احمد الدهشورى
02-24-2011, 09:33 PM
فكرت فى وضع رؤيته حول هذا الحزب للاستفادة من تعليقات الإخوة الأفاضل حول هذا الحزب، الذى أرشحه بجانب الإخوان ،لدخول السلفيين من خلاله إلى عالم السياسة، ومناقشة الدخن الموجود فى كل برنامج من برامج الأحزاب، ومازلنا فى انتظار برنامج حزب الحرية والعدالة (حزب الإخوان).
المقال :
مع منتصف القرن التاسع عشر تبلورت المنظومة الحضارية الغربية برؤيتها للعالم وللآخر وللذات . وتنطلق هذه الرؤية من أن العالم في جوهره مادة ، وأن ما يحكمها هو قانون الحركة المادية ، وأن ما هو غير مادي ليس بجوهري ولا يمكن أن يؤخذ في الاعتبار حينما ندير شئون دنيانا ومجتمعنا ، وأنه لا يوجد شيء ثابت في الكون ، بما في ذلك الطبيعة البشرية ، فكل شيء يتغير بشكل دانم . في هذا الإطار أصبح العالم منفصلا عن القيمة ، بمعنى أنه لا يوجد معايير إنسانية أو أخلاقية أو دينية، وحتى لو وجدت مثل هذه المعايير فهي ستتغير لا محالة ، كما أنما غير مادية ، وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ في الحسبان . كل هذا يعني استحالة الحكم على سلوك الأفراد أو الجماعات أو على الظواهر الاجتماعية . ومع غياب المعايير غابت المرجعية الإنسانية ، وظهرت العنصرية والفلسفة الداروينية التي جعلت من القوة المعيار الوحيد للحكم والآلية الوحيدة لحسم الخلافات . في هذا الإطار ولد التشكيل الاستعماري الغربي ، وانطلاقا من الرؤية المادية ، تحددت الإستراتيجية الغربية تجاه بقية العالم على نحو بسيط ، وهو أن العالم مادة استعمالية (مصدر للمواد الخام – العمالة الرخيصة – الأسواق المضمونة) يمكن للجنس الأبيض أن يوظفها لحسابه باعتباره الجنس الأرقى ، أي الأقوى . وفي هذا الإطار تحركت جيوش أوروبا ثم الولايات المتحدة واقتسمت العالم فيما بينها وحولته إلى مناطق نفوذ وفرضت رؤيتها على العالم بأسره ، التي يمكن أن نلخص سماتها الأساسية فيما يلي :
1.الصراع هو أساس العلاقة بين الدول ، وبين الدولة والفرد ، وبين الإنسان وأخيه الإنسان ، أي أن ما ساد هو رؤية ماكيافللي وهوبز للإنسان (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان) والتي طورها داروين واستفاد منها ماركس ، وهي الرؤية التي سيطرت على العلاقات الدولية والإنسانية ، وعلى اقتصاديات السوق ، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي .
2.ظهرت فكرة الدولة القومية التي تركز كل السلطات في يدها حتى يمكنها تجنيد كل عناصر المجتمع في خدمتها وحتى يمكنها أن تصوغ المواطن حسب قوالب محددة تضمن ولاءه الكامل ، الأمر الذي أدى إلى إضعاف المجتمح المدني وتهميشه .
3.ظهر الفكر القومي المتطرف (الشوفيني) وهو فكر ليس له مرجعية إنسانية أو أخلاقية . والانتماء القومي في هذا الإطار يعطي صاحبه حقوقا مطلقة ، فلو قرر أعضاء قومية ما أو عرق ما أن من حقهم ضم هذه الأراضي أو طرد هذا الشعب أو حتى إبادته (كما حدث في أمريكا الشمالية وفي ألمانيا النازية وإسرائيل الصهيونية) فهو حق لا يمكن لأحد أن يعترض عليه ، وهو حكم لايمكن استئنافه .
4.أفرز هذا الإطار الفكري والمرجعي فكرا عنصريا كريها قسم العالم إلى عالم غربي متقدم وعالم غير غربي متخلف .
5.نتيجة لرؤيتها العنصرية حولت المجتمعات الغربية الديمقراطية من كونها مثلا إنسانيا أعلى وإطارا مرجعيا إلى مجموعة إجراءات تطبقها في إدارة مجتمعاتها ، أما بالنسبة للعالم الثالث "المتخلف" فالديمقراطية غير صالحة له .
