المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وهذه قريتنا يا سيدتي



زينب من المغرب
02-15-2011, 09:51 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشمس تودع أرضنا بألوانها الحمراء و كلتينا نقف على حافة منارة كاب مالاباطا المطلة على البحر الأبيض المتوسط وقد سلبت منا حمرة الشفق الكلمات فسكنت فينا الحركات وطبعت على وجهينا عبارات ………
قالت دون أن تلتفت: كم هو رائع غروب الشمس
- لا أرى فيه سوى نهاية الطرق وخاتمة الأحاديث وانغلاق الأبواب المفتوحة و....
- يا بنتي قومي بتنزيل درايفر الرومانسية….. رجاء ترك رسائلكم في العلبة الصوتية فأنا أوف لاين.
- حسنا حسنا سأصمت حتى لا أعكر صفو هذه اللحظات الشاعرية عليك ولكن تذكري إن فاتتنا هذه الحافلة فسنضطر للركوب مع صيادي السمك في الحافلة القادمة.
- رباه رحماك من تذمرات سنفور الغضبان

…………………………
الطريق من العرائش إلى طنجة قصيرة إن كنت تتبادل الكلام مع من يرتاح إليه قلبك. قلتها وأنا أصعد مع أخي الصغير الحافلة نبحث عن مكانين شاغرين. نظرت إليه وهو يمشي أمامي لم ألاحظ أنه أصبح طويلا هكذا. جذبته من يده وقلت: متى أصبحت طويلا يا هذا العفريت.
ـ بل العفريت هو الذي سيركبك إذا لاحظت أنه لا يوجد في الحافلة مكانين متجاورين شاغرين.
هل يعني هذا أن أضطر للجلوس بجنب أحدهم، كما أيام زمان حين كان إصطحاب المَحْرَم معي في السفر أكثر المواضيع التي نالت نصيبها من لي الأعناق :
جلست مرة أمام شاب عاد من زيارته الأولى لمدينة شفشاون, انغمر في الوصف الهستيري (لأنني كررت كم مرة أنني أعرف المنطقة لكنه ظل مصرا على الوصف) للمناظر الطبيعية للمدينة. ثم أعطاني ألبوم صوره وأجبرني على الإستماع لكل المشاعر التي انتابته خلال كل صورة إلا صورة واحدة كنت أنا من أطالت النظر إليها فقد كانت لجبل عادي جدا دون إضافات قاطع نظرتي مبتسما : أتعرفين أين أقف أنا؟ قلت: أين؟؟ قال : وراء الجبل. لم أستطع كتم الضحكة في نفسي لدرجة أحرجته. لم أفهم -ولا زلت -الذي جعله يختبأ وراء الجبل لأخذ صورة من الجهة الأخرى. ألحدس في نفسه أن الجبل قد يكون شفافا فيبدو من خلاله. المهم أنه جمع صوره وقطع الحديث وكانت ردة فعل لا إرادية مني بنتيجة موجبة.
ومرة أمام أستاذ للفيزياء تبادلنا الحديث عن النظريات والعلماء كل منا يتفاخر على الآخر بما بقي في ذاكرته من أيام العشق لهذا العلم ولم يكن الموضوع يحتاج مني ربع ذكاء لأستشعر لعبه ب PH المواضيع لجعلها ترزخ تحت سبعة فأجاهد لإعادتها إلى الحياد مؤمنة بأن الأصل في الطبيعة هو أن الأجسام تفقد الرغبة في التبادل الطاقي حين تتساوى عندها والمحيط الخارجي. بينما احتاج هو إلى جرعة إضافية من الذكاء ليسألني ذلك السؤال البليد: يبدو أن أحدهم سبقني؟
أعقد نظريات العلم التجريبي فاشلة في استعمالها لمآرب العلم الحسي. ما يجعل الوحي ذلك الفصل بين الإنسان ومن دونه، ولعل جلاء الظاهرة يكون صارخا بين عالم ديني(مسلم) وعالم دنيوي، بدءاً من طريقة تصفيف شعره وشاربه حتى أصعب نظرياته التي يؤلفها بعد ثلاثين سنة من الإنغماس في مختبره.
ـ لعل كرهي للعب دور الخاطبة لنفسي هو ما يجعلني في مثل هذه المواقف -بنفس مقدار الكره- أحب وضع نقطة النهاية.
ـ ما هذه النظرة الغريبة؟ .....
ـ أواسي النفس بأن زمني هو الأغرب. ولاداعي لنطيل الحديث في هذا ورجاء لا تمارس علي دور الطبيب النفساني فرصيد الزهو بالنفس بلغ مني مبلغا أجرؤ أن أقول عنده أني ملكت منطق نفسي.
ما أحسن الصمت بدل تهييج المشاعر في سماء لا أرض لها.
ومرة أمام سيدة في الخمسينات قهرتني بترديد جملة (J’ai___________me les parfums) ذكرتني بذاك اليهودي المغربي جاد وهو يحاكي مخنثا ((J'ado___________re les tissus ومع كل تسبيحة بهذه الجملة تنثر رشفة من قنينة العطر التي كانت في يدها لدرجة كنت أتخيل أن ذلك الرجل الذي كان يلتف كلما قامت برشها سيقوم بصفعها بعد برهة والمصيبة أنني جالسة إلى اليمين مما يعني أنه سيتعشى بي قبل أن يتغذى بها لأن محاولتي التخفيف من حالتها المرضية في صب العطر جعلتني أبدو كإحدى قريباتها.
عدت من هذه الذكريات على صوت بلال وهو يقول: اجلسي هنا بجانب هذه السيدة وسأبحث عن مكان لي.
ـ كبرت فعلا يا سي بلال.
ـ هل علي دائما أن أذكرك باليوم الذي صعدت على الخشبة في حفلة الأخوات لتلقي نكتة فلم يضحك أحد.
ـ حفظنا الله من ذاكرة لا تختزن إلا مساوىء الناس.

