إلى حب الله
04-09-2011, 02:31 AM
إســـلاميـــات ...
بقلم : أبو حب الله ..
فائدة اليوم 0123 ...
لا .. لن تضيع !..
بسم الله الرحمن الرحيم ...
الإخوة الكرام ..
اليوم بإذن الله تعالى :
أفي لكم بوعدي في الرسالة السابقة (الرقاقتان والحلوى) :
حيث أحكي لكم قصة ًواقعية ًلإنسان ٍ: لم أره .. ولم أ ُباشر
قصته بنفسي وإنما : باشرتها يوميا ًمِن خلال زميل عمل ٍلي :
سوف أرمز له هنا بحرف (ش) ..
---
وأما بطل القصة رحمه الله : فسوف أرمز له بحرف (ط) ..
----
وأما الفائدتين المرجوتين مِن هذه القصة : فهما :
1...
إحدى مُثبتات الإيمان بوجود الله وجنته واليوم الآخر ..
2...
إحدى المُصبرات على فعل الخير والبذل له كما أخبرتكم
في الرسالة السابقة ............
----
وهذه المثبتات .. وهذا التصبير :
يتأتى عندما يرى المؤمن شيئا ًيوافق ما يؤمن به من الغيب ..
فبرغم إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين مثلا ً
عن وجود (المسيح الدجال) : إلا أنه قد فرح أن (تميما ًالداري)
رضي الله عنه : جاء وأخبر الناس عن رؤيته ومَن معه بالفعل
لـ (المسيح الدجال) في إحدى الجُـزر !....
ففرح النبي لموافقة حدثا ًواقعيا ً: لِما أخبر هو به الناس
عن الغيب !.. (والحديث مشهور باسم حديث الجساسة :
ورواه مسلم وأبو داود وغيرهما) ......
----
أقول مرة ًأخرى :
وكذلك أيضا ً: يفرح كل مؤمن : عندما يرى حدثا ًواقعيا ً:
يوافق ما نؤمِن به مِن الغيب مثل :
أن ترى شهيدا ًفي قبره بعد زمن ٍطويل : ولم يتغير مِن
جسده شيء كرامة ًله !!!!!.. ومثل أن تــُعاين
بنفسك اللحظات الأخيرة مِن حياة إنسان ٍ: وترى بعينيك
وتسمع بأذنيك : ما يحكيه مِن مشاهدته للغيب :
إن خيرا ًفخير : وإن شرا ًفشر !!...............
ولذلك : أرجو أن تكون قصتنا اليوم بإذن الله تعالى : هي
مِن ذلك النوع الذي : يُثبّت الله عز وجل به الإيمان في
القلوب .................
وأترككم مع الأحداث المسارعة التي لم تستغرق أكثر من شهر ..
-----------
1)) على غير ميعاد ........
(ش) و(ط) : جيران منذ أيام الطفولة .. نشأ كل مِنهما
وترعرع بجوار الآخر .. وحتى طوال سنوات
دراستهما معا ً: كانا رفيقا مقعد دراسة (تختة) واحدة !
---
وظلا على هذا التجاور والخـُلة والصداقة : حتى مرحلة
الشباب والتخرج مِن الجامعة .. حيث انتقل (ش) في بيت
آخر : لا يبعد كثيرا ًعن بيته الأول بجوار (ط) .....
ولكن : بدأت مشاغل الحياة والعمل والزواج : تـُفرق
بينهما .............
وكان وجودهما في مدينة واحدة صغيرة كمدينتنا : فرصة ً
لأن يرى كلٌ مِنهما الآخر قــَدَرا ً: على فتراتٍ ليست ببعيدة ..
---
كان (ط) : إنسانا ًمُميزا ًبحبه للمغامرة والتجارة : وبالفعل :
كان دوما ً: أغنى فردٍ في رفقة الأصحاب هذه !!!........
بل امتلك سيارة ًفي وقتٍ مُبكر : لم يركب فيه أحد أصدقائه
حتى موتوسيكلا ًصغيرا ً!.........
---
كان إنسانا ًعاديا ًفي تدينه وعبادته (كملايين المسلمين
مِن حولنا) .. ولكن : كان يتميز دوما ًبحبه لفعل الخير ..
وخصوصا ًالمادي مِن صدقات ونحوها ....
---
كان مِن أصغر إخوته الذكور .. ماتت أ ُمه وهو طفلٌ في
السادسة مِن عمره .. وربما ذلك ما أعطاه ومنحه رقة ًفي
قلبه : جعلت إخوانه الذكور يقولون عنه : إن ما في يده :
لغيره وليس له !.. أو بالعامية : ( إللي في إيده : لغيره ) !
ولكن : سبحان مَن يُعطي ويَحرم .. فبرغم زواجه منذ
عشر سنواتٍ كاملة : إلا أنه لم يحظى بطفل ٍصغير .....
سعى كثيرا ًهو وزوجته ولكن : بلا جدوى .......
واستسلما لأمر الله عز وجل ..........
---
أصابته مِحنة مادية شديدة منذ عامين في البورصة
المصرية وسوق العُملة (وهو عمله الأساسي) ... كان مِن
آثارها السلبية : أن تنكر بعض إخوته لبعض حقوقه
المالية عندهم .. فارتخت الروابط فيما بينهم قليلا ً........
