المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظراتُ فى سِفر الحكمة .



حسن المرسى
05-26-2011, 03:33 PM
نظراتُ فى سِفر الحكمة .

الحمد لله الذى أجرى الأمور على ميزان العدل والرحمة .
وقدر الأقدار تجرى فلا راد لحُكمه .
وأرى الإنسان فى كل شئ آية ..
حتى إستنارت سبيل المؤمنين ..وأستبانت سبيل المجرمين ..
وقامت الحجة على العصاة والمذنبين ..
فلم يبق لذى عقلٍ شكُ أو إعتراض ..
وجعل أدلة وجوده كالماء والهواء ..
يتنفسها كل عاقل.. ويرتشفها كل ظامئ ..
حتى قامت الحجة .. وإتضحت المحجة ..
وأنقسم الناس الى فريقين ...
فريق فى الجنة .. وفريق فى السعير ..
يقال لهؤلاء : (( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ))
ويقال لأولئك : (( إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))
وقطع الإعتذار .. ببعثة الرسل الأخيار . .
(( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ))
وجعل العبرة بالبلاغ .. ((وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ ))
ثم قال (( بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ))
ثم إنه أعطاه قلباً واعياً .. وعقلاً متدبراً... وعيناً باحثة .. ولساناً سئولاً ..
وأعطاه من العمر ما يتذكر فيه من تذكر ..
وقلب حياته على العافية والإبتلاء .. والأحزان والأفراح .. والسعة والضيق
حتى يتسنى له النظر .. ويتقلب فى خاطره الفِكر .. ويلجأ إلى خالقه وفاطره .. ورازقه وموجده .
.. ثم إن الشيطان تجارى بأناس ..
فأخرجهم من الحق إلى الضلال .. ومن التسليم إلى الإعتراض ..
منتهجاً طريق الحكمةِ ..ليوردهم الباب الذى أهلكه حين طعن بعقله القاصر ..
وناظراً فى باب الرحمة مقارناً بينها وبين صفات البشر ..
.. حتى حارت عقول وإنتكست قلوب وبارزت خالقها بالإعتراض ..
وجاهرت بترك الإنقياد ..
وما دروا أن حالهم حال من وصفهم الكبير المتعال :
((وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ))
وما يبلغون فى إعتراضهم إلا كمبلغ من وصفه الله ...
((فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ))
وبعد ..
فهذا مختصر حول أسئلة تثار حول غوامض الحكمة .. وخفايا الرحمة .. وحول دخول الشر فى القضاء الإلهى ..
وإنما هى كلمات أنقلها أحاول فيها تلمس طريق الهدى ..
وأن أستضئ بنور الوحى .. وأن أستبين سبيل المؤمنين ..
فإن كان ثَم خطأ فمنى ومن الشيطان .. والله ورسوله منه براء ..
وإن كان ثَم صواب .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ..

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-26-2011, 04:12 PM
وجه الشبهة ..

لماذا يخلقه وهو الغنى عنه ..؟
لماذا يبتليه وهو قادر على إثابته دون إبتلاء ..؟
لماذا يعذبه ويخلده فى النار وثًم لا تشف ..؟
ولماذا لا يدخله الجنة بلا تكليف .. وما فائدة التكليف .؟
لماذا نرى طفلاً معذباً .. وحيواناً مذبوحاً .. وعالماً مفتقراً ..؟
وجاهلاً منعماً .. ولماذا نرى الحر ممتحن بأولاد الزنا ..؟
لماذا نرى الشر فى العالم ..ولماذا يخلق الشر وهو قادر على عدم ذلك ؟
لماذا وضع التكليف على عكس مرادات النفس ؟
لو كان موجوداً لما رضى بحدوث ذلك فى ملكه ..؟
لماذا يقضى على عباده بالموت ..؟
وكيف قضى على رسله بالشقاء فى الدنيا ؟
لماذا يعذب بدون ذنب .. ويؤلم من لم تسبق له المعصية ؟
لماذا يمنع بعض الناس الهداية .. ويقضى عليهم بالغواية ؟
لماذا لم يخلق الجميع طائعين بدلاً عن التكليف .؟
لماذا لم يطلعنا على خفايا الحكمة حتى يتضح لنا الأمر .؟
ما فائدة الإعدام بعد الإيجاد .. والإبتلاء ممن هو غنى عن أذانا ..؟
وغيرها من الأسئلة ..
التى تدور حول التطلع الى معرفة ماغمض من أمر الحكمة ..
وما خفى من موطن الرحمة .. فى أفعال الله عز وجل ..

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-26-2011, 05:08 PM
إنفكاك الجهة بين وجود الخالق ... ومسائل الحكمة والخير والشر

وهذه من المغالطات المنطقية التى يقع فيها المخالفون من الملحدين دائماً ..
وتحتل محوراً هاماً فى حديث أكثرهم .. خاصة العرب منهم .
وأصل الإعتراض أن يقال : إذا كان موجوداً فكيف يسمح بهذا ..؟؟!!
وكيف يفعل هذا ..؟؟!! وكيف يترك ذاك ....؟؟!!
والصحيح أن مسألة وجود الخالق لا علاقة لها بأفعاله وحِكمها ومُراداتها .
ولذلك من يحاول إثبات الصفات قبل إثبات الذات ..
يقع فى هذه المغالطة المنطقية ..
فوجود الخالق قد ثبت بدليل منفصل ..بالنظر فى مصنوعاته ..
ودلائل قدرته ... وعلمه وحكمته .. ظهرت فى مخلوقاته وتدبيراته ..
وثبتت النبوة بالنظر فى معجزات رسله و أنبيائه ..
وصدق دعوتهم و تأييد الله تعالى لهم ..
لذلك فإن ثبوت وجود الله عز جل بدليل منفصل عن مسألة الحكمة ..
يجعل مناقشة مسألة وجوده تحت باب حكمته من اللغو الباطل ..
**ومن تكلف ذلك فكأنما يحاكى من رأى خللاً فى الحاسوب ..
فنفى أن يكون صانعه الإنسان موجوداً ..
أو شرخاً فى جدار فزعم أن بانيه غير موجود ..
** ودلائل وجود الله ظاهرة لكل متأمل بعين العقل فى سماء الوجود ..
فقد دلت الحوادث على وجوده ..
ودلت المصنوعات على قدرته ..
ودل الإتقان على علمه ..
ودل التدبير على حكمته ..
ودل الكون على بديع صنعه ..
والمنتدى يزخر بالموضوعات التى ناقشت أدلة وجود الهُ عز وجل ..
وليس هذا مقام بسطها ...
** وهب أنك أثبت (( ولا سبيل لك إلى ذلك ))
أن الحكمة والرحمة منتفية من الكون ..
فهل يعنى هذا عدم وجود صانع وخالق ومدبر له ...؟!
بل إن ذلك ظاهر البطلان ..
فلماذا لا نفترض خالقاً صانعاً لا يتحلى بكمال الحكمة .. ولا بكمال الرحمة وإطلاقها .. فيكون الأمر أكثر منطقية ..؟!
ولعل هذا يثبت بطلان الإستدلال بما خفى من مسائل الحكمة على نفى وجود الخالق ..
فهم يحاولون إثبات صفات الصانع على كيفية يرتضونها .. قبل أن يقروا بوجد ذاته وخلقه للكون ..
وإنما كان ديدن العقلاء .. ومنهج القرأن فى إثبات وجود الله عز وجل بمصنوعاته ..
والإستدلال على صفاته وتقريرها من إتقان مخلوقاته وعجائب تدبيراته ..
يقول تعالى
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ))
و مسألة إنفكاك الجهة هذه تفطن لها بعض كبار الملاحدة ..
وأقروا أن الإستدلال بها على نفى وجود الخالق إستدلال ضعيف للغاية..
فدوكينز رغم مغالطاته المنطقية الكثيرة .. يرد فى كتابه God delusion
على من يستدل بهذه المسألة ..
يقول فى معرض رده على أونوين أحد العلماء الرياضيين المتدينين .. صاحب كتاب إحتمالات الله ..
وهو كتاب يناقش وجود الله على أساس .. مقدمات بإحتمالات ... مرجحة ونافية .. يعطى كل منها نسبة رياضية ..
ووضع أونوين (( مسألة وجود الشر )) ضمن الإحتمالات التى لا ترجح وجود الخالق ..
يقول دوكينز :
(( من ناحية أخرى فإن أونوين يفكر بأن وجود الشر خصوصاً الكوارث كالزلازل والتسونامى هى أمور لا تدعم وجود الله ..
هنا يعاكس أونوين رأيي ولكنه يتماشى مع الكثير من علماء الدين الغير مرتاحين ..
((جمعية أكسفورد للفلسفة )) تعطى تعريفاً لمشكلة الشر (( المعارضة الأقوى للإيمان التقليدى بالله ))
لكنها فقط حجة ضد وجود إله طيب .. الطيبة ليست جزء من التعريف لفرضية الإله .. بل هى مجرد إضافة مرغوبة ..
فى الحقيقة الناس الذين لديهم نزعة دينية لديهم أيضاً عدم تمييز مزمن بين الحقيقة وما يرغبون أن يكون الحقيقة .. .. مُسَلمة بسيطة عن إله شرير كالذى فى كل صفحات العهد القديم .. أو لو لم يعجبك ذلك إخترع إله شرير مغاير سمه الشيطان .. إعتبر أن معركته مع الإله الخير فى العالم
أو حل أكثر تطوراً إله عنده أمور أهم من أن يحصر إهتمامه بالإنسان
أو إله ليس مبالياً بمعاناة الإنسان .. ولكنه يعتبرها ثمناً للخيار الحر يجب أن ندفعه .. ..كون خاضع للقوانين ...
لهذا السبب لو أعدت عمل تمرين أونوين فلن تحرفنى مشكلة الشر أو الأخلاق فى أى إتجاه عن خط الصفر ... 50 % فى حالة أونوين )) ....
إنتهى كلامه ..
وبغض النظر عن أراء دوكينز فى الفقرة السابقة ..
فإنه يقرر بكل وضوح أنه لايرى أى تلازم بين جود الشر و مسألة وجود الخالق من عدمه ..
وإن كان وجود الشر وإحساس الإنسان به .. و فهمه له لو تأملنا فيه دليل عقلى وجدانى على معانى غير مادية..
تستلزم مُلهماً لهذه المعانى التى لاتقوم بالمادة المجردة ...
وإلا فلماذا يستشعر الإنسان الشر فى تسونامى يغرق الآلاف ولا يستشعره فى قطرة ماء تقتل ملايين البيكترياً ..
إذ الأمر متساوى من الناحية المادية .. بلا شك ..

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-26-2011, 07:12 PM
رحمته ليست رقة .
قد تكون الرِقة خلافُ الرحمة ..
وما أقبح فعل الدبة حين حطمت رأس صاحبها لتخلصه من الذباب .. ظناً أن فى هذا مصلحته ..
فرحمة الله عز وجل ليست كرقة البشر .. وبين الرحمة و الرقة فرق شاسع ..
فحينما نرى الطبيب يشق صدر المريض ليستخرج الداء و يعالج المرض ..
فإن ما يفعله هو عين الرحمة...
وإن كان شق الصدر مستقبحاً ... وقد يوصف بمنتهى الوحشية فى الأحوال الأخرى ..
وهناك فارق بين الرقة التى تأخذك و أنت تشاهد شق صدره ...
وبين الرحمة التى تستحسن ما يفعله الطبيب فى هذه الحالة ..
فوجب الإنتباه :
فإن أرحم الراحمين قضى بالموت على كل حى ..
وبنى الأجساد ثم نقضها .. وقطع يد السارق فى ربع دينار ..
وقضى بالرجم على لذة ساعة..
فلا يغتر بحلمه مغتر ولا يطمع فى إمهاله طامع ..
فإن سننه فى الكون لا تحابى أحداً ..
وقد قضى على نبيه (ص)أكرم الخلق عليه ..
بالإبتلاء فى جسده وعرضه .. وولده وماله ..
وهذه دار الإختبار .. بنيت على الفناء والبوار ..
نعيمها منغص .. وعيشها مكدر .. وهى إلى زوال ...
وقد صح فى الأخبار (( " أنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ،
فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِى خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً "))
وملاحظة أسباب الخوف أدنى للأمن من ملاحظة أسباب الرجاء ..
والله يقول ((وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ )) وهو الرحمن الرحيم ..
فإنه ينبغى ان يحذر ممن أقل فعله تعميم الخلق بالموت حتى إلقاء الحيوان البهيم للذبح ..
وتعذيب الأطفال بالمرض .. وفقر العالم وغِنى الجاهل ..
فوجب الإنتباه أن رحمته ليست رقة ..
حتى يأخذ الإنسان بأسباب الحزم والعزيمة ولا يركن إلى الطمع والتمنى ..
فنسأل الله عز جل أن يهب لنا حزماً يبت المصالح جزماً ..

