفاذة ، لقد وصل إلى فهم ثوري جريء يعتبر قلباً لكل مفاهيم جراحة العظام ؛ بل هي تقنية تتجاوز جراحة العظام لتطبق في فضاء الجراحات الأخرى . في التصور القديم يبقى القزم ضئيلاً ، لايرفع رأساً ، ويطلب العون ، ويستدر الشفقة ، تتعثر قدماه في المشي ولسانه في النطق ؟! . من أصيب بالتشوه أضحى قدراً لايمكن تغييره ، ولا أحد يفكر في تغيير مااستقر عليه الانحراف ؟! . الاندمال المعيب والتقيح المزمن الكريه مصيره إلى البتر ولو بعد حين ؟! . المشلول كتب عليه أن يبقى مقعداً مدى الحياة ، يتجرع الغصص ، ويزدرد الحسرات . وعلى صاحب الكسر أن يجر طرفه الثقيل لإشهر طويلة بجبس أبيض يذكر بالقبور التي يُصفِّر فيها الريح ، حتى يلتئم الكسر ، وتتكلس الحواف ، ويتشكل الدشبذ ( CALLUS )
وبذا فهمت العضوية على نحو جامد ثابت لايتغير ، ولكن هل الوجود كذلك والله يقول ( يزيد في الخلق مايشاء )؟؟ إن فهم الوجود على أنه كم ثابت يمثل نصف الحقيقة ، ذلك أن الحياة تسبح بين الجمود والحركة ، بين الثبات والتطور ، بين الوجود والصيرورة ، وعندما يتدخل الجهد البشري ليمط قصيراً ، أو يصلح تشوهاً ، أو يقيم معوجاً ، فإنه يعالج في الواقع قدرَ الله بقدرِ الله وضمن سنته التي تسيطر على الوجود المادي والبيولوجي والنفسي والاجتماعي والحضاري والبشري برمته (( ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحو يلا ) . دخل دماغ ( اليزاروف ) إلى مخ العظام لفهم آلية نمو العظام وعلاقتها بالأنسجة المحيطة ، فقلب المفاهيم السائدة ، فقال : إذا كان الكسر ينشِّط النمو فيندمل الكسر ، أي أن الكسر هو الذي يحرض آلية النمو ، فما المانع أن أسَّخر هذه الآلية ، وأضع يدي على سرها ؟؟ ليس أن أرد كسراً ، بل أكسر عظماً سليماً ؟؟ كي أضع تحت تصرفي هذه الآلية فأوجه النمو بالوجهة التي أراها سليمة ، وبمستودعات النمو أستطيع أن أطيل عظماً ، أو أقيم معوجاً ، أو أقاوم تقيحاً معنداً بأسلحة النمو هذه . هذه هي جوهر فكرة ( اليزاروف ) ، هي بسيطة ولكنها رائعة وانقلابية . هي جميلة وساحرة ، وجمالها يأتي من بساطتها ، لأن أهم عناصر الجمال البساطة . فكرة ( اليزاروف ) تقوم ليس على تجبير العظام ورد الكسور ، بل كسر العظام ، وتحريض النمو في العظم والأنسجة المتصلة به ، من عصب ، وشريان ، ووريد، وعرق لمفاوي ، وعضلات ، وفي النهاية الجلد الذي يتمطى ؟! . إن هذا الشق والكسر للعظم يتولى القسم الخارجي فقط ، أي قص القشرة الخارجية وتثبيتها من الخارج بحلقات ومسامير وأعمدة بشكل ميكانيكي مدروس في الاتجاه المزمع إنشاؤه ، ثم شد الطرفين المكسورين بعيداً عن بعضهما البعض بمقدار مليمتر واحد يومياً لتحريض آلية النمو يقوم بها المريض بنفسه علىالبراغي المشدودة ساقه اليها وعليها ، وبذا أمكن إطالة العظم ، ومد الشريان ، ومط العصب ، وزيادة الأوردة ، وترميم الأنسجة المهددة ، وتقويم الأعضاء المعوجة . فهي كما نرى فكرة رائدة تعتمد أن يرمم الجسم نفسه بنفسه . فيتم بها تحسين التروية الدموية ، وتنشيط السيالة العصبية ، ونمو العضلات ، وتطويل الأوتار ، وردم القيح ، ومط الجلد ، وزيادة الجمال في الأطراف والتخلص من التشوهات . تتيح طريقة ( اليزاروف ) للمكسور الساق أن يمشي على كسره مباشرة ، وللمشلول أن يبدأ في الأمل في الحركة وهناك تجارب الآن على نخاع الظهر عند المشلولين ، لتنشيط نموه وهو من مستحيلات العلم اليوم ، لإن الطب الحالي بتَّ فيه بلاعودة ؟! وفي فقر التروية الدموية بضخ الدم وتحسين الدوران ، وفي الأقزام أن يمنحهم بسطة في الجسم وتم ضرب رقم قياسي بتطويل وصل إلى 30 سم ، بل إن اليزاروف دفع الرقم إلى 90 سم ( طوَّل انسان ياباني من 90 سم الى 180 سم ) ؟! بمعدل زيادة 1 ملم يومياً، وللمشوهين أن يستعيدوا عافيتهم ، وجمال شكلهم ، وللمقعدين أن يتفاءلوا بدخول عتبة جديدة في المعالجات . قال - ص - : (( مأنزل الله من داء إلا وجعل له دواء عرفه من عرفه ، وجهله من جهله )) فهذا الحديث يفتح الباب أمام فكرة الشفاء لإي مرض مهما استعصى واستفحل . وبعد فإن طريقة ( اليزاروف ) ليست سحراً ولا ألغازاً ، فلاتوجد أسرار في العلم ، كما أنها ليست فوق النقد ولادون الخطأ ، بل هي فهم لسنة الله في خلقه ، والقوانين التي تحكم البيولوجيا ، وإذا كان الحديد ثقيلاً ومن طبيعته أنه يسقط إلى الأرض ، فإن الذكاء الإنساني حوَّله إلى طيارةٍ تحلق في الأجواء ، وصاروخٍ يخترق الجاذبية ، ليس بخرق القانون ، بل باستخدام قانونٍ جديد يتخلص به من قانون الجاذبية ، فالتشوه ، والشلل ، والعجز ، والصمم ، والضعف ، والتردي ، حدث بفعل قانون ( سقوط ) ونحن نعالجه بقانون ( صعود ) . إن العبرة في الانقلاب الثوري في جراحة اليزاروف ذات ثلاث أبعاد ، 1 ـ الأولى في دلالة علاقة العلم بالفلسفة ، فالعلم غصن من شجرة الفلسفة ، والفلسفة هي رحم العلوم التي تضخ بها وتنتجها وتصنعها وتولدها بدون توقف . 2 ـ والثانية أن الابداع يأتي وفق قفزات نوعية يقوم بها أناس إما من خارج ذلك الحقل ، حينما يرون الأشياء بنور جديد ، كما حصل مع طبيب النسائية ( كورت سيم KURT SEMM ) (الذي قام بتثوير جديد في علم الجراحة ، من خلال تطويره جراحة المناظير الجديدة ، التي تشق طريقها الآن إلى قفزة نوعية أخرى هي الجراحة بدون جراح من خلال وسيط الروبوت ، والتي ستكون جراحة القرن الواحد والعشرين ، أو أناس خرجوا بأرواحهم من روتين وسطهم الممل إلى نسمات العبقرية وإلهامات التأمل العميق .3 ـ وأما الثالثة وهي أحزنها فهي نكسة الجراحين بتحولهم إلى مهنيين مع الوقت ، وانزلاقهم عبر ( قمع الزيت ) التخصصي وكأنه الامتصاص داخل ثقب أسود ، حيث تضيق ساحة الاهتمام ويزداد الظلام مع قوة العبور في اتجاه عمى الاختصاص اللوني ، وإذا كانت نهاية القمع ثقب ضيق ، فإن الاختصاصيين يفقدون حاسة التمييز في النهاية أن الوجود أكبر من العمليات الجراحية ، وأرحب من التشريح والفيزيولوجيا ، وأهم من ترقيع شريان أو استئصال ورم أو رد كسر .
