المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الديمقـراطية المفترى عليها !



سـامي بركاتـي
03-04-2011, 06:52 PM
الديمقـراطية .. ((وحق طلب الكلمة)) .. د.محمد عابـد الجابري

قال صاحبي :
"لقد جعلت ((الديمقراطية)) في ما كتبت عن قضايا الوطن العربي ومشاكله الحل الوحيد الممكن، بل الضروري. لا، لقد جعلت منها خاتما سحريا به تُحلّ جميع المشاكل التي تعاني منها العرب كأفراد وكشعب وكأمة: فالوحدة طريقها الديمقراطية ولربما طريقها الوحيد عندك. والاشتراكية أيضا طريقها الديمقراطية، إن لم يكن الوحيد فهو الذي تختار. ومشكل الطائفية في نظرك، يؤول، إن لم يكن كليا ففي القسم الأكبر منه، إلى غياب الديمقراطية..
كل شيء عندك، كل مشكلة وكل مسألة تجد حلها في الديمقراطية. وإذا ما سألناك: طيب، كيف نحقق هذه الديمقراطية -هذا "المفتاح الذي يفتح جميع الأبواب"- فالغالب أنك ستجيب: بالديمقراطية نفسها !! أليس كذلك ؟؟"

قلت :
"اعتراضاتك أيها الصاحب اعتراضات وجيهة تماما، فـ"المفتاح الذي يفتح جميع الأبواب" مفتاح مزيف لا يملكه إلّا اللصوص (أو من هم في معناهم) ممن يدخلون البيت من غير استئذان، أعني بطريقة غير ديمقراطية.
يجب أن نستبعد إذن "المفتاح الذي يفتح جميع الأبواب" ولنلتمس لكل قفل مفتاح، ولنحرص على الدخول على البيوت من أبوابها بعد استئذان ودون اقتحام. هذا إذا كان من يسكن البيوت هم أهلها، ولا يمارسون فيها، ولا من خلال تواجدهم داخلها، أي عدوان، سواء على بعضهم أو على جيرانهم.. وإلّا فالاقتحام، في الحالات الأخرى، حالات الغضب والعدوان، عملية ضرورية لوضع حد للمنكر"

قاطعني صاحبي قائلا :
"ها أنت تتحدث عن الاقتحام، عن ضرورة تغيير المنكر باليد وليس باللسان فقط. نعم قد تقول: هذا يكون في حالات خاصة. ليكن، ولكن أليس الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه يعيش اليوم ((حالات خاصة)) في كل شيء وعلى كل صعيد ؟؟"

ثم أضاف قائلا :
"أنت تضعنا في مأزق، بل في خندق جهنّمي وتريدنا أن نختار. تريد منا أن نختار من عيوب الديمقراطية وعيوب الدكتاتورية. أنت تتكلم هنا بمنطق ((أخف الضررين)) وكأننا في حالة الضرورة والاضطرار.. ثم قبل هذا وبعده الم نجرب الديمقراطية، ديمقراطية الأحزاب والبرلمانات، مشرقا ومغربا، ألسنا نشاهد اليوم كيف تشوه وتزور المواطنين هنا وهناك وهنالك ؟؟ ألم تميّع التعددية الحزبية إلى درجة العهارة السياسية، ألم تزيف لوائح الانتخابات، ألم يتعرض الناخبون للضغط، ولا اقل في صورة إغراء فقط بل أيضا في صورة تهديد، بل وتعذيب، نفسي وبدني ؟ ثم ألم تفتضح لعبة الديمقراطية في أكثر من بلد عربي، ألم تنته في مكان إلى ((قلب الطاولة)) وإفساد اللعبة من طرف ذوي السلطة والسلطان، وفي مكان إلى ((تدجين)) الكل نوعا من التدجين، داخل المجالس ((المنتخبة)) وخارجها ؟.. ألم ينته الأمر بواسطة الديمقراطية التي تنادي بها إلى تراجع رهيب في الفكر ((الثوري))، في الفكر الوطني، في الفكر التقدمي، في الفكر الإصلاحي ؟ ألم تتراجع الديمقراطية كممارسة داخل الأحزاب نفسها، ألم تتحول كثير من الأحزاب، من خلال ((الجري وراء الديمقراطية)) من أحزاب ثورية إلى أحزاب إصلاحية، ثم أخيرا ولرُبما ليس آخرا، إلى أحزاب الأمر الواقع، تقبله اليوم وتسكت عنه لتنزلق غدا إلى تكريسه والدفاع عنه ؟.. أتجهل هذا ام تتجاهله ؟"