-----
وأخيرا ً: أكرمه الله تعالى بولادة طفلة صغيرة : بلغت
الآن (أي حين موته رحمه الله) : الثلاثة شهور ٍفقط !
---
منذ شهر ٍتقريبا ًبالتمام والكمال : قابله (ش) قــَدرا ًفي
الطريق .. لم يكن قد رآه منذ فترة طويلة تزيد على العام
ونصف .. ويا للعجب : فلم يعرفه لأول وهلة !..
فالجسد الممتليء نضرة ًوشبابا ً(وهو في الرابعة والأربعين
مِن العُمر تقريبا ً) : صار نحيفا ًهزيلا ًجدا ًبشكل مُريب !..
وابتسامة الصحة والراحة : حلت محلها كدرة التعب
والإرهاق !... وعلى الفور سأله (ش) : ما لك ؟!...
---
فأجابه (ط) أنه منذ ثلاثة عشر شهرا ً: وهو مُصاب
بجرثومة في معدته (هكذا أخبروه) : تضيق معها قدرته
على تناول الطعام !.. حتى أنه الآن : صار لا يتناول
إلا السوائل كاللبن والينسون ونحوهما !.......
-------
2)) متاعب قبل الموت ...
لم يرتح (ش) لهذا القول .. فلـ (ش) أختين : كلتيهما
تعمل في حقل الطب بأزواجهما أيضا ً......
مما أعطه خبرة ًلا بأس بها في أمور أمراض الكبد والكلى
والسرطان ونحوه ....... فخاف على صاحبه وخليله
ورفيق دربه : أن يكون قد أصابه مرضٌ عُضالٌ وهو
لا يدري !.. وعلى الفور :
قام بترتيب موعد كشفٍ وفحص ٍطبي ٍلـ (ط) في أحد
مستشفيات الجامعة بمدينتنا ..........
وجاءت النتيجة المُفاجأة للأسف .. لقد أ ُصيب (ط)
بورم سرطاني خبيث مِن الدرجة الثالثة : تضخم ليسد
المعدة (حتى لم يتبق مِن مجرى الطعام فيها إلا مِثل
الثقب الصغير) : كما امتد الورم أيضا ًليُصيب أجزاءً
أخرى مِن البنكرياس والكبد والأمعاء !........
---
لم يدر (ش) ماذا يفعل !..
هل يُخبر (ط) بحقيقة مرضه ؟!!.. أم يُخفي عليه ذلك
كما نصحته أخته الطبيبة التي قالت له : أن العامل
النفسي في مثل هذه الحالات : له دورٌ كبير على تماسك
الجسد واستجابته للعلاج !!!!!!!!!!!...
ولكن :
أي علاج !..........................
لقد بلغ حجم الورم تقريبا ًما وزنه : واحد ونصف الكيلو
في بطن (ط) المسكين !.............
---
وبعد تفكير : قرر (ش) إخفاء الأمر تماما ًعن (ط) .. بل :
وخاف (ش) حتى مِن أخبار أحد إخوة (ط) عن المرض :
حتى لا يُزين لهم الشيطان سوءا ًبأخيهم وميراثه وحق
زوجته وابنته في ماله ......
باختصار :
لم يُخبر (ش) أحدا ًأبدا ًمِن المعارف والأقارب بحقيقة
مرض (ط) : ولا حتى رفاق الدرب الأصدقاء القدامى !!...
وربما كان هذا خطأ ٌمِن (ش) :
دفع ثمنه مِن التوبيخ والتبكيت بعد ذلك .. ولكن : غفر
الله له : فلم يُرد إلا خيرا ً: وإلا خوفا ًعلى أموال (ط) مِن
الاحتيال عليها : وخوفا ًأيضا ًعلى تفشي الخبر بين التجار :
وانهيار سمعة (ط) في السوق كتاجر ..........
-----
وعلى الفور :
قام (ش) سرا ًبالتعاون مع أخته وزوجها جزاهم الله خيرا ً
بترتيب موعد عملية جراحية كبيرة : لأحد أشهر جراحي
استئصال مثل هذه الأورام في القصر العيني بالقاهرة .....
(وبالطبع لولا المعرفة : لانتظر (ط) طويلا ًقبل إجراءها :
ولكن : تقدير الله تعالى وتوقيته : لا مُعقب له كما سنرى)
----
وبالفعل : دخل (ط) غرفة العمليات : وهو يظن أن الأمر
بالفعل : لا يتعدى إجراءً جراحيا ًعاديا ًلاستئصال هذه
الجرثومة التي منعته الأكل تماما ً: والشرب بالكاد !.....
----
استغرقت العملية ست ساعاتٍ كاملة : تم خلالها استئصال
خلايا الورم وما جاورها بقدر الإمكان ...........
كما تم استئصال الكثير مِن المعدة للأسف .. وأجزاءً مِن
البنكرياس والكبد والأمعاء !.......
خرج (ط) مِن العملية : وتم التكتيم على حقيقة الأمر :
حتى الممرضات والأطباء المتابعين : تم إعطائهم الأوامر
بعدم إخبار (ط) بأي شيء ..............
وبالفعل : كانت الحالة المعنوية لـ (ط) مرتفعة .. إلا أنه
بالطبع : تم حجزه لحين شفائه في المستشفى : حيث
لم يكن له أن يأكل ولا يشرب إلا المحاليل الطبية : لمدة
تقترب مِن الستة أيام ...........