كانت عجوزا بدوية لأن لباسها لا تستطيع أكثر نسائنا جرأة ارتداءه وكأنه عار بينما كان ولازال الوقار الذي يكسبه لصاحبته محفورا في كل العقول حتى أحقرها سمعة.
طلبت منها الجلوس فقامت لتفسح لي الطريق : وَاخَا أَكْبْدِي أَدْخُلْ نْتِينْ.( حاضر يا فلذة كبدي ادخلي أنت).
رغم جرأتي في التعامل مع طبقات الناس إلا أن هذه النوعية تربكني نتيجة الإحراج الشديد في عدم معرفة كيفية جر لسانها والفضول الكبير لسبر أغوارها.
نظرت إلى تقاسيم وجه هذه المرأة الجبلية وزرقة عينيها وآثار الشمس والسن على وجنتيها وسبحت في ذلك العالم المليء بالخضرة والأشجار وتلك الحياة البسيطة التي لم يحتج فيها الحب إلى كتاب وأشعار وفلسفات وتعريفات حتى يسهل استعماله وكأنه آلة اخترعها الإنسان.
جاء الفرج بسؤالها الإستفتاحي: من أي مدينة أنت يا ابنتي؟؟
ـ من طنجة. وأنت؟
ـ من بني عروس.أتعرفينه؟
ـ أعرف ضريح مولاي عبد السلام ( وعلى رأي والدي رحمة الله عليه: مولاي ومولاك الله سبحانه). أتسكنين هناك ؟؟
ـ نعم وأنا ذاهبة في زيارة إلى ابنتي.
ركبت جملا كثيرة في ذهني لأجعل هذه المرأة تُبْحِرُ في ماضيها وتأخذني معها في الذكرى لأطل على ذلك الجانب المشرق من تاريخ نساء المغرب الذي تنكَّرت له كثير من الأقلام فلم توفه حقه وغفلت عنه الأخرى فلم تعره إهتماما وشوهته الباقية فجعلته أسودا.
ـ لماذا تنظرين إلي هكذا؟
ـ شيء ما فيك يذكرني بجدتي رحمة الله عليها ، حين كنا نجتمع عند قدميها في ليالي الشتاء فتحكي لنا عن بنت السلطان التي كادت لها الخادمة أوالأولاد الذين رماهم والدهم في الغابة ... وحكايا كثيرة لا زالت محفورة في ذاكرتي، وقد تأخذنا إلى ماضيها حيث كانت تزرع وتحصد وتربي وووو دون أن يكون للشكوى مجال إلى قلبها.
(بينما جاءت راقصات العلمانية لتتظلم وتشتكي باسمها حتى إن قيل لها ما الحل؟ قالت سنعقد مؤتمرا صحفيا هنا وحفلة لجمع التبرعات هناك ودندنات هنالك وهاك وخذ من المصطلحات التي لا تجدها إلا في دستور رواد الحانات).
مخفية ابتسامتها براحة يدها: يا ليت تلك الأيام تعود
قوليها لهم يا سيدتي
تكمل الحديث :ايه رحم الله أيام زمان، حين كان الشتاء يأتي على كل ما في الحقل من زرع فتنقطع الطرق وتجرف السيول معها كل ما قضينا الأيام الطوال نحرسه. فنظل في ترقب لفرج الله بشمس تطل من بين السحاب لنعيد العمل من جديد.
سبحان الله أي يقين ذاك الذي يملكه الفلاح وأي صبر ذاك!!
ويا لهذا المسخ الذي تعرض له الإنسان بفصله عن يقينياته الفطرية ومن ثم ادخالها إلى المختبرات ليتم تصبيرها وبيعها بطبعة جديدة داخل علم النفس والإجتماع وغيره وغيره فيصدق الغبي الذي حضر ندوة في البرمجة العصبية أنه شخصية قنبلة وليس دبابة لأنه….. (والله أعلم بتخريف القوم)
ـ وماذا تأكلون في خلال ذلك؟
ـ ما جمعناه في الْمْطْفِيَّة( غرفة تحت الأرض) من حبوب وزرع وزيت و زِيدْ وزِيدْ.
أحب القصص إلى قلبي وأقوى أمثلة الحكمة في مخيلتي، النملة والصرار.
ـ وفي أيام الإستعمار كيف كان الوضع؟
جهلت الأقلام أن حكمة هؤلاء المتهمات بالتخلف والجهل ( واستعر من مدوناتهم ما تشاء من صفات الدونية التي ألحقوها بهؤلاء) صنعت أبطالا أخرجوا الإستعمار من القرى يجر أذيال الهزيمة جرا أجهد نفسه جهدا طويلا لحذفه من التاريخ حتى لا يترسخ في الأذهان تمهيدا لما سيقذفه فيهم فيما بعد من أشكال المهانة والإستذلال.
ـ أصعب بكثير من قساوة الشتاء فانتظار شمس تنفذ من بين الغيوم ليس كانتظار جلاء طامع من بحر الخيرات. العدو مستعد لتفجير رأس أحدهم عند أية غمزة بالعين وإن كانت بسبب نسيم هواء لأصحاب الحساسية.عند الحدود كانوا يفتتون حتى الخبز ظنا منهم أن ما فيه قد يكون لغم. لا أعاد الله تلك الأيام.
ـ لن تعود وقري عينا فما تمناه أخذه وزيادة فنحن أهل الكرم والسخاء( وإن أصبح هذه الأيام حتى في العرض وما كانت عليه تراق الدماء ولا يؤخذ)
لقد تعلمتم الموت من أجل أرض الإسلام أما نحن يا سيدتي فقد تعلمنا الموت من أجل أرض المغرب وشتان بين الإسمين وتعانق حدّا المجال اللانهايات إن كانت المقارنة بين الهدفين. أبشري لقد قلبنا الوجهة أصبح صراعنا في اتجاه الشرق، يقولون عنا فُقِدَ فيكم الشرف ( فإن سألتهم ما تعرفون عنا قالوا ربما الكسكس والحريرة ولا غير، كذلك النصراني إن سألته عن المغرب قال مراكش وأكادير، فنبتسم ابتسامة ماكر عرف أسرار سياحة الأبدان) فرددنا عليهم لا تسألوننا عما يدور في الظلام فنحن طيور السنونو تنام قبل غياب الشمس أم تراكم الخفاش يريد صيدا ويستعلم عن أحوال المكان.
وهكذا يا سيدتي تبادلنا الصفعات واللكمات وسالت وجوهنا بالدماء وراهن على أطراف حلبتنا سماسرة الغرب وعملاء الشرق. فقذفونا مرة بكرة لجس النبض ( فهم لا يريدون حتى خسارة الرهان بينما نحن نخسر....) وحبكت الفاجعة مرتزقة الإعلام.
أوف يا لها من ذكرى تجعل اللعاب بين أضراسي يخرج مرا فأتمنى لو استطعت بصقه لولا حياء الأنثى الذي جاهدت فيه أمي سنوات لتعلمني إياه فأنجح فيه دائما بالإستعطاف.
ـ كان الإستعمار في القرى أشد قساوة من مدينة طنجة فقد كانت دولية؟
ـ العدو لا يفوت فرصة يقدم فيها الإهانة للمسلم في أي مكان كان، لقد كنا نغادر البيت كل يوم مودعين الأهل وداع المسافر إلى اللاعودة.
وهي تبتسم:ورغم كل تجبره وتسلطه لم يستطع قتل فن صناعة المقالب في النساء……حين بعت قطعة من الأرض في البادية وكان يُمْنَع تمرير كم كبير من النقود عبر الحدود إلى داخل المدينة قمت بوضعه داخل عكازة من قصب ودخلت أتوكأ بها فلم يشك أحد بي واشتريت قطعة أرضية داخل المدينة. ايه
سوق النسا سوق مطيار يا الداخل رد بالك
وقالها عبد الرحمان المجذوب.
ضحكنا وهي تردد هذه الأبيات التي يرددها أهل الشمال ( برجالهم ونسائهم نحن فخرا وهم ربما قهرا :): ) أكثر من ترديد النشيد الوطني.
ـ وكيف كان زواجك؟ ومتى رأيت زوجك؟
سؤال أقذف به دون مقدمات في كثير من مثيلات هذه المناسبات ربما لأنهن يشكلن مثالي المفضل وقدوتي في الزواج.
أوسط كل قسوة الظروف الطبيعية والاستبدادية لازالت حمرة الخجل تعتلي وجنتاك فتبدين فيها كعذاركن في حيائهن وليس كبناتنا وهن يضعن أحمر الخد (يترجون من حمرة صناعية أن تعوض ما أضعنه من حياء).
ـ وما أقول لك يا ابنتي فزماننا غير زمانكم.
دعي عنك زماننا فليس فيه ما سنبتسم كابتسامتك ونحن نرويه في زمن. أو ربما كذلك يُخَيَّل لي.
مستسلمة لشريط الذكريات الجميلة ( حين تهيجه جملة فيتقد في صدورنا الحنين إليه): أيقظوني في الصباح الباكر وبعثوني إلى العين (مصدر المياه) مع كم هائل من الغسيل ورغيف للغداء لأنهم كانوا متأكدين أنني لن أنتهي منه قبل غروب الشمس.
خاضت في الذكرى بكل حواسها وبحواسي معها التي ما كان يكسرها إلا مقارنات بين ما كان عندهن وما عندنا، جملة عابرة منها انتزعتني من ذاكرتها انتزاعا إلى عالم الواقع الذي لا زلت رغم السنين لا أستطيع الإنتماء إليه لتفشل كل المحاولات اليائسة التي خضت فيها إلى أن قررت التعامل بأفكاري لأحقق على الأقل الرضى عن نفسي حتى لو كان ذلك على حساب استغباء الناس لي ( لعل ابن عمي كان على حق وهو يحدثني بعد اتخاذي هذا القرار: أخيرا استطعت إيجاد المغارة التي كنت تحلمين بالدخول إليها وهو يقصد التهكم على جلبابي الواسع) : في القرية كل البركة.
فبينما أتمت هي الحديث عن ليلة زفافها لا تنسى من ذلك طريقة التزيين وأدق التفاصيل بشكل تبدو فيه ذاكرتي أمام ذاكرتها كذاكرة عجوز رُفِع عنها قلم التكليف.
سبحتُ في البحث عن قرية لنا في زمن القرية الصغيرة ذات الحدود الضخمة.
لماذا استعملوا لفظة القرية لوصف هذا العالم الوهمي الذي خاض فيه غالبيتنا عن جهل والباقية من الغالبية عن شهوات ومتنفس يستسلم فيه لوساوس الشيطان دون أن يعكر صفو الجلسة صوت أذان يرفع أو دعوة صديق إلى صلاة جماعة أو إحراج وسط جمع إلى حضور درس ديني.
في قريتنا يوجد كل ما تريد وحتى ما لا تريد.
فيها :
من الناس من سأله مرة الشيطان في تخوف لماذا لا ترى الإله فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أف لك وما تدعوني إليه فرد عليه بكل ثقة: إن أغلقت هذا فما أكثر الأبواب ثم جاءه من جهة الشهوة والإغراء وعلل له وبرر وقال : انها رخص العلماء والله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى فرائضه ( وشتان بين رب الرخص وعبده المرخص) ثم تدرج به من واد عكر إلى واد أسوأ منه حال وكلما مر بواد أنزل قلبه وتشرب من مائه فأوصله إلى نقطة الكفر وقال له بعد أن جمعه بجمع الفساق في واد أُحل لهم فيه كل ما هو مدغدع لحيوانية السبع في أيام التزاوج. اركن إليهم فعنهم إني مشغول بعد أن أخلفت فيهم مني الخلفاء وأوصيت عليهم مني الأمناء
فأرخى الأذن إلى تأويل الجهال وركنت نفسه إلى غاية طمس الذنب بتتبع سبيل شياطين بني الإنسان وكذب عليه عقله وقال له ذاك هو العقل فواجههم بما تعلمت من فن البرهان واعلم أنهم أسياد النقل ولا يصمد نقل أمام عقل كعقلك يا دكتور فهمان فقال إن كان على الجار والمجرور فعلامته الكسرة الظاهرة على آخره وهذا علم عليه اتفق الثقلان أيعقل أن تمنعني حنكتي في الإعراب فهم أقوال القوم؟ ونسي ( أو جهل) أن ما وصله من الإعراب هو بقايا لم نعد فيها نجري الأقلام ( ينقصه آب دايت للشبهات يعني).
ففرخ هذا الفأر من الأذناب ما أراد وسُيِّرت القافلة ترعاها منظمات وخبراء فن الإفتتان. فكان منهم ملحد ومنكر ومرسول( من رب هو بنفسه) وفتح المجال لكل من في القرية أن يكون ربا أو عبدا لا يهم المهم أنه الدكتور فهمان أو الدكتور قردون فكلاهما بالنون يختمان وفي الجد يشتركان وعلى مائدة الفحش يتقاسمان الطعام وفي جنازة قتيلهم يبكيان ينزلان دموع تمساح أنستهم أن يسألا عن نسب الميت فإذا به قلبهم المنتحر من جور الطغيان.
فمنهم مثل الكلب والحمار والخنزير وكل ما في الحيوان من صفات مقززة للإنسان.
وفي قريتنا:
للحديث بقية إن شاء الله تعالى....

niels bohr
02-15-2011, 11:20 AM
كلام رائع أختي العزيزة زينب من المغرب.

زينب من المغرب
02-20-2011, 07:24 PM
بارك الله فيك أيها الفاضل شرفني مرورك.

