المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم التوسل ..



مالك مناع
09-24-2005, 03:23 AM
يقول العلامة الألباني:

اضطرب الناس في مسألة التوسل، وحكمها في الدين اضطراباً كبيراً، واختلفوا فيها اختلافاً عظيماً، بين محلل ومحرم، ومغال ومتساهل، وقد اعتاد جمهور المسلمين منذ قرون طويلة أن يقولوا في دعائهم مثلاً:

(اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني) و

(اللهم إني أسألك بحق البيت الحرام أن تغفر لي) و

(اللهم بجاه الأولياء والصالحين، ومثل فلان وفلان..) أو

(اللهم بكرامة رجال الله عندك، وبجاه من نحن في حضرته، وتحت مدده فرج الهمّ عنا وعن المهمومين) و

(اللهم إنا قد بسطنا إليك أكف الضراعة، متوسلين إليك بصاحب الوسيلة والشفاعة أن تنصر الإسلام والمسلمين....). إلخ.

ويسمون هذا توسلاً، ويدّعون أنه سائغ ومشروع، وأنه قد ورد فيه بعض الآيات والأحاديث التي تقره وتشرعه، بل تأمر به وتحض عليه، وبعضهم غلا في إباحة هذا حتى أجاز التوسل إلى الله تعالى ببعض مخلوقاته التي لم تبلغ من المكانة ما يؤهلها لرفعة الشأن، كقبور الأولياء، والحديد المبني على أضرحتهم، والتراب والحجارة والشجرة القريبة منها، زاعمين أن ما جاور العظيم فهو عظيم، وأن إكرام الله لساكن القبر يتعدى إلى القبر نفسه حتى يصح أن يكون وسيلة إلى الله، بل قد أجاز بعض المتأخرين الاستغاثة بغير الله، وادعى أنها توسل، مع أنها شرك محض ينافي التوحيد من أساسه!

فما هو التوسل يا ترى؟ وما هي أنواعه؟ وما معنى الآيات والأحاديث الواردة فيه؟ وما حكمه الصحيح في الإسلام؟


التوسل في اللغة والقرآن:

معنى التوسل في لغة العرب

وقبل الخوض في هذا الموضوع بتفصيل أحب أن ألفت النظر إلى سبب هام من أسباب سوء فهم كثير من الناس لمعنى التوسل وتوسعهم فيه، وإدخالهم فيه ما ليس منه، وذلك هو عدم فهمهم لمعناه اللغوي، وعدم معرفتهم بدلالته الأصلية، ذلك أن لفظة (التوسل) لفظة عربية أصيلة، وردت في القرآن والسنة وكلام العرب من شعر ونثر، وقد عني بها التقرب إلى المطلوب، والتوصل إليه برغبة.

قال ابن الأثير في النهاية: (الواسل: الراغب، والوسيلة: القربة والواسطة، وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها وسائل)

وقال الفيروز أبادي في القاموس: (وسّل إلى الله تعالى توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إليه كتوسل)

وقال ابن فارس في معجم المقاييس: (الوسيلة: الرغبة والطلب، يقال: وسل إذا رغب، والواسل: الراغب إلى الله عز وجل، وهو في قول لبيد:


أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى *** كل ذي دين إلى الله واسل

وقال الراغب الأصفهاني في (المفردات): (الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة، لتضمنها لمعنى الرغبة، قال تعالى: وابتغوا إليه الوسيلة}، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسل: الراغب إلى الله تعالى).

وقد نقل العلامة ابن جرير هذا المعنى أيضاً وأنشد عليه قول الشاعر:


إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا *** وعاد التصافي بيننا والوسائل

هذا وهناك معنى آخر للوسيلة وهو المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة، كما ورد في الحديث تسمية أعلى منزلة في الجنة بها، وذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم:

((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله إلى الوسيلة، فإنها منزلة لا تبتغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)).

وواضح أن هذين المعنيين الأخيرين للوسيلة وثيقاً الصلة بمعناها الأصلي، ولكنهما غير مرادين في بحثنا هذا.


