المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة في تصحيح حديث ( وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك ).



أبو المظفر السناري
02-27-2011, 12:16 AM
هذه كلمة حديثية حول تصحيح حديث حذيفة المشهور مرفوعًا: ( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ).
فقد نشأ من القوم نَبَغةٌ جزموا بضعف تلك الجملة البتة! وبالغ بعضهم وقال بنكارتها! وليس لهم في ذلك سلف صالح البتة! والذين تكلموا في تلك الجملة من المتقدمين إنما قصدوا طريق مسلم إليها وحسب، فإنه معلول على التحقيق.
ولم أتطرَّق في هذا المقام إلى التحدث حول دلالة هذا الحديث الشريف، ولا أرغب لأحد قط أن يتحدث حولها إيجابًا أو سلبًا.
إنما كلمتي هنا: حديثية محضة في بيان صحة تلك الجملة رغم محاولات كل من حاول النيل من ثبوتها البتة!
فمن أراد مناقشتي في هذه الحيثية فله ذلك، بل وحبذا الخوض معه في غمار تلك المسالك.
وحديث حذيفة هذا: هو ما أخرجه أبو الحسين ابن الحجاج الحافظ في ( صحيحه ) من طريق يَحْيَى بن حسان حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِي ابْنَ سَلاَّمٍ -حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلاَّمٍ- عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ ممطور الحبشي، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: ( يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ ، فَنَحْنُ فِيهِ ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : كَيْفَ ؟ قَالَ : يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ ، وَأُخِذَ مَالُكَ ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ).
فهذه الجملة في آخر الحديث: (وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ ، وَأُخِذَ مَالُكَ ) لم نعلم أحدًا من الأئمة المتقدمين قد ضعفها البتة! وإنما تكلم فيها من تكلم بخصوص رواية مسلم فقط.
لكن أبَا الشيخ يوسف القرضاوي إلا أن ينال منها! ويشتط في تضعييفها! إعمالا لقاعدة إهدار صحاح الأخبار إذا صادمت ما تقرر في قرائح الناقدين! تلك القاعدة التي ورثها عن شيخه محمد الغزالي، وتلقفها جماعة من العقلانيين والعصرانيين الذين عمدوا إلى إبطال جملة من أحاديث ( الشيخين ) بدعوى مخالفتها للعقل والواقع! والأمثلة في هذا الصدد كثيرة.
ومن آخرها عند الشيخ القرضاوي حديث ابن عمر مرفوعًا: ( بعثتُ بالسيف بين يدي الساعة )!
ومنذ أيام عمد الشيخ إلى تضعييف حديثنا هنا: ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )، استنادًا إلى ما ثبت في القرآن الكريم من تلك الآيات الصريحة في تحريم الظلم! مع ما تقرر في عموميات الشريعة في ذلك.
مع أن أئمة السلف وكبار المحدثين: ما كانت تلك خطتهم في إعلال الأحاديث والأخبار، بل كانوا يتهيبون جدًا التعرض لتكذيب حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلا بتلك البراهين الواضحات مما دونها شمس النهار!
ولكن: من تكلم في غير فنه أتى بكل عجيب وغريب! وأكثر بل غالب الذين ضعفوا هذا الحديث من المعاصرين ليس لهم في الصنعة الحديثية فتيل ولا قطمير؛ ويدلك على ذلك كلامهم فيها بالمنطوق والمفهوم.
وقد كان إمام الأئمة أبو بكر ابن خزيمة ينكر أن يكون ثمة حديثان صحيحان متناقضين؟ وقبله كان أبو محمد ابن عيينة ينكر ذلك أيضًا، وذلك لسعة دائرة حفظهما بوجوه الجمع بين ما ظاهره التعارض من الأخبار.
أما في تلك الأعصار المتأخرة: فقد بُلِينا بِنَشْوٍ جلُّ همهم إسقاط الثابت من الآثار النبوية بمجرد مخالفتها لما تُمْليه عليهم عقولهم وأذواقهم وحسب! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبعد اللُّتيَّا والتي: نعود إلى الكلام على حديث حذيفة السابق فنقول:
قد أعل أبو الحسن ابن مهدي البغدادي هذا الطريق الماضي بكون أبي سلام لم يسمع من حذيفة بن اليمان! فقال: (هذا عندي مرسل لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة ). وهو كما قال.
لكن: تعقبه أبو زكريا النواوي بقوله: ( وهو كما قال الدارقطني لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول وإنما أتى مسلم بهذا متابعة كما ترى، وقد قدمنا أن الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلا تبينا به صحة المرسل، وجاز الاحتجاج به ويصير في المسئلة حديثان صحيحان).
وتعقب النووي فيه نظر أشار إليه شيخ اليمن مقبل الوادعي فقال: ( هذا وفي حديث حذيفة هذا زيادة ليست في حديث حذيفة المتـفق عليه وهي قوله :" وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فهذه الزيادة ضعيفة لأنها من هذه الطريق المنقطعة ).
والأمر كما قال الشيخ مقبل.
فحاصل هذا: أن تلك الزيادة في حديث مسلم، ضعيفة معلولة بالإنقطاع من هذا الطريق.
نعم: قد وصل الحاكم وغيره هذه الزيادة من طريق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبيه عن جده عن حذيفة به ...
لكن: الإسناد إلى يحيى منكر لا يثبت.