----
زارته زوجته وابنته الصغيرة .. وزاره إخوته .. وبرغم
بُعد المدينة عن القاهرة : كان (ش) يتعهده بالزيارة أيضا ً
رغم انشغاله الشديد .........
(ش) الذي لم ينس الجميع (إلى هذه اللحظة) أن يشكروه
على اهتمامه وحُسن صنيعه مع (ط) .....
----
ولكن فجأة : وبغير سبب ٍمعروف : علِمَ (ط) بحقيقة
مرضه !.. ولم ندري : هل تسرب له الخبر مـمَن حوله مِن
المستشفى ؟!.. أم أن إخوته هم الذين اكشفوا ذلك : لما لعب
الشك في رؤوسهم لطول وغرابة حجم العملية والمرض والعلاج :
والذين لا يتناسبون أبدا ًمع (جرثومة) في المعدة ؟!... لا ندري ..
والمهم : أن حالة (ط) : بدأت تتدهور بشكل مُتسارع :
نفسيا ًوجسديا ً... وقام بالاتصال بـ (ش) : ليُعاتبه في
الهاتف ... وكانت لحظات قاسية ًجدا ًعلى (ش) : أن
يسمع هذا الكلام مِن رفيق دربه (ط) ... لقد شعر فجأة :
أنه تسبب في تسارع حياة أعز أصدقائه إليه نحو نهايتها !
فلم يدر إلا وهو يبكي قائلا ًله : إن الأعمار بيد الله !.....
---
وزاد الطين بلة أيضا ً: اتصالٌ بعد قليل ٍمِن أحد إخوة
(ط) بـ (ش) : تم فيه كيل الاتهامات والتوبيخات كيلا ً!..
وللحق : فإن ما قاله أخو (ط) : شرعا ً: له جانب كبير مِن
الصِحة !.. حيث كان أقل ما يجب هو : إخبار أحد أولياء
المريض بحقيقة مرضه والعملية الجراحية ....
حتى يتهيأ على الأقل لاحتمالية الوفاة : وما سيتبعها
مِن حقوق معاملات تجارية مُعلقة أو ديون أو جرد
تركة لميراثٍ ونحوه !............
ولكن : لم يدر (ش) أن كل ذلك صنيع الخير : سينقلب
في وجهه هكذا في لحظة !.. ولم يجد له مخرجا ًمِن هذا
العتاب القاسي والتوبيخ إلا أن قال لهذا الأخ :
ولماذا لم تتحركوا أنتم وأخيكم منذ ثلاثة عشر شهرا ًتسوء
حالته بهذا المرض : وأنتم لا تدرون ولا تتحركون ؟!...
فسكت الأخ .. وانتهت المكالمة .......
--------
ولا داعي بعد ذلك (لعدم التطويل) في أن أقص عليكم :
مدى المعاناة التي عاناها (ط) في تلك الأيام .. حيث أصر
إخوته على منع زوجته عنه بحجج واهية (وأعتقد خوفا ً
مِنهم أن يكتب لها أو لابنتها شيئا ً) .........
وأصروا على نقله إلى مدينته : بل : وإلى بيته : برغم
عدم اكتمال نقاهته بعد !!.. وبالفعل : لم يلق العناية
اللازمة مِن محاليل تغذية طبية ونحوه ..........
(( وقمت أنا بالتدخل في تلك الأثناء :لمحاولة علاجه بأبوال وألبان الإبل :
حتى قادني الأمر للاتصال بالطبيبة رئيسة فريق عمل سعودي من جدة عبر
النت : ورغم أنها أعطتني بياناً بالجرعات : إلا أن القدر كان أسبق )) ..
----
وأما (ط) :
فقد شعر في قرارة نفسه أن مصيره : لم يكن ليبتعد كثيرا ً
عما أصابه الآن : إن عاجلا ًأو آجلا ً........
----
وأما (ش) : فلم يكف عن السؤال عنه والرغبة في
زيارته .. ولكنهم للأسف : كانوا يُخبرونه دوما ًأن (ط)
نائم !!!....
حتى قرر (ش) أن يزوره في بيته فجأة .......
-------
3)) ما قبل الموت .. والموت .. وبعده ...
هيكلا ًعظميا ً.. ذلك هو ما كان عليه (ط) حين زاره (ش)
في بيته !.. وعلى الفور : هاج وماج : وطلب نقله
للمستشفى على الفور .. وبالفعل : ذهبوا به إلى المستشفى
الجامعي بمدينتنا لإنقاذ حياته مِن موتٍ مُحقق .........
ولكن حالته : كانت تستوجب نقله إلى القصر العيني مرة ً
أخرى بالقاهرة : لمتابعة الطبيب الجراح لنفس الجرح :
لأن التئامه بدأ ينهار لضعف أنسجته واهترائها لقلة الغذاء !
----
تم نقله في سيارة خاصة إلى القاهرة .. وتم إجراء اللازم
مِن إعادة خياطة الجرح .. وظل (ش) مُلازما ًله في غرفته
وهو يتلو ويُكرر قول الله عز وجل :
" يُحيي العِظام وهي رميم " يس 78 !!!!!!!!!!!!!!!!!!!...
---
كان موقفا ًعصيبا ًحقا ًذاك الذي وَضعَ (ش) فيه نفسه !!...