زينب من المغرب
02-20-2011, 08:08 PM
من العجب العجاب، ومن الأمور ما تتحير له الألباب بل قولي أحيانا ما تقرف له الأسماع.
فنحن داخلها مجرد عناوين الكترونية ومعرفات لسنا فيها نزيد, اللهم من غافل وضع صوره وفيديوهاته.
نجول بين أحيائها مرة متبسمين ومرة فرحين وإن كنا في الغالب غاضبين نسوق رأس الفأرة في توتر وتقطيب جبين. نغير الأماكن دون خطوات ونجول في الأزمنة دون كبسولات.
فإن أردت الإطلاع على جمع الفساق من الذين افتتحنا بهم السياق, فستجدهم مجتمعين إجتماع النسور على بقايا فرائس السباع ,ناظرين نظرات الوحش الجائع للطعام مسيلين اللعاب فاغرين الفاه ، إلى حلقات من مسلسل "فلينستون" في تقديس لما يرونه كتقديس الهنود للفئران.
ثم يا ويلك إن أنت حدثته أو سألته أو حتى لمحت له بالسؤال عن العلم في هذا الزمان لسرد عليك الحلقة كاملة ثم قذفك في ختام الكلام بأن هذا هو العلم الذي ما أدركته أنت لقصر "دماغك" بينما هو دون مدرسة ولا كتاب سبق رواد الفضاء وكل علماء المستقبل ونظر عن قرب لحياة جده الأول بعد أن حلق شاربه ( عفوا زغبه ) وجاء بما لم يأت به أحد قبله إلا كاتب سينارويو "فلينستون". وتواضعا منه فقد نسبها إلى العلماء لأنه يكره الشهرة والأضواء( ومن علامات كرهه للشهرة أيضا أنك لا تجده عبقريا سوى في عالم الوهم أما في الواقع فهو إما بواب فندق أو حامل أمتاع(مستوى ثقافة لا أسلوب كسب القوت).
وإن كانت الشفقة تأخذنا على هؤلاء ويصيبنا الألم على سفاهة تستطيع إطعام عقول الأشقياء، فإنّا ندعوا ربا بهم خبير وبجرمهم عليم أن يعاملهم برحمته لا بعدله.
وسيهجم عليك بعد برهة من ذاك, إحساس بالملل من القوم، بعد ما سترى من اجترار لكل من قال كلمة على وزن "فُعُلاَت".
فتغير الإتجاه نحو حي آخر قريب فتجد فيه من انتهت مدة صلاحية عقله من زمان، يوم أله عبدا فهو بين مُثَلِّثٍ و مُوَحِّدٍ لكن في شخص علي أو الحسين ( رضي الله عنهما).
وهنا عند السؤال سترى أنهم بين محتار في الجواب ومجيب بأقذع اللفظ والسباب ومنصرف عنك خوفا من صحوةٍ تُذْهِبُ سكره الذي لا يصمد أمام نسمة خفيفة من رياح التوحيد الحق.
فمن كل هؤلاء من في الماء العكر اصطاد فحُقَّ فيه قول " على نفسها جنت براقش"، ومنهم داخل عن غفلة جحر الثعلب الشبعان فأكل منه الكبد والقلب، ومنهم عن تعمد وإصرار فذاك حال الزارع في حقل الحسرات. وإن تعددت أسبابهم فطاحونة عقولهم واحدة.

وفي القرية يا سيدتي نساء لا ككل النساء وذكور لا ككل الذكور.
منهن التي تلقت تربية خاصة في إدارة الحياة والحب والتضحية والوفاء، من مسلسلات وأفلام فتاقت نفسها لعيش هذه القصص وطمعت أن تكون كاتبة السيناريو والمخرجة في أحيان. فسألتها مرة قرينات السوء: هل عندك عنوان؟
ـ أي عنوان؟
ـ إلكتروني، إيميل، معرف أيا كان.
ـ لا، ولكن ما ذاك؟ وفي أي سوق يباع؟
ـ يا قديمة هو بالمجان. سأنشأ لك واحدا..... خذي هذا هو الرقم السري والإيميل وما عليك إلا أن تبحثي عن حبيب بين هؤلاء ففلانة تزوجت من المغرب إلى لبنان. أم تراك لم تسمعي عن الإسباني الذي خطب بنت الجيران والفضل في كل ذلك للمسن الذي ساهم بشكل كبير في بناء القناطر على وديان الأعراف والأديان.
ـ وما نوع الخسائر والربح في سوق هذه القرية يا خلان؟
ـ لا خسائر والربح أنت وشطارتك في فن الإستهلال
ـ قصدك الإستهبال
ـ لا فرق ... المهم، إعملي على مكانتك وحرري نفسك من براثن تخوفاتك فالوقت وقتنا والزمن زمننا فلا تُمَكِّني العقليات المتخلفة من الحجر على حريتنا.
....
جالت بين العناوين المنتقاة بعناية من الرفيقات وطافت طواف المهاجر في الصحراء بين واحات تخيلاته المتولدة عن شدة بطش العطش بعقله.
فمِنَ الذي تعف رائحة أفكاره حتى أسراب الذباب إلى الذي إلتواءاته لا يعجز الطفل الصغير عن تمييزها في الظلام. إلى إلى إلى..... إلى الذي يصوغ عذب الكلام في براعة واتقان ويسلب الألباب سلبا عند كتابة الكلمات ويحبكها حبكة حائك قديم في الميدان. حطت الرحال واستقر بها الحال بعد أن وجدت دفئا لا يقاومه البردان وأنسا لا يتركه مستوحش في ظلام الليل الشديد السواد.
غاصت في الكلمات وركبت البحر تلو البحر مع السندباد بين مد وجزر كانت تجد نشوة لم تجدها قبلا في أي مكان.
ـ هل فعلا أنا شيء مهم بالنسبة لك؟؟
ـ بل أنت الأهم في هذا المكان.
ـ وماذا لو لم أكن موجودة فيما بعد؟
ـ لا أستطيع تخيل ذلك لكن قد أنتحر قد أموت قد أجن.
ـ أكل هذا وأنت لا تعرفني في الواقع بعد، وكل ما لديك مني مجرد صورة ومجموعة أحاديث سمر؟
ـ وبه سرقت مني القلب وزلزلت الوجدان. فهل من بقايا تطمعين فيها بعد الآن؟
ـ وماذا لو رأيتني وعاشرتني و احتككت بطباعي، وسمعت صراخي وواجهت نيران غضبي وعصرت مني الأخلاق فاعتصرت عن سوء ألفاظ فخاب ظنك بما اعتقدت واصطدمت بغير ما تصورت ووجدت نفسك أمام عكس ما به حلمت، هل ستتركني هل ستتعتذر وفي الصمت تنصرف أم ستبقى لتتحمل ثمن زخرف القول الذي به أخضعتني؟
ـ مابالك اليوم؟ أتريدين جعلها ليلة تشاؤم وتعزية على حدث في المستقبل هو نسبة في مجموعة توقعات؟ أم تراك اتخذت قرارا وحدك نؤدي نتيجته نحن الإثنين؟
ـ فقط كنت أتفكر في قول الحبيب عليه الصلاة والسلام موصيا الباحث عن رفيقة الدرب: <<أنظر إليها، فإنه أجدرـ وفي رواية (أحرى) ـ أن يؤدم بينكما>> فقلت أي درجة من الإحسان ذاك الذي أدركناه حتى تجاوزنا هذه الرغبة داخلنا؟ وأي زهد ذاك الذي بلغناه لنكتفي بأقل من هذا المستوى ؟ فخفت أن يكون السؤال الأوفق هو أي انحطاط ذاك الذي هوينا إليه حتى لم نعد نلقي لهذا المطلب بال؟
ـ ثم ماذا بعد؟
ـ أما عن الأبعاد فكثيرة هي يا صاحبي، لكن بعدا واحدا منها كفيلا بجعلي أقف على الجرف الهار.
لا أجد حرجا من الإعتراف أن كلماتك استطاعت أن تحولني إلى جثة بين الأحياء، مدمن لا ينفك يستفيق حتى يطلب مزيد مخدر يعيده إلى الإغماء، عليل سقيم إن طال الهجران بضع ساعات من نهار....
ـ هل لنا بقلب هذه الصفحة الآن؟
ـ إلى صفحة توبة، ذاك والله ما أشتاق إليه في هذه الحال، إلى تنقية القلب من شوائب ما تكدست عليه بسبب الغفلة والجهل والإنسياق وراء تكالب الهوى والشيطان….. يا ليتك ترى الإنكسار الذي أحس به والهوان الذي يقطعني والذل الذي يكتسحني بت أرى نفسي أسوأ من العملاء داخل بلاد الإسلام.
ـ أهذا ما انتهى إليه تفكيرك؟؟ أهذا ما جادت به عليك مخيلتك بعد تخمين بما سيكون؟
ـ هناك صوت داخلي أقوى مني أريد إسكاته، هناك عتاب يقطع ألياف قلبي أريد إيقافه، هناك بركان حسرات داخلي أريد إخماده. هناك حزن يلف كل خلية من خلاياي أريد محوه..... هناك ألم أجل إنه ألم لا دواء له عند الأطباء.
..................
و في قريتنا
للحديث بقية إن شاء الله تعالى

