د. هشام عزمي
04-06-2011, 07:04 PM
كتب الأخ مهاجر :
مما لفت بعض الفضلاء الأنظار إليه في التغطية الإعلامية للثورات وآخرها ثورة ليبيا والتوترات المتصاعدة وآخرها ما قد وقع في اليمن وبلاد الشام :
الازدواجية في الخطاب الإعلامي تبعا للمرجعية الفكرية أو السياسية للآلة الإعلامية :
ففي ثورة تونس ومصر ، ولا سيما مصر ، كانت تغطية الجزيرة تغطية ممتازة ، وإن لم تكن صادقة النوايا ، فهي ما بين : تحقيق سبق إعلامي كما في ثورة تونس ، أو غرض سياسي خفي كما في ثورة مصر ، وإن ظهر منه ما قد ظهر ، فتراجع دور مصر في عهد المخلوع حتى صارت في الذيل ، فهي دولة الإرهاب والخوف الذي يقتل الطموح ويحطم الإرادة الإنسانية ، فقد وصلت في عهده إلى مرحلة الانهيار الكامل فليس إلا صورة الدولة ، وهو ما ظهر بعد رحيله فقد نجح بامتياز في تخريب كل مؤسسات الدولة تقريبا إلا مؤسسة القهر والإرهاب التي يتكشف يوما بعد يوم من قصص ضحاياها ما يدل على احتقار عظيم للنوع الإنساني لا لخصوص الفرد المصري ، فمن يرتكب تلك الأفعال لا يقيم وزنا لمعنى الإنسانية : أعم الأوصاف التي لم يختلف العقلاء فيها ، فأولئك قد خرجوا عن حد الإنسانية فصار الأمر المجمع عليه عندهم : محل نظر ! ، فالبشر قد صاروا حيوانات في عيون "الباشاوات" ! ، ولا يقيمون للدين وللمروءة من باب أولى وزنا ، فلا دين ولا مروءة ولا إنسانية ، وإنما خروج عن حد الآدمية ، فكل ذلك مما حطم بنيان الأمة المصرية التي تحاول الآن النهوض بعد عقود من القهر والإذلال ، وذلك ، وهو محل الشاهد ، ما شجع كثيرا من القوى على منازعة مصر منصب الرياسة ، بل وإزاحتها فقد باتت خصما ضعيفا تسهل إزاحته ، وليس ذلك تعصبا لمصر ، بل هو من القضاء الكوني النافذ ، فإن لها من المنح الكونية ما قد صيرها أهلا لتولي الرياسة الدينية والدنيوية إن سارت على منهاج النبوة ، وهي ، كغيرها في المقابل ، إن حادت عن جادة الوحي فليس إلا الذل والذيل ، فلا تتصدر هذه الأمة ، كما تقدم مرارا ، إلا برسم الديانة ، فتلك سنة الرب ، جل وعلا ، الجارية فيها ، شاءت أو أبت ، فكان سلاح الإعلام بتسليط الضوء على السلبيات في مصر ، وكلها سلبيات في عهد المخلوع ! ، صار سلاحا فاعلا في إقصاء مصر عن منصب الرياسة ، فكانت تغطية الجزيرة الرائعة من الناحية الفنية ، وكان وراءها ما كان من الأغراض العاجلة إعلامية كانت أو سياسية .
وقل مثل ذلك في أحداث ليبيا واليمن ، فالتغطية إجمالا جيدة ، ولذلك حظيت الجزيرة بنقد العقيد المعتوه ورئيس اليمن الذي يقلد المخلوع عندنا تقليدا من جنس تقليد متعصبة المذاهب ! فهو يسير على خطواته في أخطائه في محاكاة عجيبة وذلك ما ينذر بنفس النهاية ، فتشابه البدايات ذريعة إلى تشابه النهايات ، والعلة مؤدية إلى معلولها لزوما ، فذلك قياس العقل الصريح ، والله ، جل وعلا ، أعلم بمآله .
