المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شهادة التارخ



عبدالرحمن العيسى حلب
02-27-2011, 07:27 PM
شهادة التاريخ
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ـ حلب
22 ربيع الأول 1932 هـ ـ 25 شباط 2011
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
فالتاريخ مَبْدئياً : أكبرشاهد على تخلف المسلمين , عن الإسلام الحق , في القرون الأخيرة من الـزمن .. وهذه الشهادة , ذات أبعاد ومدلولات , يؤدي البحث عنها , والخوضُ فيها , إلى التعرف على ما للأمة الإسلامية , من فضل وحق , في سياق هذا الوجود الإنساني , وما عليها من تقصير وعجز , وتفريط غير مُسَـوَّغ , في بعض الفترات , التي تتخلل التاريخ ..
فـيُـنتـِج ذلك إدراكاً ووعياً , وبصيرة مستبصرة ونافذة , تـَهدي الضالين , وترد الشاردين , وتزيد المؤمنين إيماناً وأملاً .. وثقة بالنصر المرتقـَب والقادم , بإذن الله سبحانه ..
هذه قراءة متأنية ومتعمقة , في شهادات التاريخ , ومدلولاتها الحاسمة , مستخلصين منها العِـبر المعبِّـرة , وراصدين ما يلوح هناك , من ملامح الذكرى النافعة والمفيدة , ولوائح الوحي والإلهام , والفتح المبين .. واستبانةِ الرشْد من الغـَيِّ , والأخطاءِ الفادحة ..
ولسنا ننكر أن التاريخ , شهد علينا , كما شهد لنا , لأنه لا يداهن ولا يحابي ولا يَحيف , وما التاريخ بجائر ولا ظلوم .. عبد الرحمن
... ... ...
المِعيار الإسلامي الصادق :
هذا وإن عموم المسلمين , على اختلاف أقوامهم وأقطارهم , يعيشون الآن , جملة من المسَـلـَّمات التاريخية الناقدة , والظواهر السلبية المسيئة , المناقضةِ لما لله عليهم , من الـدين الخالص , والـدين القـيِّـم , والصراط المستقيم .. ( ألا لله الدين الخالص .. ) ..
وغني عن البيان والقول , بأن الإسلام الحق , هو المعيار الصادق والأمين , الذي برهن : إما على تقدم الأمة وازدهارها , أو على تخلفها وانحسارها , عـبْر أحداث الدهر وتحولاته , ومداولات الأيام والأدوار فيه .. ( وتلك الأيام نداولها بين الناس .. ) ..
وذلك حسب التمسك والالتزام والعمل , أو حسب التهاون والتفلت والكسل ..
ففي التاريخ المزدهِر والمنتصر , كان الإسلام الحق يملأ حياة الناس : مجتمعاتِـهم وسلوكياتهم , وأنماط عيشهم وتوجهاتهم , ومستوياتِ تفكيرهم وتصوراتهم ..
وكان الإسلام , يؤدىَّ بالأنفاس والخطرات .. فكل نفـَسٍ وكل خاطرة , بميزان وحُسبان .. والأمة : أمة عدل وفضل , وانضباط وإيمان , وخـُلق رفيع ..
وإن التاريخ ليشهد ويَروي , حرصَ المسلم على تزكية نفسه , وصقل وجدانه وحِـسه , وإشراق روحه , كي يعيش حياة الإسلام , بكل جوارحه واحساساته , ويتذوقَ طعم الإيمان , وحلاوة اليقين , في دنيا الصخـَب واللـُّغـوب , والفتن الآخذةِ في التنوع والتكاثر ..
وما وجود أكابر الأولياء والعلماء , المحققين والمتحققين , والقادة الشجعان المخلصين , في تاريخ أمتنا العظيمة , إلا برهان ساطع , على تداعي الجماهير المسلمة , إلى تلـمُّس المعالم والقيم , التي بها ومن خلالها , يسيرون في طريق الاستقامة والهدى , ويُـنجزون منهج الصدق والتقوى , في وحدة سلوكية : إيمانية وإحسانية , فائقة وسامية ..
