المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا يعني سكوت العلماء عند الفتن؟!



مالك مناع
02-18-2011, 04:22 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

التكليف بالواجبات الشرعيّة العلميّة والعمليّة مشروط بالممكن من العلم والقدرة؛ لهذا يتعيَّن حَملُ كلام العلماء الربانيّين أو سكوتهم على أفضل الوجوه؛ لا سيَّما توقفهم وسكوتهم في حال التمكّن والاشتباه؛ فممَّا تقرر في الشريعة: (جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة والتمكّن)، و(ما كلُّ حديث تحدَّث به العامّة)، و(من المسائل مسائل جوابها السكوت).

فالعالم ينظر إلى المآلات والعواقب، فيمسك عن الكلام -أحياناً- خشية الفتنة؛ كما قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه-: ((ما أنت بمحدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)) (1)؛ ويُراعي -أيضاً- ضابط المصلحة، ومراعاة الأولويات، فهو في كلامه وسكوته يمر بمراحل ثلاث:

الأولى: هل الأولى السكوت، أو الأولى الكلام؟

الثانية: ثم هل الكلام على العموم، أم الكلام على الخصوص والتعيين؟

الثالثة: عدم إهمال جانب المصالح، والنَّظر إلى المآلات.

وقد أوضح الشَّاطبي -رحمه الله- هذا الأمر -عند حديثه- على أقسام العلم: منه ما هو مطلوب النَّشر، وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال، أو وقت، أو شخص؛ فقال: ((وضابطه أنَّك تعرض مسألتك على الشَّريعة، فإن صحت في ميزانها؛ فانظر في مآلها بالنَّسبة إلى حال الزَّمان وأهله، فإنْ لم يُؤَدِّ ذكرها إلى مفسدة، فاعرضها في ذهنك على العقول (2)، فإنْ قَبِلَتْها؛ فلك أن تتكلم فيها: إمّا على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإمّا على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغُ؛ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعيّة والعقليّة)) (3) ا. هـ.

والمقصود: أن العالم الرباني تتعدد أجوبته بحسب نوع المسألة أو النَّازلة، وبحسب حال السائل، فتارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة ثالثة يسكت ويتوقف، وفي الصورة الأخيرة يقال: إن سكوت العلماء الربانيين الذين لهم لسان صدق في الأمَّة، وموافقة للسُّنّة المحضة في مواضع الفتن والاشتباه يعدُّ قرينة على أنَّه لا يصلح الجواب إلا بالسكوت، فسكوتهم جواب لبيان الحال وما آلت إليه الأحوال؛ فمن المسائل مسائل جوابها السكوت، والمقصود هو تحصيل الخير ودفع الشر، والخوض في حال الفتن واشتباه الأمور لا فائدة منه -في الغالب-؛ بل هو يزيد الشر وينقص الخير، ويضيّع رأس المال في دائرة السعي إلى الأرباح، فما دام أنه ناقض مقصود الشريعة، فتركه هو المقصود.

وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذا الأمر بياناً شافياً؛ فقال: ((فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة؛ كالأمر بالصلاح الخالص، أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح بحسب الإمكان، فأمّا إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكفّ والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء، حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التّمكن؛ كما أخر الله -سبحانه- إنزال الآيات، وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيانها)) (4) .

فظهر - من هذا- أن من أوجه جواب العالم: السُّكوت، والعالم لا يسكت إلا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان السكوت هو الأصلح؛ فيقال: -آنذاك-: ((من المسائل مسائل جوابها السكوت)).

الحالة الثانيّة: أن يسكت العالم لعدم تمكنه من العلم بالمسألة أو النازلة؛ لا سيَّما إذا كانت من المباحث الجزئيّة الدّقيقة، أو أحياناً لعدم قدرته على الحق المشروع، وهو فيه معذور؛ وآنذاك يقال: ((لا ينسب إلى ساكت جواب)) .

