د. هشام عزمي
03-27-2011, 03:17 PM
ومن المسائل المطروحة الآن :
تصاعد الهجوم على التيار الإسلامي حتى وصل الأمر إلى حد السخرية ببعض المظاهر الدينية على صفحات الفيس بوك التي كانت بالأمس معدن الثورة على السلطان الجائر ، ثم هي اليوم قد صارت ، أو صار بعضها فلا يحسن التعميم ، قد صار بعضها معدن الثورة على الدين الخاتم ، فأفعال ، كما ينقل بعض الفضلاء وقد حاول التماسك فنجح مع أن الأمر يخرج عن حدود الأدب واللياقة بل والديانة ، فأفعال من قبيل رسم ميكي ماوس باللحية والنقاب فهو رسم المرحلة الظلامية القادمة في تاريخ مصر الزاهرة ! ، تدل على ما يعتمل في نفس صاحبها أو المحرض عليها من بغض شديد للدين وأهله ، فليته سخر من شخص بعينه لسابق عداوة ، وإنما عمت عداوته الدين فاختار هديه الظاهر ليصيره محل سخريته ، وذلك ، بغض النظر عن الأعيان فليس المقام مقام حكم على الأفراد ، ذلك من نواقض الملة ، كما قد قرر ذلك من صنف في هذه المسألة ، فمستنده من الوحي المنزل فــ : (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) ، فضلا عن نبرة الاستعلاء الظاهرة ، فمصطلحات من قبيل النخبة ونحوه ، كما ينوه بعض الفضلاء ، تشي بتنقيص غيرهم ، فمفهوم قولهم : لم يقل : "لا" في الاستفتاء إلا المثقفون ، أن من قال : "نعم" هم الجهال السذج ، بغض النظر عن وجهة نظر الطرفين وحجته في القبول أو الرد ، فهناك من قال : "لا" لمجرد المخالفة فلها بريق ، كما يقول ذلك الفاضل ، عقيب سنين من القهر بــ : "نعم" الإجبارية ! ، فالمنظومة الإعلامية لا زالت كما كانت زمن المخلوع ، ففسادها ، كما يقول بعض الفضلاء ، يضارع فساد المنظومة الأمنية في عهده ، وهذا ما يفتح الباب مجددا لظنون سيئة ، حول أهداف فئام من الثوار ، فلا ينكر أحد أن ثم نوع تلاق في المصالح ، لا برسم التآمر ، كما أرجف النظام السابق ، أن ثم نوع تلاق بين مصالح قوى الثورة وقوى خارجية تريد إعادة تشكيل المنطقة وفق مخططات سرية ، كمخطط برنارد لويس ، كما ينوه بذلك بعض الفضلاء :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D8%B1%D8%AF_%D9%84%D9%88% D9%8A%D8%B3
وقد بدأ ذلك بالفعل زمن المخلوع ، فكان يمهد بسياساته الجائرة لمخططات تقسيم البلاد ، وإن لم يرد ذلك بداهة ، ولكن ظلمه قد أعطى الضوء الأخضر لقوى التقسيم الكنسي إن صح التعبير ، فقد استعمله الرب ، جل وعلا ، بقدره الكوني في إضعاف مؤسسات الدولة فطمع فيها الطامعون ، فضلا عن كونه كنزا استراتيجيا لكيان يهود فبكاه القوم بصدق ! ، وذلك ما ينفي تهمة الخيانة أو العمالة الجائرة عن عموم الثوار ، ولكنه لا ينفيها بداهة عن آحاد منهم ، لا سيما من قفز فجأة إلى واجهة الأحداث برسم الزعامة الوافدة من الخارج ، أو النابتة في الداخل ، فكانت بالأمس من أبرز حلفاء النظام ثم انقلبت فجأة فصارت من حكماء الثورة ، مع أن بعض مهربي السلاح الذي راج في جنوب البلاد وغربه قد اعترف لبعض ضباط حرس الحدود بأنه يعمل لحساب تلك الزعامة الحكيمة فهو : ملياردير معروف علائقه المشبوهة بدولة جنوب السودان النصرانية وثيقة فهو يشاطرهم الملة وإن خالفهم النحلة فالمصلحة في إضعاف البلاد وتقسيمها واحدة ، وليس المراد إلقاء التهم قبل انتهاء التحقيقات في تلك النازلة الخطيرة التي غفلنا عنها في معرض الاشتغال بالنوازل المتتالية من فتن وإضرابات يخطط لها ويحرض عليها أذناب المخلوع ، وإنما المراد التنبه إلى ما قد سبقت الإشارة إليه من انحلال صف الثورة فلم يكن واحدا في فكره من اليوم الأول ، فالصف في عمومه كان مصريا خالصا ، تغلب على أفراده الديانة فذلك معهود الشعب المصري المتدين بالفطرة ، مع أنهم لم يثوروا برسم الديانة المحضة فتلك أشرف رسوم الإنكار على الجائر المعطل للشرائع ، ولكنهم مع ذلك قد أنكروا عليه طلبا لحقوق مشروعة ، ولكن الإعلام ، كعادته في السحر والتمويه ، نجح في قصر الثورة على شباب الفيس بوك ، ولا ينكر أحد أنهم كانوا منشأ الأمر بقدر الرب ، جل وعلا ، ولا ينكر أحد أن كثيرا منهم أهل خير ، وإن لم يكن تصورهم الشرعي كاملا ، فقد ثاروا برسم الشبيبة التي تتوق دوما إلى التغيير ، وذلك ما قد يستعمل دون وعي صاحبه لتحقيق أهداف خارجية برسم الحرية المطلقة التي تكافئ عند التدبر والنظر الفوضى التي قيدتها "رايس" بقيد : "الخلاقة" ، وهو قيد كاذب ، فالفوضى لا تكون إلا هدامة للأديان والأبدان معا ، فلم تخل الثورة رغما عن أصحابها من إفرازات صديدية برزت بل وتصدرت ، ولعل يحيى الجمل خير مثال على ذلك مع أنه معدود في جملة المداهنين للمخلوع ، وإن أظهر في زمنه نوعا من المعارضة الأنيقة في اللقاءات التليفزيونية على شاشات الفضائيات الساخنة كالجزيرة ، فاستوديوهات الفضائيات هي الميدان الوحيد الذي يجيد القوم فنون القتال فيه ! ، فلم ينله من عسف المخلوع ما قد نال أهل الحق فليس منهم وإن وافقهم فأجرى الرب ، جل وعلا ، على لسانه ما قد يوافق مقالهم ، فذلك ، أيضا ، من جنس تلاقي المصالح لا برسم التآمر ، كما تقدم ، ومن تلك الإفرازات أيضا : ما سبق التنويه به من فعل أولئك السفهاء ، وإن لم يسلم لمن عمم ، فجعل ذلك نمط جميع شباب الثورة ، ولكنه نمط شاذ ينبئ عن تأثر مباشر أو غير مباشر بدعاية محرضة على الديانة ، تحاول اقتناص مكاسب الثورة بعد أن وقعت رغما عنها ، والإعلام خير من يمثل هذا الصنف ، أو بعد أن وقعت في التوقيت الذي لم تكن تتوقعه ، وأمريكا خير من يمثل هذا الصنف ، فلم تكن قد أعدت البديل بعد ! ، وهذا ما يفسر ترددها في إقصاء المخلوع أو بقائه ، حتى حسم الرب ، جل وعلا ، الأمر ، فألهم الثوار الصبر حتى رحل المخلوع برسم الفرار ، فالخيوط متشابكة ، والرؤى ضبابية لما تتضح بعد ، وهذا أمر معتاد عقيب أي حراك سياسي وفكري عظيم كهذا الحراك ، وهو ما قد يفسر توقف كثير من الأفاضل في هذا الأمر إلى الآن ! ، فالأمر مشكل عنده ، ولعل ما يقع الآن من تضارب وتعارض بين أقوال بعض شرائح التيار الإسلامي لا برسم الاختلاف السائغ وإنما برسم التطاحن ، وهو ما ينذر كما يقول بعض الفضلاء بمزيد انشقاق في الصف الإسلامي المنشق ابتداء من آثار الاختراقات الفكرية لأجهزة الأمن زمن المخلوع وهو أمر يثير الضيق ، لعله من آثار ذلك الضباب ، ولعل ما يمارسه الإعلام الآن من محاولات الدس والوقيعة بين التيارات الإسلامية ، وإبراز الخلافات هو من جنس ما قد كان النظام السابق يمارسه من بذز الفتنة بين عموم شرائح المجتمع ومؤسسات الحكم .
والقوى العلمانية والليبرالية قد اجتمعت في تكتل رسمي لمواجهة التيار الديني الذي يحظى وحده بعناية الإعلام ! ، فالسلفيون قد أقاموا الحد بقطع أذن نصراني وتلك دعاية "الرجالة اللي ورا يحيى الجمل" كما يقول بعض المحللين متندرا ! فتلك بشائر الدولة الدينية الثيوقراطية المتطرفة التي تحكم برسم السفك والقطع باسم الرب جل وعلا ! ، والحرية المزدوجة المعايير قد أعطت القوى العلمانية والليبرالية حق تشكيل جبهة والتصريح بأهدافها ، ولم تعط التيار الإسلامي ذلك الحق بل ثارت عليه لما أيد القول بنعم فنصح أهل البلاد أيا كانت توجهاتهم ، بالتصويت بنعم ، مع قصور ظاهر في أدائه الإعلامي فليس له من الآليات وليس له من الخبرة الدعائية ما لأجهزة الإعلام المحترفة التي تبنت القول بلا فجندت له طاقاتها ، ولم يثر عليها أحد ولم تتهم بالسطوة الفكرية .
ولعل ذلك ما يفسر ما قد وقع من الشيخ الفاضل من نوع تجاوز في إظهار الفرحة ، فهو رد فعل تلقائي لشراسة حملة منظمة تستهدف التمهيد للقضاء على هوية مصر الإسلامية ، وهو ما لم يفطن له كثير من الفضلاء ممن صوتوا بــ : "لا" فلم يكن كلهم بداهة عملاء وخونة ! ، والأمر أهون من ذلك بكثير فالخلاف فيه سائغ والاجتهاد فيه وارد فليس من قطعيات الدين التي يضلل المخالف فيها .