وأما صاحبنا ( اليزاروف ) فقد أبحر إلى فلسفة الطب فرآه بنور جديد ، فاكتشف علاقات جديدة ، وفتحت أمام عينيه أسرار خفية بضوء ليزر الفلسفة ، وباح الوجود له ببعض حكمه القريبة المحجوبة . إن الإبداع له وسطه ، وأعظم شرط فيه هو عشق المعرفة ، والتجديد ، وكسر جمود التقليد ورتابة الروتين ، وإعادة النظر في المسلمات هل هي فعلاً بديهيات عقلية لاتقبل المراجعة ؟ وتحريض ملكة النقد الذاتي ، وتوليد روح الدهشة والفضول لرؤية العالم من حولنا دوماً جديداً نامياً متطوراً ، ورؤية العلم بدون حدود
وجاءت المفاجأة الجديدة من علم ( الباليونتولوجيا PALEONTOLOGY ) (18)بالكشف عن الانفجار البيولوجي العظيم كما كان الحال في الانفجار العظيم الكوسمولوجي ، عندما كان الفريق العلمي السويدي الصيني يبحث في منطقة ( شينج يانغ )( CHENGJIANG ) من جنوب الصين يقلب صفحات كتاب ( طبقات الأرض ) يقرأ عبر لغة ( الباليونتولوجيا ) حروفاً جديدة تلقي الضوء على مزيد من أسرار تاريخ الأرض ، وتفك تلك الطلاسم المخفية من رحلة الحياة البيولوجية للكائنات ؛ اصطدم فجأة بكائن صغير في عمق كيلومتر من الأرض ، لايزيد طوله عن أربعة سنتمترات قد ترك آثاره المتحجرة في طبقات الأرض ، وعندما أرسل الى مخبر تقييم الزمن كان الرقم صاعقاً ، هذه المرة ليس مثل هيكل ( ارديبيثيكوس راميدوس ( ARDIPETHICUS - RAMIDUS ) في قصة الانسان والذي بلغ ( 4.4 )مليون سنة ، بل حوالي نصف مليار سنة ( وبالضبط 530 خمسمائة وثلاثين مليون سنة ) . هذا الحيوان الذي أعطي اسم ( يونانوزون _ ليفيدوم )( YUNNANOZOON - LIVIDUM ) الذي عاش قبل مايزيد عن نصف مليار سنة ، يستحم في المحيط المائي البدائي للكرة الأرضية ، والذي بدى أقرب الى أوراق المراعي المسطحة بحجم إبهام انسان ، وبفم خرطومي يرشف ماء المحيط المالح الممزوج بالطين . ذو بنية قاسية وبعمود فقري مرن ، أوحي الى علماء الباليونتولوجيا بأن يكون هذا الحيوان مقدمة بقية الفقريات والكائنات التي عمرت الوجود لاحقاً ، فمسيرة الحياة لم تمش خطوة خطوة كما كان التصور حتى الآن ؛ بل انطلقت عارمة بكل عنفوان ، في حقبة لم تتجاوز عشرة ملايين من السنين ، لتنتج معظم النماذج التي تنتسب لها الكائنات التي تعمر العالم اليوم . إن المعلومات الموجدودة بين أيدينا حتى الآن في علم تاريخ الأرض ( الباليونتولوجيا )( PALEONTOLOGY ) تعطينا مسلسلاً رهيباً في عمر الزمن والأحداث ، تم التوصل إليه من خلال تطوير علوم جديدة في معرفة عمر بقايا الكائنات والحضارات ، من خلال ساعات كونية وبايولوجية مغروسة في الطبيعة ، كما في ساعة الكربون 14 وعلاقة تحول البوتاسيوم _ الأرغون ، فعن طريق تحول الكربون 14 يمكن ضبط الزمن حتى سبع وخمسين ألف سنة ، وعن طريق ساعة تحول مادة البوتاسيوم الى أرغون ، يمكن معرفة التاريخ الممتد الى مليارات السنوات ، باعتبار أن نصف عمر تحول الذرات يتطلب 1.25 مليار سنة ، أي عمليا ً حتى ساعة بداية الكون ، وبهذه الطريقة أمكن تحديد يوم ولادة الكرة الأرضية التي نعيش عليها ، وأمكن معرفة أن بداية تشكل الكرة الأرضية التي نعيش عليها تعود الى 4.6 مليار سنة .
وفي ( الكيمياء ) قفز العلم الى حل مشكلة جنسية ، بعد الثورة الكيميائية التي دشنت على يد (كارل جيراسي) بانتاج حبوب منع الحمل قبل أربعين سنة . بالاعلان عن الماسة الزرقاء ، تم تركيبها بصدفة جانبية ، ودخلت ( الفياجرا) الى أسرار الطاقة الجنسية ، وحلت إشكالية عضوية عانى منها الرجال منذ أيام حمورابي ويزيد ( العنة العضويةIMPOTENCE ORGANIC ) .