----
أفاق (ط) .. وبعد ساعات : بدأ يتحدث .. كان كثيرا ًما يطلب
رؤية ابنته الرضيعة : ذات الثلاثة شهور لم تزل ........
ولكن اخوته كانوا يعمدون لابتعادها وأمها عنه تلك الفترة ..
فكانوا يعدون زوجته في كل يوم ٍأن يسافروا بها في زيارةٍ له :
ثم لا يتحقق الوعد بتهرب كل ٍمنهم : رغم كثرة الإخوان !!.....
---
وفي إحدى المرات و(ش) جالسٌ بجواره : طلب مِنه (ط) أن
يرقيه .. وبالفعل : وضع (ش) يده على رأس (ط) : ومضى
في رقيته كما علمه أبوه رحمه الله ........
وفجأة : تناول (ط) يد (ش) ليُقبلها !.. واندهش الأخ الأكبر
لـ (ط) مِن هذه الفعلة !.. في حين أصر (ط) على فعل ذلك
وهو يقول لـ (ش) :
لم أكن أعرف أن حياتي غالية ًعندك هكذا !................
----
وأما في الليلة الأخيرة قبل وفاة (ط) رحمه الله : ليلة الخميس :
فقد كانت علامات الصحة والعافية بادية على ملامح وجسد
(ط) تماما ً!.. برغم أن وظائف الكبد والكلية عنده كانت
في انهيار حاد !!!!!!!....
وأخذ (ش) يُفكر : أن هذه هي ربما استجابة الله تعالى لقوله :
" يُحيي العظام وهي رميم " ! ولم يدر أن هذه هي صحوة
الموت كمايقولن (إن كان يعرفها بعضكم) .........
---
اعتدل (ط) في جلسته : وأخذ يتحدث مع (ش) : وبجواره
الأخ المتوسط لـ (ط) وابنه معه ....
وفي حديثه : طلب منهم أن يطلبوا له كوب (ينسون) !!....
فنظر أخوه إليه قائلا ً: أنهم لم يسمحوا له بعد بتناول
أية طعام ٍولا شراب غير المحاليل .........
وهنا :
ابتسم (ط) ابتسامة عجيبة قائلا ً: أتظنون أني أحتاج هذه
الشربة مِن (الينسون) ؟!.. فوالله :
لقد أكلت أكلا ً: وشربت شربا ً: ما أكله ولا شربه أحدٌ قط
في هذه الدنيا !......................
وأخذ يصف أكلا ًوعصائرا ًغريبة : أصابت (ش) وأخاه
وابنه بالذهول مما يحكي !!!!..
وكل ما وقر في عقل (ش) ساعتها هو أن (ط) : قد أطعمه
الله وسقاه في مرضه هذا !!!...
وأما أخو (ط) : فقد ظن أن عقل أخيه قد جرى فيه شيئٌ !!..
---
وفي تلك اللحظات من تلك الجلسة الأخيرة ..
لم يتحسر فيها (ط) إلا على شيءٍ واحدٍ فقط : ألا وهو : رؤية
ابنته التي لم يرها حتى الآن : منذ مجيئه هذه المرة !...
حتى أن (ش) : قد همّ بأن يُسافر ليلا ًإلى مدينتهما : ليُحضر
له زوجته وابنته رغم بُعد المسافة وتأخر الوقت ! ولكن :
انفتح باب الغرفة فجأة ليدخل مِنه : زوجة (ط) وابنته !!..
---
نعم .. لقد بادرت المرأة بالسفر وحدها وابنتها الصغيرة
لرؤية زوجها !........ وتلقى (ط) زوجته وابنته في حنان ٍ
طاغ ٍأبكى العيون .. ونظر إلى ابنته النظرات الأخيرة في
مزيج ٍمِن الفرح والقلق والترقب !..... وطلب (ش) أن
يختلي (ط) بزوجته وابنته قليلا ًوحدهم ..........
---
وبالفعل : انتهت الزيارة في تلك الليلة .. وفي صباح
اليوم التالي (الجمعة) : فوجيء ابن أخي (ط) به : وهو
يعتدل على سريره ناظرا ًإلى الفراغ قائلا ً:
أمي .. أهلا ًبك !.. لقد انتظرت طويلا ًجدا ًحتى أرك ! لم
تتغير صورتك التي في خيالي .. أفسح يا فلان للحاجة !
----
ومات (ط) مِن يومه ....... وتم نقله ليُدفن في مدينته
بجوار قبر أمه .. وبعد الدفن : وجد (ش) نساءً (قريبا ً
مِن خمسة أو ستة) : يبكين على (ط) !!. فاقترب منهن
مُتعجبا ً: ليسألهن عن قرابتهن له ؟!.. فقلن لـ (ش) :
إن (ط) : كان يفتح لنا بيوتنا في حياته : كلما جاء لزيارة
قبر والدته كل شهر !!!!!!...
وهنا : تذكر (ش) : كيف كان (ط) ومنذ شبابه : يتعاهد
قبر والدته بالزيارة : ويتهرب مِن أي صُحبة :
حتى لا يطلع أحدٌ على حقيقة صدقة الخفاء التي كان يُخرجها !!....
فرحم الله (ط) .. وهنيئا ًله اتصاره لنفسه وفعل الخير :
فاللهم ألحقه وإيانا بالأنبياء والصالحين والصديقين والشهداء ..