يتبع إن شاء الله ..

إلى حب الله
05-27-2011, 12:20 AM
ما شاء الله أخي الحبيب حسن المرسي ..

من أروع ما قرأت في مختصرات الحكمة وإيجازها ..
متابع ::
وجزاك الله خيرا ً........

حسن المرسى
05-27-2011, 01:24 AM
ومكلف الأيام ضد طباعها..!!

من الجهل أن يخفى على الإنسان مُراد التكليف ..
فإنه موضوع على مخالفة الأغراض ..
وينبغى للعاقل أن يأنس بإنعكاس الأغراض ..
فإن دعى وسأل بلوغ غرض تعبد الله بالدعاء ...فإن أُعطى شكر .. وإن منع صبر ..
فالدنيا لم تجعل لبلوغ الأغراض .. وقد قيل ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )) ...
فلا وجه للإمتعاض .. و لا يحسن الإعتراض ..
فمن قال : حصول غرضى لا يضر ودعائى لم يٌستجب فكيف له ذلك بحال ..
والله يقول ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَئٌ ))
فعليه أن يسلى نفسه بأن المنع ليس عن بخل وإنما لمصلحة لا يعلمها
ليؤجر الصابر .. ويعلم الراضى ..
وزمن الإبتلاء يسير والأغراض مدخرة تُلقى بعد قليل ..
ومتى إرتقى فهمه إلى أن ما جرى مراد الحق سبحانه ..
إقتضى إيمانه أن يريد ما يريد ..
وينبغى على العاقل أن يوطن نفسه على الصبر ..
ويعلم أن ما حصل من المراد فلطف ..
وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا ...
وقد قيل ..
طبعت على كدر وأنت تريدها ...... صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيـام ضد طباعهـا ...... . متطلـب فى الماء جذوة نار
ثم من يرى ما جرى لرسول الله ( ص ) وأصحابه من الجوع والقتل ..مع قدرة الناصر .
ثم يسأل فى أُمه فلا يجاب ..
ولو كان المسئول بعضنا لقلنا .. لمِ تمنعُ ما لا يضرك ..
قد إبتلى بموت عمه على الشرك .. وأبيه وأمه قبل الرسالة ...
وبقتل عمه حمزة والتمثيل به أمام عينيه ... يفجع فى أولاده واحداً واحداً فى حياته ..
فلا يعود من بدر منتصراً إلا ليوارى إبنته التراب ... ويعيش عيشة الفقر وربه الغنى الكريم ..
ويعيش عيشة الخوف والحصار وربه العزيز الحكيم ...
فينبغى أن يُفهم أن هذا أصل الدنيا .. حتى لا يتمناها أحد .. ولا يحزن على ذهابها إنسان ..


يتبع إن شاء الله

حسن المرسى
05-27-2011, 01:40 AM
وحكمة الله تخفى بعض أحيان
ومن نظر فى أمر الحكمة وجد أن حكمة الخالق ظهرت حتى أقرت بها العقول .. ثم خفى منها ما حارت به العقول ..
فمن تأمل بنائه للأجساد متقنة على قانونه الحكمة ..
دلت على كمال قدرته ولطيف حكمته ..
ثم عاد فنقضها .. فتحيرت العقول بعد إذعانها له بالحكمة فى سر ذلك الفعل ..
فأُعلمت أنها ستعاد للمعاد ..
وأن هذه البنية لم تخلق إلا لتجوز فى مجاز المعرفة وتبحر فى موسم المعاملة ..
فسكنت العقول لذلك ..
وأظرف منه إبقاء هرِم لا يدرى معنى البقاء ..
وليس له فيه إلا مجرد أذى ..
ومن جنسه تقتير الرزق على المؤمن الحكيم ..
وتوسعته على الكافر الأحمق ..
ومثاله إخترام شاب ما بلغ بعض المقصود بنيانه ..
وأعجب منه أخذ طفل من بين أكف أبويه يتململان ولا يظهر سر سلبه ..
والله الغنى عن أخذه .. وهما أشد الخلق فقراً إلى بقائه ..
وفى نظائر لهذه المذكورات يتحير العقل فى تعليلها فيبقى مبهوتاً .. ......
فإذا عجزت قوى العقل عن الإطلاع على حكمة ذلك وقد ثبت لها حكمة الفاعل ..
علمت قصورها .. عن درك جميع المطلوب .. فأذعنت مقرة بالعجز .. وبذلك تؤدى مقصود تكليفها ..
فلو قيل للعقل :
قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بنى ..
أفيجوز أن ينقدح فى حكمته أنه نقض ..؟!
لقال :: لأنى عرفت بالبرهان أنه حكيم وأنا أعجز عن إدراك علله فأسلم على رغمى مقراً بعجزى ..
لذلك فالفقيه من علل بما يمكن .. فإن عجز إنطرح للتسليم ..
هذا شأن العبيد .. فأما من يقول ... لم فعل كذا .؟ وما معنى كذا ؟؟!
فإنه يطلب الإطلاع على سر الملك .. وما يجد لذلك سبيلاً لوجهين ..
أحدهما : أنه سبحانه ستر كثيراً من حكمه عن خلقه ..
والثانى : أنه ليس فى قوى البشر إدراك حكم الله تعالى كلها ..
فلا يبقى مع المعترض سوى الإعتراض المخرج إلى الكفر
((فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ))
والمعنى .. من رضى بأفعالى وإلا فليخنق نفسه فما أفعل إلا ما أريد ..

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-27-2011, 01:42 AM
جزاك الله خيراً اخى الكريم ..( أبو حب الله )

حسن المرسى
05-27-2011, 02:08 AM
أفعاله .. كما ذاته وصفاته لا تشبه ما للمخلوقين ..

كما قد ضل البعض فى ذاته وصفاته .. كذلك ضل آخرون فى أفعاله ..
ففى ذاته .. لما رأى الفلاسفة إيجاد شئ من لا شئ كالمستحيل فى العادات قالوا بقدم العالم ..
وفى صفاته ... لم عظم عند المتكلمين الإحاطة بكل شئ ... قالوا يعلم الجمل لا التفاصيل ..
ولما رأوا تلف الأبدان . أنكروا إعادتها ..
وكل من قاس صفة الخالق .. على صفة المخلوقين خرج الى الكفر ..
كذلك فى أفعاله
فإن من حمل أفعاله على ما يعقل فى العادات ..رأى ذبح الحيوان لا يستحسن .. والأمراض تستقبح .. وقسمة الغِنى للجاهل .. والفقر للعالم .. أمراً ينافى الحكمة ..
فهذا فى الأوضاع بين الخلق .. فأما الخالق سبحانه فإن العقل لا ينتهى الى حكمته ..
** أليس قد ثبت عنده (( أى العقل )) وجود الله ومُلكه وحكمته ..
فتعَرُضُه بالتفاصيل على ماتجرى به عادات الخلق جهل ..
ألا ترى أن أول المعترضين وهو إبليس .. كيف ناظر فقال أنا خير منه ..
وقول خليفته أبو العلاء المعرى
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ....... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا.
فنسأله تعالى توفيقاً للتسليم .. وتسليماً للحكيم ...
(( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ))
أترى نقدر على تعليل أفعاله .. فضلاً عن مطالعة ذاته .. ؟!
وكيف نقيس أمره على أحوالنا .. فإنا قد رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم يَسألُ فى أُمه وعمه فلا يقبل منه ..
ويتقلب جائعاً والدنيا ملك خالقه .. ويقتل أصحابه والنصر بيد مرسله .. أوليس هذا مما يحير ..؟
فما لنا والإعتراض على مالك .. قد ثبتت حكمته وأستقر ملكه ..؟
وقد قال بعض المحبين فى هذا المعنى ..
ويقبح من سواك الفعل عندى .... فتفعله فيحسن منـك ذاكـا ..
ولذلك فإن قياس الغائب على الحاضر .. وقياس صفات الله وأفعاله وذاته على المشاهد لنا هو سبب ضلال كثير من الناس ..
** فمنهم من غلب عليه الحس فلم يشاهد الصانع ..
جحدوا وجوده ونسوا أنه ظهر بأفعاله ؟..
وأن هذه الأفعال لابد لها من فاعل ..
** ومنهم من أثبت وجوده ثم قاسوا صفاته على صفات المخلوقين فشبهوا حتى قالوا ينزل الى السماء أى ينتقل ..
** ومنهم من ضل فى أفعاله .. فأخذوا يعللون .. فلم يقتنعوا بشئ..فخرج منهم من نسب فعله إلى ضد الحكمة .. تعالى الله عن ذلك
وإنما يكون الجواب لمن أراد التوفيق والصواب أن يقال : إذا أقررنا أن ذاته ليست كالذوات وصفاته ليست كالصفات .. فكذلك افعاله لا تقاس على أفعال العباد .. فإن أحدنا لو فعل فعلاً لا يجتلب به نفعاً ولا يدفع عنه ضراً عد عابثاً .. وهو سبحانه أوجد الخلق لا لنفع يعود إليه ..ولا لدفع ضر .. إذ المنافع لا تصل إليه والمضار لا تتطرق عليه ..
فإن قال قائل ..إنما خلق الخلق لينفعهم ... يبطله أن يقال أنه خلق خلقاً منهم للكفر وعذبهم .. وتراه يؤلم الحيوان والأطفال وهو قادر أن لا يفعل ذلك ...
فإن قال قائل : أنه يثيب على ذلك ... قلنا وهو قادر على أن يثيب بلا هذه الأشياء .. فإن السلطان إذا أراد أن يغنى فقيراً فجرحه ثم أغناه .. لِيم على ذلك .. لأنه قادر على أن يغنيه بلا جراح ..
لذلك فالقاعدة هنا أنه لا تطلب تعليلات أفعال الله كلها ..
والصواب .. التعليل لما يمكن والتسليم لما يخفى ..
وذلك لأن الحق سبحانه وتعالى لا تقاس أفعاله على أفعالنا .. ولا تعلل إلا فيما ظهر لنا ..
والذى يوجب التسليم أن حكمته فوق العقل فهى تقضى على العقول والعقول لا تقضى عليها .. ومن قاس فعله على أفعالنا .. غلط الغلط الفاحش ..
ولهذا قال المعتزلة .. كيف يأمر بشئ ويقضى بإمتناعه ..؟
ولو أن إنساناً دعى إلى داره ثم أقام من يصد الداخل لعِيب ..
وقد صدقوا فيما يتعلق بالشاهد .. فأما من أفعاله فلا تعلل .. ولا يقاس بشاهد .. فإنا لا نصل إلى معرفة حكمته ..
فإن قال قائل ... فكيف يمكننى أن أقود عقلى إلى ما ينافيه ..؟!
قلنا لا منافاة لأن العقل قد حكم بالدليل الجلى أنه حكيم وأنه مالك .. والحكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة .. غير أن تلك الحكمة لا يبلغها العقل
قد يتبادر سؤال : إذا كنتم تقولون صفاته وأفعاله لا تقاس على مثيلاتها لدى المخلوقين ..
فكيف تثبتون حكمته إذ أنتم تقولون بما أنه خلق حكمة للبشر فهو متصف بها ..؟
يجيب إبن القيم .. الرب سبحانه وتعالى لا يدخل مع خلقه فى قياس تمثيل ولا قياس شهود يستوى أفراده .. فهذان الفرعان من القياس يستحيل ثبوتهما فى حقه ..وأما قياس الأولى فهو غير مستحيل فى حقه بل هو واجب له ومستعمل فى حقه عقلاً ونقلاً ..
أما العقل .. فمثيل ذلك إستدلالنا أن معطى الكمال أحق بالكمال .. ومن جعل غيره سميعاً بصيراً عالماً حياً قادراً رحيماً محسناً فهو أولى بذلك وأحق منه ويثبت له من هذه الصفات أكملها وأتمها فكل كمال ثبت للمخلوق غير مستلزم للنقص فخالقه ومعطيه إياه أحق بالإتصاف به ..
وكل نقص فى المخلوق فالخالق أحق بالتنزه عنه كالكذب والظلم والسفه والعيب .. بل يجب تنزيه الخالق عن كل النقائص والعيوب وإن لم يتنزه عنها بعض المخلوقين ..
وأما النقـل فهو مستفاد من قوله تعالى ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))
((وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
((ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ))
((تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ))
ومقصود الآيات .. أنه إذا كان العجز والعيب والنقائص مستنكرة فى حقكم .. فكيف تنسبونها لله ..
وفى الحديث أمثال ذلك .. ومنه قول النبى ( ص ) ((وأن الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً .. وإن مثل من أشرك كمثل رجل إشترى عبداً من خالص ماله وقال له : إعمل وأد الى .. فكان يعمل ويؤدى الى غيره .. فأيكم يحب أن يكون عبده كذلك .؟! ))
فالله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التى يشترك هو وخلقه فيها .. لاشمولاً ولا تمثيلاً .. وإنما يستعمل فى حقه قياس الأولى كما أسلفنا ..


