المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشاهد ونظرات بعد التنحي (للأخ مهاجر)



د. هشام عزمي
02-14-2011, 06:46 AM
ومما صار الآن يجري مجرى التندر ، وإن كان سابقا يجري مجرى التحسر على الاستخفاف بعقول الشباب فتلك نظرة الطغاة للقوة الفاعلة في بناء الأمم بإذن الرب جل وعلا :
http://www.islammemo.cc/vedio-images/vedio/2011/02/13/117108.html

فكل ملك خلا من العدل ملك آيل للسقوط ، وإن ظهر للعيان أنه قوي متماسك بما يبديه من أبهة الملك الزائف وما يقبض به على النفوس من سلطان الظلم القاهر ، فيأتيه الرب ، جل وعلا ، من حيث لا يحتسب ، ويكون سقوطه بسبب لا يخطر على باله ، كما قد وقع أخيرا ، فقد جاءت الضربة القدرية بسواعد فتية ، فمن كان يسخر منه بالأمس قد أطاح به اليوم ، فكان ذلك من تمام العقوبة ، فألمها في النفس أشد بأن وقعت ممن لم يأبه به الطغاة ، وكان ذلك من كمال القدرة بتسليط السبب الضعيف في قوته فلا يملك سيفا ودرعا على الملك العظيم في صورته فيملك العدد والعدة ويفتقر إلى العقل والحكمة فضلا عن الورع والديانة فلا دين يزجره ولا مروءة تحجزه عن سفك الدم الحرام ، وكان ذلك أيضا من : عظيم الحكمة ، فقد أبان الرب ، جل وعلا ، في هذه النازلة عن صور من الحكمة الإلهية بتدافع السنن الكونية مدافعة بين الحق والباطل ، والسنن الشرعية مصابرة للظالم الغاشم ، فكان فيها من الخير العظيم ما يبشر ، وكان فيها من العبر ما ينذر كل ظالم فملكه لا محالة زائل ، ويحذر كل ثائر فلن تكتمل الفرحة إلا بحصول دولة العدل الكاملة ، ولن يكون ذلك إلا باتباع الرسالة الخاتمة ، والتاريخ عموما وتاريخ هذه الأمة خصوصا على ذلك خير شاهد فلم يكن ثم عدل ورخاء إلا باتباع الوحي وإن بعد العهد بالنبوة وخلافة عمر بن عبد العزيز الراشدة ، مع تأخر زمانها ، صورة باهرة من العدل الذي تاقت إليه النفوس ، فلن تجده إلا في النبوة ، فهي معدن العلم والعمل ، وبها يصح التصور والحكم ، فتستقيم أمور الأديان والممالك ، ويأمن الناس على أحكام الديانة فهي السبب الرئيس في حفظ العالم وبقائه ، ويأمنون مع ذلك على أعراض الدنيا من حاجات البدن الظاهر فتأتي تبعا فهي من جملة بركات اتباع الوحي وتأويل الشرع برسم التصديق والامتثال .

فذهب الجزء الأول وبقي الجزء الأصعب وهو استغلال هذه الفرصة الحقيقية التي يسر الرب جل وعلا حصولها على يد الشباب ، فكانت الجماهير هي القوة الفاعلة ، بإذن الرب ، جل وعلا ، فلم يكن دورها كما كان في انقلاب يوليو 52 ، مجرد الهتاف والتصفيق ، فلم يكن لها من الرؤية الشرعية أو حتى السياسية ما يجعلها تفقه سر هذه الحركة التي لم يكن لرجالها فيها إلا التنفيذ لمخطط تم الاتفاق عليه في منزل السفير الأمريكي في القاهرة ! ، وأما في هذه الثورة فقد كانت لها وجهة نظر صحيحة ، وإن لم تكن على رسم الكمال ، فالبعد الشرعي لا زال إجمالا : غائبا ، وإن كان البعد الإنساني فيها حاضرا أيما حضور ، وفيه من الشرع مسحة ظاهرة ومن المروءة صور باهرة ، فصور التكافل بين الجموع التي احتشدت : في المطعم والمشرب والدواء ....... إلخ ، في ظروف قاسية : برودة الشتاء ، ومتابعة رجال العصابة الهالكة سواء من الأمن أو المخابرات فضلا عن الهجوم التتري بالجمال والخيل ، وعناد الطاغية حتى آخر لحظة على نحو لم تتوقعه حتى المخابرات الأمريكية التي كانت بما قدر الرب ، جل وعلا ، لها من نفوذ كوني ، على علم بمجريات الأحداث تباعا ...... إلخ ، فمع كل ذلك ظهر من صور التكافل بين هذه الجموع ، كما يقول بعض الفضلاء ، ما يدل على أصالة المعدن ، والمعدن الأصيل إذا ورد عليه الوحي المزكي للنفوس زاده نقاء ولمعانا ، فحسن باطنه فهو نقي زكي ، وحسن ظاهره فهو لامع ناصع ، فهذه فرصة حقيقية لإحداث تغيير حقيقي ، ولن يكون إلا بالتدريج ، فتلك سنة الرب الحميد المجيد ، تبارك وتعالى ، في الكون ، فما فقد في ثلاثة عقود أو يزيد من المقومات الدينية والدنيوية لن يسترد في يوم أو ليلة ، فالفرحة العابرة لن تستمر طويلا لأن الواقع لما يتغير بعد ، فلا زالت أمور كثيرة بحاجة إلى معالجة ، فمنها :

ما هو قريب المدى كالمطالب السياسية والأمنية التي يمكن إنفاذها ، بقدر الرب جل وعلا ، بجرة قلم من المجلس العسكري كإلغاء قانون الطوارئ الجائر ليأمن الناس في بيوتهم من زوار الفجر ! ، ذلك المصطلح البغيض الذي رافق دولة يوليو 52 وإفرازاتها الكريهة فهو مصطلح دارج في قاموس كل أنظمة القمع والجور ، وإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة ، وهو ، أيضا ، من مبتكرات انقلاب يوليو 52 وكل ابتكاراتها تقريبا بوليسية ! ، واستبدال فرع يؤدي وظيفته بشكل أكثر آدمية به ، والعفو عن المعتقلين السياسيين الذين امتلأت بهم سجون النظام البائد ..... إلخ ، فذلك مما يحسن التنويه به عاجلا :
http://www.islammemo.cc/hadath-el-saa/Entefadat-Masr/2011/02/12/117062.html

ومنها مظالم عاجلة لا تحتمل التأجيل أيضا ، كمظالم العمال الذين أضربوا في بعض الشركات ، فهي أيضا ، مما يحسن رده برسم التوبة برد المظالم ودفع الحقوق إلى أصحابها .

ومنها ما سيستغرق ، بمقتضى سنة التدرج الكونية زمانا ، بل شهورا وسنين ، كالرجوع الحقيقي إلى الرب ، جل وعلا ، فذلك مما لا يكون بداهة في يوم وليلة إلا أن يشاء الرب ، جل وعلا ، حدوث انقلاب مفاجئ لم تجر به العادة الكونية المطردة وهي التي تؤخذ الاعتبار في أي مشروع فكري أو مادي طويل المدى ، وكاستعادة الثقة المفقودة بين الدولة والرعية ، لا سيما الأجهزة الأمنية التي نوه بعض الفضلاء في مؤتمر لهم بضرورة إصلاحها إنسانيا قبل الاهتمام بتجهيزها ماديا لتصير أداة قمع وإرهاب يقبض بها النظام على زمام الأمور برسم الظلم والقهر ، فلا بد من عقد دورات تدريبية لأولئك ليتعلموا كيف يكون التعامل مع البشر ! ، وكإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة : من صحة وتعليم وزراعة ...... إلخ ، فكلها أمور لو فكر الإنسان في عظم قدرها وصعوبة تحقيقها إلا أن يشاء الرب ، جل وعلا ، فيمد الجميع : قادة ورعية بمادة الإخلاص والإرادة ، لو فكر فيها لذهل عن الاحتفال ، إلا إذا أردنا استنساخ انقلاب يوليو 52 مرة أخرى لا قدر الله ، جل وعلا ، فاكتفينا بالهتاف وإطلاق الألعاب النارية .

وهو ، كما يقول بعض الفضلاء ، عبور حقيقي يشبه عبور 73 ، وإن كان هذه المرة معنويا ، فقد عبر أولئك الشباب حاجز الخوف وساتر الإرهاب الذي أقعد معظمنا حتى فقد كثير منا الأمل وصار يتعامل مع الأمر الواقع برسم الصبر ، ومنا من أصابه اليأس فغادر البلاد أو انزوى ، فقد صارت ، كما يقول لي بعض القرابة في الخارج : بلادهم لا بلادنا ! ، فلا يحسن التفريط في هذا العبور كما فرط السفهاء في عبور 73 فباعوه بثمن بخس في كامب ديفيد .

فعبرت تلك القلوب الباسلة لشباب صغير في السن قوي في الإرادة مؤثر في الفعل عبرت برسم القدرة الربانية النافذة لإزاحة الطاغية الذي سلط عليه الملك ، جل وعلا ، جند الشبيبة الفاعلة وأعمى بصره وبصيرته فكانت إدارته للأزمة فاشلة فاستخف بها ابتداء ثم جاءته الضربة القاصمة في زمن قياسي بالنظر إلى فارق القوة والسلطان ، وهي آية كونية باهرة تستدعي التدبر والنظر فلا ينقضي العجب منها إلى الآن ، وكأن الأمر رؤيا منام ، لما كان عليه النظام السابق من جمود وعسف فقد معه كثيرا منا الأمل في تغييره أو حتى تحريك مياهه الراكدة ، فإذا سنة الرب ، جل وعلا ، تنجز ما عجز عنه البشر ! .

وأولئك شباب أبى النظام السابق إلا تشويه صورتهم بنبزهم بألقاب الخيانة والعمالة وتنفيذ أجندات خارجية ..... إلخ ، فلم يجد ، أيضا ، إلا تهم ضباط يوليو 52 لخصومهم ، فخيانة ورجعية ..... إلخ ، وهم ، إجمالا ، وأذنابهم كالنظام السابق : أكبر خونة في الدين والدنيا معا ، وهم الرجعيون حقا الذين أرجعوا البلاد إلى الوراء ففقدت مصر في عهودهم البائسة ريادتها في العالم الإسلامي والعالم العربي .

والسنة الكونية تقتضي منا ، والله أعلم ، عدم الإسراف في الأحلام ، لأن التغير لا يكون فجأة ، كما تقدم ، ففي سبيل إقامة دولة النبوة المنشودة ، لا يمكن اختصار المراحل ، فالفرحة بالحرية قد أنست معظمنا الرؤية الشرعية الواجبة ، فلا تسمع الآن إلا أطروحات الديمقراطية والمدنية ..... إلخ حتى من بعض التيارات الإسلامية ، وهي التي جارت تلك الديمقراطية على حقها ، كما نوه بذلك بعض الفضلاء المعاصرين ، فالديمقراطية تقضي بأن يرشح أي إنسان نفسه لمنصب الرياسة ، فلماذا يحجر على التيار الإسلامي فقط دون غيره ؟! ، فيتعهد بعدم الترشح ، وكل قد بدأ يعد العدة صراحة أو تلميحا للترشح كالدكتور أحمد زويل القادم من أمريكا وأمين عام الجامعة العربية الوزير السابق : عمرو موسى والدكتور البرادعي القادم من فيينا ، والمخاوف لدى الغرب لا تكون إلا من الحركات الإسلامية فقط ، ولو لم يكن تصورها للإسلام كاملا من كل وجه ، فيكفي أنها ترفع راية الإسلام إجمالا ، فأمريكا تتخوف من صعود نجم التيار الإسلامي وإن كانت تبدي موافقة حذرة على التفاوض معه وإشراكه في الحياة السياسية في مصر وكأنها صاحبة الشأن لا أهل مصر فتلك من جنس وصاية المحتل على مستعمراته ! وهو ما عودها عليه النظام السابق ! ، وكيان يهود يخشى من تركيا أو حماس جديدة بجواره .

فالأمر الآن يتطلب بذل الجهد لتحقيق أكبر قدر ممكن من مراقبة الرب المنعم ، جل وعلا ، الذي أنعم بتلك القوة وأنجد بتلك الثورة ، بتحري شرعه وتطبيقه في الأفراد والجماعة ما أمكن ، فلن يكون الصعود قفزة واحدة ، وما لا يدرك كله لا يترك كله ، ولا يمكن بمقتضى الشرع والطبع حمل النفس أو الغير على الحق جملة فما ذهب جملة يذهب جملة لسرعة نفور النفوس من أي تغيير مفاجئ يخالف ما اعتادته وألفته من العوائد ولو لم يكن هو الحق ، بل ولو كانت تعلم أنه باطل ، فمفارقة مقتضى الطبع أمر عسير لا ينال إلا بالتدريج بمشيئة الرب القدير جل وعلا .

