المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرية بين الليبراليين والإسلاميين (مقال جميل جدا)



المقدسي السلفي
05-05-2011, 03:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الكاتب: د. محمد سرور

استخدم أصحاب الفكر الليبرالي الحرية على نطاق واسع جداً ، وبالرغم من أن عمر الليبراليين لا يتجاوز الأربعة قرون علي الأكثر إلا أن الليبراليين يصرون على أن عمرهم يتجاوز عمر الكون بكل ما فيه ، فمن ثم هم أول من نادي باستخدام العقل والإعلاء من شأنه ، وقد فندت ذلك في مقالة سابقة بعنوان ” احذروا السلفية”.

وهم أول من نادي بالتسامح ، وهم أصحاب فكرة التعددية وهم ، وهم ، وهم ، وهم وحدهم الذي ينبغي أن يسمع صوتهم لأن ما عداهم ليسوا من النخب الممتازة التي تسمع ، ومن ثم فلو أتت الديمقراطية بالإسلاميين فسيهاجرون ، أو سينصبون المشانق للديمقراطية .

ولأن هذه الورقات لا تتسع لكثير من التنظيرات والتتبع التاريخي لمفهوم الحرية عند الليبراليين، فإنني أحاول هنا أن أبين من كلام منظري الفكر الليبرالي أن الحرية في الغرب بداية تطورت من ذوبان حرية الفرد في الجماعة إلي السعي في التخلص من ربقة الجماعة وتمجيد حرية الفرد ، ولكن حرية الفرد هذه حين تحاول الإمساك بمعني لها معجميّ فإننا لا نكاد نجد إلا معاني نفسية يعبر عنها مفكر هنا أو هناك .

ففلامان - مثلاً- يقول : ” إننا نحس أننا أحرار ، أو لسنا أحراراً ” ويضيف : ” إن الحرية هي رائحة تشم ” (Maurice flam ant. Opcit.p13.)

فما سبق ليس حداً للحرية ، وإنما هي معاني نفسية لا يستطاع الإمساك بها كي نجدها في دنيا الناس ، فتحولت إلي فكرة نظرية مجردة يصعب تجسيدها في أرض الواقع . وهذا بخلاف هذه القيمة كما هي في الإسلام كما سأبين - إن شاء الله - .

فلما كان صعباً أن يقدم مفهوماً منضبطاً تعلق بمقاييس الاستشعار النفسي للحرية .

أما مونتيسكيو الثاني فعبر عن الحرية بالهواء فقال : يظهر لي أن الحرية التي تشغل في عالم السياسة الموقع الذي يشغله الهواء في العالم الطبيعي .

صحيح أن المقاربة النفسية التي لجأ إليها فلامان ومن قبله توكوفيل ليست مبنية من الناحية المعرفية على أساس مكين ، إذ جلي أن غياب الحرية ليس كغياب الهواء ، وليس الشعور بنقصها عند الأفراد والشعوب علي هذا النحو التلقائي الذي يتحدثان عنه ، فليست ثورات الشعوب الطالبة للحرية ناتجة عن مجرد غيابها ، بل هي وعيٌ بغيابها ، إذ ثمة فارق كبير بين مجرد غياب الشئ وبين استشعار غيابه .

لكن مسلك توكوفيل وفلامان ، يفيد ما أكدناه سابقاً وهو صعوبة التحديد الدلالي الجامع المانع لمعني مفهوم الحرية ، ولذا ما ألجأهما إلي هذه المقارنة النفسية والإيغال في التشبيه المجازي إلا غموض الدلالة و زئبقية المعنى ومن قلب أوراق الفكر الليبرالي فإنه يجزم أنه ليس هناك مفهوم للحرية محدد ، فتحديد الحرية في الفكر الليبرالي بدلالة واحدة منزلق خطير .

