Digital
05-13-2011, 11:09 AM
أكذوبة حياد الإعلام المهاجر
قبل أن تنتقم السلطات المصرية من قناة الجزيرة شر انتقام، فتطرد مراسليها، وتغلق مكاتبها في القاهرة، بل وتوقف بثها عبر القمر المصري «نايل سات» أقول قبل ذلك ـ فبعده اختفت القناة من تلفازي ـ استمتعت على مدى ثلاثة أو أربعة أيام بمشاهدة التغطية المدهشة لقناتي الجزيرة والعربية لأحداث الثورة الشعبية في مصر. ومتعتي لم تكن لتميّز التغطيتين، بل «لتمايز» التغطيتين، وتميزهما في إعطاء درس مجاني للمشاهد العربي عن أسطورة حياد ومهنية الإعلام.
لقد قدمت القناتان رؤيتين مختلفتين للأحداث، ولم تعدم أيهما المشاهد الحية والتصريحات التي تدعم وتعضد وجهة نظرها، أي: أن كلاً منهما لم تكن تختلق الأدلّة أو تفبركها، بل إن الادلّة على الرؤيتين المتصادمتين كانت ماثلة وموجودة وقائمة وحادثة في مسرح الأحداث المصري، وإليكم الأمثلة.
ففي الوقت الذي كانت فيه قناة الجزيرة تنقل مشاهد قتلى التظاهرات من مشارح المستشفيات مبرزة وجوههم ودماءهم التي غطّت الأغطية في مشهد يدمي القلوب ويهيج المشاعر ضد الأمن والنظام المصري،
كانت العربية تنقل مشاهد العربات المحترقة والمحلات المحطمة والمنهوبة في مشهد آخر يهيج المشاعر ضد الفوضويين الذين يقومون بالتظاهرات.
وبينما نقلت الجزيرة على الهواء مشاهد ميدان مكتظ بالناس في وقت حظر التجوال ليلاً،
لتقول إن الناس لم يلتزموا به، نقلت العربية المشهد في ذات الوقت وعلى الهواء أيضاً من شارع على النيل تقف فيه دبابتان وقد خلا من المارة لتقول إن الناس قد التزموا بحظر التجوال.
وحتى الأقوال كذلك استخدمت في سياقات مختلفة،
فقد جاء على لسان مسؤول في الجيش بعد حظر التجوال في اليوم الثالث للأحداث انه سيتم التعامل «بشدة وقوة» مع كل من يخرق الحظر،
واختارت قناة الجزيرة في شريطها الإخباري الدّوار في أسفل الشاشة لفظة «قوة» فقط، لتقول: صرّح فلان الفلاني انه سيتم التعامل بقوة مع من يخرق الحظر..
بينما اختارت العربية الفظة الأخرى الأخف وطأة ، فقالت ان فلانًا صرّح بأنه سيتم التعامل بشدة مع من يخرق الحظر، والواقع أن الرجل قال الكلمتين كليهما!
حتى تصريحات العالم المصري أحمد زويل اختارت منها كل قناة ما ناسب وجهة نظرها،
حيث رددت قناة الجزيرة قوله إنه لا يكفي تغيير الوجوه دون تغيير النظام،
بينما اختارت العربية قوله: لابد من الاستجابة لمطالب الشعب.
وهكذا امتدت الصورة في اندياح كوميدي مذهل لتقول القناتان على مدى الأيام الفائتة جملة كانت هي الأكثر وضوحاً:
لا حياد في الإعلام.
لا سيّما القناتين الأكثر رواجاً، الجزيرة والعربية.
إذن، لا حقيقة مجردة، فكل ما طرحته القناتان كان جزءاً من الحقيقة،
هناك إذن وجهة نظر، ووجهة تحليل للأحداث،
وحتى نحن نختار القناة التي نراها وفق أهوائنا،
ونشاهد الشاشة التي تعرض الحقيقة كما نريدها،
وعن نفسي أحببت تغطية قناة الجزيرة لأنني أؤمن بأن الشعب المصري يقود ثورة حقيقية وانه يجب التغاضي عمّا صاحبها من هفوات وعيوب لكي لا يضيع هدفها الحقيقي، وإنه يجب على طاغية مصر ان يرحل.
