أبو عبيدة الجامعي
03-22-2011, 10:42 AM
خواطر حول الإستفتاء على التعديلات الدستورية !
إن الناظر الخبير إلى أحداث الإستفتاء وما تبعها من أراء وأصداء , يجد العجب العجاب !
وأنا أعني على وجه الخصوص ردة الفعل العلمانية والنصرانية , الحاقدة على الدين وحملته , فترى منهم مزاعم متهافتة , ودعاوى متضاربة لا تمت للواقع والحق بصلة !
منها مثلاً ما يروجونه من أن " الإسلاميين والسلفيين " قادوا حملة " لإجبار " الناس على الموافقة على تعديلات الدستور , فزعموا للناس - أي الإسلاميون - أن الذي سيفتي بالموافقة , فهو يوافق على المادة الثانية من الدستور , والذي لن يوافق على التعديلات فهو لا يوافق على المادة الثانية , وهذا ما جعل الأغلبية تدلي في لجان الإستفتاء بالموافقة على الدستور ككل , وكأن الإستفتاء كان على المادة الثانية لا على الدستور !
هكذا زعموا !
ونقول لهم : إذا أخذنا بصحة زعمكم , فما العيب فيه ؟!
نعم , هذه الجموع الغفيرة التي هبت ونفرت واستجابت لنداءات أهل العلم , قالت نعم للتعديلات إجلالاً لهذه المادة في قلوب الشعب المصري الأصيل !
وهذا لا يعاب علينا , فلأجل هذه المادة لا أقول نوافق على التعديلات فقط , بل والذي لا إله غيره , نضحي بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا وكل غالٍ ونفيس عندنا من أجل أن تبقى عالية خفاقة , وإن رغمت أنوف الحاقدين !
أما إن قصدتم أن " الإسلاميين والسلفيين " خدعوا الشعب من خلال عاطفتهم الجياشة لدينهم وقدر هذه المادة في قلوبهم بالموافقة على التعديلات , فإن كان هذا قصدكم , فما أغباه , وما أدناه !
إنكم بهذا القصد , تتهمون جموع الشعب المصري الذي قال بنعم , تتهمونهم بالسذاجة والإستخفاف والإستغفال أو كما يقولون في مصرنا الحبيب بـ " العبط " , وحاشاهم أن يكونوا كذلك , فوجب عليكم الإعتذار لكل مصري قال بنعم !
ومن حيث لا تدروا أيضًا , تتهمون أنفسكم , بالخيبة والضعف وقلة الحيلة أمام الإسلاميين والسلفيين " الماكرين " , فإن كان " الإسلاميون والسلفيون " قد إستطاعوا بمكرهم أن يخدعوا جموع الناس , فأين كنتم أنتم ؟! وما هو دوركم وأين كان ؟! وكيف إستطاع " الإسلاميون والسلفيون " تحقيق مساعيهم بينما فشلتم أنتم ؟!
إن هذه المحاولات وغيرها , من الإدعاءات الباطلة والمساعي الفاشلة , إنما يراد منها تشوية صورة الإجماع الشعبي على وحدة الهدف والرؤية لمصير دولتهم !
هؤلاء فزعوا وهلعوا حينما رأوا هذه الجماهير الغفيرة , تقودها رغبتها في سيادة دينهم وشريعتهم لدولتهم , لتقول نعم للتعديلات الدستورية !
بل الأعجب , أن يغض هؤلاء الطرف عن محاولات النصارى المستميتة لإلغاء المادة الثانية من الدستور !
إن هؤلاء لما أزعجهم بقاء المادة الثانية في الدستور بعد التعديل وقبل الإستفتاء رغم محاولاتهم المستفزة لحذفها ضمن التعديلات , ورأوا بأعينهم إجتماع المسلمين وإجماعهم على بقاء هذه المادة كأحد الثوابت الغير قابلة للنقاش أو المس , وكحق يطالب به أغلبية الشعب المصري , فهى تعبر عن رغبتهم وإرادتهم , هؤلاء خشوا هبة هذه الأغلبية والتي تمثل قطاعًا عريضًا من الشعب المصري !
