نادر حلواني
04-22-2011, 03:30 PM
يطرح بيرلوسكوني مسألة اليسار واليمين في إيطاليا على نحو حاد. ولا تزال مسألة علاقة الشمال بالجنوب من غير حل، بل إن تعاظم ثقل رابطة الشمال الانفصالية يؤجج المسألة التقليدية الإيطالية. ويؤدي تضافر هذه المسائل إلى إهمال مسألة اندماج المهاجرين في الحياة الإيطالية، على رغم خطرها ومكانتها. والحق أن مشكلة رابطة الشمال، وهي تتصل بموضوع الهجرة وقضية الشمال والجنوب وبالانقسام السياسي وبالنزاع بين اليسار واليمين اتصالاً وثيقاً، بالغة بالتعقيد. ولعلها ثمرة أربعة عوامل:
- العامل الأول هو تلاشي الأحزاب التقليدية وانهيارها، وعلى الخصوص الحزب الشيوعي، غداة سقوط جدار برلين في 1989.
- الثاني، غلبة ثقافة بلدية ومحلية أخفقت في بناء الدولة وتحديثها.
- الثالث هو تفاقم التفاوت في العشرين سنة الأخيرة، بين الشمال والجنوب، وهذا بدوره يفضي إلى تخلف الجنوب تخلفاً لا تنفع فيه خطط التحديث، وإلى خروج الجنوب من سيرورة التحديث.
- العامل الرابع هو ظهور عجز إيطاليا، في أوائل التسعينات الماضية، عن معالجة مسألة الهجرة وذيولها الاجتماعية والثقافية.
ومع تدفق المهاجرين، طرح في المداولات العلنية موضوع الإسلام. وفي المعرض أو السياق نفسه انفجرت الحرب في يوغوسلافيا سابقاً، وحملت الآلاف من الألبان والبوسنيين المسلمين والأتراك على طلب اللجوء إلى إيطاليا القريبة. واجتمعت هذه العوامل على تقوية رابطة الشمال. وهي الحزب الوحيد الذي تعاظم تأييده في صفوف الناخبين وحكومات الشمال المحلية كلها، عملياً، يديرها محازبو الرابطة. ويعود نموها المضطرد إلى مثلث الهجرة والأمن والإسلام. وغداة الحرب في يوغوسلافيا سابقاً، ثم غداة 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وانتشار الإرهاب «الجهادي»، طغى التنديد بجماعات المهاجرين المسلمين إلى إيطاليا من غير رادع أو قيد.
وتعلم رابطة الشمال من غير ريب أن الإسلام، إن في إيطاليا أو في أوروبا، صار واقعة يستحيل إنكارها أو تجاهلها. فجماعات المسلمين المهاجرين حلّت في البلدان التي استقبلتهم، وليس في مستطاع هذه البلدان إنكار حقوقهم. وتنتهج رابطة الشمال بإزاء هذه الجماعات نهجاً جديداً مزدوجاً: فهي تدقق في طلب إجازات لبناء المساجد تدقيقاً إدارياً صارماً، من جهة، أو تحيل المسألة كلها على الاستفتاء، وهي على ثقة بأن الإيطاليين شديدو التحفظ عن إجازة مثل هذا البناء. ولا شك في أن رابطة الشمال نفسها عَرَض من أعراض تراجع وقلق عميقين يتصلان بهوية إيطاليا التاريخية والسياسية. ويلحّ، اليوم، السؤال: ما معنى أن يكون الواحد (أو الواحدة) إيطالياً؟ وماذا يترتب على الحال هذه؟ والسؤال لا يزال جوابه معلقاً ومضطرباً بينما صدع الشمال – الجنوب لم يردم، بل هو لا ينفك يتسع، وبينما تقصد إيطاليا جماعات من المهاجرين غير الإيطاليين منشأ ومنبتاً، و تتطلين أو هي في طور التطلين والاندماج في الحياة الإيطالية. وهذه الجماعات لا مناص من احتسابها. ولا نغفل عن أن إيطاليا أمة فتية، وليست كسائر الأمم الأوروبية العريقة. وهي نشأت نشأتها الأولى عن ثقافات كثيرة وأقوام متباينين. فإيطاليا انفردت بعلاقة حميمة باليونان، قديماً وحديثاً.
وأقامت على أراضيها أقليات سلافية بترييستا ومنطقة الفريول، حول البندقية. واستقبلت جماعات ألبانية بصقلية وكالابريا، في الجنوب. وعقدت البندقية روابط وثيقة بالسلطنة العثمانية تعدت تركيا إلى الولايات العربية. وعلى هذا، فمسألة الأقليات والجماعات القومية المقيمة والمهاجرة لا تقتصر، في إيطاليا المعاصرة، على الوجه الأمني ولا على الوجه السياسي الانتخابي. فالتنوع الثقافي في الديمقراطية ينبغي ألا يعالج المعالجة التي تغذي الأهواء الحادة، والمشادات الأيديولوجية والمنحازة. فالاقتصار على الوجه الأمني والمعالجة الأيديولوجية ضررهما على تبلور طبقة سياسية قوية وبصيرة فادح. وهما يطلقان العنان للديماغوجية والديماغوجيين الغوغائيين، ويسوغان معاملة تمييزية تقود إلى التفريق والعنف والثارات.
