المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الاسماء الحسني ‏(9)‏



د. محمود عبد الرازق الرضواني
09-14-2005, 06:05 PM
دعاء المسألة


الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فإن معني الدعاء هو استدعاء العبد ربه عز وجل العناية واستمداده المعونة وإظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة‏,‏ وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية إلي معبودها‏,‏ كما أن حقيقة السؤال إن كان من العبد لربه كان طلبا ورجاء ومدحا وثناء ورغبة ودعاء واضطرارا والتجاء‏,‏ وإن كان من الله لعبده كان تكليفا وابتلاء ومحاسبة وجزاء وتشريفا وتعريفا‏,‏

والله عز وجل لما أمر عباده أن يدعوه باسمائه الحسني فقال‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ الأعراف‏:180‏ فإن أمره بذلك يشمل معاني الدعاء التي وردت في الكتاب والسنة‏,‏ وقد قسم المحققون من العلماء ما ورد في الآية من الأمر بالدعاء إلي نوعين‏:‏

الأول‏:‏ دعاء مسألة ويكون بلسان المقال‏,‏ وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب منفعة أو دفع مضرة‏,‏ فيسأل الله باسمائه الحسني التي تناسب حاجته ومطلبه ويتوسل إلي الله بذكرها وذكر ما تضمنته من كمال الأوصاف وجلالها‏,‏ فيردد في دعائه من اسماء الله ما يناسبه عند تقلب الأحوال‏,‏ ويظهر في دعائه وأقواله إيمانه بالتوحيد وأوصاف الكمال‏,‏ ففي حال فقره يدعو ويستعين بالمعطي الجواد المحسن الواسع الغني‏,‏

وفي حال ضعفه يبتهل إلي القادر القدير المقتدر المهيمن القوي‏,‏ وفي حال الذلة والقلة يناسبه أن يلتجئ في دعائه وابتهاله إلي ربه بذكر اسمائه العزيز الجبار المتكبر الأعلي المتعالي العلي‏,‏ وفي حال السعي والكسب يدعو الرازق الرزاق المنان السميع البصير‏,‏ وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولي ونعم النصير‏,‏ وهكذا يدعو ويتوسل إلي ربه ويبتهل ويتضرع بذكر ما يناسب موضعه وما ينفعه من اسماء الله الحسني أو بعبارة أخري يقدم بين يدي سؤاله الثناء علي اسماء الله بأسمائه وأوصافه وأفعاله ما يتناسب مع أحواله فيثني علي الله ويلح في التجائه وندائه ويصدق في مناجاته وسؤاله ودعائه‏.‏

النوع الثاني‏:‏ دعاء العبادة ويكون بلسان الحال‏,‏ وهو تعبد لله يظهر التوحيد في كل اسم من اسمائه وكل وصف من أوصافه‏,‏ فهو دعاء سلوكي ومظهر أخلاقي وحال إيماني يبدوا فيه المسلم موحدا لله في كل اسم من الاسماء الحسني بحيث تنطق أفعاله أنه لا معبود بحق سواه‏,‏

وتتسابق مع أقواله في شهادته ألا إله إلا الله وأنه سبحانه المتوحد في اسمائه وأوصافه الذي لا سمي له في علاه‏,‏ فقد يكون العبد الموحد في ذروة غناه مبتلي بالمال فيما استخلفه الله واسترعاه فيظهر بمظهر الفقر والتواضع لعلمه أن الله غني متوحد في غناه‏,‏ وأن المال ماله وهو مستخلف عليه مخول فيه مبتلي به‏,‏ فتجده يلين لاخوانه ولا يعرف بينهم بالغني من شدة توحيده وإيمانه‏,‏ ولو كان الموحد شريفا حسيبا عليا نسيبا بدت عليه بدعاء العبادة مظاهر الذل والافتقار‏,‏ وخضع بجنانه وكيانه إلي الحسيب الجبار القهار المتعال لعلمه أن المتوحد في الحسب والكبرياء وما تضمنته هذه الاسماء هو الله‏,‏ فسلوكه سلوك المخلصين من العبيد وأفعاله بدعاء العبادة تنطق بشهادة التوحيد‏.‏