6.مما زاد من حدة الصراع وشراهة الدول الاستعمارية أن التقدم رُبط بمعدلات الإنتاج والاستهلاك (وهذا أمر منطقي في الإطار المادي المنفصل عن القيمة) خاصة وأن الافتراض الذي ساد هو أن المصادر الطبيعية لا تنفد . وفي هذا الإطار نسيت قيم إنسانية أساسية مثل العدل والمساواة والتوازن والطمأنينة والحفاظ على البيئة .
هذا هو الإطار العام للمنظومة الحضارية الغربية التي يتحرك العالم بأسره – عن وعي أو عن غير وعي – من خلالها . وقد قامت محاولات عدة للتصدي لها من أهمها التجربة الاشترا كية التي حاولت ، على مستوى من المستويات ، أن تؤكد بعض القيم الإنسانية مثل العدل ، وحاولت أن تستعيد البعد الانساني لحركة المجتمع ، وأن تؤنسن فكرة التقدم . ولكن التجربة الاشتراكية استوعبت تدريجيا في المنظومة الحضارية الغربية (ربما بسبب مرجعيتها الفلسفية المادية) وأصبح هدفها هو زيادة الانتاج لزيادة الاستهلاك ، وأصبح اللحاق بالغرب هو الهدف النهائي .
أما المحاولة الأخرى الهامة للتصدي للمنظومة الحضارية الغربية فهي حركات التحرر الوطني والتي واجهت الاستعمار وحاربت قواته حتى استقلت كل الدول المستعمرة وصفيت كل الجيوب الاستيطانية (باستثناء إسرائيل وجنوب إفريقيا) . ولكن رغم نجاحها هذا فإن حركات التحرر الوطني تبنت هي الأخرى كثيرا من مقولات المنظومة الحضارية الغربية مثل أن الغرب هو قمة التقدم ، وأن اللحاق به هو حل لكل مشاكلنا وإشكالياتنا ، وعرف التقدم بأنه الإنتاج والاستهلاك ، وتبنت النخب الحاكمة مفهوم الدولة المركزية القومية التي تركز كل السلطات والصلاحيات في يدها (أي في يد النخب الحاكمة التي تديرها) وعرفت المواطنة بأنها الولاء الكامل لهذه الدولة . ولم يكن عند هذه النخب إدراك لمدى تركيبية الدولة الحديثة ، ولذا كان التصور السائد أنه يمكن إدارة الدولة من خلال نخبة صغيرة يقودها الزعيم أو الحزب الواحد . كما أن كثيرا من هذه الدول ، رغبة منها في تحقيق نمو اقتصادي معقول في أقصر وقت ممكن ، أجهضت كثيرا من الإجراءات الديمقراطية وتبنت الأسلوب السوفيتي في إدارة الدولة من حزب واحد إلى بيروقراطية أخطبوطية تسيطر على جوانب الحياة إلى مؤسسات أمنية قضت على أصوات المعارضة وأسقطت مبدأ تداول السلطة لا على مستوى رئاسة الدولة وحسب وإنما على جميع المستويات ، الأمر الذي أدى إلى تكلس النخب الحاكمة وعدم تجديدها من خلال ضم العناصر الصالحة من الأجيال الجديدة ، الذي أدى بدوره إلى نمو جماعات المصالح التي تخدم مصالحها دون مصالح الوطن . ويلاحظ أن جميع الاتجاهات السياسية (الماركسيون والإسلاميون والليبراليون) تبنت هذه المقولات بدرجات متفاوتة .
هذه كانت الصورة العامة في معظم بلدان العالم ومن بينها مصر ، ولكن حدثت تغيرات كثيرة على المستوى العالمي والمستوي المحلي :
1.كانت الدولة المركزية تحتكر المعلومات ، فتذيع ما يخدم رؤيتها وتحجب ما عدا ذلك . ولكن ظهر مجتمع المعلومات وتطورت الفضائيات ، الأمر الذي وفر المعلومات والتحليلات للجماهير وقد زاد هذا من وعيها ونشط الوعي النقدي عند جيل الشباب .
2.دخلت المنظومة الحضارية الغربية مرحلة الأزمة ، كما اتضح من سقوط الاتحاد السوفيتي ، وفي مظاهر التفكك في الولايات المتحدة .
3.مع تعاظم الأزمة البيئية ومع اكتشاف أن المصادر الطبيعية لا تتجدد ، بدأت تظهر في الغرب قطاعات كثيرة تدرك أن مفهوم التقدم الغربي بتركيزه على الإنتاج والاستهلاك ، وبإغفاله أي مرجعية إنسانية قد أدخلنا جميعا في ورطة كونية ، فظهرت جماعات الخضر والجماعات المعارضة للعولمة ومنظمة التجارة العالمية .