تابع البقية: ....

التواضع سيصون العالم
02-27-2011, 01:09 AM
اخي الكريم
انا لست مطلعا في علم الحديث
ولكن هلا نظرت هنا http://www.dorar.net/enc/hadith/%D8%B6%D8%B1%D8%A8+%D8%B8%D9%87%D8%B1%D9%83+%D9%88 %D8%A3%D8%AE%D8%B0+%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83/+p
واعذر جهلي وشكرا

عياض
02-27-2011, 01:45 AM
متابع

طالب العفو
02-27-2011, 10:36 AM
وفقك الله اخانا المبارك

من منهج طالب الحق ان ينظر في السند استقلالا
ثم يري ما صح
فيكون من الدين
ولو اختلف عليه فللسلف طرق ناصعة في تحرير ذلك

اما بعض الفضلاء فيقع في تحرير الادلة الموافقة لما قد قرره انفا
ويحكم عليها ضعفا وصحة بما فيه كثير من الغبن احيانا

نسال الله السلامة والتسديد والتوفيق لعلماء المسلمين

عياض
02-27-2011, 04:36 PM
بالنسبة لنقد السند فهو الأصل و نقد المتن تبع له بخلاف ما يريد الملحدون و العلمانيون و القاديانيون جرنا اليه من ان نجعل نقد المتن هو الأصل...و هذا منهم جهل...اذ نقد السند هو نقد لوسيلة مادية و ظاهرة تاريخية موضوعية مستقلة عن شخص الناقد و لا تتعلق بشخص الناقد...اما نقد المتن فمغبة النقد الشخصي فيه كبيرة الا ان ارتبط بمعيار موضوعي ..و ليس هنا ثم الا السند...وان تعجب فاعجب لهؤلاء المأفونين المنافقين المدعين للمادية و هم عنها براء...فالآن حين اصبح المنهج المادي ضدهم اصبحوا يحاربونه لمصلحة أهواءهم...و يبين لك كيف ان نقد المحدثين الأوائل كان اقرب الى المادية و ابعد عن الشخصنة و الاعتبارات الشخصية التي تصاحب نقد المتن سواء كان لهم او عليهم ...
بالنسبة للموضوع ...كنت استمعت الى كلمة الشيخ القرضاوي حفظه الله و الحق انه بأخرة تطهر كثيرا من اللوثة اللاعقلانية التي اصابت الشيخ الغزالي رحمه الله...رأيته و كأنه يلمح الى شيء لم يتناوله كل من انتقده و ربما لم يفهموا ما يقصد..فيدو انه يومئ الى مذهب قديم عند اوائل النقاد المفضلين لمسلم على البخاري و خاصة من بلادنا المغربية ..من ان كل ما اخرجه الامام مسلم في المتابعات الا و له علة تضعفه و ان كان له اسناد متصل ظاهر الصحة خارجه و يجعلونه هو معنى ما ذكره في المقدمة القيمة من صحيحه...و قد كنت قرأت للشيخ الفاضل الأزهري الأصلي قديما و هو من خواص الاخوان و ممن لهم اختصاص بالشيخ القرضاوي انه يذهب في هذا الى ان هذه اللفظة المزيدة هي زيادة مدرجة و لهذا لم يخرجها مسلم الا في المتابعات و انها زيادة منكرة لتفرد ابي سلام بها و معروف ان مثلها لا تتحمل الا من جبل في الحفظ لا من مجرد ثقة على الراجح و كذلك لمناقضتها لأصل رفع الظلم المعروف من مقاصد الشريعة و هو نقد عال اشار اليه الامام ابن حزم غير ما مرة في هذا الحديث و يبدو لي انها مراد الشيخ مقبل هنا و معروف كيف توافق منهجه و منهج ابن حزم في الغالب...و كنت احب العودة الى المناقشة القيمة للشيخ ابي حمزة المليباري للشيخ ربيع المدخلي و فوائدهما في هذا الباب في ما يخص منهج مسلم في المتابعات لكني بعيد عن كتبي...فلو وضحت لنا شيخنا الفاضل في هذه المسألة بالذات في المذهب المختار عندك في متابعات مسلم ..فأظنه أساس ما يذهب اليه الشيخ القرضاوي ...
و لو نقل الموضوع الى قسم السنة النبوية و الدفاع عنها لكان لمقصده و لفائدته اثرا اكبر على المنتدى و القراء

