المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آية (وهو معكم أينما كنتم ) ..



مالك مناع
09-02-2005, 01:00 AM
سئل فضيلة الشيخ ابن العثيمين: عن المعية في قوله: ( وهو معكم أينما كنتم ) ؟ هل هي معية ذاتية أو معية علم وإحاطة؟

فأجاب بقوله: نحن نعلم أن الله فوق كل شيء، وأنه استوى على العرش فإذا سمعنا قوله سبحانه: (وهو معكم أينما كنتم) فلا يمكن أن يفهم أحد أنه معنا على الأرض، لا يتصور ذلك عاقل فضلاً عن مؤمن ولكنه معنا سبحانه وهو فوق العرش فوق سماواته.

ولا يستغرب هذا فإن المخلوقات وهي لا تنسب للخالق تكون في السماء ونقول : إنها معنا. فيقول : شيخ الإسلام: تقول العرب :ما زلنا نسير والقمر معنا. ومع ذلك فالقمر مكانه في السماء. فالله مع خلقه، ولكنه في السماء، ومن زعم بأنه مع خلقه في الأرض كما تقول الجهمية فأرى أنه كافر يجب أن يتوب إلى الله، ويقدر ربه حق قدره، ويعظمه حق تعظيمه، وأن يعلم أنه سبحانه وسع كرسيه السماوات والأرض فكيف تكون الأرض محلاً له.

وقد جاء في الحديث: " ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض" . والحلقة الصغيرة. مع أن العرش مخلوق والكرسي مخلوق، فما بالك بالخالق سبحانه. فكيف يقال : إن الأرض تسع الله سبحانه أو أنه في الأرض، ومن مخلوقاته سبحانه ما وسع السماوات والأرض، ولا يقول : عن رب العزة مثل هذه المقولات إلا من لا يقدر الله حق قدره، ولم يعظمه حق تعظيمه. بل الرب عز وجل فوق كل شيء مستو على عرشه وهو سبحانه بكل شيء عليم.

سيف الكلمة
09-02-2005, 11:45 AM
ذات الله أسمى وأعلى وأعظم من كل مكان وزمان
فهو خالق الزمان والمكان
وهو فى السماء بمعنى العلو فالسماوات بعض خلقه
وهو فوق العرش من العلو فالعرش من مخلوقاته
ولا يسع الله بعض خلقه فهو منزه عن المكان وازمان
وهو المهيمن أحاط بكل شيء علما
وهو اللطيف الخبير
وهو الفعال لما يريد
سبحانه وتعالى عن التحديد والتجسيد
هو الأزلى السرمدى
ليس لنا أن ندرك ذاته بعقولنا فهى محدودة فهو المنزه عن كل حدود

فيصل...
09-04-2005, 11:32 AM
الله سبحانه أسمى من أن ننكر ما نص عليه في كتابه وعلى لسانه رسوله وأجمع عليه السلف الصالح من علوه فوق عرشه فوق سبع سموات

قال الإمام البخاري في كتابه "خلق أفعال العباد"

باب ما ذكر أهل العلم للمعطلة الذين يريدون أن يبدلوا كلام الله

- قال حماد بن زيد : "القرآن كلام الله نزل به جبرائيل، ما يجادلون إلا أنه ليس في السماء إله"

- قال ابن المبارك وقد قيل له : كيف تعرف ربنا ؟ قال : " فوق سماواته على عرشه "

- قال سعيد بن عامر : " الجهمية أشر قولا من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهود والنصارى وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى على العرش، وقالوا هم : ليس على شيء "

قال علي : " إحذر من المريسي وأصحابه فإن كلامهم يستجلي الزندقة وأنا كلمت أستاذهم جهما فلم يثبت لي أن في السماء إلها "

- قال ضمرة بن ربيعة عن صدقة، سمعت سليمان التيمي يقول : لو سئلت اين الله ؟ لقلت في السماء، فإن قال فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت على الماء، فإن قال : فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت : لا أعلم " قال أبو عبد الله[وهو الإمام البخاري مقراً لكلامه.]: وذلك لقوله تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)) يعني إلا بما بين.أ.هـ كلام الإمام البخاري


- قال محمد بن يوسف : " من قال إن الله ليس على عرشه فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى فهو كافر "

مالك مناع
09-04-2005, 01:44 PM
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله في القواعد المثلى:

" وتفسير معية الله تعالى لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:

الأول: إنه مخالف لإجماع السلف فما فسرها أحد منهم بذلك بل كانوا مجمعين على إنكاره.

الثاني: أنه مناف لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع السلف وما كان منافياً لما ثبت بدليل كان باطلاً بما ثبت به ذلك المنفي. وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلول والاتحاد والاختلاط باطلاً بالكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع السلف.

الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله سبحانه وتعالى ولا يمكن لمن عرف الله تعالى وعرف حق قدره وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم أن يقول: إن الحقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطاً بهم أو حالاًّ في أمكنتهم ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة العربية جاهلاًَ بعظمة الرب جل وعلا.

وعلى هذا: فنحن لم نؤول الآية ولم نصرفها عن ظاهرها لأن الذي قال عن نفسه ((وهو معكم)) هو الذي قال عن نفسه ((وهو العلي العظيم)) وهو الذي قال ((وهو القاهر فوق عباده)) وهو الذي قال ((يخافون ربهم من فوقهم)) وقد ذكرت ذلك فلا داعي لسرد الآيات. إذاً: فهو فوق عباده ولا يمكن أن يكون في أمكنتهم ومع ذلك فهو معهم محيط بهم علماً وقدرةً وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك.

واعلم أنه لا تعارض بين معنى المعية حقيقة وبين علو الله سبحانه لأن الله ((ليس كمثله شيء)) في جميع صفاته فهو عليٌ في دنوه، قريب في علوه، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال أيضاً: (إن الناس يقولون: مازلنا نسير والقمر معنا مع أن القمر في السماء. وهم يقولون: معنا! فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق كان في حق الخالق من باب أولى). والمهم أننا نحن معشر أهل السنة ما قلنا ولا نقول: إن ظاهر الآية هو ما فهمتوه وأننا صرفناها عن ظاهرها بل نقول: إن الآية معناها أنه سبحانه مع خلقه حقيقة، معية تليق به، محيط بهم علماً وقدرة وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك لأنه لا يمكن الجمع بين نصوص المعية وبين نصوص العلو إلا على هذا الوجه الذي قلناه، والله سبحانه وتعالى يفسر كلامه بعضه بعضاً.

ويقول أيضا رحمه الله "فإن من كان عالماً بك مطلعاً عليك مهيمناً عليك يسمع ما تقول ويرى ما تفعل ويدبر جميع أمورك فهو معك حقيقة وإن كان فوق عرشه حقيقة لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في مكان واحد".

مالك مناع
09-07-2005, 11:52 PM
إجماع العلماء على أن الله مستو على عرشه في السماء


قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (( ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام ، ويبن الكرسي والماء كذلك ، والعرش فوق الماء والله فوق العرش ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم )).



قول كعب الأحبار رضي الله عنه:

قال : (( قال الله في التوراة : أنا الله فوق عبادي ، وعرشي فوق خلقي ، وأنا على عرشي ، أدبر أمر عبادي ، ولا يخفى علي شيء في السماء ، ولا في الأرض )) .


قول عبد الله بن المبارك رحمه الله (181 هـ):

ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق ، شيخ البخاري ، قال : قلت لعبد الله ابن المبارك كيف نعرف ربنا؟ قال : (( في السماء السابعة على عرشه )) .

وفي لفظ (( على السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض )) .

وقال أيضاً : (( سألت ابن المبارك : كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ . قال : (( على السماء السابعة ، على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض )) .


قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمه الله (182 هـ):

جاء بشر بن الوليد إلى أبي يوسف فقال له : (( تنهاني عن الكلام وبشر المريسي ، وعلي الأحول ، وفلان يتكلمون ، فقال : وما يقولون؟ قال : يقولون : إن الله في كل مكان . فبعث أبو يوسف فقال : علي بهم ، فانتهوا إليهم ، وقد قام بشر ، فجيء بعلي الأحول والشيخ -يعني الآخر ، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال : لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك ، فأمر به إلى الحبس ، وضرب عليا الأحول وطوَّف به )).


قول الامام احمد بن جنبل رحمه الله(241 هـ):

قال يوسف بن موسى القطان : وقيل لأبي عبد الله : الله فوق السماء السابعة على عرشه ، بائن من خلقه ، وعلمه وقدرته بكل مكان . قال : (( نعم )).

قال أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب (( الرد على الجهمية )) مما جمعه ورواه عبد الله ابنه عنه :(( باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش ، قلت لهم : أنكرتم أن يكون الله على العرش ، وقد قال ( الرحمن على العرش ‎استوى )؟

فقالوا : هو تحت الأرض السابعة ، كما هو على العرش ، وفي السموات والأرض .

فقلنا : قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء ، أجسامكم وأجوافكم والأماكن القذرة ليس فيها من عظمته شيء ، وقد أخبرنا عز وجل أنه في السماء فقال تعالى ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم ‎حاصبا ) ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، ( إني متوفيك ورافعك إلي ) ، ( بل رفعه الله إليه ) ، ( يخافون ربهم من فوقهم ) ، فقد أخبرنا سبحانه أنه في السماء )).


قول الحسن بن علي بن خلف البربهاري رحمه الله (329 هـ) :

(( وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، ربنا أول بلا متى وآخر بلا منتهى ، يعلم السر وأخفى ، وعلى عرشه استوى ، وعلمه بكل مكان ، لايخلو من علمه مكان)).


قول اللالكائي رحمه الله (418هـ):

قال الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الشافعي ، في كتاب شرح أصول السنة له : (( سياق ما روي في قوله ( الرحمن على العرش استوى ) ، و‎أن الله على عرشه في السماء ، قال عزوجل ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ، وقال ( أأمنتم من في السماء )، وقال ( وهو القاهر فوق عباده ) ، قال : فدلت هذه الآيات أنه في السماء وعلمه محيط بكل مكان )).



قول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله (728 هـ):

(( ... وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله : الإيمان بما أخبر الله به في كتابه ، وتواتر عن رسوله ش ، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه ، عليٌّ على خلقه ، وهو سبحانه معهم أينما كانوا ، يعلم ما هم عاملون كما جمع بين ذلك في قوله س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش.



قول محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله (748 هـ):

صنف الإمام الذهبي كتاب العلو وكتاب العرش في إثبات علو الله على عرشه ، وأنه مع خلقه بعلمه ، وساق فيه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم إلى قريب من زمانه ، وحكى الإجماع عن كثير منهم على أن الله تعالى فوق عرشه ، ومع الخلق بعلمه . ومما قاله في أثناء كتابه العلو (( ويدل على أن الباري تبارك وتعالى عالٍ على الأشياء ، فوق عرشه المجيد ، غير حالٍ بالأمكنة قوله تعالى ( وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ).


قول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله (751 هـ):

صنف الإمام ابن القيم كتابه إجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لبيان مسألة علو الله على عرشه ومعيته لخلقه ، فساق الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أكابر العلماء إلى قريب من زمانه ، وحكى الإجماع عن كثير منهم على ذلك، كما اشتمل كتابه الصواعق المرسلة ، وقصيدته الكافية الشافية على فصول كثيرة في تقرير هذه المسألة .


قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله ( 795 هـ):

وقد ردّ ابن رجب رحمه الله تعالى على الذين فسروا المعية بتفسير لا يليق بالله عز وجل وهم الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان ، وهم الحلولية من الجهمية ومن نحا نحوهم .