وتلاقي المصالح لا يعني العمالة والخيانة ، كما كان النظام السابق يروج فشباب الثورة عملاء للموساد ! ، وكما يروج النظام في اليمن فأمريكا هي معدن الفتنة لا ما يرتكبه من انتهاكات ، وسوريا فالموساد هو الذي يذكي نيران المذابح الوحشية في درعا والصنمين ! كما يروج ، والقوى الأجنبية سيتم الكشف عنها قريبا كما يقول مفتي النظام في فضائية : "الجزيرة" اليوم ! ، فتلاقي المصالح لا يعني العمالة والخيانة ولكنه يستوجب الحذر من توجيه العقل الجمعي إلى تبني نمط فكري يباين النمط الفكري السائد في مصر ، فهو مسلم متدين بطبعه ، لا تناسبه أطروحات الحرية المنفلتة التي استجازت السخرية من الدين بهذا الشكل الفج ، فقد بدت البغضاء من أفواههم مع أول اختبار لديمقراطيتهم الزائفة ، التي لا تقبل إلا رأيهم ، فلم تطق صبرا على نتيجة استفتاء أولي فلما تبدأ المعركة بعد ، كما ينقل بعض الفضلاء عن ساويرس الحكيم ! ، فكيف ستكون الحال ، والله أعلم ، إن وقع الصراع على مقاعد المجالس النيابية ، وذلك أمر حتمي بمقتضى سنة التدافع الكوني ، فالمعركة الفكرية قد احتدمت من الآن ، وكل يريد استقطاب جمهور الرأي العام في مصر ، ولن يفلح في آخر الأمر ، بمقتضى سنة الشرع ، إلا المخلصون ، فالأمر يفتقر إلى تصحيح النية وتجديدها باستمرار بنبذ حظ النفس من مكاسب حزبية ضيقة ، لتفويت الفرصة على من يتربص بالتيار الإسلامي ببذر الشقاق بين شرائحه الرئيسة ، كالإخوان والسلفيين مثلا ، بل وبين شرائحه الفرعية كما هي حال التيار السلفي زمن المخلوع وهو أمر قد استمر ، للأسف الشديد ، بعد رحيله ، فهو من رواسب الماضي وجراحه الغائرة ، وإن لم يحسم الخلاف برسم الشافعي رحمه الله : "ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟" ، فليحسم بالصمت فترك الكلام فيما يثير النفوس خير من الجدال في أمر قد وقع وانتهى ، فالمصلحة الشرعية تقضي بالنظر إلى ما بعده ، فلو سلم بأن الأمر من أوله إلى آخره مؤامرة أجنبية ! ، فقد نجحت المؤامرة بامتياز ! ، فما السبيل الآن إلا العمل وفق معطيات الواقع ، فيباشر المكلف السنة الشرعية وفق معطيات السنة الكونية التي قضت برحيل المخلوع سواء أكان طاغية أم أميرا للمؤمنين على قول لم يسبق إليه أصحابه ! . والجدال ، ولو كان الحق معك ، مما يوغر الصدور ويضيع الأوقات بلا طائل ، فيحسن استحضار الوعد لعله يكف النفس التي جبلت على حب الظهور والانتصار على الخصم في ميدان الفكر أو ساحة الحرب ، فــ : "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة ، لمن ترك المراء وإن كان محقاً" .
ومما يلفت النظر :
رد الفعل المبالغ فيه من بعض الأفاضل على تعليق الشيخ الفاضل على نتيجة الاستفتاء ، فإنكار شديد فذلك مما يذكي نار الفتنة الطائفية مع أنه قول قد صدر بداهة برسم المداعبة فالعذر فيه ظاهر بل ومتعين لسابقة الشيخ ، فأين أولئك الأفاضل من جهر النصارى بالسوء ، ودعايتهم الطائفية العلنية في الاستفتاء وقبله ، وقدحهم في ثوابت الديانة واستفزازهم لمشاعر الأغلبية المسلمة ، وأين هم من تصريحات يحيى الجمل عن الذات الإلهية القدسية ، أليس كل ذلك ، كما يقول بعض الفضلاء ، أحق بالإنكار فهو معدن الفتنة فعلا ؟! .
وارتفاع سقف مطالب الكنيسة فذلك مما يسهل مهمة مفجري الثورة المضادة ، كما قد وقع في حادث أطفيح فمطالب مستفزة من قبيل :
عودة جلسات المناصحة التي يتم فيها غالبا إرهاب من يريد الإسلام وتهديده في نفسه وولده بأعمال السحر وربما القتل ..... إلخ ، كما يذكر بعض الفضلاء ، وهي الجلسات التي ألغاها وزير الداخلية السابق بعد واقعة تسليم الأخت وفاء قسطنطين ، فكان ذلك من حسناته النادرة ! .
والترخيص لبناء الكنائس بلا قيد أو شرط ! ......... إلخ من المطالب المستفزة .
وهو أمر يثير الحفيظة ، وليس ثم نظر إلى مصلحة البلاد العامة ، بل نظرهم قد اقتصر على مصلحة الطائفة ، وإن شئت الدقة فقل الدولة الوليدة طبقا لمخطط برنارد لويس ! .
ومحاولات الالتفاف على الثورة كثيرة فمنها ما هو :
خارجي ، ومنها ما هو داخلي من بقايا النظام السابق ، ومنها ما هو ديكتاتوري يتزيى بزي الديمقراطية وهو لا يحسن استعمالها ، مع عوارها ونقصانها ، فيصادر رأي المخالف برسم التسفيه والانتقاص حتى وصل الأمر ، كما تقدم ، إلى حد السخرية من الدين وأهله ، فلا سقف لحرية اللبيراليين في النقد ، وذلك هو النموذج الذي يروم الغرب العلماني تصديره إلى دول الشرق المسلم ، فأولئك علموا أو جهلوا رأس حربة ماض في الجسد المسلم ذي الثوابت الأصيلة ، فليست ثوابته ضائعة فــ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، وليست ثوابته مائعة تقبل الآخر المزعوم برسم التسليم والإقرار بما يعارض الوحي المنزل ، وإنما تقبله برسم التعايش ، فذلك من سماحة الوحي التي يفتقر إليها القوم ، فلا يقبلون التعايش معه وإن قبل ، لتجري سنة الرب ، جل وعلا ، في تدافع القبيلين ، فحال أهل الدين فيه : (لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ، وحال أعداء الرسالة : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) فتضخيم للهفوات والصغائر وعض للنظر عن العظائم برسم : "يَا ابْنَ آدَمَ ، تُبْصِرُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيك وَتَدَعُ الْجِذْلَ مُعْتَرِضًا فِي عَيْنِك" ، ومنها ما هو داخل الصف الإسلامي ، فلن يخلو من بواك على المخلوع وخلافته الراشدة ! ، ولن يخلو ممن خلط في النية فجمع مصالح الدنيا إلى مصلحة الدين ، ولن يكون هذا الأمر إلا لمن حرر النية فخلصها من الشوائب والعلائق .