واستطاع الاطباء بعد انتظار عشرين سنة أن يضعوا أيديهم على صاد حيوي جديد يختلف عن كل أجيال الصادات الحيوية السابقة التي تبرمج لانهاك الجرثوم بمهاجمة تركيب الأحماض النووية في النواة أو تفتيت الغشاء الخلوي الخارجي . الصاد الجديد الذي يحمل اسم ( LINEZOLID ) يهاجم مراكز صناعة وتجميع البروتين العمود الفقري للجرثوم بتدمير محطات ( الريبوسوم ) الذي يمد خلية الجرثوم بأسباب الحياة .
ومن ( أبحاث الفضاء وهندسة البناء وعلوم المستقبل ) تنقل لنا الأخبار أن مجموعة من مهندسي الفضاء الخارجي في بريمن من ألمانيا تستعد لبناء فندق كوني يمكن ان يستقبل زبائنه عام 2020 ميلادي تكلف تذكرة الوصول اليه 180 ألف مارك بإقامة فندقية لمدة اسبوع بمبلغ 400 ألف مارك حيث يجلس رجال الأعمال فوق سحب الغمام مثل آلهة الأولمب يقررون مصير البشر تحتهم على ارتفاع 450 كم فوق سطح الأرض تتراءى لهم الأرض من بعيد على شكل كرة زرقاء جميلة .
ظن كثير من الناس أن التحنيط عند الفراعنة سر لن يصل إليه العلم ، وفي زمن ابن خلدون في القرن الرابع عشر للميلاد استولت على الناس فكرة أن الاهرامات شيدها العمالقة ، فلا يستطيع البشر تشييد صرح من هذا الحجم ، وفي عام 1878 م عكف ( جيوفاني شياباريللي GIOVANI SCHIAPARELLI ) من ميلانو في إيطاليا ، على رسم قنوات زعم أنها موجودة على ظهر المريخ ، قامت بصناعتها مخلوقات ذكية ، تضخ الماء من القطب المتجمد ، الى الصحاري الاستوائية العطشى على ظهر الكوكب . وتعارف الناس على أن أعظم العجائب التي شادها الانسان في العهد القديم هي سبعة مثل تمثال زيوس ( الكولوس ) في جزر اليونان التي كانت تمر السفن من تحته ، وبرج بيزا المائل الذي يصلحه المهندسون الألمان اليوم ، ومنارة الاسكندرية التي انتشلت حجارتها من فترة قريبة من البحر وحدائق بابل المعلقة ، وإهرامات مصر ، وسور الصين العظيم . الذي ثبت أن سر التحنيط لم يعد سراً ، والعلم يستطيع أن يحنط اليوم الجثث الى أجل غير مسمى ، في رحلة تقترب من الأبدية ، وفي نوع من التقنية يتحسر عليها كهنة هليوبوليس ، وأن الاهرامات بأحجارها المليونية ، دشنها المصريون بالعقول الهندسية المبدعة ، والسواعد الجبارة في وقت لم يعرف الحديد بعد ، فكان الحجر يقد من الصخر بحجر أشد قسوة منه ، وتبين أن المريخ كوكب ميت وجثة باردة في الصقيع منذ أربع مليارات سنة ، وأن أقنية المريخ التي استمر الفلكي الأمريكي ( بيرسيفال لويل PERCIVAL LOWELL ) في متابعة رسمها ليست أكثر من خدعة بصرية . وطلب مشركو قريش سبع عجائب دليلاً على النبوة ، على شكل خوارق صبيانية ، من حيازة بئر ارتوازي وحديقة عنب وتمر ، أو امتلاك فيلا مزخرفة ، والصعود في السماء ، وكان جواب القرآن لهم في اتجاه مختلف تماماً حين زحزح موضع النقاش كلية ، فهو مع قناعته من شهادة التاريخ ، أن المعجزات بما فيها دابة تنشق عنها الأرض ، لم تنفع في تبديل عقول أشد قسوة من جلمود الصخر ، فكان الرهان على سنة الله في خلقه ، فهي المعجزة المتفجرة لكل عقل في أي زمان أو مكان . وأما عجائب العالم القديم السبعة فلا تعادل لو جمعت كلها مشروع واحد مما يزمع اليابانيون بناؤه اليوم ، فكل اهرامات الفراعنة بما فيها اهرامات ( خوفو وخفرع ومنقرع ) لاتزيد عن حجر واحد في مشروع بناء ( اكس ـ سيد 4000 X - SEED ) الماموت ، الذي سيرتفع كناطحة فوق سحاب ، بارتفاع أربعة كيلومترات فوق سطح البحر الياباني ، ينهض فوق وسادات خرافية من الحديد الغاطس في الماء ، يهتز بنعومة مع غضب الزلازل في أرض التيفون والأعاصير ، لبناء يعيش فيه 700000 ( سبعمائة ألف ) انسان من حجم مدينة متوسطة عصرية .
مايحمله المستقبل أكبر من الخيال ، وأبعد من التصور ، ويخترق المستحيل الذي تعارفنا عليه ، لإن المستحيل في عقولنا فقط . مدن كاملة تحت الأرض . وأخرى عائمة فوق المحيط ، وناطحات مافوق سحاب الى ارتفاع الكيلومترات تضم بيوتاً تسع مئات الآلاف من البشر فيما يشبه المدن الجديدة ، وعمليات جراحية كونية لترقيع ثقب الاوزون ، برقع وخيطان من حقول كهرطيسية ، وجبال شاهقة تقد من القطب المتجمد الجنوبي تقطر الى مناطق الصحاري ، تنقل بحيرات كاملة ماءً سائغاً للشاربين ، وتسقي جنات على مد البصر في الصحراء تنبت فاكهة واباَّ ونخلا باسقات لها طلع نضيد . وشفط عناصر هامة في الطاقة من سطح القمر من نوع الهليوم الثلاثي بروبوتات ذكية . وفرش سطوح تنقل الطاقة عبر عشرات الآلاف من الكيلومترات من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية ، لاستقطاب الطاقة وبثها على شكل موجات قصيرة الى الأرض ، وإرسال مركبات فضائية الى سطح المريخ ، تحمل طاقماً بشرياً وروبوتات تبني مفاعلات نووية تبث طاقة كهربية من مستوى 4500 ميجاوات ، ومصانع كيمياوية عملاقة ، تنفث في جو المريخ غازات صناعية على مدار الساعة ، مايعادل 40 ضعف تلويث مناخ الكرة الأرضية السنوي ، في محاولة إعادة الدفء الى كوكب المريخ المتجمد من صقيع مريع ، وإحداث غلاف حامي لجوه ، واستنبات الحياة على ظهره ، في أضخم جراحة كونية يقفز إليها الخيال البشري .