وفي مقابل هذه التغطية الممتازة :
سقوط ذريع في تغطية أحداث بلاد الشام :
http://almoslim.net/node/143864
فحلفاء الدولة الفارسية فوق نقد الجزيرة ! ، فذلك محور الممانعة الصلب الذي يقف في وجه أمريكا وكيان يهود ، مع أنه ممن قدم لهما الخدمات الجليلة في :
حرب لبنان التي تم فيها تصفية المقاومة الفلسطينية وتفكيك قواعدها في مخيمات اللاجئين بتآمر ظاهر مع نصارى لبنان فاجتمع عليهم : نصيرية الشام وحركة أمل التي خرج حزب المقاومة البطل في جنوب لبنان من عباءتها ! ، ونصارى لبنان ، وكيان يهود ! ، في تكرار لما يقع دوما من تحزب أعداء الإسلام عموما ، وأهل السنة خصوصا في خندق واحد ، فذلك أمر تكرر ولا يزال في كل بقعة مشتعلة من العالم الإسلامي ، وفي كل عزو صليبي قديم أو حديث ، فذلك من سنة الرب ، جل وعلا ، في تكرار دورة التاريخ وإن اختلفت الشخوص والتفاصيل ، فالصورة العامة واحدة .
وفي غزو بلاد الأفغان ثم العراق لا سيما الأخيرة التي اجتمع عليها الروم من الغرب والفرس من الشرق فابتلاء أهل الحق فيها عظيم ، فعداوة الغرب للدولة الفارسية أمر واقع ، ولكنه ، أيضا ، مما يزول فينقلب تحالفا ، ولو تكتيكيا مؤقتا ، لحرب الحق واستئصال أهله ، وشاهد التاريخ والحاضر ، كما تقدم ، شاهد العدل في هذه النازلة المتجددة بتجدد جولات الصراع الأبدي بين الحق والباطل إلى أن يرث الرب ، جل وعلا ، الأرض ومن عليها .
وفي حرب 2006 ، دشنت الجزيرة حملة تلميع متكلفة للمقاومة اللبنانية في الجنوب ، وزعيمها : صلاح الدين في ثوبه الجديد ! ، فكان غسان بن جدو ، مدير مكتب الجزيرة في لبنان ، وله من الحضور والثقافة ما له ، وله مع ذلك من الولاء للدولة الفارسية ما له فهو أحد خريجي جامعاتها فلها عليه يد لا ينكرها إلا جاحد ! ، وزوجه ، إن لم تخني الذاكرة على مذهب الدولة الفارسية ، وتأثير المرأة على زوجها تأثير ظاهر بل وربما قاهر ! لا سيما في الأعصار الأخيرة ! ، فكان غسان بن جدو : الرسام المحترف الذي رسم صورة البطل الذي يخوض حرب الأمة مع عدوها الأول في بيت المقدس فالآمال قد انعقدت عليه لتحرير الأقصى ، وفي النهاية اعتذر للقوى اللبنانية بعدما جلبه على الدولة من دمار بإقحامها في حرب لم تستعد لها ، وليس لها فيها إرب ظاهر ، فهي غير معنية بقضايا المسلمين عموما فيكفيها ما تعانيه من انقسامات واختراقات صيرتها دويلات طائفية تجمعها دولة شبه صورية ، فاعتذر إذ لم يكن يقصد أن يجلب كل هذا الدمار على البلاد ! ، فشن الحرب بلا استئذان أو مشاورة مع من يفترض أنهم شركاؤه في الوطن ! ، فشن تلك الحرب لتخفيف الضغط عن الدولة الفارسية وكانت جرائمها في العراق آنذاك أشهر من أن تذكر ، فانصرفت الأنظار عنها حينا إلى البطل وحزبه الذي أذاق كيان يهود مر الهزيمة ، وقد أحدث فيها نكاية بالفعل ، ولكنها كانت رسالة من الدولة الفارسية إلى أمريكا ، فطفلها المدلل : كيان يهود في خطر إن أرادت غزو فارس أو قصفها فضلا عن إمداد فارس لحركة طالبان في بلاد الأفغان بسلاح يحدث في أمريكا نكاية ويحدث نوع توازن بين عدويها : طالبان فهو الأول ، وأمريكا فهو الثاني ، وبعد انتهاء الحرب تحولت كتائب الحزب البطل إلى فرق أمنية تسهر لحفظ حدود كيان يهود ، ولعل ما وقع في حرب غزة من تجاهل تام من قبل من كان يعول عليه الأمل في تحرير الأقصى ، لعله خير شاهد على عبثية هذه المقاومة وعبثية الجزيرة في تلميعها ترويجا لدعاية فارسية ظاهرة في مقابل هجوم على محور الاعتدال المائع فحقه الهجوم فعلا ولكن لكشف عواره وضعفه لا لتلميع محور الممانعة المزعوم هو الآخر فلم نر منه إلا مذابح أهل السنة في العراق ، واضطهادهم قبل ذلك في فارس ، وإثارة القلاقل في كل أمصار المسلمين ، بتجنيد العملاء وشبكات التجسس ، فضلا عن التبشير بالمذهب بالشبهات والشهوات في مسلك يحاكي مسلك الجمعيات التنصيرية المحترفة فإفساد الدين لكليهما هدف رئيس ، وأخيرا ما وقع في بلاد الشام فتجاهلته الجزيرة في ازدواجية مقيتة فضحت أداءها الإعلامي المتلون .