وإن لم نخلص النية فسوف نكون من جملة الأسباب التي يستعملها الرب ، جل وعلا ، بقدره الكوني النافذ في تحقيق مخطط برنارد لويس في إشعال الفتن وتقسيم البلاد ! .
والثورة ، كما تقدم ، كانت ثورة الشعب المصري كله ، وهو شعب أغلب أفراده مسلمون متدينون بالفطرة ، وإن لم يكن لهم انتماء إسلامي سياسي أو حركي أو دعوي ، فصبغة الإسلام التي تقض مضاجع العلمانيين كانت بادية في ساحات الثورة ، فصلاة تقام برسم الجماعة ، وهو ما أغاظ بعض العلمانيين في ثغر الإسكندرية ، كما يحكي بعض الفضلاء ، فالمسيرة التي بلغ عدد أفرادها نحو 450 ألف توقفت حال الصلاة لأداء الفريضة في الميدان فقدمت بعض الجموع إماما من أهل الأزهر بزيه الرسمي ، فتدخل العلمانيون برسم الاحتجاج : فلماذا تتوقف المظاهرة لأجل الصلاة ، من أراد أن يصلي فليذهب إلى المسجد فهو محل العبادة وصومعته ؟! ، على طريقتهم في حصر الدين في الشعائر في أماكن خاصة ، ولماذا يتقدم هذا الإمام دون غيره ، ولعل أحدهم كان يطمع أن يؤم المصلين مع أن معظمهم لا يحسن يصلي أو يتوضأ ، إن كان يصلي أصلا ! ، ولكنها مماحكة ومناكفة ، كما يقال عندنا في مصر ، فهي من جنس مماحكة قريش وحلفائها فــ : (قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) .
ورسائل التطمين تتوالى من التيار الإسلامي ، ومنها ما قاله الشيخ فلا يسعى إلى حكم فرد أو جماعة ، وإنما يسعى لحكم منهج بغض النظر عمن يكون الرئيس للدولة أو النائب في المجلس ، وهي على الطرف الآخر لا تقابل إلا بالريبة والتشكيك من العلمانيين ، فتلك مراوغة إلى حين استيلائهم على السلطة ثم ذبح الناس باسم الدين وسيف الشريعة ، فدولتهم أسوأ من الدولة البوليسية كما يشنع بذلك المخذول يحيى الجمل ، فلسان حالهم : لا يخدعنكم هذا التلطف وتلك المسالمة الظاهرة فهي مؤقتة ستنقلب إلى ديكتاتورية بل ووحشية ! .
ويجدر بأهل الديانة عدم الاستجابة إلى هذه الاستفزازات فهي من باب استدراج الخصم إلى الخطأ بإثارته وشغله عن الأهم ، وهو واجب الوقت ، من العناية بشئون المسلمين بعد تحرير النية فيكون المراد الأول نصرة الديانة وإغاثة أهلها لا تحقيق مكسب سياسي أو حزبي ضيق ، فليس الآن إلا العمل في خدمة المسلمين لا سيما في هذه الظروف الحرجة التي تعيشها البلاد ، وليس إلا مزيد تقارب وتلاحم معهم برسم الدعوة الصادقة إلى الله ، جل وعلا ، فلا مكان للقعود في البيوت ، بل ذلك مما يدخل صاحبه ، كما يقول بعض الفضلاء في حد ابتلاء بني إسرائيل بالسعة عقيب الضيق ، فــ : (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ، فلما حصل الفرج بإهلاك عدوهم كان أول كلامهم : (يا موسى) ، فقد كان العذز السابق هو التضييق الأمني ، وكان عذرا معتبرا أيما اعتبار ! ، والآن قد امتن الرب ، جل وعلا ، بانفراجة ، قد لا تستمر ، بل قد تسلب ، لا قدر الله ، إن لم نقم بواجب شكرها بالقول والعمل .
وما يجري الآن هو سياسة : عد الأنفاس على الخصم برسم الإرهاب الفكري من أدعياء الديمقراطية وحرية الرأي .
وما يجري الآن كان سيقع حتما بمقتضى القدر الكوني النافذ ، فالظلم مظنة زوال الممالك سواء أكان زوالها برسم العدل الكلي ، أو الجزئي ، وهو ما يريده أهل الفضل الآن من إزالة ما تمكن إزالته من المنكر الذي عم وطم في الدين والدنيا معا فالتدرج سنة كونية وشرعية في التغيير ، أو حتى برسم ظلم آخر فيسلط الرب ، جل وعلا ، ظالما على آخر ، وأيا كان الأمر فقد صار لزاما على أهل الفضل استثمار الظرف لجلب أعظم مصلحة ودرء أعظم مفسدة .
