المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيه بليغ في الدعوة إلى الله - الأخ متعلم



د. هشام عزمي
05-23-2011, 07:13 PM
قال الأخ متعلم في مشاركة بكيفية دعوة غير المسلم:
ومن أهم الدروس التي تعلمتها كانت من أخطائي ..

ولعل من أهم أخطائك في هذا المقام أن تهمل مشاعر المدعو وعاطفته .. أكثر الناس تحركهم مشاعرهم بقدر أكبر من عقولهم ..

كثير منا في الدعوة - وما أبرئ نفسي - ينظر للدعوة على أنها مجرد حوار على الإنترنت لا بد أن يفوز فيه ..

الحق أن هذا الفوز غالبــًا ما يكون عقبة أمام المدعو ..

والوهم الذي عندنا أن المدعو إذا "ألقمته الحجر" و"أقمت الحجة" فقد انتهت مهمتك .. لكن الحقيقة خلاف ذلك ..

فأكثر الناس لا يكفيهم في قبول الدعوة أن "يُلقموا الحجر" .. بل غالبــًا ما يكون هذا عقبة بينهم وبين قبول الدعوة ..

سر المسألة أن إكراه الحجة أشد من إكراه السيف ..

فأنت لو أكرهت إنسانــًا بالسيف على قبول الحق ، فبإمكانه أن يظهر لك القبول بلسانه وقلبه مملوء بالباطل ..

أما إكراه "الحجة" ، أعني بأن تقيم الحجة فتبين له الحق بدليله ، فهذا يغير معتقد قلبه لا محالة ، فحتى لو أنكر الحق بلسانه ، فقد غزا الحق قلبه .. وهذا كما ترى مثلاً زيدًا من الناس عيانـًا مباشرة ، فيستقر في قبلك حقيقة أنك تراه ، ولا يمكنك تغيير هذه الحقيقة أو هذا المعتقد ، ومهما حاولت لتخرج هذا الاعتقاد من قلبك لا تستطيع ..

والحق بدليله مثل هذا ، يورث العلم لدى من سمعه وفهمه ، فيجد العلم بهذا الحق في قلبه ، ولا يملك دفعه عن نفسه أبدًا .. ويصير غاية جهده أن ينكر بلسانه فقط ، وقلبه يعلم الحق بيقين .. كما قال تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمـًا وعلوًا } ..

وهذه الحال : علم الحق ، إذا انضم إليها "بغض الحق" ، تصير جحيمــًا على صاحبها .. فمن ناحية هو يعلم الحق ويتيقنه ، ومن ناحية أخرى لا يريد التسليم بهذا ، فيود لو أنه أخرج هذا العلم من قلبه ولا يستطيع .. فتلازمه غصة دائمة وجحيم مقيم ..

تأمل مثلاً حال كبير يهود ، عندما علم يقينـًا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتأكد من انطباق صفات النبي الخاتم عليه ، ومع هذا فلما سُئل : كيف تجدك ؟ .. قال : عداوته ما بقيت !

ولذلك كان مبغضي الحق من مكذبي الأنبياء ، يتزايد بغضهم مع كل ظهور لآية جديدة على يد هذا النبي ..

المهم .. الشاهد من كلامي .. أنك إذا دخلت في "جدال" مع المدعو حول مسألة ، وأخذ "الجدال" صورة "الفوز والهزيمة" ، فإذا ظهرت عليه بالحجة ، فالغالب أن يبغضك بسبب هذا ، لأن هزيمتك إياه - بحجج الحق - بلغت قلبه بحيث لا يمكنه دفعه ، ولا حيلة له معه ، فهذا إكراه أشد من السيف ، والغالب أن يورثه غصة في نفس لحظة "ظهورك" عليه ، مما يجعله لا يطيق سماعك فترة ..

ما الحل ؟

الحل - والله أعلم - هو اتباع أسلوب القرآن في الدعوة .. فالقرآن لا يركز على "العقل" فقط ، ولا على إفحام الخصوم فقط ، وإنما قبل هذا وبعده وفي أثنائه : يخاطب العاطفة ، ويجذب القلب ، بنوع من السياسة اللطيفة للنفوس ، فيها شد وجذب ، وترغيب وترهيب ، وحزم ورفق .. وسبحان من أنزل هذا الكتاب !

كنت في صباي أتساءل في نفسي : لماذا لم يتبع القرآن أسلوب الإفحام المنطقي بحذافيره ؟! .. القرآن حججه قوية ، يدرك هذا كل من قرأه بقليل من الإنصاف .. فلماذا لا يبدأ أولاً مثلاً بإثبات وسائل المعرفة كتمهيد ، وبعدها بإثبات الخالق ، وربما بعدها إثبات إمكان النبوة ... إلخ ..