يتبع إن شاء الله ..

إلى حب الله
05-27-2011, 02:19 AM
أعتقد والله أعلم :
أن هذا الموضوع يستحق التثبيت ........
ففيه شرحٌ لصدر المُعرض .. وتنبيه لعقل الغافل .. وتذكير لفكر الجاهل ..
وتأليف لقلب الذي تاهت به شبهاته في متاهات الإلحاد واللا أدرية !!..

والأمر لإدارتنا الكريمة بالطبع ...

حسن المرسى
05-27-2011, 02:29 AM
من لم يحترز بعقله .. هلك بعقله..

لا بد أن تعلم أن لعقلك حداً .. وإلا أوردت نفسك المهالك ..وحملته ما لا طاقة له به ..
ولهذا فإن الإسلام أمر بتفويض العلم الى الله عز وجل فيما لا طاقة للبشر على إدراكه ..
كالنظر فى ذاته وصفاته تعالى ..
فإن الإنسان لا يعرف شيئاً عن شئ لا بداية له ..
ولا يملك إلى معرفة ذاته وصفاته سبيلاً ..
وكذلك النظر فى أفعاله ..
فإنه لايدرى وجه الحكمة فى النقض بعد البناء ..
ولا فى الإعدام بعد الإيجاد ..
فوجب التسليم للإقرار العام بـأنه الحكيم العليم ..
فالأولى للعاقل أن يكف عن التطلع إلى ما لا يطيق النظر إليه ..
ومتى قام العقل فنظر فى دليل وجود الله بمصنوعاته ..
وأجاز بعثة نبى وأستدل بمعجزاته ..
كفاه ذلك أن يتعرض لما قد أُغنى عنه ..
ففى الأولى الإحتراز وفى الثانية الهلاك ..
والإحتراز من العقل بأن يقال له :
... أليس قد ثبت عندك أنه مالك وأنه حكيم ..؟!
وأنه لا يفعل شئ إلا بحكمة .؟!
فيقول بلى ..
فيقال له : فنحن نحترز من تدبيرك الثانى بما ثبت عندك فى الأول.
فلم يبق إلا أنه خفى عليك وجه الحكمة فى فعله ..
فوجب التسليم له لعلمنا أنه حكيم ..
حينئذ يذعن ويقول : قد سلَمت ..
لذلك .. فهؤلاء المعترضين على أفعال الخالق بعقولهم وبداهة نظرها وقياسها على الظاهر ..
لو أنهم نظروا نظراً أبعد بعقولهم لأستخرجوا مقتضى ما عليه العقل ..
وهو أنه قد ثبت الكمال للخالق وأنتفت عنه النقائص ..
وعلم أنه حكيم لا يعبث .. فلم يبق إلا التسليم لما لا يعقل ..
ومن إدعى خلاف ذلك ..
فقد أتى بالكفر المحض .. الذى يزيد فى القبح على الجحد ..
فنعوذ بالله من إعتقاد الكمال لتدبيرنا حتى إذا إنعكس علينا أمر عدنا إلى القدر بالتسخط

يتبع إن شاء الله ...

حسن المرسى
05-27-2011, 02:39 AM
مالك وحكيم .. له التصرف

وهذه إجابة سؤال ...
س : ما فائدة الإعدام بعد الإيجاد .. والإبتلاء ممن هو غنى عن أذانا .؟!
أليس قد ثبت أن الحق سبحانه مالك ..؟ وللمالك التصرف كيف يشاء
أليس قد ثبت أنه حكيم .. والحكيم لا يعبث ..؟
س : ولماذا نفترض أنه حكيم ..لا أدرى أحكيم هو أم لا ..؟
فإنا قد رأينا من أفعاله ما لا ننسبه إلى الحكمة فى أفعالنا ..
والجواب : لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن يقال ..
بماذا بان لك أن النقض بعد البناء والإبتلاء من الغنى ليس بحكمة .؟
أليس بعقلك الذى وهبه الصانع لك .؟؟
وكيف يهب لك الذهن الكامل ويفوته هو الكمال ..
فمن تفكر أن واهب العقل أعلى من العقل .. وأن حكمته أوفى من كل حكيم ..
لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول ..فهذا إن تأمله المنصف .. زال عنه الشك ..
وقد أشار الله إلى نحو هذا فى قوله تعالى ((أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى ))
((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ))
أى هل جعل لنفسه الناقصات وأعطاكم الكاملين ..
فلم يبق لنا إلا أن نضيف العجز عن فهم ما يجرى الى أنفسنا ..
ونقول : هذا فعل عالم حكيم .. ولكن لم يبن لنا معناه ...

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-27-2011, 11:17 PM
لماذا يبتليه وهو قادر على إثابته دون إبتلاء ..؟!

س : إذا كان الله لا يتضرر بمعصية العبد ولا ينتفع بطاعته .. ولا يتوقف إحسانه على فعل يصدر من العبد ..
وهو قادر على إثابته وإدخاله الجنة بلا توسط تكليف .. فلماذا يكلفه ..؟
توضيح فى البداية : كون الله سبحانه وتعالى قادر على الإثابة دون تكليف ... وإدخال الجنة بلا إختبار ... وكونه لا تضره المعصية ..
ولا تنفعه حسنات العباد .. كل هذا مقرر ولا خلاف عليه بحال من الأحوال ..
لكن : تركُ التكليفِ .. وترك العباد هملاً كالأنعام لا يؤمرون ولا يُنهون مناف لحكمته وحمده ..
وكمال ملكه وألوهيته .. فيجب تنزيهه عنه .. ومن نسبه إليه فلم يقدره حق قدره ..
وتوضيح ذلك : أن الله تعالى أنعم على العباد إبتداء بالإيجاد وإعطاء الحياة والعقل والسمع والبصر والنعم التى سخرها لهم ..
وإنما فعلها من أجل عبادتهم إياه وشكرهم له كما قال تعالى : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))
وقال تعالى ((قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ))
أى ما يصنع بكم ربى لولا عبادتكم إياه .. فهو لم يخلقهم إلا لعبادته ..
فكيف يقال بعد ذلك أن تكليفه إياهم عبادته غير حسن فى العقل..
إذا كان قادراً على إثابتهم دون عبادته .. ؟؟ !!
وتوضيح ذلك : أن قدرته تعالى على الشئ .. وتقدير خلافه ..
لا ينفى حكمته البالغة من وجود هذا الشئ ..

فإن الله تعالى يقدر على مقدورات لا يفعلها لحكمة ..
كقدرته على قيام الساعة الأن .. وإرسال الرسل بعد محمد ( ص )
وقدرته على إماتة إبليس وجنوده وإراحة العالم منهم ..
وقد ذكر الله تعالى قدرته على ما لا يفعله لحكمته فى غير موضع من القرأن فقال :
((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ))
وقوله تعالى : ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ))
وقوله : ((وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ))
فهذه مقدورات له سبحانه وإنما إمتنعت لكمال حكمته ..
فهى التى إقتضت عدم وقوعها ..
فلا يلزم من كون الشئ فى قدرة الله تعالى ان يكون حسناً موافقاً للحكمة ..
بل تكون الحكمة هى عدم إمضاء الله تعالى له ..
ووضعه على الصورة التى تراها ...

وهذا إنما ينشأ من التفريق بين ما يتعلق بالحكمة و ما يتعلق بالقدرة ..
حيث الأول يقتضى الحكمة والعناية .. وهو ما يجريه الله تعالى فى الكون بإختلاف صوره من موافقته لعقولنا أم لا ..
وإنعدام التفريق بين :
متعلق الحكمة ((وهو فعل الله عز وجل الجارى فى الكون ))
ومتعلق القدرة ((ومنه ما لا يجرى فى هذا الكون وإن كان مقدوراً لله عز وجل ))
هو الباب الذى أُتى منه المعترضون هنا ..
ولو قدر أن الأمر كما يقولون : (( وهو أن يترك العبد لزمام الإختيار يفعل ما يشاء
جرياً على رسوم طبعه المائل إلى لذيذ الشهوات ثم يجزل له العطاء من غير حساب ))
وظنهم أن هذا مستحسن للعقل وأفضل للإنسان ..فإن كلامهم هذا من أبطل الباطل ..
يبطل عقلاً ونقلاً
أما العقل فهو أقبح شئ وأعظمُ نقص فى الآدمى ..
ولو ترك لرسوم طبعه لكانت البهائم أكمل منه ..
ولم يكن مكرماً مفضلاً على كثير من خلقِ الله ..
ولصار شراً فى الطباع من الذئاب والخنازير والحيات ..
وأما الشرع فالله أنكر هذا الأمر فقال .. (( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى )) ..
وأخبر أن الحكمة تقتضى الحساب فقال (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ))
ثم أخبرقائلاً ((فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ))
لأن مقتضى حكمته وربوبيته وإلهيته عدم العبث ..
والخلق والإثابة بدون حساب ..
ومثيله قوله تعالى ((وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))
والحق هنا هو إلهيته وحكمته وأمره ونهيه ووثوابه وعقابه ..
فمصدر ذلك كله الحق .. وبالحق وجد وبالحق قام .. وغايته الحق وبه قيامه ..
ولو خالف هذا الوجه من الأمر والنهى والثواب والعقاب لكان عبثاً وباطلاً
((رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))

.. مختصراً من كلام إبن القيم .
يتبع إن شاء الله ...

