المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرة العينين في حصاد الثورتين (الشيخ حامد العلي)



أبو القـاسم
03-08-2011, 10:17 AM
قرّةُ العَيْنيْنِ فيِ حَصَادِ الثَّوْرتيْن
ورسالة مهمـّة للحالـة السعوديـّة خاصـّة

حامد بن عبدالله العلي

لم يكد يحـلّ علينا هذا العـام السعيد حتى حلّت علينا بركات السماء ، بهذه البراكـين ، والزلازل الشعبية الميمونـة ضدّ الطغاة ، ونحن متفائلون _ بإذن الله تعالى _ أنـّه إعصار شامل إنـطلق ولن يُبقي طاغيـة ولن يذر ، حتى يجتـثّ ثقافة الإنبطاح ، والخنوع ، والهزيمة النفسية التي زرعتها هذه الأنظمة الفاسدة في الشعوب ، وسقتها بإعلامها الكذّاب الخبيث ، ودعمتها بفتاوى شيوخ النفاق حمير الطغيان ، ومطايا البهتان ، لكي تُقطف ثمارها هناك في عواصم التحالف الصهيوصليبي ، ليبقى مهيمنا على أمتنا ، منتهكا لمقدّساتنا ، منتهكا لكرامتنا ، مغتصبا لحقوقنا .

وذلك في الوقت الذي يُهدَّد المسجد الأقصى حتى يكاد ينهار ، وتهُوَّد قدسنا العظيمـة ، ويُسام شعبنا العملاق في فلسطين سوء العذاب ، وتحتل بلادنا ، ويستهان بدماء شعوبنا المسلمة في كلِّ مكـان .

وإنَّ في قلـبي لحسرة أن فاتـني إلتقـاط صورة خالدة مع صفوة الأحرار ، هناك في القاهرة ـ قاهرة الطغاة هكذا فلنسمـّها من اليوم فصاعـدا ـ من أعلى قامة في كوكب الأرض ، أعني : ميدان الثورة ، أو ميدان التحرير ، أو ميدان الشهداء ، ومن هناك أبدو في الصورة ، وأنا ألقـي بنظرة إزدراء إلى الأقـزام في أودية السفالـة : طغاة العرب ، وملاحقهم اللصوص الثلاث : سرّاق مال الأمة ، وسرّاق ثقافتها ، وسرّاق دينها ! وإلى لعنة الله تعالى الأبدية أيُّها السقـط

ولندخـل في المقصـود ، ففي الثـورتين المباركـتين سبعـة دروسٍ مهـمّة :

1ـ سبحان الله .. أنـظروا كيف تجلَّت كلمة الله تعالى العليّة المقدّسة : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ) ، فالجماهير التي أسقطت أشد الأنظمة العربية ( فرعنةً ) ، وأحكمها قبضة أمنية ، في تونس ، ومصر ، لم تكن تملك إلاّ حناجرها المباركة ، وهي تطلق صيحة ( الشعب يريد إسقاط النظام ) فلم تزل تزلزل صيحة الحقّ هذه ، عرش فرعون حتى تهاوى ، وفرَّت كلابه من بين يديه ، ومن خلفه ، مذعورة تصم آذانها صيحاتُ الحق ، وتعمي أبصارَها أنوارُه !

2ـ وسبحان الله أيضـا .. تأمّلوا ماذا جرى لكلّ ذلك النفاق الذي كانت وسائل الإعلام الممتـدَّة على مدى البصر ، تلـوِّث هواءَنـا بـه ، ذلك النفاق كلَّه ، أهازيجه ، وأغانيـه ، وأبواقه ، وأقلامه ، طيلة ثلاثين عاما ، ثم ضاعفت جرعات النفاق مع الأيام الأخيرة محاولـةً إنقاذ الطغاة ،

تأملـُّوا كيف تلاشـت أمام صيحة الحقِّ في أيامٍ معدودات ، فصار كلُّ ذلك النـفاق ، والكذب ، والزيـف ، هباءً منثـوراً ، كأن لم يغـنَ بالأمس !

سبحان الله .. كأنَّ صيحـات الحـقّ في ميدان التحريـر .. عصى موسى التي تلقف ما يأفكون ، فرعـون وسحـرته !