هناك في أمريكا معاهد خاصة لما يعرف ( معامل التفكير THINK - TANKS ) وفي ألمانيا معهد ( دلفي ) استطاع أن يحزر 30% من التوقعات . مهمة هذه المعاهد التفكير في المستقبل واحتمالاته والتخطيط تجاهه ، على خلاف مشاكل العالم الثالث ، التي تنتبه للمشاكل أثناء الاصطدام بها ، في شهادة واضحة للفرق بين الأعمى والبصير ، فالبصير يرى الجدار فلا يصدمه ، والأعمى لايرى شيئاً فينطح الجدار ويشج رأسه !!
إن كلاً من جون فيرن الفرنسي ، وليوناردو دافنشي الإيطالي ، وعباس بن فرناس العربي ، تخيلوا كل لوحده : الغواصة والدبابة والطيارة وضحك عليهم معاصروهم ، كما فعلت كثير من الأمم مع المصلحين أو الأنبياء ، الذين جاء اسمهم من النبوءة ، أي رؤية خاصة للمستقبل ؛ وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه . الذي ثبت بعدها أن الواقع كان أكبر من الخيال ، وأن ماتحقق فاق أبعد التصورات ، وفوق كل ذي علم عليم .
يقوم اليابانيون اليوم ( فراعنة العصر الجديد ) ببناء مدينة كاملة تحت الأرض ( GEOTROPOLIS ) سوف تكون جاهزة للسكن عام 2020 ميلادي ، وبدأ العمل الآن بها في إنجاز مبنى للموسيقى ( كونسرت ) بعمق 50 خمسين متراً تحت الأرض .
سيعيش تحت الأرض في هذه المدن المستقبلية التي تشبه ( انبوب الاختبار REAGENSGLAS ) الآلاف من البشر ، في مدينة تحت أرضية عجيبة ( UNDERGROUND - CITY ) ، ولجأت اليابان الى هذا الحل ، كمنفد للتكاثر السكاني وارتفاع الأسعار الجهنمي للأراضي، فالمتر المربع في طوكيو اليوم يساوي 288000 ( مائتان وثماني وثمانون ألف ) مارك . هذه المشاريع من بناء المدن تحت الأرض لن تكون في أرض اليابان فقط ، بل ستنزل الى البحر بحثاً عن المكان لبشر يتزايدون بدون توقف . فهناك اليوم مشروع بناء مدينة صناعية تحت قاع البحر ب600 متر في الشاطيء الشرقي من اليابان ، ستنتهي بعد 30 سنة من العمل ، في مساحة 150 كيلومتر مربع ، تضم أقنية بطول 15 كم وعرض 20 متراً وارتفاع 30 متراً ، تعمل عليها الآن جرافات من أحدث وأفظع ماأنتجته يد الانسان ، بأسنان من عرض 14 متراً ، تحفر الى مستوى 30 متراً يومياً في الأرض ، ستكون المدينة قسمين : الحقل الأول مكان المصانع الثقيلة لصهر الحديد والمحطات البترولية والكيمياوية ، والقسم الثاني للمصانع الخفيفة ، مثل مخابر التجربة . المخططات الخيالية للتقنية الهندسية العالية تمضي في بناء مدن كجزر عائمة في المحيط ، تسبح فوق وسادات حديدية تحتمل ثقلها ، تضم عشرات الآلاف من الناس ، وبدأت ظهور بعض النماذج في مساحة ( ملعب كرة قدم ) وتعتمد هذه النماذج تطوير أمكنة السكن بما يناسب القرن الواحد والعشرين ، بإنتاج بيوت تتمتع بإضاءة ممتازة ، وتهوية صحية ، وسعة في المكان ، والابتعاد عن الزخرف الهندسي التقليدي الذي يعتمد الأشكال الهندسية المنتظمة ، فالطبيعة يعتمد جمالها على عنصر التغيير والتنوع بل والفوضى ، حتى أن هناك ثورة اليوم في إنتاج كل شيء بمايناسب أعضاءنا ، كما هو الحال في ( الكيبورد ) الذي نستخدمه في الكمبيوتر ، فيجب ان يلائم مفاصل اليدين ، وكذلك في أبنيتنا فيجب أن تكون رومانسية وليست تشبه القلاع أو البنوك ، بنوافذ صغيرة وإضاءة سيئة ، كذلك تطمح هذه الهندسة المعمارية للقرن القادم ، أن تكون من النوع الذي يحقق الجوار الانساني .