السلوك الإسلامي الأمثل :
إن السلوك الإسلامي الأمثل , هو الذي كان يضبط تصرف المسلمين , ويواكب حركتهم التاريخية المباركة , ويُضْفي عليهم هالات القداسة والتوازن والاتزان .. فيظهَرون في الأرض : قادة وروَّاداً حقاً , يمتلكـون بكفاءة نادرة , مقاليد الأمر والنهي والحكم , والأسوة الصالحة في الكون .. بسلطان منهج الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , وتحريم الظلم والإثم ..
ومن حقهم أن يكونوا كذلك , حسب وعد الله وعهده العظيم , بعد أن أسلموا لله , واستسلموا لمقتضيات التمحيص الإلهي , وإجراءات التربية النبوية .. فوهبهم الله : أمراً من أمره , وحكماً من حكمه , وقـدْراً من قـدْره .. وهذه هي الإمامة , المعـبَّـرُ عنها , بقـول الله تـبارك وتعـالى : ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون .. ) ..
ولقد دبَّ إلى هذه الأمة , دبيب الضياع الفكري , والجمود الحضاري , والفوضي الاجتماعية العريضة , بسبب عوامل التسيُّـب النفسي والسلوكي , والتحلل الخلقي , من داخل الذات الإسلامية .. هذا من جهة , وبسبب الضغوط والمداخلات والغارات , التي شُنـَّت على العالم الإسلامي , من قِـبل أعداء هذه الأمة , وأعداء كتابها ورسالتها , من جهة أخرى ..
فرأينا المسلم المعاصر , يمارس واقع التجزئة والمداهنة والازدواجية , في أدائه وتعامله مع ما هو مطالـَب به , من أمانات وعهود , وتكاليفَ ومسؤوليات ..
فلا هو يحقق معنى الدين القـيِّم , في سريرته وعلانيته .. ولا هو يُـقِـيم أوَد هذه الدنيا , بحكمة وإتقان , وعقلانية متوازنة ومتـَّزنة .. وبالتالي يقف تائهاً وحائراً , تـُجاه ما ينتابه ويوجَّه إليه , من تحديات وصدٍّ , ومغريات فاتنات , وتنازل عن الثوابت والواجبات .. وكل ذلك يُـلح عليه أن يرضى ويقنع بالدُّون والدنيَّـة , ويمضغ معيشة الضنـْك والذلة .. والغوغائية ..
وهكذا أسفر غياب الأمة المسلمة والملتزمة , عن تدهور الأوضاع الإنسانية والسياسية , في بقاع المسكونة , ونشوءِ توازنات وقوى , تتسم بالشراسة والحقد , والعدوانية الطاغية , والظلم الصارخ , وتـُصادر كل التطلعات والآمال والحقوق للشعوب , في سبيل المصالح الاستغلالية الكبرى , والتركيز على أن الحق للأقوى .. يفعل ما يشاء , دون قاضٍ ولا رقيب !..
مسؤولية أمة الإسلام :
إن مسـؤولية أمة الإسلام , في وجودها الحق , هي أرفع ما عـرف التاريخ , من مسؤوليات : هداية وعمراناً , ورحمة حانية , وصيانة فائقة , لكل الأمانات الإلهية المودَعة , والحريات الإنسانية المنشودة , والعلاقات الأخوية الصالحة ..
ولولا تلك المسؤليات , التي كانت محل إعجاب واقتباس , لكنت ترى الآن : مظاهر التخلف الفكري والعمراني , ضاربة أطنابها , في معظم حواضر العالم المتمدين , خصوصاً في القارة الأوروبية والأمريكية , التي أصرت قروناً متطاولة , على صد ورفض تيارات النور والحضارة الربانية النبوية .. حتى آذنت حركة التاريخ , باكتمال عملية التلقيح والترويض والتزاوج , والانسياب الأرحب , والتفاعل الحضاري والثقافي والعلمي , المثمِر والمطوِّر .. وكان كل هذا التطور .. الذي يجعل الكوكب الأرضي , كأنه قرية صغيرة !..
