المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمية الرسول : بحث حاسم



متروي
12-31-2010, 01:12 AM
هذا البحث القيم قمت بنقله من الكتاب الذي وضعه الأخ الكريم إبن دقيق العيد في ركن المكتبة لما فيه من جواهر و درر و لم أنقل الهوامش لطولها فمن أراد الإستفادة منها فعليه بتحميل الكتاب.



أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم

تنبني دعوى الاقتباس المزعومة على عناصر أساسيّة لا بدّ منها لتكتمل شروط صحّة الإدانة -على فرض أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ عن أسفار أهل الكتاب مباشرة-؛ من أهمها امتلاك محمد صلّى الله عليه وسلّم للأدوات العلميّة المكتسبة للاطلاع المباشر على الأسفار المقتبس منها. ويعتبر التأكيد الإسلامي على أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم عقبة تقف دونها ركائب المنصّرين وعامة المستشرقين، فلا يمكن أن تعبر إلى إثبات الدعوى، إلاّ بإبطال حقيقة هذه الأميّة!
وأوّل ما يواجه المنصّرين والمستشرقين في هذا الشأن هو أنّ مصنفات الحديث والسيرة بالإضافة إلى القرآن الكريم، هي المصادر التاريخيّة الوحيدة المعتبرة لمعرفة خبر محمد صلّى الله عليه وسلّم فيما يتعلّق بكلّ أمره .. وليس للمنصّرين والمستشرقين مدخل آخر لهذا الموضوع ولا أدوات أخرى موضوعية حاسمة للبحث فيه..
والناظر في منهج هؤلاء المخالفين؛ يرى بوضوح أنهم يعمدون إلى الضعيف من النقول، أو إلى المتشابه من الأقوال، أو البعيد من الاحتمالات التي لا تطيقها النصوص.. ويتركون في مقابل ذلك نصوص صريحة، صحيحة، محكمة، مباشرة ..
ويبدو أنّ من أسباب هذا النهج أمرين؛ أولهما: الرغبة المستحكمة في الوصول إلى النتيجة المرادة التي هي إدانة محمد صلّى الله عليه وسلّم وإنكار ربّانية القرآن الكريم.. وثانيهما : التأثّر بالمناهج الغربيّة في نقد النصوص الدينية حيث يرفض الباحث النصوص الدينية منطوقًا ومفهومًا ويتعلّق بهوامش تاريخية ولغوية يبني عليها فهمه للشأن الديني والتاريخي كلّه. ولئن كان الناقد الغربي له شيء من العذر في نهج ذلك المسلك مع تلك الأسفار التي ثبت قطعًا أنها ساقطة تاريخيًا وأنها كتابات ظرفيّة متشبّعة بالكثير من المعائب العلميّة والأدبيّة، حتّى اختفت معالم الوحي فيها وراء الدخيل الكثيف، فإنّ الأسفار الإسلامية (قرآنًا وسنة) لا تحمل من تلك الأوضار شيئًا، وإنما هي في طهرها التاريخي ناصعة نقيّة ..
لقد جاء أمر نسبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الأميّة في الكتاب والسنة في مواضع عدة، والمنصّرون ومن شايعهم من المسشرقين، يعمدون أمام هذه النصوص إلى أحد نهجين:
أ‌- ردّ النصوص واعتبارها افتعالًا إسلاميًا لا حقيقة تاريخيّة. وهو موقف أيسر تكلفة من ناحية ترتيب المصادر والتوفيق بينها، لكنه الأعسر في نفس الآن من حيث علمية المنهج وحجيّة المصادر ..
ب‌- قبول مجمل النصوص التاريخية (الإسلاميّة)، ولكن مع رفض مضمونها المباشر، وإنّما استنطاقها خارج الحقل الدلالي النبوي، والأثري عامة.
ولما كان النزاع مع المنصّرين هو في فهم عبارة (الأميّة)؛ فإنّه علينا أن نفسّر هذا الاصطلاح في إفراده اللغوي، ثمّ في سياقه القرآني والنبوي؛ حتّى نكون قد استنطقنا بحق وعدل المرجع العلمي الوحيد في هذا الشأن.

شهادة اللغة
لا يَسلم التعريف اللغوي للفظ العربي من الخطأ، إلا أن نعود إلى أهل اللغة الذين تتبعوا استعمالات العرب للألفاظ المراد تبيّن معناها؛ لاستخراج نقشها الدلالي في الذهن الجماعي زمن الخطاب. وقد شطّ في الطرح وتكلّف في الاستدلال، من جنح إلى تفسير اللفظ العربي خارج سياقه بين أهله؛ وإنّما بالعودة ابتداءً إلى مقابله الكتابي –متجاهلًا تمايز الدلالة الاصطلاحيّة حين وجودها- أو استنطاقه في مشتركه السامي، بالعودة أساسًا إلى اللغة السريانيّة أو العبريّة اللتين تشاركان اللغة العربيّة الجذر السامي الأوّل، حال وجود تمايز دلالي محكم ..
وفي ما يتعلّق بمبحثنا هنا، نلاحظ ربط الكتابات الاستشراقيّة/ التنصيريّة بين الكلمة القرآنيّة ((أمي)) والكلمة الكتابيّة ((أممي))؛ إذ يتم في الأغلب رد هذه الكلمة العربيّة القرآنيّة إلى المصطلح اليهودي العبري: ((جويم)) ((גוים)) الذي يطلق على غير اليهود؛ بمعنى ((أمم)) كمقابل ((لأمّة بني إسرائيل)) المصطفاة، ومفردها ((جوي)) ((גוי)) أي ((أمّة (غير يهوديّة))). وظاهر من استعمال هذا اللفظ، دلالته السلبيّة على (غير الإسرائيليين)؛ فهم ((أمم)) في مقابل الإسرائيليّين ((الأمّة))، ولسنا نجد هذا المعنى في وصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم لنفسه أو وصف القرآن له، وإنّما قد وضع وصف الأميين للعرب باعتبارهم أمّة لا تعرف الحق والهدى:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين}
{فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد}
فضبطُ الدلالة القرآنيّة ((للأمي)) و((الأميين)) بمعنى من ليسوا من أمّة (الإسرائيليين) أي الأغيار، لا تستنيخ له الآيات القرآنيّة التي تأبى سياقاتها حصر معنى هذا اللفظ ضمن إطار الدونيّة الدينيّة أو العرقيّة. وهو ما أكّده ((كيرلس جلاسي)) ((Cyril Glasse)) في موسوعته ((موسوعة الإسلام الموجزة)) ((The Concise Encyclopedia of Islam)) بقوله في مقالة (أمي): ((لقب للنبي. رغم أنّ كلمة أمي قد فهمت من المسلمين على أنّها تشير إلى أنّ النبي كان أميًا، فإنّ بعض النقّاد الغربيين نازعوا في إتيمولوجيّة الكلمة لزعمهم أنّها تعني (gentile) وذلك بربط كلمة أمي بكلمة أمّة، ويقولون إنّ ذلك بسبب أنّ محمدًا قد دعى إلى الوحي الإبراهيمي الـ (gentiles) أو غير اليهود. إنّ كلمة أمّة لا تعني (nation) بالمعنى العبري لكلمة ((جوي))، وليس الإسلام ديانة منبثقة من اليهوديّة، على خلاف المسيحيّة ... وليس فهم المسلمين لكلمة أمي كفهم المستشرقين لها.))
إنّ نكارة الأمر من الناحيتين الإتيمولوجية والفيلولوجيّة ترجع إلى:
o التجاهل المتعمّد للعرف اللغوي للكلِم العربي.
o اللجوء إلى اللغة العبريّة لتحقيق الدلالة المعنويّة للفظ القرآني، مع وجود ثروة لسانيّة هائلة من الشعر والخطب والأمثال العربية السابقة للإسلام.
o الإعراض عن تفسير اللفظ القرآنيّ من خلال (العرف) القرآني والنبوي لنفس الكلمة!
o تجاهل نظرة العرب إلى اللغة العبريّة على أنّها لغة أجنبية يُتعامل معها عن طريق الترجمة.
إنّ استكشاف البيان العربي، يحتاج إلى استنطاق العرف اللغوي العربي القديم، خاصة الجاهلي منه الذي شكّل المعجم اللساني في القرن السابع ميلاديًّا.. وقد جمع علماء اللغة في معاجمهم الموروث اللغوي القديم، وقدّموا لنا ما يلي:
قال ((ابن منظور)): ((معنى الأمي المنسوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أمه أي لا يكتب فهو أمي لأن الكتابة مكتسبة؛ فكأنه نسب إلى ما يولد عليه أي على ما ولدته أمه عليه.))
وقال ((أبو حيان)): ((الأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب، أي لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحقّقوا ما فيها.))
أما ((ابن قتيبة)) فقد نسب كلمة أمي إلى أمة العرب التي لم تكن تقرأ أو تكتب، فقال: ((قيل لمن لا يكتب أمي، لأنه نسب إلى أمّة العرب أي جماعتها، ولم يكن من يكتب من العرب إلاّ قليل؛ فنسب من لا يكتب إلى الأمّة …))
ومن الشهادات المبكّرة في تفسير معنى كلمة ((أميّ))؛ قول المؤرّخ ((محمد بن إسحاق بن يسار المديني)) (ت151 هجرية ) صاحب السيرة النبوية المشهورة: ((كانت العرب أميين لا يدرسون كتابًا، ولا يعرفون من الرسل عهدًا.)) ..وقول الحافظ ((يحيى بن معين)) (ت223 هجرية): ((كان جعفر بن برقان أميًا، لا يكتب و لا يقرأ)). وقال أيضًا: ((كان أبو عوانة أميًا يستعين بإنسان يكتب له.))
لقد كانت كلمة ((أميّ)) بين أهل اللسان العربي مرادفة للعجز عن القراءة والكتابة، وكان العرب (أميّين) لغلبة الجهل بالقراءة والكتابة عليهم ..

