المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعلم السنن الكونية في الآفاق والأنفس والاعتبار بها



أرسان غراهوفاتس
06-09-2011, 04:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن كثرا من المسلمين قد أهملوا تعلم السنن الكونية في الآفاق والأنفس والاعتبار بها, سواء تعلمناها من تدبر تجاربنا أو من الكتاب والسنة, خلافا لعادة العلماء القدماء مثل ابن تيمية وابن القيم والآخرين, فيتولد من ذلك أخطاء كثيرة في حياتنا الدنيا (الدينية-الجتماعية...). وقد اطلعت على كتاب نافع في هذا المجال, وهي - كيف نفهم الأشياء من حولنا – للدكتور عبد الكريم بكار, وأردت أن تنتفعوا به. يحوي هذا الكتاب على ثلاثين سنة إلهية في الأنفس والمجتمعات تمت صياغتها بأسلوب جذاب رائع وذلك يهدف إلى بناء العقلية المنهجية التي تحول المعطيات والمعلومات والظواهر والإشارات المنتشرة والمبعثرة إلى أصول ونماذج عبر التحليل المنطقي بالإضافة إلى الروابط الدقيقة التي تربط بينها وهاهنا يمكنكم تحميل الكتاب - http://www.mediafire.com/?uzcc4rof7c83cfz

ورأيت أن الإمام ابن القيم كثيرا ما يستنبط العبر من هذه السنن الكونية ويستعين بمعرفتها على معرفة الفوائد والحِكَمِ من الأحكام الشرعية ونحو ذلك. فهل هناك كتب أخرى في هذا المجال وهل هناك شيوخ نستطيع أن ندرس عندهم كيف نفهم السنن الإلهية في الآفاق والأنفس وكيف نعرف ونستنبط الفوائد والحِكَمَ من الأحكام الشريعة؟؟؟
وأنا سأبدأ بما أعجبني نفعني كثيرا من كلام ابن القيم من الكتاب – إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان – المملوء بالفوائد والقواعد والسنن الكونية والدينية (لكن هو يستطرد كثيرا):

...فأصل كل فعل وحركة فى العالم: من الحب والإرادة، فهما مبدأ لجميع الأفعال والحركات، كما أن البغض والكراهية مبدأ كل ترك وكف، إذا قيل: إن الترك والكف أمر وجودى، كما عليه أكثر الناس، وإن قيل: إنه عدمى فيكفى فى عدمه عدم مقتضيه.
والتحقيق: أن الترك نوعان: ترك هو أمر وجودى. وهو كف النفس ومنعها وحبسها عن الفعل، فهذا سببه أمر وجودى، وترك هو عدم محض، فهذا يكفى فيه عدم المقتضى.
فانقسم الترك إلى قسمين: قسم يكفى فيه عدم السبب المقتضى لوجوده، وقسم يستلزم وجود السبب الموجب له: من البغض والكراهة، وهذا السبب لا يقتضى بمجرده كف النفس وحبسها.
والالتئام مسبب عن المحبة، والإرادة تقتضى أمرا هو أحب إليه من هذا الذى كف نفسه عنه، فيتعارض عنده الأمران. فيؤثر خيرهما وأعلاهما وأنفعهما له، وأحبهما إليه، على أدناهما، فلا يترك محبوبا إلا لمحبوب هو أحب إليه منه ولا يرتكب مبغوضا إلا ليتخلص به من مبغوض هو أكره إليه منه.
ثم خاصية العقل واللب: التمييز بين مراتب المحبوبات والمكروهات بقوة العلم والتمييز، وإيثار أعلى المحبوبين على أدناهما، واحتمال أدنى المكروهين التخلص من أعلاهما، بقوة الصبر واليقين.
فالنفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب، ولا تتحمل مكروها إلا لتحصيل محبوب، أو للتخلص من مكروه آخر، وهذا التخلص لا تقصده إلا لمنافاته لمحبوبها، فصار سعيها فى تحصيل بالذات، وأسبابه بالوسيلة، ودفع مبغوضها بالذات، وأسبابه بالوسيلة، فسعيه فى تحصيل محبوبه لماله فيه من اللذة، وكذلك سعيه فى دفع مكروهه أيضاً لماله فى دفعه من اللذة. كدفع ما يؤلمه من البول والنجو، والدم والقيء، وما يؤلمه من الحر والبرد، والجوع والعطش، وغير ذلك.
وإذا علم أن هذا المكروه يفضى إلى ما يحبه يصير محبوبا له، وإن كان يكرهه. فهو يحبه من وجه، ويكرهه من وجه، وكذلك إذا علم أن هذا المحبوب يفضى إلى ما يكرهه يصير مكروها له، وإن كان يحبه. فهو يكرهه من وجه، ويحبه من وجه.
فلا يترك الحى ما يحبه ويهواه مع قدرته إلا لما يحبه ويهواه. ولا يرتكب ما يكرهه ويخشاه إلا حذار وقوعه فيما يكرهه ويخشاه، لكن خاصية العقل أن يترك أدنى المحبوبين وأقلهما نفعا لأعلاهما وأعظمهما نفعا، ويرتكب أدنى المكروهين ضررا ليتخلص به من أشدهما ضررا.
فتبين بذلك أن المحبة والإرادة أصل للبغض والكراهة، وعلة لهما، من غير عكس فكل بغض فهو لمنافاة البغيض للمحبوب. ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض، بخلاف الحب للشيء. فإنه قد يكون لنفسه، لا لأجل منافاته للبغيض. وبغض الإنسان لما يضاد محبوبه مستلزم لمحبته لضده. وكلما كان الحب أقوى كانت قوة البغض للمنافى أشد.

ولِهذا كان "أوْثَقُ عُرَى الإيَمانِ الْحُبُّ فى اللهِ وَالْبُغْضُ فى اللهِ"، وكان "مَنْ أحَبَّ للهِ، وَأبْغَضَ للهِ، وَأعْطَى للهِ، وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيَمانَ".(يتبع)