مالك مناع
02-27-2011, 05:12 PM
بالنسبة لنقد السند فهو الأصل و نقد المتن تبع له بخلاف ما يريد الملحدون و العلمانيون و القاديانيون جرنا اليه من ان نجعل نقد المتن هو الأصل...و هذا منهم جهل...اذ نقد السند هو نقد لوسيلة مادية و ظاهرة تاريخية موضوعية مستقلة عن شخص الناقد و لا تتعلق بشخص الناقد...اما نقد المتن فمغبة النقد الشخصي فيه كبيرة الا ان ارتبط بمعيار موضوعي ..و ليس هنا ثم الا السند...وان تعجب فاعجب لهؤلاء المأفونين المنافقين المدعين للمادية و هم عنها براء...فالآن حين اصبح المنهج المادي ضدهم اصبحوا يحاربونه لمصلحة أهواءهم...و يبين لك كيف ان نقد المحدثين الأوائل كان اقرب الى المادية و ابعد عن الشخصنة و الاعتبارات الشخصية التي تصاحب نقد المتن سواء كان لهم او عليهم ...

من باب إثراء الموضوع فقد سبق أن رددت على بعض الإخوة إطلاق القول بأن العلماء لا يقيمون وزنا لنقد المتون؛ فقلت:

نقد المتون من الركائز الأساسية في أركان العملية النقدية في الحكم على رواة الحديث عند علماء الجرح والتعديل، فكثيراً ما كانوا يحكمون على الرواة من خلال نقد المتن الحديثي. قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله مقرراً ذلك: " من تتبع كتب تواريخ رجال الحديث وتراجمهم، وكتب العلل؛ وجد كثيراً من الأحاديث التي يطلق الأئمة عليها: "حديث منكر، باطل، شبه موضوع، موضوع"، وكثيراً ما يقولون في الراوي: "يحدث بالمناكير، صاحب مناكير، عنده مناكير، منكر الحديث"، ولذلك قالوا: لا يوجد حديث منكر إلا وفي سنده مجروح، أو خلل. فصاروا إذا استنكروا الحديث نظروا في سنده فوجدوا ما يبين وهنه فيذكرونه، وكثيراً ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن.

ومثل هذا تجده في كلام الحافظ ابن حبان في كتابه "المجروحين"، حيث تقف على الكثير من النصوص المتعلقة بنقده لكثير من الرواة بسبب ما ورد في مروياتهم من متون حديثية غير مستقيمة، ومن ذلك مثلاً قول ابن حبان في تراجم بعض الرواة الذين جرحهم: "هذا متن باطل"، "هذا متن لا أصل له"، "هذا متن مقلوب،" "هذه متون واهية" ... الخ.