شهادة القرآن الكريم
قال تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُون}.
تنفي هذه الآية الشريفة المحكمة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم دراسة أسفار أهل الكتاب.. كما تنفي عنه نسخ هذه الكتب –وبدلالة التضمّن، تداولها-؛ وفي هذا ردّ صريح مباشر على الزعم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان على علم واطلاع عميقين بأسفار القوم ..
إنّ هذه الآية تقرّر أنّ محمدًا صلّى الله عليه وسلّملا علم له بأسفار أهل الكتاب، وجعلت سكوت مخالفيه دليلًا على صحة هذه الحقيقة وصواب هذه الدعوى .. ولكن يأبى (المولَّدون) إلا الجدال في ما لم يجادل فيه ألدّ خصوم هذا النبي صلّى الله عليه وسلّم من المعاصرين له، ممن لم يتورعوا عن محاولة سفك دمه وإهدار عرضه!!
وتؤيّد آيات أخرى علم أهل مكّة بعدم دراية محمد صلّى الله عليه وسلّم بأسفار أهل الكتاب، كقوله تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ} وقوله: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون}
وفي مقابل جحد المعاندين لمنطوق هذه الآيات التي تبطل أصل دعاويهم، يقول من استقام عندهم منطق الاستدلال، أمثال الإمام ((النحاس)): ((وذلك دليل على نبوته، لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب؛ فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم وزالت الريبة والشك .))

شهادة السنة
شهادة السيرة: تعددت الوقائع والأحداث الثابتة في السيرة، المظهرة لأميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما غابت المواقف التي تكشف ارتياد الرسول صلّى الله عليه وسلّم مجالس التعلّم والكتابة، أو استعماله للقرطاس والقلم، وهي مواقف لا يمكن أن تغيب عن حياة رجل يحسن القراءة والكتابة في بيئة عمّها الجهل واستوطنتها الأميّة.
وقد كانت المرحلة المدنيّة من الدعوة متميّزة بالحاجة إلى الكتابة بصورة خاصة، مع ظهور مراسلات الملوك، وتنظيم الجيش، والدولة، حتّى إنّه كان للرسول صلّى الله عليه وسلّم واحدٌ وستون كاتبًا ، ومع ذلك لم تظهر في هذه المرحلة (المعرفة المزعومة) للرسول صلّى الله عليه وسلّم بالقراءة والكتابة.
كما أنّ طفولة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت على درجة كبيرة من الشدة والقسوة ممّا يمنعه من تقصّي أسباب التعلّم بما تتطلبّه من تفرّغ ولين عيش في تلك البيئة القاسية والحياة المرهقة.
وهل التعلّم يكون من غير معلّم؟ فأين سيرة من علّم الرسول صلّى الله عليه وسلّم في أخبار الصحابة عن نبيّهم، وقد عُلِم أنّهم كانوا يعظّمون كلّ أمره، ويبجّلون كلّ من كان عظيم الصلّة به؟ أليس معلّم الرسول صلّى الله عليه وسلّم أحرى الناس بالتعظيم؟!!
والأمر كما قالت المستشرقة ((كارن أرمسترونج)) ((Karen Armstrong)) : ((يبدو أنّه من الانحراف في الرأي تحدّي التراث الإسلامي التفسيري لكلمة (أمّي). لا توجد أيّة إشارة في المصادر الأولى إلى ممارسة محمّد للقراءة أو الكتابة. كان محمد يملي كلامه على غيره، كَعَلِي المتعلّم، إذا ما أراد إرسال رسالة. إنّها لخدعة كبيرة أن يكون محمد قد أخفى طوال حياته قدرته على القراءة والكتابة. بعيدًا عن أنّ ذلك ليس من الأمور المعهوده، فإنّه يبدو من العسير جدًا المحافظة على هذا الغش؛ نظرًا للتقارب الشديد في المعيشة بين محمد وقومه.))
وقد أقرّ بأميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم عدد من المستشرقين مثل ((مرتشي)) ((Marraci)) و((بريدو)) ((Prideaux)) و((أوكلي)) ((Ockley)) و((جروك)) ((Gerock)) و(( أرمون-بيير كوسن دو برسفال)) ((Armand-Pierre Caussin de Perceval)) و((ج. م. أرنولد)) ((J. M. Arnold)) و((بالمر)) ((Palmer)) .

شهادة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين.))
قال ((المباركفوري)) : ((قال صلّى الله عليه وسلّم إنّا أمّة أميّة لا نكتب ولا نحسب؛ أراد أنهم على أصل ولادة أمهم؛ لم يتعلموا الكتابة والحساب؛ فهم على جِبلّتهم الأولى.))
لقد ورد هاهنا الشرح المحكم لمعنى الأميّة على لسان الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما يمنع من الدخول في مماحكات تأويليّـــــــــة، وبما يدفع عن هذا اللــــــفظ أيّ غموض أو اشتراك دلالي موهم .. إنّ الأميّة
التي كان عليها الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي عدم الدراية بالكتابة والحساب ..
اتّخاذ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كتّابًا للوحي ولشؤونه الأخرى: كان للرسول صلّى الله عليه وسلّم عدّة كتّاب ((كأبي بكر)) و((عمر)) و((عثمان)) و((علي)) و((زيد)) و((معاوية)) –رضي الله عنهم- يكتبون الوحي، ويكتبون العهود، ويكتبون كُتُبَه إلى مَن بعثه الله إليهم مِن ملوك الأرض ورؤوس الطوائف، وإلى عُمّاله، وولاته، وسعاته. ولم يذكر التاريخ الصادق أنه صلّى الله عليه وسلّم قام بكتابة الوحي بنفسه أو أنّه تولّى كتابة أيّ من رسائله ..

الاصطلاح في البيئة العربية زمن البعثة النبوية: قال المؤرّخ ((ابن خلدون)) إنّ الكتابة في العرب كانت أعزّ من بيض الأنوق، وإنّ أكثرهم كانوا أميين، ولاسيما سكّان البادية، لأنّ هذه الصناعة من الصنائع التابعة للعمران ، ولذلك ما كان العرب يشيرون على الأميّ بالأميّة، وإنما كانوا يشيرون على من يعلم القراءة والكتابة، بالعلم في هذا الأمر؛ إذ إنّ علم القراءة والكتابة كان الاستثناء لا الأصل في الناس؛ وصمت نصوص الوحي وكتب التاريخ الإسلامي عن وصف محمد صلّى الله عليه وسلّم بالقراءة والكتابة يكفي لإلزام الباحث أن يستصحب الأصل في ذاك الزمان؛ وهو أنّ هذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يقرأ ولا يكتب.