معنى الوسيلة في القرآن:

إن ما قدمته من بيان معنى التوسل هو المعروف في اللغة، ولم يخالف فيه أحد، وبه فسر السلف الصالح وأئمة التفسير الآيتين الكريمتين اللتين وردت فيهما لفظة (الوسيلة)، وهما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقوله سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}.

فأما الآية الأولى فقد قال إمام المفسرين الحافظ ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم، ووعد من الثواب، وأوعد من العقاب. (اتقوا الله) يقول: أجيبوا الله فيما أمركم، ونهاكم بالطاعة له في ذلك. (وابتغوا إليه الوسيلة): يقول: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه).

ونقل الحافظ ابن كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن معنى الوسيلة فيها القربة، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائل والحسن وعبد الله بن كثير والسُّدي وابن زيد وغير واحد، ونقل عن قتادة قوله فيها: (أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه) ثم قال ابن كثير: (وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.. والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود).

وأما الآية الثانية فقد بين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال:

(نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وهذا هو المعتمد في تفسير الآية).

قلت: وهي صريحة في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى، ولذلك قال: (يبتغون) أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة، وهي كذلك تشير إلى هذه الظاهرة الغريبة المخالفة لكل تفكير سليم، ظاهره أن يتوجه بعض الناس بعبادتهم ودعائهم إلى بعض عباد الله، يخافونهم ويرجونهم، مع أن هؤلاء العباد المعبودين قد أعلنوا إسلامهم، وأقروا لله بعبوديتهم، وأخذوا يتسابقون في التقرب إليه سبحانه بالأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، ويطمعون في رحمته، ويخافون من عقابه، فهو سبحانه يسفّه في هذه الآية أحلام أولئك الجاهلين، الذين عبدوا الجن، واستمروا على عبادتهم مع أنهم مخلوقون عابدون له سبحانه، وضعفاء مثلهم؛ لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وينكر الله عليهم عدم توجههم بالعبادة إليه وحده تبارك وتعالى، وهو الذي يملك وحده الضر والنفع، وبيده وحده مقادير كل شيء، وهو المهيمن على كل شيء.


الأعمال الصالحة وحدها هي الوسائل المقربة إلى الله:

ومن الغريب أن بعض مدعي العلم اعتادوا الاستدلال بالآيتين السابقتين على ما يلهج به كثير منهم من التوسل بذوات الأنبياء أو حقهم أو حرمتهم أو جاههم، وهو استدلال خاطئ لا يصح حمل الآيتين عليه، لأنه لم يثبت شرعاً أن هذا التوسل مشروع مرغوب فيه، ولذلك لم يذكر هذا الاستدلال أحد من السلف الصالح، ولا استحبوا التوسل المذكور، بل الذي فهموه منهما أن الله تباك وتعالى يأمرنا بالتقرب إليه بكل رغبة، والتقدم إليه بكل قربة، والتوصل إلى رضاه بكل سبيل.

ولكن الله سبحانه قد علمنا في نصوص أخرى كثيرة أن علينا إذا أردنا التقرب إليه أن نتقدم إليه بالأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، وهو لم يكل تلك الأعمال إلينا، ولم يترك تحديدها إلى عقولنا وأذواقنا، لأنها حينذاك ستختلف وتتباين، وستضطرب وتتخاصم، بل أمرنا سبحانه أن نرجع إليه في ذلك، ونتبع إرشاده وتعليمه فيه، لأنه لا يعلم ما يرضي الله عز وجل إلا الله وحده، فلهذا كان من الواجب علينا حتى نعرف الوسائل المقربة إلى الله أن نرجع في كل مسألة إلى ما شرعه الله سبحانه، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعني ذلك أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الذي وصّانا به رسولنا محمد صلوات الله عليه وسلامه حيث قال:

((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله))
.
متى يكون العمل صالحاً:

وقد تبين من الكتاب والسنة أن العمل حتى يكون صالحاً مقبولاً يقرب إلى الله سبحانه فلا بد من أن يتوفر فيه أمران هامان عظيمان:

أولهما: أن يكون صاحبه قد قصد به وجه الله عز وجل.

وثانيهما: أن يكون موافقاً شرعه الله تبارك وتعالى في كتابه أو بينه رسوله في سنته فإذا اختل واحد من هذين الشرطين لم يكن العمل صالحاً ولا مقبولاً.