والله أعلى وأعلم .
تصاعد الهجوم على التيار الإسلامي حتى وصل الأمر إلى حد السخرية ببعض المظاهر الدينية على صفحات الفيس بوك التي كانت بالأمس معدن الثورة على السلطان الجائر ، ثم هي اليوم قد صارت ، أو صار بعضها فلا يحسن التعميم ، قد صار بعضها معدن الثورة على الدين الخاتم ، فأفعال ، كما ينقل بعض الفضلاء وقد حاول التماسك فنجح مع أن الأمر يخرج عن حدود الأدب واللياقة بل والديانة ، فأفعال من قبيل رسم ميكي ماوس باللحية والنقاب فهو رسم المرحلة الظلامية القادمة في تاريخ مصر الزاهرة ! ، تدل على ما يعتمل في نفس صاحبها أو المحرض عليها من بغض شديد للدين وأهله ، فليته سخر من شخص بعينه لسابق عداوة ، وإنما عمت عداوته الدين فاختار هديه الظاهر ليصيره محل سخريته ، وذلك ، بغض النظر عن الأعيان فليس المقام مقام حكم على الأفراد ، ذلك من نواقض الملة ، كما قد قرر ذلك من صنف في هذه المسألة ، فمستنده من الوحي المنزل فــ : (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) ، فضلا عن نبرة الاستعلاء الظاهرة ، فمصطلحات من قبيل النخبة ونحوه ، كما ينوه بعض الفضلاء ، تشي بتنقيص غيرهم ، فمفهوم قولهم : لم يقل : "لا" في الاستفتاء إلا المثقفون ، أن من قال : "نعم" هم الجهال السذج ، بغض النظر عن وجهة نظر الطرفين وحجته في القبول أو الرد ، فهناك من قال : "لا" لمجرد المخالفة فلها بريق ، كما يقول ذلك الفاضل ، عقيب سنين من القهر بــ : "نعم" الإجبارية ! ، فالمنظومة الإعلامية لا زالت كما كانت زمن المخلوع ، ففسادها ، كما يقول بعض الفضلاء ، يضارع فساد المنظومة الأمنية في عهده ، وهذا ما يفتح الباب مجددا لظنون سيئة ، حول أهداف فئام من الثوار ، فلا ينكر أحد أن ثم نوع تلاق في المصالح ، لا برسم التآمر ، كما أرجف النظام السابق ، أن ثم نوع تلاق بين مصالح قوى الثورة وقوى خارجية تريد إعادة تشكيل المنطقة وفق مخططات سرية ، كمخطط برنارد لويس ، كما ينوه بذلك بعض الفضلاء :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D8%B1%D8%AF_%D9%84%D9%88% D9%8A%D8%B3
وقد بدأ ذلك بالفعل زمن المخلوع ، فكان يمهد بسياساته الجائرة لمخططات تقسيم البلاد ، وإن لم يرد ذلك بداهة ، ولكن ظلمه قد أعطى الضوء الأخضر لقوى التقسيم الكنسي إن صح التعبير ، فقد استعمله الرب ، جل وعلا ، بقدره الكوني في إضعاف مؤسسات الدولة فطمع فيها الطامعون ، فضلا عن كونه كنزا استراتيجيا لكيان يهود فبكاه القوم بصدق ! ، وذلك ما ينفي تهمة الخيانة أو العمالة الجائرة عن عموم الثوار ، ولكنه لا ينفيها بداهة عن آحاد منهم ، لا سيما من قفز فجأة إلى واجهة الأحداث برسم الزعامة الوافدة من الخارج ، أو النابتة في الداخل ، فكانت بالأمس من أبرز حلفاء النظام ثم انقلبت فجأة فصارت من حكماء الثورة ، مع أن بعض مهربي السلاح الذي راج في جنوب البلاد وغربه قد اعترف لبعض ضباط حرس الحدود بأنه يعمل لحساب تلك الزعامة الحكيمة فهو : ملياردير معروف علائقه المشبوهة بدولة جنوب السودان النصرانية وثيقة فهو يشاطرهم الملة وإن خالفهم النحلة فالمصلحة في إضعاف البلاد وتقسيمها واحدة ، وليس المراد إلقاء التهم قبل انتهاء التحقيقات في تلك النازلة الخطيرة التي غفلنا عنها في معرض الاشتغال بالنوازل المتتالية من فتن وإضرابات يخطط لها ويحرض عليها أذناب المخلوع ، وإنما المراد التنبه إلى ما قد سبقت الإشارة إليه من انحلال صف الثورة فلم يكن واحدا في فكره من اليوم الأول ، فالصف في عمومه كان مصريا خالصا ، تغلب على أفراده الديانة فذلك معهود الشعب المصري المتدين بالفطرة ، مع أنهم لم يثوروا برسم الديانة المحضة فتلك أشرف رسوم الإنكار على الجائر المعطل للشرائع ، ولكنهم مع ذلك قد أنكروا عليه طلبا لحقوق مشروعة ، ولكن الإعلام ، كعادته في السحر والتمويه ، نجح في قصر الثورة