إذا كان المهندس الأمريكي ( نورمان فورستر NORMAN FORSTER ) خطط نموذج بناية أشبه بالابرة تصعد في السماء الى ارتفاع 800 متر ، أعطاها اسم مدينة برج ( ملينيوم MILLENIUM ) مايجعل برج بابل وحدائقها المعلقة تبدو تافهة أمامها ، فإن أبنية القرن القادم بدأ التخطيط لها منذ الآن ، لما هو خمسة أمثالها من الارتفاع ، وأصبحت البنايات التي ترتفع 200 متر بنايات عادية للغاية ، تشكل مدناً صغيرة بحق ، وعلى سطوحها أمكنة لنزول طيارات الهليوكوبتر . ويفكر اليابانيون الآن بمشروع مرعب ببناء مدن يسمونها ( مدن المحيط OCEAN CITYS ) حيث ترتفع من قلب الماء ، من وسط المحيط إهرام من البناء ، يرتفع 4000 أربعة آلاف متر عن سطح الأمواج المتلاطمة ، يهزأ البناء بها ، ويرتعب خوفو لهذا الإهرام الجديد ، الذي يصعد من لجة الماء ، بما هو أرعب من العنقاء ، مخترقاً كل المستحيلات الأربعة في الثقافة العربية ، يرتفع في المياه اليابانية ، فوق أعلى مستوى فيها من نموذج جبل ( فوجي ياما FUDSCHIJAMA ) بحوالي 224 متراً (20)
هذا البناء السامق سيلمع عند الساحل الياباني ، يقوم على وسادات حديدة بوزن 550 مليون طن من الحديد الثقيل ، تغطس في عمق المياه تهيء للبناء الاتزان الكافي في مواجهة أعاصير التيفون ، وحمم البراكين ، وزمجرة الزلازل ، يضم عدداً من السكان يعادل 700000 ( سبعمائة ألف ) انسان ، بحجم سكان مدينة متوسطة عصرية ، يحتاج المصعد السريع للوصول الى الطابق العلوي رقم ألف 35 دقيقة ، وتبلغ درجة الحرارة فوق عند القمة 11 درجة مئوية تحت الصفر ، حيث الهواء في غاية الرقة ، والثلج لايفارق المكان في كل فصول السنة ، يمارس أهل البناء رياضة التزلج لمن أحب في أي وقت شاء ، فلا حر ولاقر ولاسآمة
وفي ( تكنولوجيا سيارة المستقبل ) في ساكرامنتو من كاليفورنيا حققت شركات البترول بالتعاون مع شركات انتاج السيارات ( دايملر كرايسلر ) انتاج جيل جديد من السيارات للمرة الأولى ، يستخدم فيها الهيدروجين كطاقة من خلال تحويل الايونات الى تيار كهربي ، بواسطة غرف حرق بدون مكابس ؛ فلا يخرج من السيارة الا البخر اللطيف مثل تعرق جلودنا برشح منعش بدون غازات سامة ؛ فيستغنى بضربة واحدة عن المكابس والبنزين والحرق والتلوث والضجيج بسرعة تزيد عن 100 كم \ ساعة ، وبملء محدود للطاقة لعدة مئات من الكيلومترات ، وبدون تنقيل وتعشيق لترس الحركة ، يكفي دعسة البنزين العادية . خرجت هذه السيارة تحمل اسم p2000 لشركة فورد بقدرة 100 حصان والأخرى تحمل اسم NECAR 4 بقوة 75 حصاناً وتقدم حاكم البلدة جراي ديفيس ليقول بفخر لن يكون هناك غازات سامة على الاطلاق .. أكرر لاشيء سوى بخر الماء (21)
وصف الحديث اهل الجنة بأن نواتج اجسامهم من بول وغائط وعرق تتبدل الى رائحة المسك اللطيف ؛ فلايبولون ولايتغوطون ولايتمخطون رشحهم المسك ومجامرهم الالوة ، واليوم في السيارة الجديدة التي تجرب في كاليفورنيا يتم استخدام الهيدرجين فلا يخرج منها الا البخر اللطيف بدون غازات سامة تلوث الجو وتخنق التنفس وترفع درجة حرارة الأرض ويتبدل المناخ سوءً بسوء .
وفي ( علم الخلية ) مع مطلع 1998 م أعلن الثنائي ( جيري شاي ) و ( وودرنج رايت ) من تكساس ، عن استنساخ انزيم ( التيلوميراز ) وحقنه في الخلايا ؛ فأعطاها فسحة جديدة من العمر ؛ فتابعت انقسامها بهمة لاتعرف الكلال ، في مؤشر الى إمكانية مط أعمار الناس قروناً كثيرا ، مذكراً بقصة أصحاب الكهف (22)
هل نموت لإننا نهتريء أم نهتريء لأننا نموت ؟؟ بكلمة أخرى هل نموت لإننا نستهلك بدننا ؟ أم نموت لإن ليس هناك مايستهلك فقد اهتريء كل شيء بعد حين ؟!
منذ مطلع الستينات تنافست مدرستان في تفسير ظاهرة الموت بيولوجياً الأولى من جامعة فيسكونسين ( WISCONSIN ) في ماديسون ( MADISON ) والثانية من جامعة تكساس المركز الطبي في الجنوب الغربي في دالاس ( UNIVERSITY OF TEXAS SOUTHWESTERN MEDICAL CENTER IN DALLAS ) . مشت المدرسة الأولى بثلاث مراحل من التطور :
1 ـ ( الأول ) تجمعت قرائن قوية يذكرها الخبير بعلم الشيخوخة ( ميشيل جازفنسكي MICHAL JAZWINSKI) أن العضوية تتعرض الى نوع من الانتحار الداخلي البطيء ؛ فكما يحصل في المفاعلات النووية يحصل مع المفاعلات الخلوية ، والمشكلة في الجسم أنه لايعثر على حكومات ترضى أن تدفن في أرضها النفايات النووية ، فيقوم الجسم بدفن نفاياته الخلوية بطريقته الخاصة بإفراز مواد معدلة لهذه السموم القاتلة ، وعرف أن هذه النفايات محصلات طبيعية ( من مخلفات مواد الأكسدة ) من مصانع الطاقة في الخلية ( الميتوكوندريا ) وظهرت هنا مشكلتان : تخص المواد القاتلة الداخلية ، والثانية كمية تعديلها ؛ فلايملك البدن الكفاية من تعديلها الا بشكل جزئي ، ولكنها أوحت بفكرة ثورية من جانبين كل منهما خطوة في فهم الموت الزاحف نحونا .
2 ـ ( ثانياً ) يمارس الجسم انتحاراً داخلياً بالغرق بمخلفاته و ( زبالته ) ويعالجه بطريقتين : تحديد كمية المواد الداخلة للجسم ، فتخفف كمية المواد السامة الخارجة من الأكسدة ، ويطلق عليها العلماء تعبيراً عجيباً ( دورة تجويع ) ولايمكن أن يقارنها سوى (نظام الصيام الاسلامي ) . والثانية بزيادة المواد اللاجمة للسموم .
قام العالم ريشارد فاين درخ ( RICHARD WEINDRUCH ) بثلاث تجارب مثيرة كانت الثالثة منها عليه بالذات . كانت الأوليتان على فئران الحقل ؛ فقد لاحظ أن الحيوان يميل الى الموت أسرع كلما تغذى أكثر ، وبمقارنة الحيوانات وكم تستهلك من الطاقة استطاع رصد قانون ملفت للنظر ، فعمر الحيوان يحدد بمقدار مايستهلك من الكالوري نسبة الى وزنه ؛ فجرذ الحقل الذي يستهلك 250 كالوري لكل غرام من جسمه في اليوم يعيش 18 شهراً فقط ، في حين أن الخنزير الذي يستهلك 12 كالوري يعيش 25 سنة .
