المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما سبب غياب وسائل الإعلام الغربية والعربية في سورية؟



الفن الممكن
04-13-2011, 11:23 AM
Lee Smith - Weekly Standard
يدرك كل سوري أنه إذا نزل إلى الشارع، فلن تتردد قوى الأمن في إطلاق النار عليه عندما تسنح لها الفرصة، وأن أحداً لن يوقفها، لاسيما النظام، كذلك، لا خوف من تداعيات تلك الحوادث في الصحافة الدولية... باختصار، يبدو أن وسائل الإعلام الغربية والعربية التي غطّت أحداث الانتفاضة المصرية غائبة عن الأحداث في سورية.

صحيح أن الانتفاضة السورية لم تتصدر العناوين الرئيسة في الصحافة الغربية، ولم تُعتبر الحدث الأبرز الذي يستحق تغطية إعلامية على مدار الساعة على أهم الشبكات الفضائية العربية مثل قناتي 'الجزيرة' و'العربية'، ولكن الانتفاضة تتواصل بوتيرة متسارعة، في حين تتحول التدابير المضادة للاحتجاجات إلى أعمال أكثر وحشية بأمرٍ من نظام الأسد.

شهدت الأيام الماضية احتجاجات إضافية في سورية، فبدأ نظام الأسد يضيق الخناق على المحتجين، ووفقاً لبعض المصادر، فتحت قوى الأمن النار على المحتجين في درعا، التي كانت نقطة انطلاق الثورة، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وجرح المئات.

يبدو أن الأجهزة الأمنية تتبنى استراتيجية مثيرة للاهتمام: ترك الأسلحة في ساحات الاحتجاج على أمل أن يفكر المحتجون باستخدامها، عندها سيكون استعمال العنف بما يعادل مستوى عمليات القذافي مبرراً من أجل إخماد الانتفاضة، بحسب منطق النظام، ويشدد أحد المواقع الإلكترونية الخاصة بدعم الثورة السورية بقيادة عمار عبدالحميد، أن كل ضابط جيش رفض استهداف المدنيين تعرض لإطلاق النار على يد قوى الأمن.

كذلك، امتلأت شوارع المدن السورية الأخرى بالمحتجين، مثل ضاحيتي حرستا ودوما في دمشق، وحصل الأمر نفسه في مدن أكبر حجماً مثل حمص وحماة ودير الزور، فضلاً عن المناطق الكردية مثل قامشلي، ولا ننسى المناطق التي تطرح أكبر خطر على النظام، وهي المدن الساحلية المختلطة التي يقيم فيها السنّة والعلويون مثل اللاذقية وطرطوس.

تسري شائعات كثيرة في واشنطن، مصدرها دمشق، بشأن حجم قلق بشار الأسد، إذ يخشى النظام أن يكون صانعو السياسة الأميركيون يسعون إلى تغيير النظام في سورية، لكن الأمر مشكوك في أمره حسب تحليل ديفيد شينكر في صحيفة 'نيو ريبابليك' (The New Republic)، بما أن التاريخ الحديث، منذ حقبة السبعينيات، يشير إلى أن دمشق تجيد التهرب من تهديدات واشنطن في نهاية المطاف، لكن على الأقل، بدأ أوباما يستعمل كلمات قوية لإدانة أعمال العنف التي يمارسها النظام السوري، مع أن هذه الكلمات لا تؤثر في بشار الأسد فعلياً.

ما يثير الغرابة فعلاً هو عدم التركيز على هذه الأحداث على الرغم من شجاعة المتظاهرين وحجم الانتفاضة الحاصلة، فقد نزل الناس إلى الشوارع في جميع المدن السورية الكبرى تقريباً باستثناء حلب، وفي نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر هنا بقوى الأمن المصرية بقيادة حليف للولايات المتحدة مثل الرئيس الأسبق حسني مبارك. يدرك كل سوري أنه إذا نزل إلى الشارع، فلن تتردد قوى الأمن في إطلاق النار عليه عندما تسنح لها الفرصة، وأن أحداً لن يوقفها، لاسيما النظام. كذلك، لا خوف من تداعيات تلك الحوادث في الصحافة الدولية. باختصار، يبدو أن وسائل الإعلام الغربية والعربية التي غطّت أحداث الانتفاضة المصرية غائبة عن الأحداث في سورية.

تصدر تقارير صحيفة 'نيويورك تايمز' من القاهرة ونيويورك؛ وترتكز تغطية الأحداث لصحيفة 'واشنطن بوست' في بيروت؛ ولدى وكالة 'رويترز' مراسلون في دمشق، ولكن النظام يتابع اعتقالهم ثم إطلاق سراحهم، بمعنى آخر، لقد نجح نظام الأسد في التعتيم على الأحداث الحاصلة، حتى أصبح الإنترنت (عبر مواقع 'اليوتوب' و'الفيسبوك' و'تويتر') المصدر الأساسي والوحيد للأنباء الصادرة مباشرةً من سورية... لقد كانت وسائل الإعلام الاجتماعية هي التي حفزت المحتجين المصريين والتونسيين على التحرك، لكن بالنسبة إلى المعارضة السورية، فإنها المصدر الإعلامي الأساسي لعرض ما يحصل أمام أنظار العالم.