والقول: إن سكوت العلماء في مواضع الفتن والملاحم (5) يعدُّ جواباً محرراً وقولاً محققاً، يحتاج إلى تأصيل وتعليل وتفصيل؛ لإنزال هذه القاعدة في محلها؛ لذلك احتاج المقام إلى بيان بعض الأمور:

الأمر الأول: أن العالم غالباً ما يُحذِّر ويتكلم عند إقبال الفتنة وقبل وقوعها؛ فإذا وقعت عجز عن الكلام وأمسك عن الخوض فيها(6) ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء عن دفع السفهاء، فصار الأكابر -رضي الله عنهم- عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن، كما قال -تعالى-: ((وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الأنفال:25]، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله)) (7) اهـ.

فالعالم يتكلم قبل وقوع الفتنة؛ فإذا وقعت سكت وأمسك؛ فهو يتحسَّس أسبابها قبل الوقوع، ويتفرس رجالها قبل الشروع، ويتبصَّر مقدماتها قبل فوات الأوان؛ بخلاف غير العالم الذي لا ينشط إلا بعد وقوع الفتنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((فلما قتل -رضي الله عنه- [أي: عثمان] تفرقت القلوب، وعظمت الكروب، وظهرت الأشرار، وذلَّ الأخيار، وسعى في الفتنة مَن كان عاجزاً عنها، وعجز عن الخير والصلاح من كان يحبُّ إقامته)) (8) .

الأمر الثاني: أنه إذا لم يكن للأمر والنَّهي مواضع قبول، وآذان صاغيّة عند المخاطبين؛ بل الضد من ذلك؛ فأنذاك يكون الكفُّ والإمساك عن الأمر والنَّهي هو الأصلح، ويشتغل المسلم بالممكن المستطاع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا رأيت شحَّاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوام)) (9).

الأمر الثالث: أن هذه القاعدة تتنزَّل عند تداخل الخير بالشر، والمنكر بالمعروف، والمصلحة بالمفسدة بالنسبة لبعض الأمور الجزئية المعيّنة؛ فتكون مصلحة السكوت راجحة على مصلحة الكلام؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عند كلامه على مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ((فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح أمر ولا نهي؛ حيث كان المعروف والمنكر متلازمين؛ وذلك في الأمور المعيّنة الواقعة)) (10).

الأمر الرابع: ثم إنَّ العالم قد ينوِّع الجواب بحسب الحال فقد يتكلم مع طائفة ويسكت مع أخرى؛ لأن السكوت مع الأخيرة هو الأنفع والأصلح لها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((فإذا كان العلم (بهذه المسائل) قد يكون نافعاً وقد يكون ضاراً لبعض النّاس، تبيَّن لك أنَّ القول قد ينكَر في حال دون حال، ومع شخص دون شخص، وأن العالم قد يقول القولين الصوابين، كلّ قول مع قوم؛ لأنّ ذلك هو الذي ينفعهم؛ مع أن القولين صحيحان لا منافاة بينهما؛ لكن قد يكون قولهما جميعاً فيه ضرر على الطائفتين؛ فلا يجمعهما إلا لمن لا يضره الجمع)) (11) .

الأمر الخامس: فإن سكوت العالم -أحياناً- يكون مناسباً عندما تتسيّس الآراء والمواقف، وتتحزّب الرجال على غير هدى من الله، وعندما ينطق الرويبضة، وعندما يحرص أهل الضلالة على تحجير دور العلماء، وعندما يكون مدار المنازعات على حظوظ دنيويّة وأغراض نفسيّة، فآنذاك يُعلم الفرق بين سكوت بعض العلماء وثرثرة كثيرٍ مِن الجهال.

