المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدم التسامح في رسالة التسامح - اقتباسات لجون لوك



د. هشام عزمي
12-30-2010, 05:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

من المعروف عن المفكر الإنجليزي جون لوك John Locke أنه صاحب (رسالة في التسامح) التي دعا فيها إلى تسامح الحكام مع رعاياهم المخالفين لهم في المعتقد ..
وقد أصّل في هذه الرسالة أصولاً للحكم المدني تجعله منفصلاً تمامًا عن الهوية الدينية للرعية ..
بحيث لا يتدخل الحاكم في دين رعاياه ، فلا يعاقب المخالف ولا يضطهده ولا يكرهه ..
لأن أساس الحكم المدني يتعلق بالمصالح المادية والمنافع الدنيوية لا المعتقدات الدينية ..
المهم غرضنا في هذا الموضوع إبراز الوجه الآخر لهذا التسامح عند لوك تجاه المسلمين والكاثوليك والملاحدة ..

يقول جون لوك في (رسالة في التسامح) ص57 ترجمة منى أبو سنة - نشر مكتبة الأسرة 2005:
وأكرر القول بأن الكنيسة التي يقوم دستورها على أن الذين ينتمون إليها عليهم وضع أنفسهم تحت حماية أمير آخر ، هذه الكنيسة ليس لها الحق في أن تطلب التسامح من الأمير ؛ لأنه لو كان للكنيسة هذا الحق فإن على الأمير أن يستسلم لسن تشريع أجنبي في بلاده ، ويواجه شعبه عذابًا مؤلمًا لأنهم سيجندون ضد حكومته . ثم إن التفرقة المبتذلة والمغلوطة بين البلاط والكنيسة لا تفضي إلى علاج هذه المتاعب وعلى الأخص عندما يخضع كل منهما للسلطة المطلقة لفرد واحد لا يملك فقط سلطة إقناع أعضاء كنيسة بما يسنه إما على أنه ديني محض أو ما شابه ذلك ، ولكنه يملك أيضًا نهيهم عن ارتكاب فعل معين خوفًا من عذاب النار الأبدية .
ومن السخرية أن يعلن الإنسان أنه مسلم فقط من حيث الدين وفيما عدا ذلك يعلن أنه مخلص لحاكم مسيحي ، في حين أنه يقر في نفس الوقت بأنه يطيع مفتي القسطنطينية طاعة عمياء ، الذي بدوره يخضع خضوعًا تامًا للإمبراطور العثماني ويشكل الدين حسب هواه . ولكن هذا المسلم الذي يعيش وسط المسيحيين يرفض حكومتهم بشكل واضح إذا أقر بأن شخصًا واحدًا هو رئيس كنيسته والحاكم الأعلى للدولة .
وأخيرًا لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين ينكرون وجود الله . فالوعد والعهد والقسم ، من حيث هي روابط المجتمع البشري ليس لها قيمة بالنسبة للملحد . فإنكار الله ، حتى لو كان بالفكر فقط ، يفكك جميع الأشياء . هذا بالإضافة إلى أن أولئك الملحدين الذين يدمرون كل الأديان ليس من حقهم أن يستندوا إلى الدين لكي يتحدوا . ا.هـ.


في هذا النقل الهام يبين لنا جون لوك لماذا لا يمكن التسامح مع أتباع الديانات الأخرى في الدولة المدنية البروتستانتية :
الكاثوليك لأنهم يتبعون تعاليم بابا الفاتيكان الذي يخضع - بدوره - لأمير إيطالي ..
المسلمون لأنهم يتبعون تعاليم مفتي القسطنطينية الذي يخضع للسلطان العثماني ..
الملاحدة لأن ليس عندهم اعتبار للقيم التي تربط أواصر المجتمع كالعهد والقسم ..
فكيف يقسم الملحد أمام القاضي عند الإدلاء بشهادته ، وكيف تكون لكلمته أي قيمة في المعاملات المالية أو الإجتماعية ..؟!
طبعًا عدم التسامح الذي يقصده لوك ليس مقصودًا به عدم تسامح أفراد الشعب ..
بل المقصود هو عدم تسامح الحاكم المدني ، أي أن عدم التسامح هنا يساوي الإكراه والتعذيب وسلب الممتلكات بل والقتل ..!
لأن المسلمين والكاثوليك والملاحدة لن يكون لهم أي حقوق مدنية في الدولة المدنية التي ينشدها لوك ..
مع هذا فجون لوك يرى لزوم التسامح بين الطوائف البروتستانتية المختلفة وتجاه أصحاب الآراء الخاطئة ..

ثم هو يرى عدم التسامح مع من يعتقدون اعتقادات مخالفة لنظام المجتمع ..
كمن يعتقدون إن التسامح مع المخالفين لا يجوز ..
أو من يرون إن الحاكم المدني المحروم كنسيًا يسقط تاجه وسلطانه ..
ويبرر ذلك بالسؤال الاستنكاري :
فما هي دلالة هذه النظريات التي لا تشير إلا إلى أن أصحابها مستعدون للانقضاض على الحكم في أية مناسبة والاستيلاء على إقطاعيات زملائهم وثرواتهم ويطلبون الصفح من الحاكم حتى يصبحوا من القوة بحيث يؤثرون في الحكم ؟!
(المصدر السابق ص56-57)

فتأمل أخي القاريء ..!
ولا نحتاج للتوضيح هنا أن التسامح عند لوك يعني حفظ الأرواح والممتلكات الخاصة ..
أما عدم التسامح فيعني سلبها ..!
والحمد لله على نعمة الإسلام أولاً وآخرًا .

عياض
12-31-2010, 02:43 AM
يبدو ان الانقطاع اتى بثمرته ..لا تبخل علينا شيخنا بقراءاتك و مطالعاتك..فكل مرة نخرج منها بالجديد...

د. هشام عزمي
05-20-2011, 08:55 AM
لاحظت أن عددًا من الأخوة المطلعين على كتابات جون لوك يشيرون دومًا إلى عدم تسامحه مع الملاحدة فقط دون أن يشيروا إلى الفقرات الأخرى التي تشير إلى عدم تسامحه مع المسلمين والكاثوليك كذلك .. فإنه من الطريف حقًا أن نكتشف أن التسامح عند لوك هو لأبناء البروتستانتية فقط مع "تلميحات" للتسامح مع الوثنيين ..!!