نحن ومَن نحب ....
آميــــــن ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
بقلم : أبو حب الله ..
فائدة اليوم 0123 ...
لا .. لن تضيع !..
بسم الله الرحمن الرحيم ...
الإخوة الكرام ..
اليوم بإذن الله تعالى :
أفي لكم بوعدي في الرسالة السابقة (الرقاقتان والحلوى) :
حيث أحكي لكم قصة ًواقعية ًلإنسان ٍ: لم أره .. ولم أ ُباشر
قصته بنفسي وإنما : باشرتها يوميا ًمِن خلال زميل عمل ٍلي :
سوف أرمز له هنا بحرف (ش) ..
---
وأما بطل القصة رحمه الله : فسوف أرمز له بحرف (ط) ..
----
وأما الفائدتين المرجوتين مِن هذه القصة : فهما :
1...
إحدى مُثبتات الإيمان بوجود الله وجنته واليوم الآخر ..
2...
إحدى المُصبرات على فعل الخير والبذل له كما أخبرتكم
في الرسالة السابقة ............
----
وهذه المثبتات .. وهذا التصبير :
يتأتى عندما يرى المؤمن شيئا ًيوافق ما يؤمن به من الغيب ..
فبرغم إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين مثلا ً
عن وجود (المسيح الدجال) : إلا أنه قد فرح أن (تميما ًالداري)
رضي الله عنه : جاء وأخبر الناس عن رؤيته ومَن معه بالفعل
لـ (المسيح الدجال) في إحدى الجُـزر !....
ففرح النبي لموافقة حدثا ًواقعيا ً: لِما أخبر هو به الناس
عن الغيب !.. (والحديث مشهور باسم حديث الجساسة :
ورواه مسلم وأبو داود وغيرهما) ......
----
أقول مرة ًأخرى :
وكذلك أيضا ً: يفرح كل مؤمن : عندما يرى حدثا ًواقعيا ً:
يوافق ما نؤمِن به مِن الغيب مثل :
أن ترى شهيدا ًفي قبره بعد زمن ٍطويل : ولم يتغير مِن
جسده شيء كرامة ًله !!!!!.. ومثل أن تــُعاين
بنفسك اللحظات الأخيرة مِن حياة إنسان ٍ: وترى بعينيك
وتسمع بأذنيك : ما يحكيه مِن مشاهدته للغيب :
إن خيرا ًفخير : وإن شرا ًفشر !!...............
ولذلك : أرجو أن تكون قصتنا اليوم بإذن الله تعالى : هي
مِن ذلك النوع الذي : يُثبّت الله عز وجل به الإيمان في
القلوب .................
وأترككم مع الأحداث المسارعة التي لم تستغرق أكثر من شهر ..
-----------
1)) على غير ميعاد ........
(ش) و(ط) : جيران منذ أيام الطفولة .. نشأ كل مِنهما
وترعرع بجوار الآخر .. وحتى طوال سنوات
دراستهما معا ً: كانا رفيقا مقعد دراسة (تختة) واحدة !
---
وظلا على هذا التجاور والخـُلة والصداقة : حتى مرحلة
الشباب والتخرج مِن الجامعة .. حيث انتقل (ش) في بيت
آخر : لا يبعد كثيرا ًعن بيته الأول بجوار (ط) .....
ولكن : بدأت مشاغل الحياة والعمل والزواج : تـُفرق
بينهما .............
وكان وجودهما في مدينة واحدة صغيرة كمدينتنا : فرصة ً
لأن يرى كلٌ مِنهما الآخر قــَدَرا ً: على فتراتٍ ليست ببعيدة ..
---
كان (ط) : إنسانا ًمُميزا ًبحبه للمغامرة والتجارة : وبالفعل :
كان دوما ً: أغنى فردٍ في رفقة الأصحاب هذه !!!........
بل امتلك سيارة ًفي وقتٍ مُبكر : لم يركب فيه أحد أصدقائه
حتى موتوسيكلا ًصغيرا ً!.........
---
كان إنسانا ًعاديا ًفي تدينه وعبادته (كملايين المسلمين
مِن حولنا) .. ولكن : كان يتميز دوما ًبحبه لفعل الخير ..
وخصوصا ًالمادي مِن صدقات ونحوها ....
---
كان مِن أصغر إخوته الذكور .. ماتت أ ُمه وهو طفلٌ في
السادسة مِن عمره .. وربما ذلك ما أعطاه ومنحه رقة ًفي
قلبه : جعلت إخوانه الذكور يقولون عنه : إن ما في يده :
لغيره وليس له !.. أو بالعامية : ( إللي في إيده : لغيره ) !
ولكن : سبحان مَن يُعطي ويَحرم .. فبرغم زواجه منذ
عشر سنواتٍ كاملة : إلا أنه لم يحظى بطفل ٍصغير .....
سعى كثيرا ًهو وزوجته ولكن : بلا جدوى .......
واستسلما لأمر الله عز وجل ..........
---
أصابته مِحنة مادية شديدة منذ عامين في البورصة
المصرية وسوق العُملة (وهو عمله الأساسي) ... كان مِن
آثارها السلبية : أن تنكر بعض إخوته لبعض حقوقه
المالية عندهم .. فارتخت الروابط فيما بينهم قليلا ً........