خشوا من الإنقضاض عليهم إذا ما طالبوا بحذفها مرة أخرى , فرأوا – ورؤيتهم خائبة كحالهم – أن يعترضوا على كل الدستور المعدل من خلال الإستفتاء , فبهذه الحيلة سينطلي الأمر على الشعب !
هكذا ظنوا !
فالآن أسأل : من الذي حول الإستفتاء إلى إستفتاء على المادة الثانية فقط , نحن أم هم ؟!
من الذي يمارس المكر والخداع ؟! نحن أم هم ؟!
لكن الله مظهر ما كانوا يصنعون !
فهم لو لم يجتمعوا على حذف المادة الثانية من الدستور , ما كنا لنجتمع نحن ونتوحد بهذه الصورة الرائعة لتدعيم هذه المادة !
إن هؤلاء , قاموا بخدمة جليلة وعظيمة لنا , ألا وهى أنهم وحدوا رؤية الشعب وأهدافه , وأظهروا قوته الحقيقية الكامنة في حبهم لدينهم وشريعتهم لتقود المرحلة القادمة , بل أرى – ودون أن يدروا – أنهم هم الذي صوتوا بـ " نعم " وإن قالوا في الإستفتاء بـ " لا " !
ونسألهم : إلى متى ستظلون تشوهون مفهوم الحكم الديني الإسلامي ؟!
أنتم أخبرتمونا أنها ثورة !
وأنتم أخبرتمونا أن ما قبل ثورة 25 يناير يختلف عما بعد ثورة 25 يناير , فكرًا وعملاً !
وأنتم رغم كل هذه الدعاوى لازلتم تحدثوننا بنفس الفهم السقيم , الذي يخشى على سياستكم المقدسة من خرافات الدين !
هؤلاء أزعجهم ما عبروا عنه بقولهم : " الإستخدام الديني " في الإستفتاء , وذلك لتبرير فشلهم في حشد أكبر عدد ممكن ليدلي بعدم الموافقة على التعديلات الدستورية !
هذا هو خطابهم الديني الذي كان ولا يزال ينحصر في قولهم : لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين , فالدين عندهم ينحصر في هذه العبارة فقط !
ونحن ندعوكم اليوم إلى " تجديد الخطاب الديني " بما يتوافق مع الأحداث والواقع بعد الثورة !
والله أنا أتعجب ! وإن كان عجبي لا يقع على النصارى , فأنا أتفهم كرههم للإسلام وسيادته , لكني أتعجب ممن شهد أن الله حق وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم حق , ثم هو ينازع في كون الإسلام منهج حياة !
نقول لهم : ما قولكم في الإله الذي خلق السماوات والأرض , والجبال والبحار , والشمس والقمر , والنجوم والأفلاك , والإنسان والحيوان والنبات والجماد , هل ترون في الله جل وعلا وخلقه عجزًا أو نقصًا ؟!
لقد أجمع أهل الأرض قاطبة على أنه لا خلل في خلق الله وتدبيره وتقديره , بل إعجاز وقدرة وإحكام !
ثم نقول لهم : ما قولكم في القرآن الكريم ورسالة نبيه العظيم وشريعته ؟! أترون أنها منزلة من عند الله أم هى بدع من الرسالات ؟! سيقولون : نعم , بالطبع منزلة من عند الله !! ... لا شك في هذا !! , لأنهم لو قالوا " لا " لفضحوا أنفسهم أمام المسلمين !
فنقول لهم : إن الذي خلق هذا , هو الذي أنزل هذا , فلا يُعقل نسب الكمال له في خلقه ونسب الخلل له في تنزيله , فإما هذا أو ذاك !