وأما تغطية العربية :
فهي على الضد تقريبا : ففي ثورة تونس لم يكن لها غرض ظاهر ، فكانت التغطية عادية ، في مقابل تأرجح ظاهر في موقفها من ثورة مصر ، مع استبقاء طوق نجاة للمخلوع إلى آخر لحظة ، فقد روجت لخطاب نقل السلطات إلى نائبه عمر سليمان ، فكان ذلك كافيا في نظر من أذاعت كلماتهم ، فافتضحوا بتلك المداهنة ، ولم ترض الجماهير ، ولله الحمد والمنة ، إلا بالخلع والطرد في اليوم التالي ، فكان هذا الطوق مئنة من انحياز ظاهر لنظام المخلوع فهو حليف استراتيجي وضلع رئيس في مثلث الاعتدال المائع ، والعربية ، وإن كانت قناة خاصة ، إلا أن لها ولاء ظاهرا لهذا المحور وولاء أول لمن دشنه ، فهي أمريكية الهوى علمانية الطرح فتهاجم تصريحا أو تعريضا أي تحرك إسلامي لا سيما إن كان سياسيا يهدد مصالح أمريكا في المنطقة ، ومسلك أضلاع هذا المحور في نصرة المخلوع : مسلك مشين فلا زالوا إلى الآن ينصرونه ، بل ويهددون القيادة العسكرية في مصر إن هي أصرت على محاكمته واسترداد ما نهبه من أموال المصريين ، وذلك من تآزر أضلاع المثلث لئلا يتحطم ! ، فتتداعى أضلاعه المتهالكة لنصرة من يسقط أولا ، وهو ، للأسف الشديد ، من التداعي لنصرة الباطل ، فيعرض عليه أحد الأضلاع الوفود عليه برسم الضيافة ، بعدما ظهر من فضائحه ، وذلك أبعد ما يكون عن الغيرة للديانة وأهلها الذين أذلهم المخلوع طيلة ثلاثة عقود ، بل وأبعد ما يكون عن المروءة والإنسانية .