7amdolillah
03-03-2011, 06:00 PM
....
جالت بين العناوين المنتقاة بعناية من الرفيقات وطافت طواف المهاجر في الصحراء بين واحات تخيلاته المتولدة عن شدة بطش العطش بعقله.
فمِنَ الذي تعف رائحة أفكاره حتى أسراب الذباب إلى الذي إلتواءاته لا يعجز الطفل الصغير عن تمييزها في الظلام. إلى إلى إلى..... إلى الذي يصوغ عذب الكلام في براعة واتقان ويسلب الألباب سلبا عند كتابة الكلمات ويحبكها حبكة حائك قديم في الميدان. حطت الرحال واستقر بها الحال بعد أن وجدت دفئا لا يقاومه البردان وأنسا لا يتركه مستوحش في ظلام الليل الشديد السواد.
غاصت في الكلمات وركبت البحر تلو البحر مع السندباد بين مد وجزر كانت تجد نشوة لم تجدها قبلا في أي مكان.
ـ هل فعلا أنا شيء مهم بالنسبة لك؟؟
ـ بل أنت الأهم في هذا المكان.
ـ وماذا لو لم أكن موجودة فيما بعد؟
ـ لا أستطيع تخيل ذلك لكن قد أنتحر قد أموت قد أجن.
ـ أكل هذا وأنت لا تعرفني في الواقع بعد، وكل ما لديك مني مجرد صورة ومجموعة أحاديث سمر؟
ـ وبه سرقت مني القلب وزلزلت الوجدان. فهل من بقايا تطمعين فيها بعد الآن؟
ـ وماذا لو رأيتني وعاشرتني و احتككت بطباعي، وسمعت صراخي وواجهت نيران غضبي وعصرت مني الأخلاق فاعتصرت عن سوء ألفاظ فخاب ظنك بما اعتقدت واصطدمت بغير ما تصورت ووجدت نفسك أمام عكس ما به حلمت، هل ستتركني هل ستتعتذر وفي الصمت تنصرف أم ستبقى لتتحمل ثمن زخرف القول الذي به أخضعتني؟
ـ مابالك اليوم؟ أتريدين جعلها ليلة تشاؤم وتعزية على حدث في المستقبل هو نسبة في مجموعة توقعات؟ أم تراك اتخذت قرارا وحدك نؤدي نتيجته نحن الإثنين؟
ـ فقط كنت أتفكر في قول الحبيب عليه الصلاة والسلام موصيا الباحث عن رفيقة الدرب: <<أنظر إليها، فإنه أجدرـ وفي رواية (أحرى) ـ أن يؤدم بينكما>> فقلت أي درجة من الإحسان ذاك الذي أدركناه حتى تجاوزنا هذه الرغبة داخلنا؟ وأي زهد ذاك الذي بلغناه لنكتفي بأقل من هذا المستوى ؟ فخفت أن يكون السؤال الأوفق هو أي انحطاط ذاك الذي هوينا إليه حتى لم نعد نلقي لهذا المطلب بال؟
ـ ثم ماذا بعد؟
ـ أما عن الأبعاد فكثيرة هي يا صاحبي، لكن بعدا واحدا منها كفيلا بجعلي أقف على الجرف الهار.
لا أجد حرجا من الإعتراف أن كلماتك استطاعت أن تحولني إلى جثة بين الأحياء، مدمن لا ينفك يستفيق حتى يطلب مزيد مخدر يعيده إلى الإغماء، عليل سقيم إن طال الهجران بضع ساعات من نهار....
ـ هل لنا بقلب هذه الصفحة الآن؟
ـ إلى صفحة توبة، ذاك والله ما أشتاق إليه في هذه الحال، إلى تنقية القلب من شوائب ما تكدست عليه بسبب الغفلة والجهل والإنسياق وراء تكالب الهوى والشيطان….. يا ليتك ترى الإنكسار الذي أحس به والهوان الذي يقطعني والذل الذي يكتسحني بت أرى نفسي أسوأ من العملاء داخل بلاد الإسلام.
ـ أهذا ما انتهى إليه تفكيرك؟؟ أهذا ما جادت به عليك مخيلتك بعد تخمين بما سيكون؟
ـ هناك صوت داخلي أقوى مني أريد إسكاته، هناك عتاب يقطع ألياف قلبي أريد إيقافه، هناك بركان حسرات داخلي أريد إخماده. هناك حزن يلف كل خلية من خلاياي أريد محوه..... هناك ألم أجل إنه ألم لا دواء له عند الأطباء.
..................
و في قريتنا
للحديث بقية إن شاء الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
أحسنتم
جزاكم الله خيراً

زينب من المغرب
03-07-2011, 12:31 AM
كان يشتاق إلى تلك اللحظة التي يطرق فيها الباب فيجدها بانتظاره بابتسامتها المعهودة التي لا يعرف لها كلمات وصف سوى أنها شعاع ينفذ مباشرة إلى أعماقه فيهزها هزة النسيم للأوراق الخضراء لينفض عنها الغبار. كان يعرف حركاتها وسكناتها يتقن واحات تفكيرها قالت له مرة:
ـ مهارتك في العزف على أوتار مشاعري يأسرني يكبلني ويخلط علي الأوراق.
ابتسم وهو يعجب من هذا المعلم كيف يقع في شباك دروسه التي يلقنها.
يراها وهي تهدهد بالصغير لتنيمه فيعتلي قمة السكن وقد هدم آخر أسوار التخوف والقلق.
ـ لما تنظر إلي هكذا؟ ألم يعجبك الأكل؟
نعمة أنت.
………………………
ما الذي حدث؟؟ من الذي انتزعك من هذا الدفىء ؟؟
أصبح كل شيء روتيني، مقابل البسمة غدى تصنع والسمر ملل والأحاديث تذمر والشكوى غضب.... تغيرت العادات أم ثباتها أصبح مملا ؟
لازال يجد الشوق للعودة إلى سكنه ويسرع الخطى في الطريق، ولازال يهرب من زملائه في العمل بالتفكر في أحاديث السمر، ومازال الآخرون ينعتونه بأنه "بيتوتي" فيجده النعت الوحيد الذي تجازوا فيه مراحل متقدمة من المعرفة برغباته العميقة.
لكن السؤال الملح في خاطره هو ما الذي تغير؟؟
تردد في خاطره كثيرا وهو يسرع الخطى ويقاوم زحمة المرور عائدا إلى البيت.
هم بوضع المفتاح في الباب، لكنها لا زالت على عادتها فتحته مباشرة مع مدة يده إلى القفل، ابتسمت وهي ترحب به، بينما كان غارقا في البحث عن شيء ما تغير فيها
جلس يحتسي الشاي يراقب حركاتها الهادئة والتفاتها إليه عند كل موضوع وكأنها تقرأ ما وراء عينيه تستخرج أوصافا بعضها صائب والجزء الأكبر فيه مضحك. لكنها عادتها في استخراج البسمة من بين مشاعر الثورة على جواسيس عيونه.
نشوة هذه الجلسة قد تغيرت كليا وما عاد لها طعم، وأصبحت القراءات سؤال واحد تردده بين الفينة والأخرى : هل تسمعني؟
ـ طبعا.
حمل الفنجان في يده وانطلق إلى جهازه في الغرفة المجاورة لغرفة نومه كالهارب من ورطة وشيكة.
أكلت الساعات بعضها بعضا وهو يتنقل بين العوالم المختلفة مرات بدون هدف ومرات كباحث عن شيء لا يعرفه ومرة ربما عن عبارة ينهي بها أحد نزالاته التي لم يعد فيها يميز بين الإنتصار للحق والإنتصار للنفس.
تمر بين الفينة والأخرى لتسأله سؤالا تافها تحته سؤال عميق، فيجيب على السطحي منه دون أن يرفع رأسه عن الشاشة رغم أن كل ما في ذلك العالم قابل للإنتظار ولا تجد حارة إلا وعليها زر إيقاف مؤقت.
تحولت هذه المناورات الإستكشافية من باعث سعادة إلى مداراة إنزجاع وصولا إلى تهرب لم ينجح في إخفائه.
قد يتذكرها ـ وقد لا يفعل ـ بعد منتصف الليل، يغلق الجهاز فيجدها نائمة فيحتار بين إيقاظها وبين تركها.
سألته في صبيحة يوم وهو يأكل بسرعة إفطاره:
ـ لماذا تتأخر في النوم؟ هل هناك في الجهاز ما يستحق أن يلتهم ساعات الصفاء منا بهذا الشكل؟
لم يرد لأنه بحث طويلا عن جواب السؤال داخله ففشل، فداراه بالصمت.
كان اليوم لا يغير الأمس إلا إلى مزيد من فك عقد نسيج السكن الذي سهرا طويلا ليجمعا خيوطه من أنفس المشاعر لديهما. والجديد في القديم أن حديث النفس أصبح حزن وقلق وحوارات غريبة مع خليط غريب من الناس.
قد قيل أن دوام الحال من المحال ولربما نسوا أن أمحلها دوام الصمت على الأذى.
............
وبين هؤلاء وأولئك احتارت طفلة صغيرة في فهم هذه القرية واستهلكت الإستغراب والعجب والسؤال دون جواب على ما يدور في أذهان المجتمعين والمتحلقين في هذا المكان.
فكرت وفكرت وفكرت إلا أن تفكير طفلة حدوده أقصر مما قد يفكر فيه الكبار، حملت ريشة ودفترا وبدأت ترسم صورا لأوجه المارين بجانبها أو أوجها تتخيلها.
كلما ملأت ورقة قطعتها وأودعتها الرياح لتحملها مستغلة ما اشتهرت به الأخيرة من خيانة مستودعيها الأسرار بالبوح بها للأشجار.
كانت تستوقف رسوماتها المارة بين الفينة والأخرى فيسألها البعض:
ـ لمن هذه الوجوه؟؟؟
لكن انهماكها في الرسم كان يمنع عنها الاهتمام بالرد.
ـ هل فيهم وجهك؟؟
لا رد.
سيعتادون الصمت.. سينشغلون بالرسم ..سيبحثون عن الأصل..
اقترب منها شخص في صمت، تتبع الرسم مكتفيا بالإبتسام.
ـ هل يمكنني الجلوس بجانبك؟؟
ـ لا أريد الجواب على الأسئلة، هل تتعهد بعدم الطرح؟؟
ـ سأحاول. لكن عن الرسم هل أسأل؟؟
ـ سأستعمل الحق في قول "أَمُرُّ" إذا لم أرغب في الرد.
ـ حسنا.
ساد الصمت وتوالت الورقات المليئة بالوجوه التعبيرية.
ـ لماذا ترسمين؟؟
ـ هل تعدل السؤال؟؟
ـ عم تبحثين بهذه الرسومات؟؟
ـ تتدافع الصور في داخلي والمصطلحات فأنسق بينهما وأضعها في وجه.
ــ هل تعرفين ماذا تعني هذه المصطلحات؟
ـ عادة الكبار أن لا يهتموا بعمق أفعال الصغار باعتبارها تلقائية وليس فيها ما يدعوا إلى تمريرها بالألغاز. لا لا أعرف معنى هذه المصطلحات هل تعرفها أنت؟؟
ـ حسنا يمكنك العودة للرسم.
عادت لإنشغالها بالرسم ربما عن طاعة لأمره وربما لا.
ـ ماذا يعني غاضب؟ سألت
ـ يعني فقدان الحكمة وعدم الاعتداد برأيه في الأحكام.
ـ هل أرسم وجها غاضبا؟؟
ـ لن يبرز فيه غياب الحكمة. لكن ارسميه ان استطعت.
رمت الورقة للرياح بعد أن أنهت الرسمة ثم التفتت إليه
ـ والظلم ما يعنيه؟
ـ مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه، متعدد الأنواع، مختلف الأشكال، متمايز التراكيز. أيهما تريدين رسمه؟
ـ هل أستطيع جمعها في وجه واحد؟؟
ـ لا تضر المحاولة :)
فرقت الوجوه على صفحتها الجديدة، دون أن تلتفت.
ـ الخائن؟؟
ـ لم يكتفي بإنكار النعمة بل تجاوزها إلى إلحاق الضرر. تستطيعين رسم جزء من وجهه.
لم توقف ريشتها ولم تلتفت إليه، لكن توالت أسئلتها عن التعريفات والوجوه والتعابير وتناسق تقاسيمها مع المعاني المقصودة من وراء الرسم.
واستمر هو في أجوبته دون أن يطلب منها التوقف أو الاستمرار، وكأنه كان يدرك مدى تغليبها للعناد الطفولي.
ـ طال صمتها وانهماكها في تحريك ريشتها في كل الاتجاهات لدرجة كان يبدو تجردها من الواقع بشكل واضح.
توقفت بشكل مفاجىء إلتفتت إليه:
ـ الحب؟؟
ـ لقد إحتار الكبار في فهمه وتخرجت عنه مدارس الهائمين في الإحاطة بحدوده، امتنع من حيث استحالة لمسه واستصعب من حيث ضرورته، هل تفكرين في رسمه؟
ـ هل كان هذا جواب سؤالي؟
ـ لماذا لا تجيبين أنت عن السؤال ؟
ـ أتخيله يخلق في القلوب بعد أن تنتهي المصالح وتصفى المشاعر الإنسانية الأخرى فتغلب الحسنة السيئة حتى تجتمع فيما بينها لتتألف وتتشكل النواة في الأخير لتعزز هذه الروابط وتمتنها.
ـ بهذا الشكل سيصعب عليك تعريف الكره.
ـ هو داخل في الروابط وهو خادم كما غيره من المشاعر للنواة، وما يعتبره الآخرون كرها على أساس أنه نقيض الحب ليس سوى هبوط في الدركات الإنسانية في اتجاه الحيوانية حيث تختفي كل الصفات والروابط والمشاعر والعلاقات السامية. لن أرسمه. المخادع؟؟
ـ شخص يستطيع تقمص جميع الأدوار، فهو الحمل الذئب في آن.
ـ لا أحب أن تظلم الحيوانات بالتشبيه. هل يمكنني أن أرسمه؟
ـ لا داعي فهو يستطيع لبس كل الوجوه التي رسمت.
أوقفت الرسم وجلست على الأرض في هدوء تام وكأنها تقرر شيء لكنه يقنع بانتظار أسئلتها.