فارحمونا هدانا الله وإياكم !
من منا لا يريد دولة هذا دستورها :
" إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " !
" من لا يرحم لا يُرحم " !
" متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا " !
" الناس سواسية كأسنان المشط , لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي , إلا بالتقوى " !
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا " !
" ولكم في القصاص حياة " !
" ادخلوا في السلم كافة " !
" وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره " !
" وجادلهم بالتي هى أحسن " !
" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها " !
" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله " !
" وقل اعملوا " !
" ادفع بالتي هى أحسن " !
" أمرهم شورى بينهم " !
" النساء شقائق الرجال " !
" استوصوا بالنساء خيرًا " !
" من أفسد شيئًا فعليه إصلاحه " !
" من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا " !
" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " !
" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " !
" أنتم أعلم بأمور دنياكم " !
" فاستقم كما أمرت " !
" من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والأخرة " !
" حب لأخيك ما تحب لنفسك " !
" كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " !
" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " !
" عينان لا تمسهما النار , عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله " !
ما الذي يزعجكم في دولة هذه بعض شعاراتها قولاً وعملاً ؟!
إن جميع الدعاوى التي نراها في إعلامنا الخاص والعام , والتي تنشر أهداف الثورة من خلال إعلانات مادية سقيمة : لا للرشوة , لا للنفاق , لا للفساد .... " !
كل هذه الدعاوى دعاوى مشوهة تخاطب الجسد , ولا تخاطب رب الجسد , وهو القلب , لذا فنحن نقطع بعدم جديتها ونشكك في تأثيرها المادي الملموس !
فالقلب لا يخضع تمام الخضوع ولا تراه منكسرًا ذليلاً إلا من تأثير كلام العلي سبحانه , وقد جربنا جميعنا تأثير كلام ربنا في أنفسنا , وأن تأثيره قادر على تحفيز العزائم وشحذ الهمم !
لقد قاد سلة من الأولين وقليل من الأخرين لسيادة الدنيا , فضربوا أروع الأمثلة في الرحمة والعدل , وبنوا دولة تمنى الحكام والملوك الأجانب عنها لو أنهم رعايا فيها !
ومخطيء من يظن أن الإسلام بشريعته الشاملة غير قادر على إدارة دفة المؤسسات والهيئات الإدارية بالدولة , وأن هذا ينفرد به نظام الدولة المدنية !
وهذا مصدره سوء فهمهم للإسلام كدين ودولة , فالإسلام وضع الأسس والثوابت الشرعية التي لا يجب أن يتعارض معها أي عمل دنيوي , هذا هو الأصل , فالإسلام يقول بشرعية المصلحة أولاً ثم تجيء المصلحة ثانيًا , بل أصدقكم القول أن كل الدول على مختلف أنظمتها الوضعية تضع من الثوابت والأسس التي هى غير قابلة للنقاش أو المس في دساتيرها وأنظمتها , بل جميع المصالح والهيئات تخضع لها وتصب في بوطقتها , فلا غرابة في هذا , والإعتراض على الإسلام في هذا الأمر , إنما هو إعتراض على كل القوانين المنظمة للبلاد في شتى أنحاء المعمورة !
بل الفارق الواسع والبون الشاسع بين نظام الإسلام كمنهج حياة وهذه الأنظمة الوضعية , أن الإسلام ما حرم شيئًا إلا وظهر بالدليل العقلي والنقلي والتاريخي أثاره المدمرة على المجتمعات والشعوب , كالربا البنكي على سبيل المثال الذي تراه الدولة المدنية مصلحة عظمى في إدارة هيئاتها ومؤسساتها , وقد ثبت في الهزة الإقتصادية الأخيرة عام 2009 حين ارتفعت الفوائد الربوية البنكية إلى حد أطاح بكبرى المؤسسات والهيئات في العالم بأسره , قد ثبت من هذه الأزمة بطلان مفهوم الربا البنكي الذي تشجعه الدولة المدنية وتحرمه الدولة الإسلامية !