ولكن ميلي للجزيرة في هذه التغطية لا يعني أنني اظن انها محايدة، بل يعني انه يعجبني انحيازها.
الدرس المستفاد من كل ذلك أنه على المشاهد الاّ ينظر الى قناة الجزيرة أو غيرها بعين التسليم،
والبعض يعتقد أن قناة الجزيرة قناة محايدة،
تنقل الحقائق المجرّدة،
والحق ان لها ـ كما لغيرها ـ أجندات ومواقف، وهذا حقها،
ولكن لتمارس هذا الحق يجب أن تعلن مواقفها وتدافع عنها، لا أن تدّعي حيادية ومهنية غير موجودة وغير حقيقية.
والواقع أن الحياد هو أمر ـ ببساطة ـ مستحيل، وليس في الانحياز من عيب، فلقد قام الدين على الانحياز إلى جانب الحق، وحثّنا على الوقوف في صف ما نراه صواباً، ولكن دون الادعاء بأننا نقف مع الوسط ودون أن ندعي الحياد.
نعم.. الحياد صفة لا يمكن ان تكون واردة في الحق الإنسان بل صفته الميل والانيحاز،
امّا الفجور أو التقوى «فألهمها فجورها وتقواها».. ام الحق أو الضلال وماذا بعد الحق إلاّ الضلال».
لا بعين التصديق والتسليم،
ويجب استصحاب ميول القنوات وأهواءها واجندتها التي تقف من خلف طرق تغطيتها للأحداث، وكيفية انتقائها لمتحدثيها، وإلاّ فإن ظنّ المشاهد أن القنوات الإخبارية المختلفة مهنية ومحايدة، وانها لا تنقل إلا الحقائق المجردة.. فإنه سوف يصاب بالجنون!
قبل أن تنتقم السلطات المصرية من قناة الجزيرة شر انتقام، فتطرد مراسليها، وتغلق مكاتبها في القاهرة، بل وتوقف بثها عبر القمر المصري «نايل سات» أقول قبل ذلك ـ فبعده اختفت القناة من تلفازي ـ استمتعت على مدى ثلاثة أو أربعة أيام بمشاهدة التغطية المدهشة لقناتي الجزيرة والعربية لأحداث الثورة الشعبية في مصر. ومتعتي لم تكن لتميّز التغطيتين، بل «لتمايز» التغطيتين، وتميزهما في إعطاء درس مجاني للمشاهد العربي عن أسطورة حياد ومهنية الإعلام.
لقد قدمت القناتان رؤيتين مختلفتين للأحداث، ولم تعدم أيهما المشاهد الحية والتصريحات التي تدعم وتعضد وجهة نظرها، أي: أن كلاً منهما لم تكن تختلق الأدلّة أو تفبركها، بل إن الادلّة على الرؤيتين المتصادمتين كانت ماثلة وموجودة وقائمة وحادثة في مسرح الأحداث المصري، وإليكم الأمثلة.
ففي الوقت الذي كانت فيه قناة الجزيرة تنقل مشاهد قتلى التظاهرات من مشارح المستشفيات مبرزة وجوههم ودماءهم التي غطّت الأغطية في مشهد يدمي القلوب ويهيج المشاعر ضد الأمن والنظام المصري،
كانت العربية تنقل مشاهد العربات المحترقة والمحلات المحطمة والمنهوبة في مشهد آخر يهيج المشاعر ضد الفوضويين الذين يقومون بالتظاهرات.
وبينما نقلت الجزيرة على الهواء مشاهد ميدان مكتظ بالناس في وقت حظر التجوال ليلاً،
لتقول إن الناس لم يلتزموا به، نقلت العربية المشهد في ذات الوقت وعلى الهواء أيضاً من شارع على النيل تقف فيه دبابتان وقد خلا من المارة لتقول إن الناس قد التزموا بحظر التجوال.