3ـ قال الحق سبحانه : ( ليميز الله الخبيث من الطيب ، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنـم ) ،

من أهـمّ دروس الثورتين أنهـما ميـّزتا بين الطيب والخبيث ، بين المثقف الشريف ، والمنافق المتزلّف ، بين الإعلامي النظيف ، ومهـرّج الشاشة المتملـّق السخيف ، بين علماء الشريعة الأحرار ، وعلماء البلاط الفجار .

بين قناة واحدة كانت تنقـل الحقيقة ، وعشرات القنوات التي كانت تكذب ، وتكذب ، وتكذب ، بلاحيـاء ، تقودها قناة ( العبـريَّة ) ، وكأنّ كلَّ صحفييها الذين أقسموا على شرف المهنة ، حثالة من الأفَّاكــين ، وشرذمة من لحاسي الأحذية ، وأتعجـب والله كيف ينام هؤلاء على فرشهم ، وبين ضلوعهـم هـذه النفوس المنافقـة ، ذوات الروائح المنتنـة !!

ولو لـم يكن في بركات الثورة إلاّ هذه الفضيلة لكفاها فخـراً .

4ـ ومن هنا فينبغي لنا أيّتهـا الأمـّة أن نصدر قائمة نطلق عليها (قائمة العـار) ، فهـي قائمة : ( أبي لهب وامرأته حمّالـة الحطب ) ، ولندرج فيها كلّ الذين وقفوا _ ووقفـن _ ضدّ إرادة الشعـوب الحـرّة ، وطبّلوا مع الطغاة ، ورموا الأشواك في طريق ثورات الحريـّة ، كما خلَّد الله تعالى في القرآن خزي أبي لهب وامراته ، جزاءً وفاقـاً لسعيهم في إبقاء عروش الطغاة جاثمة على صدْر الأمة ، وإهدارهم دماء الشعوب الثائرة لحقوقها ، بتسميتهم ، مثيري الفتنة ، والخوارج ، والمفسدين !

5ـ ما جـرى في الثورتين دليـلٌ واضح علـى ما ذكرنـاه قديمـا ، وفي مواضع متعددة ، أنَّ من أهم مفاتيح التغيير الذي ننشده : التفريق بين نهج التعامل مع الإحتلال الأجنبي ، ونهج التعامل مع الطغـاة والسلطات المستبدّة في بلادنـا ، وأنَّ الخلط بينهما أدَّى إلى كوارث كبيرة على مسيرة المشروع الإسلامي .

فهذه المعادلة هي أوّل معادلات التغيير التي تحتاجها أمُّتنا اليوم ، ويجب أن ننتبه إلى أن الثورتين نجحتـا لأنهما انتهجتا نهج التغيير السلمي الذي ينطلق من حقّ الشعوب في الإحتجاج السلمي الذي يطالب بتغيير النظام _ ولو كان في الثورتين سلاح كلاشنكوف واحد لفسد الأمر ، وانتصر النظام _ وقد ثبت بلا مراء إمكان نجاح هذا النهـج نجاحـاً باهـراً ، وبوقـت قياسيّ ، وبأقل تكلفة ممكنة ،

وإن إحتاج إلى الصبـر حتـَّى يكتـمل الوعي في الشعوب فليكـن ، وقد مضى في حِكَم الأولين : ليس المنتصر من يغضـب ، ولكنـه الذي يعـرف متى يطلق الغضـب.

أما المعادلة الثانية : فهي أنّ حشـد التأييد من جميع مكوّنات المجتمع ، للخلاص من الخـطر الأكبـر _ الذي هو خطر على الجميـع _ أولا ، هـو سرُّ النصـر على الطغـاة ، لأنهـم إنما يقتاتون على تفـرُّق الشعب ، وتناحره ، كما قال تعالى عن فرعون ( وجعل أهلها شيعا ) .

وهذا هو سببُ صنعِ المخابـرات للحركة الدينية المشبوهـة التي ليس لها هم سوى الطعن في الجماعات الإسلامية التغييريـة ، ونشر عيوب المصلحين ، أعني (الجماعة الإنبطاحيّة) ، إلى جانب المثقفين المزيفين ، والكُتّـاب المأجورين ، وسائر جوقة المنافقين ، الذين يلمّعون أقـدام الطغـاة.

وبإختصار : النجـاح في التغييـر يكمـن في البدء بإزالة التناقض الأكبر ، وحلّ المشكلة الأخطـر ، وفق ميزان تقديـم الأولـيّات ، والأهـمّ على المهـم .