والإسلام على النقيض , ما أجاز شيئًا في المعاملات الدينية أو الدنيوية إلا وظهر منه مصلحته على الفرد والمجتمع , كالزكاة والمضاربة على سبيل المثال !
وهذا يُرد به على الذين يقولون أن الدولة الدينية الإسلامية " الإلهية " - على حد وصفهم - هى دولة لا تسمح لأحد بمخالفة نظامها ودستورها , لأنك إن خالفتها فسيقول لك أتباعها ومؤيدوها أنت إذًا تخالف الله , فلن تستطيع من خلال هذا الرد مجرد المناقشة فضلاً عن المخالفة !
ونقول ردًا على الذين روجوا لهذه الدعوى ليشوهوا صورة الدولة الإسلامية الرشيدة : هب أن كلامك صحيح من باب الفرض والجدل , هل تعلم أن في دعواك ما يثبت بطلانها ؟!
إذ نقول لك : هل أنت أهل لوضع نظام للدولة أفضل من الله تبارك وتعالى ؟! ألا توافقني أن الذي خلق الناس أعلم بحاجاتهم وطريقة عيشهم وما يحقق لهم الفلاح والنجاح ؟! فلما المخالفة إذًا ؟! هل أنت أعلم من الله ؟!
هذا على فرض صحة دعواكم , وإلا فواقع الإسلام يثبت كذب دعواكم , فالإسلام ملك دولة عاش فيها كل أتباع الملل والنحل التي يعيش أفرادها اليوم متفرقين في كل بلاد العالم , كان كل هؤلاء في دولة واحدة , دولة بلا حدود أو فواصل قومية , دولة يخالف دستورها أراءهم وأفكارهم ورغم هذا استوعبت هذه الدولة بسماحتها وتقبلها لأراء الأخرين كل هذه الملل والنحل , فما سمعنا شكوى واحدة صدرت من حكم الإسلام لبلادهم , بل عاشوا جميعهم سعداء أمنين على أنفسهم وأموالهم وأديانهم , وهذا تاريخ العالم يشهد بكل ذلك , فلا مجال للزعم والأماني هنا كحال غيرنا في ظل دولتهم المدنية الفاضلة , بل الواقع شهد والتاريخ سطر !
الشاهد , أنه في دولة الإسلام إذا استقام هذا الأصل , سالف الذكر , تجيء الحياة المدنية بمؤسساتها وهيئاتها في المقام الثاني , وهذه فيها سعة ما بعدها سعة , عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه السعة في قوله : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " , فتصير إدارة المؤسسات والهيئات على يد المتخصصين الصادقين الذين غُرست في قلوبهم تعاليم الإسلام وتربوا تربية شرعية تحث على خدمة الفرد والمجتمع وكذلك مع جهود ذوي الخبرة , وبهذا تتحقق المصلحة على وجهتها التامة !
وهكذا نرى أن إدارة هيئات ومؤسسات المجتمع المدني من الدين أيضًا وإن لم تحتوي ملفاتها ومستنداتها على شرع أو فقه ديني بل على اجتهاد دنيوي , وهذا هو إعجاز الإسلام كدين ودولة !
وما اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هيكلة الدولة الإسلامية في عصره وإنشاء دوواينها ومؤسساتها بمصطلحنا الحديث منا ببعيد !
وفي النهاية أقول لكل المعترضين على حكم الإسلام وسيادته من خلال دولته الرشيدة : أنتم تزعمون أنكم لا تريدونها دولة دينية إسلامية , والحق أنكم الذين لا تستحقون هذه الدولة !
فهى فضل ونعمة , أضاءت مصباح الحضارة يوم كان العالم في ظلام دامس !
هذه النعمة لا يستحقها إلا من عرف قدرها وحقها !