ونجم عن ذلك , مستويات من المسؤوليات الضخمة , والدول الكبرى , والنظرياتِ والقيم والدساتير , ومراكزُ ثِـقل جديدة , ذاتُ قدرات مادية وصناعية خارقة , ومخترعات هائلة , وخطط استعـمارية , عـصفت بالعالم الإنساني من أقصاه إلى أقصاه , وتركته أشلاءً ودماءً وانكفاءً .. وكان الانهيار والإفلاس والأزمات , التي لا تقوم لأصحابها من بعدها قائمة ..
حركة التاريخ والسُّـنن :
وتدور حركة التاريخ , بدفع من سُـنن الله الدؤوبة , لتضع أمة الإسلام مرة أخرى , في منعطف التوبة والأوْبة , بعد تناهي حالة البعد والاغتراب , واستنفاد كل أغراض الهيمنة الاستعمارية .. وحياة السراب .. والفوضى الخلاقة !.. أستغفر الله العظيم ..
والأمناءُ على وحي الله , الذي لا يأتيه الباطل , ولا يتطرق إليه نفاد وانتهاء , هم الذين بهم يَرفع الله عِـثار هذه الأمة , ويَجبر كسرها , ويُـنهي انكسارها , ويعلي كلمتها من جديد ..
إن أمة الإسلام , وجودُها الحق , فوق كل الشكوك والشبهات , وإنه يستعصي على الأعداء , الذين يُمَنون أنفسهم , بموت هذه الأمة .. وإن هذا الوجود , تـُمده وتغذيه كلمات الله , وتؤكده وتعصمه روح من الله , فهو وجود حي , أيْ يحمل بذور الحياة بإذن الله , ويبعث الحيوية والفاعلية , كلما ظن الظانون , بأنْ قد ولىَّ الإسلام , ومات العرب , أو أوشك أن يكونوا كذلك ..
إن تخلف الأمة , حجة على أنها كانت متقدمة , وعلى أنها ستتقدم كرة أخرى .. لأن العاقبة والنتيجة , هي للقرآن ولأهل القرآن .. الذين هم أنصار الله , وأولياؤه الأدْنـوْن ..
وإن التاريخ شاهد على كل ذلك , أي ويشهد عما قريب , وبحول الله المجيب , تحولَ الأمة عن دواعي كـَبْوتها , ومُجْهضات نهوضها الأعظم .. وإن ذلك لحَق وصدق , إذ تأبى سُـنن الله الدؤوبة , وآياتُ التدبير والتقدير , في كتاب الله , هلاكَ هذا العالم , دونما رادع من الله , يضع نهاية لكل هذه الأهوال والمظالم , التي تجاوزت كل الحدود المعقولة وغير المعقولة , والتي يرى الله سبحانه : أنَّ حقاً عليه أن يدفع ذلك الفساد الكبير , وأن ينتصر للمظلومين , ويأخذ الظالمين , أخـْذ عزيز مقتدر , ويَمنَّ بالإمامة والخلافة والوراثة , على المؤمنين المستضعفين والناهضين ..
وبذلك يعيد الله سبحانه , منهج الرحمة العادلة والشاملة , إلى عباده جميعاً , أينما كانوا على ظهر هذه البسيطة .. دون البحث عن هوياتهم ومرجعياتهم ..
يقول الله في القرآن المجيد : ( ولولا دفعُ الله الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض .. ) ..
ويقول سبحانه :( ونريد أن نـَمنَّ على الذين استـُضعفوا في الأرض ونجعلـَهم أئمة ونجعلهم الوارثين )ويقول في حق دعوة المظلوم :( وعزتي وجلالي لأنصرنكَ ولو بعد حين ) ..
ويقول تعالى جَده : ( وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين ) ..