4.اكتشف الاستعمار الغربي أن المواجهة العسكرية مع قوى التحرير في العالم الثالث أصبحت باهظة التكاليف ، مما اضطره إلى اللجوء إلى وسائل مراوغة لتوظيف العالم لصالحه ، ولعل طرح فكرة النظام العالمي الجديد هو إحدى هذه الآليات .
5.مع ظهور الصين كقوة اقتصادية كبرى ، ومع بداية استيقاظ روسيا من كبوتها ، ومع تعاظم رغبة أوروبا أن تكون قوة عظمى مستقلة عن الولايات المتحدة ، ومع ظهور مراكز اقتصادية في جنوب شرق أسيا (ماليزيا – الهند – سنغافورة) ، لوحظ أن العالم أحادي القطب ، الذي ترغب الولايات المتحدة في تسييره لحسابها ، بدأ في التداعي .
6.أدرك الجميع – على المستوى المحلي – أن الدولة الحديثة مركبة للغاية ، وأن إدارتها لا يمكن أن تتم من خلال فرد أو حزب واحد أو نخبة مغلقة ، فالمطلوب هو إدارة الدولة من خلال مجموعة من المؤسسات المتخصصة .
7.بعد إخفاق النظم الحاكمة في العالم الثالث في تحقيق التنمية المرجوة ، تزايدت القناعة بأن محاكاة النموذج الغربي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي لم يعد يجدي ، وأن المطلوب هو الوصول إلى رؤية تنموية جديدة .
8.بدأ الجميع يدركون أن الديمقراطية ليست مطلبا سياسيا وحسب ، وإنما مطلب اقتصادي (ضرورة المساءلة لمنع الفساد باعتباره العائق الأكبر أمام جذب الاستثمارات ، كما أنه يشجع على الطفيلية والانصراف عن الإنتاج) ومطلب أمني (تجنيد الجماهير للتصدي لمحاولات الاعتداء على السيادة الوطنية) ومطلب ثقافي حضاري (تأكيد الهوية القومية في مقابل اتجاهات العولمة التي تريد اكتساح كل الهويات) .
9.تساقطت فكرة الدولة المركزية كما تساقطت فكرة الحزب الواحد أو الزعيم الواحد الذي يملك الحقيقة المطلقة ، وبالتالي تأكدت ضرورة ظهور دولة المؤسسات وتداول السلطة ومشاركة الجماهير إما مباشرة من خلال الانتخاب وإما من خلال مؤسسات المجتمع المدني .
.....
يتبع
المقال :
مع منتصف القرن التاسع عشر تبلورت المنظومة الحضارية الغربية برؤيتها للعالم وللآخر وللذات . وتنطلق هذه الرؤية من أن العالم في جوهره مادة ، وأن ما يحكمها هو قانون الحركة المادية ، وأن ما هو غير مادي ليس بجوهري ولا يمكن أن يؤخذ في الاعتبار حينما ندير شئون دنيانا ومجتمعنا ، وأنه لا يوجد شيء ثابت في الكون ، بما في ذلك الطبيعة البشرية ، فكل شيء يتغير بشكل دانم . في هذا الإطار أصبح العالم منفصلا عن القيمة ، بمعنى أنه لا يوجد معايير إنسانية أو أخلاقية أو دينية، وحتى لو وجدت مثل هذه المعايير فهي ستتغير لا محالة ، كما أنما غير مادية ، وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ في الحسبان . كل هذا يعني استحالة الحكم على سلوك الأفراد أو الجماعات أو على الظواهر الاجتماعية . ومع غياب المعايير غابت المرجعية الإنسانية ، وظهرت العنصرية والفلسفة الداروينية التي جعلت من القوة المعيار الوحيد للحكم والآلية الوحيدة لحسم الخلافات . في هذا الإطار ولد التشكيل الاستعماري الغربي ، وانطلاقا من الرؤية المادية ، تحددت الإستراتيجية الغربية تجاه بقية العالم على نحو بسيط ، وهو أن العالم مادة استعمالية (مصدر للمواد الخام – العمالة الرخيصة – الأسواق المضمونة) يمكن للجنس الأبيض أن يوظفها لحسابه باعتباره الجنس الأرقى ، أي الأقوى . وفي هذا الإطار تحركت جيوش أوروبا ثم الولايات المتحدة واقتسمت العالم فيما بينها وحولته إلى مناطق نفوذ وفرضت رؤيتها على العالم بأسره ، التي يمكن أن نلخص سماتها الأساسية فيما يلي :
1.الصراع هو أساس العلاقة بين الدول ، وبين الدولة والفرد ، وبين الإنسان وأخيه الإنسان ، أي أن ما ساد هو رؤية ماكيافللي وهوبز للإنسان (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان) والتي طورها داروين واستفاد منها ماركس ، وهي الرؤية التي سيطرت على العلاقات الدولية والإنسانية ، وعلى اقتصاديات السوق ، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي .
2.ظهرت فكرة الدولة القومية التي تركز كل السلطات في يدها حتى يمكنها تجنيد كل عناصر المجتمع في خدمتها وحتى يمكنها أن تصوغ المواطن حسب قوالب محددة تضمن ولاءه الكامل ، الأمر الذي أدى إلى إضعاف المجتمح المدني وتهميشه .
3.ظهر الفكر القومي المتطرف (الشوفيني) وهو فكر ليس له مرجعية إنسانية أو أخلاقية . والانتماء القومي في هذا الإطار يعطي صاحبه حقوقا مطلقة ، فلو قرر أعضاء قومية ما أو عرق ما أن من حقهم ضم هذه الأراضي أو طرد هذا الشعب أو حتى إبادته (كما حدث في أمريكا الشمالية وفي ألمانيا النازية وإسرائيل الصهيونية) فهو حق لا يمكن لأحد أن يعترض عليه ، وهو حكم لايمكن استئنافه .
4.أفرز هذا الإطار الفكري والمرجعي فكرا عنصريا كريها قسم العالم إلى عالم غربي متقدم وعالم غير غربي متخلف .
5.نتيجة لرؤيتها العنصرية حولت المجتمعات الغربية الديمقراطية من كونها مثلا إنسانيا أعلى وإطارا مرجعيا إلى مجموعة إجراءات تطبقها في إدارة مجتمعاتها ، أما بالنسبة للعالم الثالث "المتخلف" فالديمقراطية غير صالحة له .
6.مما زاد من حدة الصراع وشراهة الدول الاستعمارية أن التقدم رُبط بمعدلات الإنتاج والاستهلاك (وهذا أمر منطقي في الإطار المادي المنفصل عن القيمة) خاصة وأن الافتراض الذي ساد هو أن المصادر الطبيعية لا تنفد . وفي هذا الإطار نسيت قيم إنسانية أساسية مثل العدل والمساواة والتوازن والطمأنينة والحفاظ على البيئة .
هذا هو الإطار العام للمنظومة الحضارية الغربية التي يتحرك العالم بأسره – عن وعي أو عن غير وعي – من خلالها . وقد قامت محاولات عدة للتصدي لها من أهمها التجربة الاشترا كية التي حاولت ، على مستوى من المستويات ، أن تؤكد بعض القيم الإنسانية مثل العدل ، وحاولت أن تستعيد البعد الانساني لحركة المجتمع ، وأن تؤنسن فكرة التقدم . ولكن التجربة الاشتراكية استوعبت تدريجيا في المنظومة الحضارية الغربية (ربما بسبب مرجعيتها الفلسفية المادية) وأصبح هدفها هو زيادة الانتاج لزيادة الاستهلاك ، وأصبح اللحاق بالغرب هو الهدف النهائي .
أما المحاولة الأخرى الهامة للتصدي للمنظومة الحضارية الغربية فهي حركات التحرر الوطني والتي واجهت الاستعمار وحاربت قواته حتى استقلت كل الدول المستعمرة وصفيت كل الجيوب الاستيطانية (باستثناء إسرائيل وجنوب إفريقيا) . ولكن رغم نجاحها هذا فإن حركات التحرر الوطني تبنت هي الأخرى كثيرا من مقولات المنظومة الحضارية الغربية مثل أن الغرب هو قمة التقدم ، وأن اللحاق به هو حل لكل مشاكلنا وإشكالياتنا ، وعرف التقدم بأنه الإنتاج والاستهلاك ، وتبنت النخب الحاكمة مفهوم الدولة المركزية القومية التي تركز كل السلطات والصلاحيات في يدها (أي في يد النخب الحاكمة التي تديرها) وعرفت المواطنة بأنها الولاء الكامل لهذه الدولة . ولم يكن عند هذه النخب إدراك لمدى تركيبية الدولة الحديثة ، ولذا كان التصور السائد أنه يمكن إدارة الدولة من خلال نخبة صغيرة يقودها الزعيم أو الحزب الواحد . كما أن كثيرا من هذه الدول ، رغبة منها في تحقيق نمو اقتصادي معقول في أقصر وقت ممكن ، أجهضت كثيرا من الإجراءات الديمقراطية وتبنت الأسلوب السوفيتي في إدارة الدولة من حزب واحد إلى بيروقراطية أخطبوطية تسيطر على جوانب الحياة إلى مؤسسات أمنية قضت على أصوات المعارضة وأسقطت مبدأ تداول السلطة لا على مستوى رئاسة الدولة وحسب وإنما على جميع المستويات ، الأمر الذي أدى إلى تكلس النخب الحاكمة وعدم تجديدها من خلال ضم العناصر الصالحة من الأجيال الجديدة ، الذي أدى بدوره إلى نمو جماعات المصالح التي تخدم مصالحها دون مصالح الوطن . ويلاحظ أن جميع الاتجاهات السياسية (الماركسيون والإسلاميون والليبراليون) تبنت هذه المقولات بدرجات متفاوتة .