ولن يصلح أخرنا إلا بما صلح به أولنا !
إن الناظر الخبير إلى أحداث الإستفتاء وما تبعها من أراء وأصداء , يجد العجب العجاب !
وأنا أعني على وجه الخصوص ردة الفعل العلمانية والنصرانية , الحاقدة على الدين وحملته , فترى منهم مزاعم متهافتة , ودعاوى متضاربة لا تمت للواقع والحق بصلة !
منها مثلاً ما يروجونه من أن " الإسلاميين والسلفيين " قادوا حملة " لإجبار " الناس على الموافقة على تعديلات الدستور , فزعموا للناس - أي الإسلاميون - أن الذي سيفتي بالموافقة , فهو يوافق على المادة الثانية من الدستور , والذي لن يوافق على التعديلات فهو لا يوافق على المادة الثانية , وهذا ما جعل الأغلبية تدلي في لجان الإستفتاء بالموافقة على الدستور ككل , وكأن الإستفتاء كان على المادة الثانية لا على الدستور !
هكذا زعموا !
ونقول لهم : إذا أخذنا بصحة زعمكم , فما العيب فيه ؟!
نعم , هذه الجموع الغفيرة التي هبت ونفرت واستجابت لنداءات أهل العلم , قالت نعم للتعديلات إجلالاً لهذه المادة في قلوب الشعب المصري الأصيل !
وهذا لا يعاب علينا , فلأجل هذه المادة لا أقول نوافق على التعديلات فقط , بل والذي لا إله غيره , نضحي بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا وكل غالٍ ونفيس عندنا من أجل أن تبقى عالية خفاقة , وإن رغمت أنوف الحاقدين !
أما إن قصدتم أن " الإسلاميين والسلفيين " خدعوا الشعب من خلال عاطفتهم الجياشة لدينهم وقدر هذه المادة في قلوبهم بالموافقة على التعديلات , فإن كان هذا قصدكم , فما أغباه , وما أدناه !
إنكم بهذا القصد , تتهمون جموع الشعب المصري الذي قال بنعم , تتهمونهم بالسذاجة والإستخفاف والإستغفال أو كما يقولون في مصرنا الحبيب بـ " العبط " , وحاشاهم أن يكونوا كذلك , فوجب عليكم الإعتذار لكل مصري قال بنعم !
ومن حيث لا تدروا أيضًا , تتهمون أنفسكم , بالخيبة والضعف وقلة الحيلة أمام الإسلاميين والسلفيين " الماكرين " , فإن كان " الإسلاميون والسلفيون " قد إستطاعوا بمكرهم أن يخدعوا جموع الناس , فأين كنتم أنتم ؟! وما هو دوركم وأين كان ؟! وكيف إستطاع " الإسلاميون والسلفيون " تحقيق مساعيهم بينما فشلتم أنتم ؟!
إن هذه المحاولات وغيرها , من الإدعاءات الباطلة والمساعي الفاشلة , إنما يراد منها تشوية صورة الإجماع الشعبي على وحدة الهدف والرؤية لمصير دولتهم !
هؤلاء فزعوا وهلعوا حينما رأوا هذه الجماهير الغفيرة , تقودها رغبتها في سيادة دينهم وشريعتهم لدولتهم , لتقول نعم للتعديلات الدستورية !
بل الأعجب , أن يغض هؤلاء الطرف عن محاولات النصارى المستميتة لإلغاء المادة الثانية من الدستور !
إن هؤلاء لما أزعجهم بقاء المادة الثانية في الدستور بعد التعديل وقبل الإستفتاء رغم محاولاتهم المستفزة لحذفها ضمن التعديلات , ورأوا بأعينهم إجتماع المسلمين وإجماعهم على بقاء هذه المادة كأحد الثوابت الغير قابلة للنقاش أو المس , وكحق يطالب به أغلبية الشعب المصري , فهى تعبر عن رغبتهم وإرادتهم , هؤلاء خشوا هبة هذه الأغلبية والتي تمثل قطاعًا عريضًا من الشعب المصري !