وهذا هو مقتضى الشريعة ، وعين الحكمة ، وقد كنت أقول لبعض الأخوة في العراق إنّ مشاركتهم في مشروع كبير للمقاومة الشريفة الصادقة يشمل جميع القوى المناهضة للإحتلالين الإيراني ، والأمريكي ، ولو في إطار وطنـي عام ، يقوده من يوثق بإخلاصهم ، مثل هيئة علماء العراق ، يحقـِّق هذا الهدف في مرحلـة أولـى ، خيـرٌ من هذا التفرُّق الذي لايستفيد منه إلاّ المحتـلّ ، وأنّ المشاريع البديلة وإن امتلأت بالحماس المشكـور ، هـي جزئية ، وقاصرة ، وقصيرة النظر ، ولهذا هـي عقيمـة .

وغيـر أنـّه _ وللأسـف _ مدارك الوعي عنـد البعض لـم تستوعب أبعـاد هذه النظـرة !

وكم تُشكَـر حركة حماس على توظيف هذا المدرك العظيـم النافع ببراعة جمعت يبن الحفاظ على الثوابت ، و المناورة الذكية في المتغيـِّرات .

وقد كتبتُ التأصيل الشرعي لهذا الفقه الواسع في رسالة صدرت في أواخر التسعينات الميلادية بعنوان ( قاعدة تعارض المصالح والمفاسد ، وتخريج بعض فروعهـا ) ، وهي على الموقع ، وقد ذكرت ثـَمَّ النصوص والقواعد الشرعية ، ونقلت هناك من كلام أهل العلم ما يغنـي عن نقله هنا في هذا المقال المقتضـب .

هذا .. وأمـّا تطبيقها على الثورتين التونسية ، والمصرية ، فهـو أننـا كلـُّنا قـد دعمنـا الثورتين ، مع أنَّ أيـَّا منهما لم تكن ثورة إسلامية وفق ما ننشده ، ولكن لمِـا يترتب عليهما من مصالح عظيـمة تربـو على المفاسد المقترنـة بها .

إذ من الواضح أنَّ ما يُدرء بهما من مفاسد النظام ، أعظـم بكثير مما يقع بهما من مفاسد متوقَّـعة لنهج علمانـي ،

ولأنَّ القاسم المشترك الذي حرَّك جمهـور الثائرين هو التخلُّص من المظالم ، ونيل الحقوق ، وتحقيق العدل ، وهـذه من أعظم مقاصد الدين الحنيف ، وأهداف المشروع الإسلامي ، فوجـب علينا أن يكون لنا دورٌ رئيسٌ فيه ، إن لم نـكن نحن الذين نقـوده .

ولاننسـى أنَّ المشروع الإسلامي الذي كان يعاني طيلة العقود الماضية ، هو أعظم المستفيدين من أجواء الحريـّة ، إذ نحن بين شعب مسلم ، عامّتـه لـن يقف في وجه خطاب القرآن ، وهداية السنـَّة بإذن الله تعالى ،

فلم الخـوف من الحريـّات السياسية ، ونحن نعلـم أنها هي التي ستحملنا على أجنحتهـا إلى مواقع التأثيـر الثقافـي ، وصنع القرار السياسي ؟!

والخلاصة أنَّ مشاركتـنا _ نحن الإسلاميـن _ مع غيرنـا في مشاريع تعود بمصالح راجحة على الأمـّة ، أمـرٌ مشروع ، وقد يكون واجبا ، ولا يخفى هذا على من يفقه هذه الشريعة الدائرة على تحقيق مصالح العباد ، ودرء الشـرور ما أمكـن .

6ـ تأمّلـوا معي براعة وإبداع الثائرين المصريين في استثمـار مبـدأ إغـتنام الفرص ، عندما استغلوا الأجـواء التي صنعتها الثورة التونسية ، فأطلقوا مشروع تغييـر وإصـلاح هـو الأكبـر في تاريخ أمِّتنـا منذ قرن مضـى .

وما أدراك ما إغتنام الفرص ! إنـّه من أهـم مفاتيح النجاح ، ألم تروا كيف أن أعظـم معركة في الإسلام كانت إغتنام فرصة سنحـت ، وهي فرصة عير قريش ، فكانت معركة بدر العظمـى !