هذه كانت الصورة العامة في معظم بلدان العالم ومن بينها مصر ، ولكن حدثت تغيرات كثيرة على المستوى العالمي والمستوي المحلي :
1.كانت الدولة المركزية تحتكر المعلومات ، فتذيع ما يخدم رؤيتها وتحجب ما عدا ذلك . ولكن ظهر مجتمع المعلومات وتطورت الفضائيات ، الأمر الذي وفر المعلومات والتحليلات للجماهير وقد زاد هذا من وعيها ونشط الوعي النقدي عند جيل الشباب .
2.دخلت المنظومة الحضارية الغربية مرحلة الأزمة ، كما اتضح من سقوط الاتحاد السوفيتي ، وفي مظاهر التفكك في الولايات المتحدة .
3.مع تعاظم الأزمة البيئية ومع اكتشاف أن المصادر الطبيعية لا تتجدد ، بدأت تظهر في الغرب قطاعات كثيرة تدرك أن مفهوم التقدم الغربي بتركيزه على الإنتاج والاستهلاك ، وبإغفاله أي مرجعية إنسانية قد أدخلنا جميعا في ورطة كونية ، فظهرت جماعات الخضر والجماعات المعارضة للعولمة ومنظمة التجارة العالمية .
4.اكتشف الاستعمار الغربي أن المواجهة العسكرية مع قوى التحرير في العالم الثالث أصبحت باهظة التكاليف ، مما اضطره إلى اللجوء إلى وسائل مراوغة لتوظيف العالم لصالحه ، ولعل طرح فكرة النظام العالمي الجديد هو إحدى هذه الآليات .
5.مع ظهور الصين كقوة اقتصادية كبرى ، ومع بداية استيقاظ روسيا من كبوتها ، ومع تعاظم رغبة أوروبا أن تكون قوة عظمى مستقلة عن الولايات المتحدة ، ومع ظهور مراكز اقتصادية في جنوب شرق أسيا (ماليزيا – الهند – سنغافورة) ، لوحظ أن العالم أحادي القطب ، الذي ترغب الولايات المتحدة في تسييره لحسابها ، بدأ في التداعي .
6.أدرك الجميع – على المستوى المحلي – أن الدولة الحديثة مركبة للغاية ، وأن إدارتها لا يمكن أن تتم من خلال فرد أو حزب واحد أو نخبة مغلقة ، فالمطلوب هو إدارة الدولة من خلال مجموعة من المؤسسات المتخصصة .
7.بعد إخفاق النظم الحاكمة في العالم الثالث في تحقيق التنمية المرجوة ، تزايدت القناعة بأن محاكاة النموذج الغربي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي لم يعد يجدي ، وأن المطلوب هو الوصول إلى رؤية تنموية جديدة .
8.بدأ الجميع يدركون أن الديمقراطية ليست مطلبا سياسيا وحسب ، وإنما مطلب اقتصادي (ضرورة المساءلة لمنع الفساد باعتباره العائق الأكبر أمام جذب الاستثمارات ، كما أنه يشجع على الطفيلية والانصراف عن الإنتاج) ومطلب أمني (تجنيد الجماهير للتصدي لمحاولات الاعتداء على السيادة الوطنية) ومطلب ثقافي حضاري (تأكيد الهوية القومية في مقابل اتجاهات العولمة التي تريد اكتساح كل الهويات) .
9.تساقطت فكرة الدولة المركزية كما تساقطت فكرة الحزب الواحد أو الزعيم الواحد الذي يملك الحقيقة المطلقة ، وبالتالي تأكدت ضرورة ظهور دولة المؤسسات وتداول السلطة ومشاركة الجماهير إما مباشرة من خلال الانتخاب وإما من خلال مؤسسات المجتمع المدني .
.....
يتبع