خشوا من الإنقضاض عليهم إذا ما طالبوا بحذفها مرة أخرى , فرأوا – ورؤيتهم خائبة كحالهم – أن يعترضوا على كل الدستور المعدل من خلال الإستفتاء , فبهذه الحيلة سينطلي الأمر على الشعب !
هكذا ظنوا !
فالآن أسأل : من الذي حول الإستفتاء إلى إستفتاء على المادة الثانية فقط , نحن أم هم ؟!
من الذي يمارس المكر والخداع ؟! نحن أم هم ؟!
لكن الله مظهر ما كانوا يصنعون !
فهم لو لم يجتمعوا على حذف المادة الثانية من الدستور , ما كنا لنجتمع نحن ونتوحد بهذه الصورة الرائعة لتدعيم هذه المادة !
إن هؤلاء , قاموا بخدمة جليلة وعظيمة لنا , ألا وهى أنهم وحدوا رؤية الشعب وأهدافه , وأظهروا قوته الحقيقية الكامنة في حبهم لدينهم وشريعتهم لتقود المرحلة القادمة , بل أرى – ودون أن يدروا – أنهم هم الذي صوتوا بـ " نعم " وإن قالوا في الإستفتاء بـ " لا " !
ونسألهم : إلى متى ستظلون تشوهون مفهوم الحكم الديني الإسلامي ؟!
أنتم أخبرتمونا أنها ثورة !
وأنتم أخبرتمونا أن ما قبل ثورة 25 يناير يختلف عما بعد ثورة 25 يناير , فكرًا وعملاً !
وأنتم رغم كل هذه الدعاوى لازلتم تحدثوننا بنفس الفهم السقيم , الذي يخشى على سياستكم المقدسة من خرافات الدين !
هؤلاء أزعجهم ما عبروا عنه بقولهم : " الإستخدام الديني " في الإستفتاء , وذلك لتبرير فشلهم في حشد أكبر عدد ممكن ليدلي بعدم الموافقة على التعديلات الدستورية !
هذا هو خطابهم الديني الذي كان ولا يزال ينحصر في قولهم : لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين , فالدين عندهم ينحصر في هذه العبارة فقط !
ونحن ندعوكم اليوم إلى " تجديد الخطاب الديني " بما يتوافق مع الأحداث والواقع بعد الثورة !
والله أنا أتعجب ! وإن كان عجبي لا يقع على النصارى , فأنا أتفهم كرههم للإسلام وسيادته , لكني أتعجب ممن شهد أن الله حق وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم حق , ثم هو ينازع في كون الإسلام منهج حياة !
نقول لهم : ما قولكم في الإله الذي خلق السماوات والأرض , والجبال والبحار , والشمس والقمر , والنجوم والأفلاك , والإنسان والحيوان والنبات والجماد , هل ترون في الله جل وعلا وخلقه عجزًا أو نقصًا ؟!
لقد أجمع أهل الأرض قاطبة على أنه لا خلل في خلق الله وتدبيره وتقديره , بل إعجاز وقدرة وإحكام !
ثم نقول لهم : ما قولكم في القرآن الكريم ورسالة نبيه العظيم وشريعته ؟! أترون أنها منزلة من عند الله أم هى بدع من الرسالات ؟! سيقولون : نعم , بالطبع منزلة من عند الله !! ... لا شك في هذا !! , لأنهم لو قالوا " لا " لفضحوا أنفسهم أمام المسلمين !
فنقول لهم : إن الذي خلق هذا , هو الذي أنزل هذا , فلا يُعقل نسب الكمال له في خلقه ونسب الخلل له في تنزيله , فإما هذا أو ذاك !
فارحمونا هدانا الله وإياكم !