حجم المعرفة العلميّة المشترطة: إنّ دفع الأميّة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يجدي – في حقيقته- المنصرين والمستشرقين في شيء؛ لأنّ العلم بخط الحروف ورصف الكلمات لا يثبت شيئًا من دعاوى الاقتباس؛ إذ إنّ إثبات علم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدقائق الأسفار المقدّسة السابقة لا يستقيم إلاّ بإثبات (ثقافة موسوعية) للرسول صلّى الله عليه وسلّم في أسفار أهل الكتاب وعقائدهم وفرقهم ولغاتهم .. وقد صدق الدكتور ((عبد الرحمن بدوي)) في قوله: ((ولكي نفترض صحة هذا الزعم، فلا بد أنّ محمدًا كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية، ولابد أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل نصوص التلمود، والأناجيل المسيحية، ومختلف كتب الصلوات، وقرارات المجامع الكنسية، وكذلك بعض أعمال الآباء اليونانيين، وكتب مختلف الكنائس- والمذاهب المسيحية.)) !!
إنّ التاريخ يخبرنا أنّ ذاك الزمان لم يعرف رجلًا من أهل الكتاب أنفسهم، يحمل هذه العلوم الجمّة، بسعته ودقّتها وتلوّنها!

شبهة:
روى ((البخاري)) في قصّة الحديبية عن ((البراء)) رضي الله عنه قال: ((لما اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذي القعدة، أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله.
قالوا : لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمد بن عبد الله!
فقال صلّى الله عليه وسلّم:أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله!
ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((امح رسول الله!))
قال علي: لا والله لا أمحوك أبدًا.
فأخذ رسول صلّى الله عليه وسلّم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب.))

الردّ:
أولا: ليست كلمة ((كتب)) في هذا الحديث قاطعة في الدلالة على أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد كتب الكلام التالي بنفسه؛ فإنّ العرب كانت تنسب الفعل إلى الرجل، إذا كان قد جاء به من ائتمر بأمره فيه؛ من ذلك ما رواه ((أنس بن مالك)) رضي الله عنه أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم اتّخذ ((خاتمًا من فضّة، نقشه محمد رسول الله.)) ، ومعلوم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يباشر ذلك بنفسه، وإنّما باشره غيره بطلبه صلّى الله عليه وسلّم.
ثانيا: جاءت الرواية عن ((البراء)) في صحيح ابن حبان مصرّحة أنّ الرسول كان آمرًا بالكتابة لا مباشرًا لها: ((فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتاب وليس يحسن يكتب فأمر فكتب مكان رسول الله محمدًا ، فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله.))
ثالثا: روى هذا الحديث ((المسور بن مخرمة)) و((مروان)) و((أنس بن مالك)) رضي الله عنهم أجمعين، واتفقت تلك الروايات كلها على أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بالكتابة، فقد روى البخاري عن ((المسور بن مخرمة)) و((مروان)) يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا : ((..فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله)) ، وكذلك قال ((أنس بن مالك)) رضي الله عنه في صحيح مسلم ما نصّه: ((فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: اكتب من محمد بن عبد الله.))
أما رواية ((البراء)) رضي الله عنه، فنلاحظ أن الرواة الذين نقلوها قد اقتصروا على بعض الألفاظ دون بعض، ومن هنا حصل اللبس والإيهام في هذه الرواية.
رابعا: جاء في رواية البخاري أنّ الرسول قد قال: ((فأرنيه))؛ وفي ذلك دلالة على أنّه لم يكن يعرف القراءة، فكيف سيجيد الكتابة؛ إذ إنّ من لا يقرأ لا يكتب؟!
خامسا: نفس الحديث الذي يحتجّ به المنكرون لأميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قد جاء فيه قول الراوي: ((وليس يحسن يكتب))؛ وهو مُثبت -بدلالة قاطعة- لأميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
سادسا: لو قبلنا الزعم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد باشر في هذه القصّة الكتابه بنفسه، فإنّ ذلك لا يرفع عنه الأميّة؛ قال الإمام ((العيني)): ((الأمي من لا يحسن الكتابة لا من لا يكتب)) ، وقال الإمام ((ابن حجر)): ((وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة ويخرج عن كونه أميًا، فإن كثيرًا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصًا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًا ككثير من الملوك.))
أمّا عامة الأحاديث الأخرى التي استُدلّ بها لردّ أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهي لا تصحّ، قال الإمام ((ابن حجر)) بعد أن أوردها: ((وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث.))