على شباب الفيس بوك ، ولا ينكر أحد أنهم كانوا منشأ الأمر بقدر الرب ، جل وعلا ، ولا ينكر أحد أن كثيرا منهم أهل خير ، وإن لم يكن تصورهم الشرعي كاملا ، فقد ثاروا برسم الشبيبة التي تتوق دوما إلى التغيير ، وذلك ما قد يستعمل دون وعي صاحبه لتحقيق أهداف خارجية برسم الحرية المطلقة التي تكافئ عند التدبر والنظر الفوضى التي قيدتها "رايس" بقيد : "الخلاقة" ، وهو قيد كاذب ، فالفوضى لا تكون إلا هدامة للأديان والأبدان معا ، فلم تخل الثورة رغما عن أصحابها من إفرازات صديدية برزت بل وتصدرت ، ولعل يحيى الجمل خير مثال على ذلك مع أنه معدود في جملة المداهنين للمخلوع ، وإن أظهر في زمنه نوعا من المعارضة الأنيقة في اللقاءات التليفزيونية على شاشات الفضائيات الساخنة كالجزيرة ، فاستوديوهات الفضائيات هي الميدان الوحيد الذي يجيد القوم فنون القتال فيه ! ، فلم ينله من عسف المخلوع ما قد نال أهل الحق فليس منهم وإن وافقهم فأجرى الرب ، جل وعلا ، على لسانه ما قد يوافق مقالهم ، فذلك ، أيضا ، من جنس تلاقي المصالح لا برسم التآمر ، كما تقدم ، ومن تلك الإفرازات أيضا : ما سبق التنويه به من فعل أولئك السفهاء ، وإن لم يسلم لمن عمم ، فجعل ذلك نمط جميع شباب الثورة ، ولكنه نمط شاذ ينبئ عن تأثر مباشر أو غير مباشر بدعاية محرضة على الديانة ، تحاول اقتناص مكاسب الثورة بعد أن وقعت رغما عنها ، والإعلام خير من يمثل هذا الصنف ، أو بعد أن وقعت في التوقيت الذي لم تكن تتوقعه ، وأمريكا خير من يمثل هذا الصنف ، فلم تكن قد أعدت البديل بعد ! ، وهذا ما يفسر ترددها في إقصاء المخلوع أو بقائه ، حتى حسم الرب ، جل وعلا ، الأمر ، فألهم الثوار الصبر حتى رحل المخلوع برسم الفرار ، فالخيوط متشابكة ، والرؤى ضبابية لما تتضح بعد ، وهذا أمر معتاد عقيب أي حراك سياسي وفكري عظيم كهذا الحراك ، وهو ما قد يفسر توقف كثير من الأفاضل في هذا الأمر إلى الآن ! ، فالأمر مشكل عنده ، ولعل ما يقع الآن من تضارب وتعارض بين أقوال بعض شرائح التيار الإسلامي لا برسم الاختلاف السائغ وإنما برسم التطاحن ، وهو ما ينذر كما يقول بعض الفضلاء بمزيد انشقاق في الصف الإسلامي المنشق ابتداء من آثار الاختراقات الفكرية لأجهزة الأمن زمن المخلوع وهو أمر يثير الضيق ، لعله من آثار ذلك الضباب ، ولعل ما يمارسه الإعلام الآن من محاولات الدس والوقيعة بين التيارات الإسلامية ، وإبراز الخلافات هو من جنس ما قد كان النظام السابق يمارسه من بذز الفتنة بين عموم شرائح المجتمع ومؤسسات الحكم .
والقوى العلمانية والليبرالية قد اجتمعت في تكتل رسمي لمواجهة التيار الديني الذي يحظى وحده بعناية الإعلام ! ، فالسلفيون قد أقاموا الحد بقطع أذن نصراني وتلك دعاية "الرجالة اللي ورا يحيى الجمل" كما يقول بعض المحللين متندرا ! فتلك بشائر الدولة الدينية الثيوقراطية المتطرفة التي تحكم برسم السفك والقطع باسم الرب جل وعلا ! ، والحرية المزدوجة المعايير قد أعطت القوى العلمانية والليبرالية حق تشكيل جبهة والتصريح بأهدافها ، ولم تعط التيار الإسلامي ذلك الحق بل ثارت عليه لما أيد القول بنعم فنصح أهل البلاد أيا كانت توجهاتهم ، بالتصويت بنعم ، مع قصور ظاهر في أدائه الإعلامي فليس له من الآليات وليس له من الخبرة الدعائية ما لأجهزة الإعلام المحترفة التي تبنت القول بلا فجندت له طاقاتها ، ولم يثر عليها أحد ولم تتهم بالسطوة الفكرية .
ولعل ذلك ما يفسر ما قد وقع من الشيخ الفاضل من نوع تجاوز في إظهار الفرحة ، فهو رد فعل تلقائي لشراسة حملة منظمة تستهدف التمهيد للقضاء على هوية مصر الإسلامية ، وهو ما لم يفطن له كثير من الفضلاء ممن صوتوا بــ : "لا" فلم يكن كلهم بداهة عملاء وخونة ! ، والأمر أهون من ذلك بكثير فالخلاف فيه سائغ والاجتهاد فيه وارد فليس من قطعيات الدين التي يضلل المخالف فيها .