ويدل على هذا قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

فقد أمر سبحانه أن يكون العمل صالحاً، أي موافقاً للسنة، ثم أمر أن يخلص به صاحبه لله، لا يبتغي به سواه.

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم). وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله وغيره.

انتهى كلامه رحمه الله ..

مالك مناع
09-24-2005, 03:38 AM
السؤال : ما حكم التوسل وما أقسامه ؟

الجواب : التوسل اتخاذ الوسيلة . والوسيلة كل ما يوصل إلى المقصود فهي من الوصل لأن الصاد والسين يتناوبان ، كما يقال : صراط وسراط ، وبصطة وبسطة .

والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ، ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سبباً للقبول ، ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ، فمن جعل شيئاً من الأمور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ، إذ كيف يدري ما جعله وسيلة مما يرضاه اله تعالى ويكون سبباً في قبول دعائه ؟ والدعاء من العبادة ، والعبادة موقوفة على مجيء الشرع بها . وقد أنكر الله تعالى على من اتبع شرعاً بدون إذنه وجعله من الشرك فقال تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) وقال تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) .


والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان :

القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة ، وهو أنواع :

الأول : التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله ، فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتصية له أو بالفعل المقتضي . قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) فيقول : اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي ، ونحو ذلك ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخالق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ) . رواه النسائي . وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم ) . رواه البخاري ومسلم .

الثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته كقوله عن أولي الألباب : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمونا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) . وقوله : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا ) . وقوله عن الحواريين : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) .

الثالث : أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره وحاجته كقول موسى عليه الصلاة والسلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) .

الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته ، كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ، مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ادع الله أن يغيثنا ، رواه البخاري ومسلم . وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يجعلني منهم . رواه البخاري ومسلم .

وهذا إنما يكون في حياة الداعي أما بعد موته فلا يجوز ، لأنه لا عمل له فقد انتقل إلى دار الجزاء ، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : قم فاستسق ، فقام العباس فدعا .

وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما ً ) ، وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي .. وذكر تمام القصة فهذه كذب لا تصح ، والآية ليس فيها دليل لذلك ، لأن الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) . ولم يقل : إذا ظلموا أنفسهم . و( إذا ) لما مضى لا للمستقبل ، والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق .


القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :

أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع كتوسل المشركين بآلهتهم ، وبطلان هذا ظاهر .

الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع وهذا محرم ، وهو نوع من الشرك ، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جاه عند الله فيقول : أسألك بجاه نبيك . فلا يجوز ذلك لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ، ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعاء ، لأنه لا يتعلق بالداعي ولا بالمدعو ، وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك أو دفع مكروبك ، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ، والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبين ربك . والله الموفق .

من فتاوى العلامة ابن عثيمين رحمه الله .

مالك مناع
09-25-2005, 01:20 AM
يقول الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى-:

((....ولعل سبب الخطأ في هذه النقطة بالذات راجع إلى جهل كثير من الناس لغة الصحابة، وعرفهم، واستعمالهم.
ولنستوضح الأمر، فلنسمع ما قاله عمر بن الخطاب _ في عام الرمادة، وهو العام الذي أصيب فيه المسلمون بالقحط والجفاف في عهد عمر رضي الله عنه، فجمع عمر الناس للاستسقاء، ثم قال: " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، فالآن نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا. ثم نطلب من العباس أن يدعو الله، فقام العباس فدعا الله تعالى فسقاهم الله" أخرجه البخاري.

والشاهد من القصة قول عمر: كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، فيا ترى ماذا يعني عمر بقوله: كنا نتوسل إليك؟
هذا هو السؤال الذي يقتضيه المقام، وهو السؤال الذي يدور في رأس كل مستمع تقريباً، ويكاد أن ينطق به كل لسان، وينبغي أن يكون نص السؤال هكذا: كيف كانوا يتوسلون به في حياته؟ ولماذا عدلوا عن التوسل به بعد وفاته إلى التوسل بغيره؟
وبالإجابة على هذين السؤالين يزول كل إشكال، ويتضح وجه الصواب-إن شاء الله- لطلاب الحق.