وإذا كان مدح المخلوق قبل سؤاله بذكر القليل من صفات كماله سببا للاجابة وتحقيق المطلوب فإن مدح الخالق قبل سؤاله بذكر اسمأئه وصفاته وأفعاله سبب من باب أولي لاسيما أن المخلوق يمدح بوصف مكتسب لا يدوم‏,‏ وربما يمدح بما لا يستحق‏,‏ وربما يمدح نفاقا وكذبا‏,‏ كما أن مدح المسئول قبل السؤال يعود النفع فيه علي السائل والمسئول‏,‏ أما رب العزة والجلال فمازال باسمائه وصفاته أولا قبل خلقه‏,‏ لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته‏,‏ وكما كان باسمائه وصفاته أزليا كذلك لايزال عليها أبديا‏,‏

وهو الغني بذاته عن العالمين‏,‏ كل شيء إليه فقير وكل أمر عليه يسير‏,‏ لا يحتاج إلي شيء‏,(‏ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏)‏ وهو أهل الثناء والمجد مهما بالغت في مدحه فلن توفيه شيئا من حقه وما ينبغي لجلال وجهه وجمال وصفه وكمال فعله كما أن المادح لربه هو المستفيد من ثنائه ومدحه‏,‏ أما رب العزة والجلال فهو غني عن مدح العالمين‏,‏ ولما أمرنا سبحانه أن نمدحه ونسأله وندعوه فإن ذلك لنفعنا وليس لنفعه وقد وردت نصوص نبوية كثيرة تدل علي أن الداعي يتوجب عليه أن يثني علي ربه قبل السؤال والدعاء‏,‏ وأن يصلي علي خاتم الأنبياء ـصلي الله عليه وسلم ـ روي أبو داود وصححه الألباني من حديث فضالة بين عبيد‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه قال‏:‏ سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالي ولم يصل علي النبي صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ عجل هذا‏,‏ ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلي أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء‏,‏ وروي الترمذي وحسنه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:(‏ كنت أصلي والنبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه‏,‏ فلما جلست بدأت بالثناء علي الله ثم الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ سل تعطه سل تعطه‏.‏

والله عز وجل يحب أن يثني عليه عبده باسمائه وصفاته قبل سؤاله ودعائه‏,‏ روي البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ ولا شيء أحب إليه المدح من الله لذلك مدح نفسه‏)‏ وأنواع التوسل التي شرعها الله تعالي لعباده وحث عليها ثلاثة أنواع أعلاها وأشرفها التوسل إليه باسمائه الحسني وصفاته وأفعاله

وورد عند مسلم من حديث علي رضي الله عنه في دعاء النبي صلي الله عليه وسلم إذا قام إلي الصلاة‏:(‏ اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت‏..‏ الحديث‏)‏ فهذا أعلي أنواع التوسل إلي الله‏,‏ وقد استقصينا ما ورد في كتاب الله وصح في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم من أنواع دعاء المسألة وتعلقها بالاسماء الحسني فكانت علي عدة أنواع‏:‏

‏1‏ ـ الدعاء بالاسم المطلق وهو أعلاه لأنه يدل علي وصف مطلق في الكمال‏,‏ كما في استعاذة مريم‏:(‏ قالت إني أعوذ منك إن كنت تقيا‏)‏ مريم‏:18‏ وقوله تعالي عن إبراهيم عليه السلام والذين معه‏:(‏ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم‏)‏ الممتحنة‏:5‏

ومما ورد في السنة من الدعاء بالاسم المطلق ما رواه البخاري من حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ علمني دعاء ادعو به في صلاتي‏,‏ قال‏:‏ قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم

وبعد استقصاء شامل بالحاسوب تبين أن الاسماء الحسني التي ثبت الدعاء فيها بالاسم المطلق في كتاب الله وفي صحيح السنة ستة وأربعون اسما وهي الرحمن الرحيم القدوس السلام العزيز العليم السميع الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الحيي الواحد القهار الحق الحي القيوم العلي العظيم الحليم التواب الحكيم الغني الكريم الأحد الصمد القريب المجيب الغفور الحميد المجيد المقدم المؤخر المنان القادر الخلاق الوكيل الشافي الأكرم البر الغفار الرءوف الوهاب الإله‏.‏