-----
وأخيرا ً: أكرمه الله تعالى بولادة طفلة صغيرة : بلغت
الآن (أي حين موته رحمه الله) : الثلاثة شهور ٍفقط !
---
منذ شهر ٍتقريبا ًبالتمام والكمال : قابله (ش) قــَدرا ًفي
الطريق .. لم يكن قد رآه منذ فترة طويلة تزيد على العام
ونصف .. ويا للعجب : فلم يعرفه لأول وهلة !..
فالجسد الممتليء نضرة ًوشبابا ً(وهو في الرابعة والأربعين
مِن العُمر تقريبا ً) : صار نحيفا ًهزيلا ًجدا ًبشكل مُريب !..
وابتسامة الصحة والراحة : حلت محلها كدرة التعب
والإرهاق !... وعلى الفور سأله (ش) : ما لك ؟!...
---
فأجابه (ط) أنه منذ ثلاثة عشر شهرا ً: وهو مُصاب
بجرثومة في معدته (هكذا أخبروه) : تضيق معها قدرته
على تناول الطعام !.. حتى أنه الآن : صار لا يتناول
إلا السوائل كاللبن والينسون ونحوهما !.......
-------
2)) متاعب قبل الموت ...
لم يرتح (ش) لهذا القول .. فلـ (ش) أختين : كلتيهما
تعمل في حقل الطب بأزواجهما أيضا ً......
مما أعطه خبرة ًلا بأس بها في أمور أمراض الكبد والكلى
والسرطان ونحوه ....... فخاف على صاحبه وخليله
ورفيق دربه : أن يكون قد أصابه مرضٌ عُضالٌ وهو
لا يدري !.. وعلى الفور :
قام بترتيب موعد كشفٍ وفحص ٍطبي ٍلـ (ط) في أحد
مستشفيات الجامعة بمدينتنا ..........
وجاءت النتيجة المُفاجأة للأسف .. لقد أ ُصيب (ط)
بورم سرطاني خبيث مِن الدرجة الثالثة : تضخم ليسد
المعدة (حتى لم يتبق مِن مجرى الطعام فيها إلا مِثل
الثقب الصغير) : كما امتد الورم أيضا ًليُصيب أجزاءً
أخرى مِن البنكرياس والكبد والأمعاء !........
---
لم يدر (ش) ماذا يفعل !..
هل يُخبر (ط) بحقيقة مرضه ؟!!.. أم يُخفي عليه ذلك
كما نصحته أخته الطبيبة التي قالت له : أن العامل
النفسي في مثل هذه الحالات : له دورٌ كبير على تماسك
الجسد واستجابته للعلاج !!!!!!!!!!!...
ولكن :
أي علاج !..........................
لقد بلغ حجم الورم تقريبا ًما وزنه : واحد ونصف الكيلو
في بطن (ط) المسكين !.............
---
وبعد تفكير : قرر (ش) إخفاء الأمر تماما ًعن (ط) .. بل :
وخاف (ش) حتى مِن أخبار أحد إخوة (ط) عن المرض :
حتى لا يُزين لهم الشيطان سوءا ًبأخيهم وميراثه وحق
زوجته وابنته في ماله ......
باختصار :
لم يُخبر (ش) أحدا ًأبدا ًمِن المعارف والأقارب بحقيقة
مرض (ط) : ولا حتى رفاق الدرب الأصدقاء القدامى !!...
وربما كان هذا خطأ ٌمِن (ش) :
دفع ثمنه مِن التوبيخ والتبكيت بعد ذلك .. ولكن : غفر
الله له : فلم يُرد إلا خيرا ً: وإلا خوفا ًعلى أموال (ط) مِن
الاحتيال عليها : وخوفا ًأيضا ًعلى تفشي الخبر بين التجار :
وانهيار سمعة (ط) في السوق كتاجر ..........
-----
وعلى الفور :
قام (ش) سرا ًبالتعاون مع أخته وزوجها جزاهم الله خيرا ً
بترتيب موعد عملية جراحية كبيرة : لأحد أشهر جراحي
استئصال مثل هذه الأورام في القصر العيني بالقاهرة .....
(وبالطبع لولا المعرفة : لانتظر (ط) طويلا ًقبل إجراءها :
ولكن : تقدير الله تعالى وتوقيته : لا مُعقب له كما سنرى)
----
وبالفعل : دخل (ط) غرفة العمليات : وهو يظن أن الأمر
بالفعل : لا يتعدى إجراءً جراحيا ًعاديا ًلاستئصال هذه
الجرثومة التي منعته الأكل تماما ً: والشرب بالكاد !.....
----
استغرقت العملية ست ساعاتٍ كاملة : تم خلالها استئصال
خلايا الورم وما جاورها بقدر الإمكان ...........
كما تم استئصال الكثير مِن المعدة للأسف .. وأجزاءً مِن
البنكرياس والكبد والأمعاء !.......
خرج (ط) مِن العملية : وتم التكتيم على حقيقة الأمر :
حتى الممرضات والأطباء المتابعين : تم إعطائهم الأوامر
بعدم إخبار (ط) بأي شيء ..............
وبالفعل : كانت الحالة المعنوية لـ (ط) مرتفعة .. إلا أنه
بالطبع : تم حجزه لحين شفائه في المستشفى : حيث
لم يكن له أن يأكل ولا يشرب إلا المحاليل الطبية : لمدة
تقترب مِن الستة أيام ...........