وقفات مع دعاوى ((زويمر))
((صاموئيل زويمر)) ، أو كما يُكنّى: ((الرسول إلى الإسلام)) ((The Apostle to Islam))، وَتَد من أوتاد الاستشراق التنصيري، وهو من أهم من عمل على تأكيد الارتباط بين (العمل الأكاديمي) و(العمل التنصيري) من خلال مجلّته الشهيرة ((العالم الإسلامي)) التي استقطب لفريق الكاتبين فيها أئمة الاستشراق .. وقد اخترنا مقالًا له من هذه المجلّة بعنوان ((النبي "الأمي"، هل كان محمد قادرًا على القراءة والكتابة؟)) ((The ‘Illiterate’ Prophet, Could Mohammed Read and Write? ))، للعرض والنقد؛ لمقام صاحبه بين المنصِّرين، ولأنّ أسلوب كاتبه يمثّل الخط (الكلاسيكي) (الكنسي) المتجدد في تناول هذا الموضوع، بالإضافة لما تميّز به هذا المقال من استفادة من الأبحاث الاستشراقيّة السابقة وحشد للأدلة المتراكمة. وهو مقال ذائع بين المستشرقين، بل هو من أهم ما كُتِب منهم في هذا الموضوع.
العرض: صدر هذا المقال في مجلة العالم الإسلامي سنة 1921م، ورغم قِدَمه إلاّ أنّه لم يستجدّ عند المستشرقين بعده جديد في هذا الموضوع؛ فهو نفس الكلام المكرّر وذات الاستدلالات المستنسخة قديمًا وحديثًا.
قسّم ((زويمر)) مقاله الذي امتد على مساحة عشرين صفحة إلى مدخل وأربعة مقاطع. وسنقدم ملخّصًا لعناصر المقال ثم نعرضه على ميزان العلم والتحقيق.
***
تحدّث ((زويمر)) في المدخل عن أهميّة هذا الموضوع، وذكر استدلال عامة المسلمين بأميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لدعم قولهم بإعجاز القرآن، مشيرًا إلى أنّ أميّة نبي الإسلام صلّى الله عليه وسلّم قضيّة خلافيّة بين المسلمين، وأنّه سيركّز فقط على قول القائلين بأميّته.
ثم ذكر أنّه على (وعي) أنّ مصدر هذا الموضوع: (التراث المحمدي)، ما عاد حجّة من الناحية العلميّة بعد أن أثبتت أبحاث ((كايتاني)) ((Caetani)) والأب ((لامنس)) ((Lammens)) أنّه حتى المسائل التي كان يُظن أنّها موضوعيّة من ناحية النقل في هذا التراث، قد تبيّن أنها مجرّد اختلاق! ثم أضاف أنّه وإن كان هذا التراث يقدّم معرفة ضئيلة متواضعة، فإن دراسات ((فلهاوزن)) و((فستنفلد)) و((شيخو)) و((لامنس)) و((هوار)) وغيرهم مكنتنا أن نعرف أكثر حول الوضع في البلاد العربيّة ومكّة.
النقد:
أولا: القول السائد عند أهل السنّة –طائفة الحق والحجّة- هو إثبات أنّ الرسول قد مات أميًّا؛ ومن خالف من أهل العلم (وهم قلّة شاذة) فإنّهم لم يثبتوا ما تُوهمه عبارة ((زويمر)) من أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يحسن القراءة والكتابة من أوّل أمره، وإنما قالوا إنّه اكتسب القراءة والكتابة في آخر سنيّ عمره، وكانوا في ذلك على قولين؛ (الأول) أنّه اكتسب ذلك بالطريق البشري المألوف، و(الثاني) أنّه اكتسب ذلك على سبيل الخارقة دون جهد تعلّم ؛ والحجّة الأساسيّة لأصحاب هذين القولين هي حديث الحديبيّة، وقد دفعنا هذا الفهم من هذا الحديث في ما مضى؛ فقولهم إذن لا يلتقي مع زعم المنصّرين أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يحسن القراءة والكتابة بما أهّله للاطلاع على الكتب الدينيّة الأخرى قبل أن يخرج على الناس معلنًا نبوّته؛ فقول هؤلاء غير قول أولئك!
وأمّا الاستدلال بكتب الشيعة؛ فلا يعنينا في شيء؛ لأسباب:
أ‌- روايات الشيعة لم تؤسس على منهج علمي في النقل والتمحيص؛ ولذلك تكثر في كتبهم الروايات المتناقضة؛ حتى قال أحد محققيهم ((الطوسي)) –شيخ الطائفة-: ((لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه)) ؛ وليس يصحّ في بدهيات العقول أن يرد المنصّر أو المستشرق روايات ((البخاري)) و((مسلم)) التي محِّصت تمحيصًا في حين يقبل روايات الشيعة التي هي مجرّد (تدوين) و(تجميع)!
ب‌- لم يستدلّ الشيعة بمحْكم من القول أو بنقل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو كلام من عاصره، وإنما عمدتهم ما نسبوه إلى رجل من آل البيت ممن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وليس عند الشيعة حرج في قبول هذه الأقوال لأنهم يعتقدون عصمة هؤلاء الرجال؛ وهو ما لا يرضاه –بداهة- المنصّرون والمستشرقون.
ت‌- النص الأساسي الذي يستدلّ به الشيعة من روايات الآل-والذي نقله ((زويمر)) في موضع آخر من مقاله- هو أنّ ((محمد بن علي الرضا)) –رضي الله عنه وعن الآل والأصحاب- (195هـ-220هـ) لما سُئل: ((يا ابن رسول الله، لِمَ سمي النبي: الأمي ؟))، قال: ((ما يقول الناس؟)) فلمّا قيل له: ((يزعمون إنما سمي النبي الأمي لأنه لم يكتب))؛ قال: ((كذبوا عليهم لعنة الله أنّىَ يكون ذلك والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين} ؛ فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟! والله لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ ويكتب باثنين وسبعين، أو قال بثلاثة وسبعين لسانًا، وإنما سمي الأميّ لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله تعالى: {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} .)) .. فهذا النص:
 ليس رواية تاريخيّة مُسندة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ وإنما فهم خاص من رجل عاش بعد قريب من قرنين من وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
 الفحش الشديد في عبارته: ((كذبوا عليهم لعنة الله))، لا يلتقي مع ما أُثِر عن الآل من عفّة لسان وخلق طيّب؛ بما يقطع أنه مكذوب على ((محمد بن علي الرضا)).
 تهافت هذا التفسير أظهر من أن تقام عليه الأدلة؛ فهو يزعم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يعرف 72 أو 73 لغة!!
 إثبات معنى (الأمي) بأنه من كان من مكة أم القرى يعارضه القرآن الكريم إذ يقول: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُون وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّون} ؛ فلا سبيل هنا لربط (الأميّة) بالسكن في ((مكّة)) أم القرى؛ إذ هو وصف لفريق من اليهود بأنهم أميين على خلاف الطائفة الأخرى من اليهود التي أوتيت العلم ، كما أنّ هذ الآية ترد على الذين يقولون إنّ ((الأميّين)) هم من كانوا من غير ((أمّة إسرائيل)).
ومما يعجب له القارئ أنّ ((زويمر)) يستدل بما لا يعرف عنه شيئًا؛ فقد نقل عن غيره أنّ رجلاً اسمه ((محمد بن محمد بن النعمان)) –متوفى سنة 413هـ- قد كتب كتابًا في ردّ أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، دون أن يعلم ((زويمر)) أنّ هذا الكاتب هو من كبار الطائفة الشيعيّة؛ فصورة الكلام موهمة أنّ الكاتب سنيّ لأنّ ((زويمر)) انتقل إلى الحديث عن موقف الشيعة من أميّة الرسول في الفقرة التالية لخبر ((محمد بن محمد بن النعمان))!
ثانيا: حال ((زويمر)) مع هذا الموضوع كحال من وصفه الشاعر بقوله:
(عَقَدَ الرِّهان،
ودعا إلى نصر الحوافر بعدما قتل الحصان) (!)
فقد عقد (رهان) نفي أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، ثم قتل مطيّته إلى ذلك، وهي مسانيد الأخبار الإسلاميّة؛ إذ لا طريق إلى سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلا ما جاء في كتب التراث الإسلامي!!
لقد (عَقَر) ((زويمر)) على هذا المدخل دابة مسيره إلى غاية بحثه؛ فكان فيه حتفه!