كان صاحبي يتحدث بحدة وانفعال، ولكن أيضا كان يتحدث بصدق. كان يتحدث مرارة، مرارة التجربة، مرارة الواقع المر الذي يعرض نفسه على الإنسان أينما التفت فلا يترك مجالا للاختيار ولا يسمح حتى بالتقاط الأنفاس. لذلك لم أرد الدخول معه في جدال. ولِم الجدال وقد تكلم بصدق عن أشياء الواقع ؟!.. ثم غني لا أريد أن أضع نفسي في موقع الخصم لما قال، فلست في أعماقي خصما له، وكيف أكون خصما لمن يشاهد ما أشاهد ويتألم مما أتألم وأعرف ما يعرف... وزيادة ؟.

قلت إذن :
"كل ما قلته صحيح، فما وصفته هو الواقع فعلا، أنا لا أختلف معك في شيء منه. بل غن هذا الواقع الذي وصفته هو المقدمات التي انطلق منها. ولكن الانطلاق من نفس المقدمات لا يؤدي حتما إلى نفس النتائج، تماما مثلما أن صحة المقدمات لا تؤدي بالضرورة إلى صحة النتائج، هذا ما يقرره علماء المنطق، هذا ما بإمكان كل منا أن يختبره بنفسه. فعندما يتعلق الأمر بالميدان البشري، ميدان الاجتماع والثقافة والسياسة والاقتصاد، فإن النتائج يجب أن لا تخضع للمقدمات وحدها بل يجب أن تكن أيضا غايات وأهداف. إذن فللوصول إلى نفس النتائج، في الميدان البشري، لا يكفي الانطلاق من مقدمات واحدة بعينها، بل لابد كذلك، وهذا أهم، من الاتفاق على أهداف وغايات موحدة واضحة. ثم لابد كذلك، إن أمكن، من سلوك نفس الطريق أو على الأقل من التأكد من أن حظوظ النجاح أكثر من حظوظ الفشل والضياع."

قال :
"إذن، نحن متفقون على صعيد المقدمات والأهداف: نحن أمام واقع مرير، وهذه مقدمة أو مقدمات، ونحن نريد تغييره إلى الأفضل وأفضل الأفضل، وهذه غاية أو غايات. وإذن فنحن مختلفون في الوسائل. والوسيلة التي تطرحها أي ما تسميه الديمقراطية قد جربناها، فما أعطت إلّا ما تعلم وتعرف."

لم أشأ أن اسأل صاحبي عن الوسيلة التي يقترحها هو، لاني لم أشأ أن أصل معه إلى نتيجة مماثلة، وهي أن الوسائل الأخرى لم تُسفر هي الأخرى إلّا عما يعلم ويعرف، ولكني فضلت الانطلاق من الواقع كما هو وليس من الممكنات التي ليست حاضرة الآن.

