طارق منينة
05-22-2011, 05:56 PM
من يصب الزيت على النار في مصر؟ الأحد, 22 أيار 2011
د. إبراهيم البيومي غانم
ما الذي تحتاجه مصر في عهدها الثوري الجديد: أهي بحاجة إلى تنظيم بناء دور العبادة بقانون موحد كما يقول بعضهم؟ أم إن مصر بحاجة إلى تنظيم وتدعيم بناء مدارس ومعاهد للتربية والتعليم وورش للتدريب والتأهيل والتصنيع؟. وأين يوجد النقص الفادح والفاضح الذي يعاني منه المصريون: أفي مقاعد الدراسة وأدوات التدريب ومعامل التجريب، أم إنهم يعانون نقصاً في مساحات دور العبادة؟. سؤالنا هذا لا يعني -لا سمح الله- أننا ضد بناء دور للعبادة، ولكنه يعني فقط إثارة الانتباه والتفكير في أيهما أولى بالرعاية والاهتمام هذه الأيام: بناء دور العبادة أم بناء دور العلم ومنشآت العمل؟.
ما أثار هذا السؤال هو تعالي الأصوات المنادية بوجوب صدور قانون موحد لدور العبادة كلما وقعت حادثة من حوادث الفتنة الطائفية بين المسلمين والنصارى في مصر، حتى أصبحت العلاقة طردية بين وقوع حادثة يكون النصارى طرفا فيها، وبين المطالبة بصدور هذا القانون؛ ولو كانت الحادثة لا صلة لها من قريب أو من بعيد ببناء أو بهدم «دار عبادة»، أو بضيق مساحتها أو اتساعها.
هذه العلاقة الطردية بين تصاعد المطالبة بقانون موحد لدور العبادة، وتصاعد أعمال العنف الطائفي، باتت تثير الريبة، وتبعث على كثير من الشكوك في الجهات التي يمكن أن تغذي مثل هذه الحوادث الطائفية. ورأيي أننا لو فكرنا ملياً في هذه العلاقة الطردية سنصل إلى اكتشاف ملامح الجهات الحقيقية التي تقف خلف ما يقع من أحداث طائفية. وخاصة أن الصلة منفكة بين العلة والحل. فالعلة هنا هي الاحتقان الطائفي الذي ينفجر بين الحين والآخر في صور عنيفة، والحل يأتي دوماً بطرح قانون موحد لبناء دور العبادة!!. وبدلاً من البحث في الأسباب الحقيقية لهذا الاحتقان لدى جميع الأطراف، وعند كل الجهات؛ تسارع بعض الأصوات والجهات التي أشرنا إليها إلى اختزال أسباب المشكلة في «عدم وجود قانون موحد لبناء دور العبادة».
أوضح مثال على ما نقول هو أحداث إمبابة المؤسفة التي وقعت الأسبوع الماضي (السبت 7 مايو 2011). فما وقع كان نتيجة مسألة خاصة بأحوال شخصية ذات خلفية معقدة نظراً لاشتمالها على تغيير ديانة الزوجة من المسيحية إلى الإسلام حسبما رددته وسائل الإعلام. وسرعان ما تصاعدت الأحداث وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى. وقبل أن تهدأ نيران الفتنة سارعت عدة جهات بترديد مطلب «القانون الموحد لبناء دور العبادة»؛ بما فيها الحكومة المصرية، التي عبرت عن عزمها على «المضي قدما في إصدار قانون موحد لدور العبادة». تماما كما حدث في كل المناسبات التي سبقت أحداث إمبابة الأخيرة من: نجع حمادي، إلى كنيسة القديسين في الإسكندرية، إلى كنيسة صول، إلى اختطاف، أو اختفاء بعض المسيحيات بسبب تحولهن إلى الإسلام، وكلها لا صلة لها بمسألة «بناء دور العبادة»!!.