ولقد تطور مفهوم الحرية عند الليبراليين تبعاً لتتبع التاريخ تطوراً خطيراً وللحديث عن ذلك لا بد من العودة للقرن السادس عشر ، حيث نجد أن مفهوم حرية الملكة الفكرية للفرد سيبدأ في التبلور مع حركة الإصلاح الديني ، إذ معها برزت المناداة بإطلاق التفاعل الحر للفرد مع النص المقدس ، وتحريره من سلطة التأويل الكنسيّ ، وهنا تعد هذه الحركة أول تبلور لإرادة الحرية المعرفية .
وليس معني ما سبق أن العقل كان له قيمة ،وإنما المقصود إطلاق التفاعل الوجداني والشعورى مع النص خارج الوصاية البابوية وتفسيرها الأحادي .

فإذا ما نظرنا للقرن السابع عشر الذي أسس فيه للأنساق العقلانية ( الديكارتية ، والسبينوزية ، واللايبنيزية ) ، فقد نشأ التوكيد علي حرية الفكر للفرد في المساءلة والشك والبحث عن الحقيقة.

وفي القرن الثامن عشر سيحرر الفرد بوصفه ذاتا سياسية من خلال التوكيد علي مفهومي الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي .

أما ليبرالية القرن التاسع عشر فستنقلب علي هذا المفهوم ، إذ معها لم تعد الحرية تقدم بوصفها استحقاقاً طبيعياً للكائن الإنساني برسم إنسانيته بل تم تغيير مدلول الحرية وما صدقها أيضاً ، فأصبحت لا تعني سوي حرية الفرد المالك ، وبذلك استوت الفلسفة الليبرالية بوصفها منظوراً اقتصادياً يبتذل الحرية ويختزلها إلي مجرد دال علي حرية القوة الاقتصادية . ولا يزال هذا التصور ناظماً للوعي الليبرالي وسائدا في خطابه إلي اليوم.

ومن ثم فإن الليبرالية تنتهي إلي التأسيس لاستبداد رأس المال .

- وحتى لا أطيل فإن الأمر سينتهي مع النيوليبرالية إلي أن ننظر إلي الفرد ليس بوصفه مالكاً يبيع ويشترى ، بل بوصه شيئاً مباعاً ، أى مجرد قطعة يلوكها الترس الاقتصاديّ .

- ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، في تتبع مفهوم الحرية وتطورها عند الليبراليين .

- أما الحرية في الإسلام الذي يسبق تقريره لها تقرير الليبرالية المجتزأ المهلهل بما يزيد علي العشرة قرون .

- فالحرية في الإسلام : وصف فطرىّ وخلق كريم وصفة أساسية في الإنسان , وقد خلقه الله تعالي - علي هذه الصفة الكريمة ، وقدر له أن يكون حراً دون اختيار سابق منه لهذه الصفة تكريماً له ، وتهيئة لحمل المهمة الكبرى ، وهي إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له .

- وهذه العبودية لا بد لها من حرية من رق العباد والتحرر من عبادة ما سواه .

والحرية في الإسلام من الضروريات ، لأن انعدامها يترتب عليه فساد الدين ، وعندنا قاعدة تقتضي أن الأصل في العادات الإباحة ، والإباحة تعني حرية الفعل أو الترك ، والمباح أوسع الأحكام الشرعية وجوداً .

- والأصل في الإسلام : براءة الذمة بمعني أن ذمة الإنسان بريئة خالية من أي حق عليها أو تكليف يلزمها حتى يثبت الإلزام بدليل وبينة ، وهذه القاعدة مكملة للتي قبلها ، فالقاعدة الأولي تمنع من التحريم والمنع بالإباحة الأصلية ، وهذه القاعدة تمنع من الإلزام ببراءة الذمة ، فلا تحرم علي المكلف إلا بدليل ، ولا إلزام له إلا بدليل .

- ومن النماذج التطبيقية لموقف الإسلام من الحريات .

أنه قد حرر الإسلام الإنسان من العبودية لأي مخلوق مهما كانت مكانته ومنزلته كالأنبياء والملائكة والصالحين وسد كل الطرق إلي ذلك والأدلة علي ذلك كثيرة منها :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ” رواه البخاري .

بل قال الله عن نبيه -صلى الله عيه وسلم - : (ولو تقول علينا بعد الأقاويل لأخذنا منه باليمين).