وتلاقي المصالح لا يعني العمالة والخيانة ، كما كان النظام السابق يروج فشباب الثورة عملاء للموساد ! ، وكما يروج النظام في اليمن فأمريكا هي معدن الفتنة لا ما يرتكبه من انتهاكات ، وسوريا فالموساد هو الذي يذكي نيران المذابح الوحشية في درعا والصنمين ! كما يروج ، والقوى الأجنبية سيتم الكشف عنها قريبا كما يقول مفتي النظام في فضائية : "الجزيرة" اليوم ! ، فتلاقي المصالح لا يعني العمالة والخيانة ولكنه يستوجب الحذر من توجيه العقل الجمعي إلى تبني نمط فكري يباين النمط الفكري السائد في مصر ، فهو مسلم متدين بطبعه ، لا تناسبه أطروحات الحرية المنفلتة التي استجازت السخرية من الدين بهذا الشكل الفج ، فقد بدت البغضاء من أفواههم مع أول اختبار لديمقراطيتهم الزائفة ، التي لا تقبل إلا رأيهم ، فلم تطق صبرا على نتيجة استفتاء أولي فلما تبدأ المعركة بعد ، كما ينقل بعض الفضلاء عن ساويرس الحكيم ! ، فكيف ستكون الحال ، والله أعلم ، إن وقع الصراع على مقاعد المجالس النيابية ، وذلك أمر حتمي بمقتضى سنة التدافع الكوني ، فالمعركة الفكرية قد احتدمت من الآن ، وكل يريد استقطاب جمهور الرأي العام في مصر ، ولن يفلح في آخر الأمر ، بمقتضى سنة الشرع ، إلا المخلصون ، فالأمر يفتقر إلى تصحيح النية وتجديدها باستمرار بنبذ حظ النفس من مكاسب حزبية ضيقة ، لتفويت الفرصة على من يتربص بالتيار الإسلامي ببذر الشقاق بين شرائحه الرئيسة ، كالإخوان والسلفيين مثلا ، بل وبين شرائحه الفرعية كما هي حال التيار السلفي زمن المخلوع وهو أمر قد استمر ، للأسف الشديد ، بعد رحيله ، فهو من رواسب الماضي وجراحه الغائرة ، وإن لم يحسم الخلاف برسم الشافعي رحمه الله : "ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟" ، فليحسم بالصمت فترك الكلام فيما يثير النفوس خير من الجدال في أمر قد وقع وانتهى ، فالمصلحة الشرعية تقضي بالنظر إلى ما بعده ، فلو سلم بأن الأمر من أوله إلى آخره مؤامرة أجنبية ! ، فقد نجحت المؤامرة بامتياز ! ، فما السبيل الآن إلا العمل وفق معطيات الواقع ، فيباشر المكلف السنة الشرعية وفق معطيات السنة الكونية التي قضت برحيل المخلوع سواء أكان طاغية أم أميرا للمؤمنين على قول لم يسبق إليه أصحابه ! . والجدال ، ولو كان الحق معك ، مما يوغر الصدور ويضيع الأوقات بلا طائل ، فيحسن استحضار الوعد لعله يكف النفس التي جبلت على حب الظهور والانتصار على الخصم في ميدان الفكر أو ساحة الحرب ، فــ : "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة ، لمن ترك المراء وإن كان محقاً" .
ومما يلفت النظر :
رد الفعل المبالغ فيه من بعض الأفاضل على تعليق الشيخ الفاضل على نتيجة الاستفتاء ، فإنكار شديد فذلك مما يذكي نار الفتنة الطائفية مع أنه قول قد صدر بداهة برسم المداعبة فالعذر فيه ظاهر بل ومتعين لسابقة الشيخ ، فأين أولئك الأفاضل من جهر النصارى بالسوء ، ودعايتهم الطائفية العلنية في الاستفتاء وقبله ، وقدحهم في ثوابت الديانة واستفزازهم لمشاعر الأغلبية المسلمة ، وأين هم من تصريحات يحيى الجمل عن الذات الإلهية القدسية ، أليس كل ذلك ، كما يقول بعض الفضلاء ، أحق بالإنكار فهو معدن الفتنة فعلا ؟! .
وارتفاع سقف مطالب الكنيسة فذلك مما يسهل مهمة مفجري الثورة المضادة ، كما قد وقع في حادث أطفيح فمطالب مستفزة من قبيل :
عودة جلسات المناصحة التي يتم فيها غالبا إرهاب من يريد الإسلام وتهديده في نفسه وولده بأعمال السحر وربما القتل ..... إلخ ، كما يذكر بعض الفضلاء ، وهي الجلسات التي ألغاها وزير الداخلية السابق بعد واقعة تسليم الأخت وفاء قسطنطين ، فكان ذلك من حسناته النادرة ! .
والترخيص لبناء الكنائس بلا قيد أو شرط ! ......... إلخ من المطالب المستفزة .
وهو أمر يثير الحفيظة ، وليس ثم نظر إلى مصلحة البلاد العامة ، بل نظرهم قد اقتصر على مصلحة الطائفة ، وإن شئت الدقة فقل الدولة الوليدة طبقا لمخطط برنارد لويس ! .
ومحاولات الالتفاف على الثورة كثيرة فمنها ما هو :
خارجي ، ومنها ما هو داخلي من بقايا النظام السابق ، ومنها ما هو ديكتاتوري يتزيى بزي الديمقراطية وهو لا يحسن استعمالها ، مع عوارها ونقصانها ، فيصادر رأي المخالف برسم التسفيه والانتقاص حتى وصل الأمر ، كما تقدم ، إلى حد السخرية من الدين وأهله ، فلا سقف لحرية اللبيراليين في النقد ، وذلك هو النموذج الذي يروم الغرب العلماني تصديره إلى دول الشرق المسلم ، فأولئك علموا أو جهلوا رأس حربة ماض في الجسد المسلم ذي الثوابت الأصيلة ، فليست ثوابته ضائعة فــ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، وليست ثوابته مائعة تقبل الآخر المزعوم برسم التسليم والإقرار بما يعارض الوحي المنزل ، وإنما تقبله برسم التعايش ، فذلك من سماحة الوحي التي يفتقر إليها القوم ، فلا يقبلون التعايش معه وإن قبل ، لتجري سنة الرب ، جل وعلا ، في تدافع القبيلين ، فحال أهل الدين فيه : (لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ، وحال أعداء الرسالة : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) فتضخيم للهفوات والصغائر وعض للنظر عن العظائم برسم : "يَا ابْنَ آدَمَ ، تُبْصِرُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيك وَتَدَعُ الْجِذْلَ مُعْتَرِضًا فِي عَيْنِك" ، ومنها ما هو داخل الصف الإسلامي ، فلن يخلو من بواك على المخلوع وخلافته الراشدة ! ، ولن يخلو ممن خلط في النية فجمع مصالح الدنيا إلى مصلحة الدين ، ولن يكون هذا الأمر إلا لمن حرر النية فخلصها من الشوائب والعلائق .