والتخويف من الإسلام كان وقة رابحة من ورقات رأس النظام السابق إلى آخر لحظة ، فابن إليعازر ، وزير الحرب الصهيوني السابق ، يخاطبه في الهاتف في مكالمة لعلها تكون مكالمة وداع ، والصداقة بينهما وثيقة ! ، يخاطبه لمدة تزيد على 20 دقيقة فيبدي الطاغية الراحل أسفه الشديد على تخلي أمريكا والغرب عنه بهذا الشكل المهين ، فهو ضحية جديدة من ضحايا الغرب الذي يحسن التخلص فورا من كل ورقة تحترق ، فيبدي أسفه على ذلك مع ما قدمه من دعم كبير للغرب في الحد من صعود التيار الإسلامي ، فكان رجل الغرب في هذا الشأن في مصر ، كما كان الطاغية الذي سبقه رجله في تونس ، وإن كان الوضع عندنا في مصر أفضل بكثير حتى كانت مصر مهجرا لبعض الإخوة من تونس ! ، ويتوعد أمريكا بأنها لن تجني من مشروعها لنشر الديمقراطية في دول المنطقة إلا صعود التيار الإسلامي الراديكالي المتطرف ! ، فلا زال إلى آخر رمق فيه يحرض على الإسلام وأهله ، فأي بغض هذا الذي يكنه في صدره ؟! ، وعند تصفح أحوال من رثوه وهم قلة لا نجد تقريبا إلا : بن إليعازر ونتنياهو وبيرلسكوني صاحب الفضائح المتلاحقة وآخرها المظاهرة النسائية التي تطالب بإسقاطه لتعدد فضائحه الأخلاقية ، وبئست حال من يكون أولئك من يرثي له ويتأسف على زوال ملكه .

ومن الطريف وعلى طريقة : شر البلية ما يضحك :
http://www.islammemo.cc/hadath-el-saa/Entefadat-Masr/2011/02/13/117138.html
http://www.islammemo.cc/hadath-el-saa/Entefadat-Masr/2011/02/14/117155.html

فيتظاهرون اليوم برسم الضحية ، وفيهم فعلا من هو ضحية السمع والطاعة العمياء ، فهل يعفيهم هذا من المسئولية الشرعية والقانونية ليصدر هذا العفو السريع والتعهد بعدم محاكمة المخطئ منهم بعدما وقع من سفك للدم الحرام وانتهاك للحرمات ، أفلا كانت تلك السرعة في إنجاز رفع المظالم عن ضحاياهم ، فالجزار الآن بعد سقوط السكين من يده يلعب دور الضحية البريئة ! ، فهم الشهداء عند ربهم يرزقون ومن دهسوه واقتنصوه بالرصاص الحي عميل أجنبي اضطر للتعامل معه فكان الضحايا من المصريين تبعا لا أصلا كما يقول بعض الضباط في لقاء مع إحدى الفضائيات في صفاقة وبرود يثير العجب والغيظ معا .

والله أعلى وأعلم .

هشام بن الزبير
02-14-2011, 08:44 AM
كلام سديد أحتفظ منه بالعبرة التالية: سقط طاغيتا تونس ومصر بسبب حربهما على الإسلام, فهل يتعظ من يلي الأمر بعدهما؟

طالب العفو
02-14-2011, 09:11 AM
واقعنا الان يعتمد علي القدرة الفعلية للعلماء والدعاة علي جمع الكلمة وتجييش المسلمين من اجل قضية الاسلام

فعندنا طريقين مختلفين الي حد كبير

ان يتسلق العلمانيون والليبراليون علي اكتاف الشعب بعد ان تجاوب معهم لاسباب الظلم والفساد المستشري
فينتزعون منهم المادة الثانية من الدستور
ويحققوا اجندتهم في الدولة العلمانية المدنية

او ان يكون الشعب محتفظا بهويته الاسلامية ويابي ان تتغير هوية الدولة

طالب العفو
02-14-2011, 09:17 AM
في الحالتين يتوجب العمل الجاد من اهل العلم والدعاة
علي تفعيل الاسلام كدين حياة
والتبيين للناس ان الحضارة انما قد دارت عجلتها الان بسبب الاسلام
وان انظار العالم الغربي كانت متعلقة بدولة الاسلام تتعلم منها
ثم علي تحليل كل الاحداث من وجهة نظر اسلامية
فالعلمانيون والليبراليون لا يداهنون الان
وصدحوا بالباطل الذي معهم
ولذلك توجب الصدح بالحق الذي معنا
وتبيين ان الدولة العلمانية هي دولة كفرية
وانها من تعطيل شرع الله في الارض
فالكلام المبهم الان من الخيانة لشرع الله

في الحالة الاولي لو كان الشعب غير جاهز ومفتون بالديموقراطية
اذن هي حالة من اعداد الوعي للوصول الي الحق
وامتداد للعمل قبل الثورة

في الحالة الثانية لو ان الشعب قد اقترب من ربه
وقرر الحفاظ علي هويته
اقتضي ذلك تفعيل الاسلام كدين حياة
يعني يجب ان يكون عندنا طبيب مسلم يعلم حقوق الله عليه
ومهندس مسلم
ومعلم مسلم
وحتي من يقومون بكل المهمات في المجتمع
يجب ان يصلوا الي درجة من الوعي الديني
والوعي الدنيوي
من اتقان اعمالهم والعمل في الدنيا بكل طاقتهم
من اجل اصلاح الدنيا وسلامة الدين

د. هشام عزمي
02-16-2011, 12:02 AM
ومما يلفت النظر قبل سقوط النظام السابق : تأييد بعض الدول في المنطقة للنظام البائد ، مع الفرقان الظاهر في أحوال البلاد ، فليست الممالك المستقرة ولو نسبيا ، كالممالك المضطربة التي تغلي بنيران ثورة تطلب العدل ، ولو مجملا ، وتدفع الظلم البين ، فلا إجمال فيه ، فدفعه مطلب شرعي عقلي طبعي بدهي قد أجمعت عليه الشرائع المنزلة ، وإنما يكون القيد بالمصلحة والمفسدة المعتبرة التي تتفاوت فيها الأنظار فالاختلاف في الوسيلة لا في المقصد العام ، فمن مرجح للدفع لا سيما إن كان برسم العموم كما في الثورة الأخيرة لا سيما مع هشاشة النظام البائد فقد سقط في زمن قياسي بخسائر لا تعدل شيئا بالنسبة إلى ما اقترفه في حق الرعية من سفك لدماء ألوف بل تزيد من دماء المسلمين فضلا عن انتهاك سائر الحرمات ومن مرجح لعدم الخروج لوقوع مفسدة لا تنفك عنها الثورة ومن ساكت برسم الاعتزال في زمن الفتنة ، فلم يكن ثم اختلاف في المقصد فهو ، كما تقدم ، مما أجمعت عليه الشرائع والعقول والطباع والبدائه وما شئت من أدلة ، فإمداد دول كمصر بمليارات الدولارات في هذا التوقيت بالذات ، كما يقول بعض الفضلاء ، ردا على تهديد أمريكا بقطع المعونة عن النظام البائد الذي عاش زمانه على التسول الذي قدح في كرامة المصريين فشاهت صورتهم في أنظار غيرهم ، إمداده مع فساده البين وغض الطرف عن مطالب الجماهير أو تأييدها تأييدا مجملا بعد نجاح الثورة طبعا ! ، إمداده لمجرد الحفاظ على تحالفات استراتيجية تخدم ابتداء المصالح الخاصة للدول دون النظر في المصلحة العامة للرعية المضطهدة ، ذلك الإمداد قد يفسر بأنه تأييد صريح أو ضمني لممالك الجور والظلم التي عطلت الأديان وأهلكت الأبدان وهو ما يشوه صور هذه الدول في أنظار المظلومين ، لا سيما إن كانت دولا لها إمامة دينية ومنزلة روحية كبيرة في نفوس المسلمين ، فيرون الكفار الأصليين يذبون عنهم بل ويهددون الظالم بقطع المعونة انتصارا لهم ولو في الظاهر فما أرادوا أيضا إلا مصلحتهم الخاصة فالحكمة تقتضي الآن : الوقوف في صف الرعية بعد احتراق الطاغية فقد انتهى دوره ، ويرون في المقابل إخوانهم في الدين يسارعون في نجدة الظالم بدعمه بمليارات من الدولارات ! ، ولم تحظ مصر بهذه العطية أيام استقرار النظام السابق وجثومه على صدور المصريين ، مع أنه كان في حاجة إليها ليحقق ولو نوع استقلال في الرأي بعيدا عن ضغوط أمريكا التي تتصدق عليه بفتات موائدها ! ، فلماذا تذكروا الآن مصر فأنفقوا عليها عاجلا ليردوا على تهديد أمريكا ، مع أنها تهدد مصر من لدن كامب ديفيد إلى الآن ؟! ، ومن يحسن الظن قد يقول بأنه دعم لمصر في أزمتها ، ولكن هل بقي هذا الدعم بعد زوال النظام السابق ، فتتعهد تلك الدول الآن ببذل المساعدة التي تعهدت بها أو أن الأمر محض مصلحة زال حكمها بزوال سببها فقد انتهى الأمر وسقط أحد أضلاع محور الاعتدال ؟! .
ولو صدق الأمر الآن بعد زوال حكم الطغيان فتلك ديانة ومروءة تحمد ، فواجب الديانة ولازم المروءة الوقوف إلى جوار المظلوم ودعمه معنويا وماديا فكيف إن كان أخا في الدين له من واجب النصرة ما قد نص الوحي عليه ، ولو لم يصدق فتلك دعاية غير حميدة لا سيما مع ما تقدم من مكانة دينية رفيعة لبعض تلك البلاد التي تخسر كثيرا ، كما يقول بعض الفضلاء من أبنائها ، تخسر كثيرا بتأييدها ولو غير المعلن لبعض الطغاة البائدين ، واستضافتها لبعض آخر من الطغاة الفارين .

ومما يلفت النظر في الشأن الإيراني المزدوج : رغبة النظام هناك ، كما يقول بعض الفضلاء ، أن يكون التأييد على رسم الامتداد للثورة المباركة فأي تأييد للثورة على وزان ما تقوم به المعارضة الإيرانية التي تسعى إلى تحرير الشعب الإيراني من قبضة الملالي هو خروج عن النظام ، وأي هتاف وتصفيق ودعم للثورة التي استلهمت أفكارها من ثورة الملالي ! فهو المرجو المرضي عن فاعله ، وليس بينهما شبه من قريب أو بعيد بل شبه نظام الملالي بالنظام البائد في عسفه وجوره أظهر ، وإن اختلف وصف النظامين : فالبائد كان علمانيا متطرفا ، والآخر نظام مذهبي متطرف أساء إلى النظام الإسلامي الصحيح الذي حكم في قرون الريادة ونحي في القرون الأخيرة ، قرون التخلف والانتكاس ، فجعل المحتجين في ميدان التحرير يهتفون بنفي وصف الديانة عن ثورتهم نفيا عاما ! ، فلم يرو إلا نظام الملالي المتطرف كنموذج أبرز للنظام الذي ينتسب إلى الدين ، ولو نسبة زور باطلة ، فجنس القمع والإجرام في النظامين واحد ، وإن اختلفت أنواعه ، والدين الصحيح منهما براء فكلاهما عدو للدين الخاتم ، وإنما صرح أحدهم فحاربه علنا ، وانتسب الآخر إليه زورا ليحكم الناس بقبضة كقبضة الكهنوت في القرون الوسطى فلن تحصل النجاة إلا بالرضوخ والخضوع لملاليه فهو من جنس ما كان يبذل لقساوسة وباباوات الكاثوليك في القرون الوسطى ، وهو في نفس الوقت من جنس ما يبذل لبابا الأرثوذكس الذي فقد السيطرة على رعيته بعد أن ظهر كذبه وظلمه بانحيازه إلى الظالم الذي سلطه على شعبه ! ، فكل قد سلط على شعبه ! ، ليسومه القهر والذل ، وتلك الثورة التي خالفت توقعاته وخيبت آماله قد هزت أركان عرشه المتهالك فهو إلى زوال إن شاء الله بثورة داخلية في كنيسته ، بعد افتقاده المصداقية ، وهي ، من وجه آخر ، انتقام عاجل ممن خذل نساء المسلمين من المؤمنات الممتحنات في سجون شنودة تحت سمع وبصر بل وبتأييد ومباركة المشئوم البائد الذي باع دماء الموحدين بثمن بخس ليستبقي سلطانه فلا يثير أعداء الخارج أو الداخل ، فخذله أعوانه في الخارج وتبرأ منه أنصاره في الداخل فمضى غير مأسوف عليه ، فلم يرث له إلا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، كما كان أحد الفضلاء المعاصرين يتندر ، فانضم شنودة إلى ثلة الباكين : ابن إليعازر ونتنياهو وبيرلسكوني ، وهي بشرى ، إن شاء الرب ، جل وعلا ، بقرب الفرج ، فقد زال حكم الظلم ، فأي حكم عادل ، ولو برسم الديمقراطية على ما فيها من عوار ، لا يرضى بتلك المهزلة الإنسانية التي تصادر فيها الإرادة بل والبدن ، فيعذب من اختار التوحيد بصنوف من العذاب النفسي والبدني مع ادعاء جلاديه التسامح والمحبة ، وادعاء من خذله : الحرية والليبرالية ، فليته كان كما قال ، مع فساد قوله الظاهر ، فبشر بدولة مدنية حديثة ، بزعمه ، وانتهك أبسط حقوق المواطنة فيها ، فدولته ليست إلا دولة جور وظلم ، فليست دولة مدنية دنيا ، وليست دولة نبوة عليا من باب أولى ، فهي أكمل الدول والممالك ، والتاريخ ، كما تقدم مرارا ، على ذلك خير شاهد .