حسن المرسى
05-27-2011, 11:50 PM
س : مرة أخرى لماذا يكلفهم إذا لم يكن محتاجاً إليهم ..؟؟.
توضيح .. تكليف الله للعباد .. تكليف من لا يبلغوا ضره فيضروه ..
ولا يبلغوا نفعه فينفعوه وأنهم لو كانوا على أتقى قلب رجل واحد منهم مازاد ذلك فى ملكه شئ ..
ولو كانوا على أفجر قلب رجل واحد منهم مانقص ذلك فى ملكه شئ ..
وإنما جواب ذلك من عدة وجوه ..
أحدها : أن التكليف يستحسن عقلاً فى حق العباد .. وهو ما أسلفناه ..
ثانيهما : أن التكليف بالعبادة هو مقتضى الفطرة التى أتى الشرع لتأكيدها .
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ ))
فجعل مقتضى الفطرة التقوى والإنابة والإقبال عليه بمحبته وحده والإعراض عما سواه ..
وكونه سبحانه وتعالى أهلاً لأن يعبد ويثنى عليه أمر ثابت له لذاته ..
فكما أنه الغنى الحى القيوم السميع البصير فهو الإله الحق المبين ..
والإله هو الذى يستحق أن يؤله محبةً وتعظيماً وخشيةً وخضوعاً وتذللاً وعبادة ..
فهو الإله الحق ولو لم يخلق خلقه .. وهو الإله الحق ولو لم يعبدوه ويحمدوه ...
فهو الله الذى لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم .. وبعد أن يفنيهم ..
لم يستحدث بخلقه لهم ولا بأمره إياهم إستحقاق الإلهية والحمد ..
بل هى صفاته الذاتية يستحيل مفارقتها له ...
كحياته وجوده وقدرته وعلمه وسائر صفات كماله ..
فالعبودية نابعة من شهود الإنعام .. وشهود الكمال ..
** فمن شهود الإنعام : قول النبى ( ص ) وقد غفر له ما تقم من ذنبه وما تأخر (( أفلا أكون عبداً شكوراً ))
** ومن شهود الكمال : قول النبى ( ص ) (( لا أحصى ثناء عليك ))
وقول الملائكة يوم القيامة (( سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ))
هذا فى حق ملك ساجد لله لا يرفع رأسه منذ خلق ..
وقد قيل :
هب البعث لم تأتنا نذره ... وجاحمة النار لم تضرم ..
أليس بكاف لدى فكره ... حياء المسئ من المنعم

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-28-2011, 12:50 AM
سلِم ... تسلَم ...
فإنك لا تدرى غور البحر إلا وقد أدركك الغرق قبل ذلك ..

من تفكر فى عظمة الله عز وجل طاش عقله .. لأنه يحتاج أن يثبت موجوداً لا أول لوجوده ..
وهذا شئ لا يعرفه الحس .. وإنما يقر به العقل ضرورة ..و يرى من أفعاله ما يدل على وجوده ....
وهو متحير بعد هذا الإقرار ..
إذ تجرى فى أقداره أمور لولا ثبوت الدليل على وجوده لأوجبت الجحد ..
فإنه يفرق البحر لبنى إسرائيل .. وذلك شئ لا يقدر عليه سوى الخالق ..
ويصير العصا حية ثم يعيدها تلقف ما صنعوا .. ولا يزيد فيها شيئاً فهل بعد هذا بيان ..؟
فإذا آمنت السحرة تركهم مع فرعون يصلبهم ولا يمنع ..
والأنبياء يبتلون بالجوع .. والقتل .. وزكريا يُنشر .. ويحيى تقتله زانية ..
ونبينا ( ص ) يقول كل عام (( من يؤوينى من ينصرنى ))
فيكاد الجاهل بوجود الخالق يقول .. لو كان موجوداً لنصر أولياءه ..
** فينبغى للعاقل الذى قد ثبت عنده وجود الله بالأدلة الظاهرة الجلية ..
ألا يُمكن عقله من الإعتراض عليه فى أفعاله .. ولا يطلب لها علة ..
إذ قد ثبت أنه مالك وحكيم ...فإذا خفى علينا وجه الحكمة فى فعله .. نسبنا ذلك العجز الينا .. فهو منا ..

وربما قال العقل: أى فائدة فى الإبتلاء وهو قادر على أن يثيب ولا بلاء..؟
وأى غرض فى تعذيب أهل النار وليس ثم تشف ؟
قل له : حكمته فوق مرتبتك فسلم لما لا تعلم .. فإن أول من إعترض بعقله إبليس ..
رأى فضل النار على الطين ... فأعرض عن السجود ..
وقد رأينا خلقاً كثيراً وسمعنا عنهم أنهم يقدحون فى الحكمة ..
لأنهم يحكمون العقول على مقتضاها وينسون أن حكمة الخالق وراء العقول ..
فإياك أن تفسح لعقلك فى تعليل .. أو أن تطلب له جواب إعتراض ..
وقل له : سلِم تسلَـم ...
فإنك لا تدرى غور البحر إلا وقد أدركك الغرق قبل ذلك ..
وهذا أصل عظيم .. متى فات الآدمى أخرجه الإعتراض إلى الكفر ..
ولذلك .. ليس فى التسليم إنتقاص من قدرة العقل .. ولا إهانه لحكمة الإنسان ..
ولا إزدراء لحكمه على الواقع .. بل هو مقتضى العقل .. ولازم الحكمة .. وحكم على المشاهد ..
فإن من رأى وجوه الحكمة فى كل ما حوله .. لا ينفى وجودها إن خفى عليه بعض تفاصيلها ..
أولسنا نرى المائدة المستحسنة بما عليها من فنون الطعام النظيف المرتب يقطع ويمضغ ويصير إلى ما نعلم ..
ولسنا نملك ترك تلك الأفعال .. ولا ننكر الإفساد له لعلمنا بالمصلحة الباطنة فيه ..
كذلك نرى الألم يستقبحه كل حس .. إلا أنه لا ينكر فائدته إلا مكابر ..
فبدونه لا تصلح الأجساد .. ولا يخشى العباد .. ولتكبر الإنسان حتى إدعى الربوبية ..
وهو للجسم مثل جهاز الإنذار يحذره من الأخطار وينقذه من البوار ..
فما المانع أن يكون فعل الحق سبحانه له باطن لا نعلمه ؟!
** ومن أجهل الجهال العبد المملوك إذا طلب أن يطلع على سر مولاه .. فإن فرضه التسليم لا الإعتراض ..
ولو لم يكن فى الإبتلاء مما تنكره الطباع إلا أن يقصد إذعان العقل وتسليمه لكفى ..
** وهذا أصعب التكاليف (( أى التسليم ))
فإن من ظن أن التكليف أن يصب المرء على أطرافه ذنوباً من ماء ثم يقوم ويصلى ركعتين .. فقد أخطأ إن قصره على هذا ..
بل إن أصعب التكاليف وأعجبها أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل ..
ثم نراه يفقرالمتشاغل بطلب العلم .. المقبل على العبادة .. حتى يعضه الفقر بناجذيه ...
فيذل للجاهل فى طلب القوت .. ويُغنى الفاسق مع الجهل .. حتى تفيض الدنيا عليه ..
وتراه ينشئ الأجسام ثم ينقض بناء الشباب فى مبدأ أمره .. وتراه يؤلم الأطفال .. حتى يرحمهم كل طبع ...
ثم يقال له إياك أن تشك أن الله هو أرحم الراحمين ..
ثم يسمع بإرسال موسى الى فرعون ... ويقال له إعتقد أن الله أضل فرعون ..
وفى مثل هذه الأشياء تحير خلق حتى خرجوا الى الكفر والتكذيب ..
ولو فتشوا عن سر هذه الأشياء لعلموا أن تسليم هذه الأمور تكليف العقل ليذعن ..
وهذا أصل إذا فهم حصل منه السلامة والتسليم ..
فالواجب إذا خفيت على الإنسان حكمة فعل الخالق أن ينسب الجهل إلى نفسه والتسليم للحكيم المالك ..
فإن طالبه العقل بحكمة الفعل قال : ما بانت لى .. فيجب على تسليم الأمر لمالكه ..
فيامعترضين وهم فى غاية النقص على من لا عيب فى فعله ..
أنتم فى البداية من ماء وطين وفى الثانى من ماء مهين .. ثم تحملون الأنجاس على الدوام ..
ولو حبس عنكم الهواء لصرتم جيفاً ..
وكم من رأى يراه حازمكم فإذا عرضه على غيره تبين له قبيح رأيه ..
ثم المعاصى منكم زائدة على الحد .. فما فيكم إلا الإعتراض على المالك الحكيم ..
ولو لم يكن فى هذه البلايا إلا أن يراد منا التسليم لكفى ..
ولو أنه أنشأ الخلق ليدلوا على وجوده ثم أهلكهم ولم يُعدهم كان ذلك له ..
لأنه مالك حكيم .... لكنه بفضله وعد بالإعادة والجزاء... والبقاء الدائم فى النعيم ..
فمتى ما جرى أمر لا تعرف علته فأنسب الى قصور علمك ..
وقد نرى مقتولاً مظلوما ً .وكم قد قتل وظلم حتى قوبل ببعضه ..
وقل أن يجرى لأحد آفة إلا ويستحقها .. غير أن تلك الآفة المجازى بها غائبة عنا .. ورأينا الجزاء وحده ..
فسلم تسلم .. وأحذر كلمة إعتراض أو إضمار .. فربما أخرجتك من دائرة الإسلام ..
..فنسأل الله عقلاً مسلماً يقف على حده .. ولا يعترض على خالقه وموجده ..
ثم الويل للمعترض ..أيرد إعتراضه الأقدار ..؟
فما يستفيد إلا الخزى ... نعوذ بالله ممن خذل ..
(( مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ
ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ))

أكثره من كلام إبن الجوزى ..
يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
05-28-2011, 01:28 AM
تلك إذاً قسمة ضيزى
فالعجب كل العجب من تلميذ يتعالم على أستاذه ..
ومن مملوك يتيه على سيده ..
مادام قد ثبت بالدليل القاطع حكمة الخالق عز وجل وملكه وتدبيره ..
فإذا رأى الإنسان عالماً محروماً .. وجاهلاً مرزوقاً ..
أوجب عليه الدليل المثبت لحكمة الخالق التسليم إليه ونسبة العجز عن معرفة الحكمة إلى نفسه ..
فإن أقواماً لم يفعلوا ذلك جهلاً منهم ..
أفتراهم بما حكموا بفساد هذا التدبير ..؟ أليس بمقتضى عقولهم ..؟
أوما عقولهم من جملة مواهبه ..؟
فكيف يحكم على حكمته وتدبيره ببعض مخلوقاته ..
التى هى بالإضافة إليه أنقص من كل شئ ..
أفتظن أن يعطيك ربك بالكمال من الحكمة ويرضى لنفسه بالدون .. ؟
أفيصفيك من العقل ما تعترض به عليه ويرضى بالدون ..؟
أيخلقك ويعطيك رحمة لا توجد عنده ..؟
ويمنحك عطفاً وحناناً تعترض به عليه ..؟
تلك إذا قسمة ضيزى .. !!!
وإنما الذى يرى ذلك مؤتماً بإبليس حين قال ((أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا. ))
حاكماً بعقل (( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ )) فوجب الإحتراز فإن عقلك ورحمتك وحكمتك من جملة مصنوعاته يامسكين ..
ومرد هذا الأمر أن ينظر الإنسان فى نفسه فيرى لها عقلاً تحكم به
يستحسن به .. ويستقبح به .. ويرى له حكمة .. يحكم بها على الأشياء ..
ويرى أنها وضع الشئ فى موضعه .. وموافقة الواقع وإلتزام ما يحسن وإجتناب ما يقبح ...
وقد علم كل ذى لب أن ما يقبح لدى إنسان يستحسن لدى آخر ...
وما يراه عدلاً يراه البعض جوراً وإن إتفقوا على معان عامة ..
ثم إن ما يراه الإنسان حكمة من قتل القاتل قد يقبح لدى القاتل ..
ومايراه من ذبح الحيوان وأكله قد يقبح لدى الحيوان
بل لدى بعض البشر أيضاً ..
فثبت لنا أن حكم عقولنا لا يصلح كمرجع موحد للحكم على الأشياء
من ناحية التحسين والتقبيح ..
وأنه لابد من إستيفاء العلم بالمسألة .. وملابساتها .. وما تنتج عنه .. وما يترتب عليه ..
والمفاسد المتوقعة والمصالح المرجوة .. ومآلات الأفعال .. ودقائق التفاصيل ..
حتى تعطى حكماً تاماً ... وبهذا يستشعر الإنسان حدود عقله وحكمته ..
ويسلم الى واهبها .. وخالقها..وفاطرها ومبدعها ..
حتى يفوز بالأمان ويتبع ما عليه العقل والبيان ..
ولو تفكر ملياً وتلبث هنياً لأدرك هذه المسألة ..
وأتضحت له الشبهة وزال عن عقله الإشكال ..
والله أعلم

يتبع إن شاء الله ...