كما لوحظ قانون آخر في علاقة دقات القلب مع فسحة الحياة ؛ فكل حيوان عنده أربع مليارات من دقات القلب يستهلكها كيفما أراد ، فالفأر والأرنب مشغولان بنهم في القرض والالتهام طول النهار تضرب قلوبهم حوالي 500 ضربة في الدقيقة فينفقون بسرعة أكثر ، في حين تعيش الفيلة والسلاحف أكثر من مائة سنة بسبب ضربات القلب البطيئة ، وعرف في هذا الصدد أن قلوب الرياضيين تضرب ببطء أكثر ، وأن الله قد منح للبشر فترة حياة مضاعفة ، فقلوبنا نحن البشر تضرب حوالي ثمانية مليارات ضربة في متوسط الحياة .
قام العالم ( ريشارد فاين درخ ) بتجربة مثيرة على الفئران فجوعها بتطبيق ( نظام الصوم ) عليها ليرى مدى تأثيره ؟؟ وكانت المفاجأة صاعقة لأن الفئران عاشت أطول عمراً وأطيب صحة ، وكسبت 50 % زيادة في العمر ، مما دفع العالم الى تطبيق هذا النظام على نفسه : إذا عمرت الفئران أطول وأفضل بالصيام ؛ فهو من بابٍ أولى بتطبيقه على البشر منذ ذلك الوقت خفَّض العالم كمية غذائه باعتماد 1500 كالوري في نهاره ، فيكسب كما كسبت الفئران زيادة 50 % في فسحة العمر ؟!
يقول العالم ( فاين درخ ) وهو هنا يتفق مع مدرسة البرمجة الجينية ، إذا كانت الانقسامات الخلوية تمنحنا حوالي 120 سنة من فسحة العمر ، فإنه باعتماد نظام التجويع المستمر ( الصوم ) يمكن أن يعيش الانسان لفترة 180 سنة ؟! .
3 ـ ( ثالثاً ) يمكن تطويق ظاهرة الموت من طرف آخر ، ومد فسحة العمر عن طريق لجم السموم ، وهذا مافعله العالم ( راجيندار سوهال RAJINDAR SOHAL ) وزميله ( ميشال روز MICHAL ROSE ) برفع مستوى المواد المضادة للسموم المنبعثة من تفاعلات الخلايا بزيادة مواد ( مضاد الأكسدة ANTIOXIDANTIEN ) وكانت التجربة على ذباب الفاكهة ، من خلال إقحام هذه المواد في نواة الخلية ، وكانت المفاجأة قوية ، عندما تم ملاحظة قوة الذباب المحقون بهذا الاكسير ، نسبةً للفريق الآخر غير المعالج بهذه الطريقة ؛ فطال عمره ، واشتد عوده ، وعظمت مقاومته للأمراض والسموم والجوع والغازات القاتلة وصدمات الحرارة .
كان ابن خلدون يقول : إن الناس في المجاعات لايموتون من الجوع الجديد ، بل من اعتياد الأمعاء القديم على فرط الرطوبات ، ولذيذ المطاعم والمشارب ، والتأنق في افتراس الطعام بدون توقف .
أما مدرسة البرمجة الجينية فقد تأسست من خلال تطور رباعي المفاصل :
1 ـ ( الأول ) في مطلع الستينات عندما استطاع ( ليونارد هاي فليك LEONARD HAYFLICK ) أن يشق الطريق الى مفاجأة غير متوقعة وغير سارة عن جدولة عمر الانسان ؛ فرأى أن قدره محتوم من خلال انقسامٍ محددٍ للخلايا ؛ وهذا القدر من الانقسام قد رُسم وحُتِّم في جينات الخلايا ؛ يستهلك الجسم نفسه بموجبه مع كل انقسام ، من خلال ساعة بيولوجية تدق مربوطة الى منبه إنذار الموت ، فكما يربط منبه الساعة الى حين ؛ فإذا دخل الوقت استيقظنا على رنينه المزعج ، فهو هنا منبه الموت يدعونا لضجعة القبر .
2 ـ ( الثاني ) عكف فريق ثنائي ( جيري شاي JERRY SHAY & وودرنغ رايت WOODRING WRIGHT) لمعرفة ماذا يحدث بالضبط و( كيمياوياً ) مع الانقسام الذي يرسم قدر الموت ؟ فوجدوا أنه معلق بنهاية الكرموسومات ؛ فمع كل انقسام تتقشر نهاية الكروموسومات فتهلك ، ومع هلاكها يقضى علينا بالموت . هذه النهاية مكونة من مادة بروتينية تم معرفة تركيبها على وجه الدقة ، وأخذت اسم التيلومير ( TELOMERE ) ومع كل تقشر لهذه النهاية تتعرى نهاية الكروموسوم ، ويضيع قسم من الأحماض النووية قُدِّر بخمسين يزيد وينقص ( مايشبه نهايات شواطات الأحذية )
3 ـ ( ثالثاً ) انفتحت شهية البحث أمام سيدتين أمريكيتين هما ( كارول جرايدر & اليزابيث بلاك بورن CAROL GREIDER & ILEZABETH BLACKBURN ) تشتغلان في علم الخلية لمعرفة تركيب ( الانزيم المضاد ) وهل يعرقل عملية التآكل ؟؟ واستطاعتا عام 1985 أن تضعا أيديهما على تركيبه الكيمياوي التفصيلي وأعطي اسم ( التيلوميراز TELOMERASE ) وكان اختراقاً علمياً مذهلاً ، أثبت قدرة المرأة وصبرها على تحقيق اختراقات معرفية يعجز عنه الرجال .