وكانت العربية حريصة على إعطاء الفرصة للتيار الموالي للمخلوع فكان أمثال : مجدي الدقاق وعبد الله كمال ، وعداؤهم للتيار الإسلامي لا سيما السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين أمر معروف لكل متابع للشأن الإعلامي الوضيع أيام المخلوع ، كان أولئك هم الضيوف برسم الديمومة في كل حدث يقع في أرض مصر فهم المتحدثون الإعلاميون للقيادة التي أقحمتهم كغيرهم من المتسلقين في سلك السياسة ، واستمرا في المنافحة عن المخلوع إلى آخر لجظة ، وكان عمرو الشوبكي ، وهو صوت علماني أشيك ! كما يقال عندنا في مصر ، فله من اللباقة ما ليس لهما ، كان هو الآخر ضيفا دائما ولكنه أحسن التخلص من المخلوع مبكرا فانضم إلى قافلة الحكماء التي ظهر بعد ذلك من تسريبات وثائق جهاز مباحث أمن الدولة ، أنها لجنة تآمر على الثورة بقيادة الوزير : عمرو موسى ، وهي الورقة التي سارع السفير عبد الله الأشعل إلى استثمارها في طعن مبكر في خصم قوي في الانتخابات المقبلة ، والله أعلم بصحة ذلك ، وبعد نجاح الثورة كان ضيوف البرامج التحليلية كلهم تقريبا من التيار العلماني ، وإن اختلفت الشخوص فقد احترقت أوراق من قبيل مجدي الدقاق وعبد الله كمال فلم يعد لهما حضور بزوال دولة المخلوع ، فظهر رسل الخطاب العلماني الجدد كعمرو حمزاوي فكانت له مساحة لا بأس بها في تقارير وبرامج القناة ، واستمر الشوبكي فقد نجح كما تقدم في التخلص سريعا من ورطة النظام السابق وإن استبقى معه خط رجعة بانضمامه إلى لجنة الحكماء ، وفي مسالك جميعهم لا تلمس إلا الانتهازية وعدم الإخلاص ولو لمعنى قومي فضلا عن أن يكون شرعيا ، وذلك ، كما تقدم ، رسم سياسة زماننا حتى صرنا نستبعد أن تكون السياسة إلا قذرة ، مع أن منها سياسة شرعية قد بلغت الغاية في النظافة والنزاهة والواقعية في نفس الوقت ، وتاريخنا على ذلك خير شاهد ، ولكننا لا نلمس له أثرا في الواقع ، فصيرنا عدم الوجدان في زماننا دليلا على عدم الوجود ، وذلك بلا شك مسلك خاطئ في الاستدلال ، فلم نعلم سياسة إلا قذرة رأينا ولا زلنا نرى منها صورا عديدة ، فلا يعني ذلك أن ضدها من السياسة الشرعية النزيهة معدوم ، بل هو موجود محفوظ في دواوين السنة ومراجع التاريخ ، قابل مع ذلك للتأويل في زماننا لو أخلصنا النوايا فعقدنا العزائم وأخذنا بالأسباب الشرعية لإقامة دول النبوة أعدل الممالك سياسة ، وأنصحها للرعية في الدين والدنيا معا .
وأما في أحداث بلاد الشام ، فلمن يملك أسهمها من حزب الاعتدال غرض ظاهر في كشف فضائح النظام النصيري الغاشم لا إرادة الخير لأهل السنة ، وإنما الغرض : غرض سياسي بحت ، على طريقة ساسة زماننا فلا ترى في سياساتهم وإن أظهروا تعظيم الدين وأهله ، لا ترى فيها إلا مسالك انتهازية ميكيافيللية ظاهرة ! .
وكذلك الشأن في تغطية أحداث ليبيا فتغطية العربية جيدة ، وعدواة العقيد المعتوه لقادة مثلث الاعتدال والتنابز بينهم بالألقاب في مؤتمرات القمة أمر معروف مشهور ، فدائما ما يكون الدافع السياسي الخفي هو المحرك للآلة الإعلامية التي تزعم الحيادية والموضوعية فذلك أمر منتف حتى في آلة الإعلام الغربية التي تتشدق صباح مساء بمعاني الحرية والديمقراطية .
فالأداء الإعلامي إجمالا ما هو إلا رد فعل سياسي لمن يملك الآلة الإعلامية ، فأصحاب النفوذ السياسي أو الاقتصادي أو الديني هم الذين يمولون هذه القنوات لتؤدي رسالة إعلامية تخدم توجهاتهم وتصب في قنوات مصالحهم شريفة كانت أو وضيعة ، وغالبا للأسف الشديد ، ما تكون وضيعة كما هي الحال في التغطيات السابقة ، فلا يملك المؤمن إلا النظر في طرحها المغرض بعين الناقد الفاحص برسم الشرع فيختار منها الحكمة فهي ضالته ، فقد تقول حقا ، بل كثيرا ما تقوله ، ولكنها تريد به الباطل ، فيفترق المؤمن عنها في ذلك فهو يريد بقوله الحق إرضاء للرب جل وعلا .
ومن قواعد الاستدلال في دين الإسلام وهي مما أثر عن علي رضي الله عنه معناه دون هذا اللفظ بعينه : "الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف رجاله" . اهــ
والله أعلى وأعلم .