حسن المرسى
06-02-2011, 09:21 PM
لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ..
(( إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))
يقول إبن الجوزى
رأيت فى العقل منازعه الى معرفة جميع حكم الحق عز وجل فى حُكمِه ..فربما لم يتبين له شئ منها ..
(( مثل النقض بعد البناء )) فيقف متحيراً وربما إنتهز الشيطان الفرصة فوسوس إليه ... أين الحكمة من هذا ..؟!
فقلت له إحذر أن تخدع يامسكين ... إنه قد ثبت بالدليل القاطع لما رأيت من إتقان الصنائع مدى حكمة الصانع ..
فإن خفى عليك بعض الحكم .. فلضعف إدراكك ..
ثم ما زالت للملوك أسرار .. فمن أنت حتى تطلع بضعفك على جميع حكمه ..؟
يكفيك الجُمل .. وإياك .. إياك .. أن تتعرض لما يخفى عليك ..
فإنك بعض موضوعاته و ذرة من مصنوعاته .. فكيف تتحكم على من صدرت عنه ..؟
ثم قد ثبتت عندك حكمته .. وحُكمه وملكه ..
فأعمل آلتك على قدرِ قوتك ..فى مطالعة ما يمكن من الحكم ...
فإنه سيورثك الدهش ..
وأغمض عما يخفى عليك ..فحقيق بذى البصر الضعيف ألا يقاوى ضوء الشمس ....
يقول إبن القيم :
فالله تعالى هو الغنى الحميد .. العليم الحكيم ..
.. ومصدر خلقه و أمره وثوابه وعقابه .. غِناه وحَمدهِ وعِلمه وحكمتِه
وليس مصدرها مشيئة مجردة ولا قدرة خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقاً وأمراً ..
لذلك فهو لا يسئل عما يفعل لكمال حكمته ووقوع أفعاله كلها على أحسن الوجوه وأتمها ..
مقتضية للصواب والسداد ومطابقة الحكم ..
أما العباد فيسئلون إذ كانت أفعالهم كذلك ..
ولهذا قال خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام :
(( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
فالأية تخبر عن عموم قدرته تعالى وأن الخلق كلهم تحت تسخيره وقدرته...
وأنه آخذ بنواصيهم .. فلا محيص لهم عن نفوذ مشيئته وقدرته فيهم ..
ثم عقب ذلك بالإخبار عن تصرفه فيهم ..
وأنه بالعدل لا بالظلم وبالإحسان لا بالإساءة ... وبالصلاح لا بالفساد ..
** فهو يأمرهم وينهاهم إحساناً إليهم وحماية وصيانة لهم .. لا حاجة إليهم ولا بخلاً عليهم بل جوداً وكرماً ولطفاً وبراً ...
** ويثيبهم إحساناً وتفضلاً ورحمة لا لمعاوضة وإستحقاق منهم ودين واجب لهم يستحقونه
** ويعاقبهم عدلاً وحكمة لا تشفياً ولا مخافة ولا ظلماً كما يعاقب الملوك وغيرهم ..
بل هو على الصراط المستقيم وهو صراط العدل والإحسان فى أمره ونهيه وثوابه وعقابه ..
فتأمل ألفاظ هذه الأية وما جمعته من عموم القدرة وكمال الملك ومن تمام الحكمة والعدل والإحسان ..
فإنها من كنوز القرأن .. قد كفت وشفت لمن فتح عليه بفهمها ..
فكونه تعالى على صراط مستقيم
** ينفى ظلمه للعباد وتكليفه إياهم ما لا يطيقون..
** وينفى العيب من أفعاله وشرعه ..
** ويثبت لها غاية الحكمة والسداد رداً على منكرى ذلك ..
فهو سبحانه على صراط مستقيم فى عطائه ومنعه وهدايته وإضلاله ..
فى نفعه وضره وعافيته وبلاءه وإعناؤه وإفقاره وإنتقامه وثوابه وعقابه وإحيائه وإماتته وأمره ونهيه وتحليله و تحريمه ..
وفى كل ما يخلق وكل ما يأمر به ..
ولهذه الأية نظير فى قوله تعالى (( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ وَهُوَ كَلٌّ
عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))
فالمثل الأول للصنم وعابده والمثل الثانى ضربه الله لنفسه وأنه يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ..
لا يُسأل عن أفعاله لأنها من حكيم عليم على صراط مستقيم ..
وقد نبه على ذلك فى كتابه فقال ..(( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ))
فهنا تنبيه على حكمته تعالى المقتضية تمييز الخبيث من الطيب وأن ذلك التمييز لا يقع إلا برسله فأجتبى منهم من يشاء وأرسله إلى عباده فيتميز برسالته الخبيث من الطيب والولى من العدو ..ومن يصلح لمجاورته وقربه وكرامته ممن لا يصلح إلا للوقود ..
وفى هذا تنبيه على الحكمة فى إرسال الرسل وأنه لا بد منه وأن الله تعالى لا يليق به الإخلال به ..
وأن من جحد رسالة رسله فما قدره حق قدره ولا عرفه حق معرفته ونسبه الى ما لا يليق به ..

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
06-02-2011, 09:47 PM
لو منعك ماهو لك فقد حرمك ..

فالهدى من الله يضعه فى قلوب عباده .. ويختار له من يصلح ..
والقلوب ليست سواسية ..
فشتان بين إبليس ((لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ )) وآدم ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ))
وبين موسى ((رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي )) وفرعون ((أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ))
فإن قال قائل فلماذا هذا وليس ذاك ... جاء البيان ..
((أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا .. ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ..))
يقول إبن القيم ..(( من ذا الذى شفع لك فى الأزل حيث لم تكن شيئا مذكورا حتى سماك باسم الإسلام ووسمك بسمة المؤمنين وجعلك من أهل قبضة اليمين وأقطعك فى ذلك الغيب عمالات المؤمنين فعصمك من العبادة للعبيد وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل ونديد ثم وجه وجهة قلبك إليه سبحانه دون ما سواه فاضرع إلى الذى عصمك من السجود للصنم وقضى لك بقَدَمِ الصدق فى القِدِم أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها وكانت أوليتها منه بلاسبب منك , ولا تقنع بالخسيس والدون وعليك بالمطالب العليا والمراتب السامية التى لا تنال إلا بطاعة الله تعالى فإن الله سبحانه وتعالى قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد .. )) أ هــ
هذا فى حق المؤمنين .. وفى حق الكافرين مثله ..
ثم إن العليم الحكيم قال فى كتابه الكريم ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))
وهو .. هو .. من قال : ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ))
فقد علم من نفسك أنها تصلح للتكليف
ولولا ذاك ما كلفك .. ((اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ))
ولولا ذاك ما أمرك ((وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ))
ولولا ذلك ما باعك وأشترى منك ماهو له ...
يتاجر معك لتربح .. تجارة ((إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ )) !!
أليس قد أبان لك الطريق ((بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ))
وأراك صراط الهداية .. وسُبل الغواية ...(( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ))
فهل عقد لسانك عن نطق الشهادتين ثم قال لك إشهد ..؟
وهل جمد أطرافك ثم قال لك إسجد .. ؟
وهل حرمك المال ثم أمرك بالزكاة .. ؟
وهل حرمك العقل .. ثم قضى عليك بالتكليف ...؟!!
فأى باب تحتج به .. وأى عذر تبحث عنه .. وأى ظلم تدعيه ..
وقد قيل لك ((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ
كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ))
فلا حجة لك ولا برهان لديك ... وباطل ما تدعيه ..
فإن أصررت فأين المفر من ((فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ))
وهل ستخرج من أرضه وسماءه .. وحكمه وميعاده ..
((إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ))
فأختر لنفسك قبل يوم معادها .. ما يتقى ناراً يطول سعيرها

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
06-07-2011, 03:18 AM
الدنيا تفهم فى سياق الآخرة ..
فإن من شاهد الدنيا وظن أنها غاية الإنسان ... ومنتهى آماله وكامل حياته لم يجد لها معنى يذكر ..
ولم ير للفضيلة فيها قيمة .. ولا للرذيلة فيها إنتقاص ..ورأى فى قسمة البارى ظلماً .. وفى أحكامه نقصاً ..
لكن الميزان يستقيم بالآخرة .. حيث الثواب و العقاب .. والحساب والجزاء وقسماً إنها لواقعة
(( فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ))
وفى الآخرة يكون الجزاء ((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ))
حيث يعرض الناس برهم فاجرهم .. محسنهم ومسيئهم ..
مؤمنهم وكافرهم .. طائعهم وعاصيهم ...
يعرضون للحساب ...(( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ))
يعرض كل شئ فى الإنسان
قلبه .. .. بدنه .. عمله .. طويته وسريرته .. جهره وعلانيته .
يؤتى بأنعم أهل الأرض ..... فينسيه غمسة فى النار نعيمها
ويؤتى بأشقى اهل الأرض ... فتنسيه غمسة فى النار شقائها
فهل يبقى للألم والأحزان مكان ..؟ إن كان من أمر الجنة ما كان ..؟؟! ومن نعيمها ما يعجز عن وصفه البيان ..؟
وهل يبقى من التكبر والطغيان بعد الغمس فى النيران .. ما يفرح به ظالم ما كان ..؟
وإنما يعين على الصبر على هذه الأقدار .. مانجده فى القرأن والسنة .. وما يقضى به العقل ..
فأما النقل ففى ((القرأن)) و ((السنة))
أما القرأن : فمنقسم إلى قسمين .
أحدهما بيان سبب إعطاء الكافر العاصى ..
فمن ذلك قوله تعالى (( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا ))
(( وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ))
وقوله تعالى ::((وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ))
وفى القرأن من هذا كثير ....
والثانى إبتلاء المؤمن بما يلقى كقوله تعالى ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ))
(( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ))
(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ))
وفى القرأن من هذا كثير ..

وأما السنة : فمنقسمة إلى ((قول)) و ((حال))
أما الحال .. فإنه ( ص )كان يتقلب على رمال حصير تؤثر فى جنبه .. فبكى عمر رضى الله عنه وقال .. كسرى قيصر فى الحرير الديباج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفى شك أنت ياعمر .. أترضى أن تكون لنا الآخرة و لهم الدنيا .؟
وأما القول.. فكقوله ( ص ) (( لو أن الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ))

وأما العقل
** فإنه يقوى عساكر الصبر بجنود منها أن يقول : قد ثبت عندى الأدلة القاطعة على حِكمةِ المقدِر.. فلا أترك الأصل الثابت .. لما يظنه الجاهل خللاً
** ومنها أن يقول : ما قد إستهولته أيها الناظر من بسط يدى العاصى هى قبض فى المعنى .. وما قد أثر عندك من قبض يد الطائع هى بسط فى المعنى .. فذاك بسط يوجب عقاباً طويلاً وذاك قبض يرث إنبساطاً فى الأجر جزيلاً ..
** ومنها أن يقول .. إن المؤمن بالله كالأجير وأن زمان التكليف كبياض نهار ولا ينبغى للمستعمل فى الطين أن يلبس نظيف الثياب بل ينبغى أن يصابر ساعات العمل .. فإذا فرغ تنظف ولبس أجود ثيابه .. فمن ترفه وقت العمل .. ندم وقت تفريق الأجرة .. وعوقب على التوانى فيما كلف .. فهذه النبذة تقوى أزر الصبر ..
** وأزيدك بسطاً فأقول . أترى إذا أُريد إتخاذ شهداء فكيف لا يخلق خلقاً يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين أفيجوز أن يفتك بعمر إلا مثل أبى لؤلؤة .. وبعلى إلا مثل إبن ملجم .. وبيحي بن زكريا إلا جبار كافر ..
** ولو أن عين الفهم زالت عنها غشاء العشا لرأت المسبب لا الأسباب والمقدر لا الأقدار .. فصبرت على بلائه .. إيثاراً لما يريد .. ومن ههنا ينشأ الرضى ..
وقد قيل :
إن كان رضاكم فى سهرى .... فسلام الله على وسنى

يتبع إن شاء الله ...