4 ـ ( رابعاً ) قام الثنائي العلمي ( رايت & شاي ) بتسخير ( علم الاستنساخ CLONING ) للتلاعب بالخلية باستنبات الانزيم الحيوي أولاً ، ثم إقحامه الى داخل نواة الخلية لمعرفة هل يكون مفتاحاً لقفل ( التيلومير ) ؟؟ فطالما كانت الخلية تموت بالتعري والتآكل في نهاية الكروموسومات ، من خلال تقشر مادة ( التيلومير ) فيمكن المحافظة عليها بأكسير الحياة الجديد ( التيلوميراز ) الذي أكتشفته ( جرايدر وبلاك بورن ) ؟؟
الجنين سرطان رهيب مضبوط ، والسرطان تمرد على قوانين التآكل والموت ، في عشق للعودة الى حياة الطفولة بلاموت . كل هذه كشفته الدراسات الخلوية الحديثة ، بمادة ( التيلوميراز ) المحشوة في دم الجنين ( وخلايا السرطان ) فكلاهما يستحمان في ترياق الحياة الزكي ، فعند دراسة خلايا الأجنة وجد أنها تتكاثر على نغم هذه المادة السحرية التي تعمر الخلايا بزخم الحياة ، وعند تأمل الأنسجة السرطانية فوجيء الباحثون بتدفق هذه المادة في مفاصل الخلايا السرطانية المتمردة ، في جدلية فظيعة أمام مادة فيها الكثير من الأسرار والتحدي . هنا بدأ العلماء يحومون حول هذه المادة الخطيرة يخطبون ودها لمعرفة كيفية تسخيرها . في صيف عام 1997 م تمت تجارب حقن نواة الخلية بهذه المادة السحرية ، وتمت مراقبة الخلايا وتكاثرها إلى أين تمضي رحلة التكاثر ؟ هل ستقف عند قدرها المحتوم من خلال التآكل ؟ أم أن الانزيم الجديد سيحافظ على نهاية الكروموسومات فتستمر في رحلة الانقسام بنشوة ؛ فلاتطالها يد الموت ؟! وكانت المفاجأة صاعقة !! فقد حمى الانزيم الجديد نهاية الكروموسومات ، وتابعت حياتها فانقسمت أكثر من الرحلة المعتادة ، فتجاوزت الخمسين انقساماً ، ثم تابع الانقسام طريقه فزاد عن الثمانين ، ثم تجاوز المائة ، والدكتور ( جيري شاي ) لايصدق عيناه ؛ فيأخذ خلاياه المدللة ويتابع مراقبتها تحت المجهر ؛ فلا يلاحظ ملامح الاهتراء والشيخوخة ، الضعف أو الموت أو التوقف ؟!!
ومع الاعلان عن الكشف الجديد لانزيم التيلوميراز مالت الكفة باتجاه ( القدر الجيني ) فتبرع ( بارون البترول ) المليونير في تكساس ( ميللر كوارلس MILLER QUARLES ) بمبلغ مائة ألف دولار تشجيعاً لاستحضار ترياق الحياة ؛ فهو بلغ الثلاث وثمانين عاماً ويرى الحياة جديرة بأن يتمتع بها المرء ، ويضع الأغنياء الأمريكيون اليوم ( الفراعنة الجدد ) أجسادهم في سائل النشادر ( 160 تحت الصفر ) عند الموت على أمل وصول الطب في المستقبل الى إعادتهم الى الحياة بشكل أكثر حيوية وشباباً ؟! وبدأت الشركات تشمر عن ساعد الجد في تطبيق أنزيم الحياة الجديد على العديد من الأمراض من العته ونقص المناعة ، الضعف الجنسي وتساقط الشعر ، الصدفية والصلع ، وسجلت أسهم شركة ( أبحاث الشيخوخة ) ( جيرون GERON CORPORATION ) في سوق البورصة ارتفاعاً بمقدار 44 % ، واعتبرت شركات التأمين للشيخوخة والتقاعد أن مايحدث بمثابة الزلزال للنظام التقاعدي لزبائنهم المرشحين أن يعيشوا قروناً . اعتبر الطبيب ( ميشيل فوسل MICHAEL FOSSEL ) من جامعة ولاية ميشيجان ( MICHIGAN STATE UNIVERSITY ) أننا أمام التحول الأعظم في تاريخ البشرية لايقارنه الا الثورة الزراعية ( CULTURE REVOLUTION ) فإذا كانت الثورة الزراعية قد حررت الانسان لأول مرة في تاريخه الانثروبولوجي من الخوف من الموت جوعاً ، فإن الثورة الحالية تراهن على مد عمره بالتلاعب بالساعة الداخلية لأجله المحدد . تم هذا باستخدام قانوناً ضد قانون ، فبواسطة القانون أمكن للحديد أن يخترق قانون الجاذبية فيطير في الهواء ، وكما أمكن رفع متوسط عمر الانسان الحالي ، مد العلم يده للتداخل على أجل الفرد من خلال سنة الله في خلقه ، فبعد أن كان معظم الناس لايعمرون أكثر من ثلاثين الى أربعين سنة ؛ يعتبر من يموت في الستينات اليوم شاباً صغيراً . مات الرسول ( ص ) بعمر الثلاث وستين سنة بحمى قد تكون تيفية ، وقضى الإمام الشافعي نحبه في الخمسين بالبواسير ، وهلك فيلسوف التنوير ( سبينوزا ) الهولندي دون الأربعين بالسل ، ومات صلاح الدين الأيوبي وعمره 52 سنة بالتهاب الطرق الصفراوية ، وكان يمكن معالجة الحالة الأولى بالصادات الحيوية ، والثانية بعملية بسيطة ، والثالثة بعقار الستربتومايسين والنيازيد ، والرابعة بالمغذيات والعلاجات المناسبة بما فيها جراحة المناظير الحالية ، وليس كما فعل ( مجلس الحكماء ) بمعالجة صلاح الدين الأيوبي حينما قضوا عليه بالفصادة ؛ فأصيب بالتجفف ( DEHYDRATION ) والصدمة الكلوية ؟!
يرى الطب الأمريكي الحديث أننا في أول الطريق لوضع يدنا على أسرار مذهلة في قهر السرطان ليس الانزيم الحيوي ( تيلوميراز ) آخرها وتحقيق حلم الانسان في معالجة الكثير من المشاكل المستعصية ، فنحن نلج أوقيانوس المجهول الانساني ببطء وحذر وجهل ، ولعل الأحجية الكبرى هي معرفة الانسان ، كما وصف ذلك قديماً الكاتب والجراح ( الكسيس كاريل ) في كتابه ( الانسان ذلك المجهول MAN THE UNKNOWN ) أن الانسان حقيقة مجهولة تمشي وسط موكب من الأشباح . نحن فهمنا أشياء كثيرة مما يحيط بنا ولكننا لانملك ( دليل معلومات MANUAL INSTRUCTION ) عن أنفسنا كما يرى ذلك عالم النفس الأمريكي ( براين تريسي ) في أبحاثه عن أسس علم نفس النجاح ، عن كيفية تشغيل هذه الآلة المعقدة المسماة بالانسان ، وهي كلمة غير دقيقة غير سليمة ولاتؤدي الغرض ؛ فالانسان يجمع داخله مختصر مضغوط لبرمجة الكون كله ، فإذا كانت الكروموسومات تحوي ثلاثة مليارات من الأحماض النووية وتعتبر التجلي الأعظم في الخلق البيولوجي ، فإن الجانب الروحي النفسي مازال دغلاً لم نقطع بين أشجاره الملتفة سوى خطوات قليلة .