فيا أيها العلماء ، والمصلحون ، والمثقفون الشرفاء ، وحملة همّ الأمة ، في كلّ البلاد العربية ، والإسلامية ، لاتفوتـنّكم هذه الفرصة التاريخية التي فُتحت لكم أبوابـها بالثورتين التونسية ، والمصرية ، واهتبلوها بأسرع ما يمكنـكم قبل أن تغـلق الأبـواب ، وتنقطـع الأسباب .

وذلك بإطلاق مشاريع الإصلاح الشامل كما بيَّنـا في بيـان الدعوة إلى إطلاق الثورة العربية الكبرى .

7ـ وأوّل من يجب عليهم إغتنام هذه الفرصة هم علماء ، ومثقفو الخليج ، وعندما نتحدث عن الحالة الثقافية في الخليج ، فالحالة السعوديـة تأتي في المقدمة ، بل المسؤولية الملقاة عليها لاتقـل عن تلك الملقاة على الحالة المصرية _ التي أدّت ما عليهـا _ فبهمـا تنهض الأمـّة بأسرها ، من جاكرتها إلى نواكشـوط ، ومن أسطنبول إلى عدن ،

أما بقيـّة دول الخليج الصغيرة ، فتأتي تبعـا ، مع أنَّ الكويت قد خطت خطوات إيجابية في أسلوب التعامل مع المعارضة ، لكن لازالـت الحكومـة تعيش في أجواء من عهود التخلـُّف ، وبقايا من عقلية ( السادة والعبيد ) ، ومهزلة ( الشيوخ أبخص ) ، وخرافة ( ولاة الأمر أدرى بالمصلحة ) ! ونرجوا أن يكون تفاؤل المعارضة بإصلاح كبير وشامل قادم ، هـو فـي محـلّه !

هذا .. وقد أطلـَّت أول إطلالـه خيـر في السعودية ، بإنشاء حزب سياسي إسلامي للتغيير السلمي _ حزب الأمـّة الإسلامي _ وذلك لإطلاق مشروع الإصلاح الشامل الذي يقوم على :

أولا : المشاركة الشعبية في الحكم ، والمال العام ، وفي الرقابة على أداء السلطـة المنتخبـة ، وفي المحاسبة العلنيّة ، على أساس مبدأ تداول السلطة ، وفصل السلطات ، وإحترام كامـل للإرادة الحـرَّة للشعوب ، بما في ذلك منحها حـقّ إستعمال وسائل الإحتجاج السِّلمـي للإصـلاح.

وثانيا : إقامة العدالـة بمفهومهـا الإسلامي العام الصارم ( لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعـت يدها ) ، وتفعيل كلّ أدواتها من إصلاح القضاء ، إلى إقامة مؤسسات الشفافية التي تشرف على الإنفاق من المال العـام ، لافرق بين مأمـور ، وأميـر ، ولا بين مسؤول ، وموظف صغيـر .

وثالثا : بـثّ ثقافـة إحترام الحقوق ، والحريـّات المشروعة ، من وقف جنون الإعتقال التعسـفي ، إلى رفع الحظـر عن المعارضة ، وإسقاط التهم عنها ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، وسجناء الرأي فـورا .

ولاريب أنَّ هذا معنـاه تغيير جذري وكبير ،

غير أنَّ الحالة الثقافيـة السعودية _ ونقصد هنا الشريفة المخلصة لا الذين يعملـون عند السفارات الغربية ، أو أولئك الذين لايملكون من أمرهـم شيئا !! _ إنْ لـم تـعِ الآن أن هذا التغيير هو إعصار قادم لامحالة ، تقتضيه سنن الله الكونية ، فيما أودعه من قوى الطبيعة التي تشمل قواعد الحالة الإجتماعية الإنسانية .

وبمعنـى آخر أنَّ السعودية لايمكن أن تبقى تعيش خارج مسـاق الزمن في تطـور البشـرية السياسي ، لايمكن أن تبقـى هكذا خارجـه إلى الأبـد !!

كما لايمكن أن تحكمها سياسات عفى عليها الدهـر ، بينما شعوب العالم كلَّه حولها ، تواكب التطور السياسي العالمي في ضوء ثورة المعلومات ، والإتصالات ، وتستردّ حقوقها ، حتى إختيار قيادتها السياسية ، ومحاسبتها ، والإشراف على ثرواتها .