حسن المرسى
06-15-2011, 02:52 AM
موسى والخضر .. مثال وبيان ..

وقد ضرب الله لنا فى القرأن هذا المثل .. بياناً وإيضاحاً لما خفى علمه ..
وكيف أن الفعل المستقبح... قد يكون وراءه من المنافع والحكم ...ما الله به عليم .
فهذا موسى الكليم ( ص ) أحد أولى العزم من الرسل .. وهو من أُنزل عليه التوراه يعترض على أفعال الخضر ..
حين خرق السفينة و قتل الغلام وأقام جداراً فى قرية قوم بخلاء ..
فأنكر موسى عليه بظاهر المشاهدة ..
فلما تبين له تأويل الحكمة .. أذعن وأقر .. ولله المثل الأعلى ..
فإنه لما فعل الخضر عليه السلام أشياء تخرج عن العادات أنكر موسى عليه السلام ..
ونسى إعلامه له بأنه ينظر فيما لا يعلمه من العواقب ..
فإذا خفيت مصلحة العواقب على موسى عليه السلام .. مع مخلوق ..
فأولى أن يخفى علينا كثير من حكمة الحكيم ..
وهذا أصل .. إن لم يثبت عند الإنسان أخرجه الى الإعتراض والكفر ..
وإن ثبت إستراح عند نزول كل آفة ..
فهذا عطب سفينة ينقذ المساكين من ظلم الملك الغاشم .... عدل ورحمة
وفى قصة مقتل الغلام مثال واضح لمن أراد التدبر فى حكمة المولى الرحيم ..
فهذا عمل يؤدى لقتل غلام ربما يكون صغيراً
بلا ذنب ظاهر ولا حكمة بائنة ..
ثم تأتى الحكمة التى لا نعلمها فى فعل وصفه نبى من أنبياء الله بأنه ((شَيْئًا نُكْرًا ))
فإن أكثر الناس تضرراً من هذا الفعل هم الأبوان ..(( الأب والأم ))
لكن تعليل هذا الفعل الذى يستقبحه كل عاقل
يبين أن خفاء الحكمة على الناس لا يعنى إنتفائها
فإنهما أكثر الناس إستفادة من وقوع هذا الشر (( فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) ..
وهذا إقامة الجدار لأيتام فى قرية قوم بخلاء حفظاً لهما ورعاية لصلاح الأبوين .... حكمة ورحمة بالأب الصالح وبالغلامين اليتيمين ...
وفى النهاية .. يُثبت الله هذه الحقيقة ....
((رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )) و (( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ))
ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً ..
هذا هو دأب البشر .. محاولة معرفة الحكمة فى عجالة .. دون تأن ..و لا صبر ..
فكم من موقف يمر بالإنسان يحزنه ثم يعلم فى النهاية أن الخير كله فيه ..
فى الأثر المتفق عليه (( فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ,
قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِن الْبَحْرِ ))
فأوكل الأمر معترفاً بقصور حكمته .. إلى من وسع كل شئ علماً ..
فسبحان الملك القدوس ..

يتبع إن شاء الله ..

حسن المرسى
06-17-2011, 12:03 AM
نماذجٌ من الضُّلاّلِ فى بـابِ الحكمةِ ..

التقبيح والتحسين .. طرفين ووسط ..
أهل السنة بين الأشاعرة والمعتزلة

فالأشاعرة ..
قالوا أنه لا يَحسُن الحسن .. ولا يقبح القبيح عقلاً ..
وإنما الشرع هو ما يقرر الحسن والقبيح ..
وجوزوا الأمر بالمنكر وقتل الأطفال وتعذيب المجنون والصغير إذا جاء الشرع بذلك ..
سالبين الأفعال ما أودعه الله فيها من حسن وقبح يُعلم عقلاً وفطرةً ..
وزعموا أن الحُسن والقُبح لا يعود لنفسِ الفعل ..
وإنما يعود إلى عادة مجردة أو وهم أو خيال أو مجرد الأمر والنهى ..
وزعموا أن الحكمة هى مطابقة المعلوم للعلم ..
ووقوع المقدور على وفق القدرة ..
نافين الحكم والغايات .عن الأمر والنهى وأفعال الله تعالى ..
مفسرين لها بالعلم والقدرة .. وزعموا أن المشيئة هى المحبة ..
فما شاءه الله هو ما أحبه وما لم يشئه هو ما أبغضه ..
وما يلزم ذلك من لوازم عدم التفريق بين المشيئة الشرعية والكونية ..
وإنما كان ذلك منهم لأنهم قاسوا صفات الله وأفعاله على صفات المخلوقين ..
فلما رأوا قتل الأطفال وإيلام الحيوان وغرق وإحتراق البعض ..
وقاسوا قبح ذلك من العباد على أفعال الخالق ..
نفوا كون هذه الأفعال قبيحة لذاتها ..
فأُتوا من باب تشبيه وقياس أفعال الله على أفعال البشر ..
وكان مخرجهم كالنعامة التى تدفن رأسها فى الرمال لتتقى الخطر .. وما زاولته بعد ..
والمعتزلة ..
أثبتوا قبح وحسن الأفعال عقلاً وفطرة ..
وأنها مستلزمة لوجود الحكمة فيها وإنتفائها ..
لكنهم أعادوا تلك الحكمة إلى المخلوق ولم يعيدوها إلى الخالق عز وجل على فاسد أصولهم فى نفى قيام الصفات به ..
فقاسوا حكمة الله على حكمة العباد .. ولزمهم من ذلك إنتفاء الحكمة فيما يستهجنه عقل البشر من قضاء الله تعالى فى الكون ..
ثم إنهم أوجبوا على الله تعالى فعل الأصلح للعباد وحرموا عليه فعل ما يضرهم ...فلزمهم من ذلك اللوازم الشنيعة ..
لعل أشهرها مثال الأشقاء الثلاثة ** ..
وذهبوا أن التكليف إنما مرده الى العقل الحاكم بقبح وحسن الأفعال لذاتها .
دون حاجة الى شرع يقرر .. .رغم تفاوت العقول وتباينها ..
فلزمهم مذهب البراهمة الهنود فى نفى الحاجة إلى البعثة والنبوات ...

*** ووجه دخول هذا الكلام فى موضوع الحكمة ..
هو إختلافهم حول أفعال الله عز وجل .. بعد إختلافهم فى أفعال العباد ..
فبحثوا كون الكذب وقتل الأطفال .. وإنقاذ الغريق والمحترق .. هل تقبح هذه الأفعال أم تحسن ... ؟
فمن قائل لا تقبح ولا تحسن عقلاً (( وهم الأشاعرة )) بل قالوا إنما ثبوت حسنها وقبحها بالشرع
وإحتجوا بأن الله سبحانه وتعالى قضى قتل الأطفال وغرق البعض وإحتراق الآخرين ..
ولا يمكننا نسبة القبيح إلى الله ( فنفوا التحسين والتقبيح العقلى )
وعلى الجانب الآخر قال (( المعتزلة )) بقبح وحسن الأفعال عقلاً ..
لكنهم نفوا الحكمة عن أفعال الخالق وحكموا على أفعاله بعقولهم وحكمتهم هم ..
فلزمتهم من اللوازم الشنيعة ما يسقط مذهبهم ..
حيث أوجبوا على الخالق فعل الأصلح لعباده وحرموا عليه فعل خلاف ذلك ..
أما أهل السنة ..
فقالوا أن الحُسنُ والقُبحُ صفات ثبوتية للأفعال معلومة بالعقلِ والشرعِ ..
وأن الشرعَ جاء بتقريرِ ما هو مستقرُ فى الفطرِ من تحسين الحسنِ وتقبيح القبيحِ والنهى عنه ..
وأن الشرعَ لم يأتِ بما يخالف العقل والفطرة ..
وإنما جاء بما تعجز العقول عن أحواله والإستقلال به ..
فالشرائع قد تأتى بمحارات العقول لا محالاتها ..
وفرق بين ما لا تدرك العقول ما حسنه وبين ما تشهد بقبحه ..
وأثبتوا الحكمة لله عز وجل وأنه لا يفعل شيئاً خالياً عن حكمة ...
بل كل أفعاله مقصودة لعواقبها الحميدة ..
وغاياتها المحبوبة له سبحانه وتعالى ..
وخالفوا المعتزلة فى أن حكمة الله عز وجل حكمة تليق به لا يشبه خلقه فيها ..
بل نسبتها إليه كنسبة صفاته إلى ذاته ..
فكما أنه لا يشبه خلقه فى صفاته .. فكذلك فى أفعاله ..
ولا يصح الإستدلال بقبح القبيح وحسن الحسن منهم .. على ثبوت ذلك فى حقه تعالى ..
والله أعلم ..
أكثره من كلام إبن القيم ..

يتبع إن شاء الله ..
_________________________________

** سأل أبو الحسن الأشعري أبا علي الجبائي (( من كبار المعتزلة )) عن ثلاثة إخوة لأب وأم مات أحدهم صغيرا وبلغا الآخر فاختار لإسلام وبلغ الآخر فاختار الكفر فاجتمعوا عند رب العالمين فرفع درجة البالغ المسلم فقال أخوه الصغير: يا رب! ارفع درجتي حتى أبلغ منزلة أخي. فقال: إنَّك لا تستحق، إنَّ أخاك بلغ فعمل أعمالا استحق بها تلك الدرجة. فقال: يا رب! فهلا أحييتني حتى أبلغ فأعمل عمله!؟. فقال: كانت تلك لمصلحة تقتضي اخترامك قبل البلوغ، لأنِّي علمت أنَّك لو بلغت لاخترت الكفر فكانت المصلحة في قبضك صغيرًا؟ قال: فصاح الثالث بين أطباق النار، وقال: يا رب! لِمَ لم تمتني صغيرًا ؟!
- فما جواب هذا أيها الشيخ؟!
- فلم يرد إليه جوابًا.

حسن المرسى
08-09-2011, 07:31 PM
يرفع حتى يتبع ..

تعجبني
08-18-2011, 10:13 AM
بارك الله فيكم ونفع بكم

حسن المرسى
10-08-2011, 12:54 AM
يرفع حتى يستكمل إن شاء الله ...

عبدالرحمن الحنبلي
10-10-2011, 02:35 AM
للرفع

عبدالرحمن الحنبلي
10-11-2011, 12:01 AM
أعتقد والله أعلم :
أن هذا الموضوع يستحق التثبيت ........
ففيه شرحٌ لصدر المُعرض .. وتنبيه لعقل الغافل .. وتذكير لفكر الجاهل ..
وتأليف لقلب الذي تاهت به شبهاته في متاهات الإلحاد واللا أدرية

أضم صوتي الى صوتك استاذي الكريم

عبدالرحمن الحنبلي
10-11-2011, 12:03 AM
يرفع حتى يستكمل إن شاء الله ...

بانتظار ابداعاتك استاذي الكريم ....جزاك الله خيرا ...ولكن عندي سؤال حول هذه النقطه في المشاركه رقم 14


وإنما جواب ذلك من عدة وجوه ..
أحدها : أن التكليف يستحسن عقلاً فى حق العباد .. وهو ما أسلفناه ..
ثانيهما : أن التكليف بالعبادة هو مقتضى الفطرة التى أتى الشرع لتأكيدها

يبدو ان الرد ناقص فأنت لم تذكر الاراده الشرعيه وهي ان الله يحب ان يعبد لذلك خلق العباد ...ولكي يظهر اثار صفاته ...فالله من صفاته المعبود ولابد ان يكون له عباد لكي يظهر اثر هذه الصفه .....انت تقول ان الله هو المعبود حتى لو لم يكن هناك عباد ارجو التوضيح ,,,وكذلك شرح الاقتباس ....يبدو ردك للوهله الاولى غير مقنع بالنسبه لموضوع لماذايكلفنا الله وهو غني عنا ؟؟؟ ارجو التوضيح وجزاكم الله خيرا

حسن المرسى
11-04-2011, 05:15 PM
يبدو ان الرد ناقص فأنت لم تذكر الاراده الشرعيه وهي ان الله يحب ان يعبد لذلك خلق العباد ...ولكي يظهر اثار صفاته ...فالله من صفاته المعبود ولابد ان يكون له عباد لكي يظهر اثر هذه الصفه .....انت تقول ان الله هو المعبود حتى لو لم يكن هناك عباد ارجو التوضيح ,,,وكذلك شرح الاقتباس ....يبدو ردك للوهله الاولى غير مقنع بالنسبه لموضوع لماذايكلفنا الله وهو غني عنا ؟؟؟ ارجو التوضيح وجزاكم الله خيرا

توضيح الأمر أن حُسن التكليف من الله تعالى للعباد ثابت بوجوه عدة أهمها ..