----
زارته زوجته وابنته الصغيرة .. وزاره إخوته .. وبرغم
بُعد المدينة عن القاهرة : كان (ش) يتعهده بالزيارة أيضا ً
رغم انشغاله الشديد .........
(ش) الذي لم ينس الجميع (إلى هذه اللحظة) أن يشكروه
على اهتمامه وحُسن صنيعه مع (ط) .....
----
ولكن فجأة : وبغير سبب ٍمعروف : علِمَ (ط) بحقيقة
مرضه !.. ولم ندري : هل تسرب له الخبر مـمَن حوله مِن
المستشفى ؟!.. أم أن إخوته هم الذين اكشفوا ذلك : لما لعب
الشك في رؤوسهم لطول وغرابة حجم العملية والمرض والعلاج :
والذين لا يتناسبون أبدا ًمع (جرثومة) في المعدة ؟!... لا ندري ..
والمهم : أن حالة (ط) : بدأت تتدهور بشكل مُتسارع :
نفسيا ًوجسديا ً... وقام بالاتصال بـ (ش) : ليُعاتبه في
الهاتف ... وكانت لحظات قاسية ًجدا ًعلى (ش) : أن
يسمع هذا الكلام مِن رفيق دربه (ط) ... لقد شعر فجأة :
أنه تسبب في تسارع حياة أعز أصدقائه إليه نحو نهايتها !
فلم يدر إلا وهو يبكي قائلا ًله : إن الأعمار بيد الله !.....
---
وزاد الطين بلة أيضا ً: اتصالٌ بعد قليل ٍمِن أحد إخوة
(ط) بـ (ش) : تم فيه كيل الاتهامات والتوبيخات كيلا ً!..
وللحق : فإن ما قاله أخو (ط) : شرعا ً: له جانب كبير مِن
الصِحة !.. حيث كان أقل ما يجب هو : إخبار أحد أولياء
المريض بحقيقة مرضه والعملية الجراحية ....
حتى يتهيأ على الأقل لاحتمالية الوفاة : وما سيتبعها
مِن حقوق معاملات تجارية مُعلقة أو ديون أو جرد
تركة لميراثٍ ونحوه !............
ولكن : لم يدر (ش) أن كل ذلك صنيع الخير : سينقلب
في وجهه هكذا في لحظة !.. ولم يجد له مخرجا ًمِن هذا
العتاب القاسي والتوبيخ إلا أن قال لهذا الأخ :
ولماذا لم تتحركوا أنتم وأخيكم منذ ثلاثة عشر شهرا ًتسوء
حالته بهذا المرض : وأنتم لا تدرون ولا تتحركون ؟!...
فسكت الأخ .. وانتهت المكالمة .......
--------
ولا داعي بعد ذلك (لعدم التطويل) في أن أقص عليكم :
مدى المعاناة التي عاناها (ط) في تلك الأيام .. حيث أصر
إخوته على منع زوجته عنه بحجج واهية (وأعتقد خوفا ً
مِنهم أن يكتب لها أو لابنتها شيئا ً) .........
وأصروا على نقله إلى مدينته : بل : وإلى بيته : برغم
عدم اكتمال نقاهته بعد !!.. وبالفعل : لم يلق العناية
اللازمة مِن محاليل تغذية طبية ونحوه ..........
(( وقمت أنا بالتدخل في تلك الأثناء :لمحاولة علاجه بأبوال وألبان الإبل :
حتى قادني الأمر للاتصال بالطبيبة رئيسة فريق عمل سعودي من جدة عبر
النت : ورغم أنها أعطتني بياناً بالجرعات : إلا أن القدر كان أسبق )) ..
----
وأما (ط) :
فقد شعر في قرارة نفسه أن مصيره : لم يكن ليبتعد كثيرا ً
عما أصابه الآن : إن عاجلا ًأو آجلا ً........
----
وأما (ش) : فلم يكف عن السؤال عنه والرغبة في
زيارته .. ولكنهم للأسف : كانوا يُخبرونه دوما ًأن (ط)
نائم !!!....
حتى قرر (ش) أن يزوره في بيته فجأة .......
-------
3)) ما قبل الموت .. والموت .. وبعده ...
هيكلا ًعظميا ً.. ذلك هو ما كان عليه (ط) حين زاره (ش)
في بيته !.. وعلى الفور : هاج وماج : وطلب نقله
للمستشفى على الفور .. وبالفعل : ذهبوا به إلى المستشفى
الجامعي بمدينتنا لإنقاذ حياته مِن موتٍ مُحقق .........
ولكن حالته : كانت تستوجب نقله إلى القصر العيني مرة ً
أخرى بالقاهرة : لمتابعة الطبيب الجراح لنفس الجرح :
لأن التئامه بدأ ينهار لضعف أنسجته واهترائها لقلة الغذاء !
----
تم نقله في سيارة خاصة إلى القاهرة .. وتم إجراء اللازم
مِن إعادة خياطة الجرح .. وظل (ش) مُلازما ًله في غرفته
وهو يتلو ويُكرر قول الله عز وجل :
" يُحيي العِظام وهي رميم " يس 78 !!!!!!!!!!!!!!!!!!!...
---
كان موقفا ًعصيبا ًحقا ًذاك الذي وَضعَ (ش) فيه نفسه !!...