وصدقت هيلاري كلينتون هذه المرة لما وصفت مسلك الملالي في إيران بأنه نوع من النفاق السياسي ، فيبيحون الثورة في بلاد غيرهم ويحظرونها إن كانت في بلادهم فهي مؤذنة بزوال دولتهم وفشل تجربتهم لأنها لم تكن تجربة شرعية دينية كاملة وقد سلم بذلك حتى الموافق لهم في المذهب من أبناء البلد أو من المعارضين في الخارج أو من المنصفين الذين يعملون العقول ، فالأمر ظاهر ، فقد باتت الدولة الفارسية مع عظم مواردها البشرية والمادية ، باتت على حافة الانهيار فليس يحجزها عن ذلك إلا قبضة أمنية حديدية من الحرس الثوري تضاهي القبضة الحديدية التي كانت في ممالك الجور التي تتهاوى تباعا ، بل تفوقها لأنها تمارس قمعها باسم الدين أشرف معنى تتعصب له النفوس ولو كان دينا باطلا مبدلا ، والسنة الكونية مطردة وهي قاضية بسقوط ممالك الجور ولو بعد حين ، وقد وقع تأويل هذه السنة الكونية في أقل من شهر في مصرين كانا مضرب المثل في القمع ! ، بغض النظر عن تفاصيل السقوط وما تخلله من مخالفات شرعية في جوانب من الثورتين مما صار موضع أخذ ورد ، والنتيجة واحدة : فقد سقطا وانتهى الأمر ! فالسنة الكونية ، كما تقدم ، قاضية بذلك وإن لم يقع الأمر على النحو الشرعي الكامل فهو النحو المرجو ، ولكن سنة الكون لا يشترط في وقوعها أن تواطئ سنة الشرع من كل وجه ، بل تتدافع الأسباب ليقع المقدور الكوني كما قد شاء الرب العلي جل وعلا .

فصدقت هيلاري كلينتون هذه المرة ، وإن لم ترد بداهة مصلحة الشعب الإيراني الآن أو المصري والتونسي من قبل فلا يعنيها كأي سياسي معاصر إلا المصلحة الخاصة لبلدها وهي تقتضي زعزعة وإضعاف الدولة الإيرانية ، ولو إلى حد ما ، فليس سقوط إيران سقوطا كاملا مما يصب في قناة مصالح أمريكا في المنطقة فهي الآن حجة لعقد تحالفات استراتيجية في منطقة الخليج تحفظ بها المصالح الأمريكية في المنطقة ، فإضعاف ليطمئن كيان يهود لا إسقاط لتبطل الحجة الأمريكية في تحالفاتها الإقليمية .

ومن أبرز من ترشح إلى الآن :
الدكتور أيمن نور وهو من أنصار العلمانية الليبرالية وإن ناله من عسف النظام السابق ما ناله فقد ظلم كل معارض ، وهو ممن يحسن استثمار محنته في عهد النظام السابق ليسوق مشروعه على أنه مشروع الحرية الذي يحمل لواءه مضطهد سابق دفع من عمره ثلاث سنوات ليست كثيرا على الديمقراطية كما صرح لحظة خروجه من المعتقل .

ومن تحذير بعض الفضلاء من الدكتور محمد البرادعي مبعوث العناية الديمقراطية :
http://www.islammemo.cc/vedio-images/vedio/2011/02/14/117218.html

وقد كان أذيال النظام السابق يشوهون صورته كما رأينا في بعض الفضائيات فــ : "البرادعي ضيع العراق وحيضيع مصر" ، وقد صدق النظام السابق في هذه الدعاية المضادة وإن لم يرد بداهة مصلحة العراق أو مصر ، فالبرادعي طالما غض الطرف عن قوة كيان يهود النووية ، في مقابل تتبع المشاريع النووية الإسلامية أو العربية ، وهو رجل صريح يبشر بدولة مدنية يجعل كل موادها خاضعة للمناقشة ، كما يقول ذلك الفاضل في الرابط المتقدم ، بما فيها المادة الثانية التي تنص على دين الدولة ، فالدولة المدنية دولة مؤسسات لا دين لها ! ، فليس له مكان في إلا في دور العبادة ، فيعلي من عقد المواطنة وإن ناقض عقد الشرع المنزل فلا يضيره أن يتولى رئاسة البلاد امرأة أو نصراني ، فكلهم مواطنون وإن ورد الشرع بحظر توليهما ولاية عامة ، وهو ، كما يقول ذلك الفاضل ، ممن يبدي إعجابه برموز علمانية متطرفة من قبيل الهالك : نصر حامد أبو زيد الذي كان يصف التنزيل الخاتم بأنه منتج ثقافي ! .

وبطبيعة الحال : باب الترشيح مفتوح للجميع فينضم أولئك لقائمة الدكتور زويل والوزير عمرو موسى والبقية تأتي ، فباب الترشيح مفتوح للجميع إلا للإسلاميين ، فهم وحدهم من يحظر عليهم الترشح أو حتى التفكير فيه ، فلا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية ! كما يتندر بعض الفضلاء المعاصرين .

ومن اللفتات المعبرة : نزع صورة الطاغية من القاعة التي شهدت أول جلسات المجلس العسكري ورفع صورة تحمل لفظ الجلالة الاسم الكريم : "الله" ، ولعلها البشرى العاجلة والفأل الحسن إن شاء الله ، جل وعلا ، بعودة حكم النبوة بعد زوال حكم الطغيان والجور .

والله أعلى وأعلم .

أمَة الرحمن
02-16-2011, 12:12 AM
باب الترشيح مفتوح للجميع فينضم أولئك لقائمة الدكتور زويل والوزير عمرو موسى والبقية تأتي ، فباب الترشيح مفتوح للجميع إلا للإسلاميين ، فهم وحدهم من يحظر عليهم الترشح أو حتى التفكير فيه ، فلا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية ! كما يتندر بعض الفضلاء المعاصرين .

لم يمنع أحدٌ الإسلاميين من الترشح، بل للأسف هم من تراجعوا بأنفسهم.

د. هشام عزمي
02-16-2011, 02:15 PM
ومما أشار إليه بعض الفضلاء : أمر في غاية الدقة وهو يندرج تحت ما بات يعرف بسرقة الثورات والالتفاف عليها ، بل والتمهيد لها فكريا تمهيدا قد يطول زمانه سنين بل وأجيالا ، على طريقة الثورات الناعمة التي تتغير فيها العقول تدريجيا ، وذلك نمط من أنماط الغزو الفكري الذي يفوق أثره أثر الغزو العسكري المباشر ، كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء في معرض تقييم نتائج ثورة أوكرانيا التي تدخلت فيها أمريكا بالتخطيط والتمويل فلم يكلفها الأمر إلا 500 مليون دولار ، بخلاف تدخلها العسكري في بلاد الأفغان والعراق ، فهو ، بمشيئة الرب جل وعلا ، سيكون السبب الرباني النافذ في سقوط القطب الأوحد على غرار ما وقع في للسوفييت في بلاد الأفغان ، فتدخلت أمريكا عسكريا تدخلا كلفها تريليونات من الدولارات ، ولم تجن إلا خرابا عاجلا في السياسة والاقتصاد فضلا عن هزيمة عسكرية فعلية وإن لم يتم الإعلان عنها رسميا إلى الآن ! ، فينجح الغزو الفكري طويل المدى في إعادة تشكيل العقول فيتحقق الهدف بأقل تكلفة ، وهو ما قد فشلت فيه الحملات العسكرية الصريحة ، فقد فشلت حملة نابليون العسكرية على مصر ولم تفشل حملته الفكرية على مصر فكانت باكورة نسج محمد علي على منوالها ، في إطار مشروعه السياسي لبناء مصر الحديثة بعيدا عن الإسلام وإن لم يجهر بذلك فقد كان العهد قريبا بل واقعا في ظل دولة الخلافة وإن ضعفت وفي ظل حكم الشريعة وإن وقع الخلل في التصور والحكم فلم يكن كأي انحراف في أوله ظاهرا بل بدأ بمقتضى السنة الكونية في التدرج خفيا ثم زادت رقعته شيئا فشيئا ، حتى مجيء بريطانيا بمشروع آخر أبطأ في خطواته وأنكى في آثاره ، في ظل انهيار دولة الخلافة واضمحلال السلك السياسي الجامع لأمصار الشرق المسلم ومن قبله السلك الفكري فقد طرأت جملة من الانحرافات لا سيما في التصور العام للإسلام وشموله لكل مناحي الحياة وهو ما نجحت بريطانيا في تشويهه ، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين ، فقد نجحت في تشكيك المسلمين بل وتعميق أطروحة عدم ملاءمة الإسلام بأحكامه وشرائعه للعصر الحديث وإن كان ملائما من جهة التصور العقدي والشعائر الفردية ، وهو ما يلهج به العلمانيون اليوم في محاولة اقتناص مكاسب الثورة في تونس ومصر فعقد المواطنة هو العقد المقدم ، دون نظر بعين الشرع ، فهي آخر عين ينظر بها الآن إلى الأحداث ، إلا مشاركة فاعلة ، على ما فيها من قصور منهجي ، للتيار الإسلامي الحركي الناشط في مصر فهو تقريبا الصوت الإسلامي الظاهر الوحيد ، ووجوده ومزاحمته لسائر التيارات أمر جيد يحفظ للإسلام صوتا في المعركة الدائرة الآن على جني ثمار الثورة ، فهي تشبه إلى حد كبير : تركة كبيرة ورثها من لا علم له بالتجارة ، فشباب الثورة على ما فيهم من خير وعلى ما هم عليه من وعي سياسي ، لا علم له بفنون السياسة ، ولا تصور فكري كامل لهم ، وهذا أخطر ما في الأمر ، فليس لهم رؤية شرعية فكلنا نتاج عقل جمعي ترسخ فيه اقتصار دور الإسلام في الحياة على المعتقد والشعائر والأخلاق دون السياسات والأحكام العامة ، فلا يخطر ببالنا أن للإسلام أصلا دورا في الحكم العام فما للإسلام كدين بالدنيا كسياسة وحكم ؟! ، بل قد يقدم ذلك للشباب في معرض التنزيه للدين عن أقذار السياسة ، فهي الشبهة الدارجة على ألسنة العلمانيين ، كما يذكر ذلك بعض الفضلاء ، وما ذلك إلا لقذارة السياسة المعاصرة ، فهي سياسة ملك نفعية لا سياسة نبوة شرعية ، فلم نر غير السياسة المعاصرة لنحكم ابتداء أيصلح الإسلام أم لا يصلح لإدارة شئون الممالك ، فحكمنا عليه دون أن ننظر في حاله ، فهو حكم غيابي ! ، يدل على قصور فكري ، هو في حقيقته الثغرة الأعظم في هذه الثورات والتي تسهل مهمة السراق في الخارج وفي الداخل ، فتلك التركة بعد أن حصلت بيد الشباب أسالت لعاب الجميع فتسابق الجميع لينال منصب الوكيل أو مدير الأعمال ! ، فكل يعرض مواهبه الإدارية وخبراته السياسية في مسابقة قطف ثمار الثورة التي كانت عاطفية بالدرجة الأولى والعظمى وربما الوحيدة ، فهي ثورة مشروعة ضد الظلم والقهر دون تصور كامل لمعنى العدل ، فمعنا نصف الصورة الذي أجمع عقلاء الأمم فضلا عن أتباع الشرائع المنزلة عليه : نصف دفع الظلم فهو أمر يقره الشرع والعقل والفطرة ، وليس معنا إلى الآن نصف الصورة الآخر الذي تكتمل به الرؤية الفكرية : نصف العدل ، فهو مما تباينت فيه العقول ولا حكم يفصل بينها إلا الحكم الغائب : الوحي المنزل ، فبعض يرى العدل في الدولة المدنية ذات العقد الضيق : عقد المواطنة الذي يسوي بين المواطنين دون نظر إلى الدين ولو في الهوية بل وفي الدستور فيجاهر صراحة بإلغاء الإشارة إلى دين الدولة في دستورها فتصير دولة مدنية حديثة لها مؤسسات تحكم بمعزل عن الدين ولو إشارة فضلا عن أن يكون الحكم للشرع المنزل فعلا ! ، فالعدل عنده هو التسوية من كل وجه ولو اختلفت الأحوال ، وهذا أمر قد انسحب في بعض الدول على الأحكام الشخصية فسوي بين الذكر والأنثى في الميراث بمقتضى قوانين رسمية ملزمة تضاد صراحة المعلوم من الدين بالضرورة ، فلم يقتصر الخلل على الشأن العام بل تعداه إلى الشأن الخاص ، فالتسوية من كل وجه وإن اختلف الوصف ، وبعض آخر يرى العدل في النبوة التي تقضي بما يوافق العقل الصريح بالتفريق بين المتباينين ، فلا يسوى بين أتباع الملل المختلفة ، لا سيما مع وجود تفاوت كبير في العدد ، فلا يسوى بداهة بين أكثرية وأقلية ، ولو عرقية ، فكيف إن كانت دينية أو مذهبية ، وهي مما تتعصب له النفوس ما لا تتعصب للأعراق والأجناس فتلك حقيقة بدهية لا ينكرها إلا مكابر أو مسفسط ينكر العلوم الضرورية ، ولو سلم بذلك ، فخصمه لن يسلم فهو يلح على مطالبه الدينية صراحة ، ولعل بالونة الاختبار التي أطلقها النصارى في مصر ، ولا زلنا في الأيام الأولى بعد الثورة ، بتقدمهم بطلب يندرج في باب : الضغظ المبكر وجس النبض لإحراج المجلس العسكري أو معرفة نواياه ، وهو طلب شطب المادة الثانية من الدستور التي تجعل الإسلام هو دين الدولة الرسمي ، لعل ذلك خير شاهد يصدق تلك الضرورة المركوزة في النفس والتي ينكرها العلمانيون في صفاقة عجيبة ، ويغرون الشباب بها لئلا يفرطوا في مكاسب ثورتهم بمنحها للمتطرفين من أصحاب الاتجاهات الدينية المتشددة ! ، فالشباب الآن قد ورث تركة عظيمة دفع ثمنها بمقتضى سنة الكون فلا شيء يبذل بلا ثمن ، فدفعت دماء نسأل الله جل وعلا أن يبلغ أصحابها منازل الشهداء ، ومع تلك التركة : حيرة فلا تصور شرعي أو حتي سياسي كامل في مواجهة مؤسسات تحترف السياسة والإدارة ، وكل يعرض خدماته ، ولسان حال الشباب : التوجس خيفة من كل الأطراف فكلهم تقريبا بما في ذلك التيارات الإسلامية قد ركب الموجة ، وإن اختلفت النية ، فمنهم من يحاول استثمار المكاسب استثمارا حقيقيا ، ولن يكون ذلك إلا شرعيا ، فتلك سنة الرب جل وعلا في هذه الأمة فإنها لا تنهض إلا بالوحي وتاريخها وحاضرها ، كما تقدم مرارا ، خير شاهد على ذلك ، فيبذل النصح والإرشاد فالخطاب الدعوي الآن من أنجع الوسائل في ترشيد هذه القوة العظيمة ففيها معادن خير لو قيض الرب ، جل وعلا ، لها من يبصرها بحقيقة الأمر فيحسن التعامل معها ، ويختار الخطاب الملائم لثقافتها ، فليس خطاب رواد الإنترنت كخطاب رواد المساجد بداهة ، وليس خطاب شباب الفيس بوك كخطاب شباب الصحوة ، وإن كانت الغاية واحدة ، فالأسلوب قد يتغير في نطاق المشروع ، لئلا تستثقل النفوس خطابا دعويا أكاديميا لا يصلح إلا لطلبة العلم بل ولا يصلح إلا للمتقدمين منهم ، فلكل مقام مقال ، وخير من يقوم بهذا العمل ، كما يذكر بعض الفضلاء ، هو شباب الصحوة فالمرحلة العمرية واحدة والبيئة الفكرية التي نشأ فيها الجميع بيئة واحدة ، والهموم واحدة ...... إلخ من القواسم المشتركة .