ومع ذلك، ففي تقديري أن أغلبية المسلمين سيوافقون على صدور قانون موحد لبناء دور العبادة في مصر (مساجد وكنائس) إن كان سيحل المشكلة. وسيوافقون عليه أيضاً إن كان سيزيل أسباب الاحتقان في علاقة المسلمين بالنصارى. ولكن لكي يسهم هذا القانون في تحقيق مثل هذه الأهداف فإنه لا بد أن يصدر وفق معيار واضح، وميزان عادل.
أما المعيار الواضح فهو «المواطنة» التي تعني المساواة التامة بين المصريين كافة في الواجبات، وهي تترجم في الواقع في أداء كل مواطن ما عليه من التزامات، والمساواة في الحقوق وهي تترجم في الواقع عندما يكون المواطن قادراً على الحصول على كافة حقوقه الاقتصادية والوظيفية والسياسية دون عوائق. ثم المساواة أيضاً في المسؤولية الاجتماعية، وهي تترجم في الواقع عندما تكون الخدمات التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني متاحة لجميع أبناء الوطن دون تمييز.
إذا أخذنا المواطنة -بالمعنى السابق- معياراً تنبني عليه مواد مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة، فميزان عدالتها عندما نطبقها في مسألة بناء دور العبادة سيكون فقط هو «العدد والمساحة»؛ أي الأرقام الصماء المتساوية دون نظر إلى أي اعتبار آخر. فلو قلنا مثلاً إن الترخيص سيصدر لبناء دار عبادة بمساحة 200 متر مربع كلما توفر في المنطقة عشرة آلاف مواطن من أتباع دين معين -أكرر علي سبيل المثال- على ألا تكون هناك دار عبادة قائمة فعلاً وتستوعبهم. وما عدا ذلك فلا تمنح تراخيص بناء لدور العبادة.
وفي جميع الحالات يجب أن يحدد نصيب المواطن/الفرد بالتساوي من مساحة دار العبادة بلا زيادة أو نقصان، للمسلم وللمسيحي، وألا يتجاوزها أي منهما إعمالاً لمبدأ «المواطنة». إن تطبيق معيار المواطنة، وميزان العدد والمساحة يعني بالضرورة أن تعلن الحكومة الإحصاءات الرسمية بأعداد كل من المسلمين والمسيحيين، وأن يقبل المسيحيون ذلك ولا تكون لديهم إحصاءات كنسية خاصة بهم؛ فالكل مواطنون في دولة مدنية واحدة يحكمها قانون واحد. وعلى السلطات الرسمية أن تقوم بتحديث هذه الإحصاءات بشكل دوري كل سنة مثلاً، وأن تعلنها وتكون معروفة للرأي العام، وللجهات الرسمية التي ستكون مسؤولة عن إصدار تراخيص البناء، وألا تكون هذه الإحصاءات سراً مخفيا فهي ليست عيباً ولا عورة يجب إخفاؤها. وبذلك نقطع الطريق على الشائعات الخاصة بتعداد المسيحيين المصريين، ونتجنب المشاحنات التي تنشأ بسبب ذلك من جهة، ونحل مشكلة «دور العبادة» على أساس مبدأ المساواة التي تكفله المواطنة من جهة أخرى.
ليس هناك مبدأ سوى «المواطنة» بالمعنى الذي شرحناه، ولا هناك ميزان أدق من ميزان العدد والمساحة؛ كي نضمن قانوناً عادلاً وموحداً لبناء دور العبادة. إن القانون بحكم التعريف يتضمن قواعد عامة وموحدة ومجردة ومصحوبة بجزاء لمن يخالفها أو ينتهكها. ولكي نضمن انتقال هذه القواعد العامة والمجردة من حيز «النص القانوني» إلى حيز الواقع والممارسات الفعلية؛ يجب أن تتسم بالدقة، وأن تغطي المسائل الجوهرية في الموضوع المراد تنظيمه؛ وذلك حتى لا نترك «ثغرات» ينفذ منها الاحتراب والتشاحن الذي نرغب القضاء عليه، ونهدف لسد الذرائع المؤدية إليه. وفي تقديرنا إن أهم المسائل التي يجب أن تتضمنها مواد القانون المقترح الآتي:
1ـ تعريف المقصود بـ»دار العبادة» تعريفاً جامعاً مانعاً.