وحتى الأقوال كذلك استخدمت في سياقات مختلفة،
فقد جاء على لسان مسؤول في الجيش بعد حظر التجوال في اليوم الثالث للأحداث انه سيتم التعامل «بشدة وقوة» مع كل من يخرق الحظر،
واختارت قناة الجزيرة في شريطها الإخباري الدّوار في أسفل الشاشة لفظة «قوة» فقط، لتقول: صرّح فلان الفلاني انه سيتم التعامل بقوة مع من يخرق الحظر..
بينما اختارت العربية الفظة الأخرى الأخف وطأة ، فقالت ان فلانًا صرّح بأنه سيتم التعامل بشدة مع من يخرق الحظر، والواقع أن الرجل قال الكلمتين كليهما!
حتى تصريحات العالم المصري أحمد زويل اختارت منها كل قناة ما ناسب وجهة نظرها،
حيث رددت قناة الجزيرة قوله إنه لا يكفي تغيير الوجوه دون تغيير النظام،
بينما اختارت العربية قوله: لابد من الاستجابة لمطالب الشعب.
وهكذا امتدت الصورة في اندياح كوميدي مذهل لتقول القناتان على مدى الأيام الفائتة جملة كانت هي الأكثر وضوحاً:
لا حياد في الإعلام.
لا سيّما القناتين الأكثر رواجاً، الجزيرة والعربية.
إذن، لا حقيقة مجردة، فكل ما طرحته القناتان كان جزءاً من الحقيقة،
هناك إذن وجهة نظر، ووجهة تحليل للأحداث،
وحتى نحن نختار القناة التي نراها وفق أهوائنا،
ونشاهد الشاشة التي تعرض الحقيقة كما نريدها،
وعن نفسي أحببت تغطية قناة الجزيرة لأنني أؤمن بأن الشعب المصري يقود ثورة حقيقية وانه يجب التغاضي عمّا صاحبها من هفوات وعيوب لكي لا يضيع هدفها الحقيقي، وإنه يجب على طاغية مصر ان يرحل.
ولكن ميلي للجزيرة في هذه التغطية لا يعني أنني اظن انها محايدة، بل يعني انه يعجبني انحيازها.
الدرس المستفاد من كل ذلك أنه على المشاهد الاّ ينظر الى قناة الجزيرة أو غيرها بعين التسليم،
والبعض يعتقد أن قناة الجزيرة قناة محايدة،
تنقل الحقائق المجرّدة،
والحق ان لها ـ كما لغيرها ـ أجندات ومواقف، وهذا حقها،
ولكن لتمارس هذا الحق يجب أن تعلن مواقفها وتدافع عنها، لا أن تدّعي حيادية ومهنية غير موجودة وغير حقيقية.
والواقع أن الحياد هو أمر ـ ببساطة ـ مستحيل، وليس في الانحياز من عيب، فلقد قام الدين على الانحياز إلى جانب الحق، وحثّنا على الوقوف في صف ما نراه صواباً، ولكن دون الادعاء بأننا نقف مع الوسط ودون أن ندعي الحياد.
نعم.. الحياد صفة لا يمكن ان تكون واردة في الحق الإنسان بل صفته الميل والانيحاز،
امّا الفجور أو التقوى «فألهمها فجورها وتقواها».. ام الحق أو الضلال وماذا بعد الحق إلاّ الضلال».
لا بعين التصديق والتسليم،
ويجب استصحاب ميول القنوات وأهواءها واجندتها التي تقف من خلف طرق تغطيتها للأحداث، وكيفية انتقائها لمتحدثيها، وإلاّ فإن ظنّ المشاهد أن القنوات الإخبارية المختلفة مهنية ومحايدة، وانها لا تنقل إلا الحقائق المجردة.. فإنه سوف يصاب بالجنون!