ومنهم في المقابل من يحاول ركوب الموجة برسم الانتهازية فقد وفد على مصر فجأة أفواج من الحكماء من فيينا وأمريكا ومن معاهد تخطيط استراتيجي غربي كمعهد كارنيجي ولا يدري الناظر ماذا يمكن أن يقدم معهد تخطيط غربي لثورة وقعت في دولة إسلامية ؟! ، ومن نشطاء وحقوقيين في الداخل ومن أحزاب ومن رجال أعمال ومن نصارى أخيرا كما هي حال ساويرس مع أنه بقي إلى آخر لحظة متعلقا بأهداب النظام البائد فروج للخدعة الأخيرة ببقاء رأس النظام في موقعه كرئيس شرفي وهو ما لم تقبله الجماهير فكان الخلع يوم الجمعة ، ومن ومن ....... إلخ .

وكل يعرض خدماته والشباب حائر فلجأ أخيرا إلى تكوين لجان تتحدث باسمه ، ولكن هل يملك الشباب مع نقص الخبرة وحداثة السن أهلية كاملة ليتكلموا باسم الأمة بأكملها في أمر جلل كهذا يتقاعس كثير من المخضرمين عن الكلام فيه فرارا من تبعته في الدنيا والآخرة ، وربما كان ذلك رد فعل عكسي للملل الذي أصاب النفوس من قيادات أصابها العفن فقد طال عمرها وساءت سيرتها في الدين والدنيا ، فمن قيادات أكل الزمان عليها وشرب إلى قيادات ليس لها بمقتضى السنة الكونية في تراكم الخبرات بمرور السنين ، ليس لها أهلية التصدر الكامل في أمر كهذا .

وقد بدأت نغمة قياس قادة ثورة 25 يناير على قادة ثورة 52 فسن الجميع صغير فما الذي يمنع من تكرار التجربة بتولي الصغار مراكز القيادة ، فهل ذلك من جنس ما استعاذ منه أبو هريرة رضي الله عنه من إمارة الصبيان ؟! ، فصغر السن لا سيما في زماننا ، بل وفي جيلنا تحديدا ، مئنة من قلة الخبرة ، وليس ذلك انتقاصا لقوة الشباب الفاعلة فهو قوة تملك القدرة على التغيير ، بإذن الرب القدير جل وعلا ، ولكنها في الفعل والتنفيذ أظهر أثرا منها في الفكر والتخطيط ، وهذا ، كما تقدم ، مقتضى السنة الكونية .

وبطبيعة الحال لا يمكن قياس ثورة تونس ومصر على ثورات ممولة كثورة أوكرانيا ، فإن التمويل في الأولى غائب ، وإن روج له النظام في معرض التشكيك في نوايا المحتجين ففيهم عملاء للموساد وفيهم عملاء للمخابرات الأمريكية وفيهم من ينفق بسخاء على المعتصمين فوجبات الكنتاكي والدولارات توزع على المعتصمين لئلا يستسلموا ..... إلخ من الدعاوى الباطلة التي روج لها الإعلام الرسمي الفاشل بامتياز في التعاطي مع الثورة ، وقد يكون للقوى الأجنبية لا سيما في ظل الفوضى التي سادت البلاد في تلك النازلة ، قد يكون لهم تواجد بالفعل ، ولو رصدا للأحداث تمهيدا لاستخلاص النتائج التي تخدم مصالحهم ، فالبلاد مخترقة استخباراتيا حتى في ظل النظام البائد مع ما كان يتباهى به من كفاءة أمنية واستخباراتية فكيف إذا عمت الفوضى ؟! ، ولكن وسم عموم الثوار بذلك ونسبة الأمر برمته إلى الموساد والسي أي آيه ، تخوين لشعب مصر بأكمله ، فكلهم عملاء ! ، ولكن يبقى أن التأثير الفكري حاصل ولو عن بعد ، ولو بعد حصول الثورة ونضجها فقد بدأت أمريكا ، وقد فوجئت كما فوجئ العالم بأسره ، بدأت في التخلي عن الأوراق المحترقة رويدا رويدا ، وبدأت في المقابل في استقطاب القوى المعارضة بما فيها التيارات الإسلامية فلا ترفض الحوار معهم كما لمحت أمريكا ومن بعدها ألمانيا ، والغرب ، بقدر الرب جل وعلا الكوني ، خبير في صناعة الرأي العام وتكوين العقل الجمعي الذي يحقق مصالحه ، ولو لم يشعر أصحابه بذلك ، فيكون في الأمر بالفعل مصلحة حقيقية لهم ، فيقع نوع من التقاطع في المصالح على غرار ما وقع في الجهاد الأفغاني فقد تقاطعت مصالح المجاهدين بمختلف أطيافهم مع بعضهم أولا ، فاجتمعوا ، ثم مع أمريكا فكان دعمها بالمال والسلاح وتحريضها للدول الإسلامية بدعم الجهاد بالمال وتسهيل مرور المجاهدين ...... إلخ ، ولم يعن ذلك أن المجاهدين عملاء لأمريكا ، ولكن تلاقت المصالح وتقاطعت فالعدو الآني واحد ، وبعد سقوطه ، وقع الصراع بين الطرفين بل قد وقع بين المجاهدين أنفسهم لاختلاف المشارب وأنتج هذا الصراع تحالفا في الشمال كان هو الخائن الأكبر في الحرب الأخيرة فضلا عن خيانة دول الجوار ، فالأمر الآن قد يشبه تلك الحال من وجه ، وإن لم يكن ثم قتال عسكري ، فالقتال كان سلميا ضد نظام قمعي ، فرأى الغرب المصلحة في الانضمام إلى الشعوب ، لا حبا فيها ، وإنما استقطابا ، ولو على المدى البعيد ، في عملية استغلال ماكرة للثغرة الفكرية الواضحة في معسكر الثورة ، فالشباب ، كما تقدم مرارا ، على ما فيهم من خير عظيم ولا نزكيهم على الرب جل وعلا ، إلا أنهم لا يملكون التصور الفكري الكامل الذي يجعلهم أهلا للتخطيط والقيادة ، بل إنهم دون وعي يسيرون وفق المخطط الغربي لتغيير الخريطة السياسية والفكرية في الشرق المسلم بتبنيهم لأطروحات غربية أصيلة من قبل : الديمقراطية والليبرالية والمواطنة ........ إلخ .

فقد تتحول هذه الثورة إلى ثورة فرنسية أخرى دون أن يشعر أصحابها ، فيكتفي الخصم بالرصد والمتابعة ثم يبدأ في التحرك لجني الثمرة بإحداث تغيير تدريجي في فكر الثورة وخطابها لا سيما إن كانت هي نفسها لا تعارض مفرداته بل تلهج بها فهي خيارها الرئيس .

ومن العبارات التي ترددت في الفترة السابقة ، عبارة : الفراغ الدستوري ، ولدينا ، والله أعلم ، فراغ بالفعل ، ولكنه فراغ فكري إن لم يتضلع أصحابه من الوحي فإنهم سيتضلعون من ضده ، فتتشبع العقول بمبادئ الغرب وقيمه دون أن نشعر ، فيكون الغرب قد نجح بأيدينا لا بأيدي عمرو ! .

فالمسألة الآن وكأنها مقايضة : الحرية والديمقراطية في مقابل الاستبداد الذي يعادل : الأنظمة القمعية كالنظام البائد والأنظمة الدينية ولا مانع من استثمار الانحراف الظاهر في التجربة الإيرانية في الدعاية المضادة للإسلام ، وكأن ما في إيران هو الإسلام حقا ، وهي دعاية استعملها أمثال ساويرس لما أبدى امتعاضه من كثرة أعداد المحجبات في مصر ، ولله الحمد والمنة ، فلم يملك إلا أن يقول بأنه يشعر بالغربة فكأنه في إيران لا مصر ، فإيران بنظامها الكهنوتي الديكتاتوري القمعي تسدي إلى الغرب معروفا عظيما في إطار حملته على الإسلام تشويها له في بلاده وفي بلادنا ! .

وحال الدول يختلف باختلاف الظروف ، فما حدث في مصر ، كما يقول بعض الفضلاء ، سيناريو قد أعد لدول أخرى ، فأعد مثله للأردن والسعودية واليمن فضلا عن البحرين ، ولا يحسن تعميم الحكم ، لا سيما إن كان الأمر قد سار على وزان السنة الكونية لا السنة الشرعية الكاملة ، فقد وقع الأمر وانتهى ، وزال ظلم عظيم من تونس ومصر ، قد لا يوجد مثله في دول أخرى ، فلا يكون هناك مبرر ، ولو دنيوي ، للثورة ، فالأمر ليس تقليدا محضا ، وإنما يلزم النظر فيه بعين الشرع الحاكمة ابتداء مع استصحاب عين القدر فهي التي يعتذر بها عما يقع في الفتن والنوازل العامة من أخطاء تتفاوت الأنظار في تقديرها والترجيح بينها وبين المصالح الحاصلة ، وهو خلاف سائغ ، وهو في نفس الوقت خلاف دقيق أيما دقة ، فلا يحسن تقديره إلا آحاد الراسخين في العلم .

وحتى الآن لم يتحقق للثورة الهدف المرجو ، ولو في الشأن الدنيوي ، فضلا عن الشأن الديني ، فالاحتفال بسقوط رأس النظام مع بقاء آثاره وفضائحه التي تتكشف تباعا ، وهو ما يثقل كاهل المجلس العسكري بتركة من الفساد الله أعلم كيف ستعالج وكم سيستغرق ذلك ؟! ، الاحتفال مع هذه الحال : إضاعة للوقت واشتغال بما لا نفع فيه ، فالفرح حقا لا يكون إلا بنصر الله ، جل وعلا ، ونصره ، تبارك وتعالى ، لا يتنزل على من يعطل شرعه وينحي وحيه عن منصب الرياسة ، ولعل سؤالا محرجا طرحه بعض الفضلاء يكشف عن حقيقة القصور الذي نعاني منه في هذا الأمر فــ : أيهما كان أولى من جهة الشرع والمروءة : أن تقع هذه الثورة من أجل الأخت كاميليا فك الله ، جل وعلا ، أسرها ، أو أن تقع كما وقعت أخيرا ، فقد وقعت تظاهرات من أجلها ومن أجل أخواتها ولكنها بداهة لم تكن بهذا القدر وهذا العدد مع أنها بمقتضى الشرع كانت أولى وأولى فليس بعد فتنة المؤمن في دينه فتنة ، والثورة الأخيرة إنما خرجت لما فتنا فيه جميعا من أمور المعاش وهي ، كما تقدم مرارا ، مطالب ضرورية مشروعة لا ينكرها أي منا إلا من كابر أو اختل عقله ، ولكنها مع ذلك لا تعدل فتنة الأخت كاميليا وأخواتها اللاتي لم نخرج لهن خروجا كهذا الخروج العام مع أنهن الأحق والأولى بذلك .