بل جاء الإسلام ليحرر البشرية من كل رق وذل وخضوع لغير الله وجاءت الرسل - عليهم السلام - لرفع الاستعباد عن البشرية للملوك والزعماء مثل فرعون .

ومن صور الحرية في هذا الباب : النهي عن الخضوع للعادات والتقاليد الخاطئة المأخوذة عن الآباء لكونها إرثاً أبوياّ .

قال الله تعالى : (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون علي الله ما لا تعلمون ) ( الأعراف : 28 ) .

وقد حرر الإسلام عقل الإنسان من الخرافات والأوهام والظنون الباطلة ، واتباع الظن كما في قوله تعالي : )ولا تقف ما ليس لك به علم( ( الإسراء : 36 ) . وقوله : )إن الظن لا يغني من الحق شيئاً( ( يونس : 36 ) .

أما عن حرية الاختيار : فلقد خلق الله سبحانه الإنسان حراً مختاراً لفعله ، وهو مسئول عنه ، ولهذا تترتب الآثار الجزائية في الدنيا والآخرة علي فعله لتمام مسئوليته عنه ، وحرية الإنسان في الاختيار ضرورة فطرية يشعر بها الإنسان ولا يستطيع إنكارها ، ونفس تكليف الله له أمراً ونهياً يدل علي أنه مختار وإلا لم يبق للتكليف معني لو كان مجبراً .

أما عن الحرية السياسية : فالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلي الطريق المنجي في الدنيا والآخرة .

والحاكم ليس إنساناً معصوماً ولا إلهاً مستعلياً ، إنما هو وكيل عن الأمة في سياستها بما يحقق مصالحها ويدرأ عنها المفاسد .

فإن أقام العدل أقر علي حكمه وكان له عظيم الأجر في الآخرة ، وإن هو خالف ، وضيع الأمانة جاز عزله ، ويعاقب علي قدر مخالفته .

وقد جعل الإسلام العظيم من أعظم الذنوب كذب الأئمة والملوك علي رعيتهم وقد قال الرسول الأكرم : ” ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ” وذكر منهم ملكاً كذاباً .

فالحكم في الإسلام يقوم علي أصول الحرية التي هي :
أولا : إقامة العدل ونفي الظلم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العدل نظام كل شئ ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت ، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ، وإن لم تقم بعدل لم تقم ، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة .

ومن قضايا العدل الأساسية : إعطاء الحقوق مثل التعليم والملكية والتنقل والعمل ، وضمان حاجيات الإنسان ، والمحافظة عليه ومساعدته وقسمة الثروات العامة بالسوية ، ومنع انتهاك حرمات الناس وأعراضهم وأموالهم ، وغيرها من الحقوق الكثيرة .

ثانيا : اختيار الحاكم :
فاختيار الحاكم عبارة عن عقد يتم بين الأمة وبين الحاكم والعقود في الشريعة تقوم علي أن الرضا ركن أساسي في صحتها فلا يصح العقد مع الإكراه .

ثالثا : الشورى ملزمة للحاكم : فالشورى في أمور الحكم من حقوق الأمة وهي تتضمن اختيارهم ابتداء و الصدور عن رأي أغلبيتهم بعد توليه .

رابعا : مراقبة الحاكم وتقويمه : وهو مبدأ مهم ، فالحاكم الذي لا يراقب ولا تمتد إليه يد المساءلة يصير إلهاً شاء ذلك أم أبي .

أما عن الحرية الاقتصادية :
فالأصل في الإسلام في هذه المسألة حرية التعامل والتعاقد إلا ما دل الدليل علي منعه ، وهي الأمور التي يتوفر فيها الغش أو التدليس أو إلحاق الضرر بالآخرين ، وهذا ما تقبله الفطرة والعقل والأعراف السوية فضلاً عن الدين .

والضرائب في الشريعة ليس لها أصل ، لأنها تدخل في أموال الناس دون رضي منهم فهو الظلم المبين . وكذلك السوق لا يصح تدخل الدولة فيه والتأثير عليه ما دام أنه قائم علي قوانين العرض والطلب من غير تلاعب في الأسعار .