2ـ تحديد معايير إعطاء ترخيص البناء على سبيل الحصر.
3ـ تحديد الجهة الرسمية المسؤولة عن إعطاء تراخيص البناء، وهل ستكون مركزية في العاصمة فقط، أم ستكون لها فروع في كل محافظة من محافظات الجمهورية؟
4ـ تحديد مصدر تمويل بناء دار العبادة؛ وهل يجب أن يكون محلياً فقط أم يمكن أن يكون أجنبياً أيضاً؟. وإذا أجاز القانون تلقي أموال أجنبية لهذا الغرض فكيف سيتم تنظيم تلقيها؟ وما الجهة المخولة باختصاص الموافقة أو عدم الموافقة على تلقي الأموال من جهات أجنبية لهذا الغرض؟. وما الحد الأدني وما الحد الأقصى المسموح به؟؟ وما الجهة المسؤولة عن أعمال المراجعة والمحاسبة القانونية لهذه الأموال؟ ولمن تقدم تقاريرها؟ وما الجزاء الواجب توقيعه على وجود مخالفات؟
5ـ أعمال الصيانة والترميم، يجب أن ينظمها القانون المقترح أيضاً، وأن يحدد جهات الاختصاص ومصادر التمويل التي ستتكفل بتغطية نفقات هذه الأعمال.
6ـ أن ينص القانون على توحيد نظام إدارة الأوقاف تحت هيئة مصرية واحدة، بدلاً من الوضع المقسم حالياً إلى قسمين:
قسم للأوقاف المسيحية وتختص به هيئة الأوقاف القبطية بموجب قانون 264 لسنة 1960 الذي خولها إدارة أوقاف الكنائس والأديرة، واستثناها من أحكام المصادرات والتأميمات التي صدرت في الستينيات من القرن الماضي وحافظ عليها للكنائس.
والقسم الثاني تختص به «هيئة الأوقاف المصرية» بموجب القانون 80 لسنة 1971 الذي خولها مهمة استرداد أوقاف المساجد وغيرها من الأوقاف الخيرية التي كانت قد صودرت ووزعت بموجب قوانين التأميمات وقوانين الإصلاح الزراعي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولا زالت هيئة الأوقاف المصرية تناضل من أجل استرداد أوقاف المساجد بما فيها أوقاف الأزهر الشريف، ولم تتمكن حتى اليوم إلا من استرداد ما يساوي سدس الأصول الموقوفة، والباقي تم توزيعه أو طمس معالمه وحرمان المساجد من ريعها.
هذا الوضع الشائن الذي تحياه الأوقاف المصرية -إسلامية ومسيحية- يتناقض تناقضاً جذرياً مع مبدأ المواطنة، ويؤسس لانقسام طائفي خطير لا يتسق مع منطق الدولة المدنية ولا مع مبدأ المواطنة الذي يقضي بالتسوية بين جميع المواطنين ومصالحهم. ولا يجوز السكوت علي هذا التمييز المشين والمتحيز ضد أوقاف المساجد ولصالح أوقاف الكنائس. ومواد القانون الموحد المقترح لبناء دور العبادة يجب أن يعالج هذه المشكلة؛ كونه سيكون قانوناً خاصاً بتنظيم البناء وتمويل عملية البناء، والأوقاف هي المصدر الرئيسي لتمويل المساجد ولكنها محرومة منه.