مما لفت بعض الفضلاء الأنظار إليه في التغطية الإعلامية للثورات وآخرها ثورة ليبيا والتوترات المتصاعدة وآخرها ما قد وقع في اليمن وبلاد الشام :
الازدواجية في الخطاب الإعلامي تبعا للمرجعية الفكرية أو السياسية للآلة الإعلامية :
ففي ثورة تونس ومصر ، ولا سيما مصر ، كانت تغطية الجزيرة تغطية ممتازة ، وإن لم تكن صادقة النوايا ، فهي ما بين : تحقيق سبق إعلامي كما في ثورة تونس ، أو غرض سياسي خفي كما في ثورة مصر ، وإن ظهر منه ما قد ظهر ، فتراجع دور مصر في عهد المخلوع حتى صارت في الذيل ، فهي دولة الإرهاب والخوف الذي يقتل الطموح ويحطم الإرادة الإنسانية ، فقد وصلت في عهده إلى مرحلة الانهيار الكامل فليس إلا صورة الدولة ، وهو ما ظهر بعد رحيله فقد نجح بامتياز في تخريب كل مؤسسات الدولة تقريبا إلا مؤسسة القهر والإرهاب التي يتكشف يوما بعد يوم من قصص ضحاياها ما يدل على احتقار عظيم للنوع الإنساني لا لخصوص الفرد المصري ، فمن يرتكب تلك الأفعال لا يقيم وزنا لمعنى الإنسانية : أعم الأوصاف التي لم يختلف العقلاء فيها ، فأولئك قد خرجوا عن حد الإنسانية فصار الأمر المجمع عليه عندهم : محل نظر ! ، فالبشر قد صاروا حيوانات في عيون "الباشاوات" ! ، ولا يقيمون للدين وللمروءة من باب أولى وزنا ، فلا دين ولا مروءة ولا إنسانية ، وإنما خروج عن حد الآدمية ، فكل ذلك مما حطم بنيان الأمة المصرية التي تحاول الآن النهوض بعد عقود من القهر والإذلال ، وذلك ، وهو محل الشاهد ، ما شجع كثيرا من القوى على منازعة مصر منصب الرياسة ، بل وإزاحتها فقد باتت خصما ضعيفا تسهل إزاحته ، وليس ذلك تعصبا لمصر ، بل هو من القضاء الكوني النافذ ، فإن لها من المنح الكونية ما قد صيرها أهلا لتولي الرياسة الدينية والدنيوية إن سارت على منهاج النبوة ، وهي ، كغيرها في المقابل ، إن حادت عن جادة الوحي فليس إلا الذل والذيل ، فلا تتصدر هذه الأمة ، كما تقدم مرارا ، إلا برسم الديانة ، فتلك سنة الرب ، جل وعلا ، الجارية فيها ، شاءت أو أبت ، فكان سلاح الإعلام بتسليط الضوء على السلبيات في مصر ، وكلها سلبيات في عهد المخلوع ! ، صار سلاحا فاعلا في إقصاء مصر عن منصب الرياسة ، فكانت تغطية الجزيرة الرائعة من الناحية الفنية ، وكان وراءها ما كان من الأغراض العاجلة إعلامية كانت أو سياسية .
وقل مثل ذلك في أحداث ليبيا واليمن ، فالتغطية إجمالا جيدة ، ولذلك حظيت الجزيرة بنقد العقيد المعتوه ورئيس اليمن الذي يقلد المخلوع عندنا تقليدا من جنس تقليد متعصبة المذاهب ! فهو يسير على خطواته في أخطائه في محاكاة عجيبة وذلك ما ينذر بنفس النهاية ، فتشابه البدايات ذريعة إلى تشابه النهايات ، والعلة مؤدية إلى معلولها لزوما ، فذلك قياس العقل الصريح ، والله ، جل وعلا ، أعلم بمآله .
