المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل كل صفة كمال في حق المخلوق هي في الخالق من باب أولى؟ الجواب: لا!



مالك مناع
09-05-2005, 01:17 PM
أذكر أني قرأت ذات مرة في منتدانا الحبيب قولاً مصوغاً في شكل قاعدة مطردة .. لا أتذكر حقيقة من قائله وكون القائل من أحد الإخوة أو من اللادينيين ولا الرابط الذي قيل فيه وهو:


"كل صفة كمال في حق المخلوق فهي في الخالق من باب أولى".

وهذه القاعدة غير صحيحة على إطلاقها بل فيها تفصيل ..

هذه القاعدة استنبطها العلماء بقياس الأولوية ومن المعلوم أن القياس ثلاثة أنواع ذكرها الشيخ ابن عثيمين في شرحه للواسطية حيث قال : القياس ينقسم إلي ثلاثة أقسام : قياس شمول ، وقياس تمثيل ، وقياس أولوية فهو سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه قياس تمثيل ولا قياس شمول.

1- قياس الشمول : هو ما يعرف عندنا بالعام الشامل لجميع أفراده بحيث يكون كل فرد منه داخلاً في مسمى ذلك اللفظ ومعناه فمثلاً إذا قلنا الحياة فإنه لا تقاس حياه الله تعالى بحياة الخلق لأن الكل يشمله اسم حي.

2- قياس تمثيل : بمعنى أن نجعل ما يثبت للخالق مثل ما يثبت للمخلوق.

3- قياس الأولوية : وهذا يقول العلماء أنه مستعمل في حق الله لقوله تعالى : " ولله المثل الأعلى" (النحل : 60) بمعنى كل صفة كمال فلله تعالى أعلاها السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة والحكمة وما أشبهها موجودة في المخلوقات لكن لله أعلاها وأكملها ولهذا أحياناً نستدل بالدلالة العقلية من زاوية القياس بالأولى فمثلاً نقول : العلو صفة كمال في المخلوق فإذا كان صفة كمال في المخلوق فهو في الخالق من باب أولى وهذا دائماً نجده في كلام العلماء فقول المؤلف (يعني ابن تيمية) رحمه الله : " ولا يقاس بخلقه " بعد قوله : " لا سمى ولا كفء له ولا ند له " : يعنى القياس المقتضي للمساواة وهو قياس الشمول وقياس التمثيل.

إذاً : يمتنع القياس بين الله وبين الخلق للتباين بينهما وإذا كنا في الأحكام لا نقيس الواجب على الجائز أو الجائز على الواجب ففي باب الصفات بين الخالق والمخلوق من باب أولى . لو قال لك قائل : الله موجود والإنسان موجود ونقول وجود الله كوجود الإنسان بالقياس فنقول : لا يصح لأن وجود الخالق واجب ووجود الإنسان ممكن 0

فلو قال : أقيس سمع الخالق على سمع المخلوق نقول : لا يمكن سمع الخالق واجب لا يعتريه نقص وهو شامل لكل شيء وسمع الإنسان ممكن إذ يجوز أن يولد الإنسان أصم والمولود سميعاً يلحقه نقص السمع وسمعه محدود إذاً: لا يمكن أن يقاس الله بخلقه فكل صفات الله لا يمكن أن تقاس بصفات خلقه لظهور التباين العظيم بين الخالق وبين المخلوق

وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/475) : كل كمال ثبت للمخلوق غير مستلزم للنقص فخالقه ومعطيه إياه أحق بالاتصاف به وكل نقص في المخلوق فالخالق أحق بالتنزه عنه كالكذب والظلم والسفه والعيب بل يجب تنزيه الرب تعالى عن النقائص والعيوب مطلقاً وإن لم يتنزه عنها بعض المخلوقين 0 ا 0هـ

إلا أن الأمر- كما قلنا - ليس على إطلاقه فلو تأملت شرط ابن القيم حين قال: (غير مستلزم للنقص) لزال الإشكال.