----
أفاق (ط) .. وبعد ساعات : بدأ يتحدث .. كان كثيرا ًما يطلب
رؤية ابنته الرضيعة : ذات الثلاثة شهور لم تزل ........
ولكن اخوته كانوا يعمدون لابتعادها وأمها عنه تلك الفترة ..
فكانوا يعدون زوجته في كل يوم ٍأن يسافروا بها في زيارةٍ له :
ثم لا يتحقق الوعد بتهرب كل ٍمنهم : رغم كثرة الإخوان !!.....
---
وفي إحدى المرات و(ش) جالسٌ بجواره : طلب مِنه (ط) أن
يرقيه .. وبالفعل : وضع (ش) يده على رأس (ط) : ومضى
في رقيته كما علمه أبوه رحمه الله ........
وفجأة : تناول (ط) يد (ش) ليُقبلها !.. واندهش الأخ الأكبر
لـ (ط) مِن هذه الفعلة !.. في حين أصر (ط) على فعل ذلك
وهو يقول لـ (ش) :
لم أكن أعرف أن حياتي غالية ًعندك هكذا !................
----
وأما في الليلة الأخيرة قبل وفاة (ط) رحمه الله : ليلة الخميس :
فقد كانت علامات الصحة والعافية بادية على ملامح وجسد
(ط) تماما ً!.. برغم أن وظائف الكبد والكلية عنده كانت
في انهيار حاد !!!!!!!....
وأخذ (ش) يُفكر : أن هذه هي ربما استجابة الله تعالى لقوله :
" يُحيي العظام وهي رميم " ! ولم يدر أن هذه هي صحوة
الموت كمايقولن (إن كان يعرفها بعضكم) .........
---
اعتدل (ط) في جلسته : وأخذ يتحدث مع (ش) : وبجواره
الأخ المتوسط لـ (ط) وابنه معه ....
وفي حديثه : طلب منهم أن يطلبوا له كوب (ينسون) !!....
فنظر أخوه إليه قائلا ً: أنهم لم يسمحوا له بعد بتناول
أية طعام ٍولا شراب غير المحاليل .........
وهنا :
ابتسم (ط) ابتسامة عجيبة قائلا ً: أتظنون أني أحتاج هذه
الشربة مِن (الينسون) ؟!.. فوالله :
لقد أكلت أكلا ً: وشربت شربا ً: ما أكله ولا شربه أحدٌ قط
في هذه الدنيا !......................
وأخذ يصف أكلا ًوعصائرا ًغريبة : أصابت (ش) وأخاه
وابنه بالذهول مما يحكي !!!!..
وكل ما وقر في عقل (ش) ساعتها هو أن (ط) : قد أطعمه
الله وسقاه في مرضه هذا !!!...
وأما أخو (ط) : فقد ظن أن عقل أخيه قد جرى فيه شيئٌ !!..
---
وفي تلك اللحظات من تلك الجلسة الأخيرة ..
لم يتحسر فيها (ط) إلا على شيءٍ واحدٍ فقط : ألا وهو : رؤية
ابنته التي لم يرها حتى الآن : منذ مجيئه هذه المرة !...
حتى أن (ش) : قد همّ بأن يُسافر ليلا ًإلى مدينتهما : ليُحضر
له زوجته وابنته رغم بُعد المسافة وتأخر الوقت ! ولكن :
انفتح باب الغرفة فجأة ليدخل مِنه : زوجة (ط) وابنته !!..
---
نعم .. لقد بادرت المرأة بالسفر وحدها وابنتها الصغيرة
لرؤية زوجها !........ وتلقى (ط) زوجته وابنته في حنان ٍ
طاغ ٍأبكى العيون .. ونظر إلى ابنته النظرات الأخيرة في
مزيج ٍمِن الفرح والقلق والترقب !..... وطلب (ش) أن
يختلي (ط) بزوجته وابنته قليلا ًوحدهم ..........
---
وبالفعل : انتهت الزيارة في تلك الليلة .. وفي صباح
اليوم التالي (الجمعة) : فوجيء ابن أخي (ط) به : وهو
يعتدل على سريره ناظرا ًإلى الفراغ قائلا ً:
أمي .. أهلا ًبك !.. لقد انتظرت طويلا ًجدا ًحتى أرك ! لم
تتغير صورتك التي في خيالي .. أفسح يا فلان للحاجة !
----
ومات (ط) مِن يومه ....... وتم نقله ليُدفن في مدينته
بجوار قبر أمه .. وبعد الدفن : وجد (ش) نساءً (قريبا ً
مِن خمسة أو ستة) : يبكين على (ط) !!. فاقترب منهن
مُتعجبا ً: ليسألهن عن قرابتهن له ؟!.. فقلن لـ (ش) :
إن (ط) : كان يفتح لنا بيوتنا في حياته : كلما جاء لزيارة
قبر والدته كل شهر !!!!!!...
وهنا : تذكر (ش) : كيف كان (ط) ومنذ شبابه : يتعاهد
قبر والدته بالزيارة : ويتهرب مِن أي صُحبة :
حتى لا يطلع أحدٌ على حقيقة صدقة الخفاء التي كان يُخرجها !!....
فرحم الله (ط) .. وهنيئا ًله اتصاره لنفسه وفعل الخير :
فاللهم ألحقه وإيانا بالأنبياء والصالحين والصديقين والشهداء ..
نحن ومَن نحب ....
آميــــــن ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....