داعى العقل :
** وبيانه كما يقول إبن القيم ..
يقول أبن القيم رحمه الله – في كتابه مفتاح دار السعادة :

(فلا ريب أن إلزام الناس شريعة يأتمرون بأوامرها التي فيها صلاحهم وينتهون عن مناهيها التي فيها فسادهم أحسن عند كل عاقل من تركهم هملا كالأنعام لايعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا وينزو بعضهم على بعض نزو الكلاب والحمر ويعدوا بعضهم على بعض عدو السباع والكلاب والذئاب ويأكل قويهم ضعيفهم ولا يعرفون الله ولا يعبدونه ولا يشكرونه ولا يمجدونه ولا يدينون بدين بل هم من جنس الأنعام السائمة ومن كابر عقله في هذا سقط الكلام معه ونادى على نفسه بغاية الوقاحة ومفارقة الإنسانية وما نظير مطالبتكم هذه إلا مطالبة من يقول نحن نطالبكم بإظهار وجه المنفعة في خلق الماء والهواء والرياح والتراب وخلق الأقوات والفواكه والأنعام بل في خلق الأسماع والأبصار والألسن والقوى والأعضاء التي في العبد فان هذه أسباب ووسائل ووسائط * أما أمره وشرعه ودينه فكماله غاية وسعادة - في المعاش والمعاد - , ولا ريب عند العقلاء أن وجه الحسن فيه أعظم من وجه الحسن في الأمور الحسية - وأن كان الحس هو الغالب على الناس - وإنما غاية أكثرهم إدراك الحسن والمنفعة في الحسيات وتقديمها وإيثارها على مدارك العقول والبصائر قال تعالى (ولكن أكثر الناس لايعلمون*يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)- الروم -7,6
** وما أسلفناه .. من كون ترك الإنسان بلا تكليف هو من المستقبح عقلاً ..
حيث قلت ..

ولو قدر أن الأمر كما يقولون : (( وهو أن يترك العبد لزمام الإختيار يفعل ما يشاء
جرياً على رسوم طبعه المائل إلى لذيذ الشهوات ثم يجزل له العطاء من غير حساب ))
وظنهم أن هذا مستحسن للعقل وأفضل للإنسان ..فإن كلامهم هذا من أبطل الباطل ..
يبطل عقلاً ونقلاً
أما العقل فهو أقبح شئ وأعظمُ نقص فى الآدمى ..
ولو ترك لرسوم طبعه لكانت البهائم أكمل منه ..
ولم يكن مكرماً مفضلاً على كثير من خلقِ الله ..
ولصار شراً فى الطباع من الذئاب والخنازير والحيات ..
وأما الشرع فالله أنكر هذا الأمر فقال .. (( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى )) ..
وأخبر أن الحكمة تقتضى الحساب فقال (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ))
ثم أخبرقائلاً ((فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ))
لأن مقتضى حكمته وربوبيته وإلهيته عدم العبث ..
والخلق والإثابة بدون حساب ..
ومثيله قوله تعالى ((وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))
والحق هنا هو إلهيته وحكمته وأمره ونهيه ووثوابه وعقابه ..



وداعى الفطرة ..

وقد نقلت فيه ما يلى

أن التكليف بالعبادة هو مقتضى الفطرة التى أتى الشرع لتأكيدها .
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ ))
فجعل مقتضى الفطرة التقوى والإنابة والإقبال عليه بمحبته وحده والإعراض عما سواه ..



وداعى الشرع ..

وهو ما تعقبته أخى الكريم ولم أذكره إبتداءً لكون السؤال عقليا عن التكليف ..
لكن بلا شك فإن أى أمر يريده الله تعالى فإرادته الشرعية له كافية فى بيان حسنه وتمامه وكماله ..
وأى حُسن فوق حُسن ما أمر الله به وشرعه ..
وأى شر أكبر مما نهى الله عنه ومنعه ..
فمن الواضح حسن التكليف بناءً على أمر الله تعالى به ..

......
وأصل القضية الخلاف بين أهل البدع وأهل السنة ..
فإنهم إختلفوا فى علة التكليف وحكمته مع إقرار الجميع بغنى الله عن العباد ..
فقالت الجبرية ..ذلك صادر عن محض المشيئة ولا علة له إلا الإرادة ...
وقالت القدرية .. أن التكليف إستئجار من الله لعبيده لينالوا أجرهم بالعمل فيكون ألذ من إقتضائهم الثواب بلا عمل ..
وأهل السنة ..شهدوا بحكمة الله التى تفوق أفهام البشر ..وأن التكليف مقتضى العقل والفطرة والشرع ..وهو ما أسلفناه
والله أعلم ...



هناك قضية أخرى
فى سؤال لماذا يكلفهم وهو الغنى عنهم ...
وهى قضية أن ثبوت الغنى التام لله عز وجل ثابت خارج مناقشة قضية لماذا يكلفهم عقلا ونقلا ...
فكونه الغنى قد أقرته العقول والنقول ..
فالعقول أقرت بأن معطى الكمال أحق بالكمال ..وأن كل كمال ثبت للمخلوق غير مستلزم النقص فخالقه ومعطيه أولى به ..
والنقول إستفاضت بأن الله عز وجل لا يبلغ العباد ضره فيضروه ولا نفعه فينفعوه ..
وأنهم لو كانوا على أتقى قلب رجل أو أفجر قلب رجل فيهم ما زاد ذلك ولا نقص من ملكه عز وجل شيئاً ..



قضية ثالثة
وهى كون الله هو المستحق للعبادة حتى قبل وجود الخلق ..
وقد اسلفتها فى هذا المكان ...

وكونه سبحانه وتعالى أهلاً لأن يعبد ويثنى عليه أمر ثابت له لذاته ..
فكما أنه الغنى الحى القيوم السميع البصير فهو الإله الحق المبين ..
والإله هو الذى يستحق أن يؤله محبةً وتعظيماً وخشيةً وخضوعاً وتذللاً وعبادة ..
فهو الإله الحق ولو لم يخلق خلقه .. وهو الإله الحق ولو لم يعبدوه ويحمدوه ...
فهو الله الذى لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم .. وبعد أن يفنيهم ..
لم يستحدث بخلقه لهم ولا بأمره إياهم إستحقاق الإلهية والحمد ..
بل هى صفاته الذاتية يستحيل مفارقتها له ...
كحياته وجوده وقدرته وعلمه وسائر صفات كماله ..

عبدالرحمن الحنبلي
11-04-2011, 09:01 PM
جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل .....على التوضيح

حسن المرسى
04-23-2012, 05:21 PM
يرفع

محب القران
04-25-2012, 03:29 AM
كلمات نقيه وعبقريه بل انها درر ايمانيه نورنيه.

الكاسر
05-09-2012, 09:43 PM
اسأل الله لك الفردوس الاعلى ...

muslim.pure
07-24-2012, 04:53 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لدي إضافة
الله خلق النفس و خلق فيها نزعات الخير و الشر و جعل الإنسان حرا فإن جاهد نفسه و اتبع الخير فله الجنة و ان اساء و اتبع الشهوات فله النار و ذلك عين العدل فجنة الله غالية و من ارادها فل يدفع مهرها و كل على اعماله يجازى فان خيرا فقد فاز و ان شرا فقد خسر و هل يعقل ان يتساوى المحسن و المسيئ في الجزاء فذلك هو عين الظلم
جزاك الله خيرا موضوع قيم و مفيد

حسن المرسى
12-18-2012, 01:00 AM
يرفع ..

نسام القرآن
02-28-2013, 12:32 AM
رحمته ليست رقة .
قد تكون الرِقة خلافُ الرحمة ..
وما أقبح فعل الدبة حين حطمت رأس صاحبها لتخلصه من الذباب .. ظناً أن فى هذا مصلحته ..
فرحمة الله عز وجل ليست كرقة البشر .. وبين الرحمة و الرقة فرق شاسع ..
فحينما نرى الطبيب يشق صدر المريض ليستخرج الداء و يعالج المرض ..
فإن ما يفعله هو عين الرحمة...
وإن كان شق الصدر مستقبحاً ... وقد يوصف بمنتهى الوحشية فى الأحوال الأخرى ..
وهناك فارق بين الرقة التى تأخذك و أنت تشاهد شق صدره ...
وبين الرحمة التى تستحسن ما يفعله الطبيب فى هذه الحالة ..
فوجب الإنتباه :
فإن أرحم الراحمين قضى بالموت على كل حى ..
وبنى الأجساد ثم نقضها .. وقطع يد السارق فى ربع دينار ..
وقضى بالرجم على لذة ساعة..
فلا يغتر بحلمه مغتر ولا يطمع فى إمهاله طامع ..
فإن سننه فى الكون لا تحابى أحداً ..
وقد قضى على نبيه (ص)أكرم الخلق عليه ..
بالإبتلاء فى جسده وعرضه .. وولده وماله ..
وهذه دار الإختبار .. بنيت على الفناء والبوار ..
نعيمها منغص .. وعيشها مكدر .. وهى إلى زوال ...
وقد صح فى الأخبار (( " أنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ،
فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِى خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً "))
وملاحظة أسباب الخوف أدنى للأمن من ملاحظة أسباب الرجاء ..
والله يقول ((وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ )) وهو الرحمن الرحيم ..
فإنه ينبغى ان يحذر ممن أقل فعله تعميم الخلق بالموت حتى إلقاء الحيوان البهيم للذبح ..
وتعذيب الأطفال بالمرض .. وفقر العالم وغِنى الجاهل ..
فوجب الإنتباه أن رحمته ليست رقة ..
حتى يأخذ الإنسان بأسباب الحزم والعزيمة ولا يركن إلى الطمع والتمنى ..
فنسأل الله عز جل أن يهب لنا حزماً يبت المصالح جزماً ..

يتبع إن شاء الله ..


بسم الله
ــ,,
جزاكم الله خيراً على هذه الفقرة تحديداً فهي شبهة سلسلة الدخول لبعض القلوب نسأل الله المعافاة
نرجو متابعة هذا الخير,أثابكم الله.,وماهي المراجع والكتب التي نستقي منها مايُماثل ذلك؟

BStranger
05-18-2013, 01:29 AM
هل من زيادة؟

abdullah khalaf
05-18-2013, 02:55 AM
جزاك الله خيرا .

عبد الله اغونان
11-30-2013, 02:49 AM
مثل الهداية
------
مثل الهداية كمن يرى بعينيه لكنه لايمكن أن يرى بهما في الظلام اذ لابد من مصباحيستمدمنه النور والافهو والأعمى سواء

أمُّ يونُس
12-02-2013, 12:27 PM
[CENTER][B][SIZE="6"]
فلماذا لا نفترض خالقاً صانعاً لا يتحلى بكمال الحكمة .. ولا بكمال الرحمة وإطلاقها .. فيكون الأمر أكثر منطقية ..؟!
كل ما ذكرت أعلاه دكتور لا غبار عليه ، فلم أنكر وجود الله ومن المحال أن أفعل ،
وإنما في التساؤل الأخير هنا يكمن مربط الفرس ، و أعني أمري الذي جئت لأجله .