وليس في الإمكان الآن إلا رفع سقف المطالب كما يرفعها كل أعداء الديانة ، على طريقة الفصال ! ، ليتحقق قدر معقول من المصالح الشرعية ، فقد وقع الأمر وانتهى بمقتضى السنة الكونية ، فالإلحاح باستمرار على هوية الدولة المسلمة وإلغاء أكبر قدر ممكن من مواد الدستور الجائرة فإن لم يدرك الخير كله بإقامة حكم إسلامي راشد فلا يترك كله ، فالسنة الكونية تقضي بعدم حصول الكمال دفعة واحدة ، بل لا بد من التدرج حتى يقوى الضعيف وتنضج الثمرة .

وحسنا فعل المجلس العسكري لما أوكل مهمة تعديل مواد الدستور إلى لجنة يقودها المستشار طارق البشري ، وهو ذو توجهات إسلامية ، وإن تبنى خيار الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية فهو بالتأكيد خير ممن يتبنى خيار الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية ، وفي اللجنة مستشارون ينتمون إلى حركات إسلامية ، وذلك خير آخر ، وهو ما أثار حفيظة العلمانيين من أمثال حزب التجمع وهو من مخلفات الشيوعية ولا مبالغة ، والله أعلم ، في القول بأنه لا سيما وعلى قيادته المدعو : رفعت السعيد من أعدى أعداء الإسلام في مصر .

وحسنا فعل المجلس العسكري لما لم يتطرق إلى المادة الثانية فالتعديل قد تطرق إلى مواد من قبيل إلغاء المادة 179 مادة قانون الطوارئ الذي أرعب المصريين ثلاثة عقود ، والمواد الخاصة بالترشيح والإشراف القضائي على الانتخابات لضمان نزاهتها ومدة الرياسة ..... إلخ .

وقد بدأت كما تقدم :
عملية التهيئة للعقول التي ستقود بإذن الرب المعبود ، جل وعلا ، مصر في الفترة المقبلة ، فالمعاهد الأمريكية تجري استطلاعا للرأي في خضم الثورة في أوساط المصريين لمعرفة مرشحهم المفضل فجاء الوزير عمرو موسى في الصدارة ثم عمر سليمان ثم البرادعي ثم جمال مبارك بنسبة 0 % ! ، وهي كلها قيادات مؤقتة لمراحل فكرية انتقالية ، يراد فيها إعادة تهيئة العقل المصري بما يلائم الفكر الغربي ، فقد تكون المبادئ صحيحة خالصة ثم يرد عليها المؤثر الخارجي فتتعدل الرؤى لا سيما مع غياب التصور الشرعي الذي يعصم صاحبه من الشبهات التي تنقدح في القلب فتستحسنها العقول وليس ثم ، كما تقدم ، من يفصل النزاع بينها ، فلا يفصل النزاع بينها إلا وحي منزل ، كما ذكر بعض المحققين ، والوحي قد غيب عن هذه الثورة إجمالا ، وإن ظهرت آثاره في الأفراد خلقا وديانة دون أن يصل إلى سدة الحكم العام تصورا يقود الثورة ، فسدة الحكم الآن : وطنية وطنية ، كما رددت الجموع .

فالأمر يحتاج إلى لجام من الشرع والعقل يلجم هذه الحمية المشتعلة في قلوب الشباب بعد نجاح الثورة .

وعجبا للنظام البائد فإنه لم يبق هامش عدل ، ولو ضئيلا ، لئلا تجري عليه سنة الكون بالمحق والإزالة ، فقد عم ظلمه وطم ، وزاد فساده وإفساده فاقتضت السنة الكونية تحزب الأعداء من كل المشارب لإسقاطه فلم يستبق حليفا يؤيده فكان سقوطه بالضربة القاضية برسم الإجماع القطعي من كل الرعية بل وانضم إليهم لاحقا أصدقاؤه في الخارج ! .

والشاهد ، كما تقدم ، أن الخطر الحقيقي الآن يكمن في استقطاب هذه القوى الفاعلة ، دون أن تشعر ، لخلق رأي عام يصب في قناة المصالح الخارجية التي تضر بالدين والدنيا معا .

والله أعلى وأعلم .

وممن تكلم فأوجز وأوفى في هذا الشأن : الشيخان الفاضلان في هذه المحاضرة ، وما هذه المشاركة إلا فوائد استفيدت من كلامهما :
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=106610

طالب العفو
02-16-2011, 02:27 PM
لم يمنع أحدٌ الإسلاميين من الترشح، بل للأسف هم من تراجعوا بأنفسهم.

هذه مناورة سياسية (سياسيا)
ومن تقدير المصالح والمفاسد (شرعيا )
فمن دخل هذه الثورة من الاخوان
يعلم منذ البداية
ان هذه الثورة لو اصبحت اسلامية
لانقض عليها الجميع
حتي الليبراليون انفسهم
رفضوا اي شعار ديني

ومن يعرف الشارع المصري
يعلم ان الاعلام والصحافة
قامت بعملية غسيل مخ للشعب
حيث فرقوا بين الاسلام والاسلاميين
ورائحة ذلك تفوح من كلام بعض الملتزمين حتي
و بعد القفزة النوعية باقصاء النظام السابق
رجع الاخوان الي خانة التدرج
والتغيير الهرمي مرة اخري
وهذا عين العقل في هذه المرحلة
الشعب الان لا يريد الاخوان

ومن خبر الشارع المصري
يعلم ان فئات المجتمع
لا تفرق بين الاخوان والسلفيين وغيرهم

امس احد افراد طاقم التمريض تقول لاحد الاطباء الملتزمين
مبروك عليكم البلد
وهو لا ينتمي للاخوان بحال من الاحوال

نحتاج الي نظرة اعمق

مداخلة اخينا هشام عزمي نقلا عن اخينا المهاجر فيها خير عميم لمن اراد ان يعلم وينظر في وقت عميت فيه الفتنة

أمَة الرحمن
02-16-2011, 02:38 PM
فمن دخل هذه الثورة من الاخوان
يعلم منذ البداية
ان هذه الثورة لو اصبحت اسلامية
لانقض عليها الجميع

أرى أخي أن رأيك هو الأقرب للصواب.

لكنني أخشى من أن نترك الساحة بالكامل للعلمانيين و الليبراليين

د. هشام عزمي
02-16-2011, 03:19 PM
الإخوان المسلمون يسعون حاليًا لتأسيس حزب سياسي معترف به ولتحصيل الأغلبية في البرلمان ، ويبدو أنهم سيبدءون العمل من القاعدة إلى أعلى ، حيث أن كل من حدثته منهم حول الترشح للرئاسة لديه إيمان عميق بأنهم لا يملكون الكوادر الصالحة لاعتلاء هذا المنصب ، لكن واقع الأمر من وجهة نظري أن الأمر قد صدر من لدن المرشد العام بعدم الترشح هذه الدورة ، وهم في إثره يسمعون ويطيعون ويقتنعون !

أمَة الرحمن
02-16-2011, 03:38 PM
ويبدو أنهم سيبدءون العمل من القاعدة إلى أعلى

لعلها تكون الخطوة الأكثر حكمة و واقعية في هذه الفترة، خاصة مع تزايد صيحات اسرائيل التي استخدمت حركة الإخوان كـ"فزّاعة" لتحريض الغرب على التدخل المباشر في شئون مصر.

Digital
02-17-2011, 09:54 AM
ومما يلفت النظر قبل سقوط النظام السابق : تأييد بعض الدول في المنطقة للنظام البائد ، مع الفرقان الظاهر في أحوال البلاد ، فليست الممالك المستقرة ولو نسبيا ، كالممالك المضطربة التي تغلي بنيران ثورة تطلب العدل ، ولو مجملا ، وتدفع الظلم البين ، فلا إجمال فيه ، فدفعه مطلب شرعي عقلي طبعي بدهي قد أجمعت عليه الشرائع المنزلة ، وإنما يكون القيد بالمصلحة والمفسدة المعتبرة التي تتفاوت فيها الأنظار فالاختلاف في الوسيلة لا في المقصد العام ، فمن مرجح للدفع لا سيما إن كان برسم العموم كما في الثورة الأخيرة لا سيما مع هشاشة النظام البائد فقد سقط في زمن قياسي بخسائر لا تعدل شيئا بالنسبة إلى ما اقترفه في حق الرعية من سفك لدماء ألوف بل تزيد من دماء المسلمين فضلا عن انتهاك سائر الحرمات ومن مرجح لعدم الخروج لوقوع مفسدة لا تنفك عنها الثورة ومن ساكت برسم الاعتزال في زمن الفتنة ، فلم يكن ثم اختلاف في المقصد فهو ، كما تقدم ، مما أجمعت عليه الشرائع والعقول والطباع والبدائه وما شئت من أدلة ، فإمداد دول كمصر بمليارات الدولارات في هذا التوقيت بالذات ، كما يقول بعض الفضلاء ، ردا على تهديد أمريكا بقطع المعونة عن النظام البائد الذي عاش زمانه على التسول الذي قدح في كرامة المصريين فشاهت صورتهم في أنظار غيرهم ، إمداده مع فساده البين وغض الطرف عن مطالب الجماهير أو تأييدها تأييدا مجملا بعد نجاح الثورة طبعا ! ، إمداده لمجرد الحفاظ على تحالفات استراتيجية تخدم ابتداء المصالح الخاصة للدول دون النظر في المصلحة العامة للرعية المضطهدة ، ذلك الإمداد قد يفسر بأنه تأييد صريح أو ضمني لممالك الجور والظلم التي عطلت الأديان وأهلكت الأبدان وهو ما يشوه صور هذه الدول في أنظار المظلومين ، لا سيما إن كانت دولا لها إمامة دينية ومنزلة روحية كبيرة في نفوس المسلمين ، فيرون الكفار الأصليين يذبون عنهم بل ويهددون الظالم بقطع المعونة انتصارا لهم ولو في الظاهر فما أرادوا أيضا إلا مصلحتهم الخاصة فالحكمة تقتضي الآن : الوقوف في صف الرعية بعد احتراق الطاغية فقد انتهى دوره ، ويرون في المقابل إخوانهم في الدين يسارعون في نجدة الظالم بدعمه بمليارات من الدولارات ! ، ولم تحظ مصر بهذه العطية أيام استقرار النظام السابق وجثومه على صدور المصريين ، مع أنه كان في حاجة إليها ليحقق ولو نوع استقلال في الرأي بعيدا عن ضغوط أمريكا التي تتصدق عليه بفتات موائدها ! ، فلماذا تذكروا الآن مصر فأنفقوا عليها عاجلا ليردوا على تهديد أمريكا ، مع أنها تهدد مصر من لدن كامب ديفيد إلى الآن ؟! ، ومن يحسن الظن قد يقول بأنه دعم لمصر في أزمتها ، ولكن هل بقي هذا الدعم بعد زوال النظام السابق ، فتتعهد تلك الدول الآن ببذل المساعدة التي تعهدت بها أو أن الأمر محض مصلحة زال حكمها بزوال سببها فقد انتهى الأمر وسقط أحد أضلاع محور الاعتدال ؟! .
ولو صدق الأمر الآن بعد زوال حكم الطغيان فتلك ديانة ومروءة تحمد ، فواجب الديانة ولازم المروءة الوقوف إلى جوار المظلوم ودعمه معنويا وماديا فكيف إن كان أخا في الدين له من واجب النصرة ما قد نص الوحي عليه ، ولو لم يصدق [color="blue"]فتلك دعاية غير حميدة لا سيما مع ما تقدم من مكانة دينية رفيعة لبعض تلك البلاد التي تخسر كثيرا ، كما يقول بعض الفضلاء من أبنائها ، تخسر كثيرا بتأييدها ولو غير المعلن لبعض الطغاة البائدين ، واستضافتها لبعض آخر من الطغاة الفارين .
.
كان المدد المقصود بخمسة مليارات من الدولارات
كم هى مصر بحاجة اليها الآن
اليس الصديق وقت الضيق
فمابالك بشقيق الظهر
إبتسامة من محب
الكل