ومما يؤكد حرية السوق وحرمة التدخل للتأثير عليه حديث أنس قال : ” قال الناس : يا رسول الله غلا السعر ، فسعر لنا , فقال الرسول r : ” إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقي الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم أو مال ” .

وهذا يدل علي أن المنهج الإسلامي يمنع الدولة من التدخل لتحديد السعر وضبطه ، وكذلك يمنع التجار من التلاعب بالسعر بأنواع الاحتكارات والتدليس ، وبهذا يتبين أنه مخالف لمدارس الليبرالية كافة سواء دعاة الاقتصاد المرسل ( الليبرالية الكلاسيكية ) أو دعاة الاقتصاد الموجه ( الليبرالية الاجتماعية ) ويرجع هذا التميز إلي التوازن والاعتدال ، والعمل علي تحقيق مصالح العباد ، ودرأ المفاسد عنهم ، والانطلاق من منهج أخلاقي يأبي الظلم علي كافة الأطراف والمنتفعين من السوق بالبيع أو الشراء .

أما حرية التعبير عن الرأي في الإسلام :
تعتبر حرية التعبير عن الرأي من الواجبات الشرعية ، لأن كثيراً من الواجبات الشرعية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء والفتيا والشورى والنصيحة وغيرها لا تتم إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

ولكن هذه الحرية كسائر الحريات ليست مطلقة منفصلة دون ضوابط وحدود بل هي حرية مضبوطة بالشرع العظيم وما يدل عليه من مصالح العباد ، ودرأ المفاسد عنهم ، وكل من زعم أن حرية شئ ما ممكن أن تكون مطلقة بلا معايير فلا بد أن يقع في التناقض والكذب ، وهو يخالف العقل والفطرة كذلك .

وهناك ضوابط لابد من التزامها في التعبير عن الرأي هي :
أولا : أن يكون الرأي مشروعاً : والرأي المشروع نوعان :
أحدهما : الرأي في القضايا الشرعية بالإفتاء والقضاء ونحوها ، وهذا النوع هو نتيجة التأمل والتفكير واستفراغ الوسع لمعرفة الصواب في القضايا الشرعية .

الثاني : الرأي في القضايا الدنيوية : كالطب والهندسة والعلوم الطبيعية وإدارة الأمة ونحوها ، وهو نتيجة للنظر والتدبر في الأمور الدنيوية ، والاجتهاد في معرفة سنة الله تعالي الجارية في خلقه للوصول للصواب .

ثانيا : امتلاك أهلية الرأي : وشروط الأهلية في التعبير عن الرأي في القضايا الشرعية بينها العلماء في شروط الفتيا وهي : الإسلام , والعدالة ، والاجتهاد ، وجودة القريحة .

وأما أهلية الرأي في الامور الدنيوية فيشترط لها : الخبرة والصدق .

ثالثا : مراعاة ما يؤول إليه الرأي : فقد يكون الرأي في ذاته صحيحاً ، ولكن يترتب علي التعبير به في بعض الظروف زوال مصلحة أو جلب مفسدة راجحة .
يقول شيخ الإسلام : ” ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعاً مباحاً ، وإنما يكون مشروعاً إذا غلبت مصلحته علي مفسدته مما أذن فيه الشرع .
أما عن حرية الاعتقاد : والمراد هنا عدم إكراه أحد علي اعتناق الإسلام والله تعالي يقول : (لا إكراه في الدين) .

ويتم تحرير الاعتقاد بالارتكاز علي محورين رئيسيين :

المحور الأول : تحرير الاعتقاد من التقاليد والأهواء .
فالتقاليد القادمة من خارج النفس والأهواء النابعة من النفس من أكبر أسباب الصد عن الحق ، فوجهنا الإسلام إلي التجرد من هذه الصوارف حتى نصل إلي الحق الكامل .

المحور الثاني : عدم الإكراه علي اعتناق الإسلام : قال الله تعالي : )أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين( ( يونس : 99 ) وقال سبحانه : )إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين( ( القصص : 56 ) .

و لحديث الدكتور بقية ,,,,,,,,

من موقع النهضة و الاصلاح

http://www.nahdaislah.com/article/65--.aspx