ثم لماذا لا تكون طريقته هي طريقة الإثبات المنطقي الرياضي .. بما أن كذا ، إذن ينتج كذا .. كنت أحسب أن هذا أسرع طريق للإفحام وقطع الشغب ..

فيما بعد أدركت خطأ تساؤلاتي لأنها بنيت على أساس باطل .. بنيتها على أن القرآن كتاب "إفحام".. وهذا خطأ .. والصحيح أنه كتاب "هداية" .. وكان يكفي في إدراك هذا - لو خلصت النية - أن تقرأ مطلع أول سوره بعد الفاتحة : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين }.

والمقصود من كلامي ألا تتعامل مع المدعو على أنه "خصم" يجب هزيمته ، بل هو "مريض" تبغي علاجه .. والمريض يحتاج إلى نوع من السياسة، فيها الرفق وفيها الحزم .. وحين تأتي لحظة إعطائه "الدواء المر" ، وهو أمر لا مفر منه ، فليكن هذا بطريقة الأم مع طفلها : تربيتة حانية ، والكثير من الرفق ، وربما يصل الأمر إلى "الهدهدة" ، مع تهوين المرارة ، والتشجيع المستمر ، مع القليل من الحزم .. هكذا يصل الدواء لجوف المريض وقد ضمنت ألا يكرهك بسبب هذا .

ومن الملاحظات هنا ، أننا أحيانـًا نقصر قراءتنا على كتب الحديث دون السيرة ، والغالب على كتب الحديث الاقتصار على "النصوص" أعني أقوال النبي عليه الصلاة والسلام مع محاوريه .. ومع استمرارنا في الاقتصار على هذا ، يقع في أذهاننا الوهم بأن المواقف كانت مجرد أقوال بلا شيء قبلها ولا بعدها .. وهذا خلاف الواقع .. ويعوض هذا القصور وينفي هذا الوهم : مطالعة كتب السيرة .. فهي تركز كثيرًا على "ملابسات" الموقف ، فتكتشف أن الحديث الذي قرأته من قبل في كتب الحديث ، أصبح في كتب السيرة "قصة" لها معالم واضحة ..

مقصدي هنا أن أقول أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقدم بمقدمات في حواراته مع الناس ، ربما طلبهم وهذا مؤثر في نفوس الناس ، وربما دعاهم لبيته .. وربما أولم لهم وليمة وأعطاهم حق الضيف قبل أن يقول "الحديث" الذي قرأته .. وحتى بعد "الحديث" لا يترك النبي محاوره ويغادره فجأة .. بل قد يخاطبه في غير أمور الدعوة ليهدئ من روعه .. وربما يماشيه قليلاً .. وهكذا ..

فدعوة النبي عليه الصلاة والسلام لم تكن مجرد أقوال مبتوتة الصلة عن "إعدادات" و"ترتيبات" .. كلا .. بل تشكل الأقوال أو "الحوار" مجرد جزء من الدعوة على أهميته طبعــًا ..

والمقصود أن الإعدادات والترتيبات مهمة في مراعاة نفس المدعو ، وتهيئتها لقبول الحق الذي قد يكون مرًا ..

صدعت دماغكم ! .. معذرة !

إلى حب الله
05-24-2011, 12:57 AM
جزاك الله خيرا ًعلى النقل الطيب .. وعلى الانتقاء الدقيق د هشام ..
وهذا موضوع من أهم مواضيع الدعوة بالفعل ...
ولا أ ُخفي عليك ...
تراودني منذ فترة قريبة فكرة كتابة موضوع في قسم الحوار عن الإسلام باسم :
(( الرحمة : قبل العلم )) ...

وفقك الله لما يُحب ويرضى ...

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
05-24-2011, 01:05 AM
نعم صدق الأخ متعلم ولكن لكل مقام مقال فالذين يأتون هنا ولم يتعلموا الأدب مع الله ومع رسول الله فلا يقال في حقهم مثل هذا الكلام ، إذ لو أنه جاء طالباً للحق راغباً فيه باحثاً عنه ثم قوبل بالشدة في الخطاب من أول يوم فهذا غير صحيح ، ولكن أن يأتينا ليستهزء ويفرد عضلاته لا طالباً للحق ولا راغباً فيه فمثل هذا يطرد ويحذر وينذر فإن أصلح من حاله أصلحنا وإن أصر أصررنا وإن عاد عدنا ....
والله أعلم

عياض
05-24-2011, 05:12 AM
ألم يشتق الينا الشيخ متعلم.؟؟ :):