ثالثا: لم تقدّم دراسات الأب المتعصب ((لامنس)) وإخوانه شيئًا من الحقائق المذكورة خارج كتب التراث الإسلامي؛ وإنّما أعملت فيها يد (التجديع) و(التلفيق) و(الانتقاء) غير المخلص للحقيقة، وأعجب من ذلك أن يستدل ((زويمر)) بأبحاث الأب ((لويس شيخو)) رغم أنها قد ولدت ميتة، ولم تلق القبول من يومها إلى يومنا؛ فصاحبها قد (قلب) التاريخ و(رفس) الجغرافيا حتى بدت جزيرة العرب زمن البعثة النبويّة -في صحائف أبحاثه- قلعة النصرانية الكبرى؛ وكما اعترف بذلك ((ويلارد أوكستوبي)) ((Willard Oxtoby)) فقد ((انتقِد [عمله] بصورة حادة في أوروبا)) ، وأمّا ((فلهاوزن)) فلا سبيل له إلى أن يبلغ مصادر بديلة عن كتب الحديث والسيرة؛ فهو مستشرق أداته الوحيدة هي دراسات فقه اللغات الساميّة؛ وهي لا ترقى به إلى (شيء) في هذا الباب، وأمّا ((فستنفلد)) ((Wüstenfeld)) فإنّه متخصص في اللغات الشرقيّة وجل مؤلفاته هي تحقيقات لكتب تراثيّة، ولم تشتهر له نظريّة مميّزة في طرح بدائل جديدة لقراءة السيرة! والأمر أطم مع ((هوار))؛ إذ ليس له في هذا الشأن غير بحثه (الظريف!) حول المصدر الجديد للقرآن الكريم (!) الذي هو –في رأيه- شعر ((أميّة بن أبي الصلت))؛ وهي دعوى لم يستحلّها –بل لم تخطر على ذهن- أشدّ العرب بغضًا للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يدّعها ((أميّة)) نفسه!! كما أنّ هذا المستشرق قد صحّح نسبة مجموعة من الأشعار إلى ((أميّة بن أبي الصلت)) الشاعر الذي لم يحفل مؤرخو الإسلام بأمره –وهم الذين نقلوا قصائده-؛ فكيف يردّ مع ذلك الأخبار التي فحصها المؤرخون ذاتهم فحصًا ونخلوها نخلاً، إلاّ أن تكون (مزاجية) هذا المستشرق!
***
 ذكر ((زويمر)) أنّ التراث الإسلامي يزعم أنّ ((حرب بن أميّة)) هو من أدخل الكتابة إلى مكة حوالي سنة 560م، ثم ذكر روايات كثيرة تثبت أنّ أهل مكة كانوا يعرفون الكتابة، جلّها روايات تتحدث عن صحابة كانوا يعرفون الكتابة في آخر العهد المكي أو بداية العهد المدني!
 قال: ((أعان صعود الإسلام –بلا شك- على انتشار المعرفة بالكتابة، لكنّه لم ينشئها.))
 ذكر أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان تاجرًا؛ وادّعى أنّ ذلك حجّة على أنّه كان يعرف القراءة والكتابة.
 ذكر مختصر حديث ((عبيد الله بن مسلـم)): ((كان لنا غلامان فكان يقرآن كتابـًا لهما بلسانهما، فكان النبـيّ صلّى الله عليه وسلّم يـمرّ علـيهما، فـيقوم يستـمع منهما، فقال الـمشركون: يتعلـم منهما، فأنزل الله تعالـى ما كذّبهم به، فقال: {لسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين} ))
 ختم حديثه بقوله: ((ربما تعلّم فن [القراءة والكتابة] من زوجتين من زوجاته[يقصد ((عائشة)) و((حفصة)) رضي الله عنهما وعن أبويهما. ]))
 كان قد خلص قبل ذلك إلى أنّ ((التراث الإسلامي في هذ الشأن غير موثوق فيه.))
النقد:
أولا: ما جاء من أنّ أوّل من أدخل الكتابة مكّة هو ((حرب بن أميّة))، هو من كلام الأخباريين الذين لا يُحتج بهم في هذا المقام، وقد روي عن الأخباريين غير هذا النقل أصلاً، وليس من ذلك كلّه شيء محكم السند ..
ثانيا: ليس بإمكاننا أن نخالف قول ((زويمر)): ((أعان صعود الإسلام –بلا شك- على انتشار المعرفة بالكتابة، لكنّه لم ينشئها))، لكنّ ذلك لا يغيّر من الأمر شيئًا لأننا نخالفه في أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعينه، وانتشار الأميّة في أهل مكّة أيام الجاهليّة ..
ثالثا: كلّ ما نقله ((زويمر)) لا يرتقي إلى أن ينقض أنّ العرب أمّة أميّة لا تكتب كما هو ثابت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم .. فإنّ أصل أميّة العرب لا ينقضه أن يحسن بعض أفرادها القراءة والكتابة!
رابعا: معرفة بعض المسلمين الأوائل القراءة والكتابة لم تؤهلهم لأن يحوزوا المعرفة التي نسبها المنصّرون إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم.. فهو إذن استدلال بما ليس حجّة؛ فهذه الروايات تتحدث عن أفراد كانوا يحسنون قراءة الكلام ونسخه، لا غير .. فليست هاهنا قراءة لمطولات ولا تنقيب في بطون أمهات الكتب!
خامسا: كيف يُسقط (التراث الإسلامي المحفوظ) لأنّ خبرًا روي بلا إسناد متصل لم يصح؟!
وكيف يُسقط (التراث الإسلامي المحفوظ) لأنّ (التراث الإسلامي المحفوظ) أثبت عكس ما ادعاه (التراث الإسلامي المحفوظ) من أنّ القراءة كانت في مكة قبل ((حرب بن أمية))؟!
الإجابة على هذين السؤالين كامنة في رحم داء (الهوس بإدانة الإسلام)!
سادسا: لم يمارس الرسول صلّى الله عليه وسلّم التجارة إلاّ لفترة قصيرة، ولم يثبت لنا من طريق واضح أنّ التجارة التي مارسها الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت تحتاج معرفة بالقراءة والكتابة، بل لم يثبت لنا من النظر التاريخي أنّ التجارة التي كان يمارسها أهل مكّة في الداخل والخارج كان تقتضي تعلّم القراءة والكتابة .. فهو إذن احتجاج (عائم) (مائع) (سائل)!
سابعا: حديث ((عبيد الله بن مسلم)): ((كان لنا غلامان فكان يقرآن كتابـًا لهما بلسانهما، فكان النبـيّ صلّى الله عليه وسلّم يـمرّ علـيهما، فـيقوم يستـمع منهما.. الحديث)) ليس بحجّة؛ لأسباب:
(1) الحديث مروي عن ((عبيد الله بن مسلم الحضرمي))، وهو من المختلَف في صُحْبَتِهِ؛ قال فيه الحافظ ((مغلطاي)) في كتابه ((الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة)): ((عبيد الله الحضرمي تابعي روى عن: معاذ ابن جبل)) ؛ فالحديث بذلك مرسل لا يصح!
(2) صِغر سن الغلامين وعجمة لسانهما ينفيان أن يكون لهما فضل أو أثر على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(3) قال الشيخ ((ابن عاشور)): ((كان في مكّة غلام روميّ كان مولى لعامر بن الحضرمي اسمه جَبر كان يصنع السيوف بمكّة ويقرأ من الإنجيل ما يقرأ أمثالُه من عامّة النصارى من دعوات الصلوات، فاتّخذ زعماء المشركين من ذلك تمويهًا على العامة، فإن معظم أهل مكّة كانوا أمّيين فكانوا يحسبون من يتلو كلمات يحفظها ولو محرّفة، أو يكتب حروفًا يتعلّمها، يحسبونه على علم، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جَانبه قومه وقاطعوه يجلس إلى هذا الغلام، وكان هذا الغلام قد أظهر الإسلام؛ فقالت قريش: هذا يعلّم محمداً ما يقوله.))
(4) لا تعلّق لهذا النص بمعرفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم القراءة والكتابة.
ثامنا: إذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد توفي ولـ((عائشة)) رضي الله عنها من العمر 18 سنة ؛ فمتى تعلّم منها، وقد بدأ نزول القرآن الكريم قبل ولادتها بخمس سنوات؟!! ومتى تعلّم من ((حفصة)) رضي الله عنها، وقد تزوّجها في السنة الثالثة للهجرة ، كما أنّها –رضوان الله عليها- لم تدّعِ ذلك، ولم ينسب ذلك أحد إليها مع قيام مقتضيه عند المخالفين، ولم يرِد ذلك في أي من الروايات الصحيحة أو الضعيفة أو الموضوعة؟!!