للحديث بقية إن شاء الله تعالى......

زينب من المغرب
03-07-2011, 12:32 AM
نستعير هذه من الفاضل هشام ابن الزبير: :):


إن كل تشابه بين الشخصيات والأماكن التي سترد تباعا مجرد توافق غير مقصود, فوجب التنبيه

زينب من المغرب
03-25-2011, 12:08 PM
نظرت طويلا إلى الأفق الضبابي المحيط بها وكأنها تحاول قراءة شيء صعب.. مبهم.. غامض.. غريب . ثم :
ـ ما الذي ينقص هذه التعاريف؟
ـ هل يعيق ذلك عليك الرسم؟
ـ سنعرفه فيما بعد؟ اللغة؟
ـ واقعية الأفكار... بلاطها... أو سجنها.
ـ أتعبتم أنفسكم وأنتم تحاولون الخوض فيها وتعب قبلكم كثيرون ؟… فأين كان خللهم يا سيدي؟؟
ـ في الإنطلاقة ربما؟؟
ـ في الوسيلة؟؟ في الغاية؟؟
ـ تجربة مخبرية فيها مادة واحدة وخلائط بحاجة إلى هذه المادة إنها محفوفة بالفشل.
ـ ألا تعتقد أنهما مادتان ولم ينتبه إلى الثانية الفاشلين في هذه التجربة؟. لغوي ما معناه؟؟
ـ الجزء المتفق على نجاحه من التجربة؟
ـ ميزان الاتفاق أكان في مأمن من الأهواء؟؟
ـ ليس دائما. المهم أنه حدث إتفاق فأضيفت ياء الإضافة إلى الإسم بعد أن أصبح له كيان.
ـ هل حقق كيانه الكفاية المطلوبة؟؟
ـ لا. بل بواسطته استطعنا التفطن إلى نوع كبير من النقص.
ـ فهل حدث الاتفاق على ضرورية المادة الثانية؟
ـ تدخلت الأهواء.
ـ التعريف اللغوي :لكل متفق عليه أعطيت جملة توضيحية؟؟
ـ وأصبحت هذه اللغة قادرة على تفسير خلائطها بشكل يخدم التعايش بين جميع فئات الناس.
ـ سأستمر في سؤالك عن النفاق والشر والحقد والبغض وكلها مشاعر تتجمع في قلوب الكبار وتفرق بينهم فتختلف الأنواع وتتمايز الطبقات فإن اتفق بعضهم في شق اختلفوا في آخر فيستحيل أن تجد فيهم اثنين في كل النواحي متفقان. طلب المزيد من التعاريف لن يخرجني إلى نتيجة موجبة وربما أتيه في بحر التفاسير البشرية هذه. السؤال الأهم هو:ما مقدار ذلك الأس الذي أدى إلى احتمالات لا نهائية في الاختلاف. إن كانت اللغة الأس الغامض فسنجد أنفسنا أمام فشل في الاستدلال إذ كيف بما اتفق عليه القوم كوسيلة للتعايش بشكل لا يهدده الاختلاف يؤدي إلى خلاف لا يستطيع تفسيره؟
الناقص لا بد منه الآن…
ولنأخذ الغضب كمثال، ألم تقل عنه انتفاء الحكمة؟ أهو كل الغضب؟ أم بعضه؟؟ سنحتاج إلى من ينفذ إلى داخل كل فرد من الأفراد ليحدد لنا درجات الغضب ثم يعلّمها بعلامات ظاهرة نستطيع من خلالها فرض حكمنا عليه ببطلان حكمته.
الناقص ضروري…
قد قلتها اللغة بلاط الأفكار لكنها مقيدة بالمشاعر، فإن كان تعريفها للمشاعر لا يأتي بالمطلوب فهل تصلح كوسيلة -توضيح وتفسير وجزر وحدود -وحيدة؟؟
الناقص ضرورة حتمية …
لتستطيع هذه اللغة صياغة قوالب التوافق المطلوب لضمان استمرارية التعايش.
بل الناقص هو الأهم…
محاولة البحث في الأس الغامض لإعادة صياغة متوالية الاختلاف ليس مطروحا كاحتمال، فإذن هناك مكمل لهذا اللغوي يجب أن يضاف. إن كان غيابه يؤدي إلى شلل كلي في الفهم والتفسير لكل الظواهر فإن درجة وجوده تجاوزت الضرورة.
ألا ترى معي ذلك؟
ـ لعلي لم أراعي أن مستوى وعيك بهذه الحقائق لا يتجاوز حدود الذكاء الفطري رغم أن رسمك يفضح تلك الفوضى داخلك وعجزك عن تنظيمها لإيصال الفكرة بشكل أفضل.
فعلا هو الأهم، وربما توصلك إلى هذه الحقيقة هو ما جعلك تغفلين عن أن التنبيه إلى أهمية الناقص يحتاج إلى امتلاك زمام اللغة.
ـ فشلت في الرسم؟؟
ـ الحكم بالفشل مرحلة متأخرة. هل توصلت إلى معرفة الناقص؟
ـ يكره الناس مفارقة الحكمة...يندم الغاضب إن أصدر حكما... بركان الندم يحتاج إلى محل شاغر في القلب ينفجر فيه وإلا فسيأتي على العمران والبنيان. ماذا يفعل الغاضب؟؟
ـ أحكمت اللجام..
ـ أوريكا؟؟
ـ يـــيس، ذاك هو.. التعريف الاصطلاحي الذي سلم من الأهواء وخاض فيه أهله بعلمهم ليستعملوا اللغة في إيصاله دون الاستغناء عن التعريف اللغوي وإن كان أحيانا استحضار هذا الأخير فقط للاستئناس أو لتسهيل عملية تخزين الاصطلاحي في الذاكرة.
فكان على الغاضب أن يجلس فإن كان جالسا أن يتكئ
وقيسي عليه كل المشاعر الأخرى ففي الاصطلاح كان ضابطها وتجلت حكمة الصانع عند انبهارنا أمام التداخل الناجع بين أدوية كهذه وأدواء كتلك ,أدركنا حلا المعادلة في مجالنا الضيق بحدوده الخمسة(الحواس): عجزنا عن الإتيان بمثله وتسليمنا إجبارا أن هناك إله.
ـ قد استأصل داء الاختلاف؟
ـ الاختلاف ليس مذموما ككل ولا محمودا ككل. فنعيد صياغة سؤالك : هل استطاع خلق توافق بين الاختلافات؟
ثم نجيب :لا. فهناك حكمة اقتضت أن تطبيع الأهواء لموافقة الاصطلاح هو اختبار عنده درجات ودركات.
ـ مدرسة؟؟
ـ مدارس.
ـ السلفي.. الصوفي.. المجذوب….
ـ لا توقفي العد هناك فبعدهم الغافل والجاهل والكافر بمختلف درجاته العنادية إلى أقبحها المتجلية في الإلحاد. لا تحجري على عقلك التعرف على أولئك فقط وقد قال من السابقين: كانوا يسألونه عن الخير وأسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه.
أعلى الدرجات من وافق بين العمل والعلم فجعلهما مصلا حقن به دمه ثم جعل في غذائه كل مرة يطعمها بمضاد يضيفه إلى المصل لتتحقق المناعة المطلوبة.
فكانت تلك هي الحكمة في القرآن التي تفصيلها اصطلاحا: معرفة الحق وقوله والعمل به.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى…..