[color="darkorchid"]فلو قيل للعقل :
قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بنى ..
أفيجوز أن ينقدح فى حكمته أنه نقض ..؟!
لقال :: لأنى عرفت بالبرهان أنه حكيم وأنا أعجز عن إدراك علله فأسلم على رغمى مقراً بعجزى ..
لذلك فالفقيه من علل بما يمكن .. فإن عجز إنطرح للتسليم ..
هذا شأن العبيد .. فأما من يقول ... لم فعل كذا .؟ وما معنى كذا ؟؟!
فإنه يطلب الإطلاع على سر الملك .. وما يجد لذلك سبيلاً لوجهين ..
أحدهما : أنه سبحانه ستر كثيراً من حكمه عن خلقه ..
والثانى : أنه ليس فى قوى البشر إدراك حكم الله تعالى كلها ..
فلا يبقى مع المعترض سوى الإعتراض المخرج إلى الكفر
((فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ))
والمعنى .. من رضى بأفعالى وإلا فليخنق نفسه فما أفعل إلا ما أريد ..

يتبع إن شاء الله ..

هل هناك تأويل آخر لهذه الآية الكريمة ؟

ويقبح من سواك الفعل عندى .... فتفعله فيحسن منـك ذاكـا ..


كنت هكذا إلى وقت قريب .

أمُّ يونُس
12-02-2013, 01:19 PM
قد يتبادر سؤال : إذا كنتم تقولون صفاته وأفعاله لا تقاس على مثيلاتها لدى المخلوقين ..
فكيف تثبتون حكمته إذ أنتم تقولون بما أنه خلق حكمة للبشر فهو متصف بها ..؟
يجيب إبن القيم .. الرب سبحانه وتعالى لا يدخل مع خلقه فى قياس تمثيل ولا قياس شهود يستوى أفراده .. فهذان الفرعان من القياس يستحيل ثبوتهما فى حقه ..وأما قياس الأولى فهو غير مستحيل فى حقه بل هو واجب له ومستعمل فى حقه عقلاً ونقلاً ..
أما العقل .. فمثيل ذلك إستدلالنا أن معطى الكمال أحق بالكمال .. ومن جعل غيره سميعاً بصيراً عالماً حياً قادراً رحيماً محسناً فهو أولى بذلك وأحق منه ويثبت له من هذه الصفات أكملها وأتمها فكل كمال ثبت للمخلوق غير مستلزم للنقص فخالقه ومعطيه إياه أحق بالإتصاف به ..
وكل نقص فى المخلوق فالخالق أحق بالتنزه عنه كالكذب والظلم والسفه والعيب .. بل يجب تنزيه الخالق عن كل النقائص والعيوب وإن لم يتنزه عنها بعض المخلوقين ..
وأما النقـل فهو مستفاد من قوله تعالى ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))
((وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
((ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ))
((تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ))
ومقصود الآيات .. أنه إذا كان العجز والعيب والنقائص مستنكرة فى حقكم .. فكيف تنسبونها لله ..
وفى الحديث أمثال ذلك .. ومنه قول النبى ( ص ) ((وأن الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً .. وإن مثل من أشرك كمثل رجل إشترى عبداً من خالص ماله وقال له : إعمل وأد الى .. فكان يعمل ويؤدى الى غيره .. فأيكم يحب أن يكون عبده كذلك .؟! ))
فالله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التى يشترك هو وخلقه فيها .. لاشمولاً ولا تمثيلاً .. وإنما يستعمل فى حقه قياس الأولى كما أسلفنا ..
[/b]

..
أبكتني .

أسأل الكريم أن يحمل إليكم بشرى تسجدكم للرحمن بكاة فرحاً وشكراً .

والحق هنا هو إلهيته وحكمته وأمره ونهيه ووثوابه وعقابه ..
فمصدر ذلك كله الحق .. وبالحق وجد وبالحق قام .. وغايته الحق وبه قيامه ..
ولو خالف هذا الوجه من الأمر والنهى والثواب والعقاب لكان عبثاً وباطلاً
((رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))

يبقى سؤال أخير هل أنا عندما لم أطمأن وكتبت كلامي الذي قلت هنا سعياً في طلب الطمأنينة أرتكب جنحاً عظيما ؟!
أنا فقط أريد أن أعرف ما أجهل فأعلمه حق العلم ، وطلب المعرفة والعلم لغرض الاطمئنان به هي جبلة وفطرة في الإنسان ..
وعندما أستغفر الله كيف أؤمن وأطمأن حقاً أن الله سيغفر لي إن كنت أعلم كذلك أنه دقيق وشديد في الحساب و العقاب .

وهذا ما كنت عليه تماماً

إذ قد ثبت أنه مالك وحكيم ...فإذا خفى علينا وجه الحكمة فى فعله .. نسبنا ذلك العجز الينا .. فهو منا ..


س : مرة أخرى لماذا يكلفهم إذا لم يكن محتاجاً إليهم ..؟؟
أحدها : أن التكليف يستحسن عقلاً فى حق العباد .. وهو ما أسلفناه ..
ثانيهما : أن التكليف بالعبادة هو مقتضى الفطرة التى أتى الشرع لتأكيدها .


رأى فضل النار على الطين ... فأعرض عن السجود ..

بل أخطأ أبليس حتى في عقله إذ أن النار فيزيائياً طاقة ، والطين مادة
والمادة من كتلة ووزن -إن كانت على الأرض- وحيز تشغله في الفراغ ،
وأن الطين من الممكن أن يحمى فتصدر منه الطاقة الحرارية ،ولا أدري ربما إلى درجات حرارة خيالية مثلاً ربما قد يتلاشى كلياً ويتحول إلى طاقة حرارية الله وحده أعلم ،
تماماً كما هي نظرية انشتاين إذا سار الجسم بسرعة خيالية سرعة الضوء فإن كتلته تتلاشى.

معتز
12-02-2013, 01:37 PM
ماشالله تبارك الله يا اختي حائرة

الحمدلله ان الشبهة بدات تتلاشى

والشكر لله ثم لصاحب الموضوع

طبعا لا تسكتي على شبهة تؤرقك ليس عليكي سوى سؤال الاخوة :)

الحمدلله

أمُّ يونُس
12-02-2013, 02:09 PM
أرهقني البحث في هذا حقيقة ، فختام مرادي :
كيف أنجح في هذا ؟!

** وهذا أصعب التكاليف (( أى التسليم ))
فإن من ظن أن التكليف أن يصب المرء على أطرافه ذنوباً من ماء ثم يقوم ويصلى ركعتين .. فقد أخطأ إن قصره على هذا ..
بل إن أصعب التكاليف وأعجبها أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل ..
ثم نراه يفقرالمتشاغل بطلب العلم .. المقبل على العبادة .. حتى يعضه الفقر بناجذيه ...
فيذل للجاهل فى طلب القوت .. ويُغنى الفاسق مع الجهل .. حتى تفيض الدنيا عليه ..
وتراه ينشئ الأجسام ثم ينقض بناء الشباب فى مبدأ أمره .. وتراه يؤلم الأطفال .. حتى يرحمهم كل طبع ...
ثم يقال له إياك أن تشك أن الله هو أرحم الراحمين ..
ثم يسمع بإرسال موسى الى فرعون ... ويقال له إعتقد أن الله أضل فرعون ..
وفى مثل هذه الأشياء تحير خلق حتى خرجوا الى الكفر والتكذيب ..
ولو فتشوا عن سر هذه الأشياء لعلموا أن تسليم هذه الأمور تكليف العقل ليذعن ..
وهذا أصل إذا فهم حصل منه السلامة والتسليم ..
فالواجب إذا خفيت على الإنسان حكمة فعل الخالق أن ينسب الجهل إلى نفسه والتسليم للحكيم المالك ..
فإن طالبه العقل بحكمة الفعل قال : ما بانت لى .. فيجب على تسليم الأمر لمالكه ..
فيامعترضين وهم فى غاية النقص على من لا عيب فى فعله ..
أنتم فى البداية من ماء وطين وفى الثانى من ماء مهين .. ثم تحملون الأنجاس على الدوام ..
ولو حبس عنكم الهواء لصرتم جيفاً ..
وكم من رأى يراه حازمكم فإذا عرضه على غيره تبين له قبيح رأيه ..
ثم المعاصى منكم زائدة على الحد .. فما فيكم إلا الإعتراض على المالك الحكيم ..
ولو لم يكن فى هذه البلايا إلا أن يراد منا التسليم لكفى ..
ولو أنه أنشأ الخلق ليدلوا على وجوده ثم أهلكهم ولم يُعدهم كان ذلك له ..
لأنه مالك حكيم .... لكنه بفضله وعد بالإعادة والجزاء... والبقاء الدائم فى النعيم ..
فمتى ما جرى أمر لا تعرف علته فأنسب الى قصور علمك ..
وقد نرى مقتولاً مظلوما ً .وكم قد قتل وظلم حتى قوبل ببعضه ..
وقل أن يجرى لأحد آفة إلا ويستحقها .. غير أن تلك الآفة المجازى بها غائبة عنا .. ورأينا الجزاء وحده ..
فسلم تسلم .. وأحذر كلمة إعتراض أو إضمار .. فربما أخرجتك من دائرة الإسلام ..
..فنسأل الله عقلاً مسلماً يقف على حده .. ولا يعترض على خالقه وموجده ..
ثم الويل للمعترض ..أيرد إعتراضه الأقدار ..؟
فما يستفيد إلا الخزى ... نعوذ بالله ممن خذل ..
(( مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ
ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ))

حتى يفوز بالأمان ويتبع ما عليه العقل والبيان ..

أمُّ يونُس
12-02-2013, 03:31 PM
أعتذر حقاً عن كثرة المشاركات التي وضعت ،وإنما هذه آخر واحدة - إن شاء الله - :
أين يمكن أن أجد تفسيراً مسهباً لهذه الآيات لا تتخلله إسرائيليات وأحاديث ضعيفة أو موضوعة كما في الكتب القديمة

(( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
(( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ وَهُوَ كَلٌّ
عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))
.(( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ))

لو منعك ماهو لك فقد حرمك ..

هذا الفصل يستحق التأمل والوقوف ملياً .


وأما العقل
** فإنه يقوى عساكر الصبر بجنود منها أن يقول : قد ثبت عندى الأدلة القاطعة على حِكمةِ المقدِر.. فلا أترك الأصل الثابت .. لما يظنه الجاهل خللاً
** ومنها أن يقول : ما قد إستهولته أيها الناظر من بسط يدى العاصى هى قبض فى المعنى .. وما قد أثر عندك من قبض يد الطائع هى بسط فى المعنى .. فذاك بسط يوجب عقاباً طويلاً وذاك قبض يرث إنبساطاً فى الأجر جزيلاً ..
** ومنها أن يقول .. إن المؤمن بالله كالأجير وأن زمان التكليف كبياض نهار ولا ينبغى للمستعمل فى الطين أن يلبس نظيف الثياب بل ينبغى أن يصابر ساعات العمل .. فإذا فرغ تنظف ولبس أجود ثيابه .. فمن ترفه وقت العمل .. ندم وقت تفريق الأجرة .. وعوقب على التوانى فيما كلف .. فهذه النبذة تقوى أزر الصبر ..
** وأزيدك بسطاً فأقول . أترى إذا أُريد إتخاذ شهداء فكيف لا يخلق خلقاً يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين أفيجوز أن يفتك بعمر إلا مثل أبى لؤلؤة .. وبعلى إلا مثل إبن ملجم .. وبيحي بن زكريا إلا جبار كافر ..
** ولو أن عين الفهم زالت عنها غشاء العشا لرأت المسبب لا الأسباب والمقدر لا الأقدار .. فصبرت على بلائه .. إيثاراً لما يريد .. ومن ههنا ينشأ الرضى ..


الدنيا تفهم في سياق الآخرة

نعم ، أجد أجمل حقيقة في الدنيا هي أنها " زائلة ".

جزاكم الله خيراً جميعاً ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أمُّ يونُس
02-28-2016, 09:41 PM
" إنما أشكو بثي و حزني إلى الله ، و أعلم من الله مالا تعلمون ".

أبو محمدٍ الأثريُّ
05-21-2016, 10:38 AM
جزاكم الله خيراً