إذاً يشترط في الكمال الثابت بقياس الأولى :

1- كونه كمالاً وجودياً إذ لا كمال في العدم المحض.

2- كونه ممكن الوجود في خارج الذهن إذ ما ليس كذلك فهو في حكم العدم إذ المجردات العقلية لا وجود لها في الخارج 0

3- أن يكون لا نقص فيه بوجه من الوجوه فإن كان فيه نقص لم ينسب إلي رب العالمين كالنوم والأكل فإنه كمال في الإنسان لكنه لا ينسب إلي الله لما يستلزمه من عدم كمال الحياة

4- أن يكون غير مسلتزم للعدم فإن استلزمه لم يوصف به كالنوم فإنه مستلزم لعدم الحياة.


هذا ما أحببت بيانه لإخواني لسد أي ثغرة قد يلج منها الملحدين واللادينيين ..

والله تعالى أعلم ..

(لا أدري لماذا أحس بأن أخينا الحبيب أبو مريم سيعلق على هذه القاعدة بشرح أوفى ويتحفنا بفوائد عزيزة لا يذلقها إلا قلمه الذكي .. (استفزاز :cool: ) .. أرجو أن لا يخيب ظني .. :emrose:

حازم
09-06-2005, 10:22 PM
نرفع الموضوع من اجل ابو مريم :cool:

د. هشام عزمي
09-09-2005, 02:02 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،

هذه القاعدة من صياغة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى و اسمها قياس الأولى (على وزن الأعلى) و مستنبطة من القرآن الكريم و استعملها الأنبياء عليهم السلام لإثبات أن كل ما ثبت لغير الله من كمال فثبوته له بطريق الأولى و ما تنزه عنه غيره من النقائص فتنزهه عنه بطريق الأولى .. و قد أفاض شيخ الإسلام في شرح هذا القياس في كتاب (الرد على المنطقيين) عند نقده للقياس الأرسطي لأن قياس الشمول تستوي أفراده و الله ليس كمثله شيء .

و الله أعلم .