وفي مقابل هذه التغطية الممتازة :
سقوط ذريع في تغطية أحداث بلاد الشام :
http://almoslim.net/node/143864
فحلفاء الدولة الفارسية فوق نقد الجزيرة ! ، فذلك محور الممانعة الصلب الذي يقف في وجه أمريكا وكيان يهود ، مع أنه ممن قدم لهما الخدمات الجليلة في :
حرب لبنان التي تم فيها تصفية المقاومة الفلسطينية وتفكيك قواعدها في مخيمات اللاجئين بتآمر ظاهر مع نصارى لبنان فاجتمع عليهم : نصيرية الشام وحركة أمل التي خرج حزب المقاومة البطل في جنوب لبنان من عباءتها ! ، ونصارى لبنان ، وكيان يهود ! ، في تكرار لما يقع دوما من تحزب أعداء الإسلام عموما ، وأهل السنة خصوصا في خندق واحد ، فذلك أمر تكرر ولا يزال في كل بقعة مشتعلة من العالم الإسلامي ، وفي كل عزو صليبي قديم أو حديث ، فذلك من سنة الرب ، جل وعلا ، في تكرار دورة التاريخ وإن اختلفت الشخوص والتفاصيل ، فالصورة العامة واحدة .
وفي غزو بلاد الأفغان ثم العراق لا سيما الأخيرة التي اجتمع عليها الروم من الغرب والفرس من الشرق فابتلاء أهل الحق فيها عظيم ، فعداوة الغرب للدولة الفارسية أمر واقع ، ولكنه ، أيضا ، مما يزول فينقلب تحالفا ، ولو تكتيكيا مؤقتا ، لحرب الحق واستئصال أهله ، وشاهد التاريخ والحاضر ، كما تقدم ، شاهد العدل في هذه النازلة المتجددة بتجدد جولات الصراع الأبدي بين الحق والباطل إلى أن يرث الرب ، جل وعلا ، الأرض ومن عليها .
وفي حرب 2006 ، دشنت الجزيرة حملة تلميع متكلفة للمقاومة اللبنانية في الجنوب ، وزعيمها : صلاح الدين في ثوبه الجديد ! ، فكان غسان بن جدو ، مدير مكتب الجزيرة في لبنان ، وله من الحضور والثقافة ما له ، وله مع ذلك من الولاء للدولة الفارسية ما له فهو أحد خريجي جامعاتها فلها عليه يد لا ينكرها إلا جاحد ! ، وزوجه ، إن لم تخني الذاكرة على مذهب الدولة الفارسية ، وتأثير المرأة على زوجها تأثير ظاهر بل وربما قاهر ! لا سيما في الأعصار الأخيرة ! ، فكان غسان بن جدو : الرسام المحترف الذي رسم صورة البطل الذي يخوض حرب الأمة مع عدوها الأول في بيت المقدس فالآمال قد انعقدت عليه لتحرير الأقصى ، وفي النهاية اعتذر للقوى اللبنانية بعدما جلبه على الدولة من دمار بإقحامها في حرب لم تستعد لها ، وليس لها فيها إرب ظاهر ، فهي غير معنية بقضايا المسلمين عموما فيكفيها ما تعانيه من انقسامات واختراقات صيرتها دويلات طائفية تجمعها دولة شبه صورية ، فاعتذر إذ لم يكن يقصد أن يجلب كل هذا الدمار على البلاد ! ، فشن الحرب بلا استئذان أو مشاورة مع من يفترض أنهم شركاؤه في الوطن ! ، فشن تلك الحرب لتخفيف الضغط عن الدولة الفارسية وكانت جرائمها في العراق آنذاك أشهر من أن تذكر ، فانصرفت الأنظار عنها حينا إلى البطل وحزبه الذي أذاق كيان يهود مر الهزيمة ، وقد أحدث فيها نكاية بالفعل ، ولكنها كانت رسالة من الدولة الفارسية إلى أمريكا ، فطفلها المدلل : كيان يهود في خطر إن أرادت غزو فارس أو قصفها فضلا عن إمداد فارس لحركة طالبان في بلاد الأفغان بسلاح يحدث في أمريكا نكاية ويحدث نوع توازن بين عدويها : طالبان فهو الأول ، وأمريكا فهو الثاني ، وبعد انتهاء الحرب تحولت كتائب الحزب البطل إلى فرق أمنية تسهر لحفظ حدود كيان يهود ، ولعل ما وقع في حرب غزة من تجاهل تام من قبل من كان يعول عليه الأمل في تحرير الأقصى ، لعله خير شاهد على عبثية هذه المقاومة وعبثية الجزيرة في تلميعها ترويجا لدعاية فارسية ظاهرة في مقابل هجوم على محور الاعتدال المائع فحقه الهجوم فعلا ولكن لكشف عواره وضعفه لا لتلميع محور الممانعة المزعوم هو الآخر فلم نر منه إلا مذابح أهل السنة في العراق ، واضطهادهم قبل ذلك في فارس ، وإثارة القلاقل في كل أمصار المسلمين ، بتجنيد العملاء وشبكات التجسس ، فضلا عن التبشير بالمذهب بالشبهات والشهوات في مسلك يحاكي مسلك الجمعيات التنصيرية المحترفة فإفساد الدين لكليهما هدف رئيس ، وأخيرا ما وقع في بلاد الشام فتجاهلته الجزيرة في ازدواجية مقيتة فضحت أداءها الإعلامي المتلون .
