المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قوى الثورة المضادة وسيكولوجيا الابتزاز



Digital
05-19-2011, 09:14 AM
قوى الثورة المضادة وسيكولوجيا الابتزاز
13/4/2011م

عبد الحكيم مفيد
تقوم التغطية الإعلامية في الحروب والأزمات عادة على سيكولوجية الضغط النفسي،
وتتميز هذه في العادة بتقليص مساحات الحوار إلى حد يصبح به الابتزاز نتيجة حتمية بما تقدمه وسائل الإعلام الكترونية بشكل خاص.

وفي مثل هذه المساحة المقلصة تصبح آلية الوجبات السريعة،
والانفعالات النفسية والصور ذات التأثير العاطفي كمشهد مقتطع من الصورة عامة،
أدوات يتم من خلالها تمرير أجندات خفية،
تسحق معها كل إمكانية لحوار مع الواقع،
وتبدد كل إمكانيات الوقوف بعمق عند أي حادثة يمكن ومن الوارد أن تفسر على وجهين.

الرسالة الإعلامية بالعموم هي شيفرات تحتاج إلى تفكيك،
وان تبدو للوهلة الأولى واضحة من حيث ما يقال بها من معلومات،
أو من حيث ما تعبر عن أحداث،لكنها في ذات الوقت تحمل الكثير من المعاني الإيحائية الأخرى،التي ترافق عملية العرض.

في الإعلام ليس من الضرورة أن تقول عن عدو انه جيد،
يمكن فقط أن تشير أن عدوه هو أسوأ،
وتترك الاستنتاج للمشاهد،
بعد أن تغلق عليه كل الطرق طبعا،
وتقدم له وجبات مسبقة من الإشارات الايجابية تجاه من ترغب ب"تلميعه".

الإعلام يعتمد على النقائضية كشكل للتعبير عن الخيارات،
والنقائضية في العادة لا تتيح لك إلا الاختيار بين الاثنين،
إما هذا وإما ذاك،وليس هناك طريق ثالثة،

مثلا ،
عندما يقول الناطق بلسان المجلس الانتقالي الليبي بالبث المباشر ومن على الشاشة:"انه بدون هذه الضربات كنا الآن سنكون بعداد الموتي،
ونطالب مزيدا من الضربات"،فانه لا يعبر عن واقع أو حقيقة،
أي ليس من المؤكد انه سيكون في عداد الموتى،كل ما فعله هو رفع حالة الدراما والضغط النفسي وسيكولوجيا الابتزاز إلى أعلى درجاتها،
لأنه يتعامل مع الحالة بنقائضية لا تتيح التعامل أو طرح خيار ثالث.

وهو في ذات الوقت من حيث يدري أو لا يدري،يقول:"ماذا تريدون منا ليس لنا أي خيار آخر؟".

ما نشاهده في ليبيا وكنا شاهدناه قبل ذلك بالعراق وقد يكون أمرا واقعا في اليمن بعد حين وقد يصل إلى سوريا،
ومن بعدها السعودية،هو شيء من هذا القبيل.

عندما يكون لديك نظام مثل نظام ليبيا فأنت لا تحتاج إلى أعداء،
ولا تحتاج إلى جهد خاص لتبرر كل شيء وأي شيء ،
الكلام والقمع والجنون والهمجية، كل هذه تصبح مبررات وأسباب مقنعة لاتخاذ التدابير لمنع "نكبة" و"كارثة" قادمة عليك.

مع هكذا نظام يصبح كل شيء شرعي،

لكن اسمحوا لنا أن نقول أن الحقيقة والواقع ليست على هذا النحو،

لان الخيار الأخر للحقيقة أسوأ بكثير.

دائما عندما نتحدث عن الواقعة الليبية ،
أجد نفسي مضطرا للعودة إلى نيسان 2003،وما قبله،إلى حيث تم عرض الصورة أمامنا على أنها خيار من اثنين،إما "همجية صدام" وإما "حماية المدنيين" و"نشر الديمقراطية"،العودة إلى ذلك المشهد،مهمة للغاية لفهم سيكولوجية الابتزاز التي لم تختلف بتاتا عن تلك التي اتبعت في ليبيا،فيما تم التغاضي عن كل المخاطر الأخرى التي بدا يتكشف بعضها مؤخرا.