وإذا تقرر أنَّ السكوت: -أحياناً- يكون جواباً؛ ففرق بين السكوت الراجح، والتعطيل للعلم والدعوة، والعزلة المذمومة التي تفوِّت على الناس مصالحهم ودينهم وعقيدتهم؛ فالعالم إذا سكت عن مسألة معيّنة لمصلحة راجحة؛ فهو قد اشتغل بغيرها -تعليماً وتصنيفاً-؛ فانتقل من المفضول إلى الفاضل؛ بعد إذ أدرك أن القيام بوظائف العبوديّة -ظاهراً وباطناً-، وإحياء السنن النبويّة، والتطبب بالأدوية القرآنيّة، والتَّفقه على الآثار السلفيّة، فيه الغنية عن الخوض في الأمور المشتبه؛ والتَّعلق بالمصالح المظنونة.

وبهذا يتبين أن السكوت -أحياناً- من صور الجواب الحكيم، فالموفق -في الفتن- يحسن الظن بالعلماء، ويعتبرهم من وسائل حفظ الشريعة، وهو لا يسأل عن مشروعيّة سكوتهم؛ بل يسألُ: لماذا سكتوا؟ ففرق بين السؤال عن مشروعيّة الفعل، وبين السؤال عن حكمة الفعل....

والحمد لله ربِّ العالمين.

--------------------------------------------

(1) رواه مسلم.

(2) أي: العقول المحكومة بالفطرة الصحيحة والشرعة المنزّلة.

(3) ((الموافقات)) (5/172)، تحقيق الشيخ مشهور حسن.

(4) ((المجموع)) (20/58-59).

(5) الفتن: ما يقع بين المسلمين من حروب واشتباه، أما الملاحم: فهي الحروب التي تقع بين المسلمين والكفار.

(6) فاللغة السائدة في الفتنة هي لغة الجهل والظلم، لا لغة العلم والعدل.

(7) ((منهاج السنّة)) (4/343).

(8) ((المجموع)) (25/304) فتأمل كلامه يا رعاك الله.

(9) رواه الترمذي (3058) وأبو داود (4341)، وابن ماجه (4014)، عن أبي ثعلبة الخُشني.

(10) ((المجموع)) (28/130).

(11) ((المجموع)) (6/59-60).

أبو المظفر السناري
02-18-2011, 05:47 PM
بارك الله فيك يا أخ مالك. فبحثك حسن جيد.
وقد حفظنا عن بعض مشيخة أهل السنة قوله: ( أفقه الفقهاء في الفتنة من يصمت ).
إنما السبيل على كل متكلم لا يعد لكلامه بين يدي الله جوابًا حين مساءلته؟
وبعد كل هذا: ترى من يلغ بلسانه في أعراض جماعة من الكبار ممن لم يُسْمَع لهم صوت في الفتن الماضية؛ ويرميهم بكونهم ممن رضوا بأن يكونوا مع الخوالف؟ ومع علم أنه الذي مال عن الصراط وجانف.
وفي مقابل هؤلاء: ترى من يصف المتكلمين من أهل السنة في الفتنة بكل قبيح، وأنهم من دعاة الخوارج الداعين بين الناس بالتهريش والتجريح!
وكلا الطائفتين عن منهج الاعتدال مائل، وعن جادة أهل الإنصاف عاطل.
هذا الشيخ الفاضل محمد حسان :كان من المتكلمين في الأحداث الغابرة ولا يزال، وعندما سئل عن الساكتين فيها؛ ذكرهم بكل جميل؛ لسابق علمه أن أكثرهم علماء أهل السنة في كل دَبِير وقَبِيل.
وهذا الشيخ المحدث أبو إسحاق الحويني: كان من الساكتين في تلك الفتنة السابقة، وعندما سئل عن مواقف الشيخ محمد حسان لم يحمد صنيعه؛ إلا أنه أثنى على الشيخ بما هو أهله.
فأخبرني أخي وصاحبي: عبد الكريم بن إبراهيم النيجيري أن أحد الأصحاب أخبره أنه سأل الشيخ المحدث أبا إسحاق الحويني عن كلام الشيخ محمد حسان في تأييده لتلك الثورة المصرية، وخروجه مع من خرجوا فيها، والنفاح عنها ودونها، فقال له: ( قد اجتهد الشيخ - يعني ابن حسان - فأخطأ ).
قلت: وهذا جواب مُنْصِف.
وهكذا نقول في كل من أيِّد تلك الثورة من العلماء المعاصرين، نقول: هؤلاء أخطأوا وما أصابوا.
غير أنا لا نتخذ من هفواتهم وليجة على الطعن فيهم، وإسقاطهم أرضًا؛ بدعوى أنهم يوافقون الخوارج في بعض كلامهم! فإن هذا من الظلم الذي يأباه الله والمؤمنون.
هذا ما أردتُ تبيانه من تلكم الكلمات هنا، ولا أريد أن أخوض في جدال حميد أو سقيم؛ تلبية لما التمسه منا بعض الأحباب.
وإنما هي كلمات دعاني داعي الإنصاف إليها، ونادى بي منادي الانتصاف فأقبلتُ عليها.