تاسعا: من أبرز ما يلحظه القارئ لما ساقه ((زويمر)) من شهادات أنّ جلها لم يكن نقلاً عن أصول وإنّما كان نسخًا من كتب المنصّرين/المستشرقين! ولذلك تجد أنّ ((زويمر)) –زعيم المنصرين الأكاديميين- يقع في أخطاء (باردة)؛ فهو –مثلاً- يقول: ((نجد ذكرًا لأبي العباس، عم محمد، وقد ترك وراءه حمل جمل من المخطوطات)) محيلاً في الهامش إلى كتاب ((موير)) ((The Mohammedan Controversy, Biographies of Mohammed)) الصفحة (114)؛ وهي إحالة (غير أكاديميّة) وإنما على طريقة (الهواة) الذي يحيلون إلى غير الأصل -لغير عجز-، بل وإلى ما لا يحيل إلى أصل، وبمراجعة كتاب ((موير)) نجد أنّ ((موير)) الذي لم يحل أصلاً إلى مرجع لكلامه يقول: ((نجد ذكرًا لابن عباس (عم محمد) وقد ترك وراءه حمل جمل من المخطوطات)) .. لاحظ أنّ ((زويمر)) –المنصّر المتشنج- لم يحسن النقل عن هذا المرجع الذي لا يحيل إلى مرجع؛ إذ لم يدرك أنّ ((موير)) كان يقصد أنّ الحديث هو عن ابن ((العباس)) الذي هو ابن عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ فجعل الحديث عن ((العباس)) نفسه! فهل بمثل هذا (الحرص) المفقود و(الدقة) المهدرة، يُكتب عن الإسلام؟!
***
 تساءل ((زويمر)): إذا كان ما سبق، صحيح-قلت (ليس ذلك كذلك كما أتى لك!)-، فليس هناك إذن من سبب لنسبة محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى الأميّة غير (1) ورود كلمة ((أميّ)) في القرآن، متعلّقة به، (2) وحديث بدء الوحي حيث قال جبريل للرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((اقرأ!))؛ فأجابه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((ما أنا بقارئ!)). وقد رددنا في ما سبق على ما تعلّق بعبارة ((أميّ)) القرآنيّة، وسيأتي الرد على التشكيك في معنى كلمة ((قرأ)) في حديث بدء الوحي، في المقطع التالي الذي أبان فيه ((زويمر)) عن وجه التشكيك في معنى هذه الكلمة.
 ادّعى ((زويمر)) أنّ (الأميّة) تعني الانتساب إلى غير بني إسرائيل، وأنها تقابل ((جويم))، وأنّ هذا يشهد له المعجميون العرب، وقد سبق نقض هذه الدعوى.
 استدلّ بآية {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون} وقصة إسلام ((عمر)) رضي الله عنه التي جاء فيها أنّه كان عند أخت ((عمر)) رضي الله عنهما شيء من القرآن في صحيفة؛ ليقول ((زويمر)) إنّ هذا القرآن المكتوب ربما كان بخط محمد صلّى الله عليه وسلّم!
النقد:
أولا: نحن لا نقول إنّ بعض القرآن الكريم كان مكتوبًا إبّان حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإنما نقول إنّ القرآن كلّه كان مكتوبًا، ومع ذلك نعجب أن يستدل رأس التنصير بما ليس بدليل على كتابة شيء من القرآن الكريم؛ إذ إنّ الآية التي ساقها هي عند التحقيق في الملائكة المطهّرين والصحف التي بين أيديهم وليست متعلقة بالقرآن الذي كان بين أيدي الصحابة ، وأمّا قصّة إسلام ((عمر)) رضي الله عنه المشهورة، والتي فيها أنه دخل على أخته وزوجها وأحد الصحابة وكانت عندهم صحيفة فيها سورة طه، وأنّه ضرب زوج أخته ثم ندم وأراد أن يقرأ من الصحيفة فرفضت أخته لأنه مشرك نجس إلا أن يتطهّر؛ ولما تطهّر وقرأها ذهب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأسلم، فهي قصة ضعيفة الإسناد لا تصحّ .. فانظر أين يقود العجز المنصّرين؛ فلا يحسن زعيمهم إثبات الصحيح الذي تواترت دلائل ثبوته!
أمّا ما استنبطه من وجود سور مكتوبة؛ فهو من عجيب الاستدلالات، إذا علمنا أنّ ((زويمر)) يقرّ أنّ للرسول صلّى الله عليه وسلّم كتّابًا كان يكتبون له ما شاء!؟
ثانيا: من منكرات ما أورده ((زويمر)) عند نقله كلام المفسرين في معنى كلمة ((أمي))، قوله إنه قد جاء في التفسير المسمّى (الخازن) (the commentary called al-khazin) في تفسير الآية 19 من سورة آل عمران، كذا وكذا .. لكننا نعلم أنّ ((الخازن)) هو (لقب) صاحب التفسير الذي اشتهر به، وقد أُطلق عليه لأنّه كان أمينًا لمكتبة في دمشق، واسمه الحقيقي هو: ((علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي))، وأمّا التفسير فاسمه: ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) ، والنص الذي ساقه موجود في تفسير الآية 157 من سورة الأعراف ، وقد نقله نقلاً غير حرفي رغم وجود علامتي التنصيص! .. فهل اطّلع ((زويمر)) –حقًا- على هذا التفسير؟!!
***
 اعترف ((زويمر)) أنّ أمر أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم محلّ خلاف بين المستشرقين؛ إثباتًا ونفيًا.
 نقل عن المستشرق ((نولدكه)) قوله إنّ كلمة ((أمي)) قد استُعملت في القرآن بما يقابل أهل الكتاب، علمًا أنّ ((نولدكه)) نفسه لم يستطع أن يحسم الأمر؛ لزعمه تضارب الروايات الإسلامية. وقد سبق الرد على هذه الدعوى.
 نقل ((زويمر)) خلاصة دراسة ((نولدكه))؛ وهي أنّ: (1) الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يخادع قومه موهمًا إياهم أنه لا يقرأ ولا يكتب، بل وكان يجعل كتّابه يقرؤون ما تأتيه من مراسلات، لنفس الغرض. (2) لم يُتح للرسول صلّى الله عليه وسلّم الاطلاع على الأسفار المقدسة للنصارى. (3) استعمل الرسول صلّى الله عليه وسلّم التراث اليهودي- النصراني الشفوي المتداول بين قومه.
 نقل ((زويمر)) اتهام الكفّار للرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوارد في القرآن: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ، وأحال أيضًا إلى سورة النحل، الآية (105)، ويبدو أنه يقصد الآية (103): {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين}، وعقّب على ذلك بقوله إنّ محمدًا صلّى الله عليه وسلّم لم يرد على أيٍّ من التهمتين بالقول إنه لا يحسن القراءة والكتابة.
 استدل بمجموعة من الروايات هي:
 حديث: ((ألق الدواة، وحرف القلم، وانصب الباء، وحسن الله، ومد الرحمن الرحيم))
 حديث رواه ((ابن أبي شيبة)): ((ما مات النبي حتى كتب وقرأ. سمعت أشخاصًا أكدوا ذلك.)) ، وأضاف أنه إذا كان هذا الأثر صحيحًا فلا بدّ أن يولى أهميّة كبيرة لأنّ ((ابن أبي شيبة)) قد توفي سنة 105هـ.
 ما نسبه المستشرق ((موير)) إلى ((الواقدي)) من أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد كتب في أسفل صحيفة صلح الحديبية كلامًا من عنده.
 قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند مرضه الذي قبض فيه: ((‏هلمّ أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده.))
 حديث بدء الوحي وقول جبريل للرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((اقرأ))، وردُّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((ما أنا بقارئ))؛ فقد ادعى ((زويمر)) أنّ هذا النص ليس إلاّ صياغة عربيّة لنص سفر التكوين 12/8 مع وصله بنص تكوين 4/26، كما أنّ ((ابن إسحاق)) و((البغوي)) و((البيضاوي)) وغيرهم قد اعتبروا هذه الحادثة مجرّد منام! وأضاف ((زويمر)) أنّ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((ما أنا بقارئ!)) لا يعني أنّه لا يحسن القراءة وإنما يعني: ((أنا لا أقرأ الآن!)).
 استدل بحادثة صلح الحديبية، وما جاء في حديث بدء الوحي من كتابة ((ورقة بن نوفل)) للإنجيل، وقد رددنا على هاتين الشبهتين سابقًا.
 حاول أن يوهم القارئ أنّ واقع الجزيرة العربيّة كان يقتضي وجود ترجمة عربيّة للكتاب المقدس؛ لوجود نصارى في بعض مناطقها، وهي دعوى سيأتي الرد التفصيلي عليها لاحقًا في كتابنا هذا إن شاء الله.