دوْر هذه الأمة :
ولسوف يَبـْهَـرُ دورُ هذه الأمة , كلَّ الذين ظلموها وبغوْا عليها , وظنوا أنهم قد ضيعوها , وأطفأوا نورها , فتجد ذاتها ونفسها وحقها الآن , بعد أن وجدها الله ضالة فهداها , ووجدها عالة فأغناها , ووجدها يتيمة فآواها , وأيدها بروح منه , تماماً مثلما حصل لنبي الأمة وللأمة , في العهد الإسلامي الأول .. ( سُـنـَّة مَنْ قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تبديلاً .. ) ..
وهذه هي بداية القـَوامة المقوِّمة , لأمتنا المجيدة , في عالم الزمن الأخير , حـيث لها مِنَ الله , المفوَّضِـيَّـة الآمرة والناهية , والريادة الرائدة : الهادية والسائدة ..
لقد كان تراجع الأمة الأمينة , وتجمُّـدُها الفكري والحضاري , وغيابها السياسي , عاملاً مؤثراً , ومَخاضاً تمخض عن فـُرصٍ أتيحت للأخرين الغربيين , ليَظهروا على الساحة العالمية , ويُظهروا ما في خبيئتهم وسريرتهم , وما تنطوي عليه استراتيجياتهم , من حيْف واجحاف , وظلم واعتساف , حينما يمارسون عمليتهم الحضارية المادية , ويترجمون ريادتهم الصعبة المِراس والمَذاق , والممسكة بالخِناق !.. على النحْو الذي شهدناه منذ بداية القرن العشرين , وإلى الآن ..
وشهد التاريخ أيضاً , على تخلف هؤلاء الغربيين , في مضمار الوعود والعهود , وما لحق بها من خـُلف وحِـنـْثٍ , ونـَكثٍ ونـَقضٍ .. عـبَّـرت عنه السـياسات الاسـتعمارية , والخطط الجهنمية , التي أحبطت وأجهضت وزلزلت , وضحَّت بكل شرف وذمة , على مذبح الأنانية والعِرقية , والتكبر والعدوانية , والتعصب والأساطير , والعنصرية المفضوحة ..
إن الحياة الإنسانية اليوم , بقـدْر ما اتسعت وامتدت , فإنها تـَضْمر وتـَضيق , وبقدر ما أسرعت وتسارعت , تتباطأ وتترنح , ثم تتهاوى صريعة أوخم النتائج والعواقب , على أيدي الجزارين والمجانين والجلادين , وتجار الحروب , ومُصَدِّري الموتِ والعدم والرعب !..
المُعطيات الإلهية الربانية :
الآن .. هناك جملة كبيرة وصالحة , من المعطيات الإلهية الربانية الكريمة , انجلت عنها وتجلت : سُـنن مَنْ له الخلق والأمر , الذي يَـقصُّ الحق , وهو خير الفاصلين ..
وهذه المعطيات , رصيد غير محدود , ومرتكـَز ومُسوِّغ وفتح مبين , لإفاقة المسلمين .. قد تم إنجازه وإعجازه , عـبْـر السنينِ العِجاف , وفترات التطويح والانجراف , وتمدُّدِ الأمة , على مِـشرحة البحث والتجربة والاستنزاف , من قِبل الأعداء الغادرين , والصهيونية العالمية ..
إن هذه المعطيات , تترسـخ وتتجـمع في الشـرق , وعلى أرض العرب بالذات : قاعدة مَكينة , وانطلاقة فـذة , مثمرة الأهداف والمقاصد , في ربوع العالم المُجْهد والمحَطـَّم ..
ألا إن التاريخ مَدْعـوٌّ الآن , ليشاهد ويشهد إطلالة أمة , وانبعاثَ رسالة , واستئنافَ حضارة إنسانية , بعد غيبوبة وغياب , وطول تهميش واحتجاب , وبعد أن حصحص الحق , وتبين الرشد , وتناهت الأحداث , وآلت كل المجهودات والآمال المعادية , إلى التآكل والتبخر , والنفاد والنضوب , وسوء المصير .. ولم تكن تلك الأماني والـمحاولات , تطمح إلى زعزعة الأمة , واستلابها السيادة فحسب , بل كانت ترمي وتنحو , إلى إبادة الأمة , واستئصال شأفتها , ومنعِـها من أن تـَكِـرَّ عائدة ومنتصرة من جديد ..