يقولون إن «القانون الموحد لبناء دور العبادة» سيصدر خلال ثلاثين يوماً. ونحن نأمل ذلك، على أن يكون مشتملاً على قواعد تنظم المسائل الأساسية التي طرحناها، وبذلك يكون جزءاً من حل المشكلة، وإلا سيكون سبباً إضافياً من أسباب الفتنة. وسيكون أداة لصب الزيت على النار بيد الحزب الطائفي وفلول النظام السابق والشانئين للوطن والمواطنة في مصر.
http://www.assabeel.net/assabeel-essayists/40605-من-يصب-الزيت-على-النار-في-مصر؟.html
د. إبراهيم البيومي غانم
ما الذي تحتاجه مصر في عهدها الثوري الجديد: أهي بحاجة إلى تنظيم بناء دور العبادة بقانون موحد كما يقول بعضهم؟ أم إن مصر بحاجة إلى تنظيم وتدعيم بناء مدارس ومعاهد للتربية والتعليم وورش للتدريب والتأهيل والتصنيع؟. وأين يوجد النقص الفادح والفاضح الذي يعاني منه المصريون: أفي مقاعد الدراسة وأدوات التدريب ومعامل التجريب، أم إنهم يعانون نقصاً في مساحات دور العبادة؟. سؤالنا هذا لا يعني -لا سمح الله- أننا ضد بناء دور للعبادة، ولكنه يعني فقط إثارة الانتباه والتفكير في أيهما أولى بالرعاية والاهتمام هذه الأيام: بناء دور العبادة أم بناء دور العلم ومنشآت العمل؟.
ما أثار هذا السؤال هو تعالي الأصوات المنادية بوجوب صدور قانون موحد لدور العبادة كلما وقعت حادثة من حوادث الفتنة الطائفية بين المسلمين والنصارى في مصر، حتى أصبحت العلاقة طردية بين وقوع حادثة يكون النصارى طرفا فيها، وبين المطالبة بصدور هذا القانون؛ ولو كانت الحادثة لا صلة لها من قريب أو من بعيد ببناء أو بهدم «دار عبادة»، أو بضيق مساحتها أو اتساعها.
هذه العلاقة الطردية بين تصاعد المطالبة بقانون موحد لدور العبادة، وتصاعد أعمال العنف الطائفي، باتت تثير الريبة، وتبعث على كثير من الشكوك في الجهات التي يمكن أن تغذي مثل هذه الحوادث الطائفية. ورأيي أننا لو فكرنا ملياً في هذه العلاقة الطردية سنصل إلى اكتشاف ملامح الجهات الحقيقية التي تقف خلف ما يقع من أحداث طائفية. وخاصة أن الصلة منفكة بين العلة والحل. فالعلة هنا هي الاحتقان الطائفي الذي ينفجر بين الحين والآخر في صور عنيفة، والحل يأتي دوماً بطرح قانون موحد لبناء دور العبادة!!. وبدلاً من البحث في الأسباب الحقيقية لهذا الاحتقان لدى جميع الأطراف، وعند كل الجهات؛ تسارع بعض الأصوات والجهات التي أشرنا إليها إلى اختزال أسباب المشكلة في «عدم وجود قانون موحد لبناء دور العبادة».
أوضح مثال على ما نقول هو أحداث إمبابة المؤسفة التي وقعت الأسبوع الماضي (السبت 7 مايو 2011). فما وقع كان نتيجة مسألة خاصة بأحوال شخصية ذات خلفية معقدة نظراً لاشتمالها على تغيير ديانة الزوجة من المسيحية إلى الإسلام حسبما رددته وسائل الإعلام. وسرعان ما تصاعدت الأحداث وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى. وقبل أن تهدأ نيران الفتنة سارعت عدة جهات بترديد مطلب «القانون الموحد لبناء دور العبادة»؛ بما فيها الحكومة المصرية، التي عبرت عن عزمها على «المضي قدما في إصدار قانون موحد لدور العبادة». تماما كما حدث في كل المناسبات التي سبقت أحداث إمبابة الأخيرة من: نجع حمادي، إلى كنيسة القديسين في الإسكندرية، إلى كنيسة صول، إلى اختطاف، أو اختفاء بعض المسيحيات بسبب تحولهن إلى الإسلام، وكلها لا صلة لها بمسألة «بناء دور العبادة»!!.
ومع ذلك، ففي تقديري أن أغلبية المسلمين سيوافقون على صدور قانون موحد لبناء دور العبادة في مصر (مساجد وكنائس) إن كان سيحل المشكلة. وسيوافقون عليه أيضاً إن كان سيزيل أسباب الاحتقان في علاقة المسلمين بالنصارى. ولكن لكي يسهم هذا القانون في تحقيق مثل هذه الأهداف فإنه لا بد أن يصدر وفق معيار واضح، وميزان عادل.