النقد:
أولا: الزعم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يخادع قومه؛ موهمًا إياهم أنه أميّ لا يحسن القراءة والكتابة، لا يستند إلى دليل نقلي ولا يركن إلى اشتباه عقلي، وإنّما هو تعبير عن حالة مرضيّة تسمى في علم النفس (بالوسواس القهري) (Obsessive–compulsive disorder)، وهو مرض كثيرًا ما يصيب المستشرقين دافعًا إيّاهم إلى البحث عن كلّ احتمال –دون النظر إلى تهافته أو تفاهته- لردّ رباّنية القرآن الكريم ؛ وإنّنا لو فتحنا الباب لمثل هذه الفرضيات؛ فلن يبق في عالم الناس (يقين) ولا (حقيقة)؛ فكل (شيء) يحتمل عندها أن يكون على غير (كينونته)؛ ليستقر بنا المقام في بيداء (اللاأدريّة) البائسة ..
السؤال (الجاد) هو: هل في السيرة ما يفتح الباب للقول إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يخفي عن أصحابه تمكّنه من القراءة والكتابة؟ الإجابة: ليس في السيرة شيء من ذلك!
ثانيا: ما قيمة كلّ ما سرده ((زويمر)) من (أدلّة) لصالح الزعم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يحسن القراءة والكتابة ويفعلهما بمحضر من أصحابه، إذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم (مع ذلك) يخفي علمه بالقراءة والكتابة عن أصحابه؟!!
ثالثا: جلّ الذين اتهموا الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه افترى القرآن من عنده، أسلموا بعد ذلك وفتحوا الأمصار .. فكيف لم ينسخ إيمانهم تهمتهم القديمة للرسول صلّى الله عليه وسلّم؟!
رابعا: الآية التي نقلها ((زويمر)) هي نفسها ترد على دعواه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} .. إنّ هذه الآية لم تنسب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم إتقان القراءة فضلاً عن أن تنسبه إلى إجادة الكتابة؛ إذ هي تخبرنا أنّ المشركين قد قالوا إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد (اكتتب) ما أورده في قرآنه؛ فهو لم يكتبه، وإنّما كُتب له. كما أنّ آية سورة النحل لا علاقة لها بتهمة معرفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم القراءة والكتابة؛ فإنّ التهمة في هذه الآية قائمة على الزعم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان (يسمع) أو (يستمع) إلى أعجمي يرطن بلغته وليس فيها نسبته صلّى الله عليه وسلّم إلى القراءة أو الكتابة.
خامسا: لم يكن كفّار مكّة يرمون الرسول صلّى الله عليه وسلّم بتهمة (قراءة الكلمات أو رصفها)، وإنّما كانوا يريدون إثبات معرفته (الكسبيّة) بما جاء في الكتب المقدسة للسابقين؛ ولذلك جاءهم الرد القرآني الحاسم الذي يليق بسياق الأحداث: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُون} .. لم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقرأ الكتب السابقة، ولم يعهد الناس عنه نسخها بيده .. فما جاء في القرآن من خبر السابقين إنّما هو -إذن- وحي من ربّ العالمين!
سادسا: حديث: ((ألق الدواة، وحرف القلم، وانصب الباء، وحسن الله، ومد الرحمن الرحيم)) ضعيف؛ ففي إسناده من لا يُعرف بتعديل، وفيه أيضًا ((الوليد بن مسلم)) وهو مدلّس، وفي السند انقطاع بين ((مكحول)) و((معاوية)) رضي الله عنه ، وقد قال فيه الإمام ((ابن حجر)): ((باطل)).
سابعا: حديث ((ابن أبي شيبة)) أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما مات حتى قرأ وكتب:
1- ضعيف؛ ففيه ((مجالد بن سعد بن عمير الهمداني))، وقد ضعفه أئمة علم الرجال كـ((ابن معين)) و((يحيى القطان))...
2- توفي ((ابن أبي شيبة)) سنة 235 هـ وليس سنة 105هـ، وهو إمام شهير من أئمة الحديث، بل ولقِّب (بإمام الحفّاظ)؛ فكيف يجهل منصّر سخّر حياته لدراسة الإسلام خبر هذا الإمام؟!!
3- لم يكن ((ابن أبي شيبة)) –في هذا الأَثَر- هو من قال إنّ الناس قد أكّدوا له أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد مات وهو يعرف القراءة والكتابة، وإنما هو في هذه الرواية ((الشعبي)) -وهو الذي قيل إنه قد مات سنة 104هـ- !
4- حتّى لو فرضنا صحّة الرواية إلى ((الشعبي))، فإنّه مع ذلك لا يُعتد بها؛ لأنّها رواية عن مجاهيل، وهي بذلك ساقطة إجماعًا عند علماء الحديث.
وقد أخرج ((البيهقي)) هذا الحديث، وقال فيه: ((هذا حديث منقطع، وفي رواته جماعة من الضعفاء والمجهولين))
ثامنا: لم يحل ((زويمر)) إلى مصدر رواية ((الواقدي))، واكتفى بالإشارة إلى أنّه نقل ما ذكره ((موير)) في هامش كتابه دون أن يحدد اسم الكتاب وصفحة الإحالة! وبالنظر في ما كتبه ((موير)) تبيّن أنّ الإحالة هي إلى المجلد الرابع من سلسلة ((حياة محمد)): ((The life of Mahomet and History of Islam, to the era of the Hegira))، الصفحة 34، وقد ذكر فيها أنّه كان ينقل عن (سكرتير) ((الواقدي)) (!)؛ وهو يقصد تلميذ ((الواقدي)) وكاتبه: ((ابن سعد))، وبالنظر في كتاب ((الطبقات)) ((لابن سعد))، وجدنا أنّ الرواية ليست عن ((الواقدي)) ؛ فلَم يفهم ((زويمر)) حتى إحالة ((موير)) الذي نسب الرواية إلى (سكرتير) ((الواقدي)) لا إلى ((الواقدي)) نفسه!!
رواية ((ابن سعد)) تقول: ((... وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أسفل الكتاب: ولنا عليكم مثل الذي لكم علينا)) .. والاحتجاج بها مردود من أوجه:
1- نسبة الكتابة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا تعني مباشرته لها بصورة شخصيّة كما سيأتي في الوجه الثامن من الرد.
2- متن هذا الحديث مخالف لما جاء في الأحاديث الصحيحة من أنّ شروط العقد لم تكن تمنح المسلمين ومشركي مكّة نفس الحقوق؛ فقد ثبت أنّ على المسلمين أن يردّوا إلى قريش من يأتيهم منها، وليس على قريش أن تردّ من يأتيها من المسلمين.
3- الحديث ضعيف لا يصح من جهة الإسناد؛ فهو مرسل عن ((عكرمة)) مولى ((ابن عباس)).
ومن (عجيب) ما قال إمام المنصّرين في تمهيده لهذه الشبهة: ((بالنسبة لما يتعلّق بالاتفاق الذي كان بين محمد وقريش في الحديبية والمعروف باسم بيعة الرضوان (oath of Ridhwan) ...)) .. فانظر كيف أظهر تعالمه (البارد) ليقنع القرّاء أنّه مدرك لدقائق السيرة، بل ويعرف حتى الكثير من خبرها باللفظ العربي!؟ رغم أنّ (بيعة الرضوان) هي غير (صلح الحديبية)؛ فما كان بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقريش هو (صلح الحديبية)، أمّا (بيعة الرضوان) فكانت بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم والصحابة على قتال المشركين بعد أن بلغهم قتل ((عثمان بن عفّان)) رضي الله عنه لما ذهب إلى مكة ليخبر كبراءها أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يريد العمرة .. وهذا المسلك في التعالم (الأجدب) معروف عند المنصّرين الأعاجم، وقد رأيت منه نماذج (سخيفة) وأشكالاً (طريفة)؛ خاصة عند رغبتهم في إقناع بقيّة (الخواجات) أنهم يحسنون اللغة العربيّة؛ إذ تخرج منهم كلمات - لا أراك الله (مطحونًا)- قد لفظتها أرحام المعاجم .. ومن شابه ((زويمر)) فما ظلم!
تاسعا: قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند مرضه الذي قبض فيه: ((‏هلمّ أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده.)) صحيحٌ، مخرّج في الصحيحين وغيرهما، وفي نفس الحديث أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكتب شيئًا لكثرة اللغط من الصحابة رضوان الله عليهم حوله. وقد أورد ((زويمر)) نفسه الرد الأمثل على هذه الشبهة بما نقله عن المستشرق ((نولدكه)) في قوله إنّ كلمة ((كتب)) عند العرب تستعمل أحيانًا بمعنى ((أملى)) .. ولا شكّ أنّ هذا هو المعنى الصحيح بدلالة سيرته صلّى الله عليه وسلّم حيث ثبت أنه كتب إلى الملوك، مع إيراد مؤلفات السيرة نفسها أنّه كان للرسول صلّى الله عليه وسلّم كتّاب يكتبون له مراسلاته..
عاشرا: نص تكوين 12/8: ((ثم نقل من هناك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق. فبنى هناك مذبحا للرب ودعا باسم الرب.))
نص تكوين 4/26: ((ولشيث أيضا ولد ابن فدعا اسمه أنوش. حينئذ ابتدئ أن يدعى باسم الرب.))
قلت:
(1) لا علاقة سياقيّة بين هذين النصين وحادثة بدء الوحي في غار حراء، وهذا أمر لا يحتاج إلى إقامة برهان لأنّ المخالف لم يقم البرهان على خلافه؛ و(البيّنة على من ادّعى)!!
(2) تشبَّث ((زويمر)) -في متابعة للمستشرق ((هيرشفيلد))- بالمشابهة اللفظيّة بين ما جاء في سفر التكوين وما جاء في نص حديث بدء الوحي، دون أن يبيّن وجه التشابه؛ وذلك لأنّ ((زويمر)) مجرّد قَمَّاش، متكثّر من (الرقع)؛ يجمع الشبهات دون فهم لها!
جلي أنّ ((هيرشفيلد)) كان يحتج بالأصل العبري لما جاء في سفر التكوين:
تكوين 12/8: ((ودعا باسم الرب))، أصله العبري ((ויקרא בשם יהוה)) (وَيِّقرا بشيم يهوه).
تكوين 4/26: ((يدعى باسم الرب))، أصله العبري ((לקרא בשם יהוה)) (لِقْرو بشيم يهوه).
يبدو أنّ القشة التي تعلّق بها ((هيرشفيلد)) هي فعل ((קרא)) (قارا) الذي يزعم أنه نفسه في حادثة بدء الوحي ((قرأ)).. وليس الأمر كذلك إذ إنّ هذه (القشّة) ليست إلاّ سرابًا؛ فإنّ هذه الكلمة في العبريّة الكتابيّة لا تعني ((قرأ)) كما في اللغة العربيّة إلاّ في مواضع محدودة في العهد القديم؛ فمعناها الأكثر تداولاً هو ((نادى)) و((دعى)) ، والمعنى الثاني هو المقصود في النصين المشار إليهما في سفر التكوين، بدلالة السياق وشهادة كلّ الترجمات..
إنّ الصلة السياقية واللغوية منعدمة بين سفر التكوين وحادثة بدء الوحي، فضلاً عن أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقرأ سفر التكوين في شكله العبري، ولا حتى العربي .. وهو ما يجعل هذا الاستدلال –بحق- من الإسفاف الاستشراقي في أجلى سفوره!