د. هشام عزمي
02-18-2011, 03:52 AM
ومما ظهر بعد سقوط الطاغية قبل الماضي :
طرف من مسلكه الاستخباراتي وهو الذي حول البلاد إلى وكر من أوكار الجاسوسية على الموحدين في أحيائهم ومساجدهم ومؤسساتهم العامة كالجامعات ونحوه ، فقد بث في كل شارع ومسجد تقريبا جاسوسا بمرتب قدر بــ : 120 دينارا ، وذلك مما يستنزف ميزانيات طائلة تستقطع من أرزاق المسلمين لتوظيفها في التجسس عليهم ! فهم الذين يدفعون مرتبات أولئك البصاصين بطبيعة الحال فلا يعقل أن يدفعها الزعيم من جيبه الخاص ، وإن كان ذلك مقتضى القياس فالمصلحة متمحضة له حفظا لأركان دولته الظالمة فلن تصمد إلا بإجراءات قمعية من هذا القبيل ، فكان عليه أن يدفع في مقابل المصلحة الخالصة له ، ومع ذلك بلغ الجور حد توظيف جيش من الجواسيس تدفع الرعية مرتباته .
وهذا مسلك ظاهر من مسالك دول الجور ، وعندنا في مصر تقدر بعض التقارير عدد أفراد الشرطة السرية بنحو : 400 ألف عنصر ! ، وهذا رقم يكفي للتجسس على الكرة الأرضية لو أحسن تدريبه وتوظيفه ! ، والتقارير تقول ، أيضا ، بأن الجهاز البوليسي في عهد الطاغية قد شكل : 22 % من مجموع موظفي الدولة : نحو الربع ، فضلا عن المتعاونين من الجواسيس في كل المؤسسات الحكومية تقريبا فضلا عن الأحياء التي قسمت تبعا لخريطة أمنية فيختص كل جاسوس بحي بعينه أو مسجد أو مجموعة مساجد يحضر خطبها ليتابع ما يدور فيها من خطب ودروس ! بل قد وصل الأمر كما أخبرني بعض الفضلاء إلى أن الجاسوس هو إمام المسجد نفسه ! المعين من قبل وزارة الأوقاف فيرفع تقارير للجهات الأمنية وذلك مئنة من تغلغل الفساد في المؤسسة الدينية التي قلص الطاغية ووزيره المخذول من صلاحيتها وكفاءتها بشكل صيرها نموذجا يحتذى في إفساد الأديان فقد طلبت دول تحارب الدين الخاتم من وزارة الأوقاف أن تمدها بخطة عمل لتأميم المساجد وتقليص دورها الدعوي على غرار ما حصل في مصر في السنوات الأخيرة ، فهذا جهاز كامل للجاسوسية بهذا العدد الهائل من الأفراد وتلك الموارد المادية وهو مع ذلك يعمل في نطاق ضيق لا تزيد رقعته على 4 % من مساحة مصر ، ويستقطع من أرزاق الرعية مبالغ طائلة تكفي لحل أزمات كبيرة في سائر الخدمات فميزانية الأمن الداخلي بلغت نحو 35 % من إجمالي الميزانية العامة ! ، وفي كثير من أمصارنا بل في كلها تقريبا تكون المرتبات الضخمة للقيادات الأمنية بل ومن دونهم من الضباط والعسكر فمرتباتهم وإن كانت متدنية إلا أنها أكبر في مقابل مرتبات من يناظرهم بل يتفوق عليهم من أقرانهم بل تتفاوت مرتباتهم بتفاوت مناصبهم قربا أو بعدا من جهاز أمن النظام ، وإن كان الجهد المبذول أقل ، فلا يستوي ضباط المرور على سبيل المثال مع ضباط أمن النظام أو الرياسة وإن وقف الأولون في الطرق ليل نهار ! فالأمر ليس بالجهد وإنما بالولاء ، فليس التقديم للأكفأ وإنما يقَدَّم من يقدِّم الولاء ولو برسم النفاق والمداهنة وتلك الحال الغالبة في ممالك الجور التي تدار بسياسة الإرهاب وقد وقع ذلك في مصر ، على سبيل المثال ، عقيب انقلاب 52 الذي صير الدولة لثلة من الصبية أقصوا الكفاءات من أصحاب الرتب الكبيرة من الجيش لتخلو لهم الساحة بلا منازع فساد الإرهاب أوساط الضباط والجند ، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين ، فسارع من يريد البقاء في منصبه إلى تقديم فروض الولاء والطاعة ولو بالتجسس على أقرانه ! فتنقلب المؤسسة العسكرية أو أي مؤسسة أخرى في ظل حكم الجور تنقلب إلى شبكة جاسوسية يتجس أفرادها على بعضهم إرضاء للقيادة ! .

وفي دول الجور يكون النفوذ الحقيقي لضباط الاستخبارات فنفوذهم يفوق أحيانا نفوذ الرئيس فيصير مجرد واجهة ، وذلك أمر ظاهر في الدول التي يسيطر فيها الجيش على مقاليد الأمور فيدس أنفه في شئون السياسة العامة وحقه أن يكون أبعد الناس عنها ليتفرغ لمهام التدريب والقتال .
فالاستخبارات بنوعيها : المدني والعسكري تستأثر باهتمام ومتابعة النظام لضمان استقرار الحال ، فاستخبارات على المدنيين تصل إلى دس الأنف في الدقائق والخصوصيات ، وأخرى على العسكريين ومشهد أفراد الشرطة العسكرية ، كما يقول بعض الفضلاء ، لا سيما في الميادين العامة وأماكن التجمعات لمراقبة أي نشاط مريب من الجيش ! : مشهد مألوف في بعض الأمصار وهو مئنة من انعدم الثقة بين الرئيس ومرءوسيه مع أن الظاهر ، بادي الرأي ، تلاحم القيادة مع الشعب والجيش ! ، فشاهد الحال يكذبه فالانفصام التام في الرؤى والمشاعر بين الرئيس والمرءوس أمر ظاهر في مؤسسات الدول الجائرة فمعقد الولاء والبراء فيها المصلحة الخاصة برسم الأنانية المفرطة وهي مظنة جملة من الخلال الردية من جبن ونذالة وغيبة ونميمة ...... إلخ .


والشاهد أنه لا بد في ممالك الجور من شبكة استخباراتية سرطانية تتغلغل في كل أركان الدولة بما فيها المؤسسات الموالية للحكم مباشرة ، أو هكذا يفترض ، فالجواسيس لا يقتصر عملهم على رفع تقارير عن رواد المساجد وطلاب الجامعات والمعاهد ........ إلخ ، بل يتعداه إلى أفراد الأمن أنفسهم بما فيهم القيادات ! ، فقد كان الطاغية يتجسس على الضباط ، فمنهم من رفع تقرير عن صلاته المغرب والعشاء في المسجد ، ومنهم من رفع تقرير عن صلاته في بيته مستترا ! ، ومنهم من رفع تقرير عن زي امرأته الطائفي فهي محجبة ! ........ إلخ .

وغالبا ما يلجأ الخلفاء والسلاطين إلى العناية بأحوال الناس برسم العس ، كما كان يصنع عمر ، رضي الله عنه ، فإنه كان يعس في أرجاء المدينة لتفقد أهلها ، فــ : "يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام" ، كما في قصة الأعرابي الذي نزل بزوجه المدينة حال مخاضها فعثر فيه عمر ، رضي الله عنه ، وهو يعس في أرجاء المدينة فاحتمل زوجه أم كلثوم بنت علي ، رضي الله عنهما ، لتعين المرأة حال الوضع ، وقصة بائعة اللبن قصة معروفة فلم يعمد الفاروق ، رضي الله عنه ، بداهة ، إلى التجسس عليها ! ، فما حاجته إلى ذلك وقد عدل فأمن فنام ، فلا يخشى القائد العادل شيئا ، فثقته في ربه ، جل وعلا ، كبيرة ، وثقته في نفسه تأبى عليه التجسس على غيره من القادة أو الرعية ، بل كان عمر ، رضي الله عنه ، يأنف من التجسس على المعايب فزبر من جاءه بخبر فلان وفلانة ، فهلا ستر عليهما ؟! ، وكذلك قال ابن مسعود ، رضي الله عنه ، وهو من هو في اقتفائه آثار عمر ، رضي الله عنه ، وأقضيته معروفة فقيل له : "إن فلانا تقطر لحيته خمرا" فقال : "نهانا الله عن التجسس" ، فالتجسس على الرعية برسم الاطلاع على أسرارهم ودخائلهم مما يفسدهم على الراعي فكل يتوجس خيفة من الآخر ، فتسوء الظنون ويعظم البغض والكره المتبادل وذلك مما يعجل بفساد الملك فهو مناخ يلائم كل اختراق خارجي برسم التجسس أو التحريض فالفرد قد فقد الثقة في نفسه وفيمن حوله فكل يتربص بغيره ! ، فانهارت الجبهة الداخلية ، وانهيارها مما يؤذن بانهيار الملك فكيف تبنى ممالك على أكتاف رجال يخشون بلاغات الجواسيس والمخبرين ؟! . وكان لعمر ، رضي الله عنه ، جهاز مخابرات قوي يتفقد أحوال الولاة برسم سد الذريعة إلى الإثراء غير المشروع ، ولو شبهة ، وكان محققه العام محمد بن مسلمة ، رضي الله عنه ، فقاسم عماله أموالهم سدا لذريعة المحاباة في البيع والشراء ، وإن كانوا من ذوي الأمانات بل والعدالة ، برسم الصحبة ، فلا محاباة عند عمر ، رضي الله عنه ، ولو لأحب الناس إليه : ابنه عبد الله ، رضي الله عنه ، فهذه مخابرات الدولة العمرية ، وقد تكون المتابعة برسم التتبع لأحوال الناس ، ولو دقت ، كما أثر عن زياد بن أبيه : "أتتعرّف إليّ وأنا أعرف منك بنفسك ، والله إني لأعرفك وأعرف أباك وأمك وجدك وجدتك ، وأعرف هذا البُرد الذي عليك وهو لفلان فبُهت الرجل وأرعد حتى كاد يغشى عليه" . اهــ

وقد يعلل ذلك بأن المصلحة العامة تقتضيه ، ولكن ذلك لا يسلم لصورة من المتابعة تنتهك فيها الخصوصية لدرجة معرفة صاحب الرداء ! ، فذلك يدل على متابعة أمنية صارمة قد يلتمس لزياد العذر فيها فيقال بأن العراق آنذاك ، وكان من بؤر الاضطراب المستمر زمان بني أمية ، لا يصلح إلا بذلك ، ولكن ، عند التدبر والنظر ، لا يصفو ذلك الاعتذار لصاحبه ، وقد كان عمر ، رضي الله عنه ، الخبير بشئون رعيته المطلع على أحوال الولاة خصوصا فكأنه معهم ومع ذلك لم يؤثر عنه التجسس على أحوالهم الخاصة وإنما كان يتتبع أحوالهم العامة مع الرعية وما يؤثر فيها من حالهم الخاصة عبادة وزهادة ..... إلخ فكانت عينه على المصلحة العامة فلم يكن يتجسس عليهم لأنه يخشى على سلطانه من تزايد نفوذهم ، بل لم يعزل خالدا ، رضي الله عنه ، إلا خشية افتتان الناس به في دينهم ، فلم يخش من تطلع خالد إلى كرسي الرئاسة فكلاهما من أزهد الناس فيه ، وإنما ابتلي الأول به دون الثاني ، وعزل الثاني فصار جنديا لأبي عبيدة ، رضي الله عنه ، برسم السمع والطاعة وليست تلك حال أصحاب الطموحات الملوكية ، وقد عزل قائد في جيش في دولة من دول المغرب في زماننا فانقلب على رئيسه في اليوم التالي مباشرة ! ، وقد كان قبل ذلك من خلصائه ومؤيديه ، فذلك فرقان ظاهر بين مسالك الأولين في السياسة فسياستهم شرعية ربانية محضة ، ومسالك المتأخرين فسياستهم نفعية براجماتية محضة .

والقائد الرباني قائد يثق بنفسه ، كما يقول بعض الفضلاء ، فيقود الأمة برسم الربانية ويقرب الأكفاء ولو كانوا ، بحساب أهل الدنيا ، خطرا على سلطانه ، بل ولو قتلوه بعد ذلك ! ، كما وقع للملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله ، فلا عليه أن يمضي إلى ربه ، جل وعلا ، شهيدا ، فهذا فرقان بين من يقود الأمة برسم الربانية ومن يقودها برسم الميكيافيللية .

وكان لمعاوية ، رضي الله عنه ، جهاز استخبارات قوي ، فكان يتتبع أهل العراق في مراسلاتهم مع الحسين رضي الله عنه فلم يرد أن يهيجه ، لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولمكانته في نفسه فهو سيد جليل من سادات المسلمين ، حتى بعد أن كتب له الأمويون في المدينة يحذرونه من تلك المراسلات ، فما أراد بذلك إلا الحفاظ على استقرار الدولة الإسلامية قدر المستطاع وقد خرجت من سنين قلائل من فتنة عامة .

وكان لعمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، جهاز استخبارات ، قوي فكان يعس مع مولاه مزاحم ، رحمه الله ، ومن مأثور كلامه لرجل من خراسان : "لا تأت على عامل لنا إلا نظرت في سيرته ، فإن كانت حسنة لم تكتب بها , وإن كانت قبيحة كتبت بها" ، فكان مخابراته ، أيضا ، لحفظ النظام العام بمتابعة أحوال الولاة .

وكان لهشام بن عبد الملك ، وهو آخر الخلفاء الأقوياء من بني أمية ، جهاز مخابرات قوي ، تمكن من القضاء على ثورة زيد بن علي ، رحمه الله ، فاستعجلها ولما تنضج ، وفرق أتباعها من أهل الكوفة ، والغدر فيهم من زمن علي والحسين ، رضي الله عنهما ، أمر قد اشتهر ، فهو مما يسهل على أي عدو اختراقهم أمنيا ونفسيا .

وأما عماد الدين زنكي ، وهو نموذج للقائد السياسي ذي الطابع العسكري الصارم فقد مزج السياسة بالحرب في كفاية وبراعة لافتة ، فقد كان له جهاز مخابرات قوي يبلغه بما يجري في مجلس السلطان السلجوقي على نحو يثير العجب وربما الاستنكار ، وكان لا يسمح للرسل بأن يتجولوا في مملكته بحرية ولا يجتمعوا بالرعية ، فهم جواسيس رسميون ! ، لئلا يستخلصوا منهم معلومات قد يظن بأنها تافهة ولكنها عند التدبر والنظر استراتيجية فاعلة في وضع الخطط طويلة المدى كما هي الحال في زماننا فالسفراء يجولون في طول البلاد وعرضها ويرصدون أدق الظواهر السياسية والاجتماعية بل السفير الأمريكي في مصر يحضر مولد البدوي في طنطا ليثني على التيار الصوفي ويدعمه فهو خيار أمريكا الاستراتيجي في تدجين المسلمين برسم الاعتدال ! .