يتبع...........
- العامل الأول هو تلاشي الأحزاب التقليدية وانهيارها، وعلى الخصوص الحزب الشيوعي، غداة سقوط جدار برلين في 1989.
- الثاني، غلبة ثقافة بلدية ومحلية أخفقت في بناء الدولة وتحديثها.
- الثالث هو تفاقم التفاوت في العشرين سنة الأخيرة، بين الشمال والجنوب، وهذا بدوره يفضي إلى تخلف الجنوب تخلفاً لا تنفع فيه خطط التحديث، وإلى خروج الجنوب من سيرورة التحديث.
- العامل الرابع هو ظهور عجز إيطاليا، في أوائل التسعينات الماضية، عن معالجة مسألة الهجرة وذيولها الاجتماعية والثقافية.
ومع تدفق المهاجرين، طرح في المداولات العلنية موضوع الإسلام. وفي المعرض أو السياق نفسه انفجرت الحرب في يوغوسلافيا سابقاً، وحملت الآلاف من الألبان والبوسنيين المسلمين والأتراك على طلب اللجوء إلى إيطاليا القريبة. واجتمعت هذه العوامل على تقوية رابطة الشمال. وهي الحزب الوحيد الذي تعاظم تأييده في صفوف الناخبين وحكومات الشمال المحلية كلها، عملياً، يديرها محازبو الرابطة. ويعود نموها المضطرد إلى مثلث الهجرة والأمن والإسلام. وغداة الحرب في يوغوسلافيا سابقاً، ثم غداة 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وانتشار الإرهاب «الجهادي»، طغى التنديد بجماعات المهاجرين المسلمين إلى إيطاليا من غير رادع أو قيد.
وتعلم رابطة الشمال من غير ريب أن الإسلام، إن في إيطاليا أو في أوروبا، صار واقعة يستحيل إنكارها أو تجاهلها. فجماعات المسلمين المهاجرين حلّت في البلدان التي استقبلتهم، وليس في مستطاع هذه البلدان إنكار حقوقهم. وتنتهج رابطة الشمال بإزاء هذه الجماعات نهجاً جديداً مزدوجاً: فهي تدقق في طلب إجازات لبناء المساجد تدقيقاً إدارياً صارماً، من جهة، أو تحيل المسألة كلها على الاستفتاء، وهي على ثقة بأن الإيطاليين شديدو التحفظ عن إجازة مثل هذا البناء. ولا شك في أن رابطة الشمال نفسها عَرَض من أعراض تراجع وقلق عميقين يتصلان بهوية إيطاليا التاريخية والسياسية. ويلحّ، اليوم، السؤال: ما معنى أن يكون الواحد (أو الواحدة) إيطالياً؟ وماذا يترتب على الحال هذه؟ والسؤال لا يزال جوابه معلقاً ومضطرباً بينما صدع الشمال – الجنوب لم يردم، بل هو لا ينفك يتسع، وبينما تقصد إيطاليا جماعات من المهاجرين غير الإيطاليين منشأ ومنبتاً، و تتطلين أو هي في طور التطلين والاندماج في الحياة الإيطالية. وهذه الجماعات لا مناص من احتسابها. ولا نغفل عن أن إيطاليا أمة فتية، وليست كسائر الأمم الأوروبية العريقة. وهي نشأت نشأتها الأولى عن ثقافات كثيرة وأقوام متباينين. فإيطاليا انفردت بعلاقة حميمة باليونان، قديماً وحديثاً.
وأقامت على أراضيها أقليات سلافية بترييستا ومنطقة الفريول، حول البندقية. واستقبلت جماعات ألبانية بصقلية وكالابريا، في الجنوب. وعقدت البندقية روابط وثيقة بالسلطنة العثمانية تعدت تركيا إلى الولايات العربية. وعلى هذا، فمسألة الأقليات والجماعات القومية المقيمة والمهاجرة لا تقتصر، في إيطاليا المعاصرة، على الوجه الأمني ولا على الوجه السياسي الانتخابي. فالتنوع الثقافي في الديمقراطية ينبغي ألا يعالج المعالجة التي تغذي الأهواء الحادة، والمشادات الأيديولوجية والمنحازة. فالاقتصار على الوجه الأمني والمعالجة الأيديولوجية ضررهما على تبلور طبقة سياسية قوية وبصيرة فادح. وهما يطلقان العنان للديماغوجية والديماغوجيين الغوغائيين، ويسوغان معاملة تمييزية تقود إلى التفريق والعنف والثارات.
يتبع...........