أبو مريم
09-09-2005, 04:38 PM
أولا أشكر الأخ مالك مناع على هذا الموضوع المهم وأشكر الأخ الدكتور هشام عزمى على التعليق
المفيد فخير الكلام ما قل ودل لا ما كثر وألهى :
ذكر الأصوليون المتأثرون بالمنطق كالرازى فى المحصول أن الاستدلال ثلاثة أنواع فإما أن يكون
بالكلى على الجزئى أو بالجزئى على الكلى أو بالجزئى على الجزئى :
فالأول : القياس الشمولى : لأنا إذا قلنا كل جسم فهو مؤلف ، وكل مؤلف محدث ؛ فينتج عن
ذلك ثبوت الحدوث للجسم من ثبوته للمؤلف الذى هو مندرج فيه .
والثانى : الاستقراء : فإنك إذا قلت كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ ستدللت عليه بتصفح الحيواات الجزئية فقد استدللت بتلك الجزئيات على الكلى .
والثالث : قياس التمثيل : وإنما يتم عند اندراجه فى الكلى وهو فى الحقيقة مركب من القسمين السابقين لأنك تستدل بثبوت الحكم فى الأصل على ثبوته فى الكلى وهو بهذا يشبه الاستقراء ثم بثبوته فى الكلى على ثبوته فى الفرع وهو بهذا يشبه الشمول فتبين أن قياس التمثيل الأصولى هو أكمل صور الاستدلال لاشتماله على الصورتين الأخريين وهو الأحق باسم القياس خلافا للغزالى الذى زعم أن القياس حقيقة فى الشمول مجاز فى التمثيل ناهيك عن كون معنى القياس لغة لا يتحقق فى الشمول إذ لا يوجد أصل تقيس عليه بل إن ذلك متحقق فى التمثيل .
فائدة :
إذا كان قياس التمثيل هو أكمل صور الاستدلال فلماذا اختزله المناطقة ولماذا عنوا بالقياس
الشمولى رغم اعتماده على القضية الكلية والتى إما أن تكون ضرورية فلا حاجة لذكرها أو نظرية فلا تقتنص إلا بالاستقراء ?
والجواب ان المناطقة والفلاسفة عموما كانت لديهم نزعة مثالية رفضوا على إثرها الاستقراء الناقص أو الاستقراء العلمى وأقروا فقط بالاستقراء الكامل وهو متعذر جدا بل وربما كان مستحيلا إذ لو قلنا إن كل نار وجدت فهى محرقة فمن أدرانا أن كل نار ستوجد ستكون كذلك فعمد المناطقة إلى اختزال صورة الاستدلال والتى هى القياس الأصولى أو التمثيل فكان نتاج الفلسفة التى قامت على ذلك المنهج غارق فى المجردات وبعيد كل البعد عن الواقع وقد سيطر ذلك على البحث العلمى لأكثر من ألفى عام فعلى سبيل المثال اقتصر دور علم الأحياء على تصنيف الكائنات والفيزياء على تقسيم العناصر إلى أربعة الماء والهواء والنار والماء وهكذا بقية العلوم باستثناء ما دعتهم الحاجة فيه إلى الخروج عن المنهج العلمى السائد حتى جاء الإسلام فغير تلك النظرة وظهرت المدارس الأصولية التى استمدت قواعدها من الكتاب والسنة ووضعت أسس المنهج العلمى القائم على الاستقراء الناقص وتأثر بهذا المنهج العملى العلماء فى شتى التخصصات فانتقل العلم بذلك نقلته الرهيبة والتى لولا الإسلام ما حدثت تلك النهضة العلمية والعجيب انك تجد كثيرا من المسلمين فى غفلة عن تلك الحقائق وهناك عدة مراجع مهمة بهذا الصدد ومن أفضلها وأبرزها كتاب الدكتور على سامى النشار رحمه الله (( مناهج البحث عند مفكرى الإسلام ونقد المسلمين للمنطق الأرسطى )) والكتاب مطبوع فى مصر عدة طبعات .
نعود إلى الموضوع فإذا كان القياس أو القياس التمثيلى هو المنهج المتبع فى الاستدلال فى الفكر الإسلامى عموما مع إجراء بعض التحويرات عليه ليتفق مع طبيعة كل مجال علمى فهل طبق ذلك فى مجال الاستدلالات العقائدية ؟
نعم فقد أجرى المتكلمون بعض التحويرات على قياس التمثيل الأصولى وطبقوه فى مجال إثبات العقائد وأطلقوا على هذا الاستدلال قياس الغائب على الشاهد فقالوا بإلحاق الغائب بالشاهد بجامع الحد و الحقيقة أو الشرط أو الدلالة أو العلة فإن كان حد العالم فى الشاهد من قام به العلم فهو فى الغائب كذلك وإن كان علة كون العالم عالما فى الشاهد قيام العلم به فهو فى الشاهد كذلك وهكذا ومعلوم أن الفرع لو كان أولى بالوصف المحكوم به من الأصل كان ذلك أقوى انواع القاس وسموا ذلك بقياس الأولى وهو مضطرد فى باب الألهيات وقد اعتمد عليه جمهور المتكلمين وابن تيمية وغيره من أهل السنة فى إثبات الصفات لله تعالى وممن اشتهر بذلك سيف الدين الآمدى الذى اعتمد فى إثبات الصفات على ما أسماه بقاعدة الكمال وأقره ابن تيمية لكن هل ذلك مطردا فى جميع الصفات بمعنى إذا كان الله تعالى يوصف بكل كمال فى خلقه فما قولكم فى الشم والذوق وغير ذلك من الكمالات الموجودة فى الإنسان فكان الجواب أنه لا يوجد مانع عقلى من ذلك مع نفى الأمور المادية والتشبيه المقترن به ولكن ليس يكفى فى إثبات الصفات عدم المعارضة العقلية بل لا بد من وجود الإذن الشرعى فلا بد إذن كما قال ابن تيمية فى مجموع الرسائل بجانب الدليل العقلى من وجود الإذن الشرعى .