فنقول -مستعينين بالله- :التوسل الذي عناه عمر رضي الله عنه هو الذي وضحه حديث أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين ولفظه هكذا: ((إن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله قائم يخطب فاستقبل رسول الله ¢ قائماً ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله يديه ثم قال: الله أغثنا، اللهم أغثنا-ثلاثاً- قال أنس: والله ما نرى من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت. قال أنس: والله ما رأينا الشمس سبتاً-أي أسبوعا- قال أنس: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله قائم فاستقبل قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا.
قال أنس: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: الله حوالينا لا علينا، الله على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر. فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس))

قال شريك راوي الحديث: "فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري".

هذا مثال من أمثلة توسلهم برسول الرحمة في حياته صلى الله عليه وسلم.

وهناك مثال آخر ما تضمنته قصة الأعمى المشهورة، وملخصها: (( جاء رجل أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يدعو الله له ليرد الله عليه بصره، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يصبر على عماه، وهو خير له وبين أن يدعو الله له، فقال الأعمى : بل ادع الله، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يدعو بالألفاظ التالية: ((اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا رسول الله، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه فيَّ)) أخرجه الترمذي (3578) وابن ماجه(1375) من حديث عثمان بن حنيف _، وصححه الإمام الألباني في صحيح الجامع(1279).

هذه قصة الأعمى: فأجاب الله دعوة نبيه، كما أجاب دعوة الصحابي المسكين، وحقق أمنيته فرد عليه بصره العزيز.
ففي كلتا الواقعتين آية من آيات النبوة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى، وإلى هذا النوع من التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته أشار عمر في عام الرمادة بقوله: ((اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك)).

وقد عرفنا كيف كانوا يتوسلون به صلى الله عليه وسلم يطلبون من الدعاء، يطلبون منه أن يدعو الله لهم ليغيثهم، يطلبون منه فيدعو الله لهم ليرد الله بصر من فقد بصره والله على كل شيء قدير وحده، وربما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من طلب منه الدعاء أن يتضرع إلى الله ليجيب دعوة نبيه له صلى الله عليه وسلم إذا توجه به إلى ربه، وطلب منه الشفاعة كما يظهر ذلك جلياً في قصة الأعمى، وعلى كلٍّ فالمدعو هو الله، والمرجو هو الله، والذي يغيث العباد وينزل الغيث هو الله وحده لا شريك له، ولكن النبي يدعو ويشفع، وكذلك ورثته من العلماء الصالحين.

ومن هاتين الواقعتين، ومن هذا السياق نعلم أن جمهور المسلمين جهلوا لغة الصحابة في معنى التوسل واستعمالهم، فغيروا الحقائق، فغلوا في الصالحين فدعوهم من دون الله واستغاثوا بهم، ثم قالوا: إنما نتوسل بهم، بل هذه من محبته جهلاً منهم أو تجاهلاً، ولعلنا لا نختلف في وجهة خطأ هذا الاتجاه بعد أن عرفنا معنى التوسل في الحديثين السابقين.

ومن المعلوم ضرورة أن الأسماء لا تغير الحقائق؛ فالخمر خمر طالما تسكر ولو سميت ماء عذباً أو لبناً خالصاً سائغاً للشاربين أو عسلاً مصفى، فالدعاء والاستغاثة والذبيحة والنذر عبادة ولو سماها أهلاها توسلاً أو تبركاً أو محبة للصالحين.

وهكذا يتم الجواب على السؤال الأول القائل: كيف كانوا يتوسلون بالني صلى الله عليه وسلم في حياته.

لننتقل إلى الجواب على السؤال الثاني وهو لماذا عدلوا عن التوسل به بعد وفاته، وملخص الجواب على هذا السؤال كالآتي:

أولاً: ورود السؤال بهذه الكيفية وبهذه الصيغة يدل على تصوره معنى التوسل في لغة الصحابة وعرفهم كما قلنا آنفاً.