زينب من المغرب
03-27-2011, 01:02 PM
العلم لا يكفي والعمل تتأرجح نتائجه بين العاقبتين المتضادتين.
درب الأول صعب وعر ثقيل على النفس، ودرب الثاني تتبعه إبرة ميزان تدور في تدريجات ميناء الأول.
الأصعب في هذا المسلك ليس في القدرة على تخزين أكبر قدر من فيض بحره بل في امتلاك القوة لنسخ ما اكتسب منه في شريط صبغيات الخلايا ليس ضمانا للمغالطة الدروينية في جعل يد ابن الحداد صلبة ولكن لتصبح قيادتها للخلايا الحية المتفاعلة قيادة حكيمة ورشيدة.
حكمة العليم سبحانه اقتضت أن هناك مادة خام مهيأة قبلا بالصفاء والميل إلى الأعالي والتسابق إلى المراكز الأولى، عبيرها يفوح حين تتعب، ضنكها هو السبيل الوحيد لرؤية بريق جوهرتها الدفين.
كل إنسان تتوق نفسه لاعتلاء هذا السلم والرقي في هذا الدرب غير أن للنفس غناء وللشيطان لحن وللدنيا رقص على موسيقى الاثنين. فكل وما استطاع تغليبه وكل وما جادت به عليه عزيمته.
رأى السلفي نفسه في هذه المعارك إما فارسا معتليا صهوة جواده حتى النصر أو الموت. بينما رأى الصوفي أن إيقاف الغناء وإغلاق العين عن الرقص قد يجعل اللحن يتوقف، فصير نفسه حكما بين الثلاثة؛ فما توقف الغناء ولا لعينه غض ولا قل اللحن…أصبح ناقلا لألحان نفسه وزخرف قولها وأضغاث أحلامها.
كانت الطامة فيه أفظع وهو بين مبالغ في الإثم حتى الترف ومضر بالنفس حتى الظلم.
لو أنه اتبع السبيل القويم لكفاه ذلك شر البلايا التي بها أصبح عليلا.
صار باسمه ينادى في الأسواق : أرأيتم فلان تقولون من أهل التقوى والورع فما رأيكم بفعله الذي لا يأتيه السكران؟؟
وإن منهم من لم ير في المال والبنون إلا أشد من القتل فخاف على حياته وانزوى في ركن بعيد،فارق الناس وصاحب النفس، غدت رفيقته وخليلته، هو معها في هيام وأشجان؛ سأله الغاضبَيْن من فينا الأحق فقال هذا أحقكما، ولما ذهب عنهما الغضب نظرا في حكمه فإذا به صواب فنادوا في الأسواق أن فلان حكيم الزمان، صدق نفسه، صار كلما مر بقرية قذف عليها جملا التقطها في خلال الترحال فذاع صيته وقبل أياديه القذرة الشيب والشبان، نظر إلى نفسه وقال: لولا هذه القذارة في ملبسي ولولا هذا الإنكباب على وجهي لما أوتيت الحكمة فزاده هذا العجب وسخا على وسخ. ولو أنه سأل الطفل الصغير لقال له يا سيدي حكم المتفرج يكون دائما أقرب إلى الصواب إن لم يكن في المسألة ما يحتاج رأي العلماء؛
ولكن هيهات هيهات أين القلب ليلقي السمع.
أكان الإختصار كافيا أم تحتاجين مزيد تفصيل في هذا الباب؟؟
ـ ما جمع هؤلاء هنا؟؟ وما نقصهم هناك؟؟
ـ هنا لا تختلف التقسيمات ولا تتباعد النكبات. فجلهم من حق العلم مقتطع ومن واجب التعلم مستتر، يريد أن يحقق دون بذل أن يكون دون كيان.
ـ "أنا أفكر إذا أنا موجود" ؟؟
ـ تملكهم رغبة قوية في اختبار هذه المقولة اختبارا تجريبيا وفأر التجربة هم.. أنفسهم.. مشاعرهم.. أحاسيسهم. يريدون أن يروا هذا الفكر أمامهم يتحدث عن نفسه يمدحها يلبسها أبهى الحلي ويكسبها صفات الملوك فيصدقون بعدها أن هذا الديكارت كان عبقريا ويشعرون بامتنان عميق للساهر على صناعة مختبرات لتحويل نظريات فلاسفة الرومان إلى قوانين تسير هذه الفئران المنقادة طواعية إلى مختبراتهم دون الحاجة إلى أقفاص.
مجذوب البارحة و راكب سفينة النت وجهان لعملة واحدة، طفيف الفرق بينهما أن الأول مازالت خربشاته تصلح في أحيان ولو للإضحاك بينما الثاني خربشاته تنتهي بمجرد أن يكتب على حارته "نات فوند"
السراب أصبح عالم الأحلام، كنا نحلم ونظل نعاند الزمن لإخراجها إلى أرض الواقع الآن لم يعد لهذا العناد سبب. فهي تخرج بسهولة في هذا العالم تنفذ إليه دون الحاجة إلى " من طلب العلا سهر الليالي" ولا إلى " وما نيل المطالب بالتمني * ولكن تؤخذ الدنيا غلابا"، شعارات قديمة...
ـ انظر قليلا أمامك انفجرت طاقة في البلدان وزلزلت الأحلام التي نفذت من هذا العالم كراسي الاستقرار.
ـ مجرد هراء، فرق بين الوسائل وقدر الرحمن، قانونه في الكون أن الضغط يولد الانفجار والأخير لا يحتاج إلا إلى بسيط أسباب، لكن ليس في قانونه أبدا أن تكون الوسيلة الباعث للغاية والمولّد لها.
ارتباطنا بهذا المكان مجرد مداراة للفشل في خلق التوافق في عالمنا الحقيقي .
ـ البؤساء؟؟
ـ هم بؤساء الطبقة الحاكمة.. ونحن تعساء أنفسنا. وعيهم بواقعهم كان لا يغير منه شيئا لافتقادهم القوة..ونحن مع امتلاكنا القوة وزمام اللجام إلا أننا فاشلين حتى في اتخاذ القرار.
ـ القرار؟؟
ـ أجل، الذكاء في الخروج بأقل قدر من الخسائر والاغتنام بأكبر قدر ممكن.
ـ على ما يدور الرهان؟؟
ـ :) على الوقت.
ـ إذن ليس هناك كبير اختلاف بين العالمين.
ـ بالضبط غير أن سحب هذا الصاحب أشد قوة من ذاك. سأسألك؟
ـ سأرى السؤال بعدها أحكم على إمكانية الجواب.
ـ ماداعي وجودك هنا؟؟
ـ يقال لي: هل تعتقدين أن الكل يفكر مثلك؟؟ انظري حولك لقد انفضوا، لقد ذهبوا. الحق معه قسوة لا تنجحين في اخفائها فتفشلين في إيصاله.
فجئت أصنع غير هؤلاء المنفضين، فِعْلُ الصغار فعلي ولن يستغربه أحد. نصفف الوسائد ونحمل العصا وندرسها ونعلمها ونعنفها ثم نتركها للأم لتعيد ترتيبها فنكون بذلك وفرنا على الآخرين كثرة الإزعاج بالغوص في عالمنا.
ـ هنا نلعبها على كبرنا، على أمل أن تكون في الوسائد حياة تزحزحها الكلمات وتعيدها إلى الرشد.
ـ كلكم؟؟
ـ أقل بكثير من القليل.
ـ الفشل؟؟
ـ ننجح في مداراته.
ـ الحل؟؟
ـ :) سؤال صعب...البخل في المقايضة على حساب الواقع... البحث عن الدفىء في القلوب النابضة، في الأجسام السيارة، والدفء شرطاه "لمسة" و"قول" لا يفترقان ولا يأتي أحدهما منفردا عن الآخر.
ـ لا دفىء هنا؟؟
ـ نعم.
ـ طريق السنونو؟؟
ـ أسلم. من جهة عدم الارتباط بالأماكن، وضع البصمة والانصراف قبل التعليق، ربط إطلالته بحلول الربيع وتفتح الأزهار واشراقة الدنيا بالبهاء.
ـ سأعود إلى السطح إذن.
ـ لكني لتوي كنت سأبدأ في السؤال.
ـ " أَمُرُّ"
ـ لك ذلك.
وانتهت رحلتها في هذا الحوار.
فكانت من بين الموجودين الذين لم يكتمل فيهم الفهم بقوانين وغايات ووسائل هذه القرية، وما أكثرهم.
فتلك البركة التي يفتقدها هذا المكان هي الدفء. وبهذا الفقد لم تستحق أبدا لقب القرية من أي وجه كان.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.....