الحادي عشر: تشكيك ((زويمر)) في أنّ حادثة الوحي كانت يقظة لا حجّة له:
(1) ابن إسحاق: رواية ((ابن إسحاق)) لقصّة بدء الوحي وأنّها كانت في المنام، ضعيفة لا تصحّ؛ فهي مروية عن ((عبد الملك بن عبد الله)) عن مجاهيل!
(2) البغوي: روى ((البغوي)) حادثة بدء الوحي بإسناده إلى الإمام ((البخاري)) إلى أم المؤمنين ((عائشة)) رضوان الله عليها في تفسيره للآيات الأولى لسورة ((العلق)): ((أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل (أي البخاري)، حدثنا يحيى بن بُكَيْر، حدثنا الليث عن عُقَيْل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بُدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي.. الحديث)) ؛ فكيف يكون ((البغوي)) قد خالف ما جاء في رواية ((البخاري)) التي تثبت رؤية جبريل يقظة، رغم أنّه قد نقل نفس الرواية لبيان سبب نزول الآيات القرآنيّة المتعلقة بتلك الحادثة.
(3) البيضاوي:لم يُحدث ((البيضاوي)) ذكرًا لنسبة هذه الحادثة إلى المنام في تفسيره لسورة العلق، ولا وجود لهذا القول في تفسير ((الكشاف)) ((للزمخشري)) الذي هو الأصل الذي اختصره ((البيضاوي)). ولو فرضنا –جدلاً- أنّ ((البيضاوي)) قد ذهب إلى هذا القول، فليس لقوله قيمة لأنّه لم تكن عنده مرويات بإسناده؛ فليس له إذن أن يأتي برواية تنقض الرواية الصحيحة الثابتة في الصحيحين؛ فالخلاف هنا بيننا وبين ((زويمر)) هو حول ثبوت الروايات وليس حول فهمها.
الثاني عشر: القول إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال لجبريل عليه السلام: ((ما أنا بقارئ)) بمعنى أنّه ليس بصدد القراءة، لما قال له: ((اقرأ))، لا معنى له البتة في سياق ذلك الحوار؛ فالسياق حجّة في كشف دلالة اللفظ!
الثالث عشر: من الغريب نسبة ((زويمر)) رواية خبر الحديبية بإفاضة إلى كتاب ((المواهب اللدنّية)) ((للطبري))؛ إذ ليس ((للطبري)) كتاب بهذا الاسم، والصواب هو أنّه كتاب ((للقسطلاني))، وعنوانه الكامل: ((المواهب اللدنيّة بالمنح المحمديّة)) وهو في السيرة والشمائل النبويّة حيث أطال الحديث عن كتابة صلح الحديبية وأميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
***
استدلّ ((زويمر)) برسالة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس التي عثر عليها في إحدى الأديرة للقول إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد كتبها.
النقد:
أولا: لا تتضمن هذه الرسالة ما يدلّ على أنها قد كتبت من طرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ فليس فيها اسم من كتبها تصريحًا أو تلميحًا!
ثانيا: الثابت –باعتراف ((زويمر))- أنّه كان للرسول صلّى الله عليه وسلّم من يكتبون له الرسائل؛ فلماذا استثنى هذه الرسالة منها؟!
ثالثا: قال الباحث المحقّق د. ((أكرم ضياء العمري)) في كتابه القيم في السيرة النبوية الذي صاغه على منهج المحدِّثين في توثيق الأخبار: ((وقد أخرج البخاري في صحيحه نص كتاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقل، وهو النص الوحيد الذي ثبتت صحته وفق شروط المحدثين من بين سائر نصوص الكتب التي وجهت إلى الملوك والأمراء التي ينبغي أن تنقد من جهة المتن والسند معًا قبل اعتمادها تاريخياً )) ؛ فأمر هذه الرسالة لا يصح من ناحية التوثيق التاريخي؛ مما يفقد تلك المخطوطة قيمتها العلميّة.
رابعا: من دلائل الموضوعية العلمية (المهدرة) عند ((زويمر)) أنه قد انتصر للقول إنّ التراث الإسلامي كلّه غير أمين في نقل التاريخ الإسلامي المبكر، غير أنّه يقول هنا: ((لا يوجد شكّ أنّ النبي قد أرسل مثل هذه الرسالة إلى المقوقس حاكم الإسكندريّة، لقد ذُكِر في كل كتب السيرة النموذجيّة أنه من بين الملوك الذين أرسلت إليهم مثل هذه الرسائل المتعلقة بالدعوة إلى الإسلام)) .. إنّ كلام ((زويمر)) هنا –أيضًا- ليس علميًا؛ فكم من مسألة تواتر ذكرها في كتب السيرة النموذجيّة، ولم يتواتر إسنادها بل لم يصح لها حديث فرد ؛ فتكرُر نقل الرواية في كتب السيرة، ليس بحجّة عند أهل العلم المسلمين على صحّة النقل؛ لعلمهم أنّ (فقه الرواية) عند كتّاب السيرة غير (فقه الرواية) عند المحدّثين؛ ولذلك لا بد أن (تفحص) الرواية الواردة في السيرة متنًا وسندًا قبل أن تكون حجّة في دين الله تُؤخذ منها العقائد وتُستنبط منها الأحكام!
***
ختم ((زويمر)) مقاله بقوله: ((بالنظر في الأدلة المعروضة سابقًا؛ يبقى هناك شيء من الشك حول ما إذا كان بإمكان محمد أن يقرأ ويكتب)) .. لقد جمع ((زويمر)) النصوص التي لها تعلّق لها بموضوع النقاش وزاد عليها روايات باطلة واجتهادات لا تسعفها الأدلة التي ساقها .. ثم هو رغم ذلك عاجز على أن يجزم بصواب استنباطاته!!
*
خلاصة الكلام: من العسير أن يصف القارئ مقالة ((زويمر)) الشهيرة بغير القول إنّها: (ركام من أخلاط الكلام) .. إنّها تجميع (قلق) لكلّ ما (قيل) –وما أكثر القِيلَ- دون النظر في صوابه أو حتى انسجامه مع بقيّة (الأدلة!) المعروضة .. وقد كشف هذا (التجميع اللاهث) الواقع العلمي للاستشراق التنصيري؛ فقد تبدّت (عورة) الجهل وسقطت ورقة التوت رغم نبرة الثقة المفتعلة .. ولم تستطع (بِزّة الأكاديميّة) التي تدثّر بها ((زويمر)) أن تغطي أنفاس جاهلية القرون الوسطى الأوروبيّة التي نفثت في حروف مقاله روح الكلام .. ورغم كل هذه (الحماسة) (المتشنجّة)، لم يجد ((زويمر)) في ما حشده من (نقول) حجّة حاسمة لنفي أميّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم .. ويبقى (همّ) نفي أميّة محمد صلّى الله عليه وسلّم النبي (الأمي)، بعد ذلك، (أمنيّة) و(رجاء)، تستعذبهما (أحلام) المنصّرين!

ابن السنة
12-31-2010, 01:23 AM
تحقيق رائـــع
بارك الله فى الكاتب و فى الناقـل
لعلنا ننتهى من هذا الموضوع الذى ما ان ننتهى منه حتى يبدأ من جديد

عياض
12-31-2010, 02:33 AM
فعلا اخي ...بحث جيد جدا..و رابط الكتاب ؟؟

متروي
12-31-2010, 02:36 AM
فعلا اخي ...بحث جيد جدا..و رابط الكتاب ؟؟
هنا :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?p=207329#post207329