في هذا السياق، قال حسين عبدالحسين، صحافي عربي مركزه واشنطن:

لقد خصصت القنوات الفضائية العربية وقتاً أطول لبث أحداث سورية، أكثر مما فعلت في الأيام السابقة، وقد غطت أخبار 'الجزيرة' الاشتباكات الحاصلة في سورية خلال نصف الساعة الأولى من النشرة، غير أن قناة 'الجزيرة' التي التزمت الصمت بشأن ما يدور في سورية على نحوٍ ملفت- ربما بسبب العلاقة المتينة التي تجمع الأسد بمالك القناة، الشيخ القطري حمد بن خليفة آل ثاني- عادت لتغطي التظاهرات السورية بشكل انتقائي.

من المعروف أن قناة 'الجزيرة' بثّت الانتفاضات السابقة بالتفصيل وجاهرت بالدور الذي أدته في سقوط زين العابدين بن علي وحسني مبارك، لكن من الملاحظ أنها أقل حضوراً بكثير في سورية، بحسب تحليل مايكل يونغ في المقالة التي كتبها في صحيفة 'دايلي ستار' الصادرة في بيروت:

تُعتبر سورية جزءاً من 'محور المقاومة'، وسيؤدي سقوط النظام فيها إلى إيذاء 'حزب الله' و'حماس'، وتجدر الإشارة إلى أن تغطية 'الجزيرة' لانتفاضة الاستقلال التي حصلت في لبنان ضد سورية، في عام 2005، اتسمت بالبرود نفسه. يسهل التقليل من شأن علي عبدالله صالح ومعمر القذافي وحسني مبارك، فقد كان كل واحد منهم، بطريقته الخاصة، بعيداً عن المحور العربي القومي، غير أن استهداف بشار الأسد يعني إنكار الخط الذي اتبعته 'الجزيرة' لتغطية الأحداث طوال سنوات والذي كان يقضي بدعم مواقف الرئيس السوري، لكن في الوقت عينه، سيكون رفض تغطية الأحداث بمنزلة دعم للقيادات السياسية العربية.

بالتالي، يشعر السوريون اليوم بأنهم متروكون، وبأن نضالهم لا يحظى بالاهتمام المعهود من قناة 'الجزيرة' على مستوى حشد العواطف وبث الشعارات القوية لتعبئة الشعوب. لم يستثْنِ الخطاب العربي المتلفز الداعي إلى الحرية سورية، ولكنه في الوقت نفسه لم يتبنَّ القضية السورية. تفكر المحطات العربية الآن بما يجب فعله في المرحلة المقبلة، ولكنها لاتزال تأمل في أن تختفي الأحداث السورية قريباً، كي تختفي معها معالم ازدواجيتها في تغطية الأحداث، إنه عار كبير على وسائل الإعلام!

يلوم الشباب أيضاً قناة 'العربية'، التي تأسست في عام 2003، لأنها تسعى في الأساس إلى منافسة أبرز خصم إعلامي لها، أي قناة 'الجزيرة' التي اشتهرت بسبب تهجمها المتواصل على الرياض وخصوم عرب آخرين مثل القاهرة.

بالتالي، من المبرر أن نضع قناتَي 'الجزيرة' و'العربية' في الخانة نفسها، لأن المملكة العربية السعودية وقطر تتشاركان الرغبة في منع سقوط النظام السوري، خوفاً من انتشار الفوضى، ويسود منطق التفكير هذا في أغلبية دول الخليج حيث عمد القادة إلى الاتصال بالأسد أخيراً للتعبير عن دعمهم له.

صحيح أن السعوديين تصادموا سابقاً مع سورية، منذ أن اشتبهوا في تورطها في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لكنهم لا يريدون سقوط الأسد، فهم يخشون أن تصل موجة الانتفاضات العربية إلى بلدانهم، وتُعتبر سورية مكاناً مناسباً لكبح تلك الموجة، لكن في المقابل، لم تُبْدِ صحيفة 'الشرق الأوسط' السعودية، مركزها لندن، أي ليونة في انتقاداتها لدمشق.

ربما تعود هذه المواقف إلى واقع أن الجميع يدركون أن الفيديوهات تشكل وسيلة أقوى بكثير من الصحافة المطبوعة، لكن من السهل أيضاً أن نبالغ في تقدير قوة قناة 'الجزيرة'، ولاسيما إذا ما قورنت بخطب يوم الجمعة، ففي الأسبوع الماضي، سمعتُ شائعات في بيروت مفادها أن السعوديين أعطوا تعليماتهم للشيوخ والأئمة السنّة في أنحاء سورية من أجل تهدئة الأوضاع وسحب الناس من الشوارع، لكن على ما يبدو، تبددت تلك الأمنيات بفعل رياح الانتفاضة السورية.