زينب من المغرب
03-27-2011, 07:17 PM
غرور الخوض في علم لا نفهمه والإبحار بجهل في ما لا نفقهه، طمع التذوق وطلب الاستزادة أنسانا الأصول، أغفلنا عن الأعراف، أردى بنا في بحار الجهل والمصيبة هو التعالم الذي لا زلنا نمارسه جهارا علنا.
ما أشد حاجتنا إلى بَرَكَةِ قريتكم، نتوق إلى أياديكم الخشنة إلى يقينكم العالي بالله، نشتاق إلى فطرتكم.
نحن نبتعد أكثر فأكثر عن ادراك رغباتنا وأحلامنا، الشتات يكاد يلتهمنا، الصمت يلفنا من كل جانب، لم نعد نفهم لغة الكلام والضحك والابتسام كل شيء انقلب فينا هستيريا.
زادت حدة تفلتنا من المحيط المادي شيئا فشيئا...
ـ هل تبكين؟؟
يا إلهي هل نزل الدمع؟؟ كيف سأشرح لهذه السيدة ما يختلج في أعماق النفس؟؟
ـ لا…
البكاء يخنق العبارات، يبدو أنني كنت أبكي منذ مدة طويلة ولم ألاحظ ذلك، لن أتحدث سأدير رأسي في اتجاه النافذة، قول أمي : من قلة الأدب أن تديري ظهرك لمن يحدثك.
ماذا أفعل؟؟
ـ ما اسم هذه البناية يا ابنتي.
ذكاء منك يا سيدتي، ممتنة لصنيعك، يجب أن أكفف الدمع، علي أن أتذكر صلابة الرجال، صرامة الحكام، قسوة الطغاة، بل ربما ظلم القريب لأشحن نفسي بمقدار غضب كاف ليوصلني إلى استخراج جملة مفيدة أتجاوب فيها مع صنيع هذه الطيبة.
ـ هذا نادي الرماية...
يا الهي وصلنا إلى طنجة. :) سأبتسم دون الحاجة إلى استحضار الأرواح الشريرة :):
أخرجت حلوى من أحد الأكياس البلاستيكية التي تضعها أمام قدميها، كعادة كل نساء القرى عندنا وأعطتني إياها. كدت أقول لها ما اعتدنا قوله عند استلام الهدايا بعد أن فقدنا الإحساس بطعمها فنقول بسخرية: C’est le geste qui compte.
فلا تخرج المقولة عن ترديد دون تصديق.
وضعتها في جيبي وكففت دمعي وعدت إلى تبادل الحديث معها، في سباق مع الزمن القصير الذي يفصلنا عن المحطة الأخيرة.
ـ بالله عليك يا سيدتي أليس ظلما من عبد الرحمن القول عنا :
يوريوك من الربح قنطار** ويديولك راس مالك.
ـ قال الله يعمرك يا طنجة. فأصبحت تنأى بثقل عمرانها حتى أصحاب الصفر انكبوا عليها من كل صوب.
دعي الابتسامة تكتمل يا سيدتي هل علينا أن نبكي مجددا.
لم تلبث طويلا حتى ودعتني وقامت توقف السائق وتلملم سلاتها لتنزل. جاء أخي وجلس بجانبي.
ـ ما بك؟
ـ لا شيء.
ـ حسنا.
توقف القطار وتوقفت عند بابه برهة أستنشق عبير هذه المدينة الغالية، أنظر إلى الوجوه علي أجد بينها مألوفا ولو أن طلب جعل عجائب الدنيا ثمانية أهون من طلب أن ترى الذين رأيتهم بالأمس في هذه المدينة.
مسجد السوريين الشامخ أمامي، وقد تحلق حوله البناءون يغيرون المعلمة من الطابع السوري إلى الطابع المغربي، غريب تفطن وزارة.... (لا أعرف أسماء الوزارات لإيمان لدي أن تعدد الأسماء ليس دليلا على تعدد الأهداف) فبعد أن حفرت في الذاكرة أن هذا المسجد بناه السوريين في قلب المدينة بينما أغنياءها يبنون المقاهي والحانات، أتى أصحاب الوزارة ليمحوا هذا الطابع الدمشقي عن الذاكرة.. بل عن العمران فقط فما في الذاكرة قد رفعت عنه الأقلام وجفت صحفه بما تم.
سيغيرون العمران وماذا بعد؟؟
دخلت أم عابد المسجد فوجدت الأخت نادية تكابد لتحفيظ الناس القرآن ,سمعت قراءة بلحن فقالت: يا الله ولك شو هاي القراءة هادا كتاب ربنا مو أي كلام ما بينقرأ هيك يا أخوات.
قولة منها غيرت المسجد من مجرد مقر صلاة إلى معهد ينضح بالمتخرجات، لكن لا واحدة منهن تنسى هذه الجملة ولا تفتتح المدرسات السنة الدراسية إلا بالقول : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وتعلمكم ترحمون عليه إلى يوم البعث فما رأيكم بمقدار النفع الذي حظيت به أم عابد؟
حفرت في الذاكرة هذه الأسماء، قول دمشقي وطاقة مغربية لا يعرفها إلا أصحاب الشركات وكل طامع وحاصد للأموال.
لعله يفسر نوعا ما ذلك الطمس العمد للإحساس بهذه القوة من عقولنا. لم نعد نلقي بالا لا لمدح ولا لذم.
شيء ما استلمناه من التاريخ مخزن داخل أبعد نقطة في الذاكرة يخبرنا أن هناك قوة جبارة داخل كل مغربي لكن عاملا خارجيا يجبرنا على عدم الإستماع لهذا الصوت.
ثم فجأة ودون سابق انذار غنى أحدهم " طنجاوة ألخاوة" فقلنا بعده أجل لربما هذا هو صدى الصوت وانسقنا وراء فتات الوطنية الجديدة هذا بتجزيئاته التي زادت ضيقا،لم يكفنا الفيل فزادونا الفيلة. أضيفت إلى إتهامات الشرق الجاهل بنا اتهامات الجنوب في بلدنا، فزاد علينا الثقل ثقلين وأصبحنا مضطرين لسماع أنتم أهل الشمال قليلو أدب ومتعجرفون ووو.
ولو توقف الحال على جهال الشرق والجنوب لما اشتكينا بحكم تعودنا على الوضع، فالمتناطحون على ركام هذه الوطنية الجديدة يتقن جميعهم لعبة الشطرنج, صناعة مسلسلات مهينة للبلد في رمضان تتلوها صرخات رشيد نيني ـ الذي لا يعدو أن يكون مجرد بيدقا في اللعبة ـ تتلوها جوائز تصرف للأفلام المغربية -وهم لا يفهمون من اللهجة شيء- في الصيف, على أساس تكفيف دموع رشيد ليس إلا وحتى يغني بعدها مصطفى العلوي في ضيف وقضايا وحوار.
لو كان رشيد مغربيا كما نحن لأحرقنا أنفسنا.
لكن الحال زاد إلى الذي يستطيع فك الشيفرات ويتجاوز بصره الشطحات إلى أبعد من ذلك.
تساءلت وأنا أقرأ الإعتراف، ماذا يقصد صاحبه؟؟ ما مرماه من الكلام؟؟
يعترف أن قناعاته التي بناها مدة من الزمن استطاع هدها بأسبوعين. فقط بعد أن رأى الفوضى التي تحديد صفحتها في التاريخ ما يزال غامضا.
الإعتراف ببلد على حساب الشطر الغربي بأكمله. أي شطط ذاك؟؟
على أي أساس يكون الإعتراف؟؟
المتهم... بجرمه
فما جرمنا نحن؟؟
كم هو مؤلم أن تمتلك داخلك شعلة ألم لا تستطيع ترجمتها إلا بالقول : الصمت أسلم لي. الصمت أهون المصائب.صمت الذي يدرك أن النحلة تملك شوكة إن لسعت بها ماتت فتحتفظ بها كسلاح لا فائدة منه.
ثم بعد الاعتراف سنبحث عن بقايا الحسنات لنقول عفوا فما زال في القلب نبض. ونأتي بجميل صنيع بعض الأفراد ونقول فعلا مازال في المغاربة جمال، فيقول الآخرون.......
لا حول ولا قوة إلا بالله.
لو عرف الناس قسوة الظلم لما وجدوا له تشبيها فما بالك بتصنيفه.
المذاق المر بين الأضراس مجددا والتركيز عال هذه المرة. أين هي تلك الحلوى التي أهدتني إياها تلك السيدة؟؟
سبحان الله الآن اتضح لي السبب وراء هذا الدعاء للأحبة: " الله يحلي كلامك ويزين أيامك" , تعودنا نحن أهل المغرب العتاب القاسي والذي لا يفهمه الشرق بتاتا
الشرق يشتكي من ضرب النساء للرجال بينما يفضل المغرب عدم الاعتراف جهرا بأن قسوة لسان نسائه أشد وطأة من الضرب.
وما أدرانا بذاك الشرق سوى الإعترافات بالسيئات والحسنات التي نقتلعها من أسفل إتهاماته الجائرة (غير معبر هذا المصطلح بتاتا). لماذا لم نتعلم من ابن بطوطة الذي جال وصال ولم يفاضل أبدا أجل لم يفاضل حتى وهو يدون يومياته. وقال رحلات وترك المفاضلة لغيره. فمابالنا نحن ما بالنا؟؟
وحتى لو منحنا أنفسنا حق التفضيل فأين الرحلات وأين تدويننا لما نعيشه وما نعلمه عن هذا البلد؟؟
المبالغة في تحقير النفس بشكل مخل بالحقوق هذا هو إرث الصوفية البغيض الذي تأكد لي الآن أن شقا كبيرا من أهلي لا يزال يعاني منه.
ـ انظر إلى هذه الميزانية التي تصرفها الوزارة لتغيير وجه هذا المسجد ولو صرفتها في إصلاح هذا المصرف الصحي أمامه لشكرتها طيلة حياتي أن تعفيني من هذه الرائحة النتنة التي أضطر لاستنشاقها. ولكان خيرا للبلد لكن خيريته تقف وراء تمغربيتنا.
ـ التخربيقولوجيا.
ـ :):
( سألته مرة: لماذا كلما وضعت ملفا على سطح جهازك غيرت اسمه وكتبت تخربيقولوجيا، ماذا يعني هذا الاسم أصلا ؟؟
ـ هذا الإسم مكون من كلمتين: "التخربيق" و "لوجيا"، وهو يعني كل أفكارك، كل أقوالك، أتعلمين يعني أنت باختصار.)
ضحكت وأنا أتذكر كم من المعاناة تحملتها وأنا أغير أسماء الملفات إلى " نوفو دوسيي". إلى أن حملت جهازي على مضض لشركة أصلحته وسرقت شحنه واستبدلته بآخر ، ثم أجبرتني أن أومن بفكرة أن جهاز معطل في المغرب يعني رميه بدل تحمل مهانة أن تسرق حاجتك وتدفع ثمن التصليح في المقابل متجاهلا كذبه البواح وهو يقول لك غيرت هذا وأصلحت هذا معتقدا أن هذه المصطلحات هي علامات استفهام بالنسبة لك.
وكما آمنا ولعهد طويل من الزمن أن : "إن كنت في المغرب فلا تستغرب" وصار علينا أن نقول للمسافر إلينا احمل في يدك علامة التعجب فقد حذفناها من القاموس.
كدت أقول له هل نركب سيارة أجرة لولا أن لون هذا الباب يذكرني بلون باب بيتنا.
لم يعلم أخي أنه بفضل التخربيقولوجيا اهضم مرارة المسافات الطوال.
..............
تسابقنا أنا وهذا الطفل ابن التسع سنين ونحن نصعد سلالم منارة كاب سبارطيل المطلة على المحيط الأطلسي، وقف بجانب حافة سطحها وهو ساند خديه إلى راحة يديه ينظر إلى غروب الشمس نظرة تأمل فيلسوف صغير. اقتربت منه : هل تحب غروب الشمس؟؟
ـ أجل، اللون الأحمر جميل، وكأنها تبكي لمفارقتنا لتشرق عند الآخرين.
يبدو أنني سأغير نظرتي بين هاتين الإطلالتين( على البحر والمحيط) هل قال أحدهم لي وسعي أفق نظرك؟؟
ربما لكن لا أذكر من هو.
غروب الشمس ليس دائما نهاية. بعد أن عشت لأراها بداية في بلدين.
لعل هذا ما يفسر ميلي إلى الفلسفات التي تجود بها علي عفوية هؤلاء الصغار.


وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

زينب من المغرب
07-06-2011, 02:47 AM
حملت نتيجة الاختبارات بين يدي لا تسعني الفرحة أني حصلت على المرتبة الثانية في المعهد :)... مشيت على رصيف المصرف الصحي الذي تتسارع فيه الإصلاحات على قدم وساق
ترامت إلى الذهن سنة من الصراع النفسي الرهيب... كاد يهدم البنيان... يقتل العرق النابض... يأتي على مضخة الجسد بفيروس قاتل... لا أعرف هل كانت العين تريد إنزال دمع حزن أو فرح... وقفت قدماي عن المشي رغم أن الرائحة كانت دافعي طيلة سنة بكاملها للإسراع عند هذا الممشى... هاجت ثورة من الصور... الاستفتاء ونتائجه... العمران الذي يأكل زحفه المسار نحو تدمير قريتي العزيزة... التعليم ولخبطة المصير... تذكرت اجتماعا دُعينا إليه لحضور دورة عن الإدماج وزبالات النظريات التي لملمها كزافيير من مقابر بلده. بينما كنت منشغلة بالبحث عن الملتحين بين نخبة أهل التدريس التي تملأ فضاء القاعة الكبيرة, رغبة في الاستئناس بعد أن غدا الحجاب مجرد دعاية لآخر صرعات الموضة وامتازت النخبة بالقص والإعفاء ...أقرأ عبر تعابير أدعياء الفهم والاستيعاب ذاك النور الذي اختص به أهل الرحمن... أرتجي السكينة التي تكتنفني داخل المعهد... أيقظني سؤال تلك الأستاذة التي لا أعرفها تتقن عملا أكثر من متابعة تحركاتي: عم تبحثين؟
- عن الملتحين...
انفلت الجواب مني بعفوية، وألجمتني تلك الرغبة التي تنتابني حين أقذف بكلام عشوائي فأتوقف عنده لجس نبض مقدار سوء الظن الذي قد يبلغه الآخر في حكمه علي.
- ولاَيْني رَاكُم خطار يا صحابين الإرهاب – قالت –
- على قدر ما تستدعيه الحملات الانتخابية في أمريكا يا عزيزتي.
علمت أن الجملة ستمنحني راحة ما بين الشوطين. فحملت الورقة لأدون جملة قالها ذاك الفرنسي، تصدعت لمسمعها طبلة أذني- لطول عهدي بها بين دفات الكتب فقط-: " لأنني أعطي الحرية للطفل في التعبير فهذا سيعطيه القدرة للحديث بحرية مستقبلا" كتبتها وأنا أبتسم، أجل صدقني إنني أبتسم لهذا الجهبذ الذي يلقننا معشر المسلمين، تساءلت في قرارة نفسي « وماذا لو تعلم الحرية في الصغر وأصبحت نقشا على مياه المحيط في الكبر؟
لماذا نحرقه بتطوير هذه الطاقة في التعبير إن كان مصيرها إعاقة مستدامة في الكبر؟ »
عدت على صوت ذاك النصراني وهو يمشي بخطوات واثقة في الصالة ويقول : " يجب أن نمنح الطفل الحب فالمدرس مواطن مسؤول وخالق"
ما شاء الله على أغاني أم كلثوم على الأقل لن تجدها عند الفرق الغنائية في بلدنا التي ما رفعت عودها يوما إلى لتبكي على سفينة لا تدري إلى أين رواحها، ولا زالت لا تستقر على مرفأ يريحنا من لغط هؤلاء القوم.
عادت زميلتي إلى فضولها: ماذا تكتبين؟؟
قلبت الورقة وسطرت جملة: "بقدر ما كانت أحلامي شاهقة بالقدر الذي هوت فيه من أعلى جبل واصطدمت بالصخور لتستقر في هوة سحيقة وأتعلم بعدها أن الأحلام لا وسط فيها إما قمة أو هوة"
أريتها الورقة في ادعاء أنني ألتزم الصمت احتراما للوافد علينا ببحر العلم
- وما علاقة هذا الذي كتبت بما يقوله ذاك؟؟
- هل تريدين ملخصي لما يقول، حسنا
وكتبت في الجهة الأخرى من الصفحة بخط عريض : "!! N’importe quoi "
ضمنت أنها ستتركني في سلام لعدم وجود فرصة تدخلني في نقاش حول تأخر علمنا أمام تقدم علمهم، وهرطقات المدّعين للإعجاب بالتعليم وفق دستور الإدماج الجديد
رغم أنني لا زلت أنتظر جوابها على سؤالي: هل تقارنين وزارة تربية ثم تعليم بوزارات تعليمية محضة ولتذهب التربية للجحيم؟؟
انتهت الصباحية العطرة بعبارات :
« اللغة هي وسيلة يجب أن تستعمل بطريقة صحيحة ضمانا للفهم المناسب »
- أترك التعليق طبعا لك على هذه-
وشعارات كثيرة إفادتها الوحيدة أنني ضيعت حبرا في كتابتها على ورقة لن أجد مسرحا لها في وطني بما أننا ركنّا يمينا عند زحف التغيير.
وانطلقنا لقاعة الإفطار الذي كان أجمل ما فيه أنه على حساب الميزانية الضخمة التي خصصتها الدولة لخطتها الاستعجالية لإصلاح التعليم.
ولا تحدثني عن معنى الإصلاح الذي لم أدرك ماهيته إلا وأنا أصحح أوراق امتحان التلاميذ ومدير مؤسسة يقول لي: لا نريد رسوب. ومديرة تخبرني أن المعدلات لن تدخل الملفات إلا بعد التعديلات التي تجريها النيابة المحروسة.
كدت أنسى لم أنا هنا ، فقط لأنني أردت الوفاء بعهدي لشكر الوزارة على اهتمامها بإصلاح المصرف الصحي المقابل لمسجد السوريين، وبالأهمية القصوى التي أصبحت توليها للأقاليم الشمالية ما يجعلنا في لعن مستمر لهذه التنمية التي تلوح أفاقها الطامسة لأصولنا من قريب، والتي تبشر بيوم نُستغبى فيه وغد نُستحمر فيه ولا من يستفيق.

واستأنفتُ المسير...