هذا التصور المذهل جعل عالم النفس السلوكي ( سكينر SKINNER ) يُعِّقب في كتابه المترجم الى اللغة العربية تحت عنوان ( تكنولوجيا السلوك الانساني BEYOND DIGNITY AND FREEDOM ) أن سقراط لو بعث في أيامنا الحالية لدهش من أمرين : اكتشاف نفسه طفلاً صغيراً لايفقه شيئاً من الأبحاث الحالية . سوف يصعق من المعلومات الجديدة عن الفيزياء النووية بتركيب مضاد المادة ، ورحلة المركبة ( باثفايندر ) الى المريخ ، وكشف التركيب الجيني في نواة الخلية ، في جدلية فهم العالم الأصغر والأكبر بالتسلكوب والميكروسكوب ( MACRO & MICRO ) عند حواف الكون ، ولكن المفاجأة الثانية لن تكون بحال أقل من الأولى ؛ أن العالم لم يتغير كثيراً في الحوارات الفلسفية والعلوم الأخلاقية الانسانية ؛ فسيقتحم غمارها خوض المغامر الجسور ؛ فليس هناك من تطور نوعي في المناقشات فمازال السياسيون يتناقشون ويتعاركون كرجال الأدغال ؟!
يعقب عالم النفس (سكينر ) على كارثة انسانية من هذا الحجم : لماذا لم تتطور العلوم الانسانية بشكل نوعي انقلابي كما حصل مع التكنولوجيا ؟ هل لأن هذه العلوم لاتملك بذرة التطور في رحمها ؟ فيمكن للانسان أن ينمو تكنولوجياً ولكن لايتطور أخلاقياً ؟ هل تحتاج الى تطوير أدوات معرفية نوعية ، تسبر غور فضاء معرفي معقد من نوع جديد ؟؟ وهل هناك ما أوقف تطوير الأدوات المعرفية هذه ؟؟
ويخلص من هذا الى القول بوجوب وضع تكنولوجيا انسانية تستطيع ضبط التعليم والصناعة ، والانفجار السكاني ، والسلام العالمي ، كما نضبط مسير سفينة فضائية ، أو نقترب من الصفر المطلق في الرياضيات ؟!
ويتم الآن حفظ أرشيف الحياة في أمريكا لكل خلية ونسيج في مشروع ( البنك الخلوي ATCC = AMERICAN TYPE CULTURE COLLECTION ) في سائل النشادر 160 درجة تحت الصفر تجمد الحياة الى عشرة آلاف سنة فيما يشبه الرحلة الأبدية بحيث يمكن استدعاء الخلية مرة ثانية من الكهف النتروجيني ودفعها للحياة والتكاثر في بعث قبل يوم القيامة كما استيقظ أصحاب الكهف من سباتهم المديد .
كما يتم حفظ ملف الجنس البشري كله وماأنجز من المعرفة على صورة ميكروفيلم يدس في سرداب في الجبال قريباً من مدينة ايرفورت في ألمانيا ليوم عظيم ، ويتم البحث الآن ببعثة علمية عن حضارة ( الاتلانتيس ) المفقودة بسونار خرافي يجس فيه سطح الأرض مثل بطن المريض لكشف حصيات المرارة .
وفي ( أبحاث الأعصاب ) في السويد من جامعة ( لوند ) أعلن طبيب الأعصاب ( وايدنر ) عن بداية رحلة زرع الدماغ (23) بتقنية الاستفادة من بقايا ( الأجنة الساقطة ) في عزل خلاياها العصبية ، وإعادة زرعها بنجاح في أدمغة المصابين بداء ( باركنسون الرقصي ) لتحل مكان الخلايا التالفة ، في كسر مريع لعقيدة ثبات الخلايا العصبية . ويتم تطوير العلوم العصبية اليوم لكشف أسرار الدماغ ، وكيف يعمل هذا الجهاز ؟ الذي تشع منه شخصيتنا بطريقة مجهولة ، وفي ظلماته تحوِّم نفوسنا ، ويعمل بطريقة كهربية كيمياوية فتنتقل السيالة العصبية بشرارة لتحط عند خلية فتفرز مالايقل عن أربعين مادة كيمياوية في أربعين حرف للغة جديدة يتعامل معها الدماغ البشري في شبكة عصبية تترابط فيها مائة مليار خلية عصبية تقفز باحتمالات انفتاح الأقنية العصبية الى مافوق الجوجول ( عشر مرفوعة الى مافوق المائة ) .
كان الانسان قبل عشرة آلاف سنة يطارد الوحوش وهي تطارده فماذا ينتظره بعد عشرة آلاف سنة ؟
وفي ( أبحاث الجينات ) بدأت جراحة الجينات على يد ( خورانا ) بعد أن اكتشف ( آربرت فيرنر ) السويسري انزيمات ( مقصات ) الحامض النووي في الخلية ؛ فأمكن تسخير أقذر الباكتريا التي تنشر رائحة البراز الانساني ليكتشف أنها أفضل مصنع لانتاج الانسولين البشري ، ويحلم الاطباء في تسخير هذا الفن بعد كشف كامل الخارطة الوراثية في التخلص من 800 مرض وراثي في جراحات خلوية على الخلية الملقحة الأولى قبل أن تتابع دورة انقسامها وتخصص خلاياها لتتضاعف الى مائة مليون مليون خلية في 210 نوعاً من الأنسجة .
ومن لوس آلاموس تم الانطلاق بمشروع الماموت الجديد ( الجينوم البشري ) العالمي لفك الشيفرة الوراثية عند الانسان حتى سنة 2005 م ، ويمشي مشروع ( هوجو HGP ) الآن بتعاون عالمي لفك مغاليق أسرار الشيفرة الوراثية للخلق ، بمعرفة ثلاثة مليارات حمض نووي في كروموسومات النواة لها طلع نضيد بمايزيد عن مائة ألف ثمرة من سطور الخلق لتشكيل كامل الخارطة البيولوجية لعالمنا البهيج ، وأعلن ( كريج فينتر ) عن فتح (الطريق السريع ) لكشف الكود الانساني بثلاث سنوات ، مسخراً ثلاثمائة كمبيوتر ، تعمل أطراف النهار وآناء الليل ، بكمبيوترات لاتعرف الاستراحة وشرب القهوة ، تقدح بيديها أشعة الليزر ، فوق أسرار نواة الخلية ، وتقوم ( جراحة الجينات ) بأخطر لعبة على الانسان منذ أن بدأت الخليقة رحلتها (24)