من منا لا يريد دولة هذا دستورها :
" إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " !
" من لا يرحم لا يُرحم " !
" متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا " !
" الناس سواسية كأسنان المشط , لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي , إلا بالتقوى " !
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا " !
" ولكم في القصاص حياة " !
" ادخلوا في السلم كافة " !
" وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره " !
" وجادلهم بالتي هى أحسن " !
" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها " !
" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله " !
" وقل اعملوا " !
" ادفع بالتي هى أحسن " !
" أمرهم شورى بينهم " !
" النساء شقائق الرجال " !
" استوصوا بالنساء خيرًا " !
" من أفسد شيئًا فعليه إصلاحه " !
" من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا " !
" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " !
" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " !
" أنتم أعلم بأمور دنياكم " !
" فاستقم كما أمرت " !
" من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والأخرة " !
" حب لأخيك ما تحب لنفسك " !
" كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " !
" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " !
" عينان لا تمسهما النار , عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله " !
ما الذي يزعجكم في دولة هذه بعض شعاراتها قولاً وعملاً ؟!
إن جميع الدعاوى التي نراها في إعلامنا الخاص والعام , والتي تنشر أهداف الثورة من خلال إعلانات مادية سقيمة : لا للرشوة , لا للنفاق , لا للفساد .... " !
كل هذه الدعاوى دعاوى مشوهة تخاطب الجسد , ولا تخاطب رب الجسد , وهو القلب , لذا فنحن نقطع بعدم جديتها ونشكك في تأثيرها المادي الملموس !
فالقلب لا يخضع تمام الخضوع ولا تراه منكسرًا ذليلاً إلا من تأثير كلام العلي سبحانه , وقد جربنا جميعنا تأثير كلام ربنا في أنفسنا , وأن تأثيره قادر على تحفيز العزائم وشحذ الهمم !
لقد قاد سلة من الأولين وقليل من الأخرين لسيادة الدنيا , فضربوا أروع الأمثلة في الرحمة والعدل , وبنوا دولة تمنى الحكام والملوك الأجانب عنها لو أنهم رعايا فيها !
ومخطيء من يظن أن الإسلام بشريعته الشاملة غير قادر على إدارة دفة المؤسسات والهيئات الإدارية بالدولة , وأن هذا ينفرد به نظام الدولة المدنية !
وهذا مصدره سوء فهمهم للإسلام كدين ودولة , فالإسلام وضع الأسس والثوابت الشرعية التي لا يجب أن يتعارض معها أي عمل دنيوي , هذا هو الأصل , فالإسلام يقول بشرعية المصلحة أولاً ثم تجيء المصلحة ثانيًا , بل أصدقكم القول أن كل الدول على مختلف أنظمتها الوضعية تضع من الثوابت والأسس التي هى غير قابلة للنقاش أو المس في دساتيرها وأنظمتها , بل جميع المصالح والهيئات تخضع لها وتصب في بوطقتها , فلا غرابة في هذا , والإعتراض على الإسلام في هذا الأمر , إنما هو إعتراض على كل القوانين المنظمة للبلاد في شتى أنحاء المعمورة !
بل الفارق الواسع والبون الشاسع بين نظام الإسلام كمنهج حياة وهذه الأنظمة الوضعية , أن الإسلام ما حرم شيئًا إلا وظهر بالدليل العقلي والنقلي والتاريخي أثاره المدمرة على المجتمعات والشعوب , كالربا البنكي على سبيل المثال الذي تراه الدولة المدنية مصلحة عظمى في إدارة هيئاتها ومؤسساتها , وقد ثبت في الهزة الإقتصادية الأخيرة عام 2009 حين ارتفعت الفوائد الربوية البنكية إلى حد أطاح بكبرى المؤسسات والهيئات في العالم بأسره , قد ثبت من هذه الأزمة بطلان مفهوم الربا البنكي الذي تشجعه الدولة المدنية وتحرمه الدولة الإسلامية !