سنلقي الآن قنبلة من العيار الثقيل،

قد لا يستسيغها البعض لكنها مادة جيدة للتفكير،

أو إعادة التفكير مليا بواقع الثورات في العالم العربي.

قد يرى البعض أن موقف النظام الليبي وتصرفاته الدموية هي التي استدعت التدخل الأجنبي،
تفكير شرعي للغاية،
وقد يبدو منطقيا للغاية أيضا،
حين تصرف ألقذافي على هذا النحو الدموي لم"يكن خيارا أمام الثورة إلا بالاستعانة بالتحالف"،

هذا محتمل.

إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نتعامل مع هذه الثورة على هذا الأساس،
على أساس أنها ترى بقوى التحالف حليفا،
لان لا احد يطلب من عدو أن يحميه(الادعاء أن هذا جاء بناء على طلب من الأمم المتحدة ليس مهما)،وإذا كانت الثورة والثوار يعتبرون قوى التحالف "محايدة" مثلا،

فإننا إمام ثورة بدون بوصلة وبدون طريق.

اما الاحتمال الثالث وهو لا يقل أهمية عن السابقين ،
وهو الأهم في تقديرنا ،,هو الأخطر من وجهة نظرنا،
فهو أن هناك قوى داخل الثورة دفعت للمواجهة الدموية مع نظام القذافي وهي تعرف جيدا أن الحديث يدور عن نظام دموي لا يأخذ في مؤمن إلا ولا ذمة،
وان الثورة من الجهة الأخرى غير قادرة على مواجهة عسكر النظام،ودمويته،لتبرر بعد ذلك التدخل الأجنبي في بلادها،

هل يمكن أن يكون هذا احتمال ؟،وارد.

إذا كان التحالف واضحا للغاية في تسمية هجمته على ليبيا ،

ولم يجد لها من الأسماء إلا تلك التي ترتبط بوعيه ووجدانه الممتد في عمق التاريخ الغربي إلى حيث الإغريق،

إلى حيث "اوديسا"،

فهل كان يشير بذلك إلى "حصن طروادة" المعدة إلى لحظة الانفجار في وجه شعبها؟؟

نحن منذ الآن "لسنا نحن"،
هذه ليست مقولة مجازية،لكنها تعبير عن حالة وصل بها التحكم بوعينا إلى مدى غير مسبوق،

حين وقعنا في سيكولوجيا الابتزاز،

وحين تم محاصرة وعينا على نحو غير مسبوق،

بعد أن لم نتح لأنفسنا ولو مرة واحدة بتوجيه الأسئلة الغائبة.

قد يكون هو فرح الثورة،جائز،قد يكون هو كراهيتنا للأنظمة ،يجوز،

قد يكون أيضا لأننا لا نريد أن نسمح لأنفسنا ولو للحظة واحدة أن يعبث الشيطان في فرحة نتوق لها منذ زمن بعيد.

لا عيب ولا باس أن نشغل أنفسنا في المناطق التي لم تسلط عليها الشاشة الضوء،هذه مهمة قد تكون غير مريحة للنفس،

خاصة وأننا نحاول الهروب من"منطقة المؤامرة"،
ولا نريد أن نصدق انه من الممكن أن يكون قد تسلل إلى هذه الثورات النبيلة والرائعة،

قوى "الثورة المضادة"،وأنها تعمل بشكل جاد على حرف مسار هذه الثورات،
وقطع نفسها،وإدخالها في مواجهات خاسرة.

لا حاجة طبعا التذكير ب"مآثر " أي نظام عربي،

هذه مسالة نظنها محسومة،

لكن من جهة أخرى لا يمكن لجرائم النظام أن تصبح شماعة نعلق عليها كل شئ.