ولو كان السائل تصور معنى التوسل بالنبي في قول عمر السابق الذكر لأراح نفسه وأراحنا معه، وهو طلب الدعاء منه صلى الله عليه وسلم ، وأن ليس في إمكان أي أحد أن يذهب إلى رسول الله بعد وفاته ليشكو إليه حاله من القحط والمرض وذهاب البصر، ليدعو الله كما كان يفعل ذلك في حياته في الدنيا؛ لأن الحياة البرزخية التي انتقل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم حقيقتها إلا الله، ولذا عدلوا عن التوسل به -أي: عن طلب الدعاء منه إلى طلب الدعاء بعضهم من بعض كما فعل عمر رضي الله عنه مع عم النبي العباس بن عبد المطلب.

ولأن التوسل لم يكن بجاهه وكرامته ومنزلته عند الله كما زعم بعض الناس،ولو كان الصحابة يعلمون أو يعتقدون أن التوسل إنما هو بجاهه ومنزلته وكرامته على الله لما عدلوا عنه، ولأن جاهه ومنزلته وكرامته على الله لم ينقص من ذلك شيء بوفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، بل هو أعظم جاهاً من كليم الله موسى عليه السلام الذي قال الله في حقه:{وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (69) سورة الأحزاب ومن عيسى روح الله وكلمته المذكور في قوله تعالى:{وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (45) سورة آل عمران وغيرهما من أنبياء الله ورسله، ولأنه سيدهم وأفضلهم على الإطلاق وإمامهم وقد صح عنه أنه قال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وقال: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع(1467).

ولكن الله لم يجعل جاه أحد من خلقه سبباً لقضاء الحاجات وكشف الكربات وإجابة الدعاء، ولا يكون سبباً لهذه المعاني وغيرها إلا ما جعله الشارع ودل عليه العباد.

هذه هو السر الذي جهله كثير من الناس، وتجاهله الآخرون تحت تأثير الهوى والتقاليد، حتى وجهوا صريح العبادة لله باسم التوسل، وأحيوا بذلك حياة الجاهلية في حين لا يعلمون والله المستعان. إذ لا معنى لقول القائل: ((اللهم أجب دعوتي، لأن فلاناً رجل ذو جاه عندك وذو منزلة وكرامة".

لأنه لا علاقة بين جاهه وإجابة دعاء هذا القائل لأن جاهه ليس من عمله، وإنما يتوسل الإنسان بعمل نفسه أو بدعاء غيره، والصواب في هذه النقطة أن يقول المتوسل: اللهم إني أدعوك وأتوسل إليك بإيماني بنبيك محمد ومحبتي له واتباعي لسنته عليه الصلاة والسلام، لأن إيماني بالنبي ومحبته واتباع سنته من أعظم الأعمال وأحبها وأنفعها عند الله، ومن توسل إلى الله ودعا الله بهذه الأعمال فقد توسل إليه بأحب الأعمال وأعظمها عند الله.

ومن الخطأ- أحسبه متعمداً- أن يظن بأن منكر التوسل بالجاه هو منكر للجاه نفسه- ما أسوأه من ظن- إذ بين الإنكارين فرق كبير وبون شاسع، فإنكار التوسل بالجاه إنكار للبدعة، وإنكار البدع شعبة من شعب الإيمان، لأنه من باب إنكار المنكر، وأما إنكار جاهه صلى الله عليه وسلم فشعبة من شعب الكفر؛ لأن إنكار جاهه صلوات الله وسلامه عليه ومنزلته وكرامته على الله يعني انتقاصه صلى الله عليه وسلم وذلك ردة على الإسلام -عياذا بالله-.

لأنه يتنافى والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإيمان الذي يعبر عنه حبه وتوقير واتباع سنته إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))أخرجاه.

وقد سلك هذا المسلك الكثير من المغرضين، وأعلنوا للعامة الأغمار أن الذين ينكرون التوسل بجاه النبي إنما يفعلون ذلك لأنهم يكرهون النبي ما أعظمها من فرية!! وهي مغالطة ساخرة ورخيصة يترفع عنها كل مسلم منصف يخاف الله ويراقبه ويحسب كلامه وأعماله، وإنما يتورط في هذه الفرية ويهبط إلى هذا المستوى بعض المغرضين الذين يضحكون على عقول العوام غاشين غير ناصحين، ويفسرون لهم محبة الرسول بالاستغاثة به ودعائه من دون الله أو مع الله.

