المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قال لي



زاهية بنت البحر
09-25-2005, 05:23 AM
قال لي ذات يوم كنت فيه بزيارة خاطفة إلى حقله
الذي يسكنه مع أسرته الصغيرة المؤلفة من زوجة,وأربعة صبيانٍ
أكبرهم في العاشرة , وثلاث بنات بعمر
الزهور , ووالدته الأرملة منذ عامين بحادث سير أودى بحياة والده
في المدينة الصاخبة بما لايرضيه كما قال: ((أكره المدينة
وزيفها الطاغي في كل شيء ..الناس هناك
غير الناس هنا .. الطعام مختلفٌ أيضاً...العادات
والتقاليد ..حتى الكلاب والقطط عندهم تختلف
عن كلابنا وقططنا..والحمير أيضاً
يختلفون عن حميرنا, سبحان الله ..
هم أهل علم , وتاريخ , ونحن مازلنا نحبو
على الأرض رغم أن الكثيرين منا تعلموا ,ونالوا
شهادات عالية ,ولكنهم مازالوا جهلة من الداخل تحكمهم
العادات الموروثة من أهلهم ..رضعوها مع حليب
أمهاتهم, لعبوا بها في الطرقات حفاة الأقدام , رعوا بها أغنامهم
وجمالهم , بذروا بها وحصدوا مزروعاتهم
, وبها أيضاً أطعموا حيواناتهم ,وقصُّوا حكاياهم
في ليالي الشتاء حول موقد الحطب
وصيفاً تحت ثريات العنب ,فحفظت بها ذكرياتهم0
العلم ياابنتي قد يغير منها كثيراً , ولكنه يفسد أشياء أخرى مهمة..
لأن التأقلم مع عادات وتقاليد جديدة صعب جداً
إن جاء صاعقاً..يبدأ تقليداً أعمى يلعب ُ دوراً غوغائياً
في حياتهم المستجدة ,فيكون ذئباً شرساً, وريحاً طاحنة لاتبقي
ولاتذر..تهتزبهاجذورهم الثابتة...تبدأ بالضعف تدريجياً
إلى أن تقلعها من تربتها عندما يأتي أولادهم بفكرٍ هجين النسيج
لا إلى القرية ينتمي ولاإلى المدينة ,فيحدث صدام
في الذات المستنبتة بالتمدن شديدُ الوطأة على المجتمع برمَّته ,وهنا
تكون الطامة الكبرى..حاول بعضهم تهجيري إلى المدينة
بالترغيب والتَّرهيب..
رفضت اقتلاعي وأسرتي من ماضٍ أحبه بأمي وأبي , والتصاقٍٍ
بأرض ٍأعشقها..دفعوا لي مبلغاً كبيراً من المال
ثمناً لها..يغري الملوك..رفضت...هددوني بالانتقام, فتسلحت بفأسي
وبخنجرٍ ورثته عن والدي ..حاولت شراء بارودة صيد
أدافع بها عن أرضي ,وعرضي ,فقالوا بتهكُّمٍ :ممنوع اقتناء الأسلحة
إلا لمن يسمح لهم أرباب السلطة بذلك.
رغم الجرح الغائر في صدري بقيتُ مصمماً
على الصمود.. لن أهجر تراباً سقيته عرقَ
الشباب ,ودمعَ السنين ,ولوسدُّوا
منافذ الهواء , وحجبوا أشعة الضياء ...وسرقوا بطن
أرضي لري مزارعم وتزويد مسابحهم بحقنا من
عطاء الله))..
وذات يوم ,وأنا بطريق العودة إلى منزلي
في المدينة قرأت نعوته ممددة فوق ورقة بيضاء
مكحلة بالسواد فوق جدار بيت عمته جارتنا أم حسين,
فعلمت منها أنه وجد مقتولاً في حقله
بطلقة نارية خلف الرأس ,
وبالقرب منه فأسه والخنجر.

بقلم

بنت البحر

يكفيكم فخراً فأحمد منكم000وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن