المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملاحظات على مقال لؤي صافي عن الوحي و العقل



عياض
05-29-2011, 06:10 AM
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده...
فقد اطلعني اخي الغريب على مقال (http://science-islam.net/article.php3?id_article=629&lang=ar) للكاتب لؤي صافي يتناول فيه الاشكالية القديمة الجديدة بين العقل و النقل...و رغم ان الكاتب فيما بدا لي من قراءة اولية قد قارب مفصل الموضوع بدقة اربى فيها على كثير من المهتمين بهذا البحث المفصلي..لكن فيما بدا لي فالرجل قد حصر القضية كما حصرها غيره في الوجود المعاش ...مستبطنا نفس ما استبطنه المقدسون للعقل من الاسلاميين و غير الاسلاميين قديما من كفر لا واع بالوجود الماورائي او الغيبي اما جزئيا او كليا ..من جنس " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم "...فلا يرون نفس الكفاية المذكورة في المقال الا للوجود المادي ..و هو مضيق ان حققه المرء الواقع فيه -و كلنا في خطر الوقوع الا من رحم ربك- وجده نفاقا من نفسه اكبر او اصغر...حقيقته انكار اليوم الآخر و انما هي حياتنا الدنيا نموت و نحيا ...و ما ثم حق و لا خير و شر و لا ادلة على التحقيق بل الكل متكافئ و انما هي وقائع مادية تترى و بها نكتفي...و لهذا كانت من اقوى الحجج التي قصمت ظهر غلاة القائلين بالقبح و الحسن العقليين :ان ما كانت الحاجة الى الرسل اذن ان كان هذا الوجود المعاش بآلاته المعرفية كافيا؟؟...و لهذا افضى هذا مع الزمن بالقائلين بمثل هذه المقالات و المقدسين مطلقا للعقل فضلا عن المقدسين مطلقا لمنهج عقلي واحد بعينه من الكفر و النفاق الأصغر الى الأكبر حتى ظهر عليهم القول بأن الديانات ما هي الا تخييل و كذب لمصلحة الجمهور ...و انما قلت اننا كلنا تحت سيف هذا الخطر لا محالة الا من رحم ربك حتى لا يتوهم ان اول قصيدتي تكفير...او اشهارا لسيف التكفير...لكن قد استفاض عن سادة الخلق بعد الأنبياء انهم ما كانوا اخوف من شيء على انفسهم من النفاق...و لهذا لما وصف الله كتابه الجامع للنقل و العقل و العرفان بالهدى الشافي الكافي الذي لا ريب فيه ...و وصف احوال المتعاملين مع هذا الكتاب بين مصدق به و كافر به و منافقين واعيين او غير واعيين...كان اول مناط علق عليه وصف المصدقين هو الايمان بالغيب...فهذا يظهر مصداقه في كل من عارض الكتاب الجامع للعقل و النقل و العرفان و الذوق بعقله او نقله او عرفانه او ذوقه بما فيهم انت نفسك حين تطرأ عليك لحظات التمرد الانسانية...ان فتشت حجج هذه المعارضة وجدت اصلها نفاقا منبته من تكذيب جزئي او كلي بالغيب..و اعتقاد مبطن بكفاية المادي المعاش...فلعلي ان يسر الله كلما تيسر لي الوقت و سمحت ظروف العمل الذي هذا اوان اشتداده .. اكتب تعلقيات على اهم مقاطع المقال مبينا ما استطعت و ما هداني الله كيف ان الكاتب لم يصل الى استيعاب نظرة ابن تيمية فضلا عن استيعاب نظرة السلف الى القضية و التي هي اقوى بلا شك رغم اني مقر انه فعلا بذل جهدا من افضل ما رأيت في تفهم مقالة اهل السلف بين الفرق خاصة و اهل الاسلام بين الملل و النحل عامة...و ارجو المعذرة لمن وقف على وهن او ضعف في الاستدلال و النقل فمرجعه فضلا عن البضاعة المزجاة الى العجلة من امري و الانشغال الشديد مما لو لم يكن طلبا ممن " إشارته حكم وطاعته غنم " -على الطريقة القديمة :):- لما جرؤت عليه لطول المقال و عمقه ما يحتاج معه الى جذيلها المحكك و عذيقها المرجب...فبسم الله..راجيا ان يعفو و يصفح و يفتح و يعين

عياض
05-29-2011, 06:51 AM
فأول ما يسترعي الانتباه قول الكاتب في مقدمة مقاله:

واتخذت القضية أشكالاً مختلفة وانتحلت أسماء متغايرة، فهي قضية السَمْع والعقل، أو النقل والعقل، أو الخبر والعقل. وهي قضية الرأي مقابل البيان، والنظر مقابل العرفان. وانقسم العلماء في تعريفهم للعلاقة بين الوحي والعقل في دائرة الفقه إلى مذاهب كالأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية، وفي دائرة التوجه العقدي إلى فرق كالخوارج والشيعة والسنة، وفي دائرة التصور إلى مدارس كالحشوية والمعتزلة والأشاعرة والفلاسفة
و فيه جملة ملاحظات:
أولها: ان العرفان لا يوضع عند التحقيق مقابل النظر في هذه الاشكالية الشهيرة و كان الكاتب تبعا للشائع عند المتأثرين بالمستشرقين من الحداثيين يضع العرفان في سلة النقل وحده..و انما هو آلة و طريق ثالثة مستقلة سواء عند اهل الحق او عند اهل الباطل و السفسطة نقليين كانوا او عقليين او صوفيين..و كل منها موجود بحسبه في استدلالات هؤلاء...و هي و ان كانت مستقلة الا ان بينها تداخلا و تكاملا..فقد يكون العرفاني ذا اصل نقلي او عقلي و العقلي ذا مادة عرفانية او نقلية و النقلي ذا نهج عرفاني او عقلي...و مثل هذه الفصول الصورية لم تكن معهودة قبلا حتى دخول المنطق اليوناني بتحكماته الحدودية الصارمة...و هذا حقيقة اعتراف الكاتب ان هذه الاشكالية لم تكن اصلا مطروحة قبل دخول هذا المنطق ما يدل اللبيب على وجه الاجمال من اين دخلت الآفة....و عامة المستشرقين انما يسلك هذا المهيع توطئة لتوهين مقام النقل في لا وعي القارئ لما هو منتشر من ان العرفان و الذوق هو اضعف الأدلة و اقلها انضباطا و اقترانه في المدلول اللفظي بالخرافة و الشعوذة...
و ثانيها : ان وضع المذاهب الفقهية مع المذاهب الكلامية في التعاطي مع الاشكالية تساهل كبير في التحقيق...و ان كان على الاجمال قد يقع بينهم ايضا نوع اختلاف سائغ في تناول هذه الاشكالية او غير سائغ ايضا بحسب تأثرهم بعلم الكلام و ان كان الغالب عليهم السلامة على العكس من اهل الكلام فانهم و ان تأثروا باهل الفقه فيغلب عليهم العطل في هذه الاشكالية و التصريح بما لا يستساغ...لكن المقصود ان المذاهب الفقهية و ان تطرق اليها الوهن في التطبيق لكنها على المستوى النظري متفقة على تقديم النقل على العقل و لا يختلفون فيه و اقوالهم في ذلك متواترة...بخلاف اهل الكلام الذين اختلفوا بأخرة في التنظير كما في التطبيق...و ان كان اوائلهم كما قلنا كانوا الزم بغرز الفقهاء و كانوا اتبع لاجماعهم المذكور...
و ثالثها: عدم ذكره لأهل السنة و السلف من الصحابة و التابعين و تابعيهم حين كان الناس مجمعين و لم يختلفوا في اصول دينهم كما اختلف الذين خلفوا من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات...اين موقع هذه الأجيال من الاف العلماء و النظار من تصنيفه وقد قال فيهم نبيهم صلى الله عليه و سلم بما اشتهر من انهم خير القرون؟؟ اخرجها لنا و صنفها ايضا لنعلم موقعهم من الناس لا موقعهم من الحق ان كنت لا تعتقد احقيتهم بالحق ؟؟و هي سياسة دأب عليها المستشرقون و من تبعهم اذ لا يذكرونهم بالاجمال لعلمهم بحجية الاجماع عند عقلاء البشر فان تطرقوا للتفصيل ذكروا من عقائد ما يسمونهم الحشوية ما يعرف كل من خالط اقوال السلف في قرون الاجماع انها اقوالهم و انها اقدم الأقوال و اكثر ما يجدها انتشارا هي في الصدر الأول...فان عذرنا المستشرقين على هذا الصنيع لكونهم انما يدافعون عن مصالحهم من جعل الصدر الأول سذجا بدويين مائلين الى التجسيم و الخرافة موافقة لنظرية التطور في ادعاءها اصلية الخرافة في المجتمعات البشرية و ان المسلمين ما عرفوا السمو في العقد و اللسان و الفكر حتى فتحوا ابوابهم لنتاج الروم و الفرس و ما يفعلون هذا الا ليسهل عليهم جعل امتهم و علمها فوق علم الأمم ...و بهذا فصنيعهم مفهوم...لكن كيف يعذر المسلمون باقترافهم لنفس الافك و هدم اسوار مدينة علمهم من داخلها ؟؟ و قد رأى الناس من ذلك عجائب...حتى آل ببعض الشيوخ رحمهم الله و تلامذتهم هدانا الله و اياهم ممن يستميتون في احياء الغثاء الكلامي بعد موته ان صرحوا بعد وقت طويل ان كثيرا من السلف و المحدثين في الصدر الأول كان حشويا مجسما لا عقلانيا...فان علمنا ان في هذه الأصول ما خالف واحد منهم مشهور بالعلم و ان امرهم في امثال هذه المهمات كان واحدا علمنا مدى الثلم التي تحدثه امثال هذه الاستبطانات لتقديس ما لم يأمر الله بتقديسه و لا نص على عصمته...

عياض
05-29-2011, 07:54 PM
ثم قوله التالي الذي أكد فيه كل ما سبق من تتبعه - بلا وعي على ما يبدو -خطوات المستشرقين و الحداثيين في تحليل اسباب الانتكاسة و النهضة في العقل العربي المسلم و تغييبهم للعامل الأهم المستمد من جذور شجرة الاسلام و صدرها الأول و اجماعهم على ما اختلف فيه من بعدهم...و حصر القضية في المتطرفين من الجانبين الكلامي و الحشوي مع ان الله تكفل بحفظ دينه بوجود قائم له بالحجة و طائفة منصورة لا يضرها من خالفها تبين الحق و تعمل به و ان لم يعني ذلك انحصارها في فرقة او تصنيف بعينه...فقال الكاتب

لقد سعينا في بحثنا هذا إلى تتبع جذور الخلاف الذي أدى إلى بروز إشكالية تعارض العقل والنقل، ووجدنا أن الإشكالية قد تولدت نتيجة للصراع الفكري بين الاتجاهين الحشوي والاتجاه الكلامي. لذلك خلصنا إلى أن التعارض بين العقل والنقل في فحواه تعارض بين عقلين، أو بين منظومتين متباينتين من الأحكام، تم تطويرهما انطلاقاً من منهجيتين معرفيتين مختلفتين، واعتماداً على بنيتين معرفيتين متغايرتين. كذلك أكدنا ضرورة تطوير عقلية تكاملية تتكامل فيها المعرفة المستمدة من الرؤية القرآنية والمعرفة الناجمة عن الخبرة الإنسانية، وشددنا على أن العملية التطويرية هذه شرط ضروري لتجاوز إشكالية التعارض، والمضي في معارج الارتقاء العلمي والمعرفي، والتأهب للقيام بالفعل الحضاري الإسلامي المرتقب.
فبغض النظر هنا عن الحصر الاكراهي الذي قام به الكاتب للحق في الطريقين الكلامي و الحشوي...و الذي ارى انه ما منع الكاتب من وضع يده على الجرح و الوصول الى العمق طوال المقال... لعدم معرفته فيما يبدو بمقالات الصحابة و التابعين و تابعيهم و الأصول التي بنى عليها ائمة المذاهب مذاهبهم و نظرية المعرفة المستخلصة من كل هذا و التي لا تجدها مجتمعة عند من ذكرهم...بغض النظر عن ذلك فان الجديد الذي قدمه الكاتب هنا هو اعترافه بشجاعة قلما اقدم عليها السابقون و يشكر عليها فعلا من ان التعارض ليس كما يصوره متأخرو المتكلمين او الروافض و الباطنية او اذنابهم من المستشرقين و العلمانيين و الحداثيين من انه صراع بين جانب عقلاني يأخذ بالعقل و جانب لاعقلاني يرفضه رفضا تاما ...فبين جزاه الله خيرا ان التعارض فعلا بين عقلين و بين منهجيين معرفيين لا يخرجان العقل عنهما...و ان كان هذا ربما سينتج لديه اضطرابا في التحليل فيما بعد.. من فهم موقع العقل في منظومة المعارف عند كليهما و علاقة كل ذلك بالمنهج الصريح الذي بني عليه الاسلام و الذي عده ائمة الفقه و الدين من الصدر الأول احد اصول الدين الأربعة الذي تستمد منه بقية الأصول شرعيتها...من قوله سبحانه و تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول...و لم يجعل الرد لغيرهما و لم يجعل الكفاية و العصمة في غيرهما لا عقل و لا نقل و لا حس و لا ذوق...فالنكتة ليست في الاعتراف بضرورة الخبرة الانسانية لكن الاختلاف في جعلها تبعا او جعلها مستقلة عن الوحي...و هو ما سيحوم حوله الكاتب دون ان يصل الى فك عقدته فيما بدا لي ...

نور الدين الدمشقي
05-30-2011, 06:32 AM
بارك الله فيكم...تسجيل متابعة باهتمام...واسأل الله سبحانه ان يلهمك ويزيدك علما وعملا.

عَرَبِيّة
05-30-2011, 03:15 PM
مقال الكاتب لؤي صافي طويل جداً ودسِم وأتى تحليل أستاذنا عياض عميقاً دقيقاً كثيفاً ماشاء الله .
هذا الشريط من المواضيع التي تحتاج إلى جو هاديء وذهب صافي وكوب حليب بالهيل أو كابتشينو ساخن .
تسجيل مُتابعة ..

بارك الله فيك أستاذي الجليل وزادك علماً وعملاً وجلاءاً في البصر و البصيرة .