‏2‏ ـ الدعاء بالاسم المقيد وهذا النوع شأنه شأن الدعاء بجميع الاسماء المقيدة‏,‏ ومن ذلك قوله تعالي عن زكريا عليه السلام‏:(‏ قل رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء‏)‏ آل عمران‏:38‏ فاسم الله السميع من الاسماء الحسني المطلقة ولكنه ورد مقيدا في هذا الموضع‏,‏ وكذلك اسم الله المولي في قوله‏:(‏ ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين‏)‏ البقرة‏:286‏

وأيضا اسم الله النصير فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال‏:‏ كان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إذا غزا قال‏:‏ اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل ومن هذه النوعية التي ثبت الدعاء فيها بالاسم حال الاضافة والتقييد إحد عشر اسما وهي‏:‏ البصير المولي النصير القدير الولي المليك الرزاق المالك الرقيب الوارث الرب‏.‏

‏3‏ ـ الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصفا ذاتيا أو وصفا فعليا‏,‏ فمن دعاء المسألة بوصف الذات الدعاء بالعزة التي دل عليها اسم الله العزيز فيما رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول‏:(‏ اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني‏)

وكذلك الدعاء بالعظمة التي دل عليها اسمه العظيم فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:(‏ لم يكن رسول الله صلي الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح‏,‏ وذكر منها‏:‏ وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي‏)‏ أما الدعاء بوصف الفعل فكالدعاء بالفتح الذي دل عليه اسم الله الفتاح في دعاء نوح عليه السلام‏:(‏ قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين‏)‏ الشعراء‏:118‏

والدعاء بوصف المغفرة والرحمة والمعافاة والإكرام والتوسيع وكلها أوصاف دل عليها اسم الله الغفار الرحيم العفو الكريم الواسع كما روي مسلم من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ـ صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ علي جنازة فحفظت من دعائه‏:(‏ اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله‏)‏ وأما الاسماء التي ثبت الدعاء فيها بالوصف وتدخل تحت هذه النوعية فعددها خمسة وعشرون اسما وهي‏:‏ المؤمن الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الستير الكبير المبين القوي الواسع الحفيظ الفتاح الشهيد المقتدر المسعر القابض الباسط الرازق المحسن الحسيب الرفيق المعطي الطيب الحكم السبوح الأعلي‏.‏

‏4‏ ـ الدعاء بمقتضي الاسم ومعناه فهذا يشمله دعاء المسألة والمقصود الدعاء بمقتضي الطلب أو الخبر الذي ورد في سياق النص وفيه ذكر الاسم أو الوصف كقوله تعالي‏:(‏ إنا لذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم‏)‏ البقرة‏:218‏ وقوله‏:(‏ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما‏)‏ النساء‏:110‏ وقوله سبحانه‏:(‏ أفلا يتوبون إلي الله ويستغفرونه والله غفور رحيم‏)‏ المائدة‏:74‏

فالمسلم يقول‏:‏ اللهم إني ارجو رحمتك إنك أنت الغفور الرحيم‏,‏ الله إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك انتالغفور الرحيم‏,‏ اللهم إني أتوب إليك واستغفرك ياغفور يارحيم‏,‏ وكذلك يمكن الدعاء أيضا بمقتضي الاسم المطلق كما في قوله تعالي‏:(‏ واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير‏)‏ الحج‏:78,‏

فالموحد يطلب من ربه أن يمسكه بشرعه وأن ينير له سبل الهداية والصلاح‏,‏ وأن يبصره بأسباب النجاح والفلاح‏,‏ وأن يجعل له بصيرة في قلبه وعصمة في قربه‏,‏ وأن يتولاه بحفظه وينصره علي عدوه والاسماء الحسني التي ورد الدعاء فيها بالمعني والمقتضي عددها خمسة عشر اسما وهي المهيمن اللطيف الخبير الوتر الجميل المتعال المتين الشكور الودود القاهر الديان الشاكر المقيت السيد الجواد‏ .