مآل المُجهضات والتراكمات : ورغم المُجهضات والكوارث والنكبات , التي ألحقها الأعداء الألدَّاء , بأمتنا المسلمة والصابرة , وقومِنا العرب المضطهَـدين .. إلا أن الإخفاق المُنهـِك والذريع , يتراكم الآن , كجبال الجليد , فوق الرؤوس العفِـنة .. وإن حالة الارتباك والارتجال , تـُخَيِّم وتجْـثمُ على الأجواء والإجراءات المعادية , والحرب الدائرة , ويروْن الإسلام العظيم , يسمو فوق كل النـِّسَب والاعتبارات والكوابح , ويستشعرون في أعماقهم , العجز أمام إعجاز القرآن المجيد , وعودة الإسلام من جديد , وتساقط القـُطرية والحدود !..
وتمضي عقارب الزمن , وهم يعيشون لحظات تفلت الزمام من أيديهم , ويستعصي التاريخ أن يكون رهن إشارتهم , وطوع قوتهم .. وإن رياحه ضدهم وتجتاحهم ..
أمتنا وقومنا , لم يستكينوا ولم يَهنوا , رغم القروح والجروح والصعاب , والإباءُ كان أكبر من الضيم , الذي صبه الأعداء صباً , واسترخاصُ الروح والنفس والنفيس , وبذلُ الدم والدنيا , ظل سارياً في أوصال الرجال الأباة , والمؤمنين الهداة , في هذه الأمة ..
واسـتمرت في الخفـْق والدفـْق , روح عظيمة هادرة , تترامى إلى أجيال الأمة ــ أمةِ الإجابة ــ من أعالي عزتها وأعزائها , وشهدائها الأكرمين , وأبنائها المجاهدين والمرابطين ..
ولم تكن قط عُطـْلاً , من مظاهر الكرم والكرامة , والعطاء والبذل والتضحية , صوناً للأرض وللعرض وللعهد , وتعبيراً عن الأمجاد والأصالة , وصدق الهوية والانتماء , والوفاء للعُـلى والعلاء , وانتفاضةِ الغـُرِّ المَيامين .. ولسانُ حال الأمة , يقول الآن :
قد وعـدتُّ العُـلا بكل أبيٍّ .. من رجالي .. فأنجزوا اليومَ وعْـدي
أمِنَ العدل أنهم يَردون الماء صفـْواً .. وأن يُـكـدَّرَ ورْدي ؟..
أمِنَ الحقِّ أنهم يُطلقون الأسْـدَ منهم .. وأن تـُقـيَّـدَ أسْـدي ؟..
وهذا يكفي في صنع تاريخ لنا فوق الزمن , ومن وراء الأسنـَّة والمِحن , ومن ثنايا كل الفروض والسُّـنن .. فلسنا بالبخلاء , ولا القـَعَـدةِ ولا الجبناء .. ومُحالٌ حياة المقهورين والأذلاء ..
وهـذا جميعه مُؤهـِّل وتأهـيل وتمهـيد , لندخلَ ونعْـبُـرَ من جديد , بواباتِ الحياة الحية والخلود , ونحملَ رسالة القرآن المجيد , إلى كل الشعوب الظامئة , وإلى العالمين ..
وبعد : فقوله تبارك وتعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس .. ) .. يُـفيد أن هذه الأمة , لم تـُخلق لنفسها ولا لذاتها , وإنما لخير البشرية جمعاء : رحمة شاملة , وعدلاً وإنصافاً , ونجاة وخلاصاً في الدنيا والآخرة , وتأسيساً وبناءً للحضارة , ونور العلم , والخـُلق النبوي العظيم ..