وإن لم نخلص النية فسوف نكون من جملة الأسباب التي يستعملها الرب ، جل وعلا ، بقدره الكوني النافذ في تحقيق مخطط برنارد لويس في إشعال الفتن وتقسيم البلاد ! .
والثورة ، كما تقدم ، كانت ثورة الشعب المصري كله ، وهو شعب أغلب أفراده مسلمون متدينون بالفطرة ، وإن لم يكن لهم انتماء إسلامي سياسي أو حركي أو دعوي ، فصبغة الإسلام التي تقض مضاجع العلمانيين كانت بادية في ساحات الثورة ، فصلاة تقام برسم الجماعة ، وهو ما أغاظ بعض العلمانيين في ثغر الإسكندرية ، كما يحكي بعض الفضلاء ، فالمسيرة التي بلغ عدد أفرادها نحو 450 ألف توقفت حال الصلاة لأداء الفريضة في الميدان فقدمت بعض الجموع إماما من أهل الأزهر بزيه الرسمي ، فتدخل العلمانيون برسم الاحتجاج : فلماذا تتوقف المظاهرة لأجل الصلاة ، من أراد أن يصلي فليذهب إلى المسجد فهو محل العبادة وصومعته ؟! ، على طريقتهم في حصر الدين في الشعائر في أماكن خاصة ، ولماذا يتقدم هذا الإمام دون غيره ، ولعل أحدهم كان يطمع أن يؤم المصلين مع أن معظمهم لا يحسن يصلي أو يتوضأ ، إن كان يصلي أصلا ! ، ولكنها مماحكة ومناكفة ، كما يقال عندنا في مصر ، فهي من جنس مماحكة قريش وحلفائها فــ : (قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) .
ورسائل التطمين تتوالى من التيار الإسلامي ، ومنها ما قاله الشيخ فلا يسعى إلى حكم فرد أو جماعة ، وإنما يسعى لحكم منهج بغض النظر عمن يكون الرئيس للدولة أو النائب في المجلس ، وهي على الطرف الآخر لا تقابل إلا بالريبة والتشكيك من العلمانيين ، فتلك مراوغة إلى حين استيلائهم على السلطة ثم ذبح الناس باسم الدين وسيف الشريعة ، فدولتهم أسوأ من الدولة البوليسية كما يشنع بذلك المخذول يحيى الجمل ، فلسان حالهم : لا يخدعنكم هذا التلطف وتلك المسالمة الظاهرة فهي مؤقتة ستنقلب إلى ديكتاتورية بل ووحشية ! .
ويجدر بأهل الديانة عدم الاستجابة إلى هذه الاستفزازات فهي من باب استدراج الخصم إلى الخطأ بإثارته وشغله عن الأهم ، وهو واجب الوقت ، من العناية بشئون المسلمين بعد تحرير النية فيكون المراد الأول نصرة الديانة وإغاثة أهلها لا تحقيق مكسب سياسي أو حزبي ضيق ، فليس الآن إلا العمل في خدمة المسلمين لا سيما في هذه الظروف الحرجة التي تعيشها البلاد ، وليس إلا مزيد تقارب وتلاحم معهم برسم الدعوة الصادقة إلى الله ، جل وعلا ، فلا مكان للقعود في البيوت ، بل ذلك مما يدخل صاحبه ، كما يقول بعض الفضلاء في حد ابتلاء بني إسرائيل بالسعة عقيب الضيق ، فــ : (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ، فلما حصل الفرج بإهلاك عدوهم كان أول كلامهم : (يا موسى) ، فقد كان العذز السابق هو التضييق الأمني ، وكان عذرا معتبرا أيما اعتبار ! ، والآن قد امتن الرب ، جل وعلا ، بانفراجة ، قد لا تستمر ، بل قد تسلب ، لا قدر الله ، إن لم نقم بواجب شكرها بالقول والعمل .
وما يجري الآن هو سياسة : عد الأنفاس على الخصم برسم الإرهاب الفكري من أدعياء الديمقراطية وحرية الرأي .
وما يجري الآن كان سيقع حتما بمقتضى القدر الكوني النافذ ، فالظلم مظنة زوال الممالك سواء أكان زوالها برسم العدل الكلي ، أو الجزئي ، وهو ما يريده أهل الفضل الآن من إزالة ما تمكن إزالته من المنكر الذي عم وطم في الدين والدنيا معا فالتدرج سنة كونية وشرعية في التغيير ، أو حتى برسم ظلم آخر فيسلط الرب ، جل وعلا ، ظالما على آخر ، وأيا كان الأمر فقد صار لزاما على أهل الفضل استثمار الظرف لجلب أعظم مصلحة ودرء أعظم مفسدة .
والله أعلى وأعلم .