قلت لصاحي إذن :
"يبدوا أننا لا نختلف عن الوسيلة بقدر ما نختلف حول المقدمات والمنطلقات. أنا أنطلق من الواقع كما هو والتمس سبيلا إلى تغييره. أما أنت فتنطلق من الواقع كما تريده أن يكون. أنت تنطلق من ممكناته أنا انطلق من معطياته. وإذا شئت تعاملني معاملة الخصم الإيديولوجي فيمكن ان ترميني بـ((الاصلاحية)) و((الواقعية)) وتصف نفسك بـ((الشـورى)). ولكن دعنا من هذا التنابز بالألقاب، ولنتفق على أن ما يفصل بيننا هو انك تطمح إلى تحويل الممكنات غلى معطيات، بينما أنا أريد تحويل المعطيات إلى ممكنات. فعلا طريقك هو الأقرب.. ولكن طريقك هذا لا يكون طريقا إلّا إذا كنت تملك الوسيلة، أما إذا كنت تفتقدها فهو لاطريق.
واللاطريق يضع المرء في مأزق خطير: إما الانتحار الفوري، وإما الحلم الجميل-ولكن اليائس- وهو انتحار تدريجي."

قال :
"ما العمل في نظرك ؟"

قلت :
"إن الصراع في الوطن العربي وفي بلدان كثيرة أخرى، هو صراع من اجل السلطة. والطرف الذي يتكلم، بل أقول الذي يُحس ويشعر ويتألم، من موقع المحكوم المضطهد المغلوب على أمره يجب أن يبدأ من البداية: من المطالبة بـ((حق الكلمـة)). ذلك أن مأساتنا في الوطن العربي الراهن هو اننا لسنا فقط محرومين من الكلمة بل وأيضا من حق طلب الكلمة، الحق الذي دونه يفقد الإنسان هويته كإنسان. ذلك بانه دون هذا الحق لن يكون الإنسان ((حيوانا ناطقا)) بل سيبقى: ((حيوانا ... )) بإمكانك ان تملأ النقاط بما شئت. ولكن لتعلم انه دون وضع كلمة ((ناطق)) مكانها فغننا لن نحصل على ((الإنسان)): إذ دون ((النطق)) -أي العقل/الكلمة- لا تغيير ولا ثورة ولا إصلاح."

نظر إلي صاحبي واجما، ساكتا، ناطقا بصمت، فبادرت قائلا :
"أنا لا أريد أن أضعك في موقع المهزوم، فنحن جميعا مهزومون.. ومن موقعي وموقعك، موقع المهزومين أطالب بالديمقراطية، الديمقراطية التي تبدأ من اعتراف الحاكم للمحكوم بأول حق من حقوق الإنسان حق ((طلب الكلمة)). إننا نريد، على الأقل أن نتحدث عن هزيمتنا، عن أسبابها الذاتية والموضوعية، فهل نملك حق الكلمة في هذا الموضوع ؟."

قال ونحن نتوادع، قالها صامتا، قالها بعينيه: "نعم، نحن لا نملك حق الكلام حول هزيمتنا..."

وحينما انصرف وأخذ يبتعد أمام ناظري سمعت صوتا من داخلي يقـول:
الكلمة لا تعطى.. والحقوق لا تمنح.. إنما تؤخذ.. ويجب أن نأخذها. يجب ان نفرض الديمقراطية فرضا.. طال الزمن أو قصر.. ويجب أن ندفع الثمن.. صغر الثمن أو كبر.اهـ

كتاب: وجهة نظر! نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر
الفصل الرابع: مسألة الديمقـراطية
ص126-129

متروي
03-04-2011, 07:42 PM
الأخ الكريم موضوعك هذا هو نفس تعليقك السابق على الديمقراطية القذرة فأنت تمدح الديمقراطية بمقارنتها بالإستبداد و الديكتاتورية و هذا لا يخالفك فيه عاقل لكن طموحنا أكبر من طموحك و طموح الجابري الذي لا يمكن أن يكون لكلامه أي قوة و أي تأثير عند الكلام عن مسائل شرعية و فقهية فالإقتراح الذي نريده نحن هو الدولة الإسلامية التي تحكم بشرع الله و لكن مشكلة الجابري أنه يعتقد أنه لا وجود لدولة إسلامية بل و إستحالة وجودها .