ولا يعني ذلك بأن العلماء يعتمدون في الحكم على صحة الحديث على مجرد النظر في المتون، بل إن صنيع المحدثين هو أنهم إذا استنكروا المتن تطلّبوا له علة في إسناده، فلا يمكن أن يكون الإسناد صحيحا والمتن منكر كما يقول أهل البدع، ولكن كل خطأ في المتن لا بد وأن يكون له سبب في السند، وما استنكر من المتون بعد صحة الإسناد وخلوه من العلة يجب أن يتهم فيه عقل الناظر في المتن.

قال الشيخ مشهور بن حسن ـ حفظه الله ـ في تعليقه على كتاب "الكافي في علوم الحديث" للتبريزي ص276: "وأما علة تقع في المتن خاصة وتقدح فيه دون الإسناد، فلا أعلمه، ولا أتصوره، ولا يمكن أن يقع الخلل في المتن إلا وله تعلق بالإسناد، ومن أطلق هذا النوع فمن باب التجوز والتنويع لأن ما وقع القدح فيه في المتن استلزم القدح في السند، وإلا فهو باق على أصله في الصحة".

عياض
02-27-2011, 06:29 PM
العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني
هذا الرجل و ان كان الناس تنبهوا ال خطره من جهة العودة للأصول و تجديد العمل بالسنة في الاجتهاد...لكنهم لم يتنبهوا الى خطره من جهة المعاصرة و تجديد الخطاب الحديثي كما يجب...فهذا الرجل المغمور الذي احب خمول الذكر..قد تفوق في المعنى المذكور من جهة ملاحظة نقاط التفوق الفارقة في اصول الحديث و عقلنتها و فلسفتها على مناهج النقد المعاصرة على جميع المشهورين من المشتغلين بالحديث من طبقته كالشيخ القاسمي او الشيخ رشيد رضا او الشيخ احمد شاكر و حتى الشيخ الألباني..و يستحق ان ينصح بكتبه لاخواننا العاملين في اقسام الدفاع عن السنة في المنتديات بما فيها منتدانا ...و كتبه تستحق بجدارة ان تكون نواة المشاريع المستقبلية في هذه الأقسام

طالب العفو
02-28-2011, 01:06 AM
تفرد الثقات هو من اشهر ابواب الاعلال
ومن وصفه فهو متعلق بمقارنة المتون
ولكنه مرتبط ارتباطا كليا باسانيد هذه المتون

انس السلطنابي
09-04-2011, 03:55 PM
متابع

أمَة الرحمن
09-04-2011, 05:12 PM
اذ نقد السند هو نقد لوسيلة مادية و ظاهرة تاريخية موضوعية مستقلة عن شخص الناقد و لا تتعلق بشخص الناقد...اما نقد المتن فمغبة النقد الشخصي فيه كبيرة الا ان ارتبط بمعيار موضوعي ..

ملاحظة عقلانية رائعة!

بارك الله فيك.

عبد الله بن محمد
09-04-2011, 08:18 PM
علل الحديث قد تكون في السند أو في المتن و هذا لا يختلف عليه إثنان من أهل الحديث و كثيرا ما يحكم الحفاظ على حديث بالوضع من المتن:
قال الإمام بن الجوزي:
إذا رأيتَ الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع.
(تدريب الراوي للسيوطي جزء ١ – صفحة ٢٧٤ )

يقول أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي:
كما رأوا حسب ما اقتضاه تصريحهم بأنه لا تلازم بين الإسناد والمتن ; إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال ، والعدالة ، والضبط دون المتن لشذوذ أو علة
ثم يذكر أمثلة في نفس السياق:
ومما يشهد لعدم التلازم ما رواه النسائي من حديث أبي بكر بن خلاد عن محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه "تسحروا فإن في السحور بركة" وقال : هذا حديث منكر ، وإسناده حسن
وكذا أورد الحاكم في مستدركه غير حديث يحكم على إسناده بالصحة ، وعلى المتن بالوهاء ; لعلته أو شذوذه ، إلى غيرهما من المتقدمين ، وكذا من المتأخرين ، كالمزي ; حيث تكرر منه الحكم بصلاحية الإسناد ونكارة المتن .
(فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي - جزء ١ ص ١١٩ - ١٢١)