والإسلام على النقيض , ما أجاز شيئًا في المعاملات الدينية أو الدنيوية إلا وظهر منه مصلحته على الفرد والمجتمع , كالزكاة والمضاربة على سبيل المثال !
وهذا يُرد به على الذين يقولون أن الدولة الدينية الإسلامية " الإلهية " - على حد وصفهم - هى دولة لا تسمح لأحد بمخالفة نظامها ودستورها , لأنك إن خالفتها فسيقول لك أتباعها ومؤيدوها أنت إذًا تخالف الله , فلن تستطيع من خلال هذا الرد مجرد المناقشة فضلاً عن المخالفة !
ونقول ردًا على الذين روجوا لهذه الدعوى ليشوهوا صورة الدولة الإسلامية الرشيدة : هب أن كلامك صحيح من باب الفرض والجدل , هل تعلم أن في دعواك ما يثبت بطلانها ؟!
إذ نقول لك : هل أنت أهل لوضع نظام للدولة أفضل من الله تبارك وتعالى ؟! ألا توافقني أن الذي خلق الناس أعلم بحاجاتهم وطريقة عيشهم وما يحقق لهم الفلاح والنجاح ؟! فلما المخالفة إذًا ؟! هل أنت أعلم من الله ؟!
هذا على فرض صحة دعواكم , وإلا فواقع الإسلام يثبت كذب دعواكم , فالإسلام ملك دولة عاش فيها كل أتباع الملل والنحل التي يعيش أفرادها اليوم متفرقين في كل بلاد العالم , كان كل هؤلاء في دولة واحدة , دولة بلا حدود أو فواصل قومية , دولة يخالف دستورها أراءهم وأفكارهم ورغم هذا استوعبت هذه الدولة بسماحتها وتقبلها لأراء الأخرين كل هذه الملل والنحل , فما سمعنا شكوى واحدة صدرت من حكم الإسلام لبلادهم , بل عاشوا جميعهم سعداء أمنين على أنفسهم وأموالهم وأديانهم , وهذا تاريخ العالم يشهد بكل ذلك , فلا مجال للزعم والأماني هنا كحال غيرنا في ظل دولتهم المدنية الفاضلة , بل الواقع شهد والتاريخ سطر !
الشاهد , أنه في دولة الإسلام إذا استقام هذا الأصل , سالف الذكر , تجيء الحياة المدنية بمؤسساتها وهيئاتها في المقام الثاني , وهذه فيها سعة ما بعدها سعة , عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه السعة في قوله : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " , فتصير إدارة المؤسسات والهيئات على يد المتخصصين الصادقين الذين غُرست في قلوبهم تعاليم الإسلام وتربوا تربية شرعية تحث على خدمة الفرد والمجتمع وكذلك مع جهود ذوي الخبرة , وبهذا تتحقق المصلحة على وجهتها التامة !
وهكذا نرى أن إدارة هيئات ومؤسسات المجتمع المدني من الدين أيضًا وإن لم تحتوي ملفاتها ومستنداتها على شرع أو فقه ديني بل على اجتهاد دنيوي , وهذا هو إعجاز الإسلام كدين ودولة !
وما اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هيكلة الدولة الإسلامية في عصره وإنشاء دوواينها ومؤسساتها بمصطلحنا الحديث منا ببعيد !
وفي النهاية أقول لكل المعترضين على حكم الإسلام وسيادته من خلال دولته الرشيدة : أنتم تزعمون أنكم لا تريدونها دولة دينية إسلامية , والحق أنكم الذين لا تستحقون هذه الدولة !
فهى فضل ونعمة , أضاءت مصباح الحضارة يوم كان العالم في ظلام دامس !
هذه النعمة لا يستحقها إلا من عرف قدرها وحقها !
ولن يصلح أخرنا إلا بما صلح به أولنا !