والتوسل بجاهه وإقامة المولد له صلوات الله وسلامه عليه تلبيساً منهم على العوام وكتماناً للحق وهذا الصنف من الناس هم حجر عثرة في سبيل الدعوة والدعاة هداهم الله، وألهمهم رشدهم.

ومما يزيد المقام وضوحاً، ويقطع دابر تلك الأوهام التي لا تزال عالقة بأذهان بعض العوام وأشباه العوام من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للناس بعد موته ويتوسل به بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، مما يقطع دابر هذه الأوهام حديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب المرضى عن عائشة-رضي الله عنها- أنها قالت ذات مرة وهي مريضة: ((وارأساه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك)).

ومفهوم الحديث: أما لو مت قبلك فليس في إمكاني أن أفعل كل ذلك، وهذا معنى لا يختلف فيه اثنان من طلاب الحق، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. ثم إن عدول الصحابة عن التوسل به بعد وفاته يدل أيضاً على أن التوسل به لم يكن بالذات؛ إذ لو كان كذلك لما عدلوا عنه لأن جسده الشريف لم يزل ولن يزال محفوظاً في قبره إلى يوم البعث؛ لأن الله حرم على الأرض أن تأكل جسد الأنبياء، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره. صححه الألباني في صحيح الجامع.


أسأل الله أن ينفعنا و ينفعكم بذلك وهدانا وإياكم إلى ما يحب ويرضى من الأقوال الحميدة والرفق في الأمر كله.

مالك مناع
09-26-2005, 10:53 AM
سئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى‏:‏

هل يجوز التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم أم لا ‏؟‏


فأجاب ‏:‏

الحمد لله، أما التوسل بالإيمان به، ومحبته وطاعته، والصلاة والسلام عليه، وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك، مما هو من أفعاله، وأفعال العباد المأمور بها فى حقه، فهو مشروع باتفاق المسلمين، وكان الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ يتوسلون به فى حياته، وتوسلوا بعد موته بالعباس عمه، كما كانوا يتوسلون به‏.‏

وأما قول القائل‏:‏ اللهم إنى أتوسل إليك به‏.‏ فللعلماء فيه قولان، كما لهم فى الحلف به قولان‏.‏ وجمهور الأئمة ـ كمالك والشافعى وأبي حنيفة ـ على أنه لا يسوغ الحلف بغيره من الأنبياء والملائكة‏.‏ ولا تنعقد اليمين بذلك باتفاق العلماء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى تنعقد اليمين به خاصة دون غيره؛ ولذلك قال أحمد فى منسكه الذى كتبه للمروذى ‏[‏أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذى، صاحب الإمام أحمد، حدث عن أحمد بن حنبل ولازمه وعن هارون بن معروف ومحمد بن منهال وروى عنه أبو بكر الخلال وعبد الله الخرقى، ولد فى حدود المائتين، وتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين‏.‏ ‏[‏سير أعلام النبلاء 13 173-175‏]‏ صاحبه‏:‏ إنه يتوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم فى دعائه، ولكن غير أحمد قال‏:‏ إن هذا إقسام على الله به، ولا يقسم على الله بمخلوق، وأحمد فى إحدى الروايتين قد جوز القسم به، فلذلك جوز التوسل به‏.‏
ولكن الرواية الأخرى عنه ـ هى قول جمهور العلماء ـ أنه لا يقسم به، فلا يقسم على الله به كسائر الملائكة والأنبياء، فإنا لا نعلم أحداً من السلف والأئمـة قال‏:‏ إنه يقسم به على الله كما لم يقولوا‏:‏ إنه يقسم بهم مطلقا؛ ولهذا أفتى أبو محمد بن عبد السلام‏:‏ أنه لا يقسم على الله بأحد من الملائكة والأنبياء وغيرهم، لكن ذكر له أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث فى الإقسام به فقال‏:‏ إن صح الحديث كان خاصاً به، والحديث المذكور لا يدل على الإقسام به، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد أشرك ، والدعاء عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع‏.‏ والله أعلم‏.