فقال رحمه الله تعالى : (( ولم يكن أصحاب النبي ش يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها ، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله واطلاعه على عباده وإحاطته بهم وقربه من عابديه وإجابته لدعائهم ، فيزدادون به خشية لله وتعظيماً وإجلالاً ومهابة ومراقبة واستحياء ويعبدونه كأنهم يرونه ، ثم حدث بعدهم من قل ورعه وانتكس فهمه وقصده ، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره وأراد أن يرى الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر ، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان كما حكى ذلك طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم ، تعالى عما يقولون علواً كبيراً .

وهذا شئ ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم في حديث عائشة المتفق عليه .
وتعلقوا أيضاً بما فهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله تعالى مثل قوله تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) وقوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) .

فقال من قال من علماء السلف حينئذ إنما أراد أنه معهم بعلمه وقصدوا بذلك إبطال ما قال أولئك مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن .

وحكى ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء من الصحابة والتابعين في تأويل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش أن المراد علمه ، وكل هذا قصدوا به رد قول من قال إنه تعالى بذاته في كل مكان )).

مالك مناع
09-11-2005, 10:58 PM
يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في تفسيره لآية الكرسي:

تتضمن (هـذه الآية) من صفات الله ستاً وعشرين صفة (منها):


الخامسة والعشرون: إثبات علو الله لقوله: (وهو العلي) ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى عال بذاته، وأن علوه من الصفات الذاتية الأزلية الأبدية.

وخالف أهل السنة في ذلك طائفتان:

طائفة قالوا: إن الله بذاته في كل مكان وطائفة قالوا: إن الله ليس فوق العالم ولا تحت العالم ولا في العالم ولا يمين ولا شمال ولا منفصل عن العالم ولا متصل.

والذين قالوا بأنه في كل مكان استدلوا بقول الله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم مافي السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) [المجادلة: 7]، واستدلوا بقوله تعالى: (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) [الحديد: 4]، وعلى هذا، فليس عالياً بذاته، بل العلو عندهم علو صفة.

أما الذين قالوا: إنه لا يوصف بجهة، فقالوا: لأننا لو وصفناه بذلك، لكان جسماً، والأجسام متماثلة، وهذا يستلزم التمثيل وعلى هذا، فننكر أن يكون في أي جهة.

ولكننا نرد على هؤلاء وهؤلاء من وجهين:

الوجه الأول: إبطال احتجاجهم.

والثاني: إثبات نقيض قولهم بالأدلة القاطعة.

أما الأول، فنقول لمن زعموا أن الله بذاته في كل مكان: دعواكم هذه دعوى باطلة يردها السمع والعقل:

- أما السمع، فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه العلي والآية التي استدللتم بها لا تدل على ذلك، لأن المعية لا تستلزم الحلول في المكان، ألا ترى إلى قول العرب: القمر معنا، ومحله في السماء؟ ويقول الرجل: زوجتي معي، وهو في المشرق وهي في المغرب؟ ويقول الضابط للجنود: اذهبوا إلى المعركة وأنا معكم، وهو في غرفة القيادة وهم في ساحة القتال؟ فلا يلزم من المعية أن يكون الصاحب في مكان المصاحب أبداً، والمعية يتحدد معناها بحسب ما تضاف إليه، فنقول أحياناً: هذا لبن معه ماء وهذه المعية اقتضت الاختلاط. ويقول الرجل متاعي معي، وهو في بيته غير متصل به، ويقول: إذا حمل متاعه معه: متاعي معي وهو متصل به. فهذه كلمة واحدة لكن يختلف معناها بحسب الإضافة، فبهذا نقول: معية الله عز وجل لخلقة تليق بجلاله سبحانه وتعالى، كسائر صفاته، فهي معية تامة حقيقية، لكن هو في السماء.

- وأما الدليل العقلي على بطلان قولهم، فنقول: إذا قلت: إن الله معك في كل مكان، فهذا يلزم عليه لوازم باطلة، فيلزم عليه:

أولاً: إما التعدد أو التجزؤ، وهذا لازم باطل بلا شك، وبطلان اللازم يدل على بطلان اللزوم.