أبو المظفر السناري
02-18-2011, 11:57 PM
منذ قليل جاءتني رسالة على الخاص من الأخت الفاضلة ( زينب من المغرب ) تقول فيها: (لماذا انقسم العلماء بين مأيد للثورات وبين صامت عنها ولم نجد بينهما ثالث يشرح وجهة نظر الطرفين دون إفراط ولا تفريط؟
هو ليس سؤال أريد منه جوابا أحس فيه نبرة سوء ظن بي كسائلة
ولكن هو سؤال مَن لسان حاله يقول ليطمئن قلبي(ذلك الإطمئنان الذي طلبه إبراهيم عليه السلام ليس شاكا في قدرة ربه) وأزيد فهما وتفقها بمواقف علماء عصري).
فجاء جوابي عليها كالتالي:

الحقيقة: أن موقف العلماء من تلك الفتنة - وهذا هو الاسم الصحيح لها - كان متباينًا بتباين اجتهادهم.
1- فطائفة: صرَّحت من أول يوم بأن تلك الثورة وما قبلها وبعدها إنما هي فتنة يجب على الجميع التنكب عنها وعدم تأجيج نيرانها، ويحرم على من خرج فيها مندِّدًا للحاكم بتلك الصورة التي شاهدها الجميع.
وهذه الطائفة: هي أكثر علماء أهل السنة في هذا الزمان، منهم من أهل مصر: مشايخ الأسكندرية: إسماعيل المقدم وسعيد رسلان وياسر برهامي وجماعة آخرون، وكذا منهم أبو إسحاق الحويني وآخرون.
ثم انبثقتْ من تلك الطائفة: جماعة تبّدِّع من خالفها الرأى! وترى كل من شارك في الثورة أو دعا إليها: ليس على منهج أهل السنة!
2- والطائفة الثانية: رأت أن هذه الثورة ثورة مشروعة، وأنها ليست من بابة الخروج على الحاكم في شيء! بل أمر هي بمعروف ونهيٌّ عن منكر، وكلاهما واجب عند أهل السنة، وأنه يجب على كل مسلم أن يشارك فيها، دون تخريب أو إفساد في الأرض.
وهذه الطائفة: هم جماعة من أهل السنة في مشارك الأرض ومغاربها. منهم فقيه القاهرة الشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ الفاضل محمد حسان، والشيخ نشأت أحمد وجماعة كثيرة غيرهم.
ثم انشقت عن تلك الطائفة: جماعة جعلتْ تذم كل من تخلَّف عن المشاركة في هذه الثورة بالقول أو العمل، وجعلتْ تغمز في مخالفيهم بكونهم من الخوالف، الذين رضوا لأنفسهم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
قلت: وهذه الطوائف كلها معدودة من أهل السنة إن شاء الله، والذي دعاهم إلى هذا التباين في مواقفهم: هو اختلاف موارد الأدلة الشرعية الواردة إزاء دور العلماء والعامة عند نزول الفتن، مع اختلاف مواقف السلف الصالح أنفسهم في أمثال تلك الفتن في عصورهم.
ولا شك في أن هؤلاء جميعًا: أهل علم وفضل ودين. ولا يخروجون بهذا الاختلاف من دائرة أهل السنة.
لكن أقربهم إلى الحق والعدل: هو من ترك تجرح مخالفه فيما ذهب إليه، وعوَّل عليه، لأن الجميع يستند في دعواه إلى قال الله والرسول والصحابة.