وكان عماد الدين ، رحمه الله ، مع ذلك الاحتياط في حق الرسل الوافدين : يمنع موظفي دولته من الخروج منها فهي كالسياج الذي لا يعلم من خارجه ما بداخله فيهابه فإذا خرج إليه أحد ووصف له ما بالداخل زالت هيبته وزادت جرأته على غزوه واقتحامه ، وذلك مئنة من حسه الأمني العالي بخلاف أهل السياسة المجردة فليس عندهم ذلك الحس ، فكان الوليد بن عبد الملك لا يمنع الرسل من ذلك ، بل وزاد أمثال المأمون ابن ذي النون صاحب طليطلة فأباح لألفونسو اللاجئ السياسي حرية التطواف في أرجاء عاصمته التليدة ، فعرف مداخلها ومخارجها ومصادر دخلها وتموينها ...... إلخ ، وقد ساعده ذلك في شن سياسة أرض محروقة حول طليلطلة استمرت نحو أربع سنوات لعلمه بجغرافية المنطقة ، ومن ثم أجهز عليها في عهد حفيده القادر بن ذي النون سنة 478 هــ .

ومن مأثور كلام مروان بن الحكم لابنه وقد ولاه مصر فاستوحش من أهلها : "وأوقع إلى كل رئيس منهم أنه خاصتك دون غيره , يكن لك عينًا على غيره , ويَنْقَد قومه إليك" .

فذلك مما قد يولد الضغائن بين القادة ، وإن سلمت القيادة للأمير ، والمتملكة في زماننا يلجئون إلى ذلك غالبا ، فأجهزة الدولة في حال مستمرة من التصارع لا التكامل ، فزعيم الشرط في خصومة مع رئيس المخابرات ، ورئيس المخابرات قد كلف من الزعيم بمراقبة أداء جهاز الشرطة لئلا يقوى نفوذه فيهدده ، والمخابرات العسكرية تتجسس هي الأخرى على قيادات الجيش ، بل وأفراده ! .
وفي "العقد الفريد" لابن عبد ربه :
"ذكر أعرابي أمير فقال : كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه ، وأرسل العيون على عيونه ، فهو غائب عنهم شاهد معهم ، فالمحسن راج والمسيء خائف" . اهــ
فعيون على العيون فكل جاسوس عليه آخر ، فضلا عن التجسس المقنن ! على عموم الرعية ، ففي الجامعة جاسوس لكل فرقة دراسية ...... إلخ ، فتلك حال من الشد المستمر لأركان الدولة ، وهو مما يؤذن بانهيارها ، كما وقع في الثورات الأخيرة ، فالأجهزة الأمنية قد بدا عوارها ، فلم تصمد أمام الجماهير ، بل سارعت بالاختفاء كما حدث عندنا في مصر ، والبطء في نشر قوات الأمن ثم الجيش فهو ، كما تقدم آخر الحلول ، فهو مئنة من انهيار جهاز الشرطة وحرص الزعيم على عرشه إلى آخر لحظة فنزول الجيش يؤذن بزوال ملكه فقد فقدت أجهزته الأمنية المبادرة ، والتغافل عن أعمال التخريب .... إلخ ، كل أولئك ما هو إلا نتاج سياسة التجسس التي تفقد المؤسسات الثقة ، فكل يشعر أنه تحت الرصد والمراقبة ، فيجتهد في المداهنة والنفاق فلا مكان في دول كهذه إلا للمنافق المداهن إلى آخر لحظة قبل أن ينقلب على الزعيم بعد رحيله فتصير الثورة التي كانت بالأمس أعمال تخريب : تصير نموذجا يحتذى كما قال الوزير الأول بعد وقوع الثورة قبل الأخيرة ! ، فكان بالأمس يحرض على قتل الرعية بالرصاص الحي ، واليوم يشيد بالجماهير التي خرجت برسم الثورة ، فذلك واجب الوقت من النفاق السياسي البارد .

والديكتاتور لا يهتم بفساد أركان دولته ، فهو رأس الفساد وسببه الأول ، وإنما يعنيه فقط استبقاء ملكه ولو ضعيفا منهارا فلذة السلطان هي مراده الأول ، ولو كان سلطان جور وظلم ، فالحكم الديكتاتوري أو : "الأوتوقراطي" يقضي بأن يسعى الملك بنفسه في تخريب مملكته وإحراقها وقتل الرعية إن لزم الأمر ! ، فيقصي كل صالح ويقرب كل فاسد ويرهب الناس بالدعاية والفعل ، فسمعة جهار كجهاز "أمن الدولة" عندنا في مصر ، على سبيل المثال ، قد هزت كيان المجتمع فصيرته في رعب مستمر وذلك ، كما تقدم ، مناخ لا يصلح لبناء الأمة أفرادا ومؤسسات وهو ما ظهر بعد خلع رأس النظام السابق ، فالمؤسسات كلها قد انهارت إلا المؤسسة العسكرية التي حفظ بها الرب ، جل وعلا ، ما بقي من رسوم الدولة ! ، ولا شك أن إصلاح هذا الإفساد في البنيان المعقول لأفراد الأمة ، بمنحهم الثقة بعد فقدها ، والبنيان المحسوس لمؤسساتها سوف يستغرق سنين فلن يكون في يوم وليلة كما قد يظن بعض المتفائلين ممن لا ينظر بعين الاعتبار في السنة الربانية في قيام الممالك وانهيارها فكلاهما لا يكون إلا تدرجا وإن بدا لحظة الانهيار أن الأمر كان مفاجئا .

وما تقدم يشبه إلى حد كبير تصفية الملوك لعصبيات الدولة لئلا ينازعهم في الملك أحد ، فحركات تصفية برسم التصحيح كما يقع غالبا في الثورات المعاصرة ، وتزكية للصراعات البينية فتضعف المؤسسات السيادية ، وتقل الكفاءات أو تنعدم ، فيضمن الزعيم تمام الانفراد بالملك ولو سرى الفساد إلى أركان ملكه ، فهو الذي يبذر بنفسه بذر زوال ملكه ، ولكنه لغفلته عن طبيعة السنة الكونية لا يفطن لعملها إلا بعد سنين ، فيكون أوان الإصلاح قد فات فقد أتى أوان التغيير بفتنة عامة تطيش فيها العقول ويظهر فيها الأبطال الجدد ! ، فكل يدعي أنه هو المنقذ لا غيره ، والمزايدات والانتهازية هي سمة هذه المرحلة التي شاء الرب ، جل وعلا ، وقوعها .

ومن فضائح تلك الأجهزة المتعاقبة :
http://www.islammemo.cc/hadath-el-saa/Entefadat-Masr/2011/02/12/116999.html

وما خفي كان أعظم ، فأركان الملك يكيد بعضها لبعض تحسبا لهذا اليوم ، فكيف يبقى ملك هؤلاء رجاله ؟! ، فالسنة الكونية قاضية لا محالة بزواله ، بل وبفضح أركانه فتنزل عقوبة الدنيا قبل عقوبة الآخرة عدلا من الرب ، جل وعلا ، وغيرة على الدماء التي سفكت والمحارم التي انتهكت والمظالم التي ارتكبت والأموال التي انتهبت وقل ما شئت من صور الإفساد في الأرض .

ومن النماذج المعاصرة :
http://almoslim.net/node/141015
http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=49134
فكفاءة كبيرة بلا عقد صحيح ، فليس ثم إلا عقد المصلحة الخاصة ، فليس لصاحبه انتماء بعينه ، بل يدور الحكم مع المصلحة ، وهي بطبيعة الحال لا تمت للشرع بصلة ، بل إن معظم سيرته الذاتية إن لم يكن كلها تصب في قناة العدو ، سواء أكانت صفقات استخباراتية أو حتى اقتصادية ، مع أنه محسوب على الجيل الذي شهد حرب 73 ، ويبدو أن كثيرا من الولاءات للجند والقادة قد تغيرت تماما بعد تدشين بطل الحرب والسلام مشروع الاستسلام في كامب ديفيد ! ، فالتطبيع وإن فشل في حق الشعوب ، فقد نجح في حق الساسة والقادة ومن تحتهم من الجند والحاشية ، فنسي قادة الأمس بطولاتهم ، إن كانت لها حقيقة ابتداء ! ، ولا يرجح ، والله أعلم ، في الذهن أنه يكن مشاعر ود صادقة ليهود وأمريكا ، ولكنها رسوم السياسة الجائرة التي تقوم على تبادل المصالح ، وإن كانت على خلاف الشرع ، بل وحربا عليه ، فقد انضم القبيلان معا في خندق حرب الإرهاب ، فقدمت مصر خدمات جليلة ظاهرة وخفية ، وما خفي كان أعظم ، فكثير منه يجري تحت الأرض ، وفي معسكرات مغلقة تنتهك فيها أبسط الحقوق الآدمية ، ويعجب الناظر في التقرير ، لو صحت المعلومات ، من تشعب نشاطاته في عداء كل ما هو إسلامي ، فله همة تثير الدهشة ، ولا يدري الإنسان كيف ينام الظالم وقد صار لكل أولئك الذين شارك في تصفيتهم أو اعتقالهم أو خطفهم أو التحقيق معهم أو التحريض عليهم ........ إلخ ، وقد صار لكل أولئك عنده مظلمة ؟! .

وقد كان مرشحا لمنصب نائب الرئيس من سنين لولا أن تدخلت الملكة الأم ! ، زوجة المخلوع ، فعطلت ذلك استبقاء لحظ ابنها من الملك ، كما جاء في تسريبات "ويكيليكس" ، وهو ، من وجه آخر ، كما أكدت تلك التسريبات رجل يهود المفضل في مصر ، فهو الخليفة المنتظر للمخلوع ، فوجوده ، يضمن لكيان يهود مصالحه الاستراتيجية ، على طريقة "اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش" كما تندر بعض المحللين اليهود بالعامية المصرية ! ، بخلاف من لهم نوع اتصال بالقاعدة الفكرية والجماهيرية في مصر من أمثال الوزير السابق عمرو موسى ، فله شعبية لا ينكرها أحد ، بغض النظر عن توجهاته الفكرية ، فلا ترضى يهود به فهي من الآن تضغط لتعطيل ترشيحه للرئاسة كما وردت بذلك بعض التقارير ، وعجبا لكيان يهود ، فإنه لا يرضى بالديمقراطية المزعومة في بلادنا مع أنه يرضاها في بلاده ، فلا يرضى في بلادنا إلا عن العسكر ورجال المخابرات الذين يضمنون له تمام السيطرة على مقدرات المسلمين فضلا عن إجهاض كل صحوة إسلامية فلن يقر لهم قرار ، كما يقول بيريز ، والإسلام لما يغمد سيفه بعد .

وحسنا فعل المجلس العسكري لما انقلب على المخلوع انقلابا وصفه بعض المحللين بأنه : "انقلاب متفق عليه" ، فذلك مما يبطل كل ما يتفرع عليه فيبطل نيابة نائبه ، ويبطل تولي رئيس مجلس الشعب الذي حل منصب الرئاسة لفترة مؤقتة ، ويبطل كل مراسيمه ، وأخطرها ، كما تقدم ، كان تولية ذلك الداهية منصب النيابة ، فلو تولاها واستمر فيها لصار من أبرز المرشحين للخلافة ! ، وبقي أن تحل الوزارة التي شكلت ، وهو ما تضغط الجماهير الآن لتحقيقه ليزول أكبر قدر ممكن من أركان النظام ورجالاته من جسم الدولة وإلا صار الانقلاب صوريا ، بل ربما طمع بعضهم في استعادة مكانته مرة أخرى فلا يؤمن جانب رجل كرئيس المخابرات ، فهو ، كما يقول بعض الفضلاء ، ثعلب يخفي أنيابه فيكمن حينا حتى تواتيه فرصة الانقضاض المناسبة .

ولا توجد دولة بلا مخابرات ، وإلا صارت نهبا ، ولكن المخابرات تكون على الأعداء في الخارج لا على المواطنين .

ولدولة النبوة في العمل الاستخباراتي مآثر سطرها كتاب السير تدل على مدى كفاءة وإخلاص جهاز المخابرات لدولة المدينة الوليدة فقد نقل معلومات وقام بعمليات نوعية أثارت رعب يهود وأضرابهم ، فقد نجحت مخابرات دولة النبوة في تصفية بعض رءوس يهود ككعب بن الأشرف في المدينة ، لما نقض العهد وآذى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهجائه وشبب بنساء المسلمين ، كما ذكر صاحب "الصارم المسلول" رحمه الله ، حتى قال النبي صلى الله عليه و سلم : "من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله ؟" ثم قال عقيب تصفيته لقومه من يهود : "لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف" ، ونجح جهاز المخابرات الإسلامي ، أيضا ، في تصفية بعض رءوسهم في الخارج فنجحت خلية عبد الله بن أنيس ، رضي الله عنه ، في تصفية ابن أبي الحقيق في خيبر مع أنها خارج حدود الدولة الإسلامية ، ونجح ابن أنيس ، رضي الله عنه ، في قتل سفيان بن خالد بن نبيح في عملية استخباراتية محكمة ، ونجحت في إجهاض حملة بني المصطلق على المدينة فنقلت مخابرات دولة النبوة الأخبار إلى القائد العام صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأعد العدة وقام بضربة استباقية معروفة ، بل قاد عليه الصلاة والسلام مع الصديق أبي بكر عملية الاستطلاع في غزوة بدر ، ونجح حذيفة ، رضي الله عنه ، في نقل أخبار قريش يوم الخندق وكان عبد الله بن أبي حدرد ، رضي الله عنه ، عين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم حنين فوقع منه ، نوع تقصير ، في تحديد مواقع الكمائن التي أعدتها هوازن ولا ضير في ذلك فهو من رسوم الحرب والسياسة التي يجتهد فيها الإنسان فيصيب تارة ويخطئ أخرى ........ إلخ ، فكل تلك المآثر تؤكد على أهمية الجهاز الاستخباراتي في حفظ الأمن ، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن بداهة يتجسس على أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، ليطمئن على حقيقة نواياهما فلا ينازعانه السلطان ! ، ولم يكن حاشاه عليه الصلاة والسلام ضعيف الرأي يخشى من كل نبوغ قد يخطف الأضواء ، فيشدد الرقابة على كل كفاءة ، ولم يكن بطبيعة الحال يقرب أحدهما ليضرب به الآخر ، فلا يبقى ثم منازع له ، فقد شغلت أجهزة الدولة بحرب بعضها بل وبالتجسس على غيرها من مؤسسات الدولة ، لتحدث حالة من القلق والاضطراب تضمن له السيطرة التامة فلن يسيطر الحاكم الجائر إلا بعسكرة المجتمع فتهتز الثقة في القريب والبعيد ويصل الأمر كما كانت الحال في الاتحاد السوفييتي إلى حد تجسس الأبناء على الآباء ! ، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقربهما ليكمل كل الآخر ، فيخلط لين الأول بشدة الثاني بما يحقق الصالح العام للأمة لا الصالح الخاص له .