لكن الفرق بين تعليل أهل الحديث و بين أهل البدع أن أهل البدع يعللون متن الحديث بالاستحسان الشكلي فقط بالهوى لكن أهل العلم يحكمون على المتن بالعلة لمخالفته أصل من الأصول و معارضته لما هو أصح منه و ما إليه

و القول بأن الذين تكلموا في تلك الجملة من المتقدمين إنما قصدوا طريق مسلم إليها وحسب.
و كذلك المتأخرين ما أظنهم إلا قصدوا ذلك لأن كل من يستشهد بهذا الحديث يقول رواه مسلم في صحيحه فيقوي دليله بأن الحديث في صحيح مسلم لم أسمع أحد ممن احتج به استشهد بتخريجه في معجم الطبراني أو سنن البيهقي أو ابن زنجويه في الأموال و هذا في حد ذاته نوع من التدليس لأن ناقل الحديث في الغالب يعلم علته في رواية مسلم و مع ذلك لا يذكر تخريجها إلا في صحيح مسلم لأنه يعلم قدر صحيح مسلم عند جموع المسلمين فيأتيه الخصم من هذا الباب و خصوصا إذا كان الخصم من المشتغلين بالفقه أكثر من الحديث لأن القاعدة أن صاحب الدعوى أو الذي يحاجج في مسألة يأتي بأقوى دليل عنده فإن استطاع الطرف الآخر أن يُسقط هذا الدليل فقط فقد أسقط كل ما دونه من باب أولى , أما لو التزم الذي يحتج بهذا الحديث بالأمانة العلمية و قال أن الحديث حسن بمجموع طرقه لجعل الأمر أوضح للناس و لصعب الطريق على المخالف في الرد عليه لأن المخالف يحتاج أن يبحث و يعلل كل طرق الحديث

و مع ذلك القاعدة الأصولية أن بطلان الدليل لا يدل بالضرورة على بطلان المدلول
فقط يسقط دليل لكن يصح آخر و بالتالي كان على من ردوا هذه الزيادة من باب الحرص أن يتأكدوا إن كانت هناك شواهد أخرى لها

و هناك ملحوظة غفل عنها كثير ممن بحثوا رواية مسلم هذه
و هي أن الإمام مسلم ذكر في مقدمة كتابه أن هناك علل في بعض الاحاديث التي أوردها في المتابعات و أنه لم تخفى عليه علتها لكنه أتى بها خصيصها ليبين علتها و لكنه لم يحد بالضبط ما هي هذه الروايات فكأنه تركها للمحقق, و لا يستبعد أن تكون هذه الرواية واحدة منهم إذ أن مسلما أوردها متابعة على حديث الباب الأصلي الذي اتفق على صحته مع البخاري من طريق أبي أيوب الخولاني بل هو من أصح الأسانيد عند البخاري عندهما و لم يرد فيه هذه زيادة "وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك"
و هذا نص الحديث الذي اتفق عليه الشيخان:
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جابر حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك

و هذا الحديث يصعب الجمع بينه و بين رواية مسلم الأخرى المعلولة التي فيها "وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" لأن الإجابة على سؤال حذيفة في كل من الروايتين مختلفا و ليس من المتصور أن يكون حذيفة سأل نفس هذه مرتين فبعد أن يجيبه النبي صلى الله عليه و سلم يأتيه في يوم آخر و يسأله نفس الأسئلة
كذلك وصفه لهؤلاء الأئمة بأن فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس و معلوم أن القلب هو المضغة التي لو صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله فإذا كانت قلوبهم قلوب الشياطين إذن فهم شياطين فكيف يأمر بالسمع و الطاعة لشياطين و الشيطان أكثر من مجرد الكافر , قد يكون كافر كفره على نفسه أما الشيطان فهو يأمر بالمنكر و يحث على الباطل
قال تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ"

فهذه الرواية ضعيفة و جملة "وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس" لم ترد في الروايات الأخرى

لكن مع ذلك جملة "وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" حسنة بمجموع طرقها فقد رواها الإمام أحمد وأبو داود والبزار والحاكم من طريقين عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن سبيع بن خالد به نحوه