سئل الشيخ العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى:

ما حكم التوسل بسيد الأنبياء ، وهل هناك أدلة على تحريمه ؟


الجواب : التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل ، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص لله في العبادة ، فهذا هو الإسلام ، وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه ، وهو الواجب على كل مكلف .. وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة ، أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى – فهذا هو الشرك الأكبر ، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان ، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام .
وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان : أسألك يا الله بنبيك ، أو جاه نبيك ، أو حق نبيك ، أو جاه الأنبياء ، أو حق الأنبياء ، أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك ، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ، ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك ، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا مادل عليه الشرع المطهر .

وأما توسل الأعمى به في حياته صلى الله عليه وسلم فهو توسل به صلى الله عليه وسلم ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه ، وليس توسلاً بالذات أو الجاه أو الحق كما يعلم ذلك من سياق الحديث ، وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث . وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتبه الكثيرة المفيدة ، ومنها كتابه المسمى ( القاعدة الجلية في التوسل والوسيلة ) وهو كتاب مفيد جدير بالإطلاع عليه والاستفادة منه . وهذا الحكم جائز مع غيره صلى الله عليه وسلم من الأحياء كأن تقول لأخيك أو أبيك أو من تظن فيهم الخير : ادع الله لي أن يشفيني من مرضي أو يرد علي بصري أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك بإجماع أهل العلم . والله ولي التوفيق

مالك مناع
09-27-2005, 09:58 AM
سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام ؟

الجواب : التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أقسام :

أولاً : أن يتوسل بالإيمان به ، فهذا التوسل صحيح مثل أن يقول : اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي . وهذا لا بأس به . وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في قوله : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا . ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) ، ولأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً .

ثانياً : أن يتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم أي أن يدعو للمشفوع له ، وهذا أيضاً جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) . رواه البخاري . وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا . فالتوسل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه جائز ولا بأس به .

ثالثاً : أن يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في حياته أو بعد مماته – فهذا توسل بدعي لا يجوز ، وذلك لأن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول : اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني . لأن الوسيلة لا بد أن تكون وسيلة ، والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء ، فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع .

وعلى هذا فنقول التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام :


القسم الأول : أن يتوسل بالإيمان به واتباعه ، وهذا جائز في حياته وبعد مماته .

القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ، فهذا جائز في حياته لا بعد مماته لأنه بعد مماته متعذر .

القسم الثالث : أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله ، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته ، لأنه ليس وسيلة ، إذ أنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده لأنه ليس من عمله .

فإذا قال قائل : جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أو لا ؟

قلنا : لا يجوز ، فإذا قال أليس الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) . قلنا له : بلى إن الله يقول ذلك ، ولكن يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا ) ( وإذ ) هذه ظرف لما مضى وليست ظرفاً للمستقبل لم يقل الله : ( ولو أنهم إذا ظلموا ) بل قال : ( إذ ظلموا ) فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . رواه مسلم . فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد ، بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً لأن العمل انقطع .



---------***-----------

السؤال : هل هذا الحديث صحيح ، وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء ؟ الحديث هو : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال : ( اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون ) ؟

الجواب : هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري ، لكن من تأمله وجد إنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ، وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة ، والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود ، والوسيلة المذكورة في هذا الحديث : ( نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وشسلم ، كما قال الرجل : ( يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ) . ولأن عمر قال للعباس : قم يا عباس فادع الله ، فدعا ، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل بالعباس ، لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله أعظم من جاه العباس وغيره ، فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم دون جاه العباس بن عبد المطلب .
والحاصل أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به ، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وكذلك عمر رضي الله عنه توسل بدعاء العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه .

فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً ، وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب ، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء ، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه لأن ذلك يضره .

كما أنني أيضاً أقول : إن هذا جائز ولكنني لا أحبذه ، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله ، وأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية ، كما أنني أيضاً أرغب من أن الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له أن ينوي بذلك الإحسان إليه أي إلى هذا الداعي دون دفع حاجة هذا المدعو له لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم ، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه بالإحسان إليه ، والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف – كان هذا أولى وأحسن والله ولي التوفيق .