ثانياً: نقول: إذا قلت: إنه معك في الأمكنه، لزم أن يزداد بزيادة الناس، وينقص بنقص الناس.

ثالثاً: يلزم على ذلك ألا تنزهه عن المواضع القذرة، فإذا قلت: إن الله معك وأنت في الخلاء فيكون هذا أعظم قدح في الله عز وجل.

فتبين بهذا أن قولهم مناف للسمع ومناف للعقل، وأن القرآن لا يدل عليه بأي وجه من الدلالات، لا دلالة مطابقة ولا تضمن ولا التزام أبداً.

أما الآخرون، فنقول لهم:

أولاً: إن نفيكم للجهة يستلزم نفي الرب عز وجل، إذ لا نعلم شيئاً لا يكون فوق العالم ولا تحته ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، إلا العدم، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا صفوا الله بالعدم ما وجدنا أصدق وصفاً للعدم من هذا الوصف.

ثانياً: قولكم: إثبات الجهة يستلزم التجسيم! نحن نناقشكم في كلمة الجسم:

ما هذا الجسم الذي تنفرون الناس عن إثبات صفات الله من أجله؟!

أتريدون بالجسم الشيء المكون من أشياء مفتقر بعضها إلى بعض لا يمكن أن يقوم إلى باجتماع هذه الأجزاء؟! فإن أردتم هذا، فنحن لا نقره، ونقول: إن الله ليس بجسم بهذا المعنى، ومن قال: إن إثبات علوه يستلزم هذا الجسم، فقوله مجرد دعوى ويكفينا أن نقول: لا قبول.

أما إن أردتم بالجسم الذات القائمة بنفسها المتصفة بما يليق بها، فنحن نثبت ذلك، ونقول: إن لله تعالى ذاتاً، وهو قائم بنفسه، متصف بصفات الكمال، وهذا هو الذي يعلم به كل إنسان.

وبهذا يتبين بطلان قول هؤلاء الذين أثبتوا أن الله بذاته في كل مكان، أو أن الله تعالى ليس فوق العالم ولا تحته ولا متصل ولا منفصل ونقولك هو على عرشه استوى عز وجل.

أما أدلة العلو التي يثبت بها نقيض قول هؤلاء وهؤلاء، والتي تثبت ما قاله أهل السنة والجماعة، فهي أدلة كثيرة لا تحصر أفرادها، وأما أنواعها، فهي خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.

- أما الكتاب، فتنوعت أدلته على علو الله عز وجل منها التصريح بالعلو والفوقية وصعود الأشياء إليه ونزولها منه وما أشبه ذلك.

- أما السنة، فكذلك، فتنوعت دلالتها، واتفقت السنة بأصنافها الثلاثة على علو الله بذاته، فقد ثبت علو الله بذاته في السنة من قول الرسول وفعله وإقراراه.

- أما الإجماع، فقد أجمع المسلمون قبل ظهور هذه الطوائف المبتدعة على أن الله تعالى مستو على عرشه فوق خلقه.

قال شيخ الإسلام: "ليس في كلام الله ولا رسوله، ولا كلام الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ما يدل لا نصاً ولا ظاهراً على أن الله تعالى ليس فوق العرش وليس في السماء، بل كل كلامهم متفق على أن الله فوق كل شيء".

وأما العقل، فإننا نقول: الكل يعلم أن العلو صفة كمال، وإذا كان صفة كمال، فإنه يجب أن يكون ثابتاً لله، لأن الله متصف بصفات الكمال، ولذلك نقولك إما أن يكون الله في أعلى أو في أسفل أو في المحاذي، فالأسفل والمحاذي ممتنع، لأن الأسفل نقص في معناه، والمحاذي نقص لمشابهة المخلوق ومماثلته، فلم يبق إلا العلو، وهذا وجه آخر في الدليل العقلي.

- وأما الفطرة، فإننا نقول: ما من إنسان يقول: يارب! إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو.


فتطابقت الأدلة الخمسة.


انتهى كلامه رحمه الله