الحالـة الثقافية السعودية إذا لم تـعِ أن هذا التغيير قادم لامحالة ، وسيفتـح على السعودية أبوابـاً بسعـة الأفق الغربـي للسعودية كلَّــه ، أعني من مصـر التي ستبث منها _ ربمــا _ مائة ( قناة جزيرة ) ! في أجواء الحريـة القادمـة من هنـاك بعد الثـورة ،

وكـلُّ هذه القنـوات ستفتح النـار على الحالة السياسية في بلاد الحرمين ، وتحاصـرها ، وربـما تفتح ملـفات خطيـرة لاتُحصى ولا تعـدُّ .

إن لم تـع حقيقـة هذا الإعصار القادم ، وأنها يجـب أن تستبقه بمشروع إصلاح سياسي شامل ، يشـرِّف عقليـة إبن الجزيرة العربية الذي لايقـل قدرة على الإبداع ، وعلى عبقرية البنـاء ، والتطويـر ، من غيره .

بل إنـَّه _ فيما أرى _ أولى بأن يحتضن مشروع نهضة الأمـّة ، لمِـا فيـه من وفـرة الشخصيات المخلصة ، والصادقة ، والنظيفـة ، وصفاء في العقيدة الإسلامية ، وإنسجام في الثقافة المجتمعية ، وإمتـلاك لكلِّ مقومات النهوض الأممي ، على رأسها الموارد العملاقة التي هي عصب التغييرات الكونيـة الكبـرى .

إن لـم تـعِ ذلك كلِّـه ، فسوف تحلُّ الكارثـة وشيكـاً على السعودية ، وقد تثمـر فوضى لاتحمد عقباها ، وكم سيفرح بذلك خبثـاء المكرة المتربصـون على محضن الإسلام ، ومهـد الرسالة ، وأولهـم أحفاد المجوس المليئة أرجاء صدورهم بالحقـد الكامـن ، المريضة قلوبهـم بالإحن ، والضغائـن .

ويجـب علينـا أن نصارح إخواننا العلماء ، والمثقفيـن السعودييـن الشرفـاء القول اليوم : أنهـم إن لـم يخرجوا من حالة الجمود المميـتة ،

ومن قبـّة العزوف المستـمر عن المشاركة الفعّالـة في شؤون الأمـّة ،

إلى التقدُّم إلى مقدمـة التأثيـر في النهضة الشاملة التي عصفت رياحها على الأمة ،

فسوف تكون خسارتهم كارثـية بكلِّ المقاييس ،

وأكبـر من سيكون ضحيـة تقاعسهـم ، هـو نهجهم السلفي _ أعني بتشويه سمعته ، وأنه عقبة في طريق مشاريع الإصلاح ، وتحقيق العدالة ، ونهوض الأمّـة _ الذي لم يزل ، وإن حاول أدعيـاء السلفية أن يُلقوا عليه زبالات أذهانهم الإنباطحية المريضة ، لم يـزل مشعـلَ نور وضـَّاء ، يدعـو إلى التجديد ، ويحضُّ على الإصلاح والتغييـر ، ويحارب الجمـود ، ويقـود النهضة ، كما فعل المجدِّد العظيـم الإمـام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في حركته الإصلاحية الثورية المجيـدة .

أيها العلماء الأفاضـل _ معذرة والله لكنهـا كلمة يجب أن تقال اليـوم _ لا تكونوا بتقاعسكـم عن واجبـكم التاريخـي ، جنـاة على النهج الذي شرَّفكم بين الناس ، ولا تردُّوا إليه معروفـه عليكم بالجحـود ، ولا تقابلوا نعمـته بالتقاعس عن الوفـاء لهـا !!

وبإختصار : إنَّ إعصـار التغيير الذي ينطلق من الشعوب في طريقه إليكـم ، فإما أن تقودوه ليعقب نهضة إسلامية تحقق للشعوب آمالهم في ضـوء تعاليم الإسلام ، أو يعصف بكم في طريقه مع من يعصف ، ثـمَّ تجدون أنفسـكم وراء الناس ، يصفونكم بـما تكرهـون !

نقـول هذا ،، مع أنَّنـا متفائلون بأنَّ عبقرية ابن الجزيرة التي انطلقـت منها نهضة الأمـّة الأولى ، ستكون ولـوداً بأروع نهضـة ، بإذن الله تعالى ، وستكون شعلة نهضتها أشـد وضاءة ، وأبعـد إضاءة ، وأعلى سنـاء ، من كـلِّ الحراك الشعبـي العربـي بتوفيق الله تعالى .

والله المسـتعان وهو حسبنا عليه توكلَّـنا وعليه فليتوكِّـل المتوكـلون