وحينما تتعثر المسيرة , ينحط العالـَم , ويضمحل الخير , وتنفجر براكين الكفر والشر , وتدخل الأمة في نفق مظلم ومخيف .. والآن عوْد على بَدْء , وإننا لعائدون إن شاء الله , والعوْد أحمد , بهمة أحمد .. وكما بدأكم تعودون .. ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّك إلى مَعاد .. ) ..

التغيير الكبير .. وظهور القائد :
إن تغيير واجهات النظام العربي البائس والتعيس , قد أحدث فراغاً مفاجئاً , في هَرَم السلطة والحكم والمسؤولية , ليـس في أحزاب المعارضة التقليدية , أية مؤهلات وإمكانية , لملإ هذا الفراغ المتسع , وحمل أعباء التركة , المثقلةِ بالشروخ والجراح , التي لا تلتئم أبداً ..
شباب الثورة وجماهيرها , يُحْدثون التغيير , ويُسقطون الأنظمة , ورموزَها العفنة , ويُخـْلون الطريق , من تكتل المفسدين , وتجمع الفاسدين , وترهُّـل الظالمين , وروَّاد الخيانة ..
ولكن ليس في هذه الجماهير , من هو جدير بالقيادة السياسية البديلة , أو مؤهـَّل لها : بالفكر الناضج , والمنهج الحق , والعلم والفقه الاستراتيجي , والنظرة الواعدة , المُفـْعمةِ بالرؤية الواضحة , والحلول المنشودة , والإسعاف السريع والناجع ..
إن القائد المنتظر والمرتقب , لا يأتي من عالم الغيب البعيد .. بل هو قريب جداً , من أحداث ما يجري ويتكوَّن , ولديه الوعيُ التاريخي , والإدراك المنطقي والواقـعي ..
هـذا بالإضافة إلى إلمام متكامل , بمستقبل قادم , فيه من الخطوات الواثقة , والإجراءات الصادقة , ما هو كفيل , بإنجاز الإصلاح الشامل , والخلاص الحق , والإنقاذ الفائق , للجموع الحاشدة والمحتشدة , الباحثةِ عن العدل والرحمة , والحياة الحرة الكريمة , وردم منابع الفساد والظلم , ورفع أسباب الضيم , عن كاهل البؤساء والفقراء والمسحوقين ..
إن الفراغ الهائل , الذي يُحْدثه التغيير الحاسم , خطير جداً , إنْ لم يوجد ذلك القائد الملهَم , المؤيدُ بروح عظيمة وجسيمة , من الله الحي القيوم , العليِّ العظيم .. أي المدعَّمُ والمدعوم , بأسرار سورة الفاتحة , وآية الكرسيِّ , وقيم الحكم الإلهي , وروح النور المحمدي الدافق ..
إنه القائد الفذ , لكل الأجيال والشرائح الاجتماعية , والقوى الشعبية والسياسية , والمنظومات الثقافية العالية .. وكذلك المرأةِ المعاصرة , على وجه الخصوص !..
حيث تحتاج المرأة , إلى معالجة موضوعية خاصة , يُراعى فيها ما آل إليه أمر النساء , من تطور وعلم وثقافة , وتأثير ملحوظ في المجتمع , والحياة العامة , واستعدادٍ وعطاء كبير !..
فمرحباً بزعيم العصر الجديد , ورائد الشباب الثائر , ومحققِ الآمال العريضة , للجماهير العربية المُنتفِضة , وللأمة الإسلامية المتوثـِّبة .. وقائدِ النضال والكفاح , في عالـَم لا يأمر فيه الأقوياء , إلا بالمنكر والظلم , ولا ينهوْن إلا عن المعروف والعدل , ولا يفعلون إلا الحقد والحربَ , وسفكَ الدم والعِرض , وإحراقَ الأرض ..
والله من وراء القصد , وإليه المآل والمرجع .. وهو سبحانه وتعالى أجلُّ وأعلم ..