قتادة مدلس ولم يصرح بالسماع. وهذا الطريق ضعيف لما يُخشى من تدليس قتادة، ثم هو منكر لمخالفته الأصح منه، وهو ما تقدم من رواية حميد بن هلال عن نصر بن عاصم.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو عوانة في المستخرج من طريقين عن أبي التياح يزيد بن حميد عن صخر بن بدر عن سبيع بن خالد اليشكري عن حذيفة به نحوه.
صخر بن بدر ذكره ابن حبان في الثقات مجرد ذكر.وهذا السند لا يُعتمد عليه، لأن ابن حبان يوثق المجاهيل

وأما الحديث الثاني بدون هذه الزيادة فرواه الإمام مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي عاصم في السنة والنسائي وغيرهم من طرق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده أنه قال :بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على السمع والطاعة، في اليسر والعسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومه لائم.

ورواه أحمد وابن أبي عاصم من طريق الأعمش عن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة به نحوه.
ورواه البخاري ومسلم من طريق بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، فقال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله.

ورواه أحمد وابن أبي عاصم من طريق عمير بن هانئ عن جنادة به نحوه.

ورواه البزار من طريق يحيى بن أبي كثير عن جنادة به نحوه.

وأما حديث عبادة بتلك الزيادة فرواه ابن زنجويه في الأموال وابن أبي عاصم في السنة والشاشي في مسنده وابن حبان في صحيحه من طريق هشام بن عمار والهيثم بن خارجة عن مدرك بن أبي سعد الفزاري قال: سمعت أبا النضر حيان: أخبرنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا عبادة، اسمعْ وأطعْ في عسرك ويسرك ومكرهك ومنشطك وأثرة على نفسك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن تكون معصيةٌ بواحا". مدرك بن أبي سعد ويقال ابن سعد الدمشقي وحيان أبو النضر الدمشقي القارئ صدوقان. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في التعليق على صحيح ابن حبان: إسناده حسن!.

و الخلاصة : أن زيادة حسنة بمجوع طرقها و أحسن طرقها هي الرواية السابقة التي جاءت فيها بلفظ "وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن تكون معصيةٌ بواحا"
و واضح فيها بأنها مقيدة بأن يسمع و يطع ما لم تكن معصية بواحا

و الحق أن هذا معلوم سواء صحت هذه الزيادة أم لا
لأن من أصول أهل السنة و الجماعة تقديم رأي الجماعة (و بالتالي أميرهم) المرجوح على رأي الفرد الراجح و ذلك لموافقة الجماعة فلزوم الجماعة خير و تركها شر طالما كان هناك وجه للتأويل و كان الخلاف معتبر أما إذا كان باطلا أو قولا شاذا فهنا لا يجوز الموافقة عليه و لو خالف في ذلك الجماعة

كذلك إذا استأثر الأمير لنفسه ببعض المال أو أخذ حقه و لم يعطي الناس حقها فالواجب على ااناس الصبر و عدم قتاله و أن يعطوا الذي عليهم و يسألوا الله الذي لهم و قد وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى منها:
عن وائل بن حجر -رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : أرأيت إن كان علينا أمراء يَمنعونا حقنا، ويسألونا حقهم؟ فقال: “اسمعوا وأطيعوا، فإنَّـمـا عليهم ما حـملوا، وعليكم ما حـملتم”. رواه مسلم.

و عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : “ألا من ولـي عليه وال فرآهُ يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره الذي يأتي من معصية الله، ولا ينْزع يدًا من طاعة”. رواه مسلم في صحيحه.

و الأحاديث فيها عدم نزع يد الطاعة و عدم القتال على الحق الذي للرعية لكن ليس فيها تحريم المطالبة بالحقوق خصوصا إذا كانت هذه الحقوق متعلقة بإحدى الضرورات الخمس التي جائت الشريعة لحفظها , نعم إذا سرق الحاكم بعض مالي و عندي مال آخر يكفيني أتركه و أسأل الله الذي لي لكن إن كان أناس معرضون للهلاك أو الاعتقال و التعذيب لأنهم يقولوا ربنا الله أو يتكلموا في الدين و إن كان معرضون للموت جوعا أو لا يجدوا قوت يومهم أو لا يجدوا مأوى أو لا يجدوا الزواج للتعفف و حفظ النسل

و الله المستعان