وهذا الحق والعدل: من تأمله وجد أنه ليس فيه تفريط ولا إفراط قط!
وبرهان ذلك: أن الصحابة - وهم أشرف قوم على وجه البسيطة - كان قد وقع بينهم الاختلاف نحو ما نحن فيه، فما علمنا أحدهم بدَّع أخاه، ولا ذمَّ صاحبه. لأنهم يعلمون يقينًا أنه لا حجر على مجتهد فيما يراه صوابًا عنده، وإن كان في نظر الآخر مخطئًا!
وعندما وقعت الفتن المظلمة بين أصحاب الرسول، انقسم بهم الأمر إلى ثلاث طوائف.
1- طائفة: انضمت إلى جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وهي التي كان الحق معها.
2- وطائفة: انضمت إلى جيوش مولانا معاوية بن أبي سفيان ومن كان معه. وهي الطائفة المخطئة.
3- وطائفة: اعتزلت الطائفتين السابقتين، ولزموا بيوتهم، وخافوا على أنفسهم من الانجرف إلى ما نهى الله ورسوله عنه. ورأو أن السلامة في السكوت. وأن كل حي مسئول بعد أن يموت.
وعلى رأس تلك الطائفة: كان عبد الله بن عمر وأبو هريرة وسعد بن أبي وقاص وجماعة من صفوة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع هذا الافتراق والانقسام: فلم نعلم أن علي بن أبي طالب اتهم معاوية وعائشة والزبير ومن معهم بكونهم فسقة ظالمين! أو جهلة خارجين! وإنها كان يراهم مخطئين وحسب، مع شهادته لهم بالفضل والدين والعلم.
ولذلك: ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول: ( إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين ). أخرجه الطبري وغيره.
قلت: وهكذا كان معاوية وعائشة والزبير وطلحة ومن معهم - رضي الله عن الجميع- كلهم يشهدون لعلي بن أبي طالب ومن معه بالفضل والدين والعلم والإيمان والمعرفة. وقد ورد عن بعضهم كلمات مشهورة في الثناء عليه.
[وكذا ما علمنا أن أحدًا من ذينك الطائفتين قد تكلم في الطائفة الساكتة بنفاق ولا جبن ولا فسولة أصلا]!
فإذا تأمَّلَتْ أختُنا زينبُ- بارك الله فيها- موقفَ الصحابة ومن تابعهم: علمتْ وأيقنتْ أنه لا تفريط بين هؤلاء القوم ولا إفراط، وأنهم كلهم على جادة الإسلام والإيمان.
ولا يخالف هذا: أن يكون منهم المصيب والمخطيء والساكت، فالجميع قد أرضى ربه بحسب اجتهاده الذي فرضه الله عليه.
نعم: قد يتجاوز البعض فيتعد الحد في تجريح أخيه مثلا! وهذا الأصل فيه أنه لا يكون عن عصبية أو غلبة هوى إن شاء الله، بل ربما يكون عن خبر وصل المخالف عن أخيه فحكم عليه اتكاءً على ما انتهى إليه علمه، وكلا الرجلين قد يكون معذورًا فيما يقول، والله يسامح المفرط والمفرط منهم إذا كان لا يتكلم بالهوى.
وفي هذا المقام بسط بأكثر مما سبق. ويكفي ما سطرناه إن شاء الله.

مالك مناع
02-20-2011, 03:58 PM
بارك الله فيك أخي على تعليقاتك النافعة.