وأما تغطية العربية :
فهي على الضد تقريبا : ففي ثورة تونس لم يكن لها غرض ظاهر ، فكانت التغطية عادية ، في مقابل تأرجح ظاهر في موقفها من ثورة مصر ، مع استبقاء طوق نجاة للمخلوع إلى آخر لحظة ، فقد روجت لخطاب نقل السلطات إلى نائبه عمر سليمان ، فكان ذلك كافيا في نظر من أذاعت كلماتهم ، فافتضحوا بتلك المداهنة ، ولم ترض الجماهير ، ولله الحمد والمنة ، إلا بالخلع والطرد في اليوم التالي ، فكان هذا الطوق مئنة من انحياز ظاهر لنظام المخلوع فهو حليف استراتيجي وضلع رئيس في مثلث الاعتدال المائع ، والعربية ، وإن كانت قناة خاصة ، إلا أن لها ولاء ظاهرا لهذا المحور وولاء أول لمن دشنه ، فهي أمريكية الهوى علمانية الطرح فتهاجم تصريحا أو تعريضا أي تحرك إسلامي لا سيما إن كان سياسيا يهدد مصالح أمريكا في المنطقة ، ومسلك أضلاع هذا المحور في نصرة المخلوع : مسلك مشين فلا زالوا إلى الآن ينصرونه ، بل ويهددون القيادة العسكرية في مصر إن هي أصرت على محاكمته واسترداد ما نهبه من أموال المصريين ، وذلك من تآزر أضلاع المثلث لئلا يتحطم ! ، فتتداعى أضلاعه المتهالكة لنصرة من يسقط أولا ، وهو ، للأسف الشديد ، من التداعي لنصرة الباطل ، فيعرض عليه أحد الأضلاع الوفود عليه برسم الضيافة ، بعدما ظهر من فضائحه ، وذلك أبعد ما يكون عن الغيرة للديانة وأهلها الذين أذلهم المخلوع طيلة ثلاثة عقود ، بل وأبعد ما يكون عن المروءة والإنسانية .