أما المعيار الواضح فهو «المواطنة» التي تعني المساواة التامة بين المصريين كافة في الواجبات، وهي تترجم في الواقع في أداء كل مواطن ما عليه من التزامات، والمساواة في الحقوق وهي تترجم في الواقع عندما يكون المواطن قادراً على الحصول على كافة حقوقه الاقتصادية والوظيفية والسياسية دون عوائق. ثم المساواة أيضاً في المسؤولية الاجتماعية، وهي تترجم في الواقع عندما تكون الخدمات التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني متاحة لجميع أبناء الوطن دون تمييز.
إذا أخذنا المواطنة -بالمعنى السابق- معياراً تنبني عليه مواد مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة، فميزان عدالتها عندما نطبقها في مسألة بناء دور العبادة سيكون فقط هو «العدد والمساحة»؛ أي الأرقام الصماء المتساوية دون نظر إلى أي اعتبار آخر. فلو قلنا مثلاً إن الترخيص سيصدر لبناء دار عبادة بمساحة 200 متر مربع كلما توفر في المنطقة عشرة آلاف مواطن من أتباع دين معين -أكرر علي سبيل المثال- على ألا تكون هناك دار عبادة قائمة فعلاً وتستوعبهم. وما عدا ذلك فلا تمنح تراخيص بناء لدور العبادة.
وفي جميع الحالات يجب أن يحدد نصيب المواطن/الفرد بالتساوي من مساحة دار العبادة بلا زيادة أو نقصان، للمسلم وللمسيحي، وألا يتجاوزها أي منهما إعمالاً لمبدأ «المواطنة». إن تطبيق معيار المواطنة، وميزان العدد والمساحة يعني بالضرورة أن تعلن الحكومة الإحصاءات الرسمية بأعداد كل من المسلمين والمسيحيين، وأن يقبل المسيحيون ذلك ولا تكون لديهم إحصاءات كنسية خاصة بهم؛ فالكل مواطنون في دولة مدنية واحدة يحكمها قانون واحد. وعلى السلطات الرسمية أن تقوم بتحديث هذه الإحصاءات بشكل دوري كل سنة مثلاً، وأن تعلنها وتكون معروفة للرأي العام، وللجهات الرسمية التي ستكون مسؤولة عن إصدار تراخيص البناء، وألا تكون هذه الإحصاءات سراً مخفيا فهي ليست عيباً ولا عورة يجب إخفاؤها. وبذلك نقطع الطريق على الشائعات الخاصة بتعداد المسيحيين المصريين، ونتجنب المشاحنات التي تنشأ بسبب ذلك من جهة، ونحل مشكلة «دور العبادة» على أساس مبدأ المساواة التي تكفله المواطنة من جهة أخرى.
ليس هناك مبدأ سوى «المواطنة» بالمعنى الذي شرحناه، ولا هناك ميزان أدق من ميزان العدد والمساحة؛ كي نضمن قانوناً عادلاً وموحداً لبناء دور العبادة. إن القانون بحكم التعريف يتضمن قواعد عامة وموحدة ومجردة ومصحوبة بجزاء لمن يخالفها أو ينتهكها. ولكي نضمن انتقال هذه القواعد العامة والمجردة من حيز «النص القانوني» إلى حيز الواقع والممارسات الفعلية؛ يجب أن تتسم بالدقة، وأن تغطي المسائل الجوهرية في الموضوع المراد تنظيمه؛ وذلك حتى لا نترك «ثغرات» ينفذ منها الاحتراب والتشاحن الذي نرغب القضاء عليه، ونهدف لسد الذرائع المؤدية إليه. وفي تقديرنا إن أهم المسائل التي يجب أن تتضمنها مواد القانون المقترح الآتي:
1ـ تعريف المقصود بـ»دار العبادة» تعريفاً جامعاً مانعاً.