وأما في الممالك الضعيفة فأجهزة المخابرات قد ضعف أداؤها فلا تشعر بالعدو إلا وهو يطرق الأبواب :

ففي الحملة الصليبية الخامسة لم يعلم العادل الأيوبي بحضور الصليبيين إلا وهم على أبواب دمياط ! .

وذكر عن الناصر لدين الله العباسي ، وهو اسم على غير مسمى ، فقد رفع لواء البدعة بل وانتحلها حتى ترجم له أصحابها فهو من أعلامهم ! ، ذكر عنه كما يقول ابن كثير رحمه الله : "أنه كان يقول للرسل
الوافدين عليه فعلتم في مكان كذا وكذا ، وفعلتم في الموضع الفلاني كذا ، حتى ظن بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يكاشف أو أن جنيا يأتيه بذلك ، والله أعلم" . اهــ ، ولعله كان كزياد بن أبيه يتفنن في عد الأنفاس ، مع أن الدولة في عهده كانت على وشك الزوال ، ويكفي أن اجتياح المغول قد بدأ في عصره الميمون ، وقد اتهم ، والله أعلم ، بأنه هو من أغرى المغول بغزو بلاد المسلمين نكاية في أعدائه من الخوارزميين .

وكذلك كان شأن المستعصم العباسي ، فلم يعلم بجحافل المغول إلا وهي على أبواب بغداد بعد أن تبادلت استخبارات هولاكو المعلومات مع ابن العلقمي حول عدة الجيش ، فتم الاتفاق على تقليصه حتى بلغ العشر ، وتسول الجند النظاميون بعد تسريحهم ، فكان يسيرا على هولاكو أن يحكم سيطرته على العراق ، فتحركت الجيوش لمسافات طويلة بلا أي رصد لتحركاتها .

ولم يعلم الزعيم الخالد بنزول فوات العدو ، وتفكيكها شبكة رادار كاملة إلا بعد أن رحلت وأذاعت بنفسها النبأ ، فهاتف قائد الجيش الذي طلب مهلة ليستعلم عن صحة الخبر ! ، مع أن مخابراته كانت تجتهد في رصد رواد المساجد وكل من يبدو عليه مسحة تدين ، فهو من الرجعيين الذين يشكلون خطرا جسيما على الثورة ! .

وفي دول الجاسوسية يقل الإبداع وتضطهد الكفاءات فتسعى إلى الهرب ، ويصاب الناس بالإحباط فلن تنال شيئا إلا بالنفاق والمداهنة لا بالدراسة والمثابرة ، فالبقاء للأولى لا للأكفأ والأنزه ، وتلك حال عاشتها مصر على سبيل المثال من لدن انقلاب يوليو إلى يوم الناس هذا .

ويوما ما نوه أحد الأساتذة عندنا في الجامعة بما يجري في مولد البدوي في طنطا من توسع مذموم في المآكل مع أن كثيرا من الناس لا تجود نفسه بتلك النفقات في الأيام الأخرى ، فينفقها في غير محلها ، قلة علم أو رياء ..... إلخ ، ولا شيء يهدد الأمن القومي في هذا القول ، ومع ذلك خشي من جواسيس الطلبة ! ، فاستدرك بصيغة المعتذر لهم ! ، فهو يعلم أن أكثر من واحد منهم سوف يسارع بإبلاغ المعلومة ، ولو دقت ، إلى حرس الجامعة الذي يمسك بزمام الأمور في الجامعات ، فليس الكلام كلامه وإنما هو كلام أحد المفتين الرسميين ، فالقول قول رسمي قد صدر من جهة رسمية ، وهذا مما يشفع له فتهمة التطرف في حقه لم تثبت ! . موقف بسيط يصيب أي إنسان بالإحباط لما ترسخ في عقول الصفوة من وضع شاذ لا مناص من التعاطي معه ، والسؤال الآن : كيف يبحر عقل الباحث الأكاديمي بكفاءة فيبتكر ويبدع وهو في محيط من الخوف والقلق من تقديم الأقل لأنه أكثر ولاء وما يقع من جراء ذلك من دسائس ومؤامرات فضلا عن سيطرة الأجهزة الأمنية على المواقع القيادية التي لا ينالها إلا أصحاب الحظوة ! ، وذلك مظهر آخر من مظاهر الدولة البوليسية حتى في المؤسسات العلمية ، وهو سبب لما تقدم من انخفاض المردود العلمي في هذه الدول المتخلفة فالمعادلة الأمنية هي المعادلة الأولى في أي نشاط إنساني ! .

وقد أثبتت الثورات الأخيرة أن الدول البوليسية دول متهالكة ، وأن الشرطة حين تدعى إلى القمع تبادر برسم السمع والطاعة لأولياء الأمور ! ، وحين تدعى لحماية الممتلكات العامة ، كما قد وقع في شوارع القاهرة تفر حتى يستغيث الناس فالحكومة قد توارت عن الأنظار ! ، وما ظنك بدولة كمصر تسير في شوارعها بعد ساعات من وقوع النازلة فلا تجد فيها تقريبا شرطيا واحدا ، ولو متنكرا في زي الشرطة ! ليرهب أهل الإرجاف من اللصوص وقطاع الطريق فتبخر جيش السلطة ! والذي يقدر طبقا للإحصائيات الرسمية بنحو مليون و 400 ألف فرد ، وقد وقعت الدولة في قبضة ميليشيات مسلحة تعدت على الملكيات العامة والخاصة ، وذلك رسم الفتنة العامة في كل زمان ، فلا سلطان يزع أولئك ، ولا قرآن فقد نبذناه من سنين ! ، فمن أين لنا بوازع يحجزنا عن ذلك .

وما نحن فيه ما هو إلا نتاج سنين من تفريغ وتفريخ ، فتفريغ للبلاد من الكفاءات الدينية والدنيوية ، قتلا وأسرا وطردا واضطهادا ...... إلخ من صور التصفية ، وتفريخ لمراكز قوى لا قيم لها ، ولو إنسانية فضلا عن القيم الشرعية ، فليس لها من الكفاءة شيء ، وإن كان لها من الولاء الظاهر أشياء ، وسرعان ما تتبدل الولاءات بتبدل العهود ، فأبطال الأمس خونة اليوم ، وحماة الديمقراطية قد صاروا فجأة معادن الديكتاتورية ! .

وتحركات القيادات البطيئة ما هي إلا نتاج هذا التفريغ والتفريخ ، وما ظنك بدولة تزعم أنها دولة مؤسسات ذات سيادة لا يتم تأجيل الدراسة فيها إلا بقرار جمهوري !! ، فقد عدمت القدرة على اتخاذ القرار ، ولو إدرايا لا تعلق له بالسياسة الخارجية ، فكيف بقرار كنزول الجيش الذي نزل ابتداء ببطء يثير التذمر والعجب ولا يخلو من ريبة لا سيما مع توارد الأنباء آنذاك بوقوع انقسام في صفوفه ما بين مؤيد ومعارض وهو ما يعطي الذريعة كما يقول بعض المحللين لأي تدخل أجنبي بحجة حماية مصر ، وما أكثر حماتها ! .

وعين الشرع قد أبانت عن الحكم ، فعرفنا ، شئنا أو أبينا ، حرمة استباحة الدماء والأعراض ، وحرمة ما يؤدي إلى ذلك ، وإن لم يكن مرادا لصاحبه ، فينهى عنه إجمالا سدا للذريعة ، لا رضا بحكم طاغية جائر ، فليس له في أعناقنا بيعة ابتداء فهو معدود ، عند التدبر والنظر ، من جملة الخوارج المتغلبين بحد السيف ، ولن ينفك خلعه عن مفسدة رأينا منها ما رأينا حتى جاز للبعض أن يقول بلا مبالغة : إن ما ما سرق من أموال في مصر في هذه الساعات ، مع كونه عند التدبر والنظر أقل مما قد يقع في دولة لا تقيم للدين وزنا ، ما سرق من أموال يفوق ما سرق في سنين وهو ما أبان الخبر بعد ذلك عن كونه غير صحيح فقضايا الفساد والنهب للمال العام قد فاقت أرقامها أرقام كل السرقات من لدن وصل أولئك الصعاليك إلى الحكم إلى يوم الناس هذا ، من 1952 إلى 2011 ، وذلك حكم مجمل يخضع لقرائن من الحال فبين الثورات المسلحة برسم الخروج والثورات السلمية ، كما قد وقع في مصر وتونس ، فهي ثورات عامة خرج فيها عموم الرعية دفعا للظلم وذلك مما أمر به الشرع ، بينهما فرقان ظاهر ، فليس هذا ، والله أعلم ، من جنس الخروج المنهي عنه في كلام أهل العلم ، وإن لم يخل مثله من مفاسد تتفاوت الأنظار في تقديرها واعتبارها :
http://almoslim.net/node/141364

وعين القدر من وجه آخر قاضية بأن ذلك كان سيقع لا محالة ، بإذن الرب القدير جل وعلا ، فذلك مقتضى سنن عدة : سنة الانهيار البطيء لممالك الجور ، وسنة العقوبة الكونية التي تنزل برسم العموم فلا تصيب أفرادا بخصوصهم بل تصيب الجماعة بعمومها ، فــ : (اتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ، فلا تصيب الظالمين خاصة وإنما تنزل برسم العموم ، وكما قال بعض السلف لما استبيحت المدينة يوم الحرة : يوم بيوم عثمان ، يصح الآن أن يقال : يوم بيوم غزة ! ، التي تمكنت ، رغم ما نالها ، من الصمود فلم تنهر مؤسساتها الأمنية مع عظم المفاجأة بالضربة الأولى في حرب الفرقان الأخيرة ، وانهارت مؤسسة أمنية تنفق المليارات في تسليح وتدريب وإطعام بهائمها دون حرب أو قتال ، ففرت أمام عزل من السلاح ! .

ولا يخفي الإنسان مع عظم الخطب شماتته في أولئك السلفة ، لا سيما الذين ينتمون إلى جهاز مباحث أمن الدولة سيئ السمعة والذكر ، مع أن الحال في وجودهم ، ولو صورا ، كان أحسن من باب درء المفسدة العظمى بعظمى مثلها ولكنها دونها ، فلا يخفي الإنسان تشفيه وشماتته فقد اختفوا وانتهى الأمر ، فاستوى الشامت وغيره ، فقد أذاقوا الموحدين في مصر صنوفا من العذاب والقهر ، فاضطهدوا وقتلوا بالشبهة ولم يستثنوا ، فلم يسلم منهم متدين أو غيره ، فقتلوا بلالا وخالد سعيد ، قتيلي الإسكندرية ، رحمهما الله ، وكثيرا غيرهما ، ثم فروا لما آن أوان الدفع عن حرمات المسلمين .

ولم يرض الناس عن عثمان رضي الله عنه مع قرب عهدهم بالنبوة وغلبة الصلاح في ذلك الزمان فكيف يرضون عن أولئك مع بعد العهد بالنبوة وغلبة الفساد في زماننا ؟! .

وتحس وأنت تسير في شوارع القاهرة في أول يوم بعد الثورة : 29 يناير ، وقد قدر لي الله ، تبارك وتعالى ، يومها السفر إلى القاهرة في شأن خاص ، تحس بأثر سنة الرب ، جل وعلا ، في انهيار الدول والمؤسسات ، فنهاية ملك وقيام آخر ، والرب ، جل وعلا ، أعلم بحاله ، فقد انهار السابق مع عظم جرمه الذي جثم على صدور الموحدين ثلاثين عاما ويزيد ، فلا تجد واحدا من أبطاله الذين فروا إلى الجحور ، وكالعادة ظهر أن ممالك الجور ، كما تقدم ، دول عظيمة الدعوى في الخارج بما تظهره من أبهة الملك ، حقيرة الشأن في نفس الأمر فمؤسساتها سريعة الانهيار ، فلا رقيب تخافه إلا رقيب الدنيا وقد سبقها إلى الفرار .

والله أعلى وأعلم .