وكانت العربية حريصة على إعطاء الفرصة للتيار الموالي للمخلوع فكان أمثال : مجدي الدقاق وعبد الله كمال ، وعداؤهم للتيار الإسلامي لا سيما السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين أمر معروف لكل متابع للشأن الإعلامي الوضيع أيام المخلوع ، كان أولئك هم الضيوف برسم الديمومة في كل حدث يقع في أرض مصر فهم المتحدثون الإعلاميون للقيادة التي أقحمتهم كغيرهم من المتسلقين في سلك السياسة ، واستمرا في المنافحة عن المخلوع إلى آخر لجظة ، وكان عمرو الشوبكي ، وهو صوت علماني أشيك ! كما يقال عندنا في مصر ، فله من اللباقة ما ليس لهما ، كان هو الآخر ضيفا دائما ولكنه أحسن التخلص من المخلوع مبكرا فانضم إلى قافلة الحكماء التي ظهر بعد ذلك من تسريبات وثائق جهاز مباحث أمن الدولة ، أنها لجنة تآمر على الثورة بقيادة الوزير : عمرو موسى ، وهي الورقة التي سارع السفير عبد الله الأشعل إلى استثمارها في طعن مبكر في خصم قوي في الانتخابات المقبلة ، والله أعلم بصحة ذلك ، وبعد نجاح الثورة كان ضيوف البرامج التحليلية كلهم تقريبا من التيار العلماني ، وإن اختلفت الشخوص فقد احترقت أوراق من قبيل مجدي الدقاق وعبد الله كمال فلم يعد لهما حضور بزوال دولة المخلوع ، فظهر رسل الخطاب العلماني الجدد كعمرو حمزاوي فكانت له مساحة لا بأس بها في تقارير وبرامج القناة ، واستمر الشوبكي فقد نجح كما تقدم في التخلص سريعا من ورطة النظام السابق وإن استبقى معه خط رجعة بانضمامه إلى لجنة الحكماء ، وفي مسالك جميعهم لا تلمس إلا الانتهازية وعدم الإخلاص ولو لمعنى قومي فضلا عن أن يكون شرعيا ، وذلك ، كما تقدم ، رسم سياسة زماننا حتى صرنا نستبعد أن تكون السياسة إلا قذرة ، مع أن منها سياسة شرعية قد بلغت الغاية في النظافة والنزاهة والواقعية في نفس الوقت ، وتاريخنا على ذلك خير شاهد ، ولكننا لا نلمس له أثرا في الواقع ، فصيرنا عدم الوجدان في زماننا دليلا على عدم الوجود ، وذلك بلا شك مسلك خاطئ في الاستدلال ، فلم نعلم سياسة إلا قذرة رأينا ولا زلنا نرى منها صورا عديدة ، فلا يعني ذلك أن ضدها من السياسة الشرعية النزيهة معدوم ، بل هو موجود محفوظ في دواوين السنة ومراجع التاريخ ، قابل مع ذلك للتأويل في زماننا لو أخلصنا النوايا فعقدنا العزائم وأخذنا بالأسباب الشرعية لإقامة دول النبوة أعدل الممالك سياسة ، وأنصحها للرعية في الدين والدنيا معا .
وأما في أحداث بلاد الشام ، فلمن يملك أسهمها من حزب الاعتدال غرض ظاهر في كشف فضائح النظام النصيري الغاشم لا إرادة الخير لأهل السنة ، وإنما الغرض : غرض سياسي بحت ، على طريقة ساسة زماننا فلا ترى في سياساتهم وإن أظهروا تعظيم الدين وأهله ، لا ترى فيها إلا مسالك انتهازية ميكيافيللية ظاهرة ! .
وكذلك الشأن في تغطية أحداث ليبيا فتغطية العربية جيدة ، وعدواة العقيد المعتوه لقادة مثلث الاعتدال والتنابز بينهم بالألقاب في مؤتمرات القمة أمر معروف مشهور ، فدائما ما يكون الدافع السياسي الخفي هو المحرك للآلة الإعلامية التي تزعم الحيادية والموضوعية فذلك أمر منتف حتى في آلة الإعلام الغربية التي تتشدق صباح مساء بمعاني الحرية والديمقراطية .
فالأداء الإعلامي إجمالا ما هو إلا رد فعل سياسي لمن يملك الآلة الإعلامية ، فأصحاب النفوذ السياسي أو الاقتصادي أو الديني هم الذين يمولون هذه القنوات لتؤدي رسالة إعلامية تخدم توجهاتهم وتصب في قنوات مصالحهم شريفة كانت أو وضيعة ، وغالبا للأسف الشديد ، ما تكون وضيعة كما هي الحال في التغطيات السابقة ، فلا يملك المؤمن إلا النظر في طرحها المغرض بعين الناقد الفاحص برسم الشرع فيختار منها الحكمة فهي ضالته ، فقد تقول حقا ، بل كثيرا ما تقوله ، ولكنها تريد به الباطل ، فيفترق المؤمن عنها في ذلك فهو يريد بقوله الحق إرضاء للرب جل وعلا .
ومن قواعد الاستدلال في دين الإسلام وهي مما أثر عن علي رضي الله عنه معناه دون هذا اللفظ بعينه : "الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف رجاله" . اهــ
والله أعلى وأعلم .