2ـ تحديد معايير إعطاء ترخيص البناء على سبيل الحصر.
3ـ تحديد الجهة الرسمية المسؤولة عن إعطاء تراخيص البناء، وهل ستكون مركزية في العاصمة فقط، أم ستكون لها فروع في كل محافظة من محافظات الجمهورية؟
4ـ تحديد مصدر تمويل بناء دار العبادة؛ وهل يجب أن يكون محلياً فقط أم يمكن أن يكون أجنبياً أيضاً؟. وإذا أجاز القانون تلقي أموال أجنبية لهذا الغرض فكيف سيتم تنظيم تلقيها؟ وما الجهة المخولة باختصاص الموافقة أو عدم الموافقة على تلقي الأموال من جهات أجنبية لهذا الغرض؟. وما الحد الأدني وما الحد الأقصى المسموح به؟؟ وما الجهة المسؤولة عن أعمال المراجعة والمحاسبة القانونية لهذه الأموال؟ ولمن تقدم تقاريرها؟ وما الجزاء الواجب توقيعه على وجود مخالفات؟
5ـ أعمال الصيانة والترميم، يجب أن ينظمها القانون المقترح أيضاً، وأن يحدد جهات الاختصاص ومصادر التمويل التي ستتكفل بتغطية نفقات هذه الأعمال.
6ـ أن ينص القانون على توحيد نظام إدارة الأوقاف تحت هيئة مصرية واحدة، بدلاً من الوضع المقسم حالياً إلى قسمين:
قسم للأوقاف المسيحية وتختص به هيئة الأوقاف القبطية بموجب قانون 264 لسنة 1960 الذي خولها إدارة أوقاف الكنائس والأديرة، واستثناها من أحكام المصادرات والتأميمات التي صدرت في الستينيات من القرن الماضي وحافظ عليها للكنائس.
والقسم الثاني تختص به «هيئة الأوقاف المصرية» بموجب القانون 80 لسنة 1971 الذي خولها مهمة استرداد أوقاف المساجد وغيرها من الأوقاف الخيرية التي كانت قد صودرت ووزعت بموجب قوانين التأميمات وقوانين الإصلاح الزراعي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولا زالت هيئة الأوقاف المصرية تناضل من أجل استرداد أوقاف المساجد بما فيها أوقاف الأزهر الشريف، ولم تتمكن حتى اليوم إلا من استرداد ما يساوي سدس الأصول الموقوفة، والباقي تم توزيعه أو طمس معالمه وحرمان المساجد من ريعها.
هذا الوضع الشائن الذي تحياه الأوقاف المصرية -إسلامية ومسيحية- يتناقض تناقضاً جذرياً مع مبدأ المواطنة، ويؤسس لانقسام طائفي خطير لا يتسق مع منطق الدولة المدنية ولا مع مبدأ المواطنة الذي يقضي بالتسوية بين جميع المواطنين ومصالحهم. ولا يجوز السكوت علي هذا التمييز المشين والمتحيز ضد أوقاف المساجد ولصالح أوقاف الكنائس. ومواد القانون الموحد المقترح لبناء دور العبادة يجب أن يعالج هذه المشكلة؛ كونه سيكون قانوناً خاصاً بتنظيم البناء وتمويل عملية البناء، والأوقاف هي المصدر الرئيسي لتمويل المساجد ولكنها محرومة منه.
يقولون إن «القانون الموحد لبناء دور العبادة» سيصدر خلال ثلاثين يوماً. ونحن نأمل ذلك، على أن يكون مشتملاً على قواعد تنظم المسائل الأساسية التي طرحناها، وبذلك يكون جزءاً من حل المشكلة، وإلا سيكون سبباً إضافياً من أسباب الفتنة. وسيكون أداة لصب الزيت على النار بيد الحزب الطائفي وفلول النظام السابق والشانئين للوطن والمواطنة في مصر.
http://www.assabeel.net/assabeel-essayists